الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي تفسيره لقوله تعالى {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ {35} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ {36} فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ {37} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ {38} فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ {39} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ {40} } يبين وجه كون ذلك الوعيد بالعذاب الشديد نعمة فيقول: [ {فبأي آلاء ربكما تكذبان} فإن من جملتها ما في هذا التهديد والتخويف من حسن العاقبة بالإقبال على الخير والإعراض عن الشر] 0 (1)
وبهذه النماذج التي سقناها من تفسير الشوكاني يتبين لنا رجوعه إلى السياق العام للآيات مستعينا به على فهم المعنى أو استبعاد رأي ضعيف أو الترجيح بين الآراء أو لإظهار حكمة أو لدفع إيهام أو للوقوف على روعة النظم وجمال النسق، وفي هذا ما يدل على إدراك الشيخ للتناسب بين الآيات، وتعويله عليه خلافا لما ذكره في مقدمة كتابه من الإنكار على من عني بهذا العلم وساهم فيه، وفي هذا أبلغ رد على موقفه، فتفسيره حافل بها.
الخاتمة
خلاصة البحث ونتائجه
كتاب " فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير " لصاحبه الإمام الشوكاني: من روائع كتب التفسير ومن أصولها الجامعة فقد اشتمل على التفسير بالرواية كما اشتمل أيضا على التفسير بالدراية
(التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي.
ذهب الشوكاني في تفسيره إلى أن البحث في علم المناسبات ضرب من التكلف، وأنه لا فائدة منه، وأنه من التكلم بمحض الرأي المنهي عنه ونعى على البقاعي وغيره عنايتهم بهذا العلم.
(1) نفسه 5 / 138..
وقد قمت بالرد عليه في هذا البحث مع مناقشة أهم القضايا التي أثارها فبينت فوائد وثمرات دراسة علم المناسبات هذا العلم النافع الذي يتبين لنا من خلاله وجه من وجوه إعجاز القرآن الكريم: وذلك من حيث تناسب آياته وتناسق سوره، فالقرآن الكريم وحدة موضوعية واحدة وآياته وسوره بناء واحد
كالدر يزداد حسنا وهْوَ منتظم وليس ينقص قدرا غير منتظم
هذا فضلا عن بيان المعاني وثرائها وجلاء المقاصد أمام المفسرين الذي لا عن لهم عنه.
ولقد تميز القرآن المجيد بهذا النظم الفريد،وهذا السبك النضيد، وهذا التصريف العجيب، وهذا الثراء في الأساليب، والانتقال من موضوع إلى موضوع ومن حكمة إلى حكمة ومن قصة إلى قصة ومن مثل إلى مثل، دون أن يؤدي ذلك إلى اضطراب أو خلل، أو فتور أو ملل، أو تناقض أو اختلاف، بل تناسق وائتلاف، مراعاة لطبيعة النفوس وتيسيرا على القراء وتبصرة وتذكرة لأولي الألباب،هذا مع نزوله منجما - حسب الحوادث والنوازل - على غير ما هو معهود في الكتب السابقة التي نزلت جملة واحدة: فجمع بذلك بين سمات عديدة ليست موجودة في الكتب السابقة: نزوله جملة حسب الحكمة، ونزوله متفرقا حسب الأحداث وما يقتضيه التشريع من تدرج في الأحكام، فضلا عن هذا الترتيب البديع.
مائدة عامرة زاخرة، وحدائق غناء ناضرة، مزهرة مثمرة، تسر الأعين الناظرة، قد تشابكت أغصانها وتعانقت أزهارها وتآلفت أطيارها وأينعت ثمارها، وامتزجت جداولها وانتظمت دررها واتسقت جواهرها في عقد فريد وسلك نضيد.
والناظر في تفسير الشوكاني يشهد فيه نماذج عديدة ومتنوعة للمناسبات بين الآيات حيث أبرز العديد من وجوه الصلة بين الآيات منها:
الاستئناف البياني
الاستئناف التقريري
التفنن في الكلام ونقله من أسلوب إلى أسلوب
التضاد: وهو الجمع بين المعنى وضده كالجمع بين الترغيب والترهيب
إلحاق النتائج بالمقدمات..
ذكر الخاص بعد العام
ترتيب موضوعات السورة:
ذكر ما يترتب على الحكم الشرعي من أحكام تلحق به:
التنظير: وهو إلحاق النظير بالنظير، وبيان الرابط بينهما:
التفصيل بعد الإجمال:
التمهيد والتوطئة:
الوحدة الموضوعية للآية الواحدة
بيان الدليل على ما سبق تقريره.
مناسبة إيراد القصة.
صلة القصة بما قبلها وما بعدها.
ربط القصة بالقصة التي تليها.
دفع الإيهام.
مراعاة المناسبة بين مقدمة السورة وبين مقاصدها ومضمونها.
مراعاة السياق.
وفي هذا ما يدل على إدراك الشيخ للتناسب بين الآيات، وتعويله عليه خلافا لما ذكره في مقدمة كتابه من الإنكار على من عني بهذا العلم وساهم فيه،وفي هذا أبلغ رد على موقفه، فتفسيره حافل بها.
ونحن نؤيد الشوكاني في أن التكلف منهي عنه في التفسير أو في غيره، وأنه لا يجوز التكلم بمحض الرأي المنهي عنه، فعلم المناسبات يحتاج إلى تدبر وتفكر لا إلى تكلف وتعسف، يحتاج إلى نظرة كلية شاملة للآيات والتدبر في معانيها ومقاصدها وصلتها بالمقصد العام للسورة وارتباطها بسابقها ولا حقها مع بيان نوع الرابط الذي بربط بين الآيات، وهذا العلم لا بد منه ولا غنى عنه لأي مفسر، لأنه يعين على فهم المعنى والترجيح بين الآراء ومعرفة المقاصد العامة للآيات والسور وغير ذلك من فوائد..
نزل القرآن الكريم مفرقا حسب الحوادث والنوازل ومراعاة للتدرج في التشريع، ومواكبة للمراحل التي مرت بها الدعوة الإسلامية في عهدها المكي والمدني، وما تتطلبه كل مرحلة، وجمع في الصدور والسطور وفقا لما هو عليه في اللوح المحفوظ حيث كان جبريل عليه السلام -يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بموضع كل آية في سورتها، إضافة إلى ترتيب السور كما سيأتي بيانه، وحفظه الصحابة رضي الله عنهم وفق هذا الترتيب،وروعي ذلك في المصاحف العثمانية، فإذا كان في نزوله منجما حكم وفوائد لا تخفى فإن في جمعه على هذا الترتيب التوقيفي حكم وفوائد، وإذا كان في نزوله منجما سمة من سماته التي تفرد بها عن الكتب السابقة فإن هذا الترتيب سمة من سماته، وإن كان في نزوله منجما معجزات ومعجزات فإن في جمعه بهذه الروعة والجمال معجزة المعجزات، وهل يعقل أن يكون ترتيبه في المصحف على غير ترتيب نزوله ثم لا يكون لذلك حكمة؟ ولماذا نجتهد في التماس حكم ومقاصد التشريعات الإلهية ثم نطالب بتجاهل الحكم من الترتيب الإلهي لكتابه العزيز! 0
والعجب كل العجب كيف انتقد الشوكاني على البقاعي اهتمامه بهذا العلم في تفسيره نظم الدرر ثم نراه يثني على هذا التفسير وعلى مسلك صاحبه فيه كما ورد في كتابه البدر الطالع خلال ترجمته له: " ومن أمعن النظر في كتابه المترجم له في التفسير الذي جعله في المناسبات بين الآي والسور علم أنه من أوعية العلم المفرطين في الذكاء الجامعين بين علم المعقول والمنقول، وكثير ما يشكل على شيء في الكتاب فأرجع إلى مطولات التفسير ومختصراتها فلا أجد ما يشفي وأرجع إلى هذا الكتاب - نظم الدرر - فأجد فيه ما يفيد في الغالب "
فالعجب كيف ينعى عليه عنايته بهذا العلم الشريف؟ ثم تراه يثني عليه وعلى مسلكه في تفسيره الذي جمع بين المأثور والرأي! ألا يذكرنا هذا بقول البحتري..