المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع: إيراده الكثير من المناسبات في تفسيره - موقف الشوكاني في تفسيره من المناسبات

[أحمد بن محمد الشرقاوى]

الفصل: ‌المطلب الرابع: إيراده الكثير من المناسبات في تفسيره

‌المطلب الرابع: إيراده الكثير من المناسبات في تفسيره

!..

المتأمل في تفسير الشوكاني يجده قد أورد العديد من المناسبات في تفسيره، خلافا لرأيه المسبق في المناسبات، هذا الرأي الذي صدّر به تفسيره وهو المعارضة والإنكار على من تصدى لها وعني بها كالبقاعي والحرالي والرازي (1) وغيرهم وفيما يلي نذكر هذه الوجوه، الواردة في تفسيره فنقول وبالله التوفيق:

الاستئناف البياني

الاستئناف: هو الإتيان بعد تمام الكلام بقول يفهم منه جواب سؤال مقدر (2) مثال ذلك قوله تعالى في سورة البقرة { {الم {1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ {2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {3} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {4} أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {5}

فقوله تعالى {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {5} }

* كما قال الشوكاني في تفسيره: [كلام مستأنف استئنافا بيانيا كأنه قيل كيف حال هؤلاء الجامعين بين التقوى والإيمان بالغيب والإتيان بالفرائض والإيمان بما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى من قبله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقيل أولئك على هدى ويمكن أن يكون هذا خبرا عن الذين يؤمنون بالغيب إلخ فيكون متصلا بما قبله] 0 (3)

(1) - ترجمت للأول والأخير في كتابي المرأة في القصص القرآني وترجمت للحرالي في كتابي تفسير آية الكرسي ص 27

(2)

- المعجم المفصل في علوم البلاغة جمع وترتيب د إنعام عكاوي ص 66

(3)

- فتح القدير 1 / 37

..

ص: 57

وقوله تعالى في سورة آل عمران في أعقاب الحديث عن غزوة أحد {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ {169} فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {170} يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ {171} }

ص: 58

* قال الشوكاني في تفسيره: [لما بين الله سبحانه أن ما جرى على المؤمنين يوم أحد كان امتحانا ليتميز المؤمن من المنافق والكاذب من الصادق بين ههنا أن من لم ينهزم وقتل فله هذه الكرامة والنعمة وأن مثل هذا مما يتنافس فيه المتنافسون لا مما يخاف ويحذر كما قالوا من حكى (1) الله "عنهم لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا " (2) وقالوا "لو أطاعونا ما قتلوا " (3) فهذه الجملة مستأنفة لبيان هذا المعنى](4) .

(1) - التعبير بالحكاية لا يليق بكلام الخالق عزوجل وإنما نقول مثلا كما أخبرالله عنهم أو كما بين تعالى

(2)

- قال تعالى في سورة آل عمران {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {156} وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {157} }

(3)

- قال تعالى في سورة آل عمران {وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ {167} الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {168}

(4)

- نفس المرجع 1 / 398 ويراجع ما ذكره أيضا في تفسيره 2/ 437..

ص: 59

الاستئناف التقريري: مثال ذلك قوله تعالى في سورة المائدة {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُود وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ {82} }

قال الشوكاني [قوله {لتجدن} الخ هذه جملة مستأنفة مقررة لما قبلها من تعداد مساوئ اليهود وهناتهم](1) وذلك ببيان شدة عداوتهم للمسلمين.

وفي تفسيره لقوله تعالى من سورة النور {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الآية 35 من سورة النور] يبين الشيخ وجه الصلة بين هذه الآية وبين ما سبقها من آيات فيقول: [لما بين سبحانه من الأحكام ما بين أردف ذلك بكونه سبحانه في غاية الكمال، وهذه الجملة مستأنفة لتقرير ما قبلها](2) .

يعني لتقرير تلك الأحكام السابقة وبيان أنها صدرت من لدن صاحب الكمال والجلال.

التفنن في الكلام ونقله من أسلوب إلى أسلوب:

وقد قيل: لا يصلح النفس إن كانت مصرفة *** إلا التنقل من حال إلى حال

وفي تنوع الأساليب تقرير للحجج والبراهين، وترسيخ للعقيدة والأحكام، وتثبيت للنفوس وتسلية لها، وتجديد لنشاطها وإقبالها على كتاب الله تعالى.

* قال الشوكاني مبينا سر إيراد قصة نوح عليه السلام في سورة هود:

(1) - نفس المرجع 2 /67

(2)

- نفسه 4 / 33..

ص: 60

[لما أورد سبحانه على الكفار المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أنواع الدلائل التى هى أوضح من الشمس أكد ذلك بذكر القصص على طريقة التفنن في الكلام ونقله من أسلوب إلى أسلوب لتكون الموعظة أظهر والحجة أبين والقبول أتم فقال { {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ {25} أَن لَاّ تَعْبُدُواْ إِلَاّ اللهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ {26} [سورة هود]] 0 (1)

التضاد: وهو الجمع بين المعنى وضده وهو من الأساليب البلاغية كالجمع بين الترغيب والترهيب والحديث عن الكفار بعد الحديث عن المؤمنين والحديث عن الجنة بعد الحديث عن النار ونحو ذلك: وقد قيل وبضدها تتبين الأشياء ***

ضدان لما استجمعا حسنا *** والضد يظهر حسنه الضد

وفي تفسير الشوكاني نماذج عديدة أبرز فيها هذا الوجه الرابط بين كثير من الآيات: وفيما يلي نذكر نماذج من تفسيره تدل على ذلك:

*ففي تفسيره لقوله تعالى من سورة البقرة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ {6} خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ {7} )

يقول الشوكاني [ذكر سبحانه فريق الشر بعد ذكر فريق الخير قاطعا لهذا الكلام عن الكلام الأول معنونا له بما يفيد أن شأن جنس الكفرة عدم إجداء الإنذار لهم وأنه لا يترتب عليهم ما هو المطلوب منهم من الإيمان وأن وجود ذلك كعدمه] 0 (2)

(1) - المرجع نفسه 2 / 493

(2)

- نفس المرجع 1/38

ص: 61

*وفي تفسيره لقوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ {8} يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَاّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ {9} } الخ الآيات التي تحدثت عن طائفة المنافقين: يقول الشوكاني في إبرازه الصلة بينها وبين سابقتها: [ذكر سبحانه في أول هذه السورة المؤمنين الخلص ثم ذكر بعدهم الكفرة الخلص ثم ذكر ثالثا المنافقين وهم الذين لم يكونوا من إحدى الطائفتين بل صاروا فرقة ثالثة لأنهم وافقوا في الظاهر الطائفة الأولى وفي الباطن الطائفة الثانية ومع ذلك فهم أهل الدرك الأسفل من النار] 0 (1)

*وفي تفسيره لقوله تعالى من سورة البقرة {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {25} }

قال الشوكاني: [لما ذكر تعالى جزاء الكافرين عقبه بجزاء المؤمنين ليجمع بين الترغيب والترهيب والوعد والوعيد كما هي عادته سبحانه في كتابه العزيز لما في ذلك من تنشيط عباده المؤمنين وتثبيط عباده الكافرين عن معاصيه](2) .

(1) - نفسه 1/ 40

(2)

0 - نفسه 1 / 54..

ص: 62

* وفي تفسيره لقوله تعالى في سورة الرعد {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ {11} هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَالَ {12} وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ {13}

يقول الشوكاني [لما خوف سبحانه عباده بإنزال ما لا مرد له أتبعه بأمور ترجى من بعض الوجوه ويخاف من بعضها وهى البرق والسحاب والرعد والصاعقة] . (1)

إلحاق النتائج بالمقدمات: من أوجه الصلة التي وردت في تفسير فتح القدير من ذلك على سبيل المثال ما ذكره في تفسير قول الله تعالى {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ {48} وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ {49} يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {50} } وَقَالَ اللهُ لَا تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ {51} } [سورة النحل]

(1) 1 - نفس المرجع 3 / 72..

ص: 63

[لما بين سبحانه أن مخلوقاته السماوية والأرضية منقادة له خاضعة لجلاله أتبع ذلك بالنهى عن الشرك بقوله {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد} فنهى سبحانه عن اتخاذ إلهين ثم أثبت أن الإلهية منحصرة في إله واحد وهو الله سبحانه](1)

ذكر الخاص بعد العام

من ذلك ما ذكره في تفسير قوله تعالى من سورة النحل {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} قال " خص سبحانه من جملة المأمورات التي تضمنها قوله {إن الله يأمر بالعدل والإحسان000} الوفاء بالعهد فقال {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} "(2)

ترتيب موضوعات السورة:

المتأمل في السور القرآنية يجد لكل سورة وحدتها الموضوعية من خلال ترابط مقاطعها وتناسب آياتها وتسلسل موضوعاتها التي وإن تعددت وتنوعت لكنها تدور حول موضوع واحد وترمي إلى مقصد واحد، ولقد أشار الشوكاني في تفسيره إلى ذلك فقال في تفسير سورة الفرقان مبينا سر ترتيب موضوعاتها:" تكلم سبحانه في هذه السورة على التوحيد لأنه أقدم وأهم ثم في النبوة لأنها الواسطة ثم فى المعاد لأنه الخاتمة ".

وهكذا جاءت موضوعات السورة مرتبة مسلسلة تدور جميعها حول تقرير العقيدة الإسلامية بجوانبها الثلاث الإلهيات والنبوات والسمعيات 0

ذكر ما يترتب على الحكم الشرعي من أحكام تلحق به:

مثال ذلك ما ذكره الشوكاني في تفسير قوله تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف.} الخ الآية {233} من سورة البقرة} قال [لما ذكر الله سبحانه النكاح والطلاق ذكر الرضاع لأن الزوجين قد يفترقان وبينهما ولد ولهذا قيل إن هذا خاص بالمطلقات وقيل هو عام] . (3)

*****

(1) 2 - نفس المرجع 3 / 168

(2)

6 - نفسه 3 /190

(3)

7 - نفسه 1 /244..

ص: 64

التنظير: وهو إلحاق النظير بالنظير، وبيان الرابط بينهما:

*وفي تفسير الشوكاني نماذج عديدة لذلك منها ما ذكره في إبراز وجه الصلة بين قصة ابني آدم وبين ما سبقها من الحديث عن بني إسرائيل قال تعالى {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ {27} الخ الآيات الواردة في سورة المائدة.

يقول الشوكاني: [وجه اتصال هذا بما قبله التنبيه من الله على أن ظلم اليهود ونقضهم المواثيق والعهود هو كظلم ابن آدم لأخيه فالداء قديم والشر أصيل](1) .

*ومن ذلك أيضا ما أورده في بيان وجه الصلة بين قوله تعالى في سورة الأنفال {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ {5} يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ {6} } وبين ما قبلها:

(1) 8- نفسه 2/30..

ص: 65

يقول رحمه الله: [قوله {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} أي الأنفال ثابتة لك كما أخرجك ربك من بيتك بالحق أي مثل إخراج ربك والمعنى امض لأمرك فى الغنائم ونفل من شئت وإن كرهوا لأن بعض الصحابة قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين جعل لكل من أتى بأسير شيئا قال بقى أكثر الناس بغير شيء فموضع الكاف نصب كما ذكرنا وبه قال الفراء وقال أبو عبيدة هو قسم أي والذى أخرجك فالكاف بمعنى الواو وما بمعنى الذى وقال الأخفش سعيد بن مسعدة المعنى {أولئك هم المؤمنون حقا} كما أخرجك ربك وقال عكرمة المعنى أطيعوا الله ورسوله كما أخرجك ربك وقيل كما أخرجك متعلق بقوله لهم درجات أي هذا الوعد للمؤمنين حق فى الآخرة كما أخرجك ربك من بيتك بالحق الواجب له فأنجر وعدك وظفرك بعدوك وأوفى لك ذكره النحاس واختاره وقيل الكاف فى كما كاف التشبيه على سبيل المجازاة كقول القائل لعبده كما وجهتك إلى أعدائي فاستضعفوك وسألت مددا فأمددتك وقويتك وأزحت علتك فخذهم الآن فعاقبهم وقيل إن الكاف فى محل رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه الحال كحال إخراجك يعني أن حالهم في كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة مثل حالهم فى كراهة خروجك للحرب ذكره صاحب الكشاف وبالحق متعلق بمحذوف والتقدير إخراجا متلبسا بالحق الذى لا شبهة فيه وجملة وإن فريقا من المؤمنين لكارهون في محل نصب على الحال أي كما أخرجك فى حال كراهتهم لذلك لأنه لما وعدهم الله إحدى الطائفتين إما العير أو النفير رغبوا فى العير لما فيها من الغنيمة والسلامة من القتال كما سيأتي بيانه وجملة يجادلونك فى الحق بعد ما تبين لهم إما فى محل نصب على أنها حال بعد حال أو مستأنفة جواب سؤال مقدر ومجادلتهم لما ندبهم إلى إحدى الطائفتين وفات العير وأمرهم بقتال النفير ولم يكن معهم كثير أهبة لذلك شق عليهم وقالوا لو أخبرتنا بالقتال لأخذنا العدة وأكملنا الأهبة](1)

(1) - نفسه 2 / 287..

ص: 66

* ومن إلحاق النظير بالنظير أيضا ما ذكره في تفسيره لسورة النحل من تناسب بين الآيات التي تضمنت أدلة متنوعة على كمال قدرته عز وجل وبديع صنعه حيث استدل سبحانه بعجائب عالم الحيوان وغرائب عالم النبات ثم أتبعه ببديع خلق الإنسان قال تعالى {وَاللهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ {65} وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ {66} وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {67} وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ {68} ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {69} وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ {70} }

*قال الإمام الشوكاني: [لما استدل سبحانه على وجوده وكمال قدرته وبديع صنعته بعجائب أحوال الحيوانات أراد أن يذكر الاستدلال على المطلوب بغرائب أحوال النبات فقال {هو الذى أنزل من السماء} ]

*وقال رحمه الله: [لما ذكر سبحانه بعض أحوال الحيوان وما فيها من عجائب الصنعة الباهرة وخصائص القدرة القاهرة أتبعه بعجائب خلق الإنسان وما فيه من العبر فقال والله خلقكم ثم يتوفاكم](1)

(1) 20 - نفسه 3 /153..

ص: 67

* ومن مراعاة النظير ما ذكره في تفسير قوله تعالى {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ ِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَاّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَاّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {75} } [آل عمران]

[هذا شروع في بيان خيانة اليهود في المال بعد بيان خيانتهم في الدين](1)

التفصيل بعد الإجمال: وهذه المناسبة من أبرز المناسبات التي ذكرها الشوكاني ومن أكثرها دلالة على تقرير هذا العلم وضرورته للمفسر.

* من ذلك ما ذكره في تفسير قوله تعالى {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {1} الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ {2} }

قال الشوكاني في بيان وجه الصلة بين الآية الأولى والثانية [هذا شروع في تفصيل ما أجمل من الآيات البينات](2) .

(1) 1 - نفسه 1 /353

(2)

- نفسه 4 / 2..

ص: 68

* وفي تفسيره لسورة الإسراء يذكر الصلة بين التوجيهات الإلهية الواردة في هذه السورة والتي تبدأ بقوله تعالى لَاّ تَجْعَل مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً {22} وَقَضَى رَبُّكَ أَلَاّ تَعْبُدُواْ إِلَاّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {23} إلى قوله تعالى {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا {39} }

يقول الإمام الشوكاني: [لما أجمل سبحانه أعمال البر فى قوله وسعى لها سعيها وهو مؤمن (1) أخذ فى تفصيل ذلك مبتدئا بأشرفها الذى هو التوحيد فقال لا تجعل مع الله إلها آخر والخطاب للنبى صلى الله عليه وآله وسلم](2)

*وفي تفسيره لسورة النمل يبين الصلة بين مقدمة السورة وبين القصص الوارد فيها فيذكر أن هذا القصص من باب التفصيل بعد الإجمال، حيث جاءت تلك القصص مفصلة لقوله تعالى {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ {6} }

وفي ذلك يقول: [لما فرغ سبحانه من قصة موسى شرع فى قصة داود وابنه سليمان وهذه القصص وما قبلها وما بعدها هى كالبيان والتقرير لقوله تعالى {وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم} ](3) .

ص: 69

ويربط الشيخ بين قصة ثمود مع نبي الله صالح عليه السلام وبين القصة السابقة قصة نبي الله داود وابنه سليمان عليهما السلام فيقول: [قوله {ولقد أرسلنا إلى ثمود.} الخ معطوف على قوله {ولقد آتينا داود وسليمان} واللام هي الموطئة للقسم وهذه القصة من جملة بيان قوله (وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم) ](1) .

وفي تفسيره لسورة العنكبوت يبرز الصلة بين قصة نوح عليه السلام وبين مقدمة السورة فيقول: [أجمل سبحانه قصة نوح تصديقا لقوله في أول السورة {ولقد فتنا الذين من قبلهم} وفيه تثبيت للنبي صلى الله عليه واله وسلم كأنه قيل له إن نوحا لبث ألف سنة إلا خمسين عاما يدعو قومه ولم يؤمن منهم إلا قليل فأنت أولى بالصبر لقلة مدة لبثك وكثرة عدد أمتك](2) .

التمهيد والتوطئة:

من ذلك التمهيد والتوطئة لما يرد من قصص يقول الشوكاني في تفسيره لسورة النمل: [ثم مهد سبحانه مقدمة نافعة لما سيذكره بعد ذلك من الأخبار العجيبة فقال {وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم} أى يلقى عليك فتلقاه وتأخذه من لدن كثير الحكمة والعلم](3)

والتمهيد والتوطئة لما يرد من أحكام الشرعية يقول الشوكاني في تفسيره لسورة الأحزاب:

[ثم ذكر سبحانه مثلا توطئة وتمهيدا لما يتعقبه من الأحكام القرآنية التي هي من الوحى الذي أمره الله باتباعه فقال {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} وقد اختلف في سبب نزول هذه الآية كما سيأتى وقيل هي مثل ضربه الله للمظاهر أى كما لا يكون للرجل قلبان كذلك لا تكون امرأة المظاهر أمه حتى يكون له أمان وكذلك لا يكون الدعى ابنا لرجلين وقيل كان الواحد من المنافقين يقول لى قلب يأمرني بكذا وقلب بكذا فنزلت الآية لرد النفاق وبيان أنه لا يجتمع مع الإسلام كما لا يجتمع قلبان

] (4)

(1) - نفسه 4 / 142

(2)

- نفسه 4 /196

(3)

- نفسه 4/126

(4)

- نفسه 4/ 260..

ص: 70

عن ذلك يجيب الشوكاني في تفسيره فيقول: [ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} فيه بيان وجه الحكمة في زيادة الهلال ونقصانه وأن ذلك لأجل بيان المواقيت التي يوقت الناس عباداتهم ومعاملاتهم بها كالصوم والفطر والحج ومدة الحمل والعدة والإجارات والأيمان وغير ذلك

وإنما أفرد سبحانه الحج بالذكر لأنه مما يحتاج فيه إلى معرفة الوقت ولا يجوز فيه النسيء عن وقته ولعظم المشقة على من التبس عليه وقت مناسكه أو أخطأ وقتها أو وقت بعضها وقد جعل بعض علماء المعاني هذا الجواب أعني قوله {قل هي مواقيت} من الأسلوب الحكيم وهو تلقي المخاطب بغير ما يترقب تنبيها على أنه الأولى بالقصد ووجه ذلك أنهم سألوا عن أجرام الأهلة باعتبار زيادتها ونقصانها فأجيبوا بالحكمة التي كانت تلك الزيادة والنقصان لأجلها لكون ذلك أولى بأن يقصد السائل وأحق بأن يتطلع لعلمه قوله {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} وجه اتصال هذا بالسؤال عن الأهلة: أن الأنصار كانوا إذا حجوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم إذا رجع أحدهم إلى بيته بعد إحرامه قبل تمام حجه لأنهم يعتقدون أن المحرم لا يجوز أن يحول بينه وبين السماء حائل وكانوا يتسنمون ظهور بيوتهم وقال أبو عبيدة إن هذا من ضرب المثل والمعنى ليس البر أن تسألوا الجهال ولكن البر التقوى واسألوا العلماء كما تقول أتيت هذا الأمر من بابه وقيل هو مثل في جماع النساء وأنهم أمروا بإتيانهن في القبل لا في الدبر وقيل غير ذلك] (1)

بيان الدليل على ما سبق تقريره:

(1) - نفسه 1 / 198..

ص: 72

من ذلك ما ذكره الشوكاني في تفسير قوله تعالى {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَاّ إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ {163} إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {164} }

[سورة البقرة]

قال الشوكاني [لما ذكر سبحانه التوحيد بقوله {وإلهكم إله واحد} عقب ذلك بالدليل الدال عليه وهو هذه الأمور التي هي من أعظم صنعة الصانع الحكيم مع علم كل عاقل بأنه لا يتهيأ من أحد من الآلهة التي أثبتها الكفار أن يأتي بشيء منها أو يقتدر عليه أو على بعضه](1)

المناسبة بين السورة وسابقتها:

ولم يعن الشوكاني بهذا الجانب كثيرا، لكنه في تفسير سورة الحج أورد مناسبة بينها وبين ما قبلها فقال: " لما انجر الكلام في خاتمة السورة المتقدمة إلى ذكر الإعادة وما قبلها وما بعدها بدأ سبحانه في هذه السورة بذكر القيامة وأهوالها حثا على التقوى التي هي أنفع زاد فقال تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم) . (2)

وفي تفسير سورة قريش ذكر ارتباطها بسابقتها أعني سورة الفيل التي تسبقها في ترتيب المصحف فسورة الفيل نزلت بعد سورة الكافرون وسورة قريش نزلت بعد سورة التين.

(1) - نفسه 1/ 182

(2)

- - نفسه 3 / 435..

ص: 73

يقول الشوكاني رحمه الله: [اللام في قوله {لإيلاف} قيل هي متعلقة بآخر السورة التي قبلها كأنه قال سبحانه أهلكت أصحاب الفيل لأجل تآلف قريش قال الفراء هذه السورة متصلة بالسورة الأولى لأنه ذكر سبحانه أهل مكة بعظيم نعمته عليهم فيما فعل بالحبشة ثم قال {لإيلاف قريش} أي فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منا على قريش وذلك أن قريشا كانت تخرج في تجارتها فلا يغار عليها في الجاهلية يقولون هم أهل بيت الله عز وجل حتى جاء صاحب الفيل ليهدم الكعبة ويأخذ حجارتها فيبنى بها بيتا في اليمن يحج الناس إليه فأهلكهم الله عز وجل فذكرهم نعمته أي فعل ذلك لإيلاف قريش أي ليألفوا الخروج ولا يجترأ عليهم وذكر نحو هذا ابن قتيبة قال الزجاج والمعنى فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش أي أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش وما قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف وقال في الكشاف إن اللام متعلق بقوله فليعبدوا أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط. وقد تقدم صاحب الكشاف إلى هذا القول الخليل بن أحمد والمعنى إن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجليلة وقال الكسائي والأخفش اللام لام التعجب أي اعجبوا لإيلاف قريش وقيل هي بمعنى إلى](1) .

مناسبة إيراد القصة: من المناسبات التي أبرزها الشيخ في بعض الأحيان بيان المناسبة التي من أجلها سيقت القصة:

من ذلك ما ذكره في مناسبة إيراد قصة ابني آدم عليه السلام في سورة المائدة في سياق الحديث عن مفاسد بني إسرائيل وظلمهم:

[وجه اتصال هذا بما قبله التنبيه من الله على أن ظلم اليهود ونقضهم المواثيق والعهود هو كظلم ابن آدم لأخيه فالداء قديم والشر أصيل](2)

(1) - فتح القدير 5 / 497

(2)

- نفسه 2 / 30..

ص: 74

ومن ذلك أيضا ما ذكره في سر إيراد قصة امرأة لوط وامرأة نوح في سورة التحريم حيث يقول رحمه الله [قال يحيى بن سلام ضرب الله مثلا للذين كفروا يحذر به عائشة وحفصة من المخالفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين تظاهرتا عليه وما أحسن من قال فإن ذكر امرأتي النبيين بعد ذكر قصتهما ومظاهرتهما على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرشد أتم إرشاد ويلوح أبلغ تلويح إلى أن المراد تخويفهما مع سائر أمهات المؤمنين وبيان أنهما وإن كانتا تحت عصمة خير خلق الله وخاتم رسله فإن ذلك لا يغني عنهما من الله شيئا وقد عصمهما الله عن ذنب تلك المظاهرة بما وقع منهما من التوبة الصحيحة الخالصة](1)

*وفي تفسيره لسورة هود حيث ورد العديد من قصص الأنبياء التي استهلت بقصة نوح عليه السلام يقول الشوكاني: [لما أورد سبحانه على الكفار المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أنواع الدلائل التى هى أوضح من الشمس أكد ذلك بذكر القصص على طريقة التفنن في الكلام ونقله من أسلوب إلى أسلوب لتكون الموعظة أظهر والحجة أبين والقبول أتم فقال {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ {25} أَن لَاّ تَعْبُدُواْ إِلَاّ اللهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ {26} (2)

ربط القصة بالقصة:

من وجوه المناسبات التي أبرزها الشيخ الربط بين القصة والقصة:

ففي تفسيره لسورة سبأ يذكر المناسبة بين قصتي داود وسليمان عليهما السلام وبين قصة سبأ فيقول: [لما ذكر سبحانه حال بعض الشاكرين لنعمه عقبه بحال بعض الجاحدين لها فقال {لقد كان لسبأ} (3) ](4)

(1) - فتح القدير 5 / 256

(2)

- نفسه 2 / 493

(3)

- الآيات سورة سبأ من 15 إلى 20

(4)

- نفسه 4 / 319..

ص: 75

وفي تفسيره لقوله تعالى في سورة الإسراء {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَاّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً {2} }

يقول الشوكاني: [وآتينا موسى الكتاب أى التوراة قيل والمعنى كرمنا محمدا بالمعراج وأكرمنا موسى بالكتاب وجعلناه أى ذلك الكتاب وقيل موسى هدى لبنى إسرائيل يهتدون به](1)

صلة القصة بما قبلها وما بعدها: من ذلك ما ذكره الشوكاني في تفسير قوله تعالى من سورة هود {فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلَاّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ {109} }

[لما فرغ الله سبحانه من أقاصيص الكفرة وبيان حال السعداء والأشقياء سلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بشرح أحوال الكفرة من قومه](2)

وفي تفسيره لقوله تعالى من سورة ص {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ {12} } يقول: [لما ذكر سبحانه أحوال الكفار المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر أمثالهم ممن تقدمهم وعمل عملهم من الكفر والتكذيب فقال {كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد} ](3)

دفع الإيهام: بأن يأتي اللاحق دافعا لما قد يتوهم من السابق:

وفيما يلي نذكر نماذج من فتح القدير:

(1) - نفسه 3 / 207

(2)

- نفسه 2 / 528

(3)

- نفسه 4 / 423..

ص: 76

* يقول الشوكاني عند تفسيره لقوله تعالى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {234} [سورة البقرة234][لما ذكر سبحانه عدة الطلاق واتصل بذكرها ذكر الإرضاع عقب ذلك بذكر عدة الوفاة لئلا يتوهم أن عدة الوفاة مثل عدة الطلاق](1)

* وعند تفسيره لقوله تعالى من سورة النساء {وَاللَاّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً {15} } [النساء15] يقول الشوكاني: [لما ذكر سبحانه في هذه السورة الإحسان إلى النساء وإيصال صدقاتهن إليهن وميراثهن مع الرجال ذكر التغليظ عليهن فيما يأتين به من الفاحشة لئلا يتوهمن أنه يسوغ لهن ترك التعفف](2)

مراعاة المناسبة بين مقدمة السورة وبين مقاصدها ومضمونها: ففي تفسيره لقوله تعالى {إنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ {7} أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {8} } سورة يونس

(1) - نفسه 1 / 248

(2)

- نفسه 1 / 437

ص: 77

يقول رحمه الله: [شرع الله سبحانه فى شرح أحوال من لا يؤمن بالمعاد ومن يؤمن به وقدم للطائفة التى لم تؤمن لأن الكلام فى هذه السورة مع الكفار الذين يعجبون مما لا عجب فيه ويهملون النظر والتفكر فيما لا ينبغي إهماله مما هو مشاهد لكل حي طول حياته فيتسبب عن إهمال النظر والتفكر الصادق عدم الإيمان بالمعاد](1)

مراعاة السياق

قد يستعين الإمام الشوكاني في فهم المعنى أو الترجيح بين الآراء أو استجلاء الحكم بالسياق العام للآيات وفي هذا ما يدل على تسليمه بوجود ترابط وتناسب بين الآيات على ضوئه يسترشد

*** وفي تفسيره أمثلة عديدة تدل على رجوعه للسياق:

*ففي تفسيره لقوله تعالى من سورة البقرة {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ {124}

يقول: [واختلف في المراد بالعهد فقيل الإمامة وقيل النبوة وقيل عهد الله أمره وقيل الأمان من عذاب الآخرة ورجحه الزجاج، والأول أظهر كما يفيده السياق](2)

*وفي تفسيره لقوله تعالى من سورة البقرة {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {146} }

يقول: [وقوله الذي آتيناهم الكتاب يعرفونه قيل الضمير لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أي يعرفون نبوته روى ذلك عن مجاهد وقتادة وطائفة من أهل العلم وقيل يعرفون تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة وبه قال جماعة من المفسرين ورجح صاحب الكشاف الأول وعندي أن الراجح الآخر كما يدل عليه السياق الذي سيقت له هذه الآيات](3) وهو الحديث عن القبلة.

(1) - نفسه 2 /426

(2)

- نفسه 1 / 138

(3)

- نفسه 1 / 154..

ص: 78

*وفي تفسيره لقوله تعالى في سورة المائدة {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ {32} } [قوله من أجل ذلك أي من أجل ذلك القاتل وجريرته وبسبب معصيته والمعنى أن نبأ ابني آدم هو الذى تسبب عنه الكتب المذكور على بني إسرائيل وعلى هذا جمهور المفسرين وخص بني إسرائيل بالذكر لأن السياق في تعداد جناياتهم ولأنهم أول أمة نزل الوعيد عليهم فى قتل الأنفس ووقع التغليظ فيهم إذ ذاك لكثرة سفكهم للدماء وقتلهم للأنبياء

] (1)

*وفي تفسيره لقوله تعالى من سورة يونس {قُل لَاّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَاّ مَا شَاء اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ {49} }

يقول: [ {قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا} أي لا أقدر على جلب نفع لها ولا دفع ضر عنها فكيف أقدر على أن أملك ذلك لغيري وقدم الضر لأن السياق لإظهار العجز](2)

*وفي تفسيره لقوله تعالى في سورة الشعراء {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} [200]

يقول رحمه الله [ (كذلك سلكناه في قلوب المجرمين) أي مثل ذلك السلك سلكناه أى أدخلناه فى قلوبهم يعنى القرآن حتى فهموا معانيه وعرفوا فصاحته وأنه معجز وقال الحسن وغيره سلكنا الشرك والتكذيب فى قلوب المجرمين وقال عكرمة سلكنا القسوة،

(1) - نفسه 3 /33

(2)

- نفسه 2 / 449..

ص: 79

والأول أولى لأن السياق في الحديث القرآن (1) ] (2)

*وفي تفسيره لقوله تعالى في سورة الزخرف {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ {31} أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ {32} }

(1) - قال تعالى {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ {192} نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ {193} عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ {194} بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ {195} وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ {196} أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ {197} وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ {198} فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ {199} كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ {200}

(2)

- نفسه 4 / 118

ص: 80

يقول رحمه الله [ (أهم يقسمون رحمة ربك) يعني النبوة أو ما هو أعم منها والاستفهام للإنكار ثم بين أنه سبحانه هو الذي قسم بينهم ما يعيشون به من أمور الدنيا فقال {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا} ولم نفوض ذلك إليهم وليس لأحد من العباد أن يتحكم في شيء بل الحكم لله وحده وإذا كان الله سبحانه هو الذي قسم بينهم أرزاقهم ورفع درجات بعضهم على بعض فكيف لا يقنعون بقسمته في أمر النبوة وتفويضها إلى من يشاء من خلقه قال مقاتل: يقول: أبأيديهم مفاتيح الرسالة فيضعونها حيث شاءوا ومعنى رفعنا بعضهم فوق بعض درجات أنه فاضل بينهم فجعل بعضهم أفضل من بعض في الدنيا بالرزق والرياسة والقوة والحرية والعقل والعلم ثم ذكر العلة لرفع درجات بعضهم على بعض فقال ليتخذ بعضهم بعضا سخريا أي ليستخدم بعضهم بعضا فيستخدم الغني الفقير والرئيس المرءوس والقوي الضعيف والحر العبد والعاقل من هو دونه في العقل والعالم الجاهل وهذا في غالب أحوال أهل الدنيا وبه تتم مصالحهم وينتظم معاشهم ويصل كل واحد منهم إلى مطلوبه فإن كل صناعة دنيوية يحسنها قوم دون آخرين فجعل البعض محتاجا إلى البعض لتحصل المواساة بينهم في متاع الدنيا ويحتاج هذا إلى هذا ويصنع هذا لهذا ويعطى هذا هذا

وقيل هو من السخرية التي بمعنى الاستهزاء وهذا وإن كان مطابقا للمعنى اللغوي ولكنه بعيد من معنى القران ومناف لما هو مقصود السياق] (1)

(1) - نفسه 4 / 554..

ص: 81

*وفي تفسيره لقوله تعالى في سورة الطور {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ {25} قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ {26} فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ {27} إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ {28} } في سياق الحديث عن أحوال أهل الجنة: يقول الشوكاني: [وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون أي يسأل بعضهم بعضا في الجنة عن حاله وما كان فيه من تعب الدنيا وخوف العاقبة فيحمدون الله الذي أذهب عنهم الحزن والخوف والهم وما كانوا فيه من الكد والنكد بطلب المعاش وتحصيل ما لا بد منه من الرزق وقيل يقول بعضهم لبعض بم صرتم في هذه المنزلة الرفيعة وقيل إن التساؤل بينهم عند البعث من القبور والأول أولى لدلالة السياق على أنهم قد صاروا في الجنة](1)

وفي تفسيره لسورة الرحمن التي سيقت لبيان العديد من نعم الله عزوجل على الثقلين يبين الشوكاني وجه النعمة في بعض الآيات فنعم الله عز وجل منها الظاهر ومنها الباطن، والنعم الباطنة تحتاج إلى تأمل وتفكر حتى ندرك وجه كونها نعمة وبهذا يتبين لنا وجوه الترابط بين الآيات التي سيقت لتعداد النعم:

*من ذلك ما أورده في وجه كون الفناء من آلاء الرحمن قال تعالى {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ {26} وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ {27} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ {28} }

(1) - نفسه 5 / 98..

ص: 82

قال في تفسيره: [ {كل من عليها فان} أي كل من على الأرض من الحيوانات هالك وغلب العقلاء على غيرهم فعبر عن الجميع بلفظ من وقيل أراد من عليها من الجن والإنس {ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام} وجه النعمة في فناء الخلق أن الموت سبب النقلة إلى دار الجزاء والثواب وقال مقاتل وجه النعمة في فناء الخلق التسوية بينهم في الموت ومع الموت تستوي الأقدام](1)

*وفي تفسيره لقوله تعالى {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ {29} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ {30} } يبين وجه كونه تعالى كل يوم في شأن: نعمة فيقول: [ {كل يوم هو في شأن} الشأن هو الأمر ومن جملة شئونه سبحانه إعطاء أهل السموات والأرض ما يطلبونه منه على اختلاف حاجاتهم وتباين أغراضهم قال المفسرون من شأنه أنه يحيى ويميت ويرزق ويفقر ويعز ويذل ويمرض ويشفي ويعطي ويمنع ويغفر ويعاقب إلى غير ذلك مما لا يحصى وقيل المراد باليوم المذكور هو يوم الدنيا ويوم الآخرة {فبأي آلاء ربكما تكذبان} فإن اختلاف شئونه سبحانه في تدبير عبادة نعمة لا يمكن جحدها ولا يتيسر لمكذب تكذيبها](2)

(1) - نفسه 5 / 136 وراجع رسالتي الصبر عند فقد الولد ط دار السلام بالقاهرة.

(2)

- نفس المرجع 5 / 137..

ص: 83