الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1) تخالف، بل يصدق بعضه بعضاً ويشهد بعضه لبعض على نمط واحد وأسلوب واحد.
2) في تعدد الحروف دلالة على عظمة هذه الأمة وشرفها التي تلقت القرآن بحروفه المختلفة ووعته هذا الوعي، وقامت بما ينبغي له من ضبط وإحكام ودقة في الأداء مما يجعل أعلام هذه الأمة محلاً لفضل الله ومثوبته وتكريمه1.
1 في علوم القراءات، السيد رزق الطويل ص 146،147.
ثالثاً:- الأحرف السبعة
ويشتمل على:-
1) معنى الحرف.
2) المراد بالأحرف السبعة.
1) معنى الحرف:-
الحرفُ من كل شيء طرفه، وشفيره، وحَدُّه، ومن الجبل أعلاه المحدد، وواحد حروف التهجي، والناقة الضامرة أو المهزولة أو العظيمة، ومسيل الماء، وآرام سود ببلاد سليم وعند النحاة ما جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل2، والحرف الأداة التي تسمي الرابطة لأنها تربط الاسم بالاسم والفعل بالفعل كعن وعلي ونحوهما.
1 في علوم القراءات، السيد رزق الطويل ص 146،147.
2 القاموس المحيط 3/130، 131.
قال الأزهري1: كل كلمة بُنيت أداةً عارية في الكلام لتفرقة المعاني واسمها حرف وإن كان بناؤها بحرفين أو فوق ذلك مثل حتى وهل وبل ولعل، وكل كلمة تقرأ على الوجوه من القرآن تسمى حرفاً، تقول: هذا في حرف ابن مسعود أي في قراءة ابن مسعود.
وقال ابن سيده 2: والحرف القراءة التي تقرأ على أوجه وما جاء في الحديث من قوله عليه السلام نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف أراد بالحرف اللغة.
قال أبو عبيد3 وأبو العباس4: نزل على سبع لغات من لغات العرب قال: وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه هذا لم يسمع به، قال ولكن يقول هذه اللغات متفرقة في القرآن فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة أهل اليمن وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة هذيل، وكذلك سائر اللغات ومعانيها في هذا كله واحد 5.
1 تهذيب اللغة 5/12، وهو محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي، أبو منصور، أحد الأئمة في اللغة والأدب، عني بالفقه فاشتهر به أولاً، ثم غلب عليه التبحر في العربية، له تصانيف منها، تهذيب اللغة وغريب الألفاظ التي استعملها الفقهاء، توفي سنة 370هـ، الأعلام 5/311، الوفيات 1/501.
2 علي بن إسماعيل المعروف بابن سيدة أبو الحسن، إمام في اللغة وآدابها، كان ضريراً، صنف المخصص وغيره، توفي سنة 458هـ، الأعلام 4/263.
3 أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي الأزدي الخزاعي بالولاء الخراساني البغدادي، أبو عبيد، من كبار العلماء بالحديث والأدب والفقه، له كتب ومصنفات كثيرة منها، الغريب المصنف في غريب الحديث، الأعلام 5/176، تهذيب التهذيب 7/315.
4 أبو العباس أحمد بن علي بن يوسف، أبو العباس البوني، صاحب المصنفات في علم الحروف، له كتب منها شمس المعارف الكبرى في علم الحروف والخواص، توفي سنة 622هـ، الأعلام 1/174.
5 لسان العرب 9/41، القاموس المحيط 3/130، 131.
قال الحافظ أبو عمرو الداني 1: معنى الأحرف التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم هاهنا يتوجه إلى وجهين أحدهما: أن يعني أن القرآن أنزل على سبعة أوجه من اللغات لأن الأحرف جمع حرف في القليل كفلس وأفلس، والحرف قد يراد به الوجه بدليل قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} (الحج:11) ، فالمراد بالحرف هنا الوجه أي على النعمة والخير وإجابة السؤال والعافية فإذا استقامت له هذه الأحوال اطمأن وعَبَدَ الله وإذا تغيرت عليه وامتحنه بالشدة والضر ترك العبادة وكفر فهذا عَبَد الله على وجه واحد فلهذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأوجه المختلفة من القراءات والمتغايرة من اللغات أحرفاً على معنى أن كل شيء منها وجه.
والوجه الثاني من معناها أن يكون سمى القراءات أحرفاً على طريق السعة كعادة العرب في تسميتهم الشيء باسم ما هو منه وما قاربه وجاوره وكان كسبب منه وتعلق به ضرباً من التعلق كتسميتهم الجملة باسم البعض منها، فلذلك سمى صلى الله عليه وسلم القراءة حرفاً وإن كان كلاماً كثيراً من أجل أن منها حرفاً قد غُير نظمه أو كُسر أو قُلب إلى غيره أو أُميل أو زِيد أو نُقص منه على ما جاء في المختلف فيه من القراءة فسمى القراءة إذ كان ذلك الحرف فيها حرفاً على عادة العرب في ذلك واعتماداً على استعمالها.
1 عثمان بن سعيد بن عثمان أبو عمرو الداني، ويقال له ابن الصيرفي، من موالي بني أمية، أحد حفاظ الحديث، ومن الأئمة في علم القرآن ورواياته وتفسيره منها التيسير في القراءات السبع، الأعلام 4/206.
قال الإمام ابن الجزري1: وكلا الوجهين محتمل إلا أن الأول محتمل احتمالاً قوياً في قوله صلى الله عليه وسلم (سبعة أحرف) أي سبعة أوجه وأنحاء، والثاني محتمل احتمالاً قوياً في قول عمر رضي الله عنه في الحديث سمعت هشاماً يقرأ سورة الفرقان على حروف كثيرة وكذا قوله في الرواية الأخرى سمعته يقرأ فيها أحرفاً لم يكن نبي الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها فالأول غير الثاني كما سيأتي بيانه 2.
2) المراد بالأحرف السبعة:-
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في تفسير هذه الأحرف اختلافاً كبيراً حتى قال ابن حبان3: اختلف أهل العلم في معنى الأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولاً وأوصلها السيوطي في الإتقان إلى أربعين قولاً وأكثر هذه الآراء متداخل وهي من المباحث الشائكة التي زلت فيها أقدام بعض العلماء، واستعصى الفهم فيه على بعض العلماء ولاذ البعض بالفرار منه، وكثر فيه القيل والقال، والحديث عنه ضروري لصلته الكبرى بنزول القرآن فاختصرته وذكرت القول الراجح عند جمهور العلماء وأتبعته بأقوال العلماء في هذا الباب4:-
1 محمد بن محمد بن علي ين يوسف أبو الخير شمس الدين العمري الدمشقي ثم الشيرازي الشافعي الشهير بابن الجزري، شيخ الإقراء في زمانه، من حفاظ الحديث، له مؤلفات كثيرة منها النشر في القراءات العشر، وغاية النهاية في طبقات القراء وغير ذلك توفي سنة 833هـ، الأعلام 7/45،
2 انظر النشر في القراءات العشر 1/23، 24.
3 هو أبو حاتم محمد بن حبان البستي، صاحب الصحيح، توفي 354 هـ، انظر شذرات الذهب 3/16.
4 للتوسع في هذا المبحث يرجع إلى الكتب الآتية البرهان في علوم القرآن 1/211، 213، جامع البيان في تفسير القرآن، المقدمة، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1/41، 49، التذكار في أفضل الأذكار ص30، فضائل القرآن لابن كثير 67-72 النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1/21، 51 الإتقان 1/131-142، مناهل العرفان 1/137، 192، منهج الفرقان في علوم القرآن 53، 79،
أنها وجوه التغاير السبعة التي يقع فيها الاختلاف وهو الذي قال به الامام أبو الفضل الرازي1 في اللوائح، كما يقرب منه مذهب الامام ابن الجزري وبه قال ابن قتيبة والقاضي أبو الطيب، وأيده من المتأخرين الشيخ محمد بخيت المطيعي 2والشيخ محمد عبد العظيم الزُّرْقَاني 3، وهذه الوجوه هي:-
الأول: اختلاف الأسماء بالإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث نحو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (المعارج:32) فقُرئ هكذا لأماناتهم جمعاً، وقُرئ لأمانتهم بالإفراد.
الثاني:اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر نحو قوله تعالى: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} (الأعراف:138) بكسر الكاف وضمها في الفعل، فقد وافقت كلتا القراءتين رسم المصحف العثماني أيضاً لأن هيكل الفعل واحد في الخط لا يتغير في كلتا القراءتين ومثل قوله تعالى:{فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} (سبأ:19) ، قُرئ {رَبَّنا بَاعِد} بنصب لفظ ربنا على أنه منادى مضاف وبَاعِد بصيغة الأمر، وقُرئ {ربُّنا باعَدَ} برفع ربُّنا وفتح باعَد على أنه فعل ماض، وقرئ {ربَّنا بَعِّد} بنصب باء ربنا وبحذف الألف بعد باء باعد مع تشديد العين مكسورة وإسكان الدال فعل أمر وكلها صحيحة.
1 هو أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن بُنْدار العجلي الرازي المقرئ، ثقة ورع متدين عارف بالقراءات، عالم بالأدب والنحو، له كتب منها فضائل القرآن وتلاوته، التقييد 2/84، السير 18/137.
2 محمد بخيت المطيعي الحنفي، مفتي الديار المصرية، ومن كبار فقهلئها، له مصنفات منها، الكلمات الحسان في الأحرف السبعة وجمع القرآن، توفي 1354هـ، اللأعلام 6/50، مرآة العصر 2/467.
3 محمد بن عبد العظيم الزُّرقاني، من علماء الأزهر بمصر، من كتبه مناهل العرفان في علوم القرآن، توفي في القاهرة 1367هـ، الأعلام 6/210.
الثالث: اختلاف وجوه الإعراب كقراءة {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} (البقرة:282) بفتح الراء وضمها فإن الرسم يحتملها كالوجه السابق، ومثل قوله تعالى:{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} (البقرة:37) قُرئ برفع آدم ونصب كلمات، كما قرئ بنصب آدم ورفع كلمات وكلاهما قراءة صحيحة، ومثل قوله سبحانه {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} (البروج:15) فقد قرئ برفع لفظ المجيد وجَرِّه، فالرفع على أنه نعت لكلمة ذو، والجر على أنه نعت لكلمة العرش فلا فرق في هذا الوجه بين أن يكون اختلاف وجوه الإعراب في اسم أو فعل.
الرابع: الاختلاف بالنقص والزيادة كقوله تعالى: {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ} (التوبة:100) فقرأ الجمهور بحذف لفظ من الجارَّة، وقرأ ابن كثير1 بزيادة لفظ من، وكقوله تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} (آل عمران: 133) قرأ الجمهور بالواو، وقرأ نافع2 وابن عامر3 وأبو جعفر4 من غير واو، والقراءتان صحيحتان، وكقوله تعالى:{وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} (الليل: 3) قُرِئ بهذا اللفظ، وقُرِئ أيضاً {وَالذِّكْرِ وَالْأُنْثَى} بنقص كلمة {ما خلق} .
1 عبد الله بن كثير الداري المكي، أبو معيد أحد القراء السبعة، توفي 120هـ، معرفة القراء الكبار 1/72، الأعلام 4/115
2 نافع المدني أبو عبد الله، من أئمة التابعين بالمدينة، كان كثير الرواية للحديث، ثقة، أصابه عبد الله بن عمر صغيراً في بعض مغازيه، توفي سنة 117هـ، الأعلام 8/5.
3 عبد الله بن عامر اليحصبي أبو عمران، تابعي وهو قاضي دمشق في أيام الوليد بن عبد الملك أحد القراء السبعة، إمام ثقة متقن عالم في حفظه، توفي سنة 118هـ، الأعلام 4/95، النشر 1/144.
4 يزيد بن القعقاع المخزومي المدني القارئ، من التابعين، أحد القراء العشرة، صالح متعبد توفي سنة 130هـ، الأعلام 8/186، النشر 1/178.
الخامس: الاختلاف بالتقديم والتأخير، إما في الحرف كقوله تعالى:{أَفَلَمْ يَيْأَسِ} قُرئ ييأس، وقُرئ يايس بتقديم الهمزة على الياء مع إبدالها ألفاً،وإما في الكلمة في قوله تعالى:{فيَقْتلون ويُقْتلون} (التوبة:111) قرئ الفعل بالبناء للفاعل في الأول، وللمفعول في الثاني وقرئ بالعكس.
السادس:الاختلاف بالإبدال سواء أكان إبدال حرف بحرف، أو كلمة بكلمة مثل قوله تعالى:{وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} (البقرة:259) قرئ بالزاي المعجمة مع ضم النون الأولى، وقرئ بالراء المهملة مع ضم النون الأولى، والقراءتان صحيحتان، وفي قراءة شاذة بالراء المهملة مع فتح النون الأولى وضم الشين {نَنْشُرُها} ، وكذلك قوله تعالى:{وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} (الواقعة:29) بالحاء قُرِئ وطلع بالعين، ومثل قوله تعالى:{أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} (الحجرات:6) ، وقرئ فتثبتوا، وهما قراءتان صحيحتان.
السابع: اختلاف اللهجات بالتفخيم والترقيق، والفتح والإمالة، والإظهار والإدغام والهمز والتسهيل، والإشمام ونحو ذلك مثل قوله تعالى:{َهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} (طه: 9) تقرأ بالفتح والإمالة في أتى، ولفظ موسى، ومثل قوله:{بَلَى قَادِرِينَ} (القيامة:4) تقرأ بالفتح والإمالة في بلى.
وهذا القول الذي صار إليه الرازي هو الذي أميل إليه للأسباب الآتية:-
1) أن هذا هو الذي تؤيده الأحاديث السابقة التي ذكرناها.
2) أنه لا يوجد محذور من المحذورات على هذا الرأي.
3) أن هذا المذهب يعتمد على الاستقراء التام لاختلاف القراءات وما ترجع إليه من الوجوه السبعة بخلاف غيره فإن استقراءه ناقص أو في حكم الناقص1.
وهناك قول آخر صار إليه بعض العلماء وقالوا 2:
أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد يعني سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو: أقبل، وتعال، وهلم، وعجل، وأسرع فهي ألفاظ مختلفة لمعنى واحد، فإن هذه ألفاظ سبعة مختلفة يعبر بها عن معنى واحد وهو طلب الإقبال وإلى هذا القول ذهب سفيان بن عيينة3وابن جريرالطبري 4 والطحاوي5 وغيرهم، وليس معنى هذا أن كل كلمة كانت تقرأ بسبعة ألفاظ من سبع لغات بل المراد: غاية ما ينتهي إليه الاختلاف في تأدية المعنى هو سبع، قال الإمام الطحاوي: وأبين ما ذكر في ذلك حديث أبي بكرة قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ على حرف، فقال ميكائيل: استزده فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده حتى بلغ إلى سبعة أحرف، فقال: اقرأ فكل شاف كاف
1 انظر مناهل العرفان للزرقاني 1/157، والقراءات للدكتور شعبان محمد إسماعيل 45.
2 انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1/42، الإتقان للسيوطي 1/134، جامع البيان للطبري، المقدمة 17، منهج الفرقان محمد علي سلامة 61، مباحث في علوم القرآن لمناع القطان 136.
3 سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي الكوفي أبو محمد، محدث الحرم المكي من الموالي، كان حافظاً ثقة واسع العلم، توفي سنة 198هـ، الأعلام 3/105.
4 محمد بن جرير الطبري أبو جعفر المؤرخ المفسر الإمام، له تصانيف منها جامع البيان في تفسير القرآن، توفي سنة 310هـ، الأعلام 6/69.
5 أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي الطحاوي، أبو جعفر، فقيه انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر، له تصانيف منها شرح معاني الآثار ومشكل الآثار، توفي سنة 321هـ، الأعلام 1/206.
إلا أن تخلط آية رحمة بعذاب، أو آية عذاب بآية رحمة على نحو هلم وتعال وأقبل واذهب وأسرع وعجل.
قال الإمام ابن عبد البر1: إنما أراد بهذا ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها إنها معان متفق مفهومها، مختلف مسموعها، لا يكون في شيء منها معنى وضده، ولا وجه يخالف معنى وجه خلافاً ينفيه ويضاده كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده.
وهذا القول الأول لا يسلم من بعض الاعتراضات ومن أهمها:
1) أن ما ذكروه ليس من قبيل حصر الأحرف السبعة حتى يصح الاستدلال بذلك.
2) أن أصحاب هذا المذهب قد وضعوا أنفسهم في مأزق ضيق لأن ترويجهم لمذهبهم اضطرهم إلى أن يتورطوا في أمور خطرها عظيم إذ قالوا إن الباقي من الأحرف السبعة هو حرف واحد، وأن عثمان بن عفان جمع الناس على حرف واحد وهو كلام لا يستقيم ولا يتفق مع الأدلة التي ذكرناها والتي ترجح الرأي الأول.
وهناك أقوال أخرى مرجوحة أذكر لكم في هذا المقام ثلاثة منها:
القول الأول:
إنه من المشكل الذي لا يُدْرَى معناه لأن الحرف يصدق لغة على حرف الهجاء وعلى الكلمة وعلى المعنى وعلى الجهة، فيكون مشتركاً لفظياً لا يعرف ولا يُدرى أي معانيه هو المقصود وهذا القول نسب إلى أبي جعفر محمد بن
1 يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي، أبو عمر، من كبار حفاظ الحديث له كتب كثيرة منه الاستيعاب في معرفة الأصحاب وغير ذلك، الأعلام 8/240.
سعدان النحوي1، ونحا نحوه الحافظ السيوطي في شرحه على سنن النسائي، وهذا القول غير صحيح وهو بمعزل عن التحقيق فإن مجرد كون اللفظ مشتركاً لفظياً لا يلزمه الإشكال لأن ذلك يلزم لو لم تقم قرينة تعين بعض المعاني، وهنا قامت قرينة تعين بعض المعاني، بل قامت قرائن تمنع ما عدا ذلك البعض من المعاني الأخرى.
القول الثاني:
إن لفظ السبعة في الحديث لا يراد به حقيقة العدد، إنما المراد منه التيسير والتسهيل
والسعة، ولفظ السبعة يطلق على إرادة الكثرة في الآحاد كما يطلقون السبعة في العشرات والسبعمائة في المئين، ولا يراد العدد المعين، وإلى هذا جنح القاضي عياض2 ومن تبعه، ويرده ما في حديث ابن عباس في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ) 3وغيرها من الأحاديث الواضحة التي تدل على إرادة حقيقة العدد وانحصاره.
القول الثالث:
أن المراد بالأحرف السبعة سبع قراءات، وهذا ليس بصحيح لأنكم إذا أردتم أن كل كلمة تقرا بقراءات سبع فهذا نادر وقليل، وإن أردتم أن بعض الكلمات تقرأ بوجه وبعضها بوجهين وبعضها بثلاث وهكذا إلى سبع فذلك
1 أبو جعفر محمد بن سعدان النحوي الكوفي مقرئ ضرير، له كتب في النحو والقراءات منها الجامع والمجرد وغيرهما، الأعلام 6/137.
2 القاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبي البستي، أبو الفضل عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته، كان من أعلم الناس بالعرب وأنسابهم وأيامهم، له تصانيف كثيرة، توفي سنة 544، الأعلام 5/99.
3 انظر ص 25.
مردود أيضاً لأن هنالك كلمات تقرأ على أكثر من سبعة أوجه، وأخطأ كل الخطأ من زعم أن الأحرف السبعة هي القراءات السبع المشهورة وهو غاية الجهل، قال أبو شامة: ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل 1.
1 انظر هذه الأقوال بتوسع في جامع البيان للطبري، المقدمة، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 1/41 وما بعده، والنشر في القراءات العشر 1/24، 31،36 ومناهل العرفان في علوم القرآن 1/155، 192، والمدخل إلى القرآن الكريم 174، 205.