المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ويعني بقوله:"فإن حزب الله"، فإن أنصار الله، (1) ومنه قول - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ١٠

[ابن جرير الطبري]

الفصل: ويعني بقوله:"فإن حزب الله"، فإن أنصار الله، (1) ومنه قول

ويعني بقوله:"فإن حزب الله"، فإن أنصار الله، (1) ومنه قول الراجز:(2)

وَكَيْفَ أَضْوَى وَبِلالٌ حِزْبِي! (3)

يعني بقوله:"أضوى"، أستضْعَفُ وأضام= من الشيء"الضاوي". (4) ويعني بقوله:"وبلال حزبي"، يعني: ناصري.

* * *

القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ‌

(57) }

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم:"يا أيها الذين آمنوا"، أي: صدقوا الله ورسوله="لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هُزوًا ولعبًا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"، يعني اليهود والنصارى الذين

(1) انظر تفسير"الحزب" فيما سلف 1: 244. وهذا التفسير الذي هنا لا تجده في كتب اللغة.

(2)

هو رؤبة بن العجاج.

(3)

ديوانه: 16، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 169، من أرجوزة يمدح بها بلال ابن أبي بردة، ذكر في أولها نفسه، ثم قال يذكر من يعترضه ويعبي له الهجاء والذم: ذَاكِ، وإن عَبَّى لِيَ المُعَبِّي

وَطِحْطَحَ الجِدُّ لِحَاءَ القَشْبِ

أَلَقَيتُ أَقْوَالَ الرِّجَالِ الكُذْبِ

فَكَيْفَ أَضْوَى وَبِلالٌ حِزْبِي!

ورواية الديوان: "ولست أضوي". وفي المخطوطة: "وكيف أضرى"، وهو تصحيف"طحطح الشيء": فرقه وبدده وعصف به فأهلكه. و"اللحاء": المخاصمة. و"القشب"، (بفتح فسكون) : الكلام المفترى: ولو قرئت"القشب"(بكسر فسكون) ، فهو الرجل الذي لا خير فيه.

(4)

"الضاوي": الضعيف من الهزال وغيره."ضوى يضوي ضوى": ضعف ورق. وكان في المخطوطة: "أضرى" و"الضاري"، وهو خطأ وتصحيف.

ص: 428

جاءتهم الرسل والأنبياء، وأنزلت عليهم الكتب من قبل بَعْث نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن قبل نزول كتابنا="أولياء"، يقول: لا تتخذوهم، أيها المؤمنون، أنصارًا أو إخوانًا أو حُلفاء، (1) فإنهم لا يألونكم خَبَالا وإن أظهروا لكم مودّة وصداقة.

* * *

وكان اتخاذ هؤلاء اليهود الذين أخبر الله عنهم المؤمنين أنهم اتخذوا دينهم هُزُوًا ولعبًا بالدين على ما وصفهم به ربنا تعالى ذكره، (2) أن أحدهم كان يظهر للمؤمنين الإيمان وهو على كفره مقيم، ثم يراجع الكفر بعد يسير من المدة بإظهار ذلك بلسانه قولا بعد أن كان يُبدي بلسانه الإيمان قولا وهو للكفر مستبطن تلعبًا بالدين واستهزاءً به، كما أخبر تعالى ذكره عن فعل بعضهم ذلك بقوله:(وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)[سورة البقرة: 14، 15] .

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن ابن عباس.

12216 -

حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا حدثنا يونس بن بكير قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحارث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يوادُّونهما، فأنزل الله فيهما:"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم

(1) في المطبوعة: "أنصار وإخوانا وحلفاء"، وفي المخطوطة:"أنصارًا أو إخوانًا وحلفاء"، وأجريتها جميعا بأو، كما ترى.

(2)

في المطبوعة: "ولعبًا الدين على ما وصفهم"، وهو غير مستقيم، وفي المخطوطة:"ولعبا الذين على ما وصفهم"، وهو أشد التواء، والصواب ما أثبت، كما سيأتي بعد"تلعبًا بالدين واستهزاء به".

ص: 429

هزوًا ولعبًا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء" إلى قوله:"والله أعلم بما كانوا يكتمون". (1)

* * *

= فقد أبان هذا الخبر عن صحة ما قلنا، من أنّ اتخاذ من اتخذ دين الله هزوًا ولعبًا من أهل الكتاب الذين ذكرهم الله في هذه الآية، إنما كان بالنفاق منهم، وإظهارهم للمؤمنين الإيمان، واستبطانهم الكفر، وقيلهم لشياطينهم من اليهود إذا خلوا بهم:"إنا معكم"، فنهى الله عن موادَّتهم ومُخَالّتهم، (2) والتمسك بحلفهم، والاعتداد بهم أولياء= وأعلمهم أنهم لا يألونهم خبالا وفي دينهم طعنًا، وعليه إزراء.

* * *

وأمّا"الكفار" الذين ذكرهم الله تعالى ذكره في قوله:"من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء"، فإنهم المشركون من عبدة الأوثان. نهى الله المؤمنين أن يتخذوا من أهل الكتاب ومن عبدة الأوثان وسائر أهل الكفر، أولياءَ دون المؤمنين.

* * *

وكان ابن مسعود فيما:-

12217 -

حدثني به أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن هارون، عن ابن مسعود= يقرأ:(مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) .

* * *

= ففي هذا بيان صحة التأويل الذي تأوَّلناه في ذلك.

* * *

(1) الأثر: 12216- سيرة ابن هشام 2: 217، 218.

(2)

في المطبوعة: "ومحالفتهم"، لم يحسن قراءة المخطوطة إذ كانت غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت.

ص: 430

واختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فقرأته جماعة من أهل الحجاز والبصرة والكوفة: (وَالْكُفَّارِ أَوْلِيَاءَ) بخفض"الكفار"، بمعنى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، ومن الكفارِ، أولياءَ.

* * *

وكذلك ذلك في قراءة أبيّ بن كعب فيما بلغنا: (من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الكفار أولياء) .

* * *

وقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة والكوفة: (وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ) بالنصب، بمعنى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا والكفارَ= عطفًا بـ"الكفار" على"الذين اتخذوا".

* * *

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان متفقتا المعنى، صحيحتا المخرج، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرأة، فبأي ذلك قرأ القارئ فقد أصاب. لأن النهيَ عن اتخاذ ولي من الكفار، نهيٌ عن اتخاذ جميعهم أولياء. والنهي عن اتخاذ جميعهم أولياء، نهيٌ عن اتخاذ بعضهم وليًّا. وذلك أنه غير مشكل على أحدٍ من أهل الإسلام أنّ الله تعالى ذكره إذا حرّم اتخاذ وليّ من المشركين على المؤمنين، أنه لم يبح لهم اتخاذ جميعهم أولياء= ولا إذا حرَّم اتخاذ جميعهم أولياء، أنه لم يخصص إباحة اتخاذ بعضهم وليًّا، فيجب من أجل إشكال ذلك عليهم، طلبُ الدليل على أولى القراءتين في ذلك بالصواب. وإذ كان ذلك كذلك، فسواء قرأ القارئ بالخفض أو بالنصب، لما ذكرنا من العلة.

* * *

وأما قوله:"واتقوا الله إن كنتم مؤمنين"، فإنه يعني: وخافوا الله، أيها المؤمنون،

ص: 431