الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سببه وهو الغرم، والله أعلم.
والحكمة في جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المأثم والمغرم: أن المأثم يوجب خسارة الآخرة، والمغرم يوجب خسارة الدنيا، أفاد ذلك العلَاّمة ابنُ القيِّم - رحمه الله تعالى - والله الموفق.
التنبيه الثالث عشر
قال المؤلِّف في آخر النبذة ما نصه: "تنبيه هام: أن رسالة الصلاة المنسوبة إلى الإمام أحمد رضي الله عنه والتي أعيد طبعها مرارًا، قد ثبت لدينا أنه لا تصح نسبتها إلى الإمام أحمد، بل قال الحافظ الذهبي فيها: أخشى أن تكون موضوعة، وسننشر تحقيقنا في ذلك قريبًا - إن شاء الله تعالى - وعليه، فلا يغتر أحد بما جاء فيها من المخالفة لكتابنا هذا". اهـ.
وأقول: هذا تنبيه غريبٌ جدًّا، وجراءة غير محمودة، ولقد شان المؤلف نبذته بهذا التنبيه المتوهم، وأظنه أراد بذلك دفْع ما قرره الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - في رسالته من تقديم الرُّكبتين قبل اليدين في السجود؛ لأنه مخالِفٌ لما رآه وقرَّره في نبذته، وقد تقَدَّمَ كلام الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - بِحُرُوفه في التنبيه الثامن، فليراجع.
وكلام الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - هو حق بلا ريب، ودليله حديث وائل بن حجر، وحديث أنس، وحديث أبي هريرة أيضًا بدون الزيادة التي رواها الدراوردي كما تقدَّم إيضاح ذلك.
وأما قولُ صاحب النبذة: أنه ثبت لديه أنه لا تصِحُّ نِسْبة الرسالة إلى الإمام أحمد، فهو مجرَّد دعوى لا دليل عليها، ويا ليت شعري: هل شهد عنده رجال مرضيون أن مهنا بن يحيى الشامي وضعها، ونسبها إلى الإمام أحمد، أو وضعها من دون مهنا من رواتها، أو وضعها صاحب "طبقات الحنابلة" القاضي أبو الحسين بن القاضي أبي يعلى بن الفرَّاء؟!
وإذا لم يثبت عنده الوضْع بشهادة العدول، فهل في الرِّسالة ما يخالف قول الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - في الأصول أو في الفروع حتى يستدل بذلك على أنها موضوعة أو محرَّفة بالزيادة والنقصان؟! وإذا كان كل هذا معدومًا، فلا دليل له إلا الرَّجم بالغيب، والقول بغير علم.
فإن قال: إن الدليل على ذلك قول الذهبي فيها: "وأخشى أن تكون موضوعة ".
فالجواب عنه من وجوه:
أحدها: أن الذهبي - رحمه الله تعالى - قد حماه الله بالورع، فلم يجزم بالوضع بغير دليل كما فعل صاحب النبذة، وإذا كان الذهبي لم يجزمْ بالوضع، فأي متعلق لصاحب النبذة في قوله؟!
الثاني: لو قدرنا أن الذهبي جزم بذلك، فجزمه غير مقبول إلا ببينة.
الثالث: أن الشيخ الموفق أبا محمد بن قدامة المقدسي - رحمه الله تعالى - قد نقل من الرسالة في كتابه المغني جازمًا بنسبتها
إلى الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - ولم يعب ذلك عليه أحد لا من الحنابلة ولا من غيرهم.
وقد نقل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" ما نقله صاحب المغني وأقره.
وكذلك الشيخ عبدالرحمن بن أبي عمر نقل في كتابه "الشرح الكبير" من الرسالة جازمًا بنسبتها إلى الإمام أحمد، وكذلك العلامة الحافظ ابن القيم - رحمه الله تعالى - نقل منها في كتاب الصلاة جازمًا بنسبتها إلى الإمام أحمد، ولما انتهى ما نقله قال بعده: هذا كله كلام أحمد، ونقل من مضمونها في موضع آخر، ثم قال: وقد احتج أحمد بهذا بعينه.
وكذلك الشيخ محمد بن مفلح قد نقل منها في كتاب الفروع جازمًا بنسبتها إلى الإمام أحمد، وكذلك غيرهم من أئمة الحنابلة، ولا نعلم أحدًا عاب على هؤلاء الأئمة الأعلام لا في نقلهم منها، ولا في نسبتهم لها إلى الإمام أحمد - رحمه الله تعالى.
وقد قرَّر الأصوليون أن المثبِت مقدَّم على النافي، هذا إذا كان كل منهما جازمًا في دعواه، وأما مَن لم يجزم فلا عبرة بقوله، وهؤلاء الأئمة من أكابر الحنابلة قد جزموا بنسبة الرسالة إلى الإمام أحمد، وهم أعلم بكلام إمامهم وكتبه ومذهبه ممن سواهم من أهل المذاهب، وقد تلقَّاها من قبلهم ومن بعدهم من الحنابلة وغيرهم من أهل العلم جيلاً بعد جيل، جازمين بنسبتها إلى الإمام أحمد، ولم يقدح فيها أحد، لا من الحنابلة ولا من غيرهم، حتى جاء الشيخ الألباني في آخر القرن الرابع عشر، فقدح فيها وفي نِسبتها إلى مُصَنِّفها بغير مستند يسوغ به القدح، ولو استجاز الناس
ما استجازه الشيخ الألباني لأوشك أن تنكر كتب السلف أو أكثرها؛ لأن كثيرًا منها لم تبقَ أسانيدها متصلة إلى اليوم، وإنما تعرف بالنسبة والاستفاضة والتلقِّي جيلاً بعد جيل، وكذلك غالب كُتُب العلماء بعدهم ليس لها أسانيد متصلة، وإنما تعرف بالتلقِّي والنسبة والاستفاضة، وتناسب كلام المصنف والْتِئام بعضه مع بعض، وما زال أهل العلم يكتفون في نسبة الكتب إلى مصنفيها بمجرد التلقِّي والاستفاضة، وينكرون منها ما لم يلتئم مع كلام المنسوب إليه، وما كان مخالفًا لأقواله في الأصول أو في الفُرُوع.
ومَن تأمَّل رسالة الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - وجدها ملائمة لكلامه وموافقة لمذهبه، ومن أنكرها أو أنكر شيئًا منها لذلك لقلة علمه بكلام أحمد ومذهبه، وأن العجب لا ينقضي من سوء جراءة الشيخ الألباني وإقدامه على القدح في تلك الرسالة الجليلة بغير برهان، فالله المستعان وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
وقد وقع الفراغ من تسويد هذه التنبيهات في أثناء سنة 1376، ثم كان الفراغ من كتابة هذه النُّسخة في يوم الجمعة سادس عشر ربيع الأول سنة 1382 على يد كاتبها وجامعها الفقير إلى الله تعالى حمود بن عبدالله التويجري، غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
تم بحمد الله