المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وطلبت أحسن الأشياء عند الناس فلم أر حديثاً أحسن من - نفحة اليمن فيما يزول بذكره الشجن

[الشرواني، أحمد]

الفصل: وطلبت أحسن الأشياء عند الناس فلم أر حديثاً أحسن من

وطلبت أحسن الأشياء عند الناس فلم أر حديثاً أحسن من حسن الخلق، قيل لحكيم هل تعرف نعمة لا يحسد عليها وبلية لا يرحم صاحبها قال نعم التواضع والكبر، قيل لبعضهم لم لا تتزوج؟ فقال لو قدرت أن أطلق نفسي لطلقتها، قيل لبعض العباد ما أصبرك على الوحدة؟ فقال أنا جليس الرب إن شئت أن يناجيني قرأت كتابه وإن شئت أن اناجيه صليت له، قال ذو النون المصري رحمه الله الأنس بالله نور ساطع والأنس بالخلق غم واقع، قال العتابي: الدنيا نوم والآخرة يقظة والواسطة بينهما الموت ونحن في أضغاث أحلام، رب حرب ثار من لفظة ورب حب غرس من لحظة، إدمان الناظر يكشف الخبر، إن حفظت عينيك حفظت كل الجوارح، وإن أطلقتهما أوقعاك في الفضائح، علامة القطيعة من الصديق أن يؤخر الجواب ولا يبتدئ بكتاب، وقال حكيم من أكثر النوم لم يجد في عمره بركة ومن أكثر الأكل لم يجد لذة العبادة، إذا كانت الغاية الزوال فما الجزع من تصرف الأحوال، الفقر هو الموت الأحمر

والجوران دام دمر والأعمى ميت وإن لم يقبر، أفضل من السؤال ركوب الأهوال، من تزين بغير ما هو فيه فضح الامتحان ما يدعيه، من عاتب على كل ذنب أخاه صد عنه وقلاه، ليس مع الخلاف ائتلاف استصلاح العدو بحسن المقال أحسن من استصلاحه بحسن الفعال، من طلب ما لا يكون طال تعبه ومن فعل ما لا يحسن كان فيه عطبه، كل امرئ يميل إلى شكله، ليس العجب من جاهل يصحب جاهلاً إنما العجب من عاقل جفا عاقلاً، كل شيء يميل إلى ندّه وينفر عن ضده، قال الشاعر:

ولا يألف الإنسان إلا نظيره

وكل امرئ يصبو إلى ما يشاكله

لا يغرنك كبر الجسم ممن صغر في العلم ولا طول القامة ممن قصر في الاستقامة فإن الدرة على صغرها خير من الصخرة على كبرها، ليس لضجور رياسة ولا لبخيل صديق، لا تعمل عملاً لا ينفعك، إياك والأخلاق الدنية فإنها تضع الشرف وتهدم المجد، ترك الذنب خير من الاستغفار.

‌ضرب مثل

حكي أن فرساً كان لرجل من الشجعان وكان يكرمه ويحسن القيام بخدمته ولا يصبر عنه ساعة ويعده لمهماته وكان يخرج به في كل غداة إلى مرج واسع فينزل عنه سرجه ولجامه ويطيل رسنه فيتمرغ ويرعى حتى ترتفع الشمس فيرده إلى منزله وأنه خرج يوماً على عادته إلى المرج فلما نزل عنه واستقرت قدماه على الأرض نفر عنه

ص: 185

الفرس وجمح ومر يعدو بسرجه ولجامه فطلبه الفارس يومه كله فأعجزه وغاب عن عينيه عند غروب الشمس فرجع الفارس إلى أهله وقد يئس من الفرس ولما انقطع الطلب عن الفرس وأظلم عليه الليل جاع فرام أن يرعى فمنعه اللجام ورام أن يتمرغ فمنعه السرج ورام أن يستقر على أحد جنبيه فمنعه الركاب فبات بأشر ليلة ولما أصبح ذهب يبتغي فرجاً مما هو فيه فاعترضه نهر فدخله ليقطعه إلى الجانب الآخر فإذا هو بعيد القعر فسبح فيه إلى الجانب الآخر وكان حزامه من جلد لم يبالغ في دبغه فلما خرج من النهر أصابت الشمس الحزام فيبس واشتد عليه فورم عنقه ووسطه واشتد الضرر عليه مع ما به من الجوع فلبث بذلك أياماً إلى أن ضعف عن المشي فقعد فمر به خنزير وهم بقتله ثم عطف عليه لما رأى ما به من الضعف فسأله عن حاله فأخبره بما هو فيه من أضرار اللجام والسرج والحزام وسأله

أن يصطنع عنده معروفاً ويخلصه مما ابتلي به فسأله الخنزير عن الذنب الذي استحق به تلك العقوبة فزعم الفرس أنه لا ذنب له، فقال له الخنزير كلا بل أنت كاذب في زعمك أو جاهل بجرمك فإن كنت يا فرس كاذباً فما ينبغي لي أن أنفس عنك خناقاً ولا أصطنع عندك معروفاً ولا أتخذك ولياً ولا ألتمس عندك شكرا ولا أطلب فيك اجراً فإنه كان يقال احذر مقاربة ذوي الطباع المرذولة لئلا يسرق طبعك من طباعهم وأنت لا تشعر وكان يقال لا تطمع في استصلاح الرذل فإنه لن يترك طباعه من أجلك ثم قال له الخنزير وإن كنت أيها الفرس جاهلاً بجرمك الذي استوجبت به هذه العقوبة فجهلك بذنبك أعظم منه فإن من جهل ذنوبه أصر عليها فلم يرج فلاحة فقال الفرس للخنزير ينبغي لك أن تزهد في اصطناع المعروف فإن الدهر ذو صروف فقال الخنزير إني لست بزاهد في ذلك ولكنه كان يقال العاقل يتخير لمعروفه كما يتخير الباذر لبذره ما زكا من الأرض فحدثني يا فرس عن ابتداء أمرك فيما نزل بك وعن حالك قبل ذلك لأعلم من أين دهيت فحدثه الفرس عن جميع أمره وكيف كان عند فارسه وكيف فارقه وما لقي في طريقه إلى حين اجتماعه بالخنزير فقال له الخنزير قد ظهر لي الآن أنك جاهل بجرمك وأن لك ذنوباً ستة احدها خذلانك فارسك الذي أحسن إليك وأعدك للمهمات والثاني كفرك لإحسانه والثالث إضرارك به في طلبك والرابع تعديك على ما ليس لك من العدّة وهي السرج واللجام

ص: 186