الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا تصلي الصلوات في وقتها بسبب العمل فهل تترك الصوم
[السُّؤَالُ]
ـ[مسلمة تعيش في بلد غير مسلم، ولا تستطيع أن تصلي كل صلاة في وقتها بسبب العمل، فهل تصوم أم تفطر؟ لأن الصلاة أهم من الصوم.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز لمسلمٍ الإقامة في بلاد الكفر والسفر إليها من غير ضرورة تحوجه إلى ذلك، ويتحتم هذا المنع في حال عدم قدرته على القيام بشعائر الدين فيه، ومن أعظم شعائر الدين: الصلاة، فإذا كان الإنسان من أهل تلك البلاد، أو وفد إليها ثم عجز عن إظهار شعائر دينه فالواجب عليه أن يخرج من ديار الكفر إلى ديار المسلمين، ليتمكن من إظهار شعائر دينه، وليعلم أنه غير معذور ببقائه في تلك الديار إلا إن كان مستضعفاً لا يستطيع الهجرة بدينه من تلك البلاد إلى حيث يستطيع إظهار دينه.
قال ابن قدامة المقدسي:
…
فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب:
أحدها: من تجب عليه ، وهو من يقدر عليها ، ولا يمكنه إظهار دينه ، ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار ، فهذا تجب عليه الهجرة ; لقول الله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء/97، وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب؛ ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه ، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
الثاني: من لا هجرة عليه، وهو من يعجز عنها ، إما لمرض ، أو إكراه على الإقامة ، أو ضعف ; من النساء والولدان وشبههم ، فهذا لا هجرة عليه ; لقول الله تعالى:(إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً) النساء/98-99، ولا توصف باستحباب ; لأنها غير مقدور عليها.
والثالث: من تستحب له ، ولا تجب عليه، وهو من يقدر عليها ، لكنه يتمكن من إظهار دينه ، وإقامته في دار الكفر ، فتستحب له ، ليتمكن من جهادهم ، وتكثير المسلمين ، ومعونتهم ، ويتخلص من تكثير الكفار ، ومخالطتهم ، ورؤية المنكر بينهم، ولا تجب عليه ; لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة.
" المغني "(9 / 237، 238) .
ولما كان أكثر الناس إنما تحمله على الإقامة في بلاد الكفر حرصه على الدنيا، وشحّه بما فيها من كثرة في المال أو عز وجاه، أو أهل وإخوان، قال تعالى بعد ما أخبر عن حال الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قال:(وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) النساء/100
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
" هذا في بيان الحث على الهجرة والترغيب وبيان ما فيها من المصالح، فوعد الصادق في وعده، أن من هاجر في سبيله ابتغاء مرضاته أنه يجد مراغما في الأرض وسعة.
فالمراغم مشتمل على مصالح الدين والسعة على مصالح الدنيا، وذلك أن كثيرا من الناس يتوهم أن في الهجرة شتاتا بعد الألفة، وفقرا بعد الغنى، وذلا بعد العز، وشدة بعد الرخاء، والأمر ليس كذلك. فإن المؤمن ما دام بين أظهر المشركين فدينه في غاية النقص، لا في العبادات القاصرة عليه، كالصلاة ونحوها، ولا في العبادات المتعدية، كالجهاد بالقول والفعل وتوابع ذلك، لعدم تمكنه من ذلك، وهو بصدد أن يفتن عن دينه، خصوصا إن كان مستضعفاً، فإذا هاجر في سبيل الله تمكن من إقامة دين الله وجهاد أعداء الله، ومراغمتهم، فإن المراغمة: اسم جامع لكل ما يحصل به إغاظة لأعداء الله من قول وفعل وكذلك ما يحصل له سعة في رزقه، وقد وقع كما أخبر الله تعالى، واعتبر ذلك بالصحابة رضي الله عنهم فإنهم لما هاجروا في سبيل الله وتركوا ديارهم وأولادهم وأموالهم لله كمل بذلك إيمانهم وحصل لهم من الإيمان التام والجهاد العظيم والنصر لدين الله ما كانوا به أئمة لمن بعدهم وكذلك حصل لهم ما يترتب على ذلك من الفتوحات والغنائم ما كانوا به أغنى الناس وهكذا كل من فعل فعلهم يحصل له ما حصل لهم إلى يوم القيامة " اهـ.
ثانياً:
لا يحل لمسلمٍ أن يؤخر الصلاة عن وقتها إلا من عذر، ومن الأعذار الشرعية التي تبيح التأخير: النوم والنسيان، ولم يكن القيام بأعمال الدنيا من الأعذار المبيحة لترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها، بل من صفات المؤمنين الصادقين أنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذِكر الله وإقام الصلاة.
قال الله تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآَصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) النور/36–38.
وحذر الله تعالى عباده من الانشغال بأموالهم وأولادهم عن طاعته وذكره، وذكر لهم أن من فعل ذلك فهم الخاسرون حقاً، لا كما يظن من يفرط في دينه من أجل عمله ودنياه وشحّه بالربح العاجل.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) المنافقون/9
وهل للخاسرين على الحقيقة مصير، إلا مصير أئمة الكفر، الذين أضاعوا الدين شُحَّاً بدنياهم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلاةَ يَوْمًا فَقَالَ:(مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلا بُرْهَانٌ، وَلا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ) رواه أحمد (6540) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح
قال ابن القيم رحمه الله:
" وإنما خص هؤلاء الأربعة بالذكر لأنهم من رؤوس الكفرة، وفيه نكتة بديعة، وهو: أن تارك المحافظة على الصلاة؛ إما أن يشغله ماله، أو ملكه، أو رياسته، أو تجارته، فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون، ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رياسة ووزارة فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف " اهـ. الصلاة وحكم تاركها (1/63)
وأما داهية الدواهي فهي التفكير في الفطر وترك الصيام، تبعاً لترك الصلاة.
وصدق الله العظيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/21، فانظري يا أمة الله كيف جرَّك الشيطان إلى هدم عمود الدين، وركنه الثاني بعد الشهادتين، وهو الصلاة، ثم يجرك اللّعين بغروره إلى هدم ركن آخر، فثالث، فرابع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها الأخت السائلة، إن سؤالك، بل إن مسئوليتك الواجبة عليه هي أن تبحثي عن الطريق لبناء ما هدمتيه من دينك بترك صلاتك، لا أن تسألي عن هدم ما هو قائم عندك من الأركان، فأي شرع، بل أي عقل يقول ذلك. قال الله تعالى:(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون * وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) النحل/91-92
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
وهذا يشمل جميع ما عاهد العبد عليه ربه من العبادات، والنذور، والأيمان التي عقدها، إذا كان الوفاء بها برا
…
" ثم قال بعد كلام له: (ولا تكونوا: في نقضكم للعهود بأسوأ الأمثال وأقبحها وأدلها على صفة متعاطيها، وذلك كالتي تغزل غزلاً قوياً، فإذا استحكم وتم ما أريد منه، نقضت غزلها من بعد قوة، فجعلته أنكاثا، فتعبت على الغزل، ثم على النقض، ولم تستفد سوى الخيبة والعناء وسفاهة العقل ونقص الرأي، فكذلك من نقض ما عاهد عليه فهو ظالم جاهل سفيه ناقص الدين والمروءة " اهـ.
ونعم، الصلاة كما قلت أهم من الصوم، وهي خير ما فرضه الله على عباده من الأعمال، ولأجل ذلك نقول لك: صلِّي، يا أمة الله، واثبتي على صومك، وليس غير.
قد يضيق بك عملك، قد تخسرين عمله من أصله، قد
…
، وقد
…
لكن ليس إلا دينك، دينك دينك، لحمك ودمك.
والله يوفقنا وإياك إلى ما يحبه ويرضاه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب