الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التنبيه الثاني عشر
في صفحة 138 ذكر المؤلِّف قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم"، ثم فسر المغرم في الحاشية بأن المرادَ به الذنوب والمعاصي.
وأقول هذا قول ضعيف جدًّا، ذكَرَه ابن الأثير في "النهاية"، وتبعه ابن منظور في "لسان العرب"، ولم يعرج على ذلك غيرهما من أئمة اللغة فيما علمت، ولم يعرِّج عليه أيضًا ابن الأثير في "جامع الأصول"، وعلى هذا القول الضعيف يكون معنى المأثم والمغرم واحدًا، ولا يكون للعطف فائدة، ومن المعلوم أن العطفَ يقتضي المغايرة، والصَّحيحُ أن المراد بالمغرم ها هنا الغرم وهو الدين، قال الجوهري: الغرامة ما يلزم أداؤه، وكذلك المغرم والغرم.
وقال ابن الأثير في "جامع الأصول": المغرم بأن يلتزم الإنسان ما ليس عليه، كمَن يَتَكَفَّل إنسانًا بدين فيزنه عنه، وقال الراغب الأصفهاني: الغرم ما ينوب الإنسان في ماله من ضَرر لغير جناية، يقال: غرم كذا غرمًا ومغرمًا، وقال النووي في شرح مسلم: المغرم معناه: الغرم، وهو الدَّين.
وقال ابن حجر في "فتح الباري": المغرم الدَّين، يقال: غرِم - بكسر الراء - أي: ادَّان
…
قال: وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من غلبة الدين، قلتُ: وفي الحديث الذي ساق الشيخ الألباني بعضه ما يُبَيِّن أن المراد بالمغرم الدين، ففي الصحيحين، وسنني أبي داود والنسائي عن عائشة
- رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم))، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! فقال: ((إن الرجل إذا غرم حدَّث فكذب، ووعد فأخلف))، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": والمراد أن ذلك شأن من يستدين غالبًا؛ انتهى.
وفي "صحيح مسلم" عن أبي اليسر كعب بن عمرو رضي الله عنه قال: كان لي على فلان بن فلان الحزامي [الحرامي] مالٌ، فأتيت أهله فسلَّمْت، فقلت: ثمَّ هو؟ قالوا: لا، فخرج علي ابن له جفر، فقلْتُ له: أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمي، فقلت: اخرج إليّ فقد علمت أين أنت، فخرج فقلت: ما حملك على أن اختبأت مني؟ قال: أنا والله أحدثك ثم لا أكذبك، خشيتُ والله أن أحدثك فأكذبك، وأن أعدك فأخلفك، وكنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنتُ والله معسرًا.
وذكر تمام الحديث، والمقصود منه قوله: خشيتُ والله أن أحدثك فأكذبك، وأن أعدك فأخلفك، فهذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختبأ من غريمه؛ من أجل إعساره؛ خوفًا منَ الوُقُوع في الكذب وإخلاف الوعد، والذي خشي منه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتعوَّذ في صلاته من انعقاد