المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: العناية بالقرآن الكريم كتابة: - نزول القرآن الكريم والعناية به في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

[عبد الودود مقبول حنيف]

الفصل: ‌المبحث الثاني: العناية بالقرآن الكريم كتابة:

‌المبحث الثاني: العناية بالقرآن الكريم كتابةً:

-

اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة القرآن كاعتنائه بحفظه، فلم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ القرآن واستظهاره بل جمع مع حفظه في الصدور حفظه في السطور زيادة في التوثق والضبط والاجتهاد فكان القرآن ينزل شيئاً فشيئاً، وكلما نزل شيءٌ قرأه النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه أصحابه، وبلغ من عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن مبلغاً عظيماً أنه كان يحثهم على كتابته فعن عُثْمَانُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ تَنْزِلُ عَلَيْهِ السُّوَرُ ذَوَاتُ الْعَدَدِ فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ دَعَا بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ فَيَقُولُ:(ضَعُوا هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا) وَإِذَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةَ فَيَقُولُ: (ضَعُوا هَذِهِ الْآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا)1.

وكان نزول القرآن على غير الترتيب الذي نقرؤه الآن في السور الكريمة، بل كان ذلك الترتيب من بعد النزول بعمل النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من الله تعالى، فكان عليه الصلاة والسلام يقول لهم كما نُقل (ضعوا آية كذا في موضع كذا) فتكون بجوارها متسقة متلاحقة المعنى مترابطة متناسقة اللفظ تلتقي بها كأنها لقف معها، وكأنهما كلام واحد قيل في زمن واحد أحدهما

1 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة 3/272 3086 وقال عقبه هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب من جهر بها 1/208 786، 787، وأخرجه ابن أبي داود في المصاحف، خبر قران سورة الأنفال بالتوبة 230، وأخرجه الإمام أحمد في المسند 1/57 69، وأخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب التفسير، بسم الله الرحمن الرحيم 2/220 وكتاب التفسير، باب تفسير سورة التوبة 2/330، وقال عقبه هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الصلاة 1/42، والحديث حسن لغيره.

ص: 59

لاحق والآخر سابق، وكأن المتكلم قالهما في نفس واحد من غير زمن بينهما يتراخى أو يتباعد، وذلك من سر الإعجاز ولا غرابة في ذلك لأن القائل واحد وهو الله سبحانه وتعالى العليم الخبير، ولذلك كان ترتيب القرآن الكريم في كل سورة بتنزيل من الله تعالى 1.

واتخذ النبي صلى الله عليه وسلم كُتَّاباً من خيرة الصحابة لهذا العمل الجليل فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية وأبان بن سعيد وخالد بن الوليد واُبي بن كعب وزيد بن ثابت وثابت بن قيس وغيرهم.

وكان الصحابة رضوان الله عليهم يكتبون القرآن في الْعُسُب2 واللِّخَاف3 والألواح4 والأكتاف5 والأضلاع6 والأقتاب 7والرقاع 8والأديم9،

1 القرآن الكريم، المعجزة الكبرى، محمد أبو زهرة صـ27، وانظر البيان في مباحث من علوم القرآن 164.

2 بضم المهملتين ثم وحدة جمع عسيب وهو جريد النخل الذي كانوا يكشطون الخوص عنه ويكتبون في الطرف العريض، النهاية في غريب الحديث 3/234، فتح الباري 9/14.

3 بكسر اللام ثم خاء معجمة خفيفة وآخره فاء جمع لَخْفة بفتح اللام وسكون المعجمة وهي الحجارة الرقيقة، وقال بعضهم: صفائح الحجارة الرقاق، وخصها بعضهم بالبيضاء فقال: حجارة بيض رقاق، النهاية في غريب الحديث 4/244، فتح الباري 9/14.

4 اللوح: الكَتف وكل عريض يكتب فيه، وفي القاموس المحيط: كل صحيفة عريضة خشب أو عظم، الصحاح 1/402، القاموس المحيط 1/256.

5 جمع كتف وهو العظم الذي للبعير أو الشاة كانوا إذا جف كتبوا فيه، وفي النهاية الكتِف: عظم عريض يكون في أصل كَتِف الحيوان من الناس والدواب كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم، النهاية في غريب الحديث 4/150، فتح الباري 9/14.

6 جمع ضِلَع، والضِّلَع واحد الضلوع والأضلاع وهي معروفة، الصحاح 3/1250.

7 بقاف ومثناة وآخره موحدة جمع قَتَب بفتحتين وهو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه، النهاية في غريب الحديث 4/11، فتح الباري 9/14.

8 جمع رُقعة بالضم وهي تكون من جلد أو ورق أو كاغد أو غيره، فتح الباري 9/14.

9 هو الجلد، انظر لسان العرب 12/9.

ص: 60

يقول زيد بن ثابت رضي الله عنه (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرِّقاع) 1، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يعرضون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لديهم من القرآن حفظاً وكتابة كذلك، ولم ينتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا والقرآن كله مكتوب مسطور بالأحرف السبعة غير مجموع في مصحف واحد ولذلك قال الزركشي (وإنما لم يكتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مصحف لئلا يفضي إلى تغييره كل وقت فلهذا تأخرت كتابته إلى أن كمل نزول القرآن بموته صلى الله عليه وسلم 2، والأدلة على كتابة القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة منها:

قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن ومن كتب عني غير القرآن فليمحه)3.

وقول الصديق لزيد بن ثابت (إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم 4.

1 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب المناقب، باب في فضل الشام واليمن 5/734 3954، وقال عقبه هذا حديث حسن غريب، وأخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب التاريخ 2/611، وقال عقبه هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وفيه الدليل الواضح أن القرآن الكريم إنما جُمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث صحيح.

2 البرهان للزركشي 1/262.

3 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم 4/1818 3004.

4 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب قوله لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ص974 4679.

ص: 61

وعندما نَزَلَتْ قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:95) الْآيَةَ جَاءَ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَكَانَ ضَرِيرَ الْبَصَرِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنِي إِنِّي ضَرِيرُ الْبَصَرِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} الْآيَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (إِيْتُونِي بِالْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ أَوِ اللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ)1.

وممن اشتهر بكتابة القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وهو أول من كتب له بمكة، والزبير بن العوام ومعاوية، وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص بن أمية، وأبي بن كعب وهو أول من كتب له بالمدينة، وزيد بن ثابت، وشرحبيل بن حسنة وعبد الله بن رواحة وعمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، والأرقم بن أبي الأرقم، وثابت بن قيس، وعبد الله بن الأرقم الزهري، وحنظلة بن الربيع الأسدي وغيرهم 2.

وكان هؤلاء الصحابة يكتبون ما يمليه عليهم الرسول ويرشدهم إلى كتابته من غير أن يزيدوا فيه حرفاً أو ينقصوا منه حرفاً 3.

وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمة الإسلامية قد حفظت القرآن واستظهرته وكتبته بالطرق والوسائل الموجودة لديها، وكانت هذه الكتابة

1 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة النساء 5/240، وقال عقبه هذا حديث حسن صحيح، والحديث صحيح.

2 الاستيعاب على هامش الإصابة 1/51، فتح الباري 9/16-18، المدخل إلى القرآن الكريم 338، 339.

3 المدخل لدراسة القرآن الكريم 339.

ص: 62

ملحوظاً فيها أن تشمل الأحرف السبعة غير أن بعض الصحابة كان قد كتب منسوخ التلاوة وبعض ما هو ثابت بخبر الواحد، وربما كتبه غير مرتب، ولم يكن القرآن على ذلك العهد مجموعاً في صحف ولا مصاحف عامة 1.

ولم يجمع القرآن يومئذ في مصحف واحد أو مصاحف للأسباب الآتية:-

1) لم توجد الدواعي لجمعها كما وجدت في عصر أبي بكر وعثمان، فالمسلمون بخير والحفاظ بكثرة، وأكثر الناس يعولون على الحفظ أكثر من الكتابة، وأدوات الكتابة لم تكن متوفرة بالصورة الكبيرة.

2) أن القرآن لم ينزل مرة واحدة بل نزل منجماً في خلال ثلاث وعشرين سنة ولو كتب لكان عرضة للنسخ والتغيير والتبديل وهذا فيه من العناء والمشقة قال الزركشي في البرهان (فثبت أن القرآن كان على هذا التأليف والجمع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما تُرِك جمعه في مصحف واحد لأن النسخ كان يَرِدُ على بعضه، فلو جمعه ثم رفعت تلاوة بعضه لأدى إلى الاختلاف واختلاط الدين، فحفظه الله في القلوب إلى انقضاء زمن النسخ، ثم وَفَّق لجمعه الخلفاء الراشدين)2.

3) كانت الآيات الكثيرة تنزل من السور الكثيرة المختلفة على حسب الدواعي بلا ترتيب ثم يعلم الترتيب فيما بعد، فلو كتب أولاً لاحتيج إلى كتابته ثانياً وفي ذلك من المشقة ما فيه.

1 مناهل العرفان 1/248.

2 البرهان في علوم القرآن 1/235.

ص: 63