المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) [سورة البقرة: 76] . (1) * * - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ١٠

[ابن جرير الطبري]

الفصل: لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) [سورة البقرة: 76] . (1) * *

لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) [سورة البقرة: 76] . (1)

* * *

وقوله:"ويعفو عن كثير" يعني بقوله:"ويعفو"، ويترك أخذكم بكثير مما كنتم تخفون من كتابكم الذي أنزله الله إليكم، وهو التوراة، فلا تعملون به حتى يأمره الله بأخذكم به. (2) .

* * *

القول في تأويل قوله عز ذكره: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ‌

(15) }

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لهؤلاء الذين خاطبهم من أهل الكتاب:"قد جاءكم"، يا أهل التوراة والإنجيل="من الله نور"، يعني بالنور، محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي أنار الله به الحقَّ، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به يبيِّن الحق. ومن إنارته الحق، تبيينُه لليهود كثيرًا مما كانوا يخفون من الكتاب. (3)

* * *

وقوله:"وكتاب مبين"، يقول: جل ثناؤه: قد جاءكم من الله تعالى النور الذي أنار لكم به معالم الحقِّ،="وكتاب مبين"، يعني كتابًا فيه بيان ما اختلفوا فيه بينهم: من توحيد الله، وحلاله وحرامه، وشرائع دينه، وهو القرآن الذي أنزله

(1) الأثر: 11611- في هذا الأثر، ذكر سبب نزول آية"سورة البقرة": 76، ولم يذكره أبو جعفر في تفسير الآية هناك (2: 250-254) ، مع أنه يصلح أن يكون وجهًا آخر في تفسير الآية، وأن يكون مرادًا بها"الرجم". فهذا دليل آخر على اختصار أبي جعفر تفسيره، وهو أيضا وجه من وجوه منهجه في اختصاره.

(2)

انظر تفسير"العفو" فيما سلف من فهارس اللغة.

(3)

انظر تفسير"نور" فيما سلف 9: 428.

ص: 143

على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يبين للناس جميع ما بهم الحاجةُ إليه من أمر دينهم، ويوضحه لهم، حتى يعرفوا حقَّه من باطله. (1)

* * *

القول في تأويل قوله عز ذكره: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ}

قال أبو جعفر: يعني عز ذكره: يهدي بهذا الكتاب المبين الذي جاء من الله جل جلاله= ويعني بقوله:"يهدي به الله"، يرشد به الله ويسدِّد به، (2) = و"الهاء" في قوله:"به" عائدة على"الكتاب"="من اتبع رضوانه"، يقول: من اتبع رِضَى الله. (3)

* * *

واختلف في معنى"الرضى" من الله جل وعز.

فقال بعضهم: الرضى منه بالشيء"، القبول له والمدح والثناء. قالوا: فهو قابل الإيمان، ومُزَكّ له، ومثنٍ على المؤمن بالإيمان، وواصفٌ الإيمانَ بأنه نور وهُدًى وفصْل. (4)

* * *

وقال آخرون: معنى"الرضى" من الله جل وعز، معنى مفهوم، هو

(1) انظر تفسير"مبين" فيما سلف من فهارس اللغة.

(2)

انظر تفسير"يهدي" فيما سلف من فهارس اللغة.

(3)

انظر تفسير"الرضوان" فيما سلف 6: 262/9: 480.

(4)

في المطبوعة والمخطوطة: "وفضل" بالضاد المعجمة، و"الفصل" هنا هو حق المعنى، لأنه يفصل بين الحق والباطل.

ص: 144

خلاف السخط، وهو صفة من صفاته على ما يعقل من معاني:"الرضى" الذي هو خلاف السخط، وليس ذلك بالمدح، لأن المدح والثناء قولٌ، وإنما يثنى ويمدح ما قد رُضِي. قالوا: فالرضا معنًى، و"الثناء" و"المدح" معنًى ليس به.

* * *

ويعني بقوله:"سُبُل السلام"، طرق السلام (1) = و"السلام"، هو الله عزَّ ذكره.

11612 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"من اتبع رضوانه سبل السلام"، سبيل الله الذي شرعه لعباده ودعاهم إليه، وابتعث به رسله، وهو الإسلام الذي لا يقبل من أحد عملا إلا به، لا اليهودية، ولا النصرانية، ولا المجوسية.

* * *

القول في تأويل قوله عز ذكره: {وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ}

قال أبو جعفر: يقول عز ذكره: يهدي الله بهذا الكتاب المبين، من اتبع رضوان الله إلى سبل السلام وشرائع دينه="ويخرجهم"، يقول: ويخرج من اتبع رضوانه= و"الهاء والميم" في:"ويخرجهم" إلى من ذُكر="من الظلمات إلى النور"، يعني: من ظلمات الكفر والشرك، إلى نور الإسلام وضيائه (2) ="بإذنه"، يعني: بإذن الله جل وعز. و"إذنه في هذا الموضع: تحبيبه إياه الإيمان برفع طابَع الكفر عن قلبه، وخاتم الشرك عنه، وتوفيقه لإبصار سُبُل السّلام. (3)

* * *

(1) انظر تفسير"سبيل" فيما سلف من فهارس اللغة.

(2)

انظر تفسير"من الظلمات إلى النور" فيما سلف 5: 424-426.

(3)

انظر تفسير"الإذن" فيما سلف 8: 516، تعليق: 1، والمراجع هناك.

ص: 145

القول في تأويل قوله عز ذكره: {وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) }

قال أبو جعفر: يعني عز ذكره بقوله:"ويهديهم"، ويرشدهم ويسددهم (1) ="إلى صراط مستقيم"، يقول: إلى طريق مستقيم، وهو دين الله القويم الذي لا اعوجاج فيه. (2)

* * *

القول في تأويل قوله عز ذكره: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}

قال أبو جعفر: هذا ذمٌّ من الله عز ذكره للنصارى والنصرانية، الذين ضلُّوا عن سبل السلام= واحتجاجٌ منه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في فِرْيتهم عليه بادّعائهم له ولدًا.

يقول جل ثناؤه: أقسم، لقد كفر الذين قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم= و"كفرهم" في ذلك، تغطيتهم الحقّ في تركهم نفي الولد عن الله جل وعز، وادِّعائهم أن المسيح هو الله، فرية وكذبًا عليه. (3)

* * *

وقد بينا معنى:"المسيح" فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (4) .

* * *

(1) انظر تفسير"يهدي" في فهارس اللغة.

(2)

انظر تفسير"الصراط المستقيم" فيما سلف 8: 529، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(3)

انظر تفسير"الكفر" فيما سلف من فهارس اللغة.

(4)

انظر تفسير"المسيح" فيما سلف 9: 417، تعليق: 1، والمراجع هناك.

ص: 146

القول في تأويل قوله عز ذكره: {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا}

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه، لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، للنصارى الذين افتروا عليّ، وضلُّوا عن سواء السبيل بقيلهم: إنّ الله هو المسيح ابن مريم:"من يملك من الله شيئًا"، يقول: من الذي يطيق أن يدفع من أمر الله جل وعز شيئا، فيردّه إذا قضاه.

* * *

= من قول القائل:"ملكت على فلان أمره"، إذا صار لا يقدر أن ينفذ أمرًا إلا به. (1)

* * *

وقوله:"إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه ومن في الأرض جميعًا"، يقول: من ذا الذي يقدر أن يرد من أمر الله شيئًا، إن شاء أن يهلك المسيح بن مريم، بإعدامه من الأرض وإعدام أمه مريم، وإعدام جميع من في الأرض من الخلق جميعا. (2)

* * *

يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء الجهلة من النصارى: لو كان المسيح كما تزعمون= أنّه هو الله، وليس كذلك= لقدر أن يردَّ أمرَ الله إذا جاءه بإهلاكه وإهلاك أمه. وقد أهلك أمَّه فلم يقدر على دفع أمره فيها إذْ نزل ذلك. ففي ذلك لكم معتَبرٌ إن اعتبرتم، وحجة عليكم إن عقلتم: في أن المسيح، بَشَر كسائر بني آدم، وأن الله عز وجل هو الذي لا يغلب ولا يقهر ولا يردُّ له

(1) هذا بيان قلما تصيبه في كتب اللغة.

(2)

انظر تفسير"الإهلاك" فيما سلف 4: 239، 240/9:430.

ص: 147

أمر، بل هو الحيُّ الدائم القيُّوم الذي يحيي ويميت، وينشئ ويفني، وهو حي لا يموت.

* * *

القول في تأويل قوله عز ذكره: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ}

قال أبو جعفر: يعني تبارك وتعالى بذلك: والله له تصريف ما في السموات والأرض وما بينهما (1) = يعني: وما بين السماء والأرض= يهلك من يشاء من ذلك ويبقي ما يشاء منه، ويوجد ما أراد ويعدم ما أحبّ، لا يمنعه من شيء أراد من ذلك مانع، ولا يدفعه عنه دافع، يُنْفِذ فيهم حكمه، ويُمضي فيهم قضاءه= لا المسيح الذي إن أراد إهلاكه ربُّه وإهلاكَ أمّه، لم يملك دفع ما أراد به ربُّه من ذلك.

* * *

يقول جل وعز: كيف يكون إلهًا يُعبد من كان عاجزًا عن دفع ما أراد به غيره من السوء، وغير قادرٍ على صرف ما نزل به من الهلاك؟ بل الإله المعبود، الذي له ملك كل شيء، وبيده تصريف كل من في السماءِ والأرض وما بينهما.

* * *

فقال جل ثناؤه:"وما بينهما"، وقد ذكر"السموات" بلفظ الجمع، ولم يقل:"وما بينهن"، لأن المعنى: وما بين هذين النوعين من الأشياء، كما قال الراعي:

(1) انظر تفسير"الملك" فيما سلف 8: 48، تعليق: 3، والمراجع هناك.

ص: 148

طَرَقَا، فَتِلْكَ هَمَاهِمِي، أَقْرِيهِمَا

قُلُصًا لَوَاقِحَ كَالقِسِيِّ وَحُولا (1)

فقال:"طرقا"، مخبًرا عن شيئين، ثم قال:"فتلك هَمَاهمي"، فرجع إلى معنى الكلام.

* * *

وقوله:"يخلق ما يشاء"، يقول جل ثناؤه: وينشئ ما يشاء ويوجده، ويخرجُه من حال العدم إلى حال الوجود، ولن يقدر على ذلك غير الله الواحد القهَّار. وإنما يعني بذلك، أنّ له تدبير السموات والأرض وما بينهما وتصريفه، وإفناءه وإعدامه، وإيجادَ ما يشاء مما هو غير موجود ولا مُنْشأ. يقول: فليس ذلك لأحد سواي، فكيف زعمتم، أيها الكذبة، أنّ المسيح إله، وهو لا يطيق شيئا من ذلك، بل لا يقدر على دفع الضرَر عن نفسه ولا عن أمه، ولا اجتلابِ نفعٍ إليها إلا بإذني؟

* * *

(1) من قصيدته في جمهرة أشعار العرب: 173، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 118، 160، يقول لابنته خليدة: لَمَّا رَأَتْ أَرَقِي وَطُولَ تَلَدُّدِي

ذَاتَ الْعِشَاء وَلَيْلَيِ الْمَوْصُولا

قَالَتْ خُلَيْدَةُ: مَا عَرَاكَ، وَلَمْ تَكُنْ

أَبَدًا إِذَا عَرَتِ الشُّئُونُ سَؤُولا

أَخُلَيْدَ، إِنَّ أَبَاكِ ضَافَ وِسَادَهُ

هَمَّان باتَا جَنْبَةً وَدَخِيلا

طَرَقَا، فَتِلْكَ هَمَا هِي....

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

"الهماهم": الهموم. و"قلص" جمع"قلوص": الفتية من الإبل."لواقح": حوامل، جمع"لاقح". و"الحول"، جمع"حائل"، وهي الناقة التي لم تحمل سنة أو سنتين أو سنوات، وكذلك كل حامل ينقطع عنها الحمل. يقول: أجعل قرى هذه الهموم، نوقًا هذه صفاتها، كأنها قسى موترة من طول أسفارها، فأضرب بها الفيافي.

والشاهد الذي أراده الطبري أنه قال: "فتلك هماهمي"، وقد ذكر قبل"همان"، ثم عاد بعد يقول:"أقريهما"، وقد قال:"فتلك هماهمي" جمعًا. وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 118، 160.

ص: 149

القول في تأويل قوله عز ذكره: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) }

قال أبو جعفر: يقول عز ذكره: الله المعبودُ، هو القادر على كل شيء، والمالك كلَّ شيء، الذي لا يعجزُه شيء أراده، ولا يغلبه شيء طلبه، المقتدرُ على هلاك المسيح وأمه ومن في الأرض جميعًا = لا العاجز الذي لا يقدر على منع نفسه من ضُرّ نزل به من الله، ولا منْعِ أمّه من الهلاك. (1)

* * *

(1) انظر تفسير"قدير" فيما سلف من فهارس اللغة.

ص: 150

القول في تأويل قوله عز ذكره: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ}

قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل وعز عن قوم من اليهود والنصارى أنهم قالوا هذا القول.

* * *

وقد ذكر عن ابن عباس تسمية الذين قالوا ذلك من اليهود.

11613 -

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نعمانُ بن أضَاء (1) وبحريّ بن عمرو، وشأس بن عدي، فكلموه، فكلّمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاهم إلى الله وحذّرهم نقمته، فقالوا: ما تُخَوّفنا،

(1) في المطبوعة: "نعمان بن أحي، ويحرى بن عمرو.."، وفي المخطوطة: "عثمان بن أصار ويحوى بن عمرو

"، وكلاهما خطأ، وصوابه من سيرة ابن هشام.

ص: 150

يا محمد!! نحن والله أبناء الله وأحبَّاؤه!! (1) = كقول النصارى، فأنزل الله جل وعز فيهم:"وقالت اليهودُ والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه"، إلى آخر الآية. (2)

* * *

وكان السدي يقول في ذلك بما:

11614 -

حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه"، أما"أبناء الله"، فإنهم قالوا: إن الله أوحى إلى إسرائيل أن ولدًا من ولدك، (3) أدخلهم النار، فيكونون فيها أربعين يومًا حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم، ثم ينادي منادٍ: أن أخرجوا كل مختون من ولدِ إسرائيل، فأخرجهم. فذلك قوله:(لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)[سورة آل عمران: 24] . وأما النصارى، فإن فريقًا منهم قال للمسيح: ابن الله. (4)

* * *

والعرب قد تخرج الخبرَ، إذا افتخرت، مخرجَ الخبر عن الجماعة، وإن كان ما افتخرت به من فعل واحد منهم، فتقول:"نحن الأجواد الكرام"، وإنما الجواد فيهم واحدٌ منهم، وغير المتكلِّم الفاعلُ ذلك، كما قال جرير:

نَدَسْنَا أَبَا مَنْدُوسَةَ القَيْنَ بِالقَنَا

وَمَارَ دَمٌ مِنْ جَارِ بَيْبَةَ نَاقعُ (5)

(1) في المخطوطة: "نحن أبناء الله وأحباءه، بل أنتم بشر ممن خلق"، وهو من عجلة الناسخ لا شك في ذلك.

(2)

الأثر: 11613- سيرة ابن هشام 2: 212، وهو تابع الأثر السالف رقم:11557.

(3)

في المخطوطة: "إلى بني إسرائيل إن ولدك من الولد فأدخلهم النار"، وهو خلط بلا معنى، صوابه ما في المطبوعة على الأرجح.

(4)

الأثر: 11614- لم يمض هذا الأثر في تفسير آية سورة البقرة: 80 (2: 274-278)، ولا آية سورة آل عمران: 24 (6: 292، 293) . وهذا أيضا من الأدلة على اختصار أبي جعفر تفسيره.

(5)

ديوانه: 372، والنقائض: 693، واللسان (بيب) (مور) (ندس) . و"ندس": طعن طعنًا خفيفًا. و"أبو مندوسة"، هو مرة بن سفيان بن مجاشع، جد الفرزذق. قتلته بنو يربوع -قوم جرير- في يوم الكلاب الأول. و"القين" لقب لرهط الفرزدق، يهجون به. و"جاربيبة"، هو الصمة بن الحارث الجشمي، قتله ثعلبة بن حصبة، وهو في جوار الحارث بن بيبة بن قرط بن سفيان بن مجاشع، من رهط الفرزدق. و"مار الدم على وجه الأرض": جرى وتحرك فجاء وذهب. و"دم ناقع"، أي: طري لم ييبس.

ص: 151

فقال:"نَدَسْنَا"، وإنما النادس رجل من قوم جريرٍ غيرُه، فأخرج الخبر مخرج الخبر عن جماعة هو أحدهم. فكذا أخبر الله عزّ ذكره عن النصارى أنها قالت ذلك، على هذا الوجه إن شاء الله.

* * *

وقوله:"وأحباؤه"، وهو جمع"حبيب".

* * *

يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"قل" لهؤلاء الكذبة المفترين على ربهم="فلم يعذبكم" ربكم، يقول: فلأي شيء يعذبكم ربكم بذنوبكم، إن كان الأمر كما زعمتم أنكم أبناؤه وأحبّاؤه، فإن الحبيب لا يعذِّب حبيبه، وأنتم مقرُّون أنه معذبكم؟ وذلك أن اليهود قالت: إن الله معذبنا أربعين يومًا عَدَد الأيام التي عبدنا فيها العجل، (1) ثم يخرجنا جميعًا منها، فقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: قل لهم: إن كنتم، كما تقولون، أبناءُ الله وأحباؤه، فلم يعذبكم بذنوبكم؟ يعلمهم عز ذكره أنَّهم أهل فرية وكذب على الله جل وعز.

* * *

القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمّدٍ صلى الله عليه وسلم، قل لهم: ليس الأمر كما زعمتم أنكم أبناء الله وأحباؤه="بل أنتم بشر ممن خلق"، يقول: خلق من بني آدم، خلقكم الله مثل سائر بني آدم، (2) إن أحسنتم جُوزيتم بإحسانكم،

(1) انظر ما سلف 6: 292.

(2)

انظر تفسير"بشر" فيما سلف 6: 538.

ص: 152

كما سائر بني آدم مجزيُّون بإحسانهم، وإن أسأتم جوزيتم بإساءتكم، كما غيركم مجزيٌّ بها، ليس لكم عند الله إلا ما لغيركم من خلقه، فإنه يغفر لمن يشاء من أهل الإيمان به ذنوبَه، فيصفح عنه بفضله، ويسترها عليه برحمته، فلا يعاقبه بها.

* * *

وقد بينا معنى"المغفرة"، في موضع غير هذا بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. (1) .

* * *

="ويعذب من يشاء" يقول: ويعدل على من يشاء من خلقه فيعاقبه على ذنوبه، ويفضَحه بها على رءوس الأشهاد فلا يسترها عليه.

* * *

وإنما هذا من الله عز وجل وعيد لهؤلاء اليهود والنصارى المتّكلين على منازل سَلَفهم الخيارِ عند الله، الذين فضلهم الله جل وعز بطاعتهم إياه، واجتباهم لمسارعتهم إلى رضاه، (2) واصطبارهم على ما نابهم فيه. (3) يقول لهم: لا تغتروا بمكان أولئك مني ومنازلهم عندي، فإنهم إنما نالوا ما نالوا منّي بالطاعة لي، وإيثار رضاي على محابِّهم= (4) لا بالأماني، فجدُّوا في طاعتي، وانتهوا إلى أمري، وانزجروا عما نهيتُهم عنه، فإني إنما أغفر ذنوب من أشاء أن أغفر ذنوبه من أهل طاعتي، وأعذّب من أشاء تعذيبه من أهل معصيتي= (5) لا لمن قرَّبتْ زُلْفَةُ آبائه مني، وهو لي عدوّ، ولأمري ونهيي مخالفٌ.

* * *

(1) انظر ما سلف 2: 109، 110، ثم سائر فهارس اللغة.

(2)

في المطبوعة: "واجتنابهم معصيته لمسارعتهم"، لم يحسن قراءة المخطوطة، لأنها غير منقوطة، وزاد"معصيته" لتستقيم له قراءته. و"الاجتباء": الاصطفاء والاختيار.

(3)

في المخطوطة: "إلى ما نابهم فيه"، والجيد ما في المطبوعة.

(4)

يقول: "نالوا ما نالوا مني بالطاعة لي.. لا بالأماني". هكذا السياق.

(5)

يقول: "فإني أغفر ذنوب من أشاء.. لا لمن قربت زلفة آبائه مني"، هكذا السياق.

ص: 153

وكان السدي يقول في ذلك بما:-

11615 -

حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله:"يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء"، يقول: يهدي منكم من يشاء في الدنيا فيغفر له، ويميت من يشاء منكم على كفره فيعذِّبه.

* * *

القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) }

قال أبو جعفر يقول: لله تدبيرُ ما في السموات وما في الأرض وما بينهما، وتصريفُه، وبيده أمره، وله ملكه، (1) يصرفه كيف يشاء، ويدبره كيف أحبّ، (2) لا شريك له في شيء منه، ولا لأحدٍ معهُ فيه ملك. فاعلموا أيها القائلون:"نحن أبناء الله وأحباؤه"، أنه إن عذبكم بذنوبكم، لم يكن لكم منه مانع، ولا لكم عنه دافع، لأنه لا نسب بين أحد وبينه فيحابيه لسبب ذلك، ولا لأحد في شيء دونه ملك، فيحول بينه وبينه إن أراد تعذيبه بذنوبه، (3) وإليه مصير كل شيء ومرجعه. فاتَّقوا أيها المفترون، عقابَه إياكم على ذنوبكم بعد مرجعكم إليه، ولا تغتروا بالأمانيّ وفضائل الآباء والأسلاف.

* * *

(1) انظر تفسير نظيرة هذه الآية فيما سلف قريبا ص: 148، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)

في المطبوعة: "كيف أحبه"، وأثبت الجيد من المخطوطة.

(3)

في المطبوعة: "بذنبه"، وفي المخطوطة:"بدونه"، ورجحت ما أثبت.

ص: 154

القول في تأويل قوله عز ذكره: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ}

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"يا أهل الكتاب"، اليهودَ الذين كانوا بين ظهرانَيْ مُهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم نزلت هذه الآية. وذلك أنهم= أو: بعضهم، فيما ذكر= لما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان به وبما جاءهم به من عند الله، قالوا: ما بعثَ الله من نبيّ بعد موسى، ولا أنزل بعد التوراة كتابًا!

11616 -

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال: قال معاذ بن جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب لليهود: يا معشر اليهود، اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله! لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مَبعثه، وتصفونه لنا بصفته! فقال رافع بن حُرَيملة ووهب بن يهودا (1) ما قلنا هذا لكم، وما أنزل الله من كتاب بعد موسى، ولا أرسل بشيرًا ولا نذيرًا بعده! (2) فأنزل الله عز وجل في [ذلك من] قولهما (3)"يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشيرٌ ونذيرٌ والله على كل شيء قدير". (4)

* * *

(1) في المطبوعة: "رافع بن حرملة"، وفي المخطوطة:"نافع بن حرملة"، وأثبت ما في سيرة ابن هشام.

(2)

في المخطوطة: "ولا أرسل بشيرًا ونذيرًا"، والصواب ما في المطبوعة كما في سيرة ابن هشام.

(3)

الزيادة بين القوسين من سيرة ابن هشام.

(4)

سيرة ابن هشام 2: 212، وهو تابع الأثر السالف رقم:11613.

ص: 155

ويعني بقوله جل ثناؤه:"فقد جاءكم رسولنا"، قد جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم رسولنا="يبين لكم"، يقول: يعرفكم الحقَّ، ويوضح لكم أعلام الهدى، ويرشدكم إلى دين الله المرتضى، (1) كما:-

11617 -

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:"قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل"، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، جاء بالفرقان الذي فرَق الله به بين الحق والباطل، فيه بيان الله ونوره وهداه، وعصمةٌ لمن أخذ به.

* * *

="على فترة من الرسل"، يقول: على انقطاع من الرسل= و"الفترة" في هذا الموضع الانقطاع= يقول: قد جاءكم رسولنا يبين لكم الحق والهدى، على انقطاع من الرسل.

* * *

و"الفترة""الفعلة" من قول القائل:"فتر هذا الأمر يفتُر فُتورًا"، وذلك إذا هدأ وسكن. وكذلك"الفترة" في هذا الموضع، معناها: السكون، يراد به سكون مجيء الرسل، وذلك انقطاعها.

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في قدر مدة تلك الفترة، فاختلف في الرواية في ذلك عن قتادة. فروى معمر عنه ما:-

11618 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"على فترة من الرسل" قال: كان بين عيسى ومحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خمسمائة وستون سنة.

* * *

(1) انظر تفسير"التبيين" فيما سلف من فهارس اللغة، مادة (بين) .

ص: 156

وروى سعيد بن أبي عروبة عنه ما:-

11619 -

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كانت الفترة بين عيسى ومحمّدٍ صلى الله عليهما، ذكر لنا أنها كانت ستمائة سنة، أو ما شاء من ذلك، والله أعلم. (1)

11620 -

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن أصحابه قوله:"قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل"، قال: كان بين عيسى ومحمد صلى لله عليهما خمسمائة سنة وأربعون سنة= قال معمر، قال قتادة: خمسمائة سنة وستون سنة.

* * *

وقال آخرون بما:-

11621 -

حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:"على فترة من الرسل"، قال: كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما، أربعمائة سنة وبضعًا وثلاثين سنة.

ويعني بقوله:"أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير" أن لا تقولوا، وكي لا تقولوا، كما قال جل ثناؤه:(يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا)[سورة النساء: 176]، بمعنى: أن لا تضلوا، وكي لا تضلوا.

* * *

فمعنى الكلام: قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل، كي لا تقولوا ما جاءَنا من بشير ولا نذير. يعلمهم عز ذكره أنه قد قطَع عذرهم برسوله صلى الله عليه وسلم، وأبلغ إليهم في الحجة. (2)

(1) كان في المطبوعة: "وما شاء الله" بالواو، وفي المطبوعة والمخطوطة:"الله أعلم" بغير واو. والصواب ما أثبت.

(2)

انظر ما سلف 9: 445، 446.

ص: 157

ويعني بـ"البشير"، المبشر من أطاع الله وآمن به وبرسوله، وعمل بما آتاه من عند الله، بعظيم ثوابه في آخرته (1) = وبـ"النذير"، المنذر من عصاه وكذّب رسولَه صلى الله عليه وسلم وعمل بغير ما أتاه من عند الله من أمره ونهيه، بما لا قبل له به من أليم عقابه في معاده، وشديد عذابه في قِيامته.

* * *

القول في تأويل قوله عز ذكره: {فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) }

قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لهؤلاء اليهود الذين وصفنا صفتهم: قد أعذرنا إليكم، واحتججنا عليكم برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إليكم، وأرسلناه إليكم ليبيّن لكم ما أشكل عليكم من أمر دينكم، كيلا تقولوا:"لم يأتنا من عندك رسولٌ يبيِّن لنا ما نحن عليه من الضلالة"، فقد جاءكم من عندي رسول يبشر من آمن بي وعمل بما أمرته وانتهى عما نهيته عنه، وينذر من عصاني وخالف أمري، وأنا القادر على كل شيء، أقدر على عقاب من عصاني، وثواب من أطاعني، فاتقوا عقابي على معصيتكم إياي وتكذيبكم رسولي، واطلبوا ثوابي على طاعتكم إياي وتصديقكم بشيري ونذيري، فإني أنا الذي لا يعجزه شيء أرادَه، ولا يفوته شيء طلبه. (2)

(1) وانظر تفسير"البشارة" فيما سلف 9: 318، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)

انظر تفسير"قدير" فيما سلف من فهارس اللغة.

ص: 158

القول في تأويل عز ذكره: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُم}

قال أبو جعفر: وهذا أيضا من الله تعريفٌ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قديمَ تمادي هؤلاء اليهود في الغيّ، وبعدِهم عن الحق، وسوء اختيارهم لأنفسهم، وشدة خلافهم لأنبيائهم، وبطء إنابتهم إلى الرشاد، مع كثرة نعم الله عندهم، وتتابع أياديه وآلائه عليهم= مسلِّيًا بذلك نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم عما يحلّ به من علاجهم، وينزل به من مقاساتهم في ذات الله. يقول الله له صلى الله عليه وسلم: لا تأسَ على ما أصابك منهم، فإن الذهابَ عن الله، والبعد من الحق، وما فيه لهم الحظ في الدنيا والآخرة، من عاداتهم وعادات أسلافهم وأوائلهم= وتعزَّ بما لاقى منهم أخوك موسى صلى الله عليه وسلم= واذْكُر إذ قال موسى لهم:"يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم"، يقول: اذكروا أيادِي الله عندكم، وآلاءه قبلكم، (1) كما:-

11622 -

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة:"اذكروا نعمة الله عليكم"، قال: أيادي الله عندكم وأيَّامه. (2)

11623 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:"اذكروا نعمة الله عليكم" يقول: عافية الله عز وجل.

* * *

قال أبو جعفر: وإنما اخترنا ما قلنا، لأن الله لم يخصص من النعم شيئًا، بل عمَّ ذلك بذكر النعم، فذلك على العافية وغيرها، إذ كانت"العافية" أحد معاني"النعم".

(1) انظر تفسير"النعمة" فيما سلف من فهارس اللغة.

(2)

الأثر: 11622-"عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله بن أسامة الأسدي الحميدي". روى عن ابن عيينة، والشافعي وهذه الطبقة. روى عن البخاري. ومضى برقم:9914.

ص: 159

القول في تأويل جل ثناؤه: {إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا}

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: أنَّ موسى ذكَّر قومه من بني إسرائيل بأيَّام الله عندهم، وبآلائه قبلهم، مُحَرِّضهم بذلك على اتباع أمر الله في قتال الجبارين، (1) فقال لهم: اذكروا نعمة الله عليكم أنْ فضّلكم، بأن جعل فيكم أنبياء يأتونكم بوحيه، ويخبرونكم بأنباء الغيب، (2) ولم يعط ذلك غيركم في زمانكم هذا. (3)

=فقيل: إن الأنبياء الذين ذكَّرهم موسى أنهم جُعلوا فيهم: هم الذين اختارهم موسى إذ صار إلى الجبل، وهم السبعون الذين ذكرهم الله فقال:(وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيقَاتِنَا)[سورة الأعراف: 155] .

* * *

="وجعلكم ملوكًا" سخر لكم من غيركم خدمًا يخدمونكم.

* * *

وقيل: إنما قال ذلك لهم موسى، لأنه لم يكن في ذلك الزمان أحدٌ سواهم يخدُمه أحد من بني آدم.

ذكر من قال ذلك:

11624 -

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمةَ الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياءَ

(1) في المطبوعة: "فحرضهم بذلك"، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)

في المطبوعة: "ويخبرونكم بآياته الغيب"، وهو كلام فارغ من المعنى، وفي المخطوطة هكذا"بآياتنا الغيب"، وصواب قراءتها ما أثبت.

(3)

انظر تفسير"نبي" فيما سلف 2: 140-142/6: 380، وغيرها في فهارس اللغة.

ص: 160

وجعلكم ملوكًا"، قال: كنا نحدَّثُ أنهم أول من سُخِّر لهم الخدَم من بني آدم ومَلَكوا.

* * *

وقال آخرون: كل من ملك بيتًا وخادمًا وامرأةً، فهو"ملك"، كائنًا من كان من الناس.

ذكر من قال ذلك:

11625 -

حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرنا أبو هانئ: أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص، وسأله رجل فقال: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم! قال ألك مسكن تسكُنُه؟ قال: نعم! قال: فأنت من الأغنياء! فقال: إنّ لي خادمًا. قال: فأنت من الملوك. (1)

11626 -

حدثنا الزبير بن بكار قال، حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض قال: سمعت زيد بن أسلم يقول:"وجعلكم ملوكًا" فلا أعلم إلا أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان له بيتٌ وخادم فهو ملك. (2)

11627 -

حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا العلاء بن عبد الجبار، عن

(1) الأثر: 11625-"أبو هانئ"، هو:"حميد بن هانئ الخولاني المصري" من ثقات التابعين، مضى: 6039، 6657.

و"أبو عبد الرحمن الحبلي"، هو:"عبد الله بن يزيد المعافري"، تابعي ثقة، مضى برقم: 6657، 9483.

وهذا حديث صحيح، رواه مسلم في صحيحه 18: 109، 110، من طريق أبي الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح، عن ابن وهب، بإسناده، مطولا.

وقصر السيوطي في الدر المنثور 1: 270 فقال"أخرجه سعيد بن منصور"، واقتصر عليه.

(2)

الأثر: 11626-"الزبير بن بكار" شيخ الطبري، مضى برقم:7855.

"وأنس بن عياض بن ضمرة"، ثقة. مضى برقم:1679.

والحديث خرجه السيوطي في الدر المنثور 1: 270، ولم ينسبه لابن جرير، ونسبه للزبير بن بكار في الموفقيات، ولأبي داود في مراسيله. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 112، 113، وقال:"وهذا مرسل غريب".

ص: 161

حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن: أنه تلا هذه الآية:"وجعلكم ملوكًا"، فقال: وهل المُلْك إلا مركبٌ وخادمٌ ودار؟

فقال قائلو هذه المقالة: إنما قال لهم موسى ذلك، لأنهم كانوا يملكون الدّور والخدم، ولهم نساءٌ وأزواج.

ذكر من قال ذلك:

11628 -

حدثنا سفيان بن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور= قال: أراه عن الحكم=:"وجعلكم ملوكًا"، قال: كانت بنو إسرائيل إذا كان للرجل منهم بيتٌ وامرأة وخادم، عُدَّ ملكًا.

11629 -

حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن سفيان= ح، وحدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان= عن منصور، عن الحكم:"وجعلكم ملوكًا" قال: الدار والمرأة، والخادم= قال سفيان: أو اثنتين من الثلاثة. (1)

11630 -

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن رجل، عن ابن عباس في قوله:"وجعلكم ملوكًا" قال: البيت والخادم.

11631 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن الحكم أو غيره، عن ابن عباس في قوله:"وجعلكم ملوكًا" قال: الزوجة والخادم والبيت.

11632 -

حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"وجعلكم ملوكًا" قال: جعل لكم أزواجًا وخدمًا وبيوتًا.

11633 -

حدثنا المثنى قال، حدثنا علي بن محمد الطنافسي قال، حدثنا

(1) في المطبوعة: "واثنتين" بالواو، والصواب من المخطوطة.

ص: 162

أبو معاوية، عن حجاج بن تميم، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس في قول الله:"وجعلكم ملوكًا" قال: كان الرجل من بني إسرائيل إذا كانت له الزوجة والخادم والدار يسمَّى مَلِكًا. (1)

11634 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"وجعلكم ملوكًا" قال: مُلْكُهم الخدم= قال قتادة: كانوا أوَّل من مَلك الخدم.

11635 -

حدثني الحارث بن محمد قال، حدثنا عبد العزيز بن أبان قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد:"وجعلكم ملوكًا" قال: جعل لكم أزواجًا وخدمًا وبيوتًا.

* * *

وقال آخرون: إنما عنى بقوله:"وجعلكم ملوكًا" أنهم يملكون أنفُسَهم وأهلِيهم وأموالهم.

ذكر من قال ذلك:

11636 -

حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وجعلكم ملوكًا" يملك الرجل منكم نفسَه وأهلَه ومالَه.

(1) الأثر: 11633-"علي بن محمد بن إسحق الطنافسي"، روى عن أبي معاوية الضرير. ثقة صدوق. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3/1/202. وكان في المخطوطة"الطيالسي"، وهو خطأ من الناسخ.

و"أبو معاوية" الضرير، هو:"محمد بن خازم التميمي". ثقة كثير الحديث، كان يدلس. مضى برقم:2783.

و"حجاج بن تميم الجزري". روى عن ميمون بن مهران، وروى عنه أبو معاوية الضرير. قال النسائي:"ليس بثقة"، وقال الأزدي:"ضعيف". وقال العقيلي: "روى عن ميمون بن مهران أحاديث لا يتابع عليها". وقال ابن حبان في الثقات: "روى عن ميمون بن مهران. روى عنه أبو معاوية الضرير". مترجم في التهذيب. وكان في المخطوطة والمطبوعة: "حجاج بن نعيم"، وهو خطأ محض كما ترى.

ص: 163

القول في تأويل قوله عز ذكره: {وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) }

قال أبو جعفر: اختلف فيمن عنوا بهذا الخطاب.

فقال بعضهم: عني به أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

ذكر من قال ذلك:

11637 -

حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن السدي، عن أبي مالك وسعيد بن جبير:"وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين"، قالا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

* * *

وقال آخرون: عُنِي به قوم موسى صلى الله عليه وسلم.

ذكر من قال ذلك:

11638 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال، هم قوم موسى.

11639 -

حدثني الحارث بن محمد قال، حدثنا عبد العزيز بن أبان قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس:"وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين"، قال: هم بين ظهرانيه يومئذٍ. (1)

* * *

ثم اختلفوا في الذي آتاهمُ الله ما لم يؤت أحدًا من العالمين.

(1) الأثر 11639- هذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 2: 311، 312، من طريق مصعب بن المقدام، عن سفيان بن سعيد، عن الأعمش، مطولا. ونصه:"الذين هم بين ظهرانيهم يومئذ". وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.

والذي في نص الطبري"هم بين ظهرانيه يومئذ"، الضمير بالإفراد، كأنه يعني"العالم" الذي هم بين ظهرانيه يومئذ.

والخبر خرجه السيوطه في الدر المنثور 1: 269، وزاد نسبته للفريابي، وابن المنذر، والبيهقي في شعب الإيمان.

ص: 164

فقال بعضهم: هو المنّ والسلوى والحجر والغمام. (1)

ذكر من قال ذلك:

11640 -

حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد:"وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين" قال: المنّ والسلوى والحجر والغمام.

11641 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين"، يعني: أهل ذلك الزمان، المنَّ والسلوى والحجر والغمام.

* * *

وقال آخرون: هو الدَّار والخادِم والزوجة.

ذكر من قال ذلك:

11642 -

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا بشر بن السري، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس:"وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين" قال: الرجل يكون له الدار والخادم والزوجة. (2)

11643 -

حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس:"وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين"، المنّ والسلوى والحجر والغمام.

* * *

(1)"الحجر"، يعني الحجر الذي ضربه موسى بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا. وانظر ما سلف 2: 119-122.

(2)

الأثر: 11642-"بشر بن السري البصري"، أبو عمرو الأفوه، ثقة كثير الحديث. روى له الجماعة، وهو من شيوخ أحمد. مترجم في التهذيب.

و"طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي"، روى عن عطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير وغيرهما. ضعيف جدًا، قال أحمد:"لا شيء، متروك الحديث". وقال ابن عدي: "روى عنه قوم ثقات، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه". وقال ابن حبان: "لا يحل كتب حديثه ولا الرواية عنه، إلا على جهة التعجب". مترجم في التهذيب.

ص: 165

قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال:"وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين"، في سياق قوله:"اذكروا نعمة الله عليكم"، ومعطوفٌ عليه. (1)

ولا دلالة في الكلام تدلّ على أن قوله:"وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين" مصروف عن خطاب الذين ابتدئَ بخطابهم في أوّل الآية. فإذ كان ذلك كذلك، فأنْ يكون خطابًا لهم، أولى من أن يقال: هو مصروف عنهم إلى غيرهم.

فإن ظن ظان أن قوله:"وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين"، لا يجوز أن يكون لهم خطابًا، (2) إذ كانت أمة محمَّد قد أوتيت من كرامة الله جلّ وعزّ بنبيِّها عليه السلام محمّدٍ، ما لم يُؤتَ أحدٌ غيرهم، (3) =وهم من العالمين= (4) فقد ظنَّ غير الصواب. وذلك أن قَوله:"وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين"، خطاب من موسى صلى الله عليه وسلم لقومه يومئذٍ، وعنى بذلك عالمي زمانه، لا عالمي كل زمان. ولم يكن أوتي في ذلك الزمان من نِعَم الله وكرامته، ما أوتي قومُه صلى الله عليه وسلم، أحد من العالمين. (5) فخرج الكلام منه صلى الله عليه على ذلك، لا على جميع [عالم] كلِّ زمان. (6)

* * *

(1) لم يفهم ناشر المطبوعة عربية أبي جعفر، فجعل الكلام هكذا:"وآتاكم ما لم يوت أحدا من العالمين، خطاب لبني إسرائيل حيث جاء في سياق قوله: اذكروا نعمة الله عليكم = ومعطوفًا عليه"، فغير وزاد وأساء وخان الأمانة!!

(2)

في المطبوعة: "لا يجوز أن تكون خطابًا لبني إسرائيل" بزيادة"لبني إسرائيل"، وفي المخطوطة:"أن تكون له خطابا"، وصواب قراءتها ما أثبت.

(3)

في المطبوعة والمخطوطة: "من كرامة الله نبيها عليه السلام محمدًا ما لم يؤت أحدًا غيرهم"، فأثبت زيادة المخطوطة، وجعلت"نبيها""بنبيها"، بزيادة الباء في أوله، وجعلت"أحدًا""أحد"، وذلك الصواب المحض.

(4)

السياق: "فإن ظن ظان.. فقد ظن غير الصواب".

(5)

السياق: "ولم يكن أوتي في ذلك الزمان.. أحد من العالمين".

(6)

انظر تفسير"العالمين" فيما سلف 1: 143-146/2: 23-26/5: 375/6: 393.

ص: 166

القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}

قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله عز ذكره عن قول موسى صلى الله عليه وسلم لقومه من بني إسرائيل، وأمرِه إياهم =عن أمر الله إياه= بأمرهم بدخول الأرض المقدسة.

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في الأرض التي عناها بـ"الأرض المقدَّسة".

فقال بعضهم: عنى بذلك الطورَ وما حوله.

ذكر من قال ذلك:

11644 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"الأرض المقدسة" الطور وما حوله.

11645 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

11646 -

حدثني الحارث بن محمد قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس:"ادخلوا الأرض المقدسة"، قال: الطور وما حوله.

* * *

وقال آخرون: هو الشأم.

ذكر من قال ذلك:

11647 -

حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"الأرض المقدسة" قال: هي الشأم.

* * *

ص: 167

وقال آخرون: هي أرض أريحا.

ذكر من قال ذلك:

11648 -

حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم" قال: أريحا.

11649 -

حدثني يوسف بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: هي أريحا.

11650 -

حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان، عن أبي سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: هي أريحا.

* * *

وقيل: إن"الأرض المقدسة" دمشق وفلسطين وبعض الأرْدُنّ.

* * *

وعنى بقوله:"المقدسة" المطهرة المباركة، (1) كما:-

11651 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"الأرض المقدسة"، قال: المباركة.

11652 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بمثله.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: هي الأرض المقدّسة، كما قال نبي الله موسى صلى الله عليه، لأن القول في ذلك بأنها أرض دون أرض، لا تُدرك حقيقةُ صحته إلا بالخبر، ولا خبر بذلك يجوز قطع الشهادة به. غير أنها لن تخرج من أن تكون من الأرض التي ما بين الفرات وعريش مصر، لإجماع جميع أهل التأويل والسِّير والعلماء بالأخبار على ذلك.

* * *

(1) انظر تفسير"التقديس" فيما سلف 1: 475، 476/2:322.

ص: 168

ويعني بقوله:"التي كتب الله لكم" التي أثبت في اللوح المحفوظ أنها لكم مساكن ومنازل دون الجبابرة التي فيها. (1)

* * *

فإن قال قائل: فكيف قال:"التي كتب الله لكم"، وقد علمت أنَّهم لم يدخلوها بقوله:"فإنها محرَّمة عليهم"؟ فكيف يكون مثبتا في اللوح المحفوظ أنها مساكن لهم، ومحرمًا عليهم سكناها؟

قيل: إنها كتبت لبني إسرائيل دارًا ومساكن، وقد سكنوها ونزلوها وصارت لهم، كما قال الله جل وعز. وإنما قال لهم موسى:"ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم"، يعني بها: كتبها الله لبني إسرائيل، =وكان الذين أمرهم موسى بدخولها من بني إسرائيل= ولم يعن صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ذكره كتبها للذين أمرهم بدخولها بأعيانهم.

ولو قال قائل: قد كانت مكتوبة لبعضهم ولخاص منهم= فأخرج الكلام على العموم، والمراد منه الخاص، إذ كان يُوشع وكالب قد دخلا (2) وكانا ممن خوطب بهذا القول= كان أيضًا وجهًا صحيحًا.

* * *

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن إسحاق.

11653 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق،"التي كتب الله لكم"، التي وهب الله لكم.

* * *

وكان السدي يقول: معنى"كتب" في هذا الموضع، بمعنى: أمر.

11654 -

حدثنا بذلك موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم"، التي أمركم الله بها.

* * *

(1) انظر تفسير"كتب" فيما سلف 9: 262، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)

في المطبوعة: "يوشع وكلاب"، وانظر ما سلف ص: 113 تعليق: 2.

ص: 169

القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) }

قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله عز ذكره عن قيل موسى عليه السلام لقومه من بني إسرائيل، إذ أمرهم عن أمر الله عزّ ذكره إيّاه بدخول الأرض المقدسة، أنه قال لهم: امضُوا، أيها القوم، لأمر الله الذي أمركم به من دخول الأرض المقدسة="ولا ترتدوا" يقول: لا ترجعوا القهقرى مرتدّين (1) ="على أدباركم" يعني: إلى ورائكم، (2) ولكن امضوا قُدُمًا لأمر الله الذي أمركم به، من الدخول على القوم الذين أمركم الله بقتالهم والهجوم عليهم في أرضهم، وأنّ الله عز ذكره قد كتبها لكم مسكنًا وقرارًا.

ويعني بقوله:"فتنقلبوا خاسرين"، أي: تنصرفوا خائبين هُلَّكًا. (3)

* * *

وقد بينا معنى"الخسارة" في غير هذا الموضع، بشواهده المغنية عن إعادته في هذا الموضع. (4)

* * *

فإن قال قائل: وما كان وجه قيل موسى لقومه، إذْ أمرهم بدخول الأرض المقدسة:"لا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين"، أوَ يستوجب الخسارة من لم يدخل أرضًا جعلت له؟

(1) انظر تفسير"ارتد" فيما سلف 3: 163/4: 316.

(2)

انظر تفسير"الأدبار" فيما سلف 7: 109.

(3)

انظر تفسير"انقلب" فيما سلف 3: 163/7: 414. وكانت هذه العبارة في المخطوطة والمطبوعة: "أنكم تنصرفوا خائبين هكذا"، ورجحت أن صواب قراءتها ما أثبت.

و"هلك" جمع"هالك". وقد مر تفسيره"الخسارة" بمعنى"الهلاك".

(4)

انظر تفسير"الخسارة" فيما سلف 9: 224، تعليق: 3، والمراجع هناك.

ص: 170

قيل: إن الله عز ذكره كان أمرهم بقتال من فيها من أهل الكفر به وفرض عليهم دخولها، (1) فاستوجب القوم الخسارة بتركهم إذًا فرض الله عليهم من وجهين: أحدُهما: تضييع فرض الجهاد الذي كان الله عز ذكره فرضه عليهم= والثاني: خلافهم أمر الله في تركهم دخول الأرض، وقولهم لنبيهم موسى صلى الله عليه وسلم إذ قال لهم:"ادخلوا الأرض المقدسة":"إنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون".

* * *

وكان قتادة يقول في ذلك بما:

11655 -

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:"يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم" أمروا بها، كما أمروا بالصلاة والزكاة والحجِّ والعُمْرة.

* * *

القول في تأويل قوله عز ذكره: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ}

قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن جواب قوم موسى عليه السلام، إذ أمرهم بدخول الأرض المقدسة: أنهم أبوا عليه إجابته إلى ما أمرهم به من ذلك، (2) واعتلّوا عليه في ذلك بأن قالوا، إن في الأرض المقدسة التي تأمرنا بدخولها، قومًا جبارين لا طاقة لنا بحربهم، ولا قوة لنا بهم. وسموهم"جبّارين"، لأنهم كانوا لشدة بطشهم وعظيم خلقهم، (3) فيما ذكر لنا، قد قهروا سائر الأمم غيرهم.

(1) في المطبوعة: "كان أمره"، والصواب من المخطوطة.

(2)

في المطبوعة والمخطوطة: "إجابة إلى ما أمرهم"، والسياق يقتضي ما أثبت.

(3)

في المطبوعة والمخطوطة: "بشدة بطشهم"، والسياق يقتضي ما أثبت.

ص: 171

وأصل"الجبار"، المصلح أمر نفسه وأمر غيره، ثم استعمل في كل من اجترَّ نفعا إلى نفسه بحق أو باطل طلبَ الإصلاح لها، حتى قيل للمتعدِّي إلى ما ليس له= بغيًا على الناس، وقهرًا لهم، وعتوًّا على ربه="جبار"، وإنما هو"فعّال" من قولهم:"جبر فلان هذا الكسر"، إذا أصلحه ولأمه، ومنه قول الراجز:(1)

قَدْ جَبَرَ الدِّينَ الإلهُ فَجَبَرْ

وَعَوَّرَ الرَّحمنُ مَنْ وَلَّي العَوَرْ (2)

يريد: قد أصلح الدين الإله فصلح. ومن أسماء الله تعالى ذكره"الجبار"، لأنه المصلحُ أمرَ عباده، القاهرُ لهم بقدرته.

* * *

ومما ذكرته من عظم خلقهم ما:-

11656 -

حدثني به موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قصة ذكرها من أمر مُوسى وبني إسرائيل، قال، ثم أمرهم بالسير إلى أريحا= وهي أرض بيت المقدس= فساروا، حتى إذا كانوا قريبًا منهم، بعث موسى اثنى عشر نقيبًا من جميع أسباط بني إسرائيل، فساروا يريدون أن يأتوه بخبر الجبَّارين، فلقيهم رجل من الجبارين، يقال له:"عاج"، (3) فأخذ الاثنى عشر فجعلهم في حُجْزَته، وعلى رأسه حَمْلة حطب، (4) وانطلق بهم

(1) هو العجاج.

(2)

ديوانه: 15، واللسان (جبر)(عور) ، وهو أول أرجوزته التي مدح بها عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي، وقد مضت منها أبيات، وذكرنا خبرها فيما سلف، انظر 1: 190/2: 157/3: 229/4: 321. وقوله: "قد جبر الدين الإله"، من قولهم: "جبرت العظم" متعديًا، "فجبر"، لازمًا، أي: انجبر العظم نفسه. و"العور" في هذا الشعر هو قبح الأمر وفساده، وترك الحق فيه، وليس من عور العين. و"عور الشيء" قبحه. يدعو فيقول: قبح الله من اتبع الفساد واستقبله بوجهه. من قولهم"ولي الشيء وتولاه"، أي اتبعه وفي التنزيل:"ولكل وجهة هو موليها"، أي مستقبلها ومتبعها، فهذا تفسير البيت بلا خلط في تفسيره.

(3)

في المطبوعة: "عوج"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو موافق لما سلف رقم: 11572، وتاريخ الطبري.

(4)

انظر ما سلف ص 112 تعليق: 1، 2، وما غيره، مصحح المطبوعة السالفة هناك.

ص: 172

إلى امرأته فقال، انظري إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقاتلونا!! فطرحهم بين يديها، فقال: ألا أطحنهم برجلي؟ فقالت امرأته: لا بل خلِّ عنهم حتى يُخْبروا قومهم بما رأوا! ففعل ذلك. (1)

11657 -

حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان قال، قال أبو سعيد، قال عكرمة، عن ابن عباس قال: أمر موسى أن يدخل مدينة الجبَّارين. قال: فسار موسى بمن معه حتى نزل قريبًا من المدينة =وهي أريحاء= فبعث إليهم اثنى عشر عينًا، من كل سبطٍ منهم عينًا، ليأتوه بخبر القوم. قال: فدخلوا المدينة، فرأوا أمرًا عظيمًا من هيئتهم وجثثهم وعظمهم، فدخلوا حائطًا لبعضهم، فجاء صاحب الحائط ليجتني الثمار من حائطه، فجعل يجتني الثمار وينظر إلى آثارهم، وتتبعهم. فكلما أصاب واحدًا منهم أخذه فجعله في كمه مع الفاكهة، وذهب إلى ملكهم فنثرهم بين يديه، فقال الملك: قد رأيتم شأننا وأمرنا، اذهبوا فأخبروا صاحبكم. قال: فرجعوا إلى موسى فأخبروه بما عايَنُوا من أمرهم.

11658 -

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله:"إن فيها قومًا جبَّارين"، ذكر لنا أنهم كانت لهم أجسام وخِلَقٌ ليست لغيرهم.

11659 -

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: إن موسى عليه السلام قال لقومه:"إني سأبعث رجالا يأتونني بخبرهم"= وإنه أخذ من كل سبط رجلا فكانوا اثنى عشر نقيبًا، فقال:"سيروا إليهم وحدِّثوني حديثهم وما أمرهم، ولا تخافوا، إن الله معكم ما أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برُسله، وعزرتموهم، وأقرضُتم الله قرضًا حسنًا"= وإنّ القوم ساروا حتى هجموا عليهم، (2) فرأوا أقوامًا لهم أجسام عجبٌ عظمًا

(1) الأثر: 11656- مضى مطولا برقم: 11572، وهو في تاريخ الطبري 1: 221، 222.

(2)

في المطبوعة: "ثم إن القوم"، وأثبت ما في المخطوطة.

ص: 173

وقوة، وإنه =فيما ذكر= أبصرهم أحد الجبَارين، وهم لا يألون أن يخفُوا أنفسهم حين رأوا العجب. فأخذ ذلك الجبّار منهم رجالا فأتى رئيسَهم، فألقاهم قدّامه، فعجبوا وضحكوا منهم. فقال قائل منهم:"فإنّ هؤلاء زعموا أنهم أرادوا غزوكم"!! (1) وأنه لولا ما دفع الله عنهم لقُتلوا، وأنهم رجعوا إلى موسى عليه السلام فحدّثوه العجب.

11660 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"اثنى عشر نقيبًا" من كل سبط من بني إسرائيل رجل، أرسلهم موسى إلى الجبارين، فوجدُوهم يدخل في كُمِّ أحدهم اثنان منهم، يلقونهم إلقاءً، ولا يحمل عنقود عِنبهم إلا خمسة أنفُسٍ بينهم في خشبة، ويدخُل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس، أو أربعة. (2)

11661 -

حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.

11662 -

حدثني محمد بن الوزير بن قيس، عن أبيه، عن جويبر، عن الضحاك:"إن فيها قومًا جبارين" قال: سِفْلة لا خَلاقَ لهم. (3)

* * *

(1) في المطبوعة: "إن هؤلاء"، بحذف الفاء، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)

الأثر: 11660- مضى هذا الأثر برقم: 11573، 11574.

(3)

الأثر: 11662-"محمد بن وزير بن قيس الواسطي"، روى عن أبيه، وابن عيينة، ويحيى بن سعيد القطان، وغيرهم. روى عنه الترمذي وابن أبي حاتم، وغيرهما. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 4/1/115.

وأبوه"وزير بن قيس الواسطي"، روى عن جويبر. مترجم في ابن أبي حاتم 4/2/44.

ص: 174

القول في تأويل قوله عز ذكره: {وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) }

قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله عز ذكره عن قولِ قوم موسى لموسى، جوابًا لقوله لهم:"ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم"، فقالوا:"إنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها"، يعنون:[حتى يخرج] من الأرض المقدسة الجبارون الذين فيها، (1) جبنًا منهم، وجزعًا من قتالهم. وقالوا له: إن يخرج منها هؤلاء الجبارون دخلناها، وإلا فإنا لا نُطيق دخولها وهم فيها، لأنه لا طاقة لنا بهم ولا يَدَان. (2)

11663 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، أن كالب بن يافنا، أسكت الشعْبَ عن موسى صلى الله عليه وسلم فقال لهم: إنا سنعلو الأرض ونرثُها، وإن لنا بهم قوّة! وأما الذين كانوا معه فقالوا: لا نستطيع أن نصل إلى ذلك الشعب، من أجل أنهم أجرأ منا! ثم إن أولئك الجواسيس أخبروا بني إسرائيل الخبر، وقالوا: إنّا مررنا في أرض وحسسناها، فإذا هي تأكل ساكنها، ورأينا رجالهَا جسامًا، ورأينا الجبابرة بني الجبابرة، وكنا في أعينهم مثل الجراد! فأرجفت الجماعة من بني إسرائيل، فرفعوا أصواتهم بالبكاء. فبكى الشعب تلك الليلة، ووسوسُوا على موسى وهارون، (3) فقالوا لهما: يا ليتنا مِتنا في أرض مصر! وليتنا نموت في هذه البرية، ولم يدخلنا الله هذه الأرض لنقع في الحرب، فتكون نساؤنا وأبناؤنا وأثقالنا غنيمًة! ولو كنا قعودًا في أرض مصر، كان خيرًا لنا وجعل الرجل يقول لأصحابه: تعالوا نجعل علينا رأسًا وننصرف إلى مصر.

* * *

(1) ما بين القوسين زيادة يقتضيها السياق.

(2)

في المطبوعة: "ولا يد"، وفي المخطوطة"ولا يدان" غير منقوطة.

(3)

"وسوس عليه"، انظر تفسيرها في الأثر رقم: 11697 ص: 195، تعليق:7.

ص: 175

القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا}

قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله عز ذكره عن الرجلين الصَّالحين من قوم موسى:"يوشع بن نون" و"كالب بن يافنا"، أنهما وفَيا لموسى بما عهد إليهما من ترك إعلام قومِه بني إسرائيل= الذين أمرَهم بدخول الأرض المقدسة على الجبابرة من الكنعانيين= بما رأيا وعاينا من شدّة بطش الجبابرة وعِظم خلقهم، ووصفهما الله عز وجل بأنهما ممن يخاف الله ويراقبه في أمره ونهيه، كما:-

11664 -

حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان= ح، وحدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي، عن سفيان= ح، وحدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن سفيان= عن منصور، عن مجاهد:"قال: رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما"، قال: كلاب بن يافنا، (1) ويوشع بن نون.

11665 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو بن أبي قيس، عن منصور، عن مجاهد قال:"رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما"، قال: يوشع بن نون، وكلاب بن يافنا، (2) وهما من النقباء.

11666 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قصة ذكرها، قال: فرجع النقباء، كلُّهم ينهى سِبْطه عن قتالهم، إلا يوشع بن نون، وكلاب بن يافنة، (3) يأمران الأسباط بقتال الجبارين ومجاهدتهم، فعصوهما، وأطاعوا الآخرين، فهما الرجلان اللذان أنعم الله عليهما. (4)

(1) في المطبوعة الموضعين: "يوفنة"، وفي المخطوطة في الموضعين:"فانيا"، وانظر ص: 113 تعليق: 2.

(2)

في المطبوعة: "يوفنا"، وفي المخطوطة:"فانيه". وانظر التعليق على الأثر: 11573.

(3)

في المطبوعة: "يوفنا"، وفي المخطوطة:"فانيه". وانظر التعليق على الأثر: 11573.

(4)

الأثر: 11666- مضى هذا الخبر برقم: 11573، ومضى صدره قريبًا برقم:11660.

ص: 176

11667 -

حدثنا ابن حميد وسفيان بن وكيع قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، مثل حديث ابن بشار، عن ابن مهدي= إلا أنّ ابن حميد قال في حديثه: هما من الاثنى عشر نقيبًا.

11668 -

حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان قال، قال أبو سعيد، قال عكرمة، عن ابن عباس في قصة ذكرها. قال: فرجعوا= يعني النقباء الاثنى عشر= إلى موسى، فأخبروه بما عاينوا من أمرهم، فقال لهم موسى: اكتموا شأنهم، ولا تخبروا به أحدًا من أهل العسكر، فإنكم إن أخبرتموهم بهذا الخبر فَشِلوا ولم يدخلوا المدينة. (1) قال: فذهب كل رجل منهم فأخبر قريبه وابنَ عمه، إلا هذين الرجلين= يوشع بن نون، وكلاب بن يوفنة= فإنهما كتما ولم يخبرا به أحدًا، وهما اللذان قال الله عز وجل:"قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما"، إلى قوله:"وبين القوم الفاسقين".

11669 -

حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما"، وهما اللذان كتماهم: يوشع بن نون فتى موسى، (2) وكالوب بن يوفنة ختَنُ موسى.

11670 -

حدثنا سفيان قال، حدثنا عبيد الله، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية:"قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما"، كالوب، ويوشع بن النون فتى موسى. (3)

11671 -

حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي

(1)"فشل": جبن ونكص.

(2)

في المخطوطة: "هو يوشع بن النون"، وأظن أصلها"هوشع بن النون"، كما سلف في ص: 113، تعليق:2. وكان في المطبوعة هنا"نون"، فأثبت ما في المخطوطة.

(3)

في المطبوعة: "بن نون"، في الموضعين، وأثبت ما في المخطوطة.

ص: 177

قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما"، والرجلان اللذان أنعم الله عليهما من بني إسرائيل: يوشع بن النون، وكالوب بن يوفنة.

11672 -

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما" ذكر لنا أن الرجلين: يوشع بن نون وكالب.

11673 -

حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: أن موسى قال للنقباء لمَّا رجعوا فحدثوه العجبَ:"لا تحدثوا أحدًا بما رأيتم، إن الله سيفتحها لكم ويظهركم عليها من بعد ما رأيتم" =وإن القوم أفشوا الحديث في بني إسرائيل، فقام رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما، (1) كان أحدهما، فيما سمعنا، يوشع بن نون وهو فتى موسى، والآخر كالب- فقالا"ادخلوا عليهم الباب" إلى"إن كنتم مؤمنين". (2)

* * *

قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله:"قال رجلان من الذين يخافون".

قرأ ذلك قرأة الحجاز والعراق والشام: (قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) بفتح"الياء" من"يخافون"، على التأويل الذي ذكرنا عمن ذكرنا عنه آنفًا، أنهما يوشع بن نون وكالب، من قوم موسى، ممن يخاف الله، وأنعمَ عليهما بالتوفيق.

* * *

(1) في المخطوطة: "فقام رجلان هما اللذان يخافون.."، والذي في المطبوعة هو الصواب.

(2)

في المطبوعة: "ادخلوا عليهما الباب إن كنتم مؤمنين"، وهو غير صواب، والصواب من المخطوطة.

ص: 178

وكان قتادة يقول: في بعض القراءة: (قَالَ رَجُلانِ مِنَ الذِينَ يَخَافُونَ اللهَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) .

11674 -

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة= ح، وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة:"قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما"، في بعض الحروف:(يَخَافُونَ اللهَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) .

* * *

وهذا أيضا مما يدل على صحة تأويل من تأوَّل ذلك على ما ذكرنا عنه أنه قال: يوشع، وكالب.

* * *

وروي عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ ذلك: (قَالَ رَجُلانِ مِنَ الذِينَ يُخَافُونَ) بضم الياء (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) .

11675 -

حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا هشيم، عن القاسم بن أبي أيوب= ولا نعلمه أنه سمع منه= عن سعيد بن جبير: أنه كان يقرؤها بضم الياء من: (يُخافُونَ) .

وكأن سعيدًا ذهب في قراءته هذه إلى أن الرجلين اللذين أخبر الله عنهما أنهما قالا لبني إسرائيل:"ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون"، كانا من رهط الجبابرة، وكانا أسلما واتَّبعا موسى، فهما من أولاد الجبابرة الذين يخافهم بنو إسرائيل، (1) وإن كانوا لهم في الدين مخالفين. (2)

* * *

وقد حكي نحو هذا التأويل عن ابن عباس.

(1) في المخطوطة: "فهم من أولاد الجبابرة"، والصواب ما في المطبوعة.

(2)

في المطبوعة: "وإن كانا لهم في الدين مخالفين"، وفي المخطوطة:"وإن كانوا لهم في الدنيا مخالفين"، والصواب المحض ما أثبته.

ص: 179

11676 -

حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله:"ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين"، قال: هي مدينةُ الجبارين. لما نزل بها موسى وقومه، بعث منهم اثني عشر رجلا= وهم النقباء الذين ذكر بعثتهم (1) = ليأتوه بخبرهم. فساروا، فلقيهم رجل من الجبارين، فجعلهم في كسائه، فحملهم حتى أتى بهم المدينة، ونادى في قومه فاجتمعوا إليه، فقالوا: من أنتم؟ فقالوا: نحن قوم موسى، بعثَنا إليكم لنأتيه بخبركم! فأعطوهم حبَّة من عِنب بوِقْر الرجل، (2) فقالوا لهم: اذهبوا إلى موسى وقومه فقولوا لهم: اقدُروا قَدْر فاكهتهم! فلما أتوهم قالوا لموسى:"اذهب أنت وربُّك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون"! ="قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما"، وكانا من أهل المدينة أسلَما واتّبعا موسى وهارون، فقالا لموسى:"ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكَّلوا إن كنتم مؤمنين".

* * *

قال أبو جعفر: فعلى هذه القراءة وهذا التأويل، لم يكتم من الاثنى عشر نقيبًا أحدٌ، ما أمرهم موسى بكتمانه بني إسرائيل مما رأوا وعاينوا من عظم أجسام الجبابرة، وشدة بطشهم، وعجيب أمورهم، بل أفشوا ذلك كله. وإنما القائل للقوم ولموسى:"ادخلوا عليهم الباب"، رجلان من أولاد الذين كان بنو إسرائيل يخافونهم ويرهبون الدخولَ عليهم من الجبابرة، كان أسلما وتبعا نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم.

* * *

قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب عندنا، قراءةُ من قرأ:

(1) في المطبوعة: "ذكر نعتهم"، وفي المخطوطة:"ذكر بعثهم"، وكتبتها"بعثتهم"، ويعني بذلك ما جاء في الآية السالفة من هذه السورة: 10"ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبًا".

(2)

"الوقر"(بكسر فسكون) : الحمل والثقل.

ص: 180

(مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) لإجماع قرأة الأمصار عليها= وأنَّ ما استفاضت به القراءة عنهم، فحجة لا يجوز خلافها، وما انفرد به الواحد، فجائز فيه الخطأ والسهو. ثم في إجماع الحجةِ في تأويلها على أنهما رجلان من أصحاب موسى من بني إسرائيل وأنهما يوشع وكلاب، ما أغنى عن الاستشهاد على صحة القراءة بفتح"الياء" في ذلك، وفسادِ غيره. وهو التأويل الصحيحُ عندنا، لما ذكرنا من إجماعها عليه.

* * *

وأما قوله:"أنعم الله عليهما"، فإنه يعني: أنعم الله عليهم بطاعة الله في طاعة نبيه موسى صلى الله عليه، وانتهائهم إلى أمره، والانزجار عما زجرهما عنه صلى الله عليه وسلم، من إفشاء ما عاينا من عجيب أمر الجبارين إلى بني إسرائيل، الذي حدّث عنه أصحابهما الآخرون الذين كانوا معهما من النقباء. (1)

* * *

وقد قيل إن معنى ذلك: أنعم الله عليهما بالخوف.

ذكر من قال ذلك:

11677 -

حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا خلف بن تميم قال، حدثنا إسحاق بن القاسم، عن سهل بن علي قوله:"قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما"، قال: أنعم الله عليهما بالخوف. (2)

* * *

(1) في المطبوعة: "الذي حذر عنه أصحابهما الآخرين.."، وفي المخطوطة:"الذي حول عنه أصحابهما الآخرون"، وصواب قراءة ذلك ما أثبت، ولا معنى لتغيير ما غيره ناشر المطبوعة الأولى.

(2)

الأثر: 11677-"خلف بن تميم بن أبي عتاب التميمي"، أبو عبد الرحمن ثقة عابد. مترجم في التهذيب، والكبير 2/1/180، وابن أبي حاتم 1/2/370.

و"إسحق بن القاسم"، لم أجده.

وأما "سهل بن علي"، فلم أجد من يسمى بذلك إلا"سهل بن علي المروزي"، روى عن المبارك. روى عنه المراوزة كلامه، وتأدبوا بورعه. مترجم في ابن أبي حاتم 2/1/203.

ص: 181

وبنحو الذي قلنا في ذلك كان الضحاك يقول، وجماعة غيره.

11678 -

حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما"، بالهدى فهداهما، فكانا على دين موسى، وكانا في مدينة الجبّارين.

* * *

القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ}

قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله عز ذكره عن قول الرجلين اللذين يخافان الله لبني إسرائيل، إذ جبُنوا وخافوا من الدخول على الجبارين، لمَّا سمعوا خبرهم، وأخبرهم النقباء الذين أفشَوْا ما عاينوا من أمرهم فيهم، وقالوا:(1)"إن فيها قومًا جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها"، فقالا لهم: ادخلوا عليهم، أيها القوم بابَ مدينتهم، فإن الله معكم، وهو ناصركم، وإنكم إذا دخلتم الباب غلبتموهم، كما:-

11679 -

حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم بالكتاب الأوَّل، قال: لما هم بنو إسرائيل بالانصراف إلى مصر، حين أخبرهم النقباء بما أخبروهم من أمر الجبابرة، خرَّ موسى وهارون على وجوههما سجودًا قدِّام جماعة بني إسرائيل، وخرَّق يوشع بن نون وكالب بن يافنا ثيابهما، وكانا من جواسيس الأرض، وقالا لجماعة بني إسرائيل:"إن الأرض مررنا بها وحسِسْناها صالحًة، (2) رضيها ربُّنا لنا فوهبها لنا، وإنها.. تفيض لبنًا وعسلا (3) ولكن افعلوا واحدة:

(1) السياق:.. إذ جبنوا وخافوا.. وقالوا"، معطوفا على ذلك.

(2)

"حس منه خيرًا وأحس"، رآه وعلمه.

(3)

في المطبوعة والمخطوطة: "وإنها لم تكن تفيض لبنًا وعسلا"، وهو لا يستقيم، والذي جاء في كتاب القوم، في سفر العدد، في الإصحاح الثالث عشر:"وحقًا إنها تفيض لبنًا وعسلا"، وفي الرابع عشر = وهو نص هذا الكلام بالعربية="ويعطينا إياها أرضًا تفيض لبنًا وعسلا". فحذفت"لم تكن"، ووضعت مكانها نقطًا، مخافة أن تكون الكلمة محرفة عن شيء لم أعرفه.

ص: 182

لا تعصُوا الله، ولا تخشوا الشعب الذين بها، فإنهم خُبْزُنا، ومُدَفَّعون في أيدينا، (1) إن كبرياءهم ذهبت منهم، (2) وإن الله معنا فلا تخشوهم. فأراد جماعة من بني إسرائيل أن يرجموهما بالحجارة.

11680 -

حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أنهم بعثوا اثنى عشر رجلا من كل سبط رجلا عيونًا لهم، وليأتوهم بأخبار القوم. فأمَّا عشرة فجبَّنُوا قومهم وكرَّهوا إليهم الدخول عليهم. وأما الرجلان فأمرا قومهما أن يدخلوها، وأن يتبعوا أمر الله، ورغَّبا في ذلك، وأخبرا قومهما أنهم غالبون إذا فعلوا ذلك.

11681 -

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"عليهم الباب"، قرية الجبَّارين.

* * *

(1) في المطبوعة: "فإنهم جبناء مدفعون.."، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في كتاب القوم في سفر العدد، الإصحاح الرابع عشر. ويعني بقوله:"خبرنا"، أي هم طعمة لنا وغنيمة، كما نقول بالعربية.

(2)

في المطبوعة: "إن حاربناهم ذهبت منهم"، ولا أدري ما هذا. وفي المخطوطة:"إن حرباهم ذهبت منهم". ورأيت أن أقرأها كذلك، فإني رأيت في كتاب القوم:"قد زال عنهم ظلهم، والرب معنا"، كأنه يعني: قد ذهب عنهم ما كان ملازمًا لهم من الجرأة والقوة والبطش والمهابة.

هذا، ومن المفيد أن تقارن هذا المروى عن ابن إسحق، بترجمة التوراة الموجودة في أيدينا، فإن هذه الروايات عن ابن إسحق، ترجمته قديمة للتوراة بلا شك. ولعل متتبعًا يتتبع هذه الرواية عن ابن إسحق وغيره، ويقارنها بالترجمة الموجودة الآن، فإن في ذلك فوائد تاريخية عظيمة، وفوائد في مناهج الترجمة قديمًا وحديثًا.

ص: 183