المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[رابعا أحكام الجهاد] - مهمات حول الجهاد

[صالح الفوزان]

الفصل: ‌[رابعا أحكام الجهاد]

[رابعا أحكام الجهاد]

رابعا: أحكام الجهاد: الجهاد فرض كفاية، قال ابن عطية: "والذي استمر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم فرض كفاية (1) .

وفي حاشية ابن عابدين: "الجهاد إذا جاء النفير إنما يصير فرض عين على من يقرب من العدو، فأما من وراءهم ببعد من العدو فهو فرض كفاية عليهم يسعهم تركه إذا لم يحتج إليهم (2) .

قال ابن قدامة في المقنع: "وهو فرض كفاية (3) وقال: " ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد أو حصر العدو بلده تعين عليه (4) .

فهذا هو الأصل في حكم الجهاد، وقد يكون فرض عين، قال شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة في الشرح الكبير تحت عبارة المقنع المتقدمة:

"وجملة ذلك أن الجهاد يتعين في ثلاثة مواضع:

(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3 / 38) .

(2)

حاشية ابن عابدين (4 / 124) .

(3)

(10 / 6) الشرح الكبير والإنصاف.

(4)

(10 / 14) .

ص: 26

أحدها: إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان يحرم على من حضر الانصراف ويتعين عليه المقام.

الثاني: إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم.

الثالث: إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير معه. . (1) .

وقال النووي " قال أصحابنا: الجهاد اليوم فرض كفاية إلا أن ينزل الكفار ببلد المسلمين فيتعين عليهم الجهاد، فإن لم يكن في أهل ذلك البلد كفاية وجب على من يليهم تتميم الكفاية (2) .

يقول شيخ الإسلام: " إذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة (3) .

وذكر الفقهاء أن الجهاد قد يحرم ففي الأم للشافعي: "لا يجوز له الجهاد وعليه دين إلا بإذن أهل الدين وسواء كان الدين لمسلم أو كافرا (4) .

وجاء في المنهاج وشرحه مغني المحتاج: " ويحرم على رجل جهاد بسفر

(1) الشرح الكبير (10 / 9 -11) .

(2)

شرحه على مسلم (8 / 63، 34) المطبوع على هامش القسطلاني على البخاري.

(3)

مجموع الفتاوى (4 / 609) .

(4)

الأم للشافعي (4 / 163) .

ص: 27

وغيره إلا بإذن أبويه (1) .

قال الشوكاني: " يجب استئذان الأبوين في الجهاد وبذلك قال الجمهور وجزموا بتحريم الجهاد إذا منع منه الأبوان أو أحدهما لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية (2) .

وهذه الحالة التي ذكر الشوكاني إذا كان الجهاد فرض كفاية أما إذا كان فرض عين فلا يدخل كلامهم فيه.

ومن الصور والحالات التي يحرم الجهاد فيها - كما نص عليه الفقهاء- قولهم إذا زادت الكفار [أي ضعف قوة المسلمين] ورجي الظفر بأن ظنناه إن ثبتنا استحب الثبات، وإن غلب على ظننا الهلاك بلا نكاية وجب علينا الفرار لقوله تعالى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195](3) .

وفي القوانين الشرعية لابن جزي "وإن علم المسلمون أنهم مقتولون فالانصراف أولى، وإن علموا مع ذلك أنهم لا تأثير لهم في نكاية في العدو

(1) مغني المحتاج (4 / 217) .

(2)

نيل الأوطار (7 / 231) .

(3)

مغني المحتاج (4 - 226) .

ص: 28

وجب الفرار، وقال أبو المعالي: لا خلاف في ذلك (1) ا. هـ.

قال الشوكاني: " إذا علموا بالقرائن القوية أن الكفار غالبون لهم مستظهرون عليهم فعليهم أن يتنكبوا عن قتالهم ويستكثروا من المجاهدين ويستصرخوا أهل الإسلام، وقد استدل على ذلك بقوله عز وجل:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195](2) وهي تقتضي ذلك بعموم لفظها وإن كان السبب خاصا فإن سبب نزولها أن الأنصار لما قدموا على زرائعهم وإصلاح أموالهم وتركوا الجهاد أنزل الله في شأنهم هذه الآية كما أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه والحاكم.

وقد تقرر في الأصول أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومعلوم أن من أقدم وهو يرى أنه مقتول أو مأسور ومغلوب فقد ألقى بيده إلى التهلكة (3) .

وجاء في السير الكبير: "فأما إذا كان يعلم أنه لا ينكي فيهم فإنه لا يحل له أن يحمل عليهم لأنه لا يحصل بجملته شيء مما يرجع إلى إعزاز الدين

(1) صفحة 165.

(2)

مغني المحتاج (4-226) .

(3)

السيل الجرار (4 - 529) .

ص: 29

ولكنه يقتل فقط وقد قال تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29](النساء: 29) ".

ولذا قال الألوسي في قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] هي اقتحام الحرب من غير مبالاة وإيقاع النفس في الخطر والهلاك (1) .

وقال ابن حجر في مسألة حمل الواحد على العدد الكثير: "متى كان مجرد تهور فممنوع لا سيما إن ترتب على ذلك وهن المسلمين ".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف، أو في وقت هو فيه مستضعف، فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين ، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (2) .

ومن القواعد المقررة: دفع المضار مقدم على جلب المنافع.

ونقل المرداوي في الإنصاف عن صاحب البلغة:

(1) تفسير الألوسي (2 / 77) .

(2)

الصارم المسلول (2 / 413 - 414) .

ص: 30

"وهو فرض عين في موضعين:

أحدهما: إذا التقى الزحفان وهو حاضر.

والثاني: إذا نزل الكفار بلد المسلمين تعين على أهله النفير إليهم إلا لأحد رجلين: من تدعو الحاجة إلى تخلفه لحفظ الأهل أو المكان أو المال، والآخر: من يمنعه الأمير من الخروج

هذا في أهل الناحية ومن بقربهم أما البعيد على مسافة القصر فلا يجب عليه إلا إذا لم يكن دونهم كفاية من المسلمين ا. هـ.

وكذا قال في "الرعاية" وقال: أو من كان بعيدا وعجز عن قصد العدو. قلت: أو قرب منه وقدر على قصده لكنه معذور بمرض أو نحوه أو بمنع أمير أو غيره بحق كحبسه بدين " ا. هـ (1) .

فتبين من كلام الفقهاء أن أمر الجهاد ليس صورة واحدة بل له شروط وأحكام وضوابط كغيره من فرائض الإسلام، والأصل فيه أنه فرض كفاية، وقد يكون فرض عين، وقد يكون محرما، وإذا كان الأمر كذلك فلا ينقد أهل الإسلام بنظر أي قائل، بل عليهم أن يرجعوا إلى أهل العلم الراسخين فيه الذين يردون المتشابه من العلم إلى محكمه

(1) الإنصاف (10 / 15) .

ص: 31

تنبيه:

قد يدخل المسلم أحد بلاد الكفر بتأشيرة الدخول فيقتل فيهم أو يفسد في أرضهم، وقد قال الفقهاء: وأمانهم لمسلم أمان لهم منه.

يعني أن الكفار لكي يكونوا آمنين من المسلم في بلادهم لا بد لهم من أخذ تصريح منه بأنهم آمنون منه أيضا أو إعطائه ما يسمى بتأشيرة الدخول فحينئذ يحرم عليه أن ينالهم بمكروه.

والعرف الدولي السائد هو أن من يدخل بلادا بأمان فتلك البلاد في أمان منه أيضا، ومن القواعد الشرعية "المعروف بالعرف كالمشروط بالنص.

قال الشافعي: "إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان فالعدو منهم آمنون إلى أن يفارقوهم أو يبلغوا مدة أمانهم وليس لهم ظلمهم ولا خيانتهم (1) .

وقال ابن قدامة "من دخل إلى أرض العدو بأمان لم يخنهم في مالهم ولم يعاملهم بالربا أما خيانتهم فمحرمة لأنهم إنما أعطوه الأمان مشروطا بتركه خيانتهم وأمنه إياهم من نفسه وإن لم يكن ذلك مذكورا في اللفظ فهو معلوم في المعنى (2) .

(1) الأم (4 / 263) .

(2)

(13 / 152) . وينظر كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق لعثمان الزيلعي حول كلام الأحناف في المسألة (3 / 266) .

ص: 32