الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا ما تم له ذلك أصبح واثق العلم رصين الأسلوب، رابط الجأش، مطمئن النفس، ثابت الجنان، ولو حصل عكس ذلك أو قل مرانه لأحاط به الاضطراب والضعف وهان في أعين الحضور واضمحل تأثيره وذهب كلامه هباء وتصبب عرقا وغرق في الحيرة والدهشة وعلاه الإرتاج والإفحام.
[إضافات وصفات وآداب عامة]
إضافات هذه أساسيات التحصيل العلمي والدربة وهناك ملاحظات متعلقة بها يحسن بالخطيب رعايتها، منها:
تجنب الخوض فيما لا يعلم: على الخطيب الابتعاد عن الخوض فيما لا يعلم فإن هذا موقع في الارتباك والحديث غير المفهوم، فتضيع الهيبة والوقار ويصبح محل التندر مما يمنع الاستفادة والقبول وينفر الجمهور.
مخاطبة الناس بما يعرفون: من الخطأ وقلة الفقه في خطاب الناس الخوض في دقائق العلوم والمعارف، وتفاصيل المباحث إثباتا أو نفيا ونقاشا علميا والغوص في الخلافات العلمية والفقهية مما مجاله حلق العلم وقاعات الدراسة، ناهيك بمن يخوض في العلوم التجريبية والعلوم البحتة من طب وتشريح وفلك وجيولوجيا ودقائق خلق الإنسان والحيوان ومكونات الأرض والصخور مما
لا تدركه فهوم عموم المستمعين فهذا يمنع الفائدة ويُجَرِّئ على الاستهانة بالخطيب وموضوعه.
مراعاة مقتضى الحال وأحوال السامعين: لكل مقام مقال، ولكل جماعة لسان، فالحديث إلى العلماء غير الحديث إلى الأغنياء، والحديث إلى العامة غير الحديث إلى العلية، وخطاب الأميين غير خطاب المثقفين، والكلام في حالات الأمن يختلف عنه في حالات الخوف، وقل مثل ذلك في اختلاف الظروف وتقلبات الأحوال من غنى وفقر وصحة ومرض ورخاء وجدب، ومخاطبة الثائرين غير مخاطبة الفاترين، فالثائر يقمع والفاتر يستثار.
والمتكلم المجيد يعرف أقدار المعاني ويوازن بينها وبين أقدار السامعين وأقدار الأحوال، فيجعل لكل طبقة كلاما ولكل حال مقاما، فيقسم أقدار الكلام على أقدار المعاني وأقدار المعاني على أقدار المقامات.
ناهيك بمراعاة الفروق بين خطاب أهل القرية النائية والمدينة المكتظة فصخب المدينة وأحداثها غير عزلة القرية ومحدوديتها.
آداب يلتزم بها يضاف إلى ما سبق من الصفات فطريها ومكتسبها بعض آداب تفيد في تحقيق النفع وبلوغ الأثر وحصول القبول.
صدق اللهجة: لا بد أن يظهر الخطيب مخلصا صادقا حريصا على قول الحق والعمل به والدعوة إليه، فهذا ينبت الفقه، فلا يسرف في مدح ولا ذم ولا وعد ولا وعيد، يبتعد عن فاحش القول وبذيئه، يستغني بالكناية عن التصريح فيما يستهجن فيه الإيضاح، فعفة اللسان ونزاهته دليل على نزاهة القلب وصفائه.
التودد للسامعين: ينبغي للخطيب أن ينحو منحى الرفق والتبشير والتيسير قدر المستطاع، فمن أظهر المحبة كان أجدر بأن يستجاب له، ومن أغضب واستثار كان أحرى بأن يرد قوله.
ومما يدخل في هذا الباب البعد عن العجب والحديث عن النفس وتجنب الأغراض الشخصية، فظهور الغرض الشخصي يجعل للريبة مدخلا، فحقه أن يسبقهم في المكارم، ويقدمهم في المغارم، ويقدمهم في المغانم.
الورع والصلاح: الورع والتدين والعفة والصلاح من أدل الدلائل على الصدق والإخلاص وتجرد الإيمان والبعد عن الأغراض والأهواء، فعلى الخطيب أن يتسربل بسربال التقوى، ويتدثر بدثار الاستقامة.
اليقين العميق والاقتناع الشخصي: يجب أن يكون الخطيب شديد الثقة بما يقول، صادق اليقين بما تفيض به نفسه وينطق به لسانه، إذ لا يؤثر إلا المتأثر، وما كان من القلب فهو يصل إلى القلب.
إن قوة الاعتقاد وصحة اليقين تكسب الكلام حرارة، والصوت تأثيرا، والألفاظ قوة والمعاني روحا، وكل ذلك يولد جوا عاطفيا حول الخطيب يجعل كلامه متصلا بوجدانه.
صفات وآداب عامة ما سبق لم يكن حصرا للصفات والآداب، ولكنها إشارات بينها ترابط في ثناياها إشارات إلى غيرها مما قد تراه مبسوطا في مراجع أخرى، فالحديث في ملك هذه الصفات والآداب يعمق ويتشعب، وبخاصة في مثل الخطيب والموجه المربي والمعلم ورجل الدعوة فهم أمثلة تحتذى ويوجهون بأعمالهم وصفاتهم قبل أقوالهم وعلومهم، وهاك سردا لبعض الصفات لتدلك على ما قلنا، مما لا ينبغي أن يغفل عنه الخطيب وأمثاله ويتعاهد نفسه بفحصها