المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرق بين السلف والخلف في الخوف من الله تعالى - التفكر والاعتبار بآيات الكسوف والزلازل والإعصار

[عبد الكريم الحميد]

الفصل: ‌الفرق بين السلف والخلف في الخوف من الله تعالى

‌الفرق بين السلف والخلف في الخوف من الله تعالى

لقد ذكر ابن كثير رحمه الله في تاريخه، وذكر غيره من السلف والمؤرخين ما حدث في أزمانهم وقبلها من الآيات، وفي غالبها يذكرون ما يُقارنها ويعقبها من نتائج مفقودة في عصرنا؛ فالناس ينكسرون ويذلون لربهم ويضجون إليه بالتضرع والدعاء، وأهل المعاصي الظاهرة يُكسّرون آلات لهوهم ويُهْريقون خمورهم، ويلجأ الناس إلى المساجد بكسرة وذلة وخوف؛ وهذا مطلوب ومحمود.

وبالجملة .. فإن أحوالهم تتغير إلى خير، وانتقال مما يسخط الله إلى ما يُرضيه، وهذا من حكمة إحداث الله الآيات لعباده .. قال تعالى:{فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ? فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ? فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} (1).

والسبب أن أحوالهم كانت قريبة من الفطرة وصفائها والشرعة

(1) سورة الأنعام، الآيات: 42 – 44.

ص: 7

وطهارتها، ولذلك يَقْرُب عَوْدُهم إلى ربهم مع بيان منكرات الشريعة حيث إنه ما غشاهم اللَّبْسُ الذي يُضعف الفرقان الديني أو يُزيله بالكلية ويقلبه.

أما أحوالنا فقد أصبحت مُعَقّدة، واللَّبْس قد تمكَّن، والفهوم كدِرَة، والفِطَر مُجْتالة، والشبهات الكثيرة واردة من الفجرة على كل جانب من جوانب الشريعة، يوحيها إليهم الشيطان.

وإنَّ تَرَحّل الخوف من القلوب لنذير شرّ، وإن هذا لظاهر فينا ظهوراً بَيِّناً دلت عليه ِآياتٌ عديدة جاءتنا ولم تُلْجئنا إلى ربنا بخلاف ما كان عليه السلف من عظيم صلتهم بخالق الكون ومُدَبِّره - سبحانه - في رَغَباتهم ورهَبَاتهم.

وحينما زلزلت الكوفة في وقت عبد الله بن مسعود قال رضي الله عنه: (إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه)(1).

قال ابن القيم رحمه الله: (استعتاب الله عبدَه أن يطلب منه أن يُعْتبه، أي يزيل عُتْبه عليه بالتوبة والاستغفار والإنابة، فإذا أناب إليه رَفَع عنه عُتْبَه) انتهى (2).

(1) أنظر تفسير الطبري، 15/ 109.

(2)

مفتاح دار السعادة، ص (121).

ص: 8