الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الجامع؛ لأنه حالة قيام في الصلاة، فأشبه ما قبل الرُّكوع، قال: وذكر في المذهب والتلخيص أنه يرسلهما بعد رفعه، وذكر في الرِّعاية أنَّ الخلافَ هنا كحالة وضعهما بعد تكبيرة الإحرام؛ انتهى.
ومنَ المعْلُوم عند العلماء كافَّة ما كان عليه الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - من مزيد التمسك بالآثار، والبُعد عن البدَع والضلالات، وقد قال في هذه الرواية بالتخيير بين إرسال اليدين في القيام بعد الركوع، وبين وضْع اليمين على الشمال، والقول بالوضع هو الصَّواب لعُمُوم حديث وائل الذي ذكرنا، والله أعلم.
التنبيه السادس
قال المؤلِّف في صفحة 100 ما نصه: "وكان أحيانًا يرفع يديه إذا سجد". اهـ، وقال أيضًا في صفحة 162 ما نصه:"وكان يرفع يديه مع هذا التكبير أحيانًا". اهـ، يعني به: التكبير عند الرفع من السجود، وقال مثل ذلك في صفحة 115، وقال أيضًا في صفحة 133 ما نصه:"وكان يرفع يديه مع هذا التكبير أحيانًا". اهـ، يعني به: التكبير عند القيام من السجود إلى الركعة الرابعة.
وجميع ما ذكره في هذه المواضع مَرْدُود بالحديث المتَّفق
على صحته عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في السجود"؛ رواه مالك، والشيخان، وأهل السنن، وفي رواية للبخاري والنسائي:"ولا يفعل ذلك حين يسجد، ولا حين يرفع رأسه من السجود"، وفي رواية للشافعي، وأحمد، ومسلم:"ولا يرفعهما بين السجدتين"، ورواه أهل السنن بهذا اللفظ، وقال التِّرْمذي: حديثٌ حسَن صحيح، وفي رواية لمسلم:"ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود".
ورَوى الإمامُ أحمد أيضًا في مُسنده، والبخاري في جزء رفع اليدين، وأبو داود، والترمذي، والدارقطني، وفي سُننهم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنه كان لا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد"، قال التِّرْمذي: حديث حسن صحيح، وصحَّحه أيضًا: أحمد، والبخاري، وابن خُزَيمة، وابن حبَّان.
وروى الدارقطني أيضًا، والبيهقي من طريق حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس، عن حطان بن عبدالله، عن أبي موسى الأشْعري رضي الله عنه قال: هل أريكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبَّر ورفع يديه، ثم كبر ورفع يديه للركوع، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم رفع يديه، ثم قال هكذا فاصنعوا، ولا يرفع بين السجدتين.
وقد وردت أحاديث كثيرة صحيحة أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا أراد أن يركع، وإذا أراد رفع رأسه من الركوع، وفي بعضها أنه كان يفعل ذلك إذا قام من التشهُّد الأول، وكلها توافق حديث ابن عمر، وعلي، وأبي موسى رضي الله عنهم وترد
الروايات الشاذة أنه كان يرفع يديه في السجود والرفع منه.
قال العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى - في الهدي: روي عنه - يعني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفعهما - أي: يرفع يديه إذا خرَّ للسجود - وصححه بعض الحفاظ كأبي محمد بن حزم، وهو وَهْمٌ فلا يصح ذلك عنه ألْبتة، والذي غره أن الراوي غلط من قوله: وكان يكبر في كل خفض ورفع إلى قوله: كان يرفع يديه عند كل خفض ورفع، وهو ثقة ولم يفطن لسبب غلط الراوي، ووهمه فصححه.
وقال صاحب القاموس في كتابه "سفر السعادة": الذي ورد في بعض الأحاديث: أنه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع سهو، والرواية الصحيحة: أنه كان يكبر في كل خفض ورفع؛ انتهى.
وقد جاء في رفع اليدين في السجود وفي كل خفض ورفع أحاديث ضعيفة جدًّا، منها ما رواه الإمام أحمد، وابن ماجه من حديث إسماعيل بن عياش، عن صالح بن كيسان، عن عبدالرحمن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبِّر ويفتتح الصلاة، وحين يركع، وحين يسجد، وإسماعيل بن عياش فيه مقال.
قال النسائي: ضعيف، وقال مُسلم في مُقدِّمة صحيحه: حدثنا عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي، أخبرنا زكريا بن عدي، قال: قال لي أبو إسحاق الفزاري: لا تكتب عن إسماعيل بن عياش ما روى عن المعروفين ولا عن غيرهم، وقد وثَّقَه أحمد، وابن معين، ودحيم، والفلاس، والبخاري، والفسوي، وابن عدي، في أهل الشام،
وضعفوه في الحجازيين.
وذكر البَيْهقي عن البخاري أنه قال: إسماعيل مُنكر الحديث عن أهل الحجاز وأهل العراق، وقال الطبراني في "معجمه الصغير": حدَّثَنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: سمعْتُ يحيى بن معين يقول: إسماعيل بن عياش ثقة فيما روى عن الشاميين، وأما روايته عن أهل الحجاز فإنَّ كتابه ضاع، فخلط في حفظه عنهم.
وقال دحيم: هو في الشاميين غاية، وخلط عن المدنيين، وقال عمرو بن علي: إذا حدث عن أهل بلاده فصحيح، وإذا حدث عن أهل المدينة فليس بشيء.
قلتُ: وهذا الحديث من روايته عن أهْلِ المدينة، فالحديثُ لذلك ضعيفٌ، والمحفوظ عن أبي هريرة رضي الله عنه ما رواه أبو داود من حديث أبي بكر بن عبدالرحمن - كما سيأتي قريبًا إن شاء الله.
ومنها ما رواه الإمام أحمد أيضًا من حديث إسماعيل بن عياش، عن صالح بن كيسان، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه والكلام في هذا الحديث مثل الكلام في الذي قبله، والمحفوظ عن ابن عمر رضي الله عنهما نفْي الرَّفْع في السجود - كما تقدَّم قريبًا.
ومنها ما رواه ابن ماجَهْ من حديث رفدة بن قضاعة الغساني: حدثنا الأوزاعي، عن عبدالله بن عبيد بن عمير، عن أبيه، عن جده عمير بن حبيب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة، قال النسائي: رفدة بن قضاعة
ليس بالقوي، وقال البخاري: في أحاديثه مناكير، وقال أيضًا: لا يتابع في حديثه، وقال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال الدارقطني: متْروك، وقال الإمام أحمد: لا أعرف رفدة.
وعبدالله بن عبيد قيل: لم يسمع من أبيه، قال الإمام أحمد، ويحيى بن معين في هذا الحديث: ليس بصحيح، ولا يعرف عبدالله بن عبيد بن عمير يحدث عن أبيه شيئًا، ولا عن جده.
ومنها ما رواه ابن ماجه أيضًا من حديث عمر بن رباح، عن عبدالله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند كل تكبيرة، قال البخاري: - رحمه الله تعالى -: حدَّثني عمرو بن علي - يعني الفلاس - قال: عمر بن رباح أبو حفص الضرير البصري عن ابن طاوس دجال، وقال النسائي: متروك الحديث.
ومنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه من حديث ابن لَهيعة، عن ابن هُبيرة، عن ميمون المكي: أنه رأى ابن الزبير عبدالله، وصلى بهم يشير بكفه حين يقوم، وحين يركع، وحين يسجد، وحين ينهض للقيام، فيقوم فيشير بيديه، قال: فانطلقت إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقلت له: إني قد رأيت ابن الزبير صلى صلاة لم أرَ أحدًا يصليها، فوصف له هذه الإشارة، فقال: إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتد بصلاة ابن الزبير.
ابن لَهيعة قال فيه يحيى بن معين: ليس بالقوي، وقال أيضًا: هو ضعيف قبل أن تحترق كتبه وبعد احتراقها،
وقال يحيى أيضًا وأبو زرعة: لا يحتج به، وقال النسائي: ضعيف، وقال البخاري: حدثنا محمد، حدثنا الحميدي، عن يحيى بن سعيد أنه كان لا يراه شيئًا، وقال مسلم: تركه وكيع، ويحيى القطان، وابن مهدي، وميمون المكي مَجْهُول.
ومنها ما رواه أبو داود، والنَّسائي في سُننيهما من حديث النَّضْر بن كثير - يعني السَّعْدي - قال: صلى إلى جنبي عبدالله بن طاوس في مسجد الخيف، فكان إذا سجد السجدة الأولى فرفع رأسه منها، رفع يديه تلقاء وجهه فأنكرت ذلك، فقلت لوهيب بن خالد، فقال له وهيب: تصنع شيئًا لم أرَ أحدًا يصنعه، قال ابن طاوس: رأيت أبي يصنعه، وقال أبي: رأيت ابن عباس يصنعه، ولا أعلم إلا أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه.
قال المنذري في "تهذيب السنن": النضر بن كثير أبو سهل السعدي البصري ضعيف الحديث، وقال الحافظ أبو أحمد النيسابوري: هذا حديثٌ منكر من حديث ابن طاوس، قلْتُ: وقال أبو حاتم في النضر بن كثير: فيه نظر، وقال البخاري: عنده مناكير، وقال ابن حبَّان: يروي الموضوعات عن الثقات، لا يجوز الاحتجاج به بحال.
إذا علم ما ذكرنا، فأصح ما رأيته في هذا الباب ما رواه النسائي في سننه: أخبرنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في صلاته، وإذا ركع،
وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من السجود، حتى يحاذي بهما فروع أذنيه.
حدثنا محمد بن المثنى، قال حدثنا عبدالأعلى، قال حدثنا سعيد، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه
…
فذكر مثله.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدَّثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في الصلاة
…
فذكر نحوه، وزاد فيه: وإذا ركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من السجود فعل مثل ذلك.
وهذه روايات شاذة انفرد بإخراجها النسائي، وقد رواها الأئمة بدون ذكر الزيادة الشاذة، فأما حديث شعبة فقال البخاري - رحمه الله تعالى - في جزء رفع اليدين: حدثنا أبو الوليد هشام بن عبدالملك وسليمان بن حرب، قالا: حدَّثَنا شعبة، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.
وقال البخاري أيضًا: حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا شعبة، حدثنا قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع حذاء أذنيه.
وقال أبو داود في سننه: حدثنا حفص بن عمر، أخبرنا شعبة، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع حتى يبلغ بهما فروع أذنيه.
وقال النسائي في سننه: أخبرنا محمد بن عبدالأعلى، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، قال: سمعت نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع يديه حين يكبر حيال أذنيه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.
وروى الدارقطني في سننه من طريقين: عن عبدالرحمن بن مهدي، حدثنا شعبة، عن قتادة
…
فذكر نحو ما تقدم، فهؤلاء ستة من الأئمة الأثبات، رووا حديث شعبة لم يذكروا ما ذكره ابن أبي عدي عنه من رفع اليدين إذا سجد، وإذا رفع رأسه من السجود.
وأما حديث سعيد بن أبي عروبة، فرواه مسلم في صحيحه: عن محمد بن المثنى، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، وليس فيه ذكر رفع اليدين إذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود، وقال البخاري - رحمه الله تعالى - في جزء رفع اليدين: حدثنا خليفة بن خياط، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد، عن قتادة، أن نصر بن عاصم حدثهم، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع حتى يحاذي بهما فروع أذنيه.
وقال النسائي في سننه: أخبرنا إسماعيل بن مسعود، قال: حدثنا يزيد - وهو ابن زريع - قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، أنه حدثهم، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع حتى يحاذي بهما فروع أذنيه.
قال النَّسائي: يزيد بن زريع من أثبت أصحاب سعيد بن أبي عروبة، وقال النسائي أيضًا: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن أبي علية، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل في الصلاة رفع يديه، وحين ركع، وحين رفع رأسه من الركوع حتى حاذى فروع أذنيه.
وقال النسائي أيضًا: أخبرنا علي بن حجر، قال: أنبأنا إسماعيل، عن سعيد، عن قتادة، عن نصر بن عاصم الليثي، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع حتى بلغتا فروع أذنيه.
فهؤلاء ثلاثة من الأئمة الأثبات رووا حديث سعيد بن أبي عروبة، ولم يذكروا ما ذكره عبدالأعلى من رفع اليدين إذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود.
وأما حديث هشام الدستوائي، فقال ابن ماجه في سننه: حدَّثَنا حميد بن مسعدة، حدَّثَنا يزيد بن زريع، حدثنا هشام، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يجعلهما قريبًا من أذنيه، وإذا ركع صنع مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع صنع مثل ذلك، فهذا يزيد بن زريع، وهو منَ الحفاظ الأعلام روى حديث هشام الدستوائي، ولم يذكر ما ذكره معاذ عن أبيه من رفع اليدين إذا رفع رأسه من السجود.
ويزيد ومعاذ ليسا سواء عند أهل العلم بالرجال؛ أما يزيد، فقال فيه ابن معين: ثقة مأمون، وقال أبو حاتم: ثقة إمام، وقال الإمام أحمد: ما أتقنه! ما أحفظه! وأما معاذ فقال فيه ابن معين: صدوق، ليس بحجة، وقال ابن عدي: له حديث كثير، ربما يغلط، وأرجو أنه صَدُوق.
وبما ذكرنا يعلم شذوذ رواية ابن أبي عدي عن شعبة، ورواية عبدالأعلى عن سعيد بن أبي عروبة، ورواية معاذ بن هشام، عن أبيه، ومما يدل على شذوذ رواياتهم أيضًا ما رواه حماد بن سلمه وأبو عوانة عن قتادة.
فأما حديث حماد بن سلمة فقال البخاري - رحمه الله تعالى - في جزء رفع اليدين: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة، أنبأنا قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه إلى فروع أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثله.
وأما حديث أبي عوانة، فقال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو كامل الجحدري، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك
بن الحويرث رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع فقال:((سمع الله لمن حمده)) فعل مثل ذلك، وقد رواه الدارقطني في سننه: عن عبدالله بن عبدالعزيز، عن أبي كامل فذكره بنحوه.
فهذا هو المحفوظ عن قتادة، ليس فيه ذكر رفع اليدين إذا سجد، وإذا رفع رأسه من السجود، ومما يدل على شذوذ الرواية بذلك أيضًا ما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث خالد الحذاء، عن أبي قلابة: أنه رأى مالك بن الحويرث رضي الله عنه إذا صلى كبر، ورفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع هكذا.
فهذه الرِّواية المتَّفق على صحتها توافق ما رواه الأئمة الأثبات من حديث قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه وترد ما شذ به من شذ عنهم، والعمدة في حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه على هذه الرواية، وعلى ما وافقها، وأيضًا فإن الروايات التي فيها ذكر الرفع في السجود، والرفع منه قد عنعنها قتادة، وهو مدلِّس، وهذه علة أخرى غير الشذوذ، والله أعلم.
ومِن أصح ما رأيتُ أيضًا في رفع اليدين عند الرفع من السجود ما رواه أبو داود في سننه: حدثنا عبيدالله بن عمر بن ميسرة،
حدثنا عبدالوارث بن سعيد، حدثنا محمد بن جحادة، حدثني عبدالجبار بن وائل بن حجر، قال: كنتُ غلامًا لا أعقل صلاة أبي، فحدثني علقمة بن وائل، عن أبي حجر رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا كبر رفع يديه، قال: ثم التحف، ثم أخذ شماله بيمينه، وأدخل يده في ثوبه، قال: فإذا أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه ثم سجد، ووضع وجهه بين كفيه، وإذا رفع رأسه من السجود أيضًا رفع يديه، حتى فرغ من صلاته، قال محمد: فذكرت ذلك للحسن بن أبي الحسن، فقال: هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله من فعله، وتركه من تركه.
قال أبو داود: روى هذا الحديث همام، عن ابن جحادة لم يذكر الرفع مع الرفع من السجود، قلت: وحديث همام رواه مسلم في صحيحه عن زهير بن حرب، حدثنا عفان، عن حدثنا همام، حدثنا محمد بن جحادة، حدثني عبدالجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل ومولى لهم أنهما حدثاه، عن أبيه وائل بن حجر رضي الله عنه: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر - وصف همام حيال أذنيه - ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما، ثم كبر فركع، فلما قال:((سمع الله لمن حمده))، رفع يديه، فلما سجد سجد بين كفيه.
وقد روي حديث علقمة من وجه آخر، وليس فيه ذكر الرفع
إذا رفع من السجود، قال البخاري - رحمه الله تعالى - في جزء رفع اليدين: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، أنبأنا قيس بن سليم العنبري، قال: سمعتُ علقمة بن وائل بن حجر، حدثني أبي، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكبر حين افتتح الصلاة ورفع يديه، ثم رفع يديه حين أراد أن يركع وبعد الركوع؛ إسناده صحيح على شرط مُسلم.
وقد رواه النسائي في سننه، عن سويد بن نصر، عن عبدالله بن المبارك، عن قيس بن سليم، فذكره بنحوه، وإسناده جيد.
وروي هذا الحديث أيضًا من وجه آخر عن وائل رضي الله عنه وليس فيه ذكر الرفع إذا رفع من السجود، قال البخاري - رحمه الله تعالى - في جزء رفع اليدين: حدثنا محمد بن مقاتل، أنبأنا عبدالله - يعني ابن المبارك - أنبأنا زائدة بن قدامة، حدثنا عاصم بن كليب الجرمي، حدثنا أبي، أن وائل بن حجر رضي الله عنه أخبره، قال: قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يُصَلي، قال: فنظرت إليه، قال: فكبر ورفع يديه، ثم لما أراد أن يركع رفع يديه مثلها، ثم رفع رأسه فرفع يديه مثلها، إسناده جيد، وقد رواه النسائي في سننه عن سويد بن نصر، عن عبدالله بن المبارك، ورواه البخاري أيضًا من حديث ابن إدريس، عن عاصم بن كليب، ورواه النسائي أيضًا والدارقطني من حديث سفيان، عن عاصم بن كليب، ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث بشر بن المفضل، عن عاصم بن كليب.
ورواه الدارقطني أيضًا من حديث جرير وصالح بن عمر الواسطي وأبي الأحوص، كلهم عن عاصم بن كليب.
فهذه الرِّوايات المتعاقِدة تدل على شذوذ ما في رواية أبي داود من ذكر الرفع إذا رفع من السجود، والله أعلم.
وقد روى الدارقطني في سننه من طريق هشيم وجرير، عن حصين بن عبدالرحمن، قال: دخلنا على إبراهيم فحدثه عمرو بن مرة، قال: صلَّينا في مسجد الحضْرميين، فحدَّثَني علقمة بن وائل، عن أبيه رضي الله عنه: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حين يفتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا سجد، وقد رواه البخاري في جزء رفع اليدين، وليس فيه ذكر الرفع عند السجود، فقال: حدثنا مسدد، حدثنا خالد، حدثنا حصين، عن عمرو بن مرة، قال: دخلت مسجد حضرموت، فإذا علقمة بن وائل يحدث عن أبيه رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه قبل الركوع، فقد اختلفت الرواية عن علقمة بن وائل عن أبيه كما ترى، ففي رواية أبي داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا رفع رأسه من السجود، وفي رواية الدارقطني: أنه كان يرفع يديه إذا سجد، وليس ذلك في رواية مسلم، ولا في رواية البخاري والنسائي.
وهذا مما يدل على أن هذه الزيادة الشاذة غير محفوظة، وأما رواية عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل رضي الله عنه فلم يختلف فيها، والأخذ بها أولى منَ الأخْذ بما اختلف فيه، لا سيما وقد اعتضدت رواية عاصم برواية همام التي أخرجها مسلم في صحيحه، وبرواية قيس بن سليم التي رواها البخاري والنسائي، وبالأحاديث الكثيرة الصَّحيحة مما تقدَّم ذِكْره، وما سيأتي قريبًا، وما لم يذكر ها هنا، والله أعلم.