الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حوار مع نصراني: عيسى عبد الله ورسوله
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا يصعب على المسلمين أن يؤمنوا بأن عيسى هو ابن الرب الوحيد، مع أنه في الإنجيل ابن الله، ويقول عن الله: أبي؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سبق لنا بيان أن الإنجيل الذي نؤمن به، بل ولا يصح لأحد إسلامه حتى يؤمن به، ليس هو الإنجيل الذي يوجد بين أيدي النصارى اليوم، فالإنجيل الذي نؤمن به هو الذي جاء به عيسى عليه السلام من عند الله تعالى، وأما الذي بين أيدي النصارى اليوم، فشيء آخر، لا يدعون هم أن عيسى هو الذي جاء به أو كتبه. [راجع السؤال رقم 47516]
فإذا كان الأمر كذلك فإن ما يدعيه النصارى من أن الإنجيل يصرح بأن عيسى ابن الله، وأن الله أباه، تعالى الله أن يكون له ولد أو صاحبة، ليس شيء منه حجة علينا، لأننا نؤمن بأن ذلك من وضع البشر، وليس من دين عيسى عليه السلام، ولا من دين غيره من الرسل الكرام في شيء.
ومع أننا نؤمن أن الأناجيل الموجودة اليوم بين أيدي الناس، والتي يؤمن بها النصارى، قد دخلها التحريف والتبديل، ولا يزال يدخلها بين الفينة والفينة، بحيث لم يبق أي منها على الصورة التي نزل بها الإنجيل من عند الله، فإننا نشير هنا إلى أن أشد هذه الأناجيل تصريحا بالتثليث، وإقرارا لألوهية المسيح عليه السلام، حتى صار مرجع النصارى في الاستدلال لهذه الفرية، هو إنجيل يوحنا. وهذا الإنجيل قد اكتنف تأليفه من الشك عند جمع من محققي النصارى أنفسهم، ما لم يكتنف بقية هذه الأناجيل التي يؤمنون بها، وهو شك قديم، يرجع إلى القرن الثاني الميلادي، وفي تأريخهم هم أيضا.
يقول الأستاذ استادلين: (إن كافة إنجيل يوحنا تصنيف طالب من طلبة مدرسة الإسكندرية، ولقد كانت فرقة الوجين، في القرن الثاني تنكر هذا الإنجيل وجميع ما أسند إلى يوحنا)
وجاء في دائرة المعارف البريطانية ما نصه: (أما إنجيل يوحنا فإنه، لا مرية ولا شك، كتاب مزور، أراد صاحبه مضاهاة اثنين من الحواريين بعضهما لبعض، وهما القديسان يوحنا ومتى.
وقد ادعى هذا الكاتب الممرور في متن الكتاب أنه هو الحواري الذي يحبه المسيح، فأخذت الكنيسة هذه الجملة على علاتها، وجزمت بأن الكاتب هو يوحنا الحواري، ووضعت اسمه على الكتاب نصا، مع أن صاحبه غير يوحنا يقينا، ولا يخرج هذا الكتاب عن كونه مثل بعض كتب التوارة التي لا رابطة بينها وبين من نسبت إليه، وإنا لنرأف بالذين يبذلون منتهى جهدهم ليربطوا، ولو بأوهى رابطة ذلك الرجل الفلسفي، الذي ألف هذا الكتاب في الجيل الثاني، بالحواري يوحنا الصياد الجليل، فإن أعمالهم تضيع عليهم سدى، لخبطهم على غير هدى) [نقلا عن محاضرات في النصرانية، للشيخ محمد أبو زهرة] .
بل الأعجب من طعن من طعن منهم في نسبة هذا الإنجيل، أنهم يقرون أن هذا الإنجيل قد كتب خصيصا لأجل إثبات هذه الفرية، فرية ألوهية المسيح، والتي أهملتها بقية الأناجيل، إلى وقت كتابة هذا الإنجيل ، على الأقل. يقول يوسف الخوري:(إن يوحنا صنف إنجيله في آخر حياته بطلب من أساقفة كنائس آسيا وغيرها. والسبب أنه كانت هناك طوائف تنكر لاهوت المسيح، فطلبوا منه إثباته، وذكر ما أهمله متى ومرقس ولوقا في أناجيلهم) . [المصدر السابق ص 64] .
على أنه، وبغض النظر عن الطعن في نسبة هذه الأناجيل عامة، وإنجيل يوحنا خاصة، فإن العبارات التي استندوا إليها من هذه الأناجيل لا تسعفهم فيما يحاولون، وإنما هي خيوط العنكبوت يتعلقون بها، كما ذكر الله تعالى عنهم وعن أمثالهم:(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)(العنكبوت: 41) .
إن الكتاب المقدس الذي يُذْكر فيه أن المسيح ابن الله، هو نفس الكتاب المقدس الذي ينتهي بآدم عليه السلام إلى هذا النسب، نسب البنوة إلى الله:
{وكان يسوع في نحو الثلاثين من العمر عندما بدأ رسالته، وكان الناس يحسبونه ابن يوسف، بن هالي.... بن شيث، بن آدم، ابن الله} [لوقا: 3/23-38] .
وهو نفس الكتاب الذي ينسب هذا الوصف لإسرائيل:
{
…
تقول لفرعون: هكذا يقول الرب؛ إسرائيل ابني البكر} [سفر الخروج: 4/22] ونحوه في [سفر هوشع: 11/1] .
وهكذا يقول عن سليمان، عليه السلام:
{.. وقال لي إن سليمان ابنك هو يبني بيتي ودياري، لأني اخترته لي ابنا، وأنا أكون له أبا} [سفر الخروج: 28/6] .
فهل كان آدم وإسرائيل وسليمان بنين آخرين لله، قبل المسيح عليه السلام، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا؟!!
بل في إنجيل يوحنا نفسه بيان للمراد بهذه البنوة، بحيث تشمل كل الصالحين من عباد الله، ولا يبقى لعيسى أولغيره من الأنبياء اختصاص بها:
{وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطان أن يصيروا أولاد الله؛ أي المؤمنون باسمه} [يوحنا: 1/3]
ونحو هذا في إنجيل متى:
{طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله، طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناءَ الله يُدْعَون}
[متى: 5/8-9] .
فهذه البنوة المزعومة في لغة الكتاب المقدس، هي بنوة مجازية تعني العبد الصالح، دون أن تعطيه شيئا من الخصوصية في خلقه، أو نسبته إلى الله عز وجل. ولهذا يقول يوحنا:
{انظروا أية نصيحة أعطانا الأب حتى ندعى أبناء الله} . [الرسالة الأولى: 3/1] .
ولهذا أيضا كتبت البنوة بين آدم وربه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، كتبت بالألف، بينما كتبت بين كل ابن وأبيه الحقيقي بلا ألف، على قاعدتها، إشارة إلى أن هذه البنوة المزعومة، حتى عند من وضعها، ليست على ما يظن الناس من معاني الأبوة واالبنوة.
ويبقى نظير وصف البنوة لعيسى عليه السلام، ما افتروه على رب العالمين من أبوته للمسيح عليه السلام؛ فإن هذه الأبوة ـ أيضا ـ ليست خاصة بالمسيح في لغة الإنجيل:
{
…
قال لها يسوع: لا تلمسيني، لأني لم أصعد بعد إلى أبي، ولكن اذهبي إلى إخوتي، وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم} [يوحنا: 20/17-18] .
ففي نص واحد جمع لهم بين اشتراكهم معه في أبوة الله لهم، واشتراكه معهم في إلوهية الله للجميع!!
فليقولوا إن شاؤوا: إن الجميع أبناء الله وأحباؤه، كما حكى الله عن أسلافهم، وحينئذ فلا خصوصية للمسيح حتى يعبدوه من دون الله تعالى، أو فليتحكموا ويتعصبوا على غير هدى، ولا كتاب منير؛ فهذا لا يعجز عنه أحد، وأحلاهما مر!!
فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض، رب العالمين، على ما من علينا من نعمة الإسلام.
اللهم اهدنا صراطك المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب