الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل نقارن كلام البشر الذي لا يخلو من الخلل والقصور مع كلام اللطيف الخبير العليم بذات الصدور؟ هل نسوي بين هذا وذاك؟ والله تعالى يقول عن كتابه الكريم
{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ {1} } [سورة هود]
فهو كتاب محكم في نظمه محكم في مقاصده محكم في بنائه محكم في اتساقه.
وهو كتاب يشبه بعضه بعضا في روعة الأساليب ودقة الألفاظ وسمو المقاصد ووحدة البناء وتناسب الآيات وترابط السور قال تعالى في سورة {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ {23} }
هذا رد إجمالي على كلام الإمام الشوكاني رحمه الله، وإن خفاء أوجه المناسبة ليس حجة في إنكارها
وقد قيل
فإذا لم تر الهلال فسلم لأناس رأوه بالأبصار
ومن العجيب أنه مع موقفه المانع للمناسبة كما هو واضح من كلامه نراه في تفسيره قد أورد عديدا من المناسبات لنا معها وقفة إن شاء الله 0
من خلال المبحث اللاحق حيث نقدم ردودا تفصيلية على بعض القضايا المثارة.
المبحث الثاني ردود تفصيلية
المطلب الأول: زعمه أن المناسبات علم بلا فائدة
يدعي الإمام الشوكاني أن علم المناسبات علم بلا فائدة، والحق أن لهذا العلم فوائد عديدة وثمرات نافعة عنها نتحدث في هذا المبحث إن شاء الله:
فنقول وبالله التوفيق: من فوائد دراسة هذا العلم:
معرفة وجه من وجوه إعجاز القرآن الكريم:
القرآن الكريم: حجة الله البالغة وآياته المتجددة ومعجزة الرسول الخالدة، معجزة لكل جيل وقبيل، معجزة في كل عصر ومصر، معجزة للبشرية جمعاء في شتى أطوار حياتها بل معجزة أيضا للجن
قال تعالى {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا {88} وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَاّ كُفُورًا {89} }
ومن أبرز وجوه إعجاز القرآن الكريم: إعجازه بحسب تناسب آياته وتناسق وتعانق سوره، فالقرآن الكريم وحدة موضوعية واحدة وآياته وسوره بناء واحد:
كالدر يزداد حسنا وهْوَ منتظم وليس ينقص قدرا غير منتظم
ولقد ذكر السيوطي في كتابه معترك الأقران في إعجاز القرآن من ضمن وجوه الإعجاز [الوجه الرابع من وجوه الإعجاز: مناسبة آياته وسوره وارتباط بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المباني] لكنه كرر في هذا المقام ما سبق وأن ذكره في الإتقان (1)
وقال الإمام الرازي في تفسيره لسورة البقرة: " ومن تأمل في لطائف نظم هذه السورة وفي بدائع ترتيبها علم أن القرآن كما أنه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانيه فهو أيضا بحسب ترتيبه ونظم آياته ولعل الذين قالوا إنه معجز بحسب أسلوبه أرادوا ذلك إلا أني رأيت جمهور المفسرين معرضين عن هذه اللطائف غير منتبهين لهذه الأسرار وليس الأمر في هذا الباب إلا كما قيل:
والنجم تستصغر الأبصار صورته * والذنب للطرف لا للنجم في الصغر " (2) .
ويقول الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن: " والوجه الثالث من وجوه إعجازه: " أنه بديع النظم عجيب التأليف متناه في البلاغة إلى الحد الذي يعلم عجز الخلق عنه. ".
(1) - معترك الأقران في إعجاز القرآن الوجه الرابع 1 /54 ويراجع الإتقان 2 / 288
(2)
- مفاتيح الغيب 7 /183..
ويقول أيضا "
…
وقد تأملنا نظم القرآن فوجدنا جميع ما يتصرف فيه من الوجوه (1) التي قدمنا ذكرها على حد واحد في حسن النظم وبديع التأليف والرصف لا تفاوت فيه ولا انحطاط عن المنزلة العليا ولا إسفاف فيه إلى الرتبة الدنيا وكذلك قد تأملنا ما يتصرف إليه وجوه الخطاب من الآيات الطويلة والقصيرة فرأينا الإعجاز في جميعها على حد واحد لا يختلف، وكذلك قد يتفاوت كلام الناس عند إعادة ذكر القصة الواحدة تفاوتا بينا ويختلف اختلافا كبيرا ونظرنا القرآن فيما يعاد ذكره من القصة الواحدة فرأيناه غير مختلف ولا متفاوت " (2)
ويقول أيضا: " فأما نهج القرآن ونظمه وتأليفه ورصفه فإن العقول تتيه في جهته وتحار في بحره وتضل دون وصفه. ونحن نذكر لك في تفصيل هذا ما تستدل به على الغرض وتستولي به على الأمد وتصل به إلى المقصد وتتصور إعجازه كما تتصور الشمس وتتيقن تناهي بلاغته كما تتيقن الفجر وأقرب عليك الغامض وأسهل عليك العسير، واعلم أن هذا علم شريف المحل عظيم المكان قليل الطلاب ضعيف الأصحاب. (3)
(1) - يعني بذلك ما ورد في القرآن من قصص ومواعظ واحتجاج وحكم وأحكام وإعذار وإنذار ووعد ووعيد وتبشير وتخويف وأوصاف وتعليم أخلاق كريمة وشيم رفيعة وسير مأثورة وغير ذلك من الوجوه التي يشتمل عليها
(2)
- إعجاز القرآن للباقلاني ص 37 باختصار
(3)
- نفس المرجع ص 185، 184..
ثم يذكر الباقلاني نماذج عديدة تدل على روعة النظم القرآني نذكر منها ما يلي: " تأمل السورة التي يذكر فيها النمل وانظر فيها كلمة كلمة وفصلا فصلا؛ بدأ بذكر السورة إلى أن بين أن القرآن من عنده فقال تعالى (وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم) ثم وصل بذلك قصة موسى عليه السلام وأنه رأى نارا (فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون) وقال في سورة طه في هذه القصة (لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى) وفي موضع (لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون) قد تصرف في وجوه وأتى بذكر القصة على ضروب ليعلمهم عجزهم عن جميع طرق ذلك ولهذا قال (فليأتوا بحديث مثله) ليكون أبلغ في تعجيزهم وأظهر للحجة عليهم، وكل كلمة من هذه الكلمات وإن أنبأت عن قصة فهي بليغة بنفسها تامة في معناها ثم قال {فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين} فانظر إلى ما أجرى له الكلام من علو أمر هذا النداء وعظم شأن هذا الثناء وكيف انتظم مع الكلام الأول وكيف اتصل بتلك المقدمة وكيف وصل بها ما بعدها من الإخبار عن الربوبية وما دل به عليها من قلب العصا حية وجعلها دليلا يدله عليه ومعجزة تهديه إليه، وانظر إلى الكلمات المفردة القائمة بأنفسها في الحسن وفيما تتضمنه من المعاني الشريفة ثم ما شفع به هذه الآية وقرن به هذه الدلالة من اليد البيضاء عن نور البرهان من غير سوء، ثم انظر فيه آية آية وكلمة كلمة هل تجدها كما وصفنا من عجيب النظم وبديع الرصف فكل كلمة لو أفردت كانت في الجمال غاية وفي الدلالة آية فكيف إذا قارنتها أخواتها وضامتها ذواتها مما تجري في الحسن مجراها وتأخذ في معناها، ثم من قصة إلى قصة ومن باب إلى باب من غير خلل يقع في نظم الفصل إلى الفصل وحتى يصور لك الفصل وصلا ببديع التأليف وبليغ التنزيل، وإن أردت أن تتبين ما
قلناه فضل تبين وتتحقق بما ادعيناه زيادة تحقق فإن كنت من أهل الصنعة فاعمد إلى قصة من هذه القصص وحديث من هذه الأحاديث فعبر عنه بعبارة من جهتك وأخبر عنه بألفاظ من عندك حتى تري فيما جئت به النقص الظاهر وتتبين في نظم القرآن الدليل الباهر ". (1)
وقال الأستاذ الرافعي (2) في كتابه إعجاز القرآن والبلاغة النبوية: " من أعجب ما اتفق في هذا القرآن من وجوه إعجازه أن معانيه تجري في إحكام النظم مجرى ألفاظه على ما بيناه من أمرها -يعني ما سبق أن ذكره عن جمالها وروعتها وبلاغتها -[إن هذا الإعجاز في معني القرآن وارتباطها أمر لا ريب فيه وهو أبلغ في معناه إذا انتبهت إلى أن السورة لم تنزل على هذا الترتيب فكان الأحرى ان لا تلتئم وأن لا يناسب بعضها بعضا وأن تذهب آياتها في الخلاف كل مذهب، ولكنه روح من أمر الله تفرق معجزا فلما اجتمع اجتمع له إعجاز آخر ليتذكر به أولوا الألباب](3)
ويقول رحمه الله [وإنك لتحار إذا تأملت تركيب القرآن ونظم كلماته في الوجوه المختلفة التي يتصرف فيها وتقعد بك العبارة إذا أنت حاولت أن تمضي في وصفه حتى لا ترى في اللغة كلها أدل على غرضك وأجمع لما في نفسك وأين لهذه الحقيقة غير كلمة الإعجاز](4)
ويقول الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله: " لعمري لئن كان للقرآن في بلاغة تعبيره معجزات وفي أساليب ترتيبه معجزات، وفي نبوءته الصادقة معجزات، وفي كل ما استخدمه من حقائق العلوم النفسية والكونية معجزات، لعمري إنه في ترتيب آياته معجزة المعجزات "(5)
الاستعانة بعلم المناسبات في فهم المعنى:
(1) - -نفس المرجع ص 40
(2)
- مصطفى صادق الرافعي: أديب ومفكر مصري راحل
(3)
- إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ص 278
(4)
- نفس المرجع ص 280
(5)
- النبأ العظيم للدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله ص 209..
لا غنى للمفسر عن دراسة هذا العلم والتعمق فيه فمن خلاله يستعين على فهم المعنى أو الترجيح بين الآراء في ضوء السياق، أو إزالة لبس أو إشكال، أو دفع إيهام، أو معرفة الحكمة من إيراد القصص القرآني، أو غير ذلك من الفوائد؛ لذا فلا بد من النظرة الكلية الشاملة والتأمل في مقاصد السورة وتعيين المحور العام الذي تدور حوله، وتقسيم الآيات إلى مقاطع كل مقطع يمثل وحدة موضوعية واحدة مترابطة ومستمسكة ومتناسقة مع سابقها ولاحقها.
يقول الإمام الرازي رحمه الله " علم المناسبات علم عظيم أودع فيه كثير من لطائف القرآن وروائعه وهو أمر معقول إذا عرض على العقول تلقته بالقبول ". (1)
وقال الزركشي: " والذى ينبغى فى كل آية أن يبحث أول كل شىء عن كونها مكملة لما قبلها أو مستقلة ثم المستقلة ما وجه مناسبتها لما قبلها ففى ذلك علم جم وهكذا فى السور يطلب وجه اتصالها بما قبلها وما سيقت له "(2)
الوقوف على سمة خاصة من سمات القرآن الكريم:
كما تفرد القرآن الكريم بنزوله منجما - حسب الحوادث والنوازل - على غير ما هو معهود في الكتب السابقة التي نزلت جملة واحدة: فلقد تميز القرآن المجيد بهذا النظم الفريد، وهذا السبك النضيد، وهذا التصريف العجيب، وهذا التنوع في الأساليب، والثراء في الأداء، والانتقال من موضوع إلى موضوع ومن حكمة إلى حكمة ومن قصة إلى قصة ومن مثل إلى مثل، دون أن يؤدي ذلك إلى اضطراب أو خلل، أوسآمة أو ملل، أو تناقض أو اختلاف، بل تناسق وائتلاف، مراعاة لطبيعة النفوس وتيسيرا على القراء وتبصرة وتذكرة للألباء.
(1) - البرهان 1 /35
(2)
2- البرهان في علوم القرآن 1 / 38..
مائدة عامرة زاخرة، وحدائق ذات بهجة، ناضرة مزهرة، غناء مثمرة، تسر العيون الناظرة، قد تشابكت أغصانها وتعانقت أزهارها وتآلفت أطيارها وتشابهت ثمارها، وامتزجت جداولها وانتظمت دررها واتسقت جواهرها في عقد نظيم:
كالدر يزداد حسنا وهو منتظم..... وليس ينقص قدرا غير منتظم
قال تعالى في سورة الإسراء {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَاّ نُفُورًا {41} } وقال تعالى في سورة طه {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا {113} } وقال سبحانه في سورة الفرقان مبينا الحكمة من نزول القرآن منجما {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا {32} }
فمجيء القرآن منجما على مدار ثلاث وعشرين سنة حسب ما تقتضيه الحوادث والنوازل وما يتناسب مع الظروف والأحوال وما يتواكب مع المراحل التي مرت بها الدعوة ثم ترتيبه حسب ما هو موجود في اللوح المحفوظ بهذه الحكمة والروعة: سمة من سمات هذا القرآن،وخاصية من خصائصه التي تفرد بها عن الكتب السابقة التي نزلت جملة
…
ومع تنوع موضوعات السورة الواحدة حيث الأحكام والعقيدة والقصص والأمثال والوعد والوعيد إلا أننا نجدها مجتمعة في سياق واحد متناسبة متناسقة تصب كلها في هدف واحد وتدور كلها حول محور واحد وينظمها عقد واحد، ويربطها رابط واحد فلا تناقض ولا اضطراب ولا تفكك ولا تنافر بين الموضوعات، فهذا الترتيب متوافق مع الهدف العام للقرآن وهو التذكير المتجدد مصداقا لقوله عز وجل {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا {113} } سورة طه
وعن ذلك يقول صاحب مناهل العرفان مبينا خاصية من خواص القرآن وهي: " جودة سبكه وإحكام سرده: ومعنى هذا أن القرآن بلغ من ترابط أجزائه وتماسك كلماته وجمله وآياته وسوره مبلغا لا يداينه فيه أي كلام آخر مع طول نفسه وتنوع مقاصده وافتنانه وتلوينه في الموضوع الواحد وآية ذلك أنك إذا تأملت في القرآن الكريم وجدت منه جسما كاملا تربط الأعصاب والجلود والأغشية بين أجزائه، ولمحت فيه روحا عاما يبعث الحياة والحس على تشابك وتساند بين أعضائه فإذا هو وحدة متماسكة متآلفة على حين أنه كثرة متنوعة متخالفة فبين كلمات الجملة الواحدة من التناسق ما جعلها رائعة التجانس والتجاذب وبين جمل السورة الواحدة من التشابك والترابط ما جعلها وحدة صغيرة متآخذة الأجزاء متعانقة الآيات وبين سور القرآن من التناسب ما جعله كتابا حسن السمت قرءانا عربيا غير ذي عوج فكأنما هو سبيكة واحدة تأخذ بالأبصار على حين أنها مؤلفة من حلقات لكل حلقة منها وحدة مستقلة في نفسها ذات أجزاء ولكل جزء موضع خاص من الحلقة ولكل حلقة وضع خاص من السبيكة لكن على وجه من جودة السبك وإحكام السرد جعل من هذه الأجزاء المنتشرة المتفرقة وحدة بديعة متآلفة تريك كمال الانسجام بين كل جزء وجزء ثم بين كل حلقة وحلقة ثم بين أوائل السبيكة وأواخرها وأواسطها، يعرف هذا الإحكام والترابط في القرآن كل من ألقى باله إلى التناسب الشائع فيه من غير تفكك ولا تخاذل ولا انحلال ولا تنافر بينما الموضوعات مختلفة متنوعة فمن تشريع إلى قصص إلى جدل إلى وصف إلى غير ذلك. "(1)
الرد على شبهات أثارها أعداء الإسلام حول الوحدة الموضوعية للقرآن؛
(1) - مناهل العرفان 2 / 228، 229..
فلقد طعن كثير من المستشرقين والمنصّرين في الوحدة، وزعموا أن آيات القرآن لا يجمعها سياق وليس بينها وفاق، وأوصوا بإعادة ترتيب القرآن وفق أسباب نزوله تيسيرا للقارئ وإعانة له على فهم المعنى –على حسب زعمهم الباطل وفهمهم السقيم –
يقول المستشرق الفرنسي بلاشير (1) : " إن إعادة ترتيب السور الذي اقترحه [نولدكه] (2) ينال هنا كامل الأهمية لأنه يلقي على المصحف أضواء مطمئنة ويرد وضع النصوص إلى آفاق سهلة الإدراك لكونها مقرونة إلى السياق التاريخي المعقول [يعني وفق نزولها] 0 "
ويقول بلاشير أيضا: " ويتوصل القارئ الغربي إذ ذاك بمنطق لا تكلف فيه إلى الاقتناع بأن الحياة قد أعيدت للصحف فما عاد يظهر على شكل متتابع مصطنع وغير منتظم للنصوص بل على شكل سلسلة من الموضوعات عالجها محمد خلال عشرين عاما وفقا لمقتضيات دعوته 0" ثم يقول في الموضوع نفسه " والمهم منذ تلك اللحظة أن يقبل قارئ القرآن بالانقياد وتدل التجربة فيما يبدو أن التقيد بالمراحل الزمنية للترتيب الذي اقترحه نولدكه وأخذ به بعض المترجمين يجعل قراءة المصحف سهلة بل ممتعة "(3)
(1) - مستشرق فرنسي من أشهر كتبه تاريخ الأدب العربي وكتابه القرآن: نزوله تدوينه ترجمته وتأثيره -تراجع ترجمته في كتاب المستشرقون للأستاذ / نجيب العقيقي 1/309:312 ط دار المعارف
(2)
- مستشرق ألماني ت1930م له مؤلفات عديدة منها تاريخ النص القرآني -تراجع ترجمته في كتاب المستشرقون للأستاذ / نجيب العقيقي 2/ 379:383
(3)
- القرآن: نزوله تدوينه ترجمته وتأثيره -لبلاشير ترجمة رضا سعادة ص23:44
وما ذهب إليه بلاشير ومن قبله نولدكه أغرب إليه المستشرق اليهودي جولدزيهر في كتابه مذاهب التفسير الإسلامي، حيث يقول:" إن القرآن في جميع الشوط القديم للتاريخ الإسلامي لم يحرز الميل إلى التوحيد العقدي للنص إلا انتصارات طفيفة "(1)
وهكذا توطأ أعداء الإسلام وتواصوا على هذه المزاعم الباطلة التي تدل على قصور فهمهم وسطحية دراستهم أو تنبيء عن سوء النوايا وخبث الطوايا.
{أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ {53} فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ {54} وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ {55} } سورة الذاريات 0
{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ {32} أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ {33} فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ} {34} سورة الطور
(1) - مذاهب التفسير الإسلامي لجولد زيهر ص 5 ترجمة د عبد الحليم النجار..
من هنا ندرك مدى أهمية دراسة الوحدة الموضوعية التي تجيب عن كثير من التساؤلات وتفند العديد من الشبهات، ولقد فطن إلى ذلك واحد من أهم المهتمين بهذا الجانب وهو الشيخ سعيد حوى رحمه الله يقول في مقدمة كتابه الأساس في التفسير - ذلك الكتاب الذي يشتمل على نظرية متكاملة في الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم يقول مبينا سر اهتمامه بهذا الموضوع -:" ولقد سئلت أكثر من مرة من بعض من عرضت عليهم وجهة نظري في فهمي للصلة بين الآيات والسور عن فائدة هذا الموضوع وكنت أجيبه بأن هذا الموضوع فيه رد على شبهة أعداء الإسلام الذين زعموا أن هذا القرآن لا يجمع آياته في السورة الواحدة جامع ولا يربط بين سوره رابط، وذلك لا يليق بكلام البشر فكيف بكلام رب العالمين، إنها لشبهة فظيعة جدا أن يحاول محاول إشعار مسلم بأن كتاب الله ينزل عن كتاب البشر في هذا الشأن، وقد استطعت بحمد الله أن أبرهن على أن كمال القرآن في وحدة آياته في السورة الواحدة وكماله في الوحدة الجامعة التي تجمع ما بين سوره وآياته على طريقة لم يعرف لها العالم مثيلا، ولا تخطر على قلب بشر (1) ، لقد استطعت بهذا أن أرد السهم إلى كبد راميه من أعداء الله في هذه النقطة بالذات "(2)
أقول وهذه حكمة من حكم العليم الخبير أن يقيض من أعداء الدين من يخدم الإسلام من حيث لا يشعرون، فإن إثارة أعداء الإسلام لهذه الشبهة الباطلة دفع الكثير من الغيورين إلى دراسة هذا الموضوع بتعمق. (3)
(1) - قمت بدراسة هذه النظرية في رسالتي منهج الشيخ سعيد حوى في التفسير ونشرتها في كتاب تحت عنوان محاضرات في علوم القرآن ونشرتها أيضا في جريدة النور المصرية في شهر رمضان المبارك 1419هـ
(2)
- الأساس في التفسير1/27
(3)
- وصدق أبو تمام في قوله:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود
[البحر الكامل] ديوان أبي تمام ص 85 ط دار الكتب العلمية..
وصدق الشاعر أبو تمام في قوله
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح له لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود
مما سبق يتضح لنا: أهمية بل ضرورة دراسة علم المناسبات هذا العلم الذي لا غنى عنه للمفسر في فهم المعنى والترجيح بين الآراء، أو دفع إيهام أو إزالة لبس، فضلا عن إبراز جانب من جوانب الإعجاز القرآني في تناسب آياته ووحدة سوره، إلى جانب الرد عن شبهات أعداء الإسلام حول ترتيب القرآن.
أهم المؤلفات التي عنيت بهذا العلم (1) :
ونظرا لأهمية هذا العلم فلقد عني به كثير من المفسرين قديما وحديثا، وتناوله العلماء في كتب علوم القرآن، وأفرده بعضهم بالتأليف، وفيما يلي نشير إلى أهم الكتب التي عنيت به:
- الإتقان في علوم القرآن للسيوطي.
- الإعجاز البياني في ترتيب آيات القرآن وسوره رسالة علمية للدكتور محمد أحمد يوسف القاسم الأستاذ بجامعة الأزهر وأم القرى وفيها تعريف بهذا العلم وأهميته وأنواع المناسبات في القرآن الخ.
- البرهان في تناسب سور القرآن لأبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير- طبع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بتحقيق سعيد جمعة الفلاح.
- البرهان في علوم القرآن لبدر الدين الزركشي ت 794.
- تناسق الدرر في تناسب السور لجلال الدين السيوطي ت911 رحمه الله.
- جواهر البيان في تناسب سور القرآن لعبد الله محمد بن صديق الغماري.
- ربط السور والآيات لمحمد بن المبارك المعروف بحكيم شاه القزويني ت 920هـ
- سمط الدرر في ربط الآيات والسور لمحمد ظاهر بن غلام من علماء الهند ت 1407هـ
- معترك الأقران في علوم القرآن للسيوطي.
- مناهل العرفان في علوم القرآن للأستاذ عبد العظيم الزرقاني
- النبأ العظيم للدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله.
(1) - مرتبة حسب حروف المعجم..
- نظرة العجلان في أغراض القرآن لابن شهيد ميسلون محمد بن كمال الخطيب، وفي هذا الكتاب ذهب مؤلفه إلى أن سورة الفاتحة محور للقرآن الكريم كله.
- الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية دراسة للدكتور رفعت فوزي عبد المطلب ط دار السلام بالقاهرة.
- الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم للدكتور محمد محمود حجازي رحمه الله صاحب التفسير الواضح، وفي رسالته هذه يتناول وحدة الموضوع في القرآن.
ومن كتب التفسير:
1-
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم للعلامة أبى السعود (محمد بن محمد مصطفى العمادى الحنفى ت 982 هـ.
2-
الأساس فى التفسير للشيخ سعيد حوى رحمه الله ت 1409 هـ
3-
أضواء البيان فى إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطى محمد الأمين بن محمد المختار الجكنى ت 1993هـ
4-
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوى (عبد الله بن عمر ت 685هـ)
5 -
البحر المحيط للإمام محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسى ت 754 هـ
6 -
تفسير ابن جزي الكلبي ط دار الكتاب العربي بيروت 1403هـ
تفسير القرآن الحكيم المشتهر باسم تفسير المنار للسيد محمد رشيد رضا
التحرير والتنوير للأستاذ محمد الطاهر بن عاشور ت 1393هـ
- التفسير القرآنى للقرآن للأستاذ عبد الكريم الخطيب
التفسير القيم لإمام ابن القيم جمعه محمد أويس الندوي وحققه ا/محمد حامد الفقي
التفسير المنير لوهبة الزحيلي
12-
حاشية الصاوى على الجلالين للإمام أحمد بن محمد الصاوى المصرى المالكى ت سنة 1241 هـ-
13-
حاشية محى الدين شيخ زادة على تفسير البيضاوى
14-
روح البيان للبروسوى إسماعيل حقى البروسوى ت سنة 1370 هـ
15 -
روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم والسبع المثانى للإمام الألوسى شهاب الدين السيد محمود الألوسى ت 1270 هـ
…