الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخامس إساءتك على نفسك بتعاطيك التوحش الذي لست له أهلاً ولا لك عليه مقدرة والسادس إصرارك على ذنبك وتماديك في غوايتك فقد كنت متمكنا من العود إلى صاحبك والاستقالة من فرط جهلك قبل أن يوهنك اللجام بالجوع والحزام بالضبط فقال الفرس للخنزير أما إذا عرفتني ذنوبي وأيقظتني لما كنت جاهلاً عنه محجوباً بحجاب الجهل فانطلق الآن ودعني فإني مستحق لأضعاف ما أنا فيه فقال له الخنزير أما إذا اعترفت وفطنت لهذا ولمت نفسك ووبختها واخترت لنفسك العقوبة على جهلها فإنك حقيق بأن يفرج عنك ثم إن الخنزير قطع عنه اللجام والحزام فسقط السرج وفرج عنه وتركه وانطلق.
قال حكيم إذا كانت مغالبة القدر مستحيلة فماذا تنفع الحيلة. قال الشاعر:
وقد ترجو فيعسر ما ترجى
…
عليك وينجح الأمر العسير
وما تدري أفي المر المرجى
…
أم الذي يخشى السرور
لو أن الأمر مقبله جلى
…
كمدبره لما على البصير
قال حكيم: العلم خليل المؤمن والحلم وزيره والعقل دليله الظفر يعشق الصبر كما يعشق الحديد المغناطيس، أقل فوائد الصبر على البلية أن تنغص به لذة عدوك الشامت بك، ارجع عن تدبيرك لنفسك فقد أراحك منه غيرك وقس يومك على أمسك فعلى حذوه مصيرك، إذا لم يمش الزمان معك على ما تريد فامش معه على ما يريد ولله در القائل:
إذا ما تحيرت في حالة
…
ولم تدر فيها الخطا والصواب
فخالف هواك فإن الهوى
…
يقود النفوس إلى ما يعاب
وقال آخر: من غرس الصبر اجتنى الظفر ومن غرس العلم اجتنى النباهة ومن غرس الوقار اجتنى الهيبة ومن غرس المداراة اجتنى السلامة ومن غرس الكبر اجتنى المقت ومن غرس الإحسان اجتنى المحبة ومن غرس الفكرة اجتنى الحكمة ومن غرس الحرص اجتنى الذلّ ومن غرس الحسد اجتنى الكمد، وقال حكيم ما مضت ساعة من دهرك إلا ببضعة من عمرك، الدنيا إن أقبلت فهي فتنة وغن أدبرت فهي محنة فأعرض عنها قبل أن تعرض عنك.
ضرب مثل
حكي: أن ثعلباً كان يسمى ظالماً وكان له جحر يأوي إليه وكان مسروراً به لا يبتغي عنه بدلا فخرج منه يوماً يبتغي ما يأكل ثم رجع فوجد فيه حية فانتظر خروجها
فلم تخرج وعلم انها قد توطنت فيه وأنه لا سبيل إلى السكون معها فذهب يبتغي لنفسه جحراً غيره فانتهى به النظر إلى جحر حسن الظاهر حصين الموضع في مكان خصيب ذي أشجار ملتفة وماء معين فأعجبه وسأل عنه فأخبر أنه لثعلب يسمى مفوضاً وأنه ورثه من أبيه فناداه ظالم فخرج إليه ورحب به وأدخله الجحر وسأله عما قصد له فقص عليه خبره وشكا إليه ما ناله فرق له مفوض ثم قال له إن من الهمة ان تقصر عن مطالبة عدوك وأن تستفرغ جهدك في ابتغاء دفعه فرب حيلة انفع من قبيلة والرأي عندي أن تنطلق معي إلى مأواك الذي انتزع منك غصباً حتى أطلع عليه فلعلي أهتدي إلى وجه الحيلة فيرجع إليك مسكنك فإن أصوب الرأي ما أُسس على الروّية، فانطلقا معا إلى ذلك الجحر فتأمله مفوض وأدرك غرضه منه، ثم أقبل على ظالم فقال له قد شاهدت من مسكنك ما فتح لي باب الحيلة في خلاصه فقال له
ظالم أطلعني على ما ظهر لك، فقال مفوض إن أضعف الرأي ما رسخ في البديهة ولكن انطلق معي لتبيت عندي ليلتي هذه لأنظر رأيي فيما ظهر لي ففعلا وبات مفوض مفكراً في ذلك وجعل ظالم يتألم مسكن مفوض فرأى من سعته وطيب تربته وحصانته وكثرة مرافقه ما اشتد إعجابه به وحرصه عليه وشرع بتدبير الحيلة في غصبه وطرد مفوض منه، فلما أصبحا قال مفوض لظالم إني رأيت ذلك الجحر بموضع بعيد من الشجر والماء فاصرف نفسك عنه وهلم أعنك على حفر مسكن قريب من جحري هذا فإن هذه الأرض خصبة متيسرة المرافق فقال له ظالم إن ذلك لا يمكنني لأن نفسي تهلك لبعد الوطن حنيناً ولا تملك لفقد المسكن سكوناً. فلما سمع مفوض مقالة ظالم وما تظاهر به من الرغبة في وطنه قال له إني أرى أن نذهب يومنا هذا فنحتطب حطباً ونربط منه حزمتين فإذا أقبل الليل انطلقت أنا إلى بعض هذه الخيام فأتيت بقبس نار واحتملنا الحطب والقبس وقصدنا مسكنك فجعلنا الحزمتين على بابه وأضرمناهما ناراً فإن خرجت الحية احترقت وإن لزمت الجحر أهلكها الدخان فقال ظالم نعم الرأي هذا فانطلقا فاحتطبا وربطا من الحطب حزمتين بقدر ما يطيقان حمله ولما جاء الليل وأقبل أوقد أهل الخيام النار انطلق مفوض ليأخذ قبساً فعمد ظالم إلى إحدى الحزمتين فأزالها إلى موضع غيبها فيه، ثم جر الحزمة الأخرى إلى باب مسكن مفوض ودخله وجذبها إليه فأدخلها في الباب
فسده بها وقدر في نفسه أن مفوضاً إذا أتى الجحر لم يمكنه الدخول إليه لحصانته ولأن بابه مسدود بالحطب سداً محكماً وأكثر ما يقدر عليه أن يحاصره فإذا يئس منه ذهب فنظر لنفسه مأوى آخر وقد كان ظالم رأى منزل مفوض أطعمة كثيرة ادخرها مفوض لنفسه فعول ظالم على الاقتيات منها في مدة الحصار وأذهله الشره والحرص على البغي عن فساد هذا الرأي وأنه متعرض لمثل ما عزم عليه أن يفعلاه بالحية، ثم إن مفوضاً جاء بالقبس فلم يجد ظالماً ولا وجد الحطب فظن أن ظالماً قد احتمل الحزمتين معاً تخفيفاً منه وأنه ذهب بهما إلى الجحر الذي فيه الحية فظهر له من الرأي أن يترك النار ويسرع في المشي ليدركه ويساعده في حمل الحطب فألقى النار من يده ثم خشي أن يطفئها الريح فيحتاج إلى نار أخرى فأدخلها في باب الجحر ليسترها من الريح فأصابت الحطب فأضرمته ناراً واحترق ظالم في الجحر وحاق به مكره، فلما اطلع مفوض على أمر ظالم قال ما رأيت كالبغي سلاحاً أكثر عمله في محتمله، ثم صبر حتى
طفئت النار ودخل في جحره واستخرج جيفة ظالم فألقاها واستقرّ في مأواه وفوض أمره إلى مولاه.
أوصى علي كرم الله وجهه ابنه محمد فكان من وصيته له يا ني بئس الزاد للمعاد ظلم العباد، ولله در القائل:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا
…
فالظلم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه
…
يدعو عليك وعين الله لم تنم
وقال حكيم إذا كانت الإساءة طبعاً لم يملك لها إنسان دفعاً، يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم، من كثر تعديه كثرت أعاديه، الظلم سالب للنعم والبغي جالب للنقم، شر الناس من ينصر الظالم ويخذل المظلوم، من طلب راحة نفسه اجتنب الآثام ومن طلب راحة بنيه رحم الأيتام، من سالم الناس ربح السلامة ومن تعدى عليهم اكتسب الندامة، قال بعض الفضلاء أربعة ترفع عنهم الرحمة إذا نزل بهم الكروه من كذب طبيبه فيما يصف له من دائه، ومن تعاطى ما لا يستقل بأعبائه، ومن أضاع ماله في لذاته، ومن قدم على ما حذر من آفاته، وقال آخر العالم يعرف الجاهل لأنه كان قبل علمه جاهلاً والجاهل لا يعرف العالم إذ لم يكن قبل جهله عالماً، وقال حكيم رم ما شئت بالإنصاف وأنا زعيم لك بالظفر به، وقال الأحنف بن قيس السؤدد ترك الظلم والهبة قبل السؤال، وقال آخر اتخذ الناس أباً وأخاً
وابناً، ثم برّ اباك وصل اخاك وارحم ابنك، وسئل ذو القرنين أي شيء من مملكتك أنت فيه أكثر سروراً فقال شيئان أحدهما العدل والثاني أن أكافئ من أحسن إليّ بأكثر من إحسانه. قال حكيم أحمق الناس من أنكر من غيره ما هو مقيم عليه، قال سليمان بن عبد الملك لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كيف ترى ما نحن فيه فقال عمر: سرور لولا أنه غرور وملك لولا أنه هلك ونعيم لولا انه عديم ومحمود لولا أنه مفقود، قال حكيم: الوضيع إذا ارتفع تكبر وإذا حكم تجبر، ليس العاقل من تخلص من مكروه وقع فيه بل العاقل من لا يوقع نفسه في أمر يحتاج إلى الخلاص منه، من قابل السيئة من عدوه بالحسنة فقد انتقم منه، قال أنوشروان ما استنجحت الأمور بمثل الصبر ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر، العدل يوجب اجتماع القلوب والجور يوجب الفرقة وحسن الخلق يوجب المؤدّة وسوء الخلق يوجب المباعدة، على الرعية الانقياد وعلى الأئكة
الاجتها، قال حكيم من حكماء الهند العدل في الرعية خير من كثرة الجنود، تاج الملك عفافه وحصنه إنصافه، وقال حكيم لا يطمع سيء الأدب في الشرف ولا الملك الجائر في بقاء الملك، العدل في الأقوال أن لا تخاطب الفاضل بخطاب المفضول ولا العالم بخطاب المجهول وأن تجعل لسانك في ميزان فتحفظه من رجحان ونقصان، وسئل حكيم عن المسيء فقال هو من لا يبالي أن يراه الناس مسيئاً وقال آخر الدهر حسود لا يأتي على شيء إلا غيره، من علامة الدولة قلة الغفلة، اصنع الخير عند إمكانه يبقى لك حمده بعد زوال زمانه، ولله درّ من قال:
أرى طالب الدنيا وإن طال عمره
…
ونال من الدنيا سروراً وأنعما
كبان بنى بنيانه وأتمه
…
فلما استوى ما قد بناه تهدما
المرء ابن يومه فليتنبه من نومه. قال حكيم: مخالطة الأشرار من أعظم الأخطار من لم يلزم نفسه حقك لا تلزم نفسك حقه بعيد ممن أسقط حق نفسه أن يقوم بحق غيره. كن بالزمان خبيرا تسلم من عثرته إذا كانت الأشياء غير دائمة ففيم السرور بها من أشرف الأخلاق صيانة النفس عن النفاق باللطف تقتنص الأسود ويحصل كل مقصود، قال النبي صلى الله عليه وسلم (خصلتان لا يجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق)، وقال أيضاً (شيئان لا يجتمعان في بيت الغنى والزنا).
قال العباس بن محمد للرشيد يا أمير المؤمنين إنما هو درهمك وسيفك فازرع بذلك من شكرك واحصد بهذا من