المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وقد أخذت على الأرض ذنبَها، واستأذنت في صدمة الفزع ربها، - إعجاز القرآن والبلاغة النبوية للرافعي

[مصطفى صادق الرافعي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌القُرآن

- ‌فصل

- ‌تاريخ القُرآنجمعُه وتدوينه

- ‌القراءة وطرق الأداء

- ‌القُرَّاء

- ‌وُجوه القِرَاءة

- ‌قراءة التَلحِيْن

- ‌لغة القرآن

- ‌الأحرف السَّبعة

- ‌مفردات القرآن

- ‌تأثير القرآن في اللغة

- ‌الجنسيَّة العربية في القرآن

- ‌آدابُ القرآن

- ‌القرآن والعلوم

- ‌سرائر القرآن

- ‌تفسير آية

- ‌إعجاز القرآن

- ‌فصل

- ‌الأقوال في الإعجاز

- ‌مؤلفاتهم في الإعجاز:

- ‌حقيقة الإعجاز

- ‌التحدي والمعارضة:

- ‌أسلوبُ القرآن

- ‌نظمُ القرآن

- ‌الحروف وأصواتها

- ‌الكلمات وحُروفها

- ‌الجمل وكلماتها

- ‌(فصل)غرابة أوضاعه التركيبية

- ‌(فصل)البلاغة في القرآن

- ‌(فصل)الطريقة النفسية في الطريقة اللسانية

- ‌(فصل)إحكام السياسة المنطقية على طريقة البلاغة

- ‌الخاتمة

- ‌البلاغة النبوية

- ‌(فصل)

- ‌فصاحته صلى الله عليه وسلم

- ‌صفته صلى الله عليه وسلم

- ‌إحكام منطقه صلى الله عليه وسلم

- ‌اجتماع كلامه وقلته صلى الله عليه وسلم

- ‌نفي الشعر عنه صلى الله عليه وسلم

- ‌تأثيره في اللغة صلى الله عليه وسلم

- ‌نسق البلاغة النبويَّة

- ‌(فصل)الخلوص والقصد والاستيفاء

الفصل: وقد أخذت على الأرض ذنبَها، واستأذنت في صدمة الفزع ربها،

وقد أخذت على الأرض ذنبَها، واستأذنت في صدمة الفزع ربها، فكادت ترجف الراجفة تتبعها

الرادفة: وإنَّما هي عند ذلك زجرة واحدة: فإذا الخلق طعام الفناء وإذا الأرض " مائدة ".

* * *

توهموا السحر ما توهموه، فلما أنزل الله كتابه قالوا: هذا هو السحر المبين. وكانوا يأخذون في ذلك بباطن الظن فأخذوا هذا بحق اليقين (أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15) .

ومن الشعر ما تسمعونه أم أنتم لا تسمعون؛ بل إنه لسحر يغلب حتى يفرق بين المرء وعادته، وينفذ حتى ينصرف

بين القلب وإرادته. ويجري في الخواطر كما تصعد في الشجر قطرات الماء، ويتصل بالروح فإنما

يمد لها بسبب إلى السماء، وإنَّه لسحر، إذ هو ألحاظ لم تعهد كلم أحداقها، وثمرات لم تنبت في قلم أوراقُها، ونوز عليه رونَقُ الماء فكأنما اشتعلت به الغيوم، وماء يتلألأ كالنور فكأنما عصر من

النجوم (1) ، وبلى إنه لشعر ولكن زنة مبانيه في معانيه، وزينة معانيه في مبانيه، فكل معنى ولا جرم

من بحر، وكل لفظ كلؤلؤة في النحر، وإنَّه لشعر، إذ هو آيات لا يجانس كلامها البديعُ غيرَ كمالها، وحقيقة في الوجود لم يكن يعرت غير خيالها، ومرآة في يد الله تقابل كل روح بمثالها.

* * *

يقولون مجنون بعض آلهتنا اعتراه، وأساطير الأولين اكتتبها أم يقولون افتراه، بلى إن العقل الكبير في كماله ليتمثلُ في العقول الصغيرة كأنه جنون، وإن النجم المنير فوق هلاله ليظهر

في العيون القصيرة كأنه نقطة فوق نون، وهل رأوا إلا كلاماً تضيء ألفاظه كالمصابيح، فعصفوا عليه بأفواههم كما تعصف الريح يريدون أن يطفئوا نور الله وأين سراجُ النجم من نفخة ترتفع إليه

كأنما تذهب تُطفيه، ونور القمر من كف يحسب صاحبها أنها في حجمه فيرفعها كأنما يخفيه!

وهيهات هيهات دون ذلك درْجُ الشمس وهي أم الحياة في كفَن، وإنزالها بالأيدي وهي روح النار في قبر من كهوف الزمن.

لا جَرَمَ أن القرآن سر السماء فهو نور الله في أفق الدنيا حتى تزول.

ومعنى الخلود في دولة الأرض إلى أن تدول، وكذلك تمادى العرب في طغيانهم يعمهون، وظلت آياته تلقف ما يأفكون،

فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون.

‌فصل

وبعد، فإنا سنقول في القرآن الكريم مما يتعلق بلغته ويتصل ببلاغته ويكشف عن أوجه الإعجاز في ذلك، لا ننفذ في غير سبب لما نحن بسبيله، ولا نذهب في الكلام عن نتيجة من

(1) المراد بهذا الفصل تصوير ما يناسب التخييل السحري كما أن الفصل الذي يليه يرمي إلى ما يتعلق بمثل ذلك في الشعر.

ص: 24

نتائجه.

ولا يكون من شأننا أن نتزيد بما ينزل من غرضنا منزلة القافية، أو نتكثر مما وراءه بمثبتة أو نافية، فإن هذا القرآن ما زال يهدي للتي هي أقوم، وإن النول فيه ما برح كثير المذاهب متعدد

الجهات متصل الحدود يفضي بعضها إلى بعض، إذ هو كتاب السماء إلى الأرض مُستقرا ومُستودعاً، وقد جاء بالإعجاز الأبدي الذي يشهد على الدهر ويشهد الدهر عليه، فما من جهة من

الكلام وفنونه إلا وأنت واجد إليها متوَجهاً فيه، وما من عصر إلا وهو مقلب صفحة منه حتى

لتنتهي الدنيا عند خاتمته فإذا هي خلاءُ " من الجنة والناس ".

ولقد أراد الله أن لا تضعف قوة هذا الكتاب، وأن لا يكون في أمره على تقادم الزمن خَضغ أو تَطامن، فجاءت هذه القوة فيه بأسبابها المختلفة على مقدار ما أراد، وهي قوة الخلود

الأرضي التي خرج بها القرآن مخرج الشذوذ الطبيعي، فلا سبيل عليه ليد الزمن وحوادثه مما تُبليه أو تستجدُّه، إنما هو روحٌ من أمر الله تعالى هو نزله وهو يحفظه، وقد قال سبحانه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) .

(فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) .

بَيدَ أنه لا بد لنا من صدر نبتدئ به القولَ في تاريخه وجمعه وتدوينه وقراءته حتى تكون هذه سبباً إلى الكلام في لغته وبلاغته، ثم إعجازه في اللغة والبلاغة، لأن بعض ذلك يريد بعضه،

ونحن نستعين الله ونستمده ونستكفيه، فإن في يده مفتاحَ هذا الباب المغلق وما زال الناس قديماً يأخذون في ناحيته ويختلفون إليه ويعتزمون في ذلك. وقليل منهم من وصل. وقليل من هؤلاء من

اتصل، فاللهم عَونَكَ وتيسيرَك.

ص: 25