الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مدخل]
مدخل لا يقصد من الكتابة عن الخطابة وأسسها ومبادئها وآدابها، أن تكون مادة يدرسها الدارس لتجعل منه خطيبا مفوَّها ومتحدثا مصقعا، إن الكتابة والأبحاث والمناهج لا تجعل من العيي فصيحا ولا اللسان المعقود طليقا، ولكن هذه الكتابات والدراسات والبحوث نبراس ومنار يضيء لصاحب الموهبة والاستعداد، مشعل ينمي الموهبة ومصباح ينير السبيل فلا يكون حاطب ليل.
هذه الكتابات والبحوث يتكون منها علم ينير الطريق ولا يحمل على السلوك، يرشد إلى الدرب ولا يقسر على السير.
وأنت خبير بأن السراج المنير لا يستفيد منه غير البصير أما ذو الرمد فغير منتفع، ويكفيك إشارة بأن الكاتب في علم الاقتصاد والعالم في أسسه وقواعده قد يكون أقل الناس مالا وأضعفهم موردا.
ومن حكم أفلاطون: "لكل أمر حقيقة، ولكل زمان طريقة، ولكل إنسان خليقة، فالتمس من الأمور حقائقها، وأَجْرِ الأزمنة على طرائقها، وعامل الناس على خلائقها".
[تعريف الخطبة وأغراضها وأثرها]
تعريف الخُطبة: بضم الخاء كلام منثور مسجوع ومرسل، أو مزدوج بينهما، غايته التأثير والإقناع.
ويقصد بها هنا الخطب التي تلقى على المنابر يوم الجمعة، بقصد حمل الناس على الخير، وترغيبهم فيه، وصرفهم عن الشر ودواعيه، وتبصيرهم بأحوالهم وواقع أمرهم حسب ما يقتضيه أمر الشرع.
والخطبة من جانب الخطيب مقدرة على التصرف في فنون الكلم، مرماها التأثير في نفس السامع ومخاطبة وجدانه.
أغراضها الدعوة إلى الصلاح والإصلاح، والاستمساك بأمور الشريعة، وإقامة الحق العدل، ونشر الفضائل، وتسكين الفتن، وفض المشكلات، وتهدئة النفوس الثائرة، وإثارة النفوس الفاترة، ترفع الحق، وتخفض الباطل، هي صوت المظلومين، وواعظ الظالمين، ولسان الهداية، ولقد نادى موسى عليه السلام ربه {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي - وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي - وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي - يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 25 - 28] فجاءه الجواب الرباني: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} [طه: 36]
والغرض هنا الإشارات إلى مجمل الأغراض، وسوف يزداد الأمر بيانا من خلال الحديث عن أنواع الخطب وخصائص
الخطب المنبرية.
والفقرة التالية في أثر الخطبة تعطي مزيد بسط في المقصود.
أثرها لا يكاد ينجح صاحب فكرة، أو ينتصر ذو حق، أو يفوز داعية إصلاح، إلا بالكلمة البليغة، والحجة الظاهرة، والخطبة الباهرة.
الخطيب المفوه يلحق بحجته، ويسبق إلى غايته، فيعلو سلطانه، ويتسع ميدانه.
ولهذا فإن القائد المحنك في الجيش يتميز فيما يتميز بذرابة لسانه وحسن خطابه، فيكون خطيبا مصقعا ولسنا مفوها، ولا يذكر حين يذكر إلا منذر الجيش نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن بعده خطباء أصحابه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ثم من بعدهم من صالح سلف الأمة وأئمتها من علوا المنابر فأصغت لهم الآذان ودانت لهم الرقاب.
ولئن كانت الخطبة في بعض مساريها أو مساراتها طريقا للمجد الشخصي، فإنها في نبل غايتها وعظيم أثرها طريق للنفع العام والإصلاح الشامل.
والخطابة مظهر حضاري للمجتمع الراقي المستنير، يعلو قدرها، ويروج سوقها برقي المجتمع، وانتشار الثقافة فيه، كما أنها تخبو حين ضعفه وذلته.
وثمت جانب في التأثير آخر ينبغي مراعاته، وهو أن تأثير الخطيب في سامعيه ليس بالإلزام أو الإفحام، بل مرده إلى إثارة العاطفة، وحمله على الإذعان والتسليم، ولا يكون ذلك بالدلائل المنطقية تساق جافة، ولا بالبراهين العقلية تقدم عارية، ولكنه بإثارة العاطفة ومخاطبة الوجدان.
ومن هذا فإن الخطيب فد يستغني عن الدلائل العقلية ولكنه لا يمكن أن يستغني عن المثيرات العاطفية، ولعلك تدرك أن أكثر ما يعتمد عليه الخطيب في حمل السامعين على المراد مخاطبة وجدانهم والتأثير في عواطفهم.
إن الخطيب المرموق -كما هو معلوم- يأخذ سامعيه باستدراجه اللبق وكلماته الساحرة وصوته العذب المتردد انخفاضا وارتفاعا وإثارة وهدوءا ينشئ جوا عاطفيا مشحونا، وهذا معين في التأثير لا ينضب ولا يمل.
أما البراهين العقلية فجافة تجلب السآمة.