المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌القُرآن

- ‌فصل

- ‌تاريخ القُرآنجمعُه وتدوينه

- ‌القراءة وطرق الأداء

- ‌القُرَّاء

- ‌وُجوه القِرَاءة

- ‌قراءة التَلحِيْن

- ‌لغة القرآن

- ‌الأحرف السَّبعة

- ‌مفردات القرآن

- ‌تأثير القرآن في اللغة

- ‌الجنسيَّة العربية في القرآن

- ‌آدابُ القرآن

- ‌القرآن والعلوم

- ‌سرائر القرآن

- ‌تفسير آية

- ‌إعجاز القرآن

- ‌فصل

- ‌الأقوال في الإعجاز

- ‌مؤلفاتهم في الإعجاز:

- ‌حقيقة الإعجاز

- ‌التحدي والمعارضة:

- ‌أسلوبُ القرآن

- ‌نظمُ القرآن

- ‌الحروف وأصواتها

- ‌الكلمات وحُروفها

- ‌الجمل وكلماتها

- ‌(فصل)غرابة أوضاعه التركيبية

- ‌(فصل)البلاغة في القرآن

- ‌(فصل)الطريقة النفسية في الطريقة اللسانية

- ‌(فصل)إحكام السياسة المنطقية على طريقة البلاغة

- ‌الخاتمة

- ‌البلاغة النبوية

- ‌(فصل)

- ‌فصاحته صلى الله عليه وسلم

- ‌صفته صلى الله عليه وسلم

- ‌إحكام منطقه صلى الله عليه وسلم

- ‌اجتماع كلامه وقلته صلى الله عليه وسلم

- ‌نفي الشعر عنه صلى الله عليه وسلم

- ‌تأثيره في اللغة صلى الله عليه وسلم

- ‌نسق البلاغة النبويَّة

- ‌(فصل)الخلوص والقصد والاستيفاء

الفصل: ‌الأقوال في الإعجاز

‌الأقوال في الإعجاز

واعلم أننا لسنا نلتمسُ بما نتأتى إليه من هذا الفصل، ونستأتي به تعبَ الكتابة في سرده، ونصبنا له من استقراء مذاهب القوم وآرائهم - أن نقيم من ذلك برهاناً صحيحاً، أو نقدم رأياً

صريحاً، فإن هذا بعض ما لا يُطمع فيه ولا يَرد التعب منه شيئاً على المباحث يكون فيه مطمع فلقد

أبعدَ القوم في المقايسة وأمعنوا في المذاكرة، وأطالوا في الخصومة، وفخموا ما شاءوا، ومضغوا

من الكلام ما ملأ أفواههم، وجاءوا بما هو لعَمَري فلسفة ومنطق؛ بيد أنهم في كل ذلك إنما توافوا على صنيع واحد من الرد بعضهم على بعض فمن فَلَجَ بحجته فقطع خصمه عن المعارضة،

وأفحمه دون المناضلة كان الرأي في الإعجاز ما رآه هو، وكان أكبر البرهان على صوابه عجز خصمه عن تخطئته. .

وهذه سبيل من الكلام لا يزال أذاها حاضراً، وسالكها حائراً، فإنه ما يندفع إليها رأيان متناقضان إلا كان أقواهما معتبراً صواباً بحتاً، لا بقوته ولكن بضعف الآخر، وإن كان هو في نفسه

خطأ صراحاً وفساداً صرفاً أو جهلاً وإحالة.

وقد مضى أكثر المتكلمين من رؤوس الفرق الإسلامية على أن لا يبالوا أن يُضرَبوا بآرائهم صَفحاً، ولهم في ذلك صلابة يوهِمون أنها صلابة أهل الحق وعناد يلتبس باليقين على العامة

وأشباه العامة من أتباعهم فلا تنفعهم نافعة حتى يأخذوا بآرائهم وينتحلوها، ثم لا تكون لهم الخِيرَة من أمرهم بعد ذلك فيما يأخذون وما يَدَعون.

وقد أسلفنا في غير هذا الموضع أن كل فرقة انشعبت في الإسلام وانبسط لها ظل - فإنما هي عقلُ رجل ذكي واحد؛ بالغاً ما بلغ أتباعُها ومنتحِلو عقائدها؛ فإن نبغ في هؤلاء عقل آخر

انصدعت الفرقةُ فخرجت منها فرقة ثانية، وهلم جراً.

فالمقِرُّ من أولئك كالمنكر من هؤلاء، ما دام سبيل جميعهم من صناعة الكلام، وعلى ناحية المكابرة، وما دام نفي الشك بقوة المنطق كأنه في المنطق إقرار اليقين بقوة الحق فإن سقت الشبهة

وبَطلَ الاعتراض - ولو من عجز أو عي أو ما هو في حكمها من عوارض المنطق - فلذلك هو العلم المحض والرأي الصريح، وإلا فما دام للشبهة ظل، وللاعتراض وجه - ولو من المعارضة

والمكابرة - فلا قرار لذلك الرأي، ولا ثبوت لذلك العلم، ولا يبلغ الجدال منهما رأياً ولا علماً.

وعلى هذه الجهة رأينا كل أقوالهم في إعجاز القرآن: لا يصنعون شيئاً دون أن يُنكر ويدفعَ من ينكر من يدفع، فإما أن تتعارض الحجج الكلامية فتُسقِط بعضها بعضاً، وإما أن تقوى واحدة

منهن فتُسقط الباقيات وتبقى هي كلاماً من الكلام لا تصلح لنفي ولا إثبات.

وليس مَن طلب الحق ليعرفه كالذي يطلبه ليعرَف به، فإن الأول يُنصف من نفسه كما

ص: 99

ينتصف لها، ولكن الثانيَ خصم لا يريده إلا جدلاً وله مع الجدل قوة الحرص على المؤاربة،

وشدة الصريحة في المراوغة؛ كيما تنتهي إليه الحجة ويقف عنده البرهان فيكون له الصوت المردد ويصير إليه مرجع القول في النحلة أو المذهب، فهو يَعتسف لذلك ولا جَرَم كل طريق، ويركب

كل صعب، ويتحمل من كل وجه، ويتعنت بكل آية، وليس له هم دون قوة الإقناع المنطقية،

ودون الإفحام والتعجيز ومن ثم لا يبالي أن يتورد خصمه بالسفه، أو يقر له بالسخف، أو يتبسط على الباطل أو يحتجز دون الحق، ما دامت هذه كلها أدوات في صناعة الكلام، وما دام الكلام

قادراً بأدواته على أن يصنع الحق أو ما يسمى حقاً، وإن كانت الصنعة فاسدة أو سقيمة، وكانت التسمية من خطإٍ أو ضلال.

من أجل ذلك قلنا إنه لا يستقيم لنا برهان صحيح مما نصبنا لاستقرائه في هذا الفصل، ولكن أكبر غرضنا منه أن ندل على تاريخ الكلام في القرآن وإعجازه؛ فإن ذلك واضح النسق بين

السرد فيما تهيأ لنا من هذاه الآراء التي نؤديها كما هي: وفاء بحق التاريخ وتوفية لفائدة ما نحن بسبيله.

كان أول ما ظهر من الكلام في القرآن، مقالة تُعزى إلى رجل يهودي يسمى لَبيد بن الأعصم فكان يقول: إن التوراة مخلوقة، فالقرآن كذلك مخلوق، ثم أخذها عنه طالوت ابن أخته وأشاعها،

فقال بها بَنَان بن سمعان الذي إليه تُحْسب البنانية، وتلقاها عنه الجعْد بن درهم (مؤدب مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية) وكان زنديقاً فاحش الرأي واللسان، وهو أول من صرَّح بالإنكار على

القرآن والرد عليه، وجَحَدَ أشياء مما فيه.

وأضاف إلى القول بخلقه أن فصاحته غير معجزة،

ص: 100

وأن الناس يقدرون على مثلها وعلى أحسن منها، ولم يقل بذلك أحد قبله، ولا فشت المقالة بخلق القرآن إلا من بعده، إذ كان أول من تكلم بها في دمشق عاصمة الأمويين، وكان مَروان

(ويلقب بالحمار) يتبع رأيه، حتى نسب إليه، فقيل مروان الجعدي.

ولم تظهر بعده فتنة القول بخلق القرآن إلا زمن أحمد بن أبي دُؤاد وزير المعتصم (سنة 220 هـ) وكان أول من بالغ في القول بذلك عيسى بن صَبيح الملقب بالمُزدار الذي إليه تنسب المزدارية كما سيأتي.

ثم لما نجَمَت آراء المعتزلة بعد أن أقبل جماعة من شياطينها على دراسة كتب الفلسفة مما وقع إليهم عن اليونان وغيرهم نبغت لهم شؤون أخرى من الكلام، فمزجوا بين تلك الفلسفة على

كونها نظراً صرفاً، وبين الدين على كونه يقيناً محضاً وتغلغوا في ذلك حتى خالف بعضهم بعضاً بمقدار ما يختلفون في الذكاء وبعد النظر، فتفرقوا عشر فرق، واختلفت بهذا آراؤهم في وجه

إعجاز القرآن اختلافاً يقوم بعضه على بعض، فيبدأ فارغاً وينتهي كما بدأ وإن كثر في ذات نفسه.

فذهب شيطانُ المتكلمين أبو إسحاق إبراهيم النَّظام إلى أن الإعجاز كان بالصرفة، وهي أن الله صرف العرب عن معارضة القرآن مع قدرتهم عليها فكان هذا الضرف خارقاً للمادة.

قلنا وكأنه من هذا القبيل هو المعجزة لا القرآن.

وهذا الذي يروون عنه أحد شطرين من رأيه، أما الشطر الآخر فهو الإعجاز إنما كان من حيث الإخبار عن الأمور الماضية والآتية.

وقال المرتضى من الشيعة: بل معنى الصرفة أن الله سلبهم العلوم. . التي يُحتاج إليها في المعارضة ليجيئوا بمثل القرآن. فكأنه يقول إنهم بلغاء يقدرون على مثل النظم والأسلوب ولا يستطيعون ما وراء ذلك مما لبسته ألفاظ القرآن من المعاني؛ إذ لم يكونوا أهل علم ولا كان العلم

في زمنهم، وهذا رأي بيِّن الخلط كما ترى.

غير أن النطام هو الذي بالغ في القول بالصرفة حتى عرفت به، وكان هذا الرجل من شياطين أهل الكلام، على بلاغة ولَسَن وحسن تصرف، بيدَ أنه شب في ناشئة الفتنة الكلامية، فلم ينتفع

بيقين. وقال فيه الجاحظ وهو تلميذه وصاحبه وأخبر الناس به:

" إنما كان عيبه الذي لا يفارقه، سوء ظنه وجَودَة قياسه على العارض والخاطر والسابق الذي لا يُوثق بمثله، فلو كان بَدَلَ تصحيحه

القياس التمس تصحيح الأصل الذي قاس عليه، كان أمرُه على الخلاف. ولكنه كان يظن الظن ثم يقيس عليه وينسى أن بَدءَ أمره ظناً، فإذا أتقن ذلك وأيقن، جَزَم عليه، وحكاه عن صاحبه حكاية

المستبصِر في صحة معناه؛ ولكنه كان لا يقول سمعت ولا رأيت، وكان كلامه إذا خرج مخرج الشهادة القاطعة لم يشك السامع أنه إنما حكى ذلك عن سماع قد امتحنه، أو عن معاينة قد بهرته " اهـ.

قلنا: وهذا بعض ما ذهب بفضل بلاغته، وغطى على أثره، ونقض أمرَهُ عُروة عروة، وجعله

ص: 101

في أكثر آرائه بعيداً عما هو من غايته، مُدفعاً إلى ما ينزل عن حقه؛ حتى جاء رأيه الذي علمتَ في مذهب الصرفة دون قدره بل دون علمه، بل دون لسانه، وهو عندنا رأي لو قال به صبية المكاتب

وكانوا هم الذين افتتحوه وابتدعوه، لكان ذلك مذهباً من تخاليطهم في بعض ما يحاولونه إذا عمدوا إلى القول فيما لا يعرفون ليُوهِموا أنهم قد عرفوا!

وإلا فإن من سُلبَ القدرة على شيء بانصراف وهمِهِ عنه، وهو بعدُ قادر عليه مُقرِن له، لا يكون تعجيزه بذلك في البرهان إلا كعجزه هو عن البرهان، إذ كان لم يعجزه عدم القدرة.

ولكن أعجزه القدر وهو لا يغالب والمرء ينسى ويذكر، وقد يتراجع طبعه فترة لا عجزاً، وقد يعتريه السأم ويتخوَّنه الملال، فينصرف عن الشيء وهو له مطيق، وذلك ليس أحق بأن يسمى عجزاً من

أن يسمى تهاوناً، ولا هو أدخل فيما يحمل عليه الضعف منه فيما يحمل عليه فضل الثقة.

على أن القول بالصرفة هو المذهب الفاشي من لدن قال به النظام، يصوبه فيه قوم ويشايعه عليه آخرون، ولولا احتجاج هذا البليغ لصحته، وقيامه عليه، وتقلده أمره، لكان لنا اليوم كتب

ممتعة في بلاغة القرآن وأسلوبه وإعجازه اللغوي وما إلى ذلك، ولكن القوم - عفا الله عنهم - أخرجوا أنفسهم من هذا كله، وكفوها مؤنته بكلمة واحدة تعلقوا عليها، فكانوا فيها جميعاً كقول

هذا الشاعر الظريف الذي يقول:

كأننا والماء من حولنا

قومْ جلوس حولهم ماء. . . .

ولم نرَ أحداً فسَّر هذه الكلمة (الصرفة) كابن حزم الظاهري، فإنه قال في كتابه (الفِصل) في سبب الإعجاز:

"لم يقل أحد إن كلام غير الله تعالى معجز، لكن لما قالها لله تعالى وجعله كلاماً

له، أصاره معجزاً ومنع من مماثلته. . . قال: وهذا برهان كاف لا يحتاج إلى غيره ".

نقول: بل هو فوق الكفاية، وأكثر من أن يكون كافياً أيضاً؛ لأنه لما قاله ابن حزم وجعله رأياً له، أصاره كافياً لا يحتاج إلى غيره. .!

وهل يراد من إثبات الإعجاز للقرآن إلا إثبات أنه كلام الله تعالى؛

وعلى الجملة فإن القول بالصرفة لا يختلف عن قول العرب فيه:

(إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) .

وهذا زعئم رده الله على أهله وأكذَبهم فيه وجعل القول به ضرباً من العمى (أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) .

فاعتبر ذلك بعضه ببعضه فهو كالشيء الواحد.

أما الجاحظ فإن رأيه في الإعجاز كرأي أهل العربية، وهو أن القرآن في الدرجة العليا من البلاغة التي لم يعهد مثلها، وله في ذلك أقوال نشير إلى بعضها في موضعه غير أن الرجل كثير الاضطراب، فإن هؤلاء المتكلمين كأنما كانوا من عصرهم في مُنخُل. . . ولذلك لم يسلم هو

ص: 102

أيضاً من القول بالصرفة، وإن كان قد أخفاها وأومأ إليها عن عُرض، فقد سرد في موضع من كتاب (الحيوان) طائفة من أنواع العجز، وردها في العلة إلى أن الله صرف أوهام الناس عنها ورفع

ذلك القصد من صدورهم، ثم عد منها:" ما رَفعَ من أوهام العرب وصرف نفوسهم عن المعارضة لقرآنه بعد أن تحداهم الرسول بنُظمه "

وقد يكون استرسل بهذه العبارة لما في نفسه من أثر إستاذه،

وهو شيء ينزل على حكم الملابسة، ويعتري أكثر الناس إلا من تنبه له أو نبه عليه، أو هو يكون ناقلاً، ولا ندري.

. . . وبعض الفِرَق، فإنهم يقولون: إن وجه الإعجاز في القرآن هو ما اشتمل عليه من النظم الغريب المخالف لنظم العرب ونثرهم، في مطالعه ومقاطعه وفواصله؛ أي فكأنه بدعٌ من ترتيب الكلام لا أكثر.

وبعضهم يقول: إن وجه الإعجاز في سلامة ألفاظه مما يَشين اللفظَ: كالتعقيد والاستكراه ونحوهما مما عرفه علماء البيان، وهو رأي سخيف يدل على أن القائلين به لم يُلابسوا صناعة المعاني.

وآخرون يقولون: بل ذلك في خُلُؤه من التناقض واشتماله على المعاني الدقيقة.

وجماعة يذهبون إلى أن الإعجاز مجتمع من بعض الوجوه التي ذكرناها كثرة أو قلة، وهذا الرأي حسن في ذاته، لا لأنه الصواب، ولكن لأنه يدل على أن كل وجه من تلك الوجوه ليس في نفسه الوجه المتقبَّل.

أما الرأي المشهور في الإعجاز البياني الذي ذهب إليه عبد القادر الجُرجاني صاحب (دلائل الإعجاز) المتوفى سنة 471 هـ (وقيل 474 هـ) فكثير من المتوسمين بالأدب يظنون أنه أول من

صنف فيه ووضع من أجله كتابه المعروف، وذلك وهم، فإن أول من جوَّد الكلام في هذا المذهب وصنف فيه، أبو عبد الله محمد بن يزيد الواسطي المتولى سنة 306 هـ، ثم أبو عيسى الرمّاني المتوفى سنة 382 هـ، ثم عبد القادر، وهذا الرأي كان هو السبب في وضع علم البيان، كما نبسطه

في موضعه من تاريخ آداب العرب إن شاء الله.

ص: 103

ومذهب آخر لطائفة من المتأخرين: وهو أن وجه الإعجاز ما تضمنه القرآن من المزايا الظاهرة والبدانع الرائقة، في الفواتح والمقاصد والخواتيم في كل سورة وفي مبادئ الآيات

وفواصلها قالوا: والمعول على ثلاث خواص:

(1)

الفصاحة في ألفاظه كأنها السَّلسال.

(2)

البلاغة في المعاني بالإضافة إلى مضرب كل مثل ومساق كل قصة وخبر في الأوامر والنواهي وأنواع الوعيد ومحاسن المواعظ والأمثال وغيرها مما اشتمل عليه؛ فإنها مسوقة على أبلغ سياق.

(3)

صورة النظم، فإن كل ما ذكره من هذه العلوم مَسُوق على أتم نظام وأحسنه وأكمله.

ومحصل هذا المذهب أن الإعجاز في القرآن كله لأن القرآن كله معجز. . وهو معجز لأنه

ولجماعة من المتكلمين وأهل التقسيمات المنطقية على اختلاف بينِهم شُبَة ومَطاعن يوردونها على القرآن. وهي نحو عشرين وجهاً، كلها سخيف ركيك وكلها واهٍ مضطرب، وكلها غَث بارد،

منها قولهم: إن معارضته التي يُقطع بأنها مستحيلة، حاصلة فعلاً: فإن الله يقول: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)

قالوا: وكل من قرأ سورة منه فقد أتى بمثلها، أي لأن

من قرأها مثل التي هي في المصحف حرفاً حرفاً لا تختلف ولا تزيد ولا تنقص. . . فصار الإعجاز عند العلماء من المتأخرين يثبت بنفي هذه الشبَه ونقضها، لأن سقوط الشبهة الواردة على الدليل،

هو نفسه دليل صحته.

وهذا برهان لم يكن لهم بدَّ منه؛ فإن إنكار الإعجاز لم يقل به أحد من المتأخرين؛ وإنَّما وقع إليهم على هيئته في كتب الكلام وكتب التفسير التي يدرسونها؛ فهو رأيْ ميت، لو أنكروه

بكل دليل في العلم لم يزده ذلك موتاً في الأرض ولا في السماء.

تلك هي أصولُ الأدلة لمن يقولون بالإعجاز، لا نظن أنه فاتنا منها شيء إلا أن يكون

ص: 104