الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجانب الآخر في المعركة التالية، وذلك حتى "عام 86هـ/ 707م" تقريبا، وهو نهاية ولاية القائد المجاهد حسان بن النعمان، والذي نجح في إخضاع "إفريقية""المغرب الأدنى". ثم جاء من بعده موسى بن نصير، وقام بمهمة استكمال الفتح، وإخضاع الشمال الإفريقية كله للمسلمين.
مراحل الفتح الإسلامي للمغرب
المرحلة الأولى: مرحلة الاستكشاف والاستطلاع "22-50هـ/ 643-670م
"
أولًا: عمرو بن العاص وأولى المحاولات "فتح برقة- ودان- فزان- طرابلس
"
…
مراحل الفتح الإسلامي للمغرب:
لهذه الأسباب -وغيرها- مجتمعة كان فتح المسلمين للمغرب فتحا مميزا عن باقي الأقاليم المفتوحة، وكانت الجبهة المغربية من أعنف جبهات القتال وأطولها في حركات الفتوحات العربية الإسلامية.
ونتيجة لطول مدة الفتح الإسلامي لمنطقة المغرب فإن المؤرخين يميلون إلى تقسيم هذه الفتوحات إلى عدة مراحل، من أجل تسهيل دراستها واستيعابها؛ فهناك من يقسمها إلى مراحل عدة، قد تصل إلى ثماني مراحل، أو سبع، بحسب القادة الذين تولوا الجهاد هناك. ومنهم من يقسم الفتح إلى ثلاث مراحل رئيسية أو مرحلتين رئيسيتين؛ أولاهما: قبل تأسيس القيروان "سنة 50هـ". والأخرى تالية لها. وليس هناك تعارض بين هذه التقسيمات؛ لأن الذين يفضلون تقسيم الفتح إلى مرحلتين رئيسيتين أو ثلاثة كانوا يقسمون كل مرحلة إلى تقسيمات داخلية. وسنتبع التقسيم الثلاثي في عرضنا التالي -المختصر- لفتوح المغرب.
المرحلة الأولى: مرحلة الاستكشاف والاستطلاع "22-50هـ/ 643-670م"
وقد امتدت هذه المرحلة من سنة "22هـ/ 642م" إلى منتصف القرن الأول الهجري. وقادة هذه المرحلة هم: عمرو بن العاص "ت44هـ/ 664م"، وعبد الله ابن سعيد بن أبي سرح "ت 37هـ/ 657م". ومعاوية بن حديج الكندي "ت52هـ/ 627م"، وعقبة بن نافع الفهري "الحملة الأولى" رضي الله عنهم أجمعين.
أولا: عمرو بن العاص وأولى المحاولات "فتح برقة -وادن- فزان -طرابلس"
ما كاد عمرو بن العاص رضي الله عنه ينهي فتح الإسكندرية ويستقر فيها حتى بدأ
يفكر في تأمين حدود مصر الغربية، فواصل السير إلى أن وصل "برقة"، وذلك في أواخر "سنة 21هـ/ 642م"، فصالح أهلها على ثلاثة عشر ألف دينار يؤدونها جزية1 في كل عام "دينار على كل حالم"2.
وقد كانت "برقة" تابعة لمصر من أيام الاحتلال الروماني والبيزنطي، ولذا أقدم عمرو بن العاص على فتحها؛ لأنه يعتبرها مصرية. وبهذا يمكن إخراج فتح "برقة" من فتوح "إفريقية"، واعتبار فتحها إتماا لفتح مصر، ووقوفا عند حدها الغربي3.
ولم يكن هدف عمرو بن العاص قاصرا على تأمين حدود مصر الغربية والقضاء على قوة البيزنطيين في ذلك الجانب فحسب، وإنما كانت تحثه دوافع الجهاد الإسلامي من أجل مواصلة نشر الإسلام. فبعد أن انتهى من فتح "برقة" بدأ في الاستعداد لفتح "طرابلس"، ولكن كان لا بد أن يؤمن خط العودة، خشية أن يؤتى من قبل السكان المقيمين في الواحات الداخلية، ومن هناك أدرك ضرورة تقسيم جيشه إلى فرقتين: إحداهما بقيادة تتجه إلى "طرابلس"، والثانية بقيادة عقبة بن نافع الفهري -وكان يومئذ قائدا صغيرا في جيش عمرو- لتتجه إلى المناطق الداخلية4.
أما عقبة فلم يجد مقاوم تذكر حتى وصل إلى "زويلة"5، وفتحها بالصلح على ثلاث عشرة ألف دينار6، وأقام في هذه النواحي الصحراوية المنعزلة نحو عشرين سنة يدعو إلى الإسلام7، ويضرب لأهلها المثل الجميل للمسلمين الصادق المتفاني في دينه، واستطاع أن يكسب إلى جانبه قلوب الكثير من أهلها، ومعظمهم من قبائل "نفوسة" و"لواتة" و"نفزاوة"، وهم من البربر "البتر"8.
1 فتوح مصر والمغرب لابن عبد الحكم ص"170".
2 البيان المغرب لابن عذارى ج1 ص"9".
3 د. طاهر راغب: التطور السياسي للمغرب من الفتح إلى آخر القرن العاشر الهجري ص"14". ومن الجدير بالذكر أن "برقة" استمرت تحت الإدارة المصرية مدة طويلة أيام الخلفاء الراشدين، في الدولة الأموية، ومدة طويلة من الدولة العباسية.
4 د. محمد عبد الحميد عيسى: دراسات أندلسية -ص "11"، د. حسين مؤنس: فتح العرب للمغرب ص"59".
5 زويلة: مدينة غير مسورة في وسط الصحراء، وهي أول حدود السودان القديم "معجم البلدان "3/ 160".
6 تاريخ الطبري "4/ 144"، الكامل في التاريخ لابن الأثير "2/ 423".
7 وذلك قبل أن يقود حملته الأولى لفتح إفريقية "سنة 50هـ" ويؤسس هناك مدينة "القيروان".
8 راجع: فجر الأندلس للدكتور حسين مؤنس ص"37"، تاريخ المغرب العربي للدكتور سعد زغلول عبد الحميد، ج1، ص"83-87"، وانظر: فتح مصر والمغرب لابن عبد الحكم، ص"171".
وأما عمرو بن العاص فقد واصل المسير بحذاء الساحل، قاصدا "طرابلس" -وكانت هي الأخرى تابعة لمصر من الناحية الإدارية- فوصل إليها "سنة 22هـ/ 643م"، "وحاصرها شهرا لا يقدر منهم على شيء"، كما يقول ابن عبد الحكم1 وقد كان لطرابلس أسوارها التي تحيط بها إلا من جهة البحر، وكان حصار عمرو لها من ناحية البر فقط، ولم يؤثر هذا في المدينة أثرا ذا بال لخلو جهة البحر من الحصار ولم يتمكن المسلمون من فتحها إلا بعد أن نجحت إحدى سرايا الاستطلاع من التسلل إلى داخلها من الجهة المطلة على البحر، وتم تحقيق مفاجأة عسكرية جيدة ضد البيزنطيين الذين لم يجدوا فرصة لتنظيم المقاومة، بل هرب من استطاع منهم إلى سفنهم، تاركين وراءهم مغانم كثيرة2.
وبمجرد استيلاء عمرو بن العاص على طرابلس سير قوة كبيرة من فرسانه، وأمرهم بالإسراع نحو مدينة "سبرت""Sabrata"، وهي آخر مدن الإقليم الساحلية الهامة في اتجاه الحدود التونسية. ويصف ابن عبد الحكم فتح هذه المدينة بقوله:"وكان من بـ "سبرت" متحصنين
…
فلما بلغهم محاصرة عمرو مدينة طرابلس، وأنه لم يصنع فيهم شيئا، ولا طاقة له بهم أمنوا، فلما ظفر عمرو بن العاص بمدينة طرابلس جرد خيلا كثيفة من ليلته، وأمرهم بسرعة السير، فصبحت خيله مدينة "سبرت"، وقد غفلوا وقد فتحوا أبوابهم لتسرح ماشيتهم، فدخلوها "أي المسلمون"، فلم ينج منهم أحد "أي من أهلها"، واحتوى عمرو على ما فيها"3.
وفي أثناء حصار عمرو بن العاص لمدينة طرابلس أرسل قائده "بسر بن أرطأة" إلى ميدنة "ودان" في قلب إقليم "فزان"، وتقع جنوب طرابلس على بعد "800 كم" في الصحراء، فافتتحها "سنة 23هـ/ 643م"4 "راجع الخريطة.
1 فتوح مصر والمغرب ص"111".
2 راجع قصة فتح طرابلس في "فتوح مصر والمغرب" لابن عبد الحكم، ص"171"، والكامل لابن الأثير "2/ 428"، وراجع: فتح العرب للمغرب، لحسين مؤنس ص"60-63".
3 فتوح مصر والمغرب ص"172".
4 فتوح مصر والمغرب ص"194، 195". وراجع: معالم تاريخ المغرب والأندلس لحسين مؤنس ص"34، 35".
التفكير في فتح "إفريقية" في آخر خلافة عمر بن الخطاب:
بهذا يكون عمرو بن العاص قد نجح في تأمين الحدود الغربية لمصر الإسلامية، وفتح البلاد الليبية الحالية دون عقبات كبيرة. وبعد أن تم له ذلك أخذ يستعد لفتح "إفريقية""البلاد التونسية"، ولكنه قبل أن يفعل رأى استئذان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكتب إليه يقول:"إن الله فتح علينا إطرابلس، وليس بينها وبين إفريقية إلا تسعة أيام، فإن رأى أمير المؤمنين أن يغزوها، ويفتحها الله على يديه فعل". فرد الخليفة -رافضا فكرة الغزو- فقال: "لا، إنها ليست بإفريقية، ولكنها المفرقة، غادرة، مغدور بها، لا يغزوها أحد ما بقيت"1.
والسؤال: لماذا لم يسمح عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقائده عمرو بن العاص رضي الله عنه بمواصلة الجهاد في هذه المنطقة، وهو الذي دفع بالمسلمين إلى الجهاد في ميادين شتى، وتم على يديه انهيار أكبر امبراطوريتين هما فارس والروم؟
لقد فسر الباحثون هذا الرفض بعدة تفسيرات، يمكن دمجها في سببين اثنين:
الأول: ما تعبر عنه مقالة عمر المذكورة؛ من أنه كان على علم بمجريات الأمور في "إفريقية"، وأنها ليست مأمونة الجوانب، ولا ميسورة الفتح، ولا قريبة الطاعة، وكان محيطا بثورات أهلها ونكثهم بالعهود، ومن هنا خشي على جيوش المسلمين من أن تنساب وتتبعثر في هذه المناطق الشاسعة، وهي لم تزل بعد في حاجة إلى توطيد نفوذها وسلطانها في البلاد التي تم فتحها2. وهذا الموقف متسق مع إحساس الخليفة بالمسئولية، ومتفق ومجريات الأحداث؛ فما زالت مصر حديثة عهد بالفتح، وخط الإمدادات سيطول، وربما تعرض في فترة أو أخرى لخطر القطع أو التأخر3.
1 فتوح مصر والمغرب ص"173". وفي البيان المغرب -لابن عذارى "ج1 ص9": "وكتب "عمر بن العاص" إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخبره بما أفاء الله عليه من النصر والفتح، وأن ليس أمامه إلا بلاد إفريقية، وملوكها كثير، وأهلها في عدد عظيم، وأكثر ركوبها الخيل، فأمره بالإنصراف عنها. فأمر عمرو العسكر بالرحيل قافلا إلى مصر".
2 د. السيد عبد العزيز سالم: المغرب الكبير "الجزء الثاني: المغرب في العصر الإسلامي -ص65"، د. أحمد مختار العبادي: في تاريخ المغرب والأندلس ص"38"، د. محمد عبد الحميد عيسى: دراسات أندلسية، ص"13"، د. شكري فيصل: حركة الفتح الإسلامي، ص"157".
3 د. طاهر راغب: التطور السياسي للمغرب
…
ص"18".