المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌خاتمة الكتاب وليكن ختم هذه الرسالة بموعظة بليغة لم تدَوَّن في - التفكر والاعتبار بآيات الكسوف والزلازل والإعصار

[عبد الكريم الحميد]

الفصل: ‌ ‌خاتمة الكتاب وليكن ختم هذه الرسالة بموعظة بليغة لم تدَوَّن في

‌خاتمة الكتاب

وليكن ختم هذه الرسالة بموعظة بليغة لم تدَوَّن في التاريخ لأجل أهلها فقط، وإنما لنا بعدهم، فإن سنة الله لا تتبدّل ولا يُرد بأسه عن القوم المجرمين، فإن أمْرَنا قد تعدى حدوده، ونعوذ بالله من حلول سخطه، فإنه في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة من الهجرة وقع مُوتان عظيم ببلاد الهند، وغزنة، وخراسان، وجرجان، والرّيْ، وأصبهان، خرج منها في أدنى مدة أربعون ألف جنازة.

وقد رأى رجل من أهل أصبهان في منامه منادياً ينادي بصوت جهوري:

" يا أهل أصبهان .. سَكَتْ، نَطَقْ، سَكَتْ، نَطَقْ ".

فانتبه الرجل مذعوراً فلم يدرِ أحد تأويلها ما هو حتى قال رجلٌ بيتَ أبي العتاهية، فقال: احذروا يا أهل أصبهان فإني قرأت في شعر أبي العتاهية قوله:

سَكَتَ الدهر زماناً عنهمو

ثم أبكاهُمْ دَماً حين نَطَقْ!

فما كان إلا قليل حتى جاء الملك مسعود بن محمود فقتل منهم خلقاً

ص: 123

كثيراً، حتى قتل الناس في الجوامع (1).

فتأمل الآن سكوت الزمان ونطقه، وتأمل قوله تعالى:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} (2)، فما الذي يُؤَمِّننا إذا كانت هذه عادة الله أن يفتح على مَن عصاه أبوابَ كلِّ شيء من رفاهية الدنيا ونعيمها استدراجاً؟!، وقد فُتِح علينا بمدة لم يمضِ عليها ستين سنة من أبواب كل شيء ما لم يُعهد له نظير من حين أهبط الله آدم – عليه السلام – إلى الأرض، والمعاصي والضلالات مقارنة لهذا الفتح ملازمة له تزيد بكثرته، ويستعصي التخلص منها بوفرته وصِفَتِه، فالحذَر الحذَر!.

وعن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – قال: (كان في بني إسرائيل رجل عقيم لا ولد له، وكان يخرج، فإذا رأى غلاماً من غِلْمَان بني إسرائيل عليه حلي يخدعه حتى يدخل بيته فيقتله ويلقيه في مطمورة له، فبينما هو كذلك إذْ لقي غلاميْن أخويْن عليهما حُلِيّ فأدخلهما بيته، وقتلهما وطرحهما في مطمورته، وكانت له امرأة مسلمة تنهاه عن ذلك وتقول له:" إني أحذرك عن النقمة من الله عز وجل "، فيقول:

(1) أنظر: البداية والنهاية 12/ 34، والنجوم الزاهرة لابن تغري 4/ 276، والأنساب للسمعاني 1/ 259.

(2)

سورة الأنعام، الآية:44.

ص: 124

" لو أن الله يأخذني على شيء لأخذني يوم فعلت كذا وكذا "، فتقول له المرأة:" إنَّ صَاعك لم يمتلئ، ولو امتلأ صاعك لأُخِذْتْ "، فلما قتل الغلامين خرج أبوهما في طلبهما فلم يجد أحداً يخبره عنهما، فأتى نبياً من أنبياء بني إسرائيل وذكر ذلك له، فقال له ذلك النبي:" هل كان معهما لعبة يلعبان بها؟! "، فقال أبوهما:" نَعَم، كان لهما جِرْو "، قال:" فأتني به "، فأتاه به، فوضع النبي خاتَمه بين عينيه، ثم خلى سبيله، ثم قال:" أول دارٍ يدخلها من دور بني إسرائيل فيها بيان ذلك "، فأقبل الجرو يتخلل الدُّور حتى دخل داراً من دور بني إسرائيل، فدخلوا خلفه، فوجدوا الغلامين مقتولين مع غلمان كثيرة قد قتلهم وطرحهم في المطمورة، فانطلقوا به إلى ذلك النبي – عليه السلام، فأمر به أن يصلب، فلما رُفع إلى الخشبة أتته امرأته وقالت:" قد كنت أحذرك هذا اليوم، وأخبرك أن الله غير تاركك وأنت تقول: لو أن الله يأخذني على شيء لأخذني يوم فعلت كذا وكذا، فأُخبرك أن صاعك لم يمتلئ بعد، أَلَا وإن صاعك قد امتلأ! ") أخرجه البيهقي (1).

وفي هذه القصة اعتبار في أخذِ الله مَن يأخذ بالعقاب، وإمهاله مَن يُمهل.

(1) في شعب الإيمان برقم (7294).

ص: 125