المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فلفقت لا أني أجاريك ناظماً … كلامي على أن اتكالي - نفحة اليمن فيما يزول بذكره الشجن

[الشرواني، أحمد]

الفصل: فلفقت لا أني أجاريك ناظماً … كلامي على أن اتكالي

فلفقت لا أني أجاريك ناظماً

كلامي على أن اتكالي على الود

فعذراً وستراً للقصور ودمت في

نعيم بلا حصر ونعمى بلا حد

قد تم الباب الثالث من كتاب نفحة اليمن فيما يزول بذكره الشجن بعون الله تعالى وقوّته العيّ، ويتلوه الباب الرابع إن شاء الله تعالى، والحمد لله على ذلك حمداً كثيراً جزيلاً

‌الباب الرابع

لامية

يذكر فيه لامية الشيخ العلامة اسماعيل بن أبي بكر المقري الزبيدي، ولامية الفاضل الأديب صلاح الدين الصفدي ولامية الشيخ البارع أبي اسماعيل الحسين بن علي المعروف بالطغرائي المشهورة بلامية العجم مع ما أوضحته من معاني أبيات منها لاحتياجه إلى البيان المعرب عن المقصود للأذهان ولامية الشيخ الكامل الأديب عمر بن الوردي رحمهم الله تعالى بمنه وكرمه

لامية المقري رحمه الله تعالى

ريادة القول تحكي النقص في العمل

ومنطق المرء قد يهديه للزلل

إن اللسان صغير جرمه وله

جرم كبير كما قد قيل في المثل

فكم ندمت على ما كنت قلت به

وما ندمت على ما لم تكن تقل

وأضيق الأمر أمر لم تجد معه

فتى يعينك أو يهديك للسبل

عقل الفتى ليس يغني عن مشاورة

كعفة الخود لا تغني عن الرجل

إن المشاور إنا صائب غرضاً

أو مخطئ ليس منسوباً إلى الخطل

لا تحقر القول يأتيك الحقير به

فالنحل وهو ذباب طائر العسل

ولا يغرنك ودّ من أخى أمل

حتى تجربه في غيبة الأمل

إذا العدوّ ساقته الاخا علل

عادت عداوته عند انقضا العلل

لا تجزعنّ على ما نلت حيث مضى

ولا على فوت أمر حيث لم تنل

فليس تغني الفتى في الأمر عدته

إذا تقضت عليه عدّة الأجل

ص: 146

وقدر شكر الفتى لله نعمته

كقدر صبر الفتى للحادث الجلل

وإن أخوف نهج ما خشيت به

ذهاب حرية أو مرتضى عمل

لا تفرحنّ بسقطات الرجال ولا

تهزأ بغيرك واحذر صولة الدول

إن تأمن الدهر أن يعلى العدوّ فلا

تستأمن الدهر أن يلقيك في السفل

أحق شيء بردّ ما تخالفه

شهادة الدهر فاحكم صنعة الجدل

وقيمة المرء ما قد كان يحسنه

فاطلب لنفسك ما تعلو به وصل

اطلب تنل لذة الإدراك ملتمساً

أو راحة اليأس لا تركن إلى الوكل

وكل داء دواه ممكن أبداً

إلا إذا امتزج الاقتار بالكسل

والمال صنه وورثه العدو ولا

تحتاج حياً إلى الإخوان في الأكل

وخير مال الفتى مال يصون به

عرضاً وينفقه في صالح العمل

وأفضل البر ما لا منّ يتبعه

ولا تقدمه شيء من المطل

وإنما الجود بذل لم تكاف به

صنعاً ولم تنتظر فيه جزا رجل

إن الصنائع أطواق إذا شكرت

وإن كفرت فأغلال لمنتحل

ذو اللوم يحصر مهما جئت تسأله

شيئاً ويحصر نطق المء أن يسل

وإنّ فوت الذي تهوى لأهون من

إدراكه بلئيم غير محتفل

إن عندي الخطا في الجود أحسن من

إصابة حصلت في المنع والبخل

خير من الخير مسديه إليك

كما شر من الشر أهل الشر والدخل

ظواهر العتب للإخوان أحسن من

بواطن الحقد في التسديد للخلل

دار الجهول وسامحه تكده ولا

تركب سوى السمع واحذر سقطة العجل

لا تشربنّ نقيع السم متكلاً

على عقاقير قد جرّبن بالعمل

والق الأحبة والإخوان إن قطعوا

حبل الوداد بحبل منك متصل

فأعجز الناس من قد ضاع من يده

صديق ودّ فلم يردده بالحيل

استصف خلك واستبدله أحسن من

تبديل خل وكيف الأمن بالبدل

واحمل ثلاث خال من مظالمه

تحفظه فيها ودع ما شئته وقل

ظلم الدلال وظلم الغيظ فاعفهما

وظلم جفوته فاقسط ولا تمل

وكن مع الخلق ما كانوا لخالقهم

واحذر معاشرة الأوغاد والسفل

ص: 147

واخش الأذى عند إكرام اللئيم كما

تخشى الأذى إن أهنت الحر في حفل

والعذر في الناس طبع لا تثق بهم

وإن أبيت فخذ في الأمن والوجل

من يقظة بالفتى إظهار غفلته

مع التحرز من غدر ومن حيل

سل التجارب وانظر في مراءتها

فللعواقب فيها أشرف المثل

وخير ما جربته النفس ما اتعظت

عن الوقوع به في العجز والوكل

فاصبر لواحدة تأمن توابعها

فربما كانت الصغرى من الأول

فلا يغرنك مرقى في سهولته

فربما ضقت ذرعاً منه في النزل

وللأمور وللأعمال عاقبة

فاخش الجزا بغتة واحذره عن مهل

ذو العقل يترك ما يهوى لخشيته

من العلاج بمكروه من الخلل

من المروءة ترك المرء شهوته

فانظر لأيهما آثرت واحتفل

استحي من ذم من أن يدنو توسعه

مدحاً ومن مدح من إن غاب ترتذل

شر الورى بمساوي الناس مشتغل

مثل الذباب يراعي موضع العلل

لو كنت كالقدح في التقويم معتدلاً

لقالت الناس هذا غير معتدل

لا يظلم الحر إلا من يطاوله

ويظلم النذل أدنى منه في النذل

يا ظالماً جار فيمن لا نصير له

إلا المهيمن لا تغترّ بالمهل

غداً تموت ويقضي الله بينكما

بحكمه الحق لا زيغ ولا ميل

وإن أولى الورى بالعفو أقدرهم

على العقوبة إن يظفر بذي زلل

حلم الفتى عن سفيه القوم يكثر من

أنصاره ويوقيه من العيل

والحلم طبع فما كسب يجود به

لقوله خلق الانسان من عجل

لامية الصفدي رحمه الله تعالى

الجد في الجد والحرمان في الكسل

فانصب تصب عن قريب غاية الأمل

وشم بروق المعالي في مخائلها

بناظر القلب تكفي مؤنة العمل

واصبر على كل ما يأنى الزمان به

صبر الحسام بكف الدارع البطل

لا تمسين على ما فات ذا حزن

ولا تطل بما أوتيت في جذل

فالدهر أقصر من هذا وذا أمد

وربما حل بعض الأمر في الوجل

وجانب الحرص والاطماع تحظ بما

ترجو من العز والتأييد في عجل

ص: 148

وصاحب الحزم والعزم اللذين هما

في الحل والحل ضد الغي والخطل

والبس لكل زمان ما يلايمه

في العسر واليسر من حل ومرتحل

واصمت ففي الصمت أسرار تضمنها

ما نالها قط إلا سيد الرسل

واستشعر الحلم في كل الأمور ولا

تبادر ببادرة إلا إلى رجل

وإن بليت بشخص لا خلاق له

فكن كأنك لم تسمع ولم يقل

ولا تمار سفيهاً في محاورة

ولا حليماً لكي تنجو من الزلل

ثم المزاح فدعه ما استطعت ولا

تكن عبوساً ودار الناس عن كمل

ولا يغرك من تبدو بشاشته

منه غليك فإن السم في العسل

وإن أردت نجاحاً أو بلوغ منى

فاكتم أمورك عن حاف ومنتعل

وأبكر بكور غراب في شذا نمر

في بأس ليث كميّ في دها ثعل

بجود حاتم في إقدام عنترة

في حلم أحنف في علم الإمام علي

وهن وعزّ وباعد واقترب وأثل

وابخل وجد وانتقم واصفح وصل وصل

بلا غلو ولا جهل ولا سرف

ولا توان ولا سخط ولا مذل

وكن أشد من الصخر الأصم لدى البأسا

وأسير في الآفاق من مثل

حلو المذاقة مرّاً لينا شرسا

صعباً ذلولاً عظيم المكر والحيل

مهذباً لوذعيا طيباً فكهاً

عشمشماً غير هياب ولا وكل

صافي الوداد لمن أصفى مودته

حقاً وأحقد للأعداء من جمل

لا يطمئنّ إلى ما فيه منقصة

عليه إلا لأمر ما على دخل

ولا يقيم بأرض طاب مسكنها

حتى يقدّ أديم السهل والجبل

ولا يصيخ إلى داع إلى طمع

ولا ينيخ بقاع نازح العلل

ولا يضيع ساعات الدهور فلن

يعود ما فات من أيامها الأول

ولا يراقب إلا من يراقبه

ولا يصاحب إلا كل ذي نبل

ولا يعدّ عيوب الناس محتقراً

لهم ويجهل ما فيه من الخلل

ولا يظن بهم سوءاً ولا حسناً

يصاب من أصوب الأمرين بالغيل

ولا يؤمل آمالاً بصبح غد

إلا على وجل من وثبة الأجل

ولا ينام وعين الدهر ساهرة

في شأنه وهو ساه غير محتفل

ص: 149

ولا يصدّ عن التقوى بصيرته

لأنها للمعالي أوضح السبل

من لم تكن حلل التقوى ملابسه

عاراً وإن كان مغموراً من الحلل

من لم تفده صروف الدهر تجربة

فيما يحاول فليرعى مع الهمل

من سالمته الليالي فليثق عجلاً

منها بحرب عدوّ غير ذي مهل

من كان همته والشمس في قرن

كانت منيته في دارة الحمل

من ضيع الحزم لم يظفر بحاجته

ومن رمى بسهام العجب لم ينل

من جالس الغاية النوكى جنى ندماً

لنفسه ورمى بالحادث الجلل

من جاد ساد وأمسى العالمون له

وفا وحالة أهل الكف لم تحل

من لم يصن عزه ساءت خليقته

بكل طبع لئيم غير منتقل

من رام نيل العلى بالمال يجمعه

من غير حل بلى من جهله وبلي

من هاش عاش وخير العيش أشرفه

وشره عيش أهل الجبن والبخل

عاجمت أيام دهر شدة ورخا

وبوأت فيها بأثقال عليّ ولي

وخضت في كل واد من مسالكها

بلا فتور ولا عجز ولا فشل

طوراً مقيماً مقام الصيد في صدف

وتارة في ظهور الأينق الذلل

بالشرق يوماً ويوماً في مغاربه

والغور يوماً ويوماً في ذوي القلل

وتارة عند أملاك غطارفة

وتارة أنا والغوغاء في زحل

هذا ولم أرتض حالاً ظفرت به

إلا وثقت بحبل منه منفصل

ولا أيمم بحراً جاش غاربه

إلا وجدت سراباً أو صرى وشلي

حتى إذا لم أدع لي في الثرى وطناً

أقصرت من غير لا وهن ولا ملل

فاليوم لا أحد لي عنده أرب

ولا فتى أبداً ذو حاجة قبلي

وفي الفؤاد أمور لا أبوح بها

ما قرب النائي أيدي الخيل والإبل

وإن أمت فلقد أعذرت في طلب

وإن عمرت فلن أصغي إلى عذل

تمت برسم أخ مازال يسألني

إنشاءها أبداً في الصبح والطفل

فقلتها لأرى مفروض طاعته

والقلب شغل ناهيك من شغل

ولا أبالغ في توقيف أكثرها

ولا ذكرت بها شيئاً من الغزل

لكنها حكم مملوءة همماً

تغني اللبيب عن التفصيل بالجمل

ص: 150

ثم الصلاة على أزكى الورى حسباً

محمد وأمير المؤمنين علي

ما أومض البرق في الديجور مبتسماً

وما سفحن دموع العارض الهطل

لامية الطغرائي رحمه الله تعالى

أصالة الرأي صانتني عن الخطل

وحلية الفضل زانتني لدى العطل

أصالة الرأي جودته، والخطل المنطق الفاسد، والعطل التعري عن الملابس الظاهرة

مجدي أخيراً ومجدي أولاً شرع

والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل

قوله شرع أي سواء ورأد الضحى وقت ارتفاع الشمس والطفل آخر النهار

فيم الإقامة بالزوراء لا سكني

بها ولا ناقتي فيها ولا جملي

ناء عن الأهل صفر الكف منفرد

كالسيف عرى متناه عن الخلل

فلا صديق إليه مشتكى حزني

ولا أنيس إليه منتهى جذلي

طال اغترابي حتى حنّ راحلتي

ورحلها وقرى العسالة الذبل

وضج من لغب نضوى وعج لما

ألقى ركابي ولج الركب في عذلي

الضجيج الصياح، واللغب بالغين المعجمة التعب والإعياء والنضو البعير المهزول والعج رفع الصوت، ولج الركب زاد في اللوم

أريد بسطة كف أستعين بها

على قضاء حقوق للعلى قبلي

والدهر يعكس آمالي ويقنعني

من الغنيمة بعد الكد بالقفل

وذي شطاط كصدر الرمح معتقل

بمثله غير هياب ولا وكل

الواو واو رب والشطاط اعتدال القامة وقوله غير هياب أي غير جبان ولا وكل بكسر الكاف: أي غير عاجز

حلو الفكاهة مرّ الجدّ قد مزجت

بشدة البأس منه رقة الغزل

طردت سرح الكرى عن ورد مقلته

والليل أغرى سوام النوم بالمقل

يقول إني منعته النوم بالمحادثة ونحن في ليل قد أقبل بالنوم على العيون

والركب ميل على الأكوار من طرب

صاح وآخر من خمر الكرى ثمل

فقلت أدعوك للجلي لتنصرني

وأنت تخدلني في الحادث الجلل

الجلي بالضم الأمر العظيم وجمعها جلل ككبر

تنام عيني وعين النجم ساهرة

وتستحيل وصبغ الليل لم يحل

ص: 151

فهل تعين على غيّ هممت به

والغيّ يزجر أحياناً من الفشل

الغيّ الضلال، والزجر المنع، والفشل الجبن

إني أريد طروق الحي من إضم

وقد حمته رماة الحي من ثعل

الطروق هو المجيء في الليل واضم كعنب الوادي الذي فيه مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وثعل كصرد ابن عمرو بنو ثعل مشهورون باتقان رمي السهام

يحمون بالبيض والسمر اللذان به

سود الغدائر حمر الحلي والحلل

فسر بنا في دمام الليل معتسفاً

فنفحة الطيب تهدينا إلى الحلل

الذمام الحرمة والاعتساف من العسف وهو الأخذ في السير بغير دليل

فالحب حيث العدى والأسد رابضة

حول الكنائس لها غاب من الأسل

تؤم ناشئة بالجزع قد سقيت

نصالها بمياه الغنج والكحل

تؤم تقصد، وناشئة أي مخلوقة، والجزع بالكسر منعطف الوادي

قد زاد طيب أحاديث الكرام بها

ما بالكرائم من جبن ومن بخل

تبيت نار الهوى منهنّ في كبد

حري ونار القرى منهم على القلل

يقتلن أنضاء حب لا حراك بها

وينحرون كرام الخيل والإبل

الأنضاء جمع نضو وأراد به جماعة العشاق الذين أمرضهم الهوى وأنحلهم

يشفي لديغ العوالي في بيوتهم

بنهلة من غدير الخمر والعسل

العوالي الرماح، والنهلة الشربة الواحدة

لعل إلمامة بالجزع ثانية

يدب منها نسيم البرء في علل

الإلمام النزول وقد ألمّ به أي نزول وقوله يدبّ أي يمشي من دبّ على الأرض يدبّ دبيباً إذا مشى والبرء الشفاء

لا أكره الطعنة النجلاء قد شفعت

برشقة من نبال الأعين النجل

يقول لا أكره الطعنة الواسعة التي تصيبني وقد ثنيت برشقة من سهام العيون المتسعة برؤية هذه الفتيات لأن ذلك رخيص إذا تهيأ إلى المرام

ولا أهاب الصفاح البيض تسعدني

باللمح من خلل الأستار والكلل

يقول لا اهاب الصوارم التي هي العيون ووقعها فيّ إذا كانت تسعدني على جراحي باللمح من خلل الأستار

ص: 152

ولا أخل بغزلان أغازلها

ولو دهتني أسود الغيل بالغيل

قوله ولا اخل أي ولا أترك، والمغازلة المحادثة مع النساء، والغيل بفتح الغين المعجمة موضع الأسد والغيل بالتحريك الشرّ

حب السلامة يثني همّ صاحبه

عن المال ويغري المرء بالكسل

فإن جنحت إليه فاتخذ نفقاً

في الأرض أو سلماًَ في الجوّ فاعتزل

الجنوح الميل والنفق بالتحريك سرب في الأرض، والسلم معروف

ودع غمار العلى للمقدمين على

ركوبها واقتنع منهنّ بالبلل

يقول اترك لجج المعالي لذوي الأقدام على ركوبها والمكابدين لشدائدها واقتنع من اللجج بالبلل وكنى بالبلل عن الشيء اليسير من العيش وقوله هذا مقابل بالقبول عند ذوي العقول:

رضى الذليل بخفض العيش مسكنة

والعز عند رسيم الأينق الذلل

الخفض الدعة، والرسيم ضرب من سير الإبل

فادرأ بها في نحور البيد جافلة

معارضات مثاني اللجم بالجدل

يقول فادفع بالأينق الذلل في نحور المفاوز مسرعة معارضات لجم الخيل بأزمتها

إن العلى حدثتني وهي صادقة

فيما تحدّث أن العز في النقل

لو أن في شرف المأوى بلوغ منى

لم تبرح الشمس يوماً دارة الحمل

أهبت بالحظ لو ناديت مستمعاً

والحظ عني بالجهال في شغل

قوله أهبت أي صحت وهو ماخوذ من قولهم أهاب الراعي بغنمه إذا صاح بها لتقف عن السير

لعلي إن بدا فضلي ونقصهم

لعينه نام عنهم أو تنبه لي

أعلل النفس بالآمال أرقبها

ما أضيق الدهر لولا فسحة الأمل

لم أرتض العيش والأيام مقبلة

فكيف أرضى وقد ولت على عجل

غالي بنفسي عرفاني بقيمتها

فصنتها عن رخيص القدر مبتذل

يقول: إن عرفاني بنفسي يغالي الناس بقيمتها وما يجد لها كفؤا في القمة منهم فلهذا أحفظها ولا أبذلها لرخيص القدر مبتذل أي ممتهن

وعادة النصل أن يزهى بجوهره

وليس يعمل إلا في يدي بطل

ص: 153

ما كنت أوثر أن يمتدّ بي زمني

حتى أرى دولة الوغاد والسفل

تقدمتني أناس كان شوطهم

وراء خطوي ولو أمشي على مهل

يقول تقدمني قوم كان جريهم وراء خطوي ولو أمشي متمهلاً

هذا جزاء امرئ أقرانه درجوا

من قبله فتمنى فسحة الأجل

وإن علاني من دوني فلا عجب

لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل

فاصبر لها غير محتال ولا ضجر

في حادث الدهر ما يغني عن الحيل

اللام في لها للتعدية والضمير راجع إلى معهود في الذهن لم يذكر وهي المقادير والأيام

أعدى عدوك ادنى من وثقت به

فحاذر الناس واصحبهم على دخل

فإنما رجل الدنيا وواحدها

من لا يعوّل في الدنيا على رجل

وحسن ظنك بالأيام معجزة

فظن شرّا وكن منها على وجل

غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت

مسافة الخلف بين القول والعمل

وشاب صدقك عند الناس كذبهم

وهل يطابق معوج بمعتدل

يقول هل المعوج وهو الكذب يطابق المعتدل وهو الصدق

إن كان ينجع شيء في ثباتهم

على العهود فسبق السيف للعذل

قوله فسبق السيف للعذل: أي فات الأمر فلم يفد العذل شيئاً كما أن السيف يسبق من يعذل

يا وارداً سؤر عيش كله كدر

أنفقت صفوك في أيامك الأول

فيم اقتحامك لج البحر تركبه

وأنت يكفيك منه مصة الوشل

ملك القناعة لا يخشى عليه ولا

يحتاج فيه إلى الأنصار والخول

ترجو البقاء بدار لا ثبات لها

فهل سمعت بظل غير منتقل

ويا خبيراً على الأسرار مطلعاً

اصمت ففي الصمت منجاة من الزلل

قد رشحوك لأمر إن فطنت له

فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

يقول: قد أهلوك لأمر إن فطنت له فاهرب منهم ولا تطاوعهم على ما يرومونه منك إن أردت أن لا ترعى مع الهمل. والهمل بالتحريك الابل التي لا راعي لها.

لامية ابن الوردي رحمه الله

اعتزل ذكر الغواني والغزل

وقل الفصل وجانب من هزل

ص: 154

ودع الذكرى لأيام الصبا

فالأيام الصبا نجم أفل

إن أحلى عيشة قضيتها

ذهبت لذاتها والاثم حل

واترك العادة لا تحفل بها

تمس في عز وترفع وتجل

وإله عن آلة لهو أطربت

وعن الأمرد مرتج الكفل

إن تبدى تنكسف شمس الضحى

وإذا ما ماس يزرى بالأسل

فاق إذ قسناه بالبدر سنا

وعدلناه برمح فاعتدل

وافتكر في منتهى حسن الذي

أنت تهواه تجد أمراً جلل

واهجر الخمرة إن كنت فتى

كيف يسعى في جنون من عقل

واتق الله فتقوى الله ما

جاورت قلب امرئ إلا وصل

ليس من يقطع طرفاً بطلاً

إنما من يتق الله البطل

صدّق الشرع ولا تركن إلى

رجل يرصد في الليل زحل

حارت الأفكار في قدرة من

قد هدانا سبلنا عز وجل

كتب الموت على الخلق فكم

فلّ من جيش وأفنى من دول

أين نمرود وكنعان ومن

ملك الأرض وولى وعزل

أين من سادوا وشادوا وبنوا

هلك الكل فلم تغن القلل

أين عاد أين فرعون ومن

رفع الأهرام من يسمع يخل

أين أرباب الحجى أهل التقى

أين أهل العلم والقوم الول

سيعيد الله كلاً منهم

وسيجزي فاعلاً ما قد فعل

يا بني اسمع وصايا جمعت

حكماً خصت بها خير الملل

اطلب العلم ولا تكسل فما

أبعد الخير على أهل الكسل

واحتفل للفقه في الدين ولا

تشتغل عنه بمال وخول

واهجر النوم وحصلّه فمن

يعرف المطلوب يحقر ما بذل

لا تقل قد ذهبت أربابه

كل من سار على الدرب وصل

في ازدياد العلم ارغام العدا

وجمال العلم اصلاح العمل

جمّل النطق بالنحو فمن

يحرم الإعراب في النطق اختبل

انظم الشعر ولازم مذهبي

فاطرح الرفد في الدنيا أقل

ص: 155

فهو عنوان على الفضل وما

أحسن الشعر إذا لم يبتذل

مات أهل الجود لم يبق سوى

مقرف أو من على الأصل اتكل

أنا لا أختار تقبيل يد

قطعها أجمل من تلك القبل

إن جزتني عن مديحي صرت في

رقها أولاً فيكفيني الخجل

أعذب الألفاظ قولي لك خذ

وأمرّ اللفظ نطقي بلعل

ملك كسرى عنه تغني كسرة

وعن البحر اكتفاء بالوشل

اعتبر نحن قسمنا بينهم

تلقه حقاً وبالحق نزل

ليس ما يحوي الفتى من عزمه

لا ولا ما فات يوماً بالكسل

قاطع الدنيا فمن عاداتها

تخفض العالي وتعلي من سفل

عيشة الراغب في تحصيلها

عيشة الجاهل بل هذا أذل

كم جهول وهو مثر مكثر

وعليم مات منها بعلل

كم شجاع لم ينل منها المنى

وجبان نال غايات الأمل

فاترك الحيلة فيها واتئد

إنما الحيلة في ترك الحيل

أي كف لم تفد مما تفد

فرماها الله منه بالشلل

لا تقل أصلي وفصلي أبداً

إنما أصل الفتى ما قد حصل

قد يسود المرء من غير أب

وبحسن السبك قد ينفي الدغل

وكذا الورد من الشوك فما

يطلع النرجس إلا من بصل

غير أني أحمد الله على

نسبي إذ بأبي بكر اتصل

قيمة الانسان ما يحسنه

اكثر الانسان منه أو أقل

اكتم الأمرين فقر أو غنى

واكسب الفلس وحاسب من بطل

وادّرع جداً وكداً واجتنب

صحبة الحمقى وأرباب الدول

بين تبذير وبخل رتبة

وكلا هذين إن زاد قتل

لا تخض في حق سادات مضوا

إنهم ليسوا بأهل للزلل

وتغافل عن أمور إنه

لم يفز بالحمد إلا من غفل

ليس يخلو المرء من ضد وغن

حاول العزلة في رأس جبل

غب عن المنام واهجره فما

بلغ المكروه إلا من نقل

ص: 156

دار جار الدار إن جار وإن

لم تجد صبراً فما أحلى النقل

جانب السلطان واحذر بطشه

لا تخاصم من إذا قال فعل

لا تل الحكم وإن هم سألوا

رغبة فيك وخالف من عذل

إن نصف الناس أعداء لمن

ولي الأحكام هذا إن عدل

فهو كالمحبوس عن لذاته

وكلا كفيه في الحشر تغل

إن للنقص والاستثقال في

لفظة القاضي لو عظا ومثل

لا توازي لذة الحكم بما

ذاقه الشخص إذا الشخص انعزل

فالولايات وإن طابت لمن

ذاقها فالسمّ في ذاك العسل

نصب المنصب أو هي جلدي

وعنائي من مداراة السفل

قصر الآمال في الدنيا تفز

فدليل العقل تقصير الأمل

إن من يطلبه الموت على

غرة منه جدير بالوجل

غب وزر غباً تجد حباً فمن

أكثر الترداد أصماه الملل

خذ بنصل السيف واترك غمده

واعتبر فضل الفتى دون الخلل

لا يضر الفضل إقلال كما

لا يضر الشمس إطباق الطفل

حبك الأوطان عجز ظاهر

فاغترب تلق عن الأهل بدل

فبمكث الماء يبقى آسناً

وسرى البدر به البدر اكتمل

أيها الغائب قولي عبثاً

إن طيب الورد مؤذ بالعجل

عد عن أسهم الولى واستتر

لا يصيبنك سهم من ثعل

لا يغرنك لين من فتى

إن للحيات ليناً يعتزل

أنا مثل الماء سهل سائغ

ومتى سخن آذى وقتل

أنا كالخيروز صعب كسره

وهو لدن كيفما إن شئت انفتل

غير أني في زمان من يكن

فيه ذو مال هو المولى الأجل

واجب عند الورى إكرامه

وقليل المال فيهم يستقل

كل أهل العصر غمر وأنا

منهم فاترك تفاصيل الجمل

وصلاة الله ربي كلما

طلع الشمس نهاراً أو أفل

للذي حاز العلا من هاشم

أحمد المختار من ساد الأول

ص: 157

وعلى آل وصحب وسادة

ليس فيهم عاجز إلا بطل

قد ختم الباب الرابع من كتاب نفحة اليمن فيما يزول بذكره الشجن، بعون الملك الأعلى وقوته العلى، ويتلوه الباب الخامس إن شاء الله تعالى، والحمد لله على ذلك حمداً كثيراً جزيلاً

-

الباب الخامس

يذكر فيه تغريد الصادح للشيخ العلامة ابن حجة الحموي وضروب من الحكم والأمثال نظماً ونثراً.

تغريد الصادح

الحمد لله الذي هذبنا

واختارنا للعلم إذ أدبنا

كان للآداب فضلاً يذكر

فلا تخاطب كل من لا يشعر

يا مدعي الحكمة في كلامه

ومن يروم السحر في نظامه

خذ حكماً جميعها أمثال

ليس لها في عصرنا مثال

ألفها ابن حجة للنجبا

لأن فيها رأس مال الأدبا

واختارها من مفردات الصادح

وكان ذا من أكبر المصالح

من كل بيت إن تمثلت به

سكنت من سامعه في قلبه

وقد تهجمت على الشريف

لكنني خاطبت بالمعروف

وجئت من كلامه بنبذة

تجلب للسامع كل لذة

وترفع الأديب إن تمثلا

بها إذا خاطب أرباب العلى

من حكم تتبعها وصايا

مقبولة من احسن السجايا

من أول وأوسط وآخر

جمعتها جمع أديب شاعر

حتى دنا البعيد للقريب

وانتظم البديع بالغريب

وانسجمت في كمعها أرجوزه

بديعة غريبة وجيزة

وكل من أنكر ما أحكمت في

ترتيبها يكون غير منصف

فلينظر الأصل ليعرف السبب

ويعترف إن كان من أهل الأدب

أول ما برعت في استهلاله

من نظمه المحكم في مقاله

ص: 158

هذا أول الصادح والباغم

العيش بالرزق وبالتقدير

وليس بالرأي ولا التدبير

في الناس من تسعده الأقدار

وفعله جميعه إدبار

ومن هنا تأليف الشيخ ابن حجة رحمه الله تعالى

من عرف الله أزال التهمة

وقال كل فعله للحكمة

من أنكر القضاء فهو مشرك

عن القضاء بالعباد أملك

ونحن لا نشرك بالله ولا

نقنط من رحمته إذ نبتلى

عار علينا وقبيح ذكر

أن نجعل الكفر مكان الشكر

وليس في العالم ظلم جاري

إذ كان ما يجري بأمر الباري

وأسعد العالم عند الله

من ساعد الناس بفضل الجاه

ومن أغاث البائس الملهوفا

أغاثه الله إذا أخيفا

إن العظيم يدفع العظيما

كما الجسيم يحمل الجسيما

وإن من خلائق الكرام

رحمة ذي البلاء والأسقام

وإن من شرائط العلو

العطف في البؤس على العدوّ

قد قضت العقول أن الشفقة

على الصديق والعدوّ صدقة

وقد علمت واللبيب يعلم

بالطبع لا يرحم من لا يرحم

والمرء لا يدري متى يمتحن

فإنه في دهره مرتهن

وإن نجا اليوم فما ينجو غداً

لا يأمن الآفات إلا بالردى

لا تغترر بالخفض والسلامة

فإنما الحياة كالمدامة

والعمر مثل الكاس والدهر القذر

والصفو لابد له من الكدر

قال الشيخ ابن حجة رحمه الله تعالى انظر أيها المتأمل كيف اتبعت قوله فإنما الحياة المدامة بقوله والعمر مثل الكاس وإذا نظرت إلى آخر البيت الثاني رأيت الاتفاق العجيب:

وكل انسان فلا بد له

من صاحب يحمل ما اثقله

جهد البلاء صحبة الأضداد

فإنها كيّ على الفؤاد

أعظم ما يلقى الفتى من جهد

أن يبتلى في جنسه بالضد

ص: 159

صحبة يوم نسب قريب

وذمة يحفظها اللبيب

لا يحقر الصحبة إلا جاهل

أو مائق عن الرشاد غافل

فإنما الرجال بالإخوان

واليد بالساعد كالبنيان

فالمرء يحيى أبداً أخاه

وهو إذا ما عد من أعداه

وموجب الصداقة المساعده

ومقتضى المودة المعاضده

لا سيما ف النوب الشدائد

والمحن العظيمة الأوابد

وإن من عاشر قوماً يوماً

ينصرهم=ولا يخاف لوما

وإن من حارب من لا يقوى

بحربه جر إليه البلوى

فحارب الأكفاء والأقرانا

فالمرء لا يحارب السلطانا

واقنع إذا حاربت بالسلامة

واحذر فعالاً توجب الندامة

فالتاجر الكيس في التجارة

من خاف في متجره الخسارة

يجهد في تحصيل رأس ماله

ثم يروم الربح باحتياله

وإن رأيت النصر قد لاح لكا

فلا تقصر واحترز أن تهلكا

واسبق إلى الأجود سبق الناقد

فسبقك الخصم من المكائد

وانتهز الفرصة إن الفرصة

تصير إن لم تنتهزها غصه

ومن أضاع جنده في السلم

لم يحفظوه في لقاء الخصم

وإن من لا يحفظ القلوبا

يخذل حين يشهد الحروبا

والجند لا يرعون من أضاعهم

كلا ولا يحمون من أجاعهم

وأضعف الملوك طرا عقدا

من غره السلم فأقصى الجندا

والحزم والتدبير روح العزم

لا خير في عزم بغير حزم

والحزم كل الحزم في المطاولة

والصبر لا في سرعة المزاوله

وفي الخطوب تظهر الجواهر

ما غلب الأيام إلا الصابر

لا تيأسن من فرج ولطف

وقوة تظهر بعد ضعف

فربما جاءك بعد اليأس

روح بلا كد ولا التماس

في لمحة الطرف بكاء وضحك

وناجذ باد ودمع منسفك

تنال بالرفق وبالتأني

ما لم تنل بالحرص والتعني

ص: 160

ما أحسن الثبات والتجلدا

وأقبح الحيرة والتلبدا

ليس الفتى إلا الذي إن طرقه

خطب تلقاه بصبر وثقة

إذا الرزايا أقبلت ولم تقف

فثمّ أحوال الرجال تختلف

فكم لقيت لذة في زمن

فاصبر الآن لهدى المحن

فالموت لا يكون إلا مره

والموت أحلى من حياة مره

أنى من الموت على يقين

فأجهد الآن لما يقيني

صبرا على أهوالها ولا ضجر

وربما فاز الفتى إذا صبر

لا يجزع الحر من المصائب

كلا ولا يخضع للنوائب

فالحر للصعب الثقيل يحمل

والصبر عند النائبات أجمل

لكل شيء مدة وتنقضي

وما غلب الأيام إلا من رضي

قد صدق القائل في الكلام

ليس النهى بعظم العظام

لا خير في جسامة الجسام

بل هي في العقول والأفهام

فالخيل للحرب وللجمال

والإبل للحمل وللرحال

لا تحتقر قط صغيراً محتقر

فربما أسألت النفس الإبر

لا تحرج الخصم ففي إحراجه

جميع ما تكره من لجاجه

لا تطلب الغاية باللجاج

وكن إذا كويت ذا انضاج

فعاجز من ترك الموجودا

طماعة وطلب المفقودا

وفتش الأمور عن أسرارها

كم نكبة جاءتك من اظهارها

لرمت للجهل قبيح الظاهر

وما نظرت حسن السرائر

ليس يضير البدر في ثناه

أن الضرير قط لا يراه

كم حكمة ضجت المحافل

مليحة وأنت عنها غافل

ويغفلون عن خفى الحكمة

ولو رأوها لأزالوا التهمة

كم حسن ظاهره قبيح

وسمج عنوانه مليح

والحق قد نعلمه ثقيل

يأباه إلا نفر قليل

والعاقل الكافي من الرجال

لا ينثني بزخرف المقال

إن العدوّ قوله مردود

وقلّ ما يصدقك الحسود

ص: 161

لا تقبل الدعوى بغير شاهد

لا سيما ما كان من معاند

أيؤخذ البريء بالسقيم

والرجل المحسن باللئيم

كذاك من يستنصح الأعادي

يردونه بالغش والفساد

إن أقلّ من ترى أذهاناً

من حسب الاساءة إحسانا

فادفع اساآت العدى بالحسنى

ولا تخل يسراك مثل اليمنى

وللرجال فاعلمن مكائد

وخدع منكرة شدائد

والندب لا يخضع للشدائد

قط ولا يغتاظ بالمكائد

فرّ في الخرق بلطف واجتهد

وامكر إذا لم ينفع الصدق وكد

فهكذا الحازم إذ يكيد

يبلغ في الأعداء ما يريد

وهو بريء منهم في الظاهر

وغيره مختضب الأظافر

والشهم من يصلح أمر نفسه

ولو بقتل ولده وعرسه

فإن من يقصد قلع ضرسه

لم يعتمد إلا صلاح نفسه

وإن من خص اللئيم بالندى

وجدته كمن يربي أسدا

وليس في الطبع اللئيم شكر

وليس في الأصل الدنيّ نصر

وإن من ألزمه وكلفه

ضد الذي في طبعه ما أنصفه

كذاك من يصطنع الجهالا

ويؤثر الأرذال والأنذالا

لو أنكم أفاضل احرار

ما ظهرت بينكم الأشرار

إن الأصول تجذب الفروعا

والعرق دساس إذا أطيعا

ما طاب فرع أصله خبيث

ولا ذكا من مجده حديث

قد يبلغون رتباً في الدنيا

ويدركون وطراً من عليا

لكنهم لا يبلغون في الكرم

مبلغ من كان له فيها قدم

وكل من تماثلت أطرافه

في طيبها وكرمت أسلافه

كان خليقاً بالعلاء والكرم

وبرعت في أصله حسن الشيم

لولا بنو آدم بين العالم

ما بان للعقول فضل العالم

فواحد يعطيك جوداً وكرم

فذاك من يكفره فقد ظلم

وواحد يعطيك للمصانعة

أو حاجة له إليك واقعه

ص: 162

لا تشرهنّ إلى حطام عاجل

كم أكلة أودت بنفس الآكل

ويئست العادة فاحذر الشره

وقس بما رأيته ما لم تره

فالبغي داء ماله دواء

ليس لملك معه بقاء

والبغي فاحذره وخيم المرتع

والعجب فاتركه شديد المصرع

والغدر بالعهد قبيح جداً

شر الورى من ليس يرعى عهدا

عند تمام المرء يبدو نقصه

ورما ضر الحريص حرصه

وربما ضرك بعض مالكا

وساءك المحسن من رجالكا

فالمرء يفدي نفسه بوفره

عساه أن ينجو بها من أسره

لا تطين شيئاً بغير فائدة

فإنها من السجايا الفاسدة

ختمها المؤلف الشيخ ابن حجة رحمه الله تعالى بقوله:

هذا الذي ألفته واخترته

من رجز الشريف وانتخبته

وحرمة الآداب يا أهل الأدب

أن الشريف قد أتانا بالعجب

قلنا جميعاً إذ سمعنا رجزه

كم قد أتى محمد بمعجزه

من كل بيت شطره قصيد

فكلنا لبيته عبيد

ورحمة الله له في الآخرة

خاتمة مع الهبات الوافرة

ثم الصلاة والسلام دائماً

على الذي للرسل جاء خاتما

الحكمة من النثر والأمثال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكمة تزيد الشريف شرفاً وقال عليه السلام نعم الهدية الكلمة من كلام بالحكمة، وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من عرف بالحكمة لاحظته العيون بالوقار، وقال بعض الحكماء تحتاج القلوب إلى أقواتها من الحكمة كما تحتاج الأجسام إلى أقواتها من الطعام، وقال صلى الله عليه وسلم لو أنّ الرجل كالقدح المقوم لقال الناس فيه لو ولولا وقال عليه الصلاة والسلام أقيموا ذوى المروآت فما يعثر منهم عاثر إلا ويده بيد الله تعالى وقيل لعلى رضي الله عنه ما الكرم فقال الاحتيال للمعروف وترك التقصي على الملهوف وقال عليه السالم انتهزوا الفرص فإنها تمرمر السحاب ولا تطلبوا أثرا بعد عين، وقال الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك وقال إذا

ص: 163

أقبلت الدنيا على رجل أعارته محاسن غيره وإذا

أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه، وقال جعفر الصادق رضي الله عنه من لم يستحيي من العيب ويرعو عند الشيب ويخش الله بظهر الغيب فلا خير فيه وقال أفلاطون الحكيم لا تطلب سرعة العمل واطلب تجويده فإن الناس لا يسألون في كم فرغ وإنما ينظرون إلى إتقانه وجودة صنعته وقال حبك للشيء ستر بينك وبين مساويه وبغضك له ستر بينك وبين محاسنه وقال إذا أنجزت ما وعدت فقد أحرزت فضيلتي الجود والصدق وقال من مدحك بما ليس فيك من الجميل وهو راض عنك ذمك بما ليس فيك من القبيح وهو ساخط عليك وقال السعيد من الملوك من تمت به رياسة آبائه والشقي منهم من انقطعت عنده وقال لا بقيت ليوم أذم فيه ما مدحت أو أمدح فيه ما زممته ذلك يوم ظفر الهوى فيه بالرأي والجهل بالعقل وقال لا تدفعنا عملا عن وقته فإن للوقت الذي تدفعه إليه عملاً آخر ولست تطيق ازدحام الأعمال لأنها إذا ازدحمت دخلها الخلل وقال لا تأسفن على شيء اغتصبته في هذا العالم فلو كان لك بالحقيقة لما وصل إلى غيرك وقال أضعف الناس من ضعف عن كتمان سره وأقواهم من قوى على غضبه وأصبرهم من ستر فاقته وأغناهم من قنع عما تيسر له وقال أصعب الأحوال حال عجزت فيها عن تنقل إلى ما ترجو فيه راحة وأضيق المذاهب طريق لم تجد فيه معيناً لك ولا مشيراً عليك وقال ليس ينبغي للمرء أن يعمل الفكرة فيما ذهب ولكن ليعملها في حفظ ما يبقى له، وقال الرغبة إلى الكريم تخلطك به وتقر بك منه وترفع سجوف الحشمة بينك وبينه والرغبة اللئيم تباعدك منه وتصغرك في عينه وقال لا تبكتنّ أحداً في الظاهر بما تأتيه في الباطن واستحيي من نفسك فإنها تلحظ منك ما غاب عن غيرك وقيل لبقراط إن الكلام الذي قلته لأهل مدينة كذا لم يقبلوه فقال لا يلزمني أن يقبل وإنما يلزمني أن يكون صواباً وقال بعض ملوك الهند: المسيء لا يظن بالناس الأسوء لأنه يراهم بعين طبعه وقال بعض الحماء مثل الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل أعمى بيده سراج يستضيء به غيره وهو لا يراه وقيل لبعض الحكماء ما الصديق فقال هو اسم على غير معنى وحيوان غير موجود وقال آخر أطول الناس سفراً من كان في طلب صديق يرضاه وقال آخر: مغضب القادر عليه كمجرب السم في نفسه إن هلك فقتيل حق وإن نجا فطليق حمق وكان الحسن البصري يقول

ص: 164

اللهم إن أنزلت بلاء فأنزل صبراً ووهبت عافية فهب شكراً وقيل لبعضهم لم لا

يجتمع الكمال والمال قال لعزة الكمال وقال آخر إذا نزل بك المهم فانظر فإن كان فيه حيلة فلا تعجز وإن لم تكن فيه حيلة فلا تجزع وقال آخر تقدم بالحيلة قبل نزول الأمر فإنه إذا نزل ضاقت الحيل وطاشت العقول وقال خالد بن صفوان لا تغترر بمن يميل غليك حتى تعرف علة ميله فإن كان لشيء من صفاتك الذاتية فارج ثباته وإن كان لشيء من أحوالك العارضة فلا تحفل به فإنه يقيم معك بما قام ذلك الشيء وينصرف عنك بانصرافه وفي كتاب كليلة ودمنة إذا أحدث لك العدو صداقة لعلة ألجأته إليك فمع ذهاب العلة رجوع العداوة كالماء تسخنه فإذا أمسكت عنه عاد إلى أصله بارداً والشجرة المرة لو طليتها بالعسل لم تثمر إلا مرّا وقيل لبقراط ما أهم الأشياء نفعاً قال فقد الأشرار وقيل لبعضهم ما بال السريع الغضب سريع الرجعة والبطيء الغضب بطيء الرجعة فقال مثلهما كمثل النار في الحطب اسرعها وقوداً أسرعها خموداً وقال آخر لتكن سيرتك وأنت خلو في منزلك سيرة من هو جماعة من الناس يستحيي منهم وقال آخر غاية المروءة أن يستحيي الإنسان من نفسه وقال آخر مثل الأغنياء البخلاء كمثل البغال والحمير تحمل الذهب والفضة وتعتلف بالتبن والشعير وقال حسان بن تبع الحميري لا تثقنّ بالملك فإنه ملول ولا بالمرأة فإنها خئون ولا بالدابة فإنها شرود وقال ينبغي للعاقل أن يكسب ببعض ماله المحمدة ويصون ببعضه وجهه عن المسئلة وقيل للأحنف بن قيس ما أحلمك! قال لست بحليم ولكني أتحالم والله إني لأسمع الكلمة فأحلم لها ثلاثاً ما يمنعني من الجواب عنها إلا خوف من أن أسمع شراً منها وقيل لامرئ القيس ما السرور فقال بيضاء رعبوبة بالطيب مشوبة بالشحم مكروبة، وقيل للأعشى ما السرور فقال صهباء صافية تمزجها غانية من صوب غادية وقيل لطرفة ما السرور فقال مطعم شهي ومشرب ذوي وملبس دفي ومركب وطي وقيل لأعرابي ما السرور فقال الكفاية في الأوطان والجلوس مع الإخوان وقال الحجاج للأديب الناعم ما السرور فقال الأمن فإني رأيت الخائف لا عيش له قال زدني، قال الغنى فإني رأيت الفقير لا عيش له قال زدني قال الصحة فإني رأيت المريض لا عيش له قال زدني قال لا أجد مزيداً قلت عندي المزيد وهو الكرم فإني رأيت البخيل لا عيش له وقيل لفاضل ما السرور

ص: 165

فقال إقامة الحجة وإيضاح الشبهة وقال أعرابي لآخر اصحب من يتناسى معروفه عندك ويذكر حقوقك عليه.

وقال المنتصر بالله والله ما ذل ذو حق ولو اتفق العالم عليه ولا عز ذو باطل ولو طلع القمر في جبينه وقال آخر حركة الإقبال بطيئة وحركة الإدبار سريعة لأن المقبل كالصاعد مرقاة والمدبر كالمقذوف به من موضع عال وقيل لبعضهم ما الذي يجمع القلوب على المودة قال كفّ بذول وبشر جميل وقيل لآخر متى يحمد الكذب قال إذا جمع بين متقاطعين قيل فمتى يذم الصدق قال إذا كانت غيبة قيل فمتى يكون الصمت خيراً من النطق قال عند المرأة وفي كتاب للفرس إذا أردت أن تسأل فأسأل من كان في غنى ثم افتقر فإن عز الغني يبقى في قلبه أربعين سنة ولا تسأل من كان في فقر ثم استغنى فإن ذل الفقر يبقى في قلبه أربعين سنة وقال عامر بن عبد القيس إذا خرجت الكلمة من القلب دخلت في القلب وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان، وقال حكيم لآخر يا أخي كيف قال أصبحت قال أصبحت وبنا من نعم الله ما لانحصيه مع كثرة ما نعصيه فما ندري أيهما نشكر جميل ما ينشر أو قبيح ما يستر وقيل لشريك بن عبد اله أن معاوية كان حليماً فقال كلا لو كان حليماً ما سفه الحق ولا قاتل علياً كرم الله وجهه وقال بعض الحكماء لا ينبغي للفاضل أن يخاطب ذوي النقص كما لا ينبغي للصاحي أن يكلم الساهي، وقال ابن المعتز أهل الدنيا كركاب سفينة يسار بهم وهم نيام وقال المسيح بن مريم عليه السلام عالجت الأكمه والأبرص فأبرأتهما واعياني علاج الأحمق وقال ابن المقفع إذا حاججت فلا تغضب فإن الغضب يقطع عنك الحجة ويظهر عليك الخصم ووجد على صنم مكتوب حرام على النفس الخبيثة أن تخرج من هذه الدنيا حتى تسيء إلى من أحسن إليها قال بعض الحكماء إذا رغبت الملوك عن العدل رغبت الرعية عن الطاعة وقال النبي صلى الله عليه وسلم عدل ساعة في الحكومة خير من عبادة ستين سنة وقال عمرو بن العاص لا سلطان إلا برجال ولا رجال إلا بمال ولا مال إلا بعمارة ولا عمارة إلا بعدل.

وقال أبو مسلم الخراساني خاطر بنفسه من ركب البحر وأشد منه مخاطئة الملوك وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إذا كان الإمام عادلاً فله الأجر وعليك الشكر وإذا كان جائراً فعليه الوزر وعليك الصبر قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه لا راحة لحسود ولا إخاء لملول ولا محب لسيء الخلق

ص: 166

ووجد في كتاب لجعفر بن يحيى أربعة أسطر مكتوبة بالذهب الرزق مقسوم الحريص محروم البخيل مذموم الحسود مغموم قال عمر بن الخطاب رضي

الله عنه إياكم وذكر الناس فإنه داء وعليكم بذكر الله فإنه شفاء وقال ابن عباس رضي الله عنه اذكر اخاك بما تحب أن يذكرك به ودع منه ما تحب أن يدعك منه. قال النبي صلى الله عليه وسلم المرء كثير بأخيه وقال بعض الحكماء أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم مثل الخليل الصالح كمثل النخلة إن قعدت في ظلها أظلتك وإن احتطبت من حطبها نفعك وإن أكلت من ثمرها وجدته طيباً وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصاحب رقعة في قميصك فانظر بمن ترقعه وقيل لبعض الأمراء كم لك صديق قال لا أدري ما دامت الدنيا مقبلة عليّ فالناس كلهم أصدقاء لي وإنما أعرفهم إذا أدبرت عني قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل حظيرة الفردوس متكبر وقال حكيم كيف يتكبر من خلق من التراب وجرى في مجرى البول وغذي بدم الحيض وطوى على القذر ويقال التكبر على المتكبر تواضع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تواضع لله رفعه الله قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه الأدب حلى في الغنى كنز عند الحاجة عون على المروءة صاحب في المجلس مؤنس في الوحدة تعمر به القلوب الواهية وتحيا به الألباب الميتة وتنفذ به الأبصار الكليلة ويدرك به الطالبون ما حاولوا ويقال من كثر أدبه شرف وإن كان وضيعاً وساد وإن كان غريباً وارتفع صيته وإن كان خاملاً وكثرت الحوائج إليه وإن كان فقيراً وقال عبد الله بن المعتز الأدب يبلغ بصاحبه الشرف وإن كان دنيّاً والعز وإن كان ذليلاً والقرب وإن كان قصياً والمهابة وإن كان زريا والغنى وإن كان فقيراً والسؤدد وإن كان حقيراً والكرامة وإن كان سفيهاً والمحبة وإن كان كريهاً وقال بعض الملوك لوزيره ما خير ما يرزقه العبد قال عقل يعيش به قال فإن عدمه قال فأدب يتحلى به قال فإن عدمه قال فمال يستره قال فإن عدمه قال فصاعقة تحرقه وتريح البلاد والعباد منه قال رضي الله عنه لن تعدم من الأحمق خلتين كثرة الالتفات وسرعة الجواب بغير عرفان وقال لقمان لابنه يا بني شيآن إذا حفظتهما لا تبالي ما ضيعت بعدهما دينك لمعادك ودرهمك لمعاشك، وقال آخر شيآن

ص: 167

يجب على العاقل أن يتحفظ منهما حسد أصدقائه ومكر أعدائه وقال بعض الأدباء شيآن لا يجتمعان الشعر الجيد واللسان البليغ وقال آخر اثنان معذبان غني حصلت له الدنيا فهو بها مهموم مشغول وفقير زُويت عنه فنفسه تتقطع عليها حسرات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مهلكات وثلاث

منجيات فأما المهلكات فشح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه، وأما المنجيات فخشية الله في السرّ والعلانية والقصد في الغنى والفقر والعدل في الرضا والغضب، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث يثبتن لك الودّ في صدر أخيك أن تبدأه بالسلام وتوسع له في المجلس وتدعوه بأحب الأسماء إليه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاًَ ولا صلاة ولا يرفع لهم حسنة: العبد الآبق حتى يرجع إلى مولاه والمرأة الساخط عليها بعلها حتى يرضى عنها والسكران حتى يصحو) وقال المأمون: ثلاثة لا ينبغي للعاقل أن يقدم عليها شرب السم للتجربة وإفشاء السرّ إلى ذي القرابة الحاسد وركوب البحر وإن ظن فيه الغنى، وقال الحسن بن سهل: ثلاثة تذهب ضياعاً دين بلا عقل وقدرة بلا فعل ومال بلا بذل، وقال لقمان: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن، الشجاع عند الحرب والحليم عند الغضب وأخوك عند حاجتك إليه، وقال آخر: ثلاثة من أعزهم عادت عزته ذلاً السلطان والولد والغريم، وقال جعفر الصادق رضي الله عنه: من طلب ثلاثاً بغير حق حرم ثلاثاً بحق، من طلب الدنيا بعير حق حرم الآخرة بحق، ومن طلب الرياسة بغير حق حرم الطاعة بحق، ومن طلب المال بغير حق حرم بقاءه بحق، وقال آخر: الأنس في ثلاثة، الصديق المصافي والولد البارّ والزوجة الصالحة، وقال آخر: ثلاثة ينبغي أن يُكرموا ذو الشيبة لشيبته وذو العلم لعلمه وذو السلطان لسلطانه، وقال آخر: في المال ثلاثة عيوب يكسب بالحظ ويحفظ باللؤم ويتلف بالجود، وقال آخر: ليس في ثلاثة حيلة فقر يخالطه كسل، وعداوة يداخلها حسد، ومرض يمازجه هرم، وقال آخر: ثلاثة أشياء قليلها كثير المرض والنار والعداوة، وكان يقال من ألهم ثلاثاً لم يحرم ثلاثاً، من ألهم الدعاء لم يحرم الإجابة، ومن ألهم الاستغفار لم يحرم المغفرة، ومن ألهم الشكر لم يحرم المزيد، وقيل لأعرابي ما نقمتم من أميركم فقال ثلاث خصال: يقضي بالعشوة ويطيل النشوة ويأخذ الرشوة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أربعة لا تكون

ص: 168

إلا بأربعة لا حسب إلا بتواضع، ولا كرم إلا بتقوى، ولا عمل إلا بنية، ولا عبادة إلا بيقين) وقال محمد بن الربيع لحاتم الأصم علام بنيت أمرك قال على أربع خصال: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت بذلك نفسي، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا به مشغول، وعلمت أن أجلي لابد أن يأتي فأنا ابادره، وعلمت أني لا أغيب عن

عين الله فأنا منه مستحي واجتمع حكماء العرب والعجم على أربع كلمات: وهي لا تحمل نفسك ما لا تطيق ولا تعمل عملاً لا ينفعك، ولا تغترّ بامرأة وإن عفت، ولا تثق بمال وإن كثر، وقال بعض الحكماء: من استطاع أن يمنع نفسه من أربع كان خليقاً أن لا ينزل به المكروه العجلة واللجاج والتواني والعجب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خمس من كنّ فيه كن عليه قيل وما هنّ يا رسول الله قال: النكث والمكر والبغي والخداع والظلم، فأما النكث فقال الله تعالى - فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، وأما المكر فقال الله تعالى - ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، وأما البغي فقال الله تعالى - يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم - وأما الخداع فقال الله تعالى - يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم، وأما الظلم فقال الله تعالى - وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، (وقال عليه الصلاة والسلام خمسة من خمسة محال: الحرمة من الفاسق محال والكبر من الفقير محال والنصيحة من العدوّ محال والمحبة من الحسود محال والوفاء من النساء محال) وقال عليه الصلاة والسلام (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وعناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك)، وقال بعض الحكماء: لا ينبغي للعاقل أن يسكن بلداً ليس فيه خمسة أشياء: سلطان حازم وقاض عادل وطبيب عالم ونهر جار وسوق قائم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدّثتم وأوفوا إذا وعدتم وأدّوا إذا ائتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أذاكم) وقال عليه الصلاة والسلام (ستى لا تفارقهم الكآبة الحقود والحسود وفقير قريب العهد بالغنى وغنيّ يخشى الفقر وطالب رتبة يقصر عنها قدره وجليس أهل الأدب وليس منهم) وقال علي رضي الله عنه: لا خير في صحبة من اجتمع فيه ست خصال إن حدثك كذب وإن حدثته كذبك وإن ائتمنته خانك وإن أئتمنك اتهمك وإن أنعمت عليه كفرك وإن أنعم عليك منّ بنعمته، وفي

ص: 169

كتاب كليلة ودمنة ستة لا ثبات لها: ظل الغمام وخلة الأشرار والمال الحرام وعشق النساء والسلطان الجائر والثناء الكاذب، وقال بعض الحكماء: لا خير في ستة إلا مع ستة لا خير في القول إلا مع الفعل ولا في المنظر إلا مع المخبر ولا في المال إلا مع الإنفاق ولا في الصدقة إلا مع النية ولا في الصحبة إلا مع الإنصاف ولا في الحياة إلا مع الصحة، وقال آخر ينبغي للملك أن يكون له ستة أشياء:

وزير يثق به ويفضي إليه سره وحصن يلجأ إليه إذا فزع وسيف إذا نازل الأقران لم لم يخف نبوته وذخيرة خفيفة المحمل إذا نابته نائبة حملها معه وامرأة حسناء إذا دخل إليها أذهبت همه وطباخ حاذق إذا لم يشته الطعام صنع له ما يشتهيه، وقال آخر أصعب ما على الإنسان ستة أشياء أن يعرف نفسه ويعلم عيبه ويكتم سرّه ويهجر هواه ويخالف شهوته ويمسك عن القول فيما لا يعنيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سبعة أشياء يكتب للعبد ثوابها بعد وفاته رجل غرس نخلاً أو حفر بئراً أو أجرى نهراً أو بنى مسجداً أو كتب مصحفاً أو ورّث علماً أو خلف ولداً صالحاً يستغفر له) وقال بعض الحكماء: اجتنب سبع خصال يسترح جسمك وقلبك ويسلم عرضك ودينك لا تحزن على ما فاتك ولا تحمل على قلبك همّ ما لم ينزل بك ولا تلم الناس على ما فيك مثله ولا تطلب الجزاء على ما لم تعمل ولا تنظر بالشهوة إلى ما لا تملك ولا تغضب على ما لا يضرّه غضبك ولا تمدح من يعلم من نفسه خلاف ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه (ألا أخبركم بأشبهكم بي قالوا بلى يا رسول الله قال أشبهكم بي من اجتمعت فيه ثمان خلال من كان أحسنكم خلقاً وأعظمكم حلماً وأبرّكم بقرابته وأشدكم حباً لإخوانه في دينه وأصبركم على الحق وأكظمكم للغيظ وأكرمكم عفواً وأكثركم من نفسه إنصافاً)، وقال بعض الحكماء: ثمانية إذا أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم الآتي مائدة لم يدع إليها والمتأمر على صاحب البيت في بيته والداخل بين اثنين في حديث لم يدخلاه فيه والمستخف بالسلطان والجالس في مجلس ليس له بأهل والمقبل بحديثه على من لا يسمعه وطالب الخير من أعدائه وراجي الفضل من عند اللئام، وقال بعض الأدباء: ثمانية لا تمل خبز الرّ ولحم الضأن والماء البارد والثوب اللين والفراش الوطيء والرائحة الطيبة والنظر إلى كل حسن ومحادثة الإخوان، ارتجل عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه تسع كلمات ثلاث في

ص: 170

المناجاة وثلاث في العلم وثلاث في الأدب، فأما التي في المناجة فقوله: كفاني فخراً أن أكون لك عبداً أنت لي كما أحب فوفقني لما تحب، وأما التي في العلم فقوله: المرء مخبوء تحت لسانه تكلموا تعرفوا ما ضاع امرؤ عرف قدره، وأما التي في الأدب فقوله أنعم على من شئت تكن أميره واستغن عمن شئت تكن نظيره واحتج إلى من شئت تكن أسيره. قال بعض الحكماء: في السفر عشر خصال مذمومة، مفارقة الإنسان من يألفه ومصاحبة من لا يشاكله والمخاطرة بما يملكه ومخالفة

العادة في أكله ونومه ومباشرة البرد والحرّ بجسمه ومجاهدة البول في إمساكه ومقاساة سوء عشرة المكارين وملاقاة الهوان من العشارين والدهشة التي تناله عند دخول البلد والذل الذي يلحقه في ارتياد المنزل.

[ومن أمثال الفضلاء] التوبة تهدم الحوبة، التحدث بالنعم شكر، الدال على الخير كفاعله، السعيد من وعظ بغيره، آفة العلم النسيان، الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا، الحلم سجية فاضلة، الانصاف راحة، العجلة زلل، التواني إضاعة، الفكرة مرآة صافية، الناس أعداء ما جهلوا، الجود بذل الموجود، المرض حبس البدن والهم حبس الروح، إعلان الشماتة كيد العدوّ العاجز، العشق داء لا يعرض إلا للقلوب الفارغة، الناس على دين الملك، الأناة محمودة إلا عند إمكان الفرصة، السلاح ثم الكفاح، الفرار في وقته ظفر، المذاكرة صيقل العقل، أقصر لما أبصر، الدهر أفصح المؤدبين، أجلست عبدي فاتكأ، النساء يغلبن الكرام ويغلبهنّ اللئام، اصطلح الخصمان وأبى القاضي، العاقل يترك ما يجب خوفاً من العلاج بما يكره، الشرّ يأتي من لا يأتيه، الجهل موت الأحياء، الأحمق في شبابه خرف، أشد الجهاد مجاهدة الغيظ، الحذق لا يزيد في الرزق، الأماني تعمي عيون البصائر، العفو عن المقرّ لا عن المصرّ، المنية تضحك من الأمنية، السلم سلم السلامة، البشر عنوان الكرم، أصح الثناء ما اعترف به الأعداء، الزمان ذو ألوان، الإنسان بالإخوان، والسلطان بالأعوان، البخل بالعلم على غير أهله، العلماء غرباء لكثرة الجهال، القلم شجرة ثمرة المعاني، الصمت منام والكلام يقظة، العجب آفة اللب، الجاهل عدو لنفسه، فكيف يكون صديقاً لغيره، الفهم شعاع العقل، أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، أحق ما صبر عليه ما لابد منه، الدنيا والآخرة ضرّتان إن أرضيت إحداهما

ص: 171

أسخطت الأخرى، الناس في الدنيا بالأحوال وفي الآخرة بالأعمال، النفس مائلة إلى شكلها والطير واقعة على مثلها، النحو في الكلام كالملح في الطعام، اللحن في المنطق كالجدري في الوجه، الأنام فرائس الأيام، القلم أحد اللسانين، السامع للغيبة أحد المغتابين، كل الصيد في جوف الفرا، جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها، من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه، سيد القوم خادمهم، شرّ العمى عمى القلب، خير الأمور أوساطها، رسولك ترجمان عقلك، من سعادة جدك وقوفك عند حدك، لسان الجاهل مالك له ولسان العاقل مملوك معه، خير العطايا ما وافق الحاجة،

خير المعروف ما لم يتقدمه مطل ولم يتبعه منّ، خير الكلام ما أسفر عن الحاجة، صبرك على الاكتساب خير من حاجتك إلى الأصحاب، صام حولاً وشرب بولاً، ثوب الرجل لسان نعمة الله عليه، مجالسة الثقيل حمى الروح، قصص الأولين مواعظ الآخرين، جزاء من يكذب الآن أن يصدق يوم العجز غداً، بعد الكدر صفو وبعد المطر صحو، شرط المعاشرة ترك المعاسرة، بالأقلام تساس الأقاليم، صدور الأحرار قبور الأسرار، ظن العاقل خير من يقين الجاهل، نجا المخفون، كلب جوال خير من أسد رابض، عليّ أن أقول وما عليّ القبول، للعادة على كل شيء سلطان، نعم الرفيق التوفيق، كم بين الدر والحصا والسيف والعصا، قد رخص ما غلا وسفل ما علا، كلام فائق في خط رائق، قد تكسد اليواقيت في بعض المواقيت، عادات السادات سادات العادات، صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار، اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، وانصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، وجهوا آمالكم إلى من تحبه قلوبكم، ارع حق من عظمك لغير حاجة إليك، استغن عن الناس يحتاجوا إليك، خفف طعامك تأمن أسقامك، كن ذنباً في الخير ولا تكن رأساً في الشرّ، اغد عالماً أو متعلماً ولا تكن الثالث فتهلك، خذه بالموت حتى يرضى بالحمى، لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك، لا تكن ممن يلعن ابليس في العلانية ويواليه في السر، إذا فاتك الأدب فالزم الصمت، إذا تم العقل نقص الكلام، إذا طالت اللحيبة تكوسج العقل، إذا تكرر الكلام على السمع نفر القلب، إذا جحد الإنسان وجب الامتنان، إذا وجدت حاجتك في السوق فلا

ص: 172

تطلبها من أخيك، من حمل ما لا يطيق عجز، من فكرّ في العواقب لم يتشجع، من أطاع غضبه أضاع أدبه، من قلّ صدقه قلّ صديقه، من لم يصبر على كلمة سمع كلمات، من ودّك لأمر أبغضك عند انقضائه، من عرف نفسه لم يضرّه ما قال الناس فيه، من كثرت نعمة الله عليه كثرت حوائج الناس إليه، من ضاق خلقه مله أهله، من لانت كلمته وجبت محبته، من طمع في الجل فاته الكل، من زرع الإحن حصد المحن، من كثر هرجه وجب هجره، ربما كان الدواء داء، ربّ كلمة سلبت نعمة، لولا السيف كثر الحيف، ليس الخبر كالمعانية، ليس جزاء من سرك أن تسوءه. قال العلامة شمس الدين بن حبيب رحمه الله تعالى العلم نعم السمير والعقل بشير بالخير يشير، اجتهد في طلب العلوم تنفرد بما يرفعك إلى النجوم، المجد ببذل اللهى والفضل بالأدب والنهى، من صادق العلماء زها

بدره، ومن رافق السفهاء وهى قدره، العلم ثمرته الإنصاف والزهد نتيجته العفاف، التقوى أفضل حلة، والمروءة أجل خلة، الحق سيف قاطع والصدق درع مانع، العقل أحسن المواهب، والجهل أقبح المصائب، من رضي بالقدر وقي شر الحذر، اليأس يعز الأصاغر والطمع يذل الأكابر، حاسب نفسك تسلم ولا تقتحم الأخطار تندم، من سره الفساد في الأرض ساءه التعب يوم العرض، لا تقل إلا بما يطيب عنك نشره ولا تفعل إلا ما يسطر لك أجره، السعيد من اتعظ بماضي أمسه والشقي من ضن بخيره على نفسه، لا تغرك صحة بدنك اليسيرة فمدة العمر وإن طالت قصيرة، من لم يعتبر بالمساء والصباح لم يرتدع بقول اللوّام النصّاح، ومن قنع برزقه استغنى ومن صبر نال ما تمنى:

إذا الرزق عنك نأى فاصطبر

ومنه اقتنع بالذي قد حصل

ولا تتعب النفس في وصله

فإن كان ثم نصيب وصل

من آمن بالآخرة فاز بالملابس الفاخرة، ومن رفع حاجته إلى الله نجحت، ومن تمسك بغيره خسرت تجارته وما ربحت، من لم تفسد شهوته دينه وصل إلى الأماكن الكمينة، أبصر الناس من نظر إلى عيوبه ولجأ إلى ربه في التجاوز عن ذنوبه، أرفع الأعمال ما اوجب شكراً وأنفع الأموال ما أعقب أجراً، الدنيا ظل زائل والشبيبة ضيف راحل، عد عن طاعة هواك واحذر من مخالفة مولاك، من لزم شأنه دامت سلامته ومن حفظ لسانه قلت ندامته، الصمت يرفع لك المنار ويخلع

ص: 173

عليك ثوب الوقار، الزمان لا يبقى على حال والدنيا طبعها الغدر والملال تفتن بزهرتها الداوية وتخدع بزينتها المتلاشية، لا تفن عمرك في المعاصي وخذ حذرك من مالك النواصي، إياك وكثرة الكلام فإنه ينفر عنك الكرام، لا تودع سرك غير صدرك ولا تتكلم بما يحوجك إلى إقامة عذرك، من بسط يده بالجود خرج من العدم إلى الوجود، لا تعج عن سبيل الصواب ولذ بجناب ربّ الأرباب واسع إلى باب من بيده الملك وهو على كل شيء قدير، واخش من يعلم السر واخفى - إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير -.

ومن أمثال العرب:

إياك أعني فاسمعي يا جارة

إن البلاء موكل بالمنطق

إن الجواد قد يكبو والزناد قد يخبو، عن لم يكن وفاق ففراق، إياك أن يضرب لسانك عنقك،

أجع كلبك ينفعك، ربّ أخ لك لم تلده أمك، رب طمع أدى إلى عطب، ربما كان السكوت جواباً، طاعة النساء ندامة، عند الصباح يحمد القوم السرى، الحر تكفيه الإشارة، عند الرهان تعرف السوابق، عند النازلة تعرف أخاك، كاد العتاب يوجب البغضاء، الكلام أنثى والجواب ذكر، كل إناء ينضح بما فيه، لكل صارم نبوة ولكل فارس كبوة، لكل قادم دهشة، لكل ساقطة لاقطة، لكل مقام مقال، لكل دهر رجال، لا يلدغ المرء من جحر مرتين، ما حكّ جسمك مثل ظفرك، النفس مولعة بحب العاجل، هذه بتلك والبادي أظلم، يا حبذا الإمارة ولو على الحجارة، لا عطر بعد عروس.

ومن الأمثال السائرة من كلام العامة

العادة طبع خامس، الغائب حجته معه، الحر حر وإن مسه الضر، والعبد عبد وإن مشى على الدر، تعاشروا كالإخوان وتعاملوا كالأجانب، ثمرة العجلة الندامة، جواهر الأخلاق تفضحها المعاشرة، سلطان غشوم خير من قتنة تدوم، غش القلوب يظهر فلتات الألسن، غنى المرء في الغربة وطن، فرَّ من الموت وفي الموت وقع، فم يسبح وقلب يذبح، لو كان في البوم خير ما فات الصياد، لكل جديد لذة، إذا كان صاحبك عسل لا تلحسه كله، إذا غاب عنك اصله كانت دلائله فعله، إذا وصلنا وسلم الله نبع بما قسم الله، إذا وقعت يا فصيح لا تصيح، تراب العمل ولا زعفران البطالة، جور الترك ولا عدل العرب، جور القط ولا عدل الفار، حط فليساتك في كمك واشتر أباك وأمك، عند الخبز آكل مائة وعند الشغل ما لي نية، دار الظالم خراب ولو

ص: 174

بعد حين، ذا الخبز ما هو من ذاك العجين، سل المجرب ولا تسأل الحكيم، شرب السموم القاتلة ولا الحاجة إلى السفل، طار طيرك وأخذه غيرك، طوّل الغيبة وجاءنا بالخيبة، عنقود معلق في الهواء من لا يصل إليه يقول حامض، فقير ونقير وكلامه كثير، كأنه عصفور يأتيك بلاش ويأوي في العشاش، من عاشر غير جنسه دق الهم صدره، أهدوا هدية وعينهم فيها وهم يقولون الله يردّها، لا تعايرني ولا اعايرك الدهر حيرني وحيرك، لا أصل شريف ولا وجه ظريف، قال بعضا الحكماء من حزم الإنسان أن لا يخادع أحداً ومن كمال عقله أن لا يخدعه أحد، لا تنال القليل مما تحب إلا بالصبر على الكثير مما قد تكره، من أيقن بالمجازاة لم يعمل سوءاً، أنقص الناس عقلاً من عامل من هو دونه، لا شيء أسرع لإزالة النعمة من الظلم، ولله در القائل:

كم نعمة زالت بأدنى زلة

ولكل شيء في تقلبه سبب

وقال آخر العقل وزير ناصح والمال ضيف راحل، الحسد كصداء الحديد لا يزال به حتى يأكله، من صحب الزمان رأى منه العجب، من طال عمره فقد أحبته، من اعتزل عن الناس سلم منهم، للدهر طعمان حلو ومر، أكمل الناس من ملك الرجال بجميل الخصال وأجهلهم من طلب ما لا ينال، اقتناء المناقب باحتمال المتاعب، من ظن أن الأيام تسالمه فهو مجنون، ومن اهتم بجمع المال فهو محزون، من أحب نكد الأعداء فليزدد شرفاً ومجدا، من تمسك بالدين علا قدره، ومن قصد الحق كمل فخره، وقال بعض الفضلاء: الحرص مفتاح الذل واتباع الشهوة مفتاح الندامة والقناعة مفتاح الراحة والتجربة مرآة العواقب وكثرة الخلوة بالنساء فساد للطباع والعقول، وقال بعض الحكماء الاغضاء عن الهفوات من أخلاق السادات، الأخلاء نفس واحدة في أجساد متباعدة، شر الناس من لا يرجى خيره ولا يؤمن ضيره، وقيل لبعض الأدباء أيّ الناس أطول ندامة؟ قال أما في الدنيا فصانع المعروف إلى من لا يشكره، وأما في الآخرة فعالم مفرط، وقال بعضهم جمال الإنسان كمال اللسان، من الضلال طلب المحال، بالحلم تسود يسود الإنسان وبالإيجاز يكمل اللسان، شكر الله سبحانه بالتعظيم وشكر الملوك بالدعاء لهم، وشكر الأصحاب بحسن الجزاء، أشر الأشرار من لا يقبل الاعتذار، من ساء خلقه ضاق رزقه، إذا كثرت الآراء خفى الصواب، ولله در من قال:

ص: 175

على المرء أن يسعى على الخير جهده

وليس عليه أن تتم المطال

قال بعض الفضلاء لا تكثر مخالطة الناس فإن فعلت فأغمض عن القذى واحتمل ما ينالك من الأذى، ولله در من قال:

مضى الخير طرا ليس منصف

وكل وداد فهو منهم تكلف

وكل إذا عاهدته فهو ناقض

لعهدك أو واعدته فهومخلف

وأبناء هذا الدهر كالدهر لم يثق

به وبهم إلا جهول ومسرف

قال بعض الأدباء خير الكلام ما قلّ ودل ولم يطل فيمل، نعم الناصر الجواب الحاضر، العقل بغير أدب شين، والأدب بغير عقل حين، حلّى الرجال الأدب وحلى النساء الذهب، وقال بعض الحكماء: عقل بلا أدب كشجاع بلا سلاح، الأدب وسيلة إلى فضيلة، النعمة

وسيمة فاجعل الشكر لها تميمة، لا زوال للنعمة مع الشكر ولا بقاء لها مع النكر، الزهد في الدنيا الراحة الكبرى، والرغبة فيها البلية العظمى، صمت كافي خير من كلام غير شافي، إنما الحليم من يغفر الذنب العظيم، وما أحسن قول القائل:

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم

فطالما استعبد الناس إحسانا

وإن أساء مسيء فليكن لك في

إعراض زلته صفح وغفران

وكن على الدهر معوانا لذي أمل

يرجوك فيه فإن الحر معوان

شر الناس من لا يقبل الاعتذارات، ولا يستر الزلات ولا يقيل العثرات، من كثرت أياديه قلت أعاديه، من طلب الممالك صبر على هجوم المهالك، من جاد ساد وجل، ومن بخل رذل وذل، من تواضع وقر ومن تعاظم حُقر درك الأموال في ركوب الأهوال، من لم ينلك خيره في حياته لم تبك عيناك على مماته، من لم يستفد بالعلم مالا استفاد به جمالا، من صبر على مأموله أدركه، ومن تهور في نيله أهلكه، ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع، جالس أهل العقل والأدب والتجربة والحسب، قيل إن رجلا تكلم بين يدي الخليفة المأمون فأحسن فقال له المأمون ابن من أنت فقال ابن الأدب يا أمير المؤمنين، فقال نعم النسب أقول رعى الله القاضي العلامة إمام أهل الأدب وأفضل منجد للمكارم وطلب عبد الرحمن بن أحمد البهكلي دخلت عليه يوماً في منزله ببيت الفقيه وهو يكرر هذين البيتين فحفظتهما ولله در قائلهما:

كن ابن شئت واكتسب أدبا

يغنيك محموده عن النسب

ص: 176

عن الفتى من يقول ها أنا ذا

ليس الفتى من يقول كان أبي

قال بعض الحكماء أطع أخاك وإن عصاك وصله وإن جفاك، إياكم ومشاورة النساء، أنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك، إنما يحيا الذكر بالأفعال الجميلة والسير الحميدة، خير الأدب ما حصل لك ثمره ظهر عليك أثره الجهل مطية من ركبها ذل ومن صحبها ضل، من الجهل صحبة الجهال، خير المواهب العقل، وشر المصائب الجهل، من لم يتعلم في صغره لم يتقدم في كبره، من تفرد بالعلم لم توحشه خلوة، الجاهل يطلب المال والعاقل يطلب الكمال، لم يدرك العلم من لا يطيل درسه ولا يكد نفسه، الأدب مال واستعماله كمال ويعجبني قول القائل:

لا تيأسن إذا ما كنت ذا أدب

على خمولك أن ترقى إلى الفلك

فبينما الذهب إلا بريز مختلط

بالترب إذ صار إكليلا على الملك

وقال حكيم ينبغي للمرء أن لا يفرح بمرتبة ترقاها بغير عقل، ولا بمنزلة رفيعة حلها بغير فضل، فلا بدّ أن يزيله الجهل عنها، ويسله منها، فينحط إلى رتبته، ويرجع إلى قيمته بعد أن تظهر عيوبه وتكثر ذنوبه ويصير مادحه هاجياً وصديقه معادياً، وقال آخر علم لا يصلحك ضلال ومال لا ينفعك وبال، أبصر الناس من أحاط بذنوبه ووقف على عيوبه، أفضل الناس من كان بعيبه بصيراً وعن عيب غيره ضريرا، إياك وما يسخط سلطانك ويوحش إخوانك فمن أسخط سلطانه تعرض للمنية ومن أوحش إخوانه تبرأ من الحرية، رأس الفضائل اصطناع المعروف فاستره وإذا اصطنع معك فانشره، من بخل على نفسه بخيره لم يجد به على غيره، خير العمل ما آثر مجداً وخير الطلب ما حصل حمدا، وقال بعض الأدباء ليس من عادة الكرام سرعة الانتقام، ارحم من دونك يرحمك من فوقك، أحسم إلى من تملكه يحسن إليك من يملكك، وقال حكيم كما أنه لا خير في آنية لا تمسك ما فيها كذلك لا خير في صدر لا يكتم سره، من كثر اعتباره قل عثاره، زوال الدول اصطناع السفل، من طالت غفلته زالت دولته، القليل مع التدبير خير من الكثير مع التبذير، إذا استشرت الجاهل اختار لك الباطل، لا يخلو المرء من ودود يمدح وحسود يقدح، من لم يجد لم يسد من ساءت أخلاقه طاب فراقه، لا تصحب من ينسى معاليك ويذكر مساويك، لا تقطع صديقاً

ص: 177

وإن كفر ولا تركن إلى عدوّ وإن شكر، الميل إلى الغضب من أخلاق الصبيان، والجزع على ما ذهب من أخلاق النسوان، القلب العليل يميل إلى الأباطيل، ترك الأنام يعلي المقام، الصبر حيلة من لا حيلة له، خير الأخوان من لم يتلون وإن تلون الزمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ (أنت سالم ما سكت وإذا تكلمت فلك أو عليك)، وقال لقمان لابنه يا بني إن القلوب مزارع فازرع فيها طيب الكلام فإن لم ينبت كله نبت بعضه، وقال بعض الحكماء الكذب داء والصدق دواء، الكذب ذل والصدق عز، الكذاب لا يعاشر والنمام لا يشاور والعاشق لا يُعاير والفاسق لا يسامر والخير لا ينكر والباغي لا ينصر، عبد الشهوة أذل من عبد الرق، الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له، وقال بعض الأدباء إذا اضطررت إلى كذاب فلا تصدقه ولا تعلمه أنك تكذبه فينتقل عن وده ولا

ينتقل عن طبعه، من كثر لغطه كثر غلطه من قال ما لا ينبغي سمع ما لا يشتهي، من كثر مزاحه زالت هيبته، عي تسلم به خير نطق تندم عليه، قال بعض الأدباء الخط للفقير مال وللغني جمال، اقتصر من الكلام على ما يقيم حجتك ويبلغ حاجتك، وإياك والفضول فإنه يزل القدم ويورث الندم، لسانك إن عقلته حرسك وإن أطلقته افترسك، اخزن لسانك كما تخزن مالك واعرفه كما تعرف ولدك وزنه كما تزن نفقتك وانطق به على قدر وكن منه على حذر فإن إنفاق ألف درهم في غير وجهها لأيسر من إطلاق كلمة في غير حقها، رب كلمة أوجبت مقدورا وأخربت دورا، وعمرت قبورا، الاستماع أسلم من القول، من قل أدبه كثر تعبه، قال حكيم أبلغ الكلام ما قلت فضوله وتمت فصوله، أبلغ الكلام ما صحت مبانيه ووضحت معانيه، أبلغ الكلام ما أعرب عن الضمير وأغنى عن التفسير، أبلغ الكلام ما يدل أولاه على آخره ويستغنى بباطنه عن ظاهره، سوء المقالة يزري الحالة، تحصن بالجهل إذا نفع كما تتحصن بالعلم إذا رفع، من قال بلا احترام أجيب بلا احتشام، قصر كلامك تسلم وأطل احتشامك تكرم، اعقل لسانك إلا عن حق توضحه أو خلل تصلحه أو كلمة تفسرها أو مكرمة تنشرها. قال بعض الأدباء يستدل على عقل الرجل بقوله وعلى أصله بفعله، من قوم لسانه زان عقله ومن سدد كلامه أبان فضله من منّ بمعروفه سقط شكره ومن أعجب بعمله حبط أجره، من صدق في مقاله زاد في جماله، الزم الصمت تعد نفسك فاضلاً وفي

ص: 178

جهلك عاقلاً وفي أمرك حكيماً وفي عجزك حلمياً، الزم الصمت تكسب صفو المودة وتأمن سوء المغبة وتلبس ثوب الوقار وتكفى مؤنة الاعتذار، الصمت أية الفضل وثمرة العقل وزين العلم وعين الحلم، فالزمه تلزمك السلامة واصحبه تصحبك الكرامة، وقال بعض الفضلاء اعقل لسانك إلا عن عظة شافية يكتب لك أجرها أو حكمة بالغة يحمد عنك نشرها الحذر خير من الهذر لأن الحذر يقي المهجة والهذر يضعف الحجة، من أفرط في المقال زل، ومن استخف بالرجال ذلّ، جرح الكلام أشدّ من جرح السهام، ضرب اللسان أشدّ من طعن السنان، ولله در من قال:

جراحات السنان لها التئام

ولا يلتام ما جرح اللسان

لا تنصح من لا يثق بك ولا تشر على من لا يبقل منك، إذا سكتَّ عن الجاهل فقد أوسعته جواباً وأوجعته عقاباً، منقبة المرء تحت لسانه، نصرة الوجه في الصدق، هات ما عندك

تعرف به، لا كرامة للكاذب، إذا لم تخش فصل وإذا لم تستح فقل، وما أحسن قول القائل:

إذا لم تخش عاقبة الليالي

ولم تستح فافعل ما تشاء

فلا والله ما في ذين خير

ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

قال بعض الحكماء:

من نقل إليك فقد نقل عنك، ومن شهد لك فقد شهد عليك ومن تجرأ لك فقد تجرأ عليك، لا تقبل الخير من كذاب وإن أتى بحديث عجاب، تلعموا العلم للأديان والنحو للسان والطب للأبدان، ومن وعظك فقد أيقظك ومن بصرك فقد نصرك، قيل أوصى علي رضي الله عنه ابنه أبا محمد الحسن رضي الله عنه فكان من وصيته له يا بني أوصيك بتقوى الله عز وجل في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى، والعدل على الصديق والعدو، والعمل في النشاط والكسل، والرضا عن الله عز وجل في الشدة والرخاء، واعلم يا بني أن من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره، ومن رضي بقسم الله لم يحزن على ما فاته، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن حفر لأخيه بئراً وقع فيها، ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره، ومن سلك مسالك السوء اتُهم، ومن خالط الأنذال حُقّر، ومن جالس العلماء وُقّر، ومن مزح استُخف به، ومن أكثر من شيء عُرف به، ومن كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار، يا بني من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير،

ص: 179

يا بني العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلا بذكر الله وواحدة في ترك مجالسة السفهاء، ومن تزين بمعاصي الله في المجالس أورثه الله ذلا، يا بني من كنز الإيمان الصبر على المصائب، وإياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وإياك ومصادقة الكذاب فإنه يقرب البعيد ويبعد عنك القريب، يا بني كم نظرة جلبت حسرة وكم كلمة سلبت نعمة، لا شرف أعلى من الإسلام ولا لباس أجمل من العافية، يا بني التدبير قبل العمل يؤمنك الندم، ولا تؤيسنّ مذنباً على ذنبه فكم عاكف على ذنب خُتم له بالخير، وكم مقبل على عمله أفسده في آخر عمره فصار إلى النار، وقال عليه السلام (ما أقرب الراحة من النصب والبؤس من النعيم والموت من الحياة)، قال بعض الأدباء اختارت الحكماء أربع كلمات من أربعة كتب، من التوراة من قنع شبع، ومن الزبور من سكت سلم،

ومن الإنجيل من اعتزل نجا، ومن القرآن العظيم ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم، وقال حكيم حسن الخلق يوجب المودة وسوء الخلق يوجب المباعدة، والانبساط يوجب المؤانسة، والانقباض يوجب الوحشة، والكبر يوجب المقت، والجود يوجب الحمد، والبخل يوجب المذمة، وقال بعض الفضلاء إذا جهلت فاسأل وإذا زللت فارجع، وإذا أسأت فاندم، وإذا غضبت فاحلم، وقال حكيم: الدنيا عسل مشوب بسمّ وفرح موصول بغمّ فلا تغرنّك زهرتها ولا تفتننك زينتها فإنها سلابة للنعم أكالة للأمم، وقال آخر إذا طلبت العز فاطلبه بالطاعة وإذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، نور المؤمن في قيام الليل، وضع الإحسان في غير موضعه ظلم، وحدة المرء خير من جليس السوء، لا غنى لمن لا فضل له، من بسط يده بالإنعام صان نعمته عن الملام، يسود المرء بالإحسان إلى قومه، من وجه رغبته إليك أوجب مؤنته عليك، وقال حكيم القلب أسرع تقلباً من الطرف، لا صلاح لرعية فسد واليها، الوفاء يثبت الإخاء، لا تدخلنّ في أمر لا تكون فيه ماهراً، استصغر ما فعلت من المعروف ولو كان كبيرا، واستعظم ما أتاك منه ولو كان صغيراً، أظهر لعدوك الصداقة إذا رجوت نفعه، الضعيف المحترس من عدوّه أقرب إلى السلامة من القوي المغتر، فخرك بفضلك خير منه بأصلك، الفرع يدل على الأصل، قال جالينوس الحكمة في الهند، والكبر في الفرس، وقرى الأضياف في العرب، والصدق في الحبشة، وقساوة القلب في الترك، والشجاعة في الأكراد، والخيانة في الأرمن،

ص: 180

والجهل في الشام، والعلم في العراق، والحساب في قبط مصر، والحمق في الطويل والكذب في القصير، والظلم والزنا في ذي الشامات، والحفظ في العميان، وسوء الخلق في العرجان، والعجلة في الصبيان، والمراء في العلماء، والحرص في المشايخ، والذل في الأيتام، والفصاحة في اليمن والحجاز، والسلامة في العزلة والصحة في الحمية، وقال حكيم إذا أراد الله أمراً هيأ أسبابه، لا فرح إلا بالحسنات ولا حزن إلا على السيئات، لا تتعبنّ جسدك إلا في كدّ على عيال أو عبادة لذي الجلال، قيل لبعض العرب ما المروءة؟ قال سمو الهمة وصيانة النفس عن المذمة، قيل فما الحلم؟ قال كظم الغيظ وضبط النفس عند الغضب وبذل العفو عند القدرة، قيل فمن أظلم الناس لنفسه قال من تواضع لمن يكرهه ومدح من لا يعرفه، قيل فمن أعظم الناس حلماً؟ قال من قمع غضبه بالصبر وجاهد هواه بالعزم، وقيل لبعض الملوك ما بلغ بك هذه

المنزلة، فقال بعفوي عند قدرتي وليني عند شدتي وبذل الإنصاف ولو من نفسي وإبقائي في الحب والبغض محلا لموضع الاستبدال، وقال بعض الأدباء ليس لسلطان العلم زوال بخلاف سلطان المال، الإحسان يقطع اللسان، الشرف بالعقل والأدب لا بالمال والنسب، أحسن الأدب حسن الخلق، أفقر الفقر الحمق، إذا قدرت على عدوّك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه، ولله در القائل:

بنيّ استقم فالعود تنمو عروقه

قويما ويغشاه إذا ما التوى التوا

وعاص الهوى المردى فكم من محلق

إلى الجوّ لما أن أطاع الهوى هوى

وقال بعض الفضلاء من لم تؤدبه الكرامة قوّمته الإهانة، وما أحسن قول القائل:

متى تضع الكرامة في لئيم

فإنك قد أسأت إلى الكرامة

وقد ذهب الصنيع به ضياعاً

وكان جزاؤها طول الندامة

من استعد الغنى ليوم الفقر فقد استعد لنائلة الدهر، من لم يقنع لم يشبع، من لم يقنع بتجاربه أوقعه الدهر في نوائبه، من قال لا أدري وهو يتعلم أفضل ممن يدري وهو يتعظم، من لم يستفرغ في العلم المجهود لم يبلغ منه المقصود، من جهل النعم عرف النقم، من أدمن قرع الباب ولج، من أخذ في أموره بالاحتياط سلم من الاختلاط، من أكرم حراً تعبده ومن منّ بمعروفه أفسده، من تشجع وجهه جبن قلبه، من قلّ حياؤه كثر ذنبه، من أكثر الرقاد حرم المراد، من لم يحتمل بشاعة الدواء دام ألمه، من لم

ص: 181

يصلحه الخير أصلحه الشر، من كفّ عنك شره فقد بذل لك خيره، من احمر لونه من النصيحة اسود وجهه من الفضيحة، من نام عن عدوّه نبهته المكائد، من تطأطأ لقط رتبا ومن تغالى لقط عطبا، وقال حكيم من ضيع أمره فقد ضيع كل أمر ومن جهل قدره جهل كل قدر، وقال آخر ما زانك ما أضاع زمانك ولا شانك ما أصلح شانك، وكن صبوراً في الشدة شكوراً في النعمة لا تبطرك السراء ولا تدهشك الضراء، ذكر نفسك بما فيها فأنت أعلم بمحاسنها ومساويها، وذكر في الكتب السالفة عجبت لمن قيل فيه الخير وليس فيه كيف يفرح، وعجبت لمن قيل فيه الشر وهو فيه كيف يغضب، وقال حكيم فوض مدحك إلى أفعالك فإنها تمدحك بصدق إن أحسنت وتذمك بحق إن أسأت، من طلب شيئاً وجده وإن لم يجده يوشك أن يقع قريباً منه، وقال آخر عدوّك ضدك وحكم الضدين التباعد، لا تطأ أرضاً وطئها عدوّك إلا على حذر ولا

يغرنك خروجه منها وبعده عنها فرّبما رتب لك فيها شباكاً ونصب لك فيها أشراكاً، عدو عاقل خير من صديق جاهل، كمون العداوة في الفؤاد ككمون الجمرة تحت الرماد، كتمان السر يورث السلامة وإفشاؤه يورث الندامة، ما كل فرصة تنال ولا كل عثرة تقال، ما خاب من استخار ولا ندم من استشار، من صافى عدوّك فقد عاداك ومن عادى عدوك فقد والاك، وقال بعض الحكماء القريب من قربته المحبة وإن بعد نسبه، والبعيد من أبعدته البغضاء وإن قرب نسبه، لا تحاجج من يذهلك خوفه ويتلفك سيفه، لا تثق بالدولة فإنها ظل زائل ولا تعتمد على النعمة فإنها ضيف راحل، قليل يغني خير من كثير يطغى، من سالم الناس سلم، من قدم الخير غنم، من قعد عن حيلته أضعفته الشدائد، الغرة ثمرة الجهل والتجربة مرآة العقل، من دام كسله خاب أمله، المتئد مصيب وإن هلك والعجول مخطئ وإن ملك، فضيلة السلطان عمارة البلدان، من كابد الأهوال هلك، من اقتحم اللجة أتلف المهجة، من قصر عن السياسة صغر عن الرياسة، من استعان بذوي الألباب سلك سبيل الصواب، لا تثق بالصديق قبل الخبرة ولا توقع بالعدوّ قبل تمام القدرة، ولا تفسد أمراً يعييك إصلاحه ولا تغلق باباً يعجزك افتتاحه، ولله در القائل:

إذا لم تستطع شيئاً فدعه

وجاوزه إلى ما تستطيع

حكاية: قيل إن رجلاً أتى إلى بعض الحكماء فشكا إليه صديقه وعزم على قطعه

ص: 182

والانتقام منه، فقال له الحكيم أتفهم ما أقول لك فأكلمك أم يكفيك ما عندك من فورة الغضب التي تشغلك عني؟ فقال إني لما تقول لواع، فقال أسرورك بمودته كان أطول أم غمك بذنبه؟ قال بل سروري، قال أفحسناته عندك أكثر أم سيئاته؟ قال بل حسناته قال فاصفح بصالح أيامك معه عن ذنبه وهب لسرورك به جرمه واطرح مؤونة الغضب والانتقام للود الذي بينكما في سالف الأيام ولعلك لا تنال ما أملت فتطول مصاحبة الغضب ويؤول أمرك إلى ما تكره.؟ وقال حكيم من نصحك أحسن إليك ومن وعظك أشفق عليك عدّ أضعف أعدائك قوياً وأجبن أوزارك جريا. الناس رجلان عاقل لا يحتاج للتأديب وجاهل يحتاج للتأديب قال الشاعر:

البعض يضرب بالعصى

والبعض تكفيه الإشارة

قال بعض الأدباء إياك والنظرة فإنها تنتج الحسرة طوبى لمن كان بصره في قلبه والويل

لمن كان قلبه في بصره وأفضل القول كلمة حق عند من تخافه، أحمق الناس من باع دينه بدنيا غيره، ضعف البصر لا يضر مع نور البصيرة، كثرة النوم تجلب الدمار وتسلب الأعمار، للعاقل فضيلتان عقل يستفيد ونطق يفيد، من حسن خلقه كثرت أخوانه، من اودع الوفاء صدره أمن الناس غدره، أجهل الناس من يمنع البر ويطلب الشكر ويفعل الشر ويتوقع الخير، ربما أخطأ البصير قصده وأصاب الأعمى رشده.

ضرب مثل:

حكي أند ديكاً وصقرا اصطحبا مدة ففي بعض الأيام قال الصقر للديك إني ما رأيت اقل وفاء ولا أضيع لحقوق الصحبة منكم معاشر الديكة فقال الديك ما الذي أنكرته منا؟ قال لأني أرى الناس يكرمونكم ويحسنون إليكم في المطعم والمشرب وأنتم تفرون منهم وتنفرون من قربهم ونحن يأخذون الواحد منا فيعذبونه ويخيطون عينيه ويمنعونه الطعام والشراب ثم يرسلونه فيذهب إلى حيث لا يبقى لهم إليه وصول ولا عليه لهم قدرة ثم يدعونه إليهم فيأتي مسرعاً ويقتنص الصيد والطير لهم، فلما سمع الديك كلام الصقر ضحك ضحكاً عالياً فقال الصقر ما يضحكك أيها الديك؟ فقال عجبت من شدة جهلك وغرورك أما أنك أيها الصقر لو عاينت من جنسك جماعة في كل يوم تُسلخ جلودهم وتقطع أعناقهم ويقلون على النار ويطبخون في القدور لفررت منهم أشد الفرار

ص: 183

ولم يستقر لك بصحبتهم قرار ولو قدرت لطرت إلى جو السماء وعلمت انه لا فائدة في القرب منهم وان السلامة في البعد عنهم فعرف الصقر صدق كلامه وأقلع عن ملامه.

قال أبو مسلم الخراساني المنع الجميل خير من الوعد الطويل، الكلام المرغوب مصائد القلوب، ثلاثة القليل منهم كثير العداوة والنار والمرض، قال حكيم القاضي لا يعاند والسلطان لا يُوادد والوالي لا يخاصم والأب لا يُحاكم وصاحب الحق لا يُشاتم والعجمي إليه لا يركن والخان لا يسكن والحان لا يدخل والمجالس لا تنقل والشرير لا يكلم والغائب لا يشتم والشاعر لا يعادى والبخيل لا يهادى والحبيب لا يجازى بالبعاد وما مضى من الزمان لا يعاد والملك لا يوادد فإن وده لا يدوم والبليد لا يشتغل بالعلوم والعبد لا يمازح والجار لا يقابح والمتكبر لا يدارى والحقود لا يصافى والمرأة لا يحسن بها الظن وكل فن لا يؤخذ إلا من أهل ذلك الفن والقبيح لا يذكر والجميل لا ينكر والرسول لا يقتل والهدية

من كل أحد لا تقبل وصاحب الإحسان لا يعامل إلا بالإحسان كما يدين الفتى يدان.

وقال آخر:

يعيش البخيل في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء إذا حضرت مجلس ملك فضم شفتيك وعض عينيك وإذا حدثك فاصغ إليه وأقبل بوجهك عليه. قيل لملك بعد ذهاب ملكه ما الذي أذهب ملك قال ثقتي بدولتي وإعجابي بشدتي وإضاعتي الحيلة وقت حاجتي والتأني عند احتياجي إلى عجلتين قال بعض الفضلاء: البخل والجهل مع التواضع خير من العلم والسخاء مع الكبر من قبر السفل وأدناهم وباعد ذوي الفضل وأقصاهم استحق الخذلان واستوجب الهوان، من لم يعرف ظهر الأيام لم يحترز من سطواتها، ولم يتحفظ من آفاتها، قال حكيم إذا رأيت من جليسك أمراً تكرهه أو صدرت منه كلمة عوراء فلا تقطع حبله ولا تصرم وده ولكن داو كلمته واستر عورته وأبقه وتبرأ من عمله. وقال حكيم خير الملوك من كفى وكف وعفا وعف للرعية المنام وعلى الملك القيام، وقال آخر نصحني النصحاء ووعظني الوعاظ فلم يعظني مثل شيبتي، ولم ينصحني مثل فكرتي وأكلت الطيب وشربت الشراب وعانقت الحسان فلم أر ألذ من العافية، وأكلت الصبر وشربت المر فلم أر أمر من الفقر وعالجت الحديد ونقلت الصخور فلم أر حملاً أثقل من الدين، وطلبت الغنى من وجوهه فلم أر أغنى من القنوع،

ص: 184