المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

للدكتور صالح بن عبد الله بن حميد (1) بسم الله الرحمن - منهج في إعداد خطبة الجمعة

[صالح بن حميد]

الفصل: للدكتور صالح بن عبد الله بن حميد (1) بسم الله الرحمن

للدكتور صالح بن عبد الله بن حميد (1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعائه واهتدى بهداه أما بعد. . .

فإن الخطيب والواعظ له دور كبير وأثر بالغ في بيئته ومجتمعه وسامعيه وقومه، فهو قرين المربي والمعلم، ورجل الحسبة والموجه، وبقدر إحسانه وإخلاصه يتبوأ من قلوب الناس مكانا، ويضع الله له قبولا قد لا يزاحمه فيه أصحاب الوجاهات ولا يدانيه فيه ذوو المقامات، ومرد ذلك إلى حسن الإجادة وجودة الإفادة والقدرة على التأثير المكسو بلباس التقوى والمدَثَّر بدثار الإخلاص والورع.

وهذه كلمات في إعداد الخطبة وصفات الخطيب.

(1) هو معالي الدكتور صالح بن عبد الله بن محمد بن حميد، ولد في مدينة بريدة عام 1369هـ، وتخرج من الثانوية العامة بمكة المكرمة عام 1386هـ، كما نال الشهادة الجامعية من كلية الشريعة بمكة المكرمة جامعة أم القرى عام 1395هـ، والماجستير في الفقه وأصوله عام 1396هـ، وحصل على الدكتوراه بنفس التخصص السابق عام 1402هـ، وتولى عددا من المناصب آخرها عضوا بمجلس الشورى، ومعاليه إمام وخطيب الحرم المكي.

ص: 3

حرصت أن تكون شاملة لخصائص الخطيب والخطبة ووجوه التأثير في الخطبة وإحسان إعدادها مقدما لذلك بمقدمة في مهمة الخطيب الشاقة وتعريف الخطبة وأنواعها وبيان أثرها.

ولقد دونت ما دونت على فترة من المشاغل وضيق في الوقت، مع أن عندي رغبة سابقة في الكتابة في هذا الموضوع غير أن ما قدمته هنا لم يحقق كل ما كنت أرومه وما خططته لنفسي، ولكنه إسهام تولد من الرغبتين رغبة مقام الوزارة ورغبة الكاتب.

والله وحده الموفق والمعين وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله على خير خلقه نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

مقدمة مهمة الخطيب مهمة شاقة ولا ريب، مشقة تحتم عليه أن يستعد الاستعداد الكافي في صواب الفكر وحسن التعبير وطلاقة اللسان وجودة الإلقاء.

مطلوب من الخطيب أن يحدث الناس بما يمس حياتهم ولا ينقطع عن ماضيهم، ويردهم إلى قواعد الدين ومبادئه، يبصرهم بحكمه وأحكامه برفق ويعرفهم آثار التقوى والصلاح في الآخرة والأولى، مهمته البعد عن المعاني المكرورة وجالبات الملل.

ص: 4

والدعوة إلى التجديد والتحديث والبعد عن المكرور، لا يغير من الحقيقة الثابتة شيئا وهي أن حياة الناس وأحوالهم في كل زمان ومكان صورة واحدة من تصارع الغرائز واضطراب النفوس وغليان الأحقاد، وفي مقابل ذلك تلقى أحوالا من البرود والانصراف والغفلة وعدم المبالاة.

والخطيب عليه أن يهدي الثائر، ويبعث الفاتر، ويطفئ ثورة الغريزة، ويخفض حدة الأحقاد، ويشيع روح المودة، ويبث الإخلاص والتعاون.

نعم إن حياة الناس صورة معادة وتغيرات متناوبة فأحداث اليوم هي أحداث الأمس والبواعث والمثيرات في الماضي هي ذاتها في الحاضر.

فإنسان الغابة هو إنسان المدَنيَّة، غير أن الأول يحارب بحجر والثاني يرمي بقنبلة، والأول قد يقتل واحدا أو اثنين والثاني يقتل عشرات ومئات، القوي في الغابة يستولي على مرعى أو بئر، أما قوي المدينة يستولي على قطر بأكمله، ويأكل قوت شعب بأكمله وشعوب برمتها ويستبد بمصادر طاقة وموارد حياة مصيرية.

إذا كان ذلك كذلك فكيف يكون الحال لو نجح الدعاة المصلحون في تهذيب الغرائز والتسامي بها؟

ص: 5

إن خطيب المسجد وواعظ الجماعة أشد فاعلية في نفوس الجماهير من أي جهاز من أجهزة التوجيه والحكم في المجتمع سواء أكان واليا أو رجل عسكر أو حارس أمن. . . إن الجمهور قد يهابون أمثال هؤلاء لكنهم قد لا يحبونهم، أما الخطيب بلسانه ورقة جنانه وتجرده، فيقتلع جذور الشر في نفس المجرم ويبعث في نفسه خشية الله، وحب الحق، وقبول العدل، ومعاونة الناس، إن عمله إصلاح الضمائر، وإيقاظ العواطف النبيلة في نفوس الأمة، وبناء الضمائر الحية، وتربية النفوس العالية في عمل خالص وجهد متجرد، يرجو ثواب الله ويروم نفع الناس.

ومن هذا فإنك ترى أن أداء الخطيب عمله على وجهه يكسوه بهاء وشرفا، ويرفعه إلى مكان علي عند الناس.

ولتعلم أن هذا ليس إطراء ولا مديحا، ولكنه تنبيه إلى شرف العمل ومشقته وعظم مسؤوليته ونقل رسالته، وما تتطلبه من حسن استعداد وشعور صادق بالمسؤولية.

وكيف لا يكون ذلك وهذه هي رسالة الأنبياء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا؟ ولا غرابة أن يصادف إيذاء وعداء وحسبه أن يكون مقبولا عند الله والصفوة من عباد الله.

ص: 6