المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ١٠

[ابن جرير الطبري]

الفصل: قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن

قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال، إنّ الله تعالى قد سمَّى هذه الأشياء التي سمّاها في هذه الآية"رجسًا"، وأمر باجتنابها.

وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية، وجائز أن يكون نزولها كان بسبب دُعاء عمر رضى الله عنه في أمر الخمر = وجائز أن يكون ذلك كان بسبب ما نالَ سعدًا من الأنصاري عند انتِشائهما من الشراب = وجائز أن يكون كان من أجل ما كان يلحق أحدَهم عند ذهاب ماله بالقمار من عداوة من يَسَرَه وبغضِه، (1) وليس عندنا بأيِّ ذلك كان، خيرٌ قاطع للعذر. غير أنه أيّ ذلك كان، فقد لزم حكم الآية جميعَ أهل التكليف، وغيرُ ضائرهم الجهل بالسبب الذي له نزلت هذه الآية. فالخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان، فرضٌ على جميع من بلغته الآية من التكليفُ اجتنابُ جميع ذلك، كما قال تعالى:"فاجتنبوه لعلكم تفلحون".

* * *

القول في تأويل قوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ‌

(92) }

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه" ="وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول"، في اجتنابكم

(1)"يسره"، يعني: غلبه في الميسر، وأخذ ماله. قال الزمخشري: "من المجاز: أسروه، ويسروا ماله. وتياسرت الأهواء قلبه، قال ذو الرمة: بِتَفْرِيقِ أَظْعَانٍ تيايَسَرْنَ قَلْبَهُ

وَخَانَ العَصَا مِنْ عَاجِلِ البَيْنِ قَادِحُ

وهذا اللفظ كما استعمله أبو جعفر، لم تقيده كتب اللغة، ولكن مقالة الزمخشري دالة على صوابه، كما قالوا من"القمار":"قمره".

ص: 574

ذلك، واتباعكم أمره فيما أمركم به من الانزجار عما زجَركم عنه من هذه المعانِي التي بيَّنها لكم في هذه الآية وغيرها، وخالِفوا الشيطان في أمره إيّاكم بمعصية الله في ذلك وفي غيره، فإنه إنما يبغي لكم العداوةَ والبغضاءَ بينكم بالخمر والميسر=

"واحذروا"، يقول: واتقوا الله وراقبوه أن يراكم عند ما نهاكم عنه من هذه الأمور التي حرّمها عليكم في هذه الآية وغيرها، أو يفقِدَكم عند ما أمركم به، فتُوبقوا أنفسكم وتهلكوها="فإن توليتم"، يقول: فإن أنتم لم تعملوا بما أمرناكم به، وتنتهوا عما نهيناكم عنه، ورجعتم مدبرين عما أنتم عليه من الإيمان والتصديق بالله وبرسوله، واتباع ما جاءكم به نبيكم (1) ="فاعملوا أنما على رسولنا البلاغُ المبين"، يقول: فاعلموا أنه ليس على من أرسلناه إليكم بالنِّذَارة غير إبلاغكم الرسالة التي أرسل بها إليكم، (2) مبينةً لكم بيانًا يُوضِّح لكم سبيل الحقّ، والطريقَ الذي أمرتم أن تسلكوه. (3) وأما العقاب على التولية والانتقام بالمعصية، فعلى المُرْسَل إليه دون الرسل.

وهذا من الله تعالى وعيد لمن تولَّى عن أمره ونهيه. يقول لهم تعالى ذكره: فإن توليتم عن أمري ونهيي، فتوقّعوا عقابي، واحذَرُوا سَخَطي.

* * *

(1) انظر تفسير"التولي" فيما سلف: 393، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)

"النذارة"(بكسر النون) قال صاحب القاموس: "النذير: الإنذار كالنذارة، بالكسر. وهذه عن الإمام الشافعي رضي الله عنه". انظر رسالة الشافعي ص: 14، الفقرة: 35، وتعليق أخي السيد أحمد عليها.

(3)

انظر تفسير"مبين" فيما سلف 9: 428، تعليق: 1، والمراجع هناك.

ص: 575