الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الهمزة مع الراء
902 -
" أرأف أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم علي، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا وإن لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجرل (ع) عن ابن عمر (ض) ".
(أرأف أمتي) في النهاية (1): الرأفة أرق من الرحمة ولا تكاد تقع في الكراهة والرحمة قد تقع في الكراهة لمصلحة انتهى. (بأمتي أبو بكر وأشدهم) الشدة القوة (في دين الله عمر) وشدته معلومة من أحواله (وأصدقهم حياء عثمان) الصدق والكذب في الأصل من صفات الأقوال وأطلق على الصفات والأفعال لأنه يراد به لازمه وهو الحق والباطل فقيل: حياء صادق أي واقع لا باطل واقع في محله، ومنه:"صدق الله وكذب بطن أخيك"(2)(وأقضاهم على) القضاء الحكم والفصل وكان على كذلك يدعو به له صلى الله عليه وسلم لما بعثه قاضياً إلى اليمن وفي الأمثال: قضية ولا أبا حسن لها (وأفرضهم زيد بن ثابت) الفرض في الأصل القطع وفرض الله شيء أوجبه والمراد هنا ما فرضه الله من سهام المواريث (وأقرأهم) أبي هو ابن كعب أي أعلمهم بالقراءة وأحسنهم قراءة وأحفظهم للقرآن (وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل) قد ورد في الحديث: "أنه يحشر يوم القيامة أمام العلماء بقذفة"(3) حجر (ألا) حرف تنبيه (وإن لكل أمة أمينا) هو صفة مشبهة من الأمانة وتقدم تفسيرها (وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن
(1) النهاية (2/ 176).
(2)
أخرجه البخاري (5336)، ومسلم (2217).
(3)
أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 29، 40)، والصغير (556).
الجراح) لما كان شأن الأمانة عظيمًا قدم عند الإخبار من اتصف بها كلمة التنبيه ثم حرف التأكيد ثم الإبهام ثم التفسير لأن الأمانة عظيمة الشأن ولأنها أول ما ترفع.
واعلم أن هؤلاء الثمانية من رؤوس الصحابة وأعيانهم وقد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم كل واحد منهم بأنه رأس في خصلة من خصال الخير وخصال الكمال المذكورة مع مشاركته للباقين فيما اختصوا به فمثلا اختص أبو بكر بزيادة الرأفة وشارك الباقين فيما اختصوا به ولهذا جيء باسم التفضيل فكل واحد من الثمانية يختص بالصفات الثمان إلا أنه فيما خص به أزيد من غيره في الاتصاف بتلك الصفة وهو في الاتصاف بما خص به غيره أنقص ونظيره وصف الرب تعالى لبعض رسله بصفة شريفة اختص بها كقوله في الذبيح عليه السلام أنه كان (صادق الوعد) مع أن سائر رسله كذلك إلا أنه خص الذبيح باختباره فيها فتميز بها وكوصفه أيوب عليه السلام بأنه وجده صابراً مع أن الرسل كلهم عليهم السلام كانوا من أهل الصبر على أذى قومهم وغيره لكنه لما اختبره تعالى ببلائه تميز بتلك الصفة وصار الفرد الكامل فيها ومن هذا تخصيص أبي عبيدة بن الجراح بأنه أمين هذه الأمة فهو أوحدي في هذه الصفة وإن كان غيره أمينًا أيضًا (ع عن ابن عمر)(1) رمز المصنف لضعفه لأن فيه ابن البيلماني وحاله معروف ولكن قد ورد عن أنس وجابر وغيرهما عند الترمذي وابن حبان وابن ماجه والحاكم وغيرهم لكن بلفظ روايتهم "أرحم" بدل "أرأف" وقال الترمذي: حسن [1/ 244] صحيح، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما وتعقب (2).
(1) أخرجه أبو يعلى (5763) وابن البيلماني سبق الكلام عليه، والحاكم (3/ 535) وسكت عليه وقال الذهبي: كوثر [بن حكيم] ساقط وأورده ابن عدي في الكامل (6/ 77) في ترجمة كوثر بن حكيم. وصححه الألباني في صحيح الجامع (868)، والسلسلة الصحيحة (1224).
(2)
أما رواية أنس: أخرجه ابن حبان (7131) وابن ماجه (154) والترمذي (3791) وأحمد=
وقال الحافظ في الفتح (1): هذا الحديث أورده الترمذي وابن حبان من حديث عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء مطولاً وأوله أرحم وإسناده صحيح إلا أن الحافظ قال: إن الصواب في أوله الإرسال والموصول منه ما اقتصر عليه البخاري.
903 -
"أراكم ستشرفون مساجدكم بعدي كما شرفت اليهود كنائسها، وكما شرفت النصارى بيعها (هـ) عن ابن عباس (ض).".
(أراكم) من الرؤية إن كانت الرواية بفتح الهمزة كأنه كشف له صلى الله عليه وسلم كلما يكون بعده حتى أنه يشاهدهم عياناً أو من الرؤية بمعنى الظن إن كانت الراوية بضمها (ستشرفون مساجدكم بعدي) تجعلون فيها شرافات وقد تقدم الأمر ببنائها جماً (كما شرفت اليهود كنائسها) جمع كنيسة وهي متعبد اليهود (وكما شرفت النصارى بيعها) بكسر الموحدة وفتح المثناة التحتية، جمع بين بيعة وهي متعبد النصارى، وهذا من أعلام النبوة فإنه قد وقع ذلك كما قاله صلى الله عليه وسلم وهذا التشبيه يفيد تحريم تشريفها لأنه شبه بمن حرم التشبه بهم وحديث الأمر ببنائها جماً يفيد ذلك. [وفي شرح المناوي أنه مكروه، وقال: وأخذ بذلك الشافعية، فكرهوا نقش المسجد وتزويقه واتخاذ شرافات له](5 عن ابن عباس)(2) رمز المصنف لضعفه.
= (3/ 281) والحاكم (3/ 422)(4/ 335) أما رواية جابر: أخرجه الطبراني في الصغير (556) وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 13).
(1)
الفتح (8/ 167).
(2)
أخرجه ابن ماجه (740) وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 94) هذا إسناد ضعيف فيه ليث وهو ابن أبي سليم انظر ميزان الاعتدال (5/ 509) ضعيف وجبارة بن المغلس وهو كذاب، انظر ميزان الاعتدال (2/ 111) والمغني (1087) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (743) والسلسلة الضعيفة (2733).
904 -
"أربى الربا شتم الأعراض، وأشد الشتم الهجاء، والراوية أحد الشاتمين (عب هب) عن عمرو بن عثمان مرسلاً".
(أربى الربا) هو لغة الزيادة وفي الشرع الزيادة على أصل المال من غير عقد (شتم) بالشين المعجمة ومثناة فوقية السب و (الأعراض) جمع عرض قال في النهاية (1): هو موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره وقيل هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عليه أن ينتقص ويثلب قال ابن قتيبة: عرض الرجل نفسه وبدنه لا غير (وأشد الشتم الهجاء) بالمد هو الشتم بالشعر وذلك لأنه يبقى ويحفظ ويتناقله الناس (والراوية) أي للشتم سواء كان رواية للهجاء أو للشتم الذي لم ينظم فإنه (أحد الشاتمين) بالتثنية وبالجمع. كما ورد أن راوي الكذب أحد الكاذبين فرواية الشتم محرمة نظماً ونثراً وهو شريك الشاتم في الإثم وإنما سمى الشتم ربا لما يأتي في الحديث الثاني فهو يفصل بما أجمل هنا (عد هب عن عمرو بن عثمان)(2) هو من التابعين عظيم الشأن (3)(مرسلاً) قال الشارح وفيه مع إرساله انقطاع.
905 -
"أربى الربا تفضيل المرء على أخيه بالشتم ابن أبي الدنيا في الصمت عن أبي نجيح مرسلاً".
(أربى الربا تفضيل المرء على أخيه بالشتم) أن يفضل عليه ويزيد على شتمه له إن شتمه أخوه شتمة شتمه اثنتين وقد جاء بيانه في حديث أخر: السبتين
(1) النهاية (3/ 214).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (11/ 176)(20252) والبيهقي في الشعب (5092) مرسلاً، قال المناوي:(1/ 461) قال الذهبي في المهذب: منقطع. وضعف الألباني زيادة "وأشد الشتم الهجاء والراوية أحد الشاتمين" عن عمرو بن بن عثمان لأنه منقطع ومرسل.
وصحح أوله "أربى الربا شتم الأعراض" وانظر السلسلة الصحيحة (1433)
(3)
انظر: التقريب (5077).
بالسبه فسمى زيادة المجيب أربى الربا وهذا لمن انتصر بعد ظلمه وأما غيره فأشد إثما (ابن أبي الدنيا في الصمت عن ابن أبي نجيح مرسلاً)(1) بالنون مفتوحة فالجيم فمثناة تحتية فحاء مهملة تابعي واسم ابن أبي نجيح عبد الله (2) واسم أبي نجيح يسار.
906 -
"أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وحسن الخلق، وعفة مطعم (حم طب ك هب) عن ابن عمر (طب) عن ابن عمرو (عد) وابن عساكر عن ابن عباس (ح) ".
(أربع) التأنيث باعتبار موصوف مقدر أي خلال أو صفات (إذا كن فيك) إذا اتصفت بهن (فلا عليك) حذف اسم لا أي فلا فائت عليك (ما فاتك) كلمة لا موصولة الذي فاتك وهو فاعل اسم الفاعل الموصوف أي فائت المقدر الذي هو اسم لا أي إذا اتصفت بهذه الخصال فلا فائت عليك الذي فاتك (من الدنيا) أو من خلال الكمال أو نحوه ذلك أي ليس فاتك حقيقة وإن كان فائتاً صورة لأنه بإحرازه هذه الصفات يكمل له [1/ 245] الدين والدنيا فلا يفوته إلا ما لا يعد فائتا (صدق الحديث) إضافة إلى المفعول مع حذف الفاعل أي صدقك الحديث أي ما حدثت به غيرك والمواد في كل حديث كما يفيده إضافة المصدر وتعريف الحديث ولأنه لا كمال إلا في ذلك لا في غيره فإنه قد يصدق الكذوب (وحفظ الأمانة) حفظك إياها كما سلف في جميع ما ذكر (وحسن الخلق) تقدم تحقيقه (وعفة مطعم) بفتح المهملة مصدر عف يعف عما وعفافًا وعفافة وعفة قاله القاموس (3) وفسره النهاية (4) بالكف
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت (174) عن أبي نجيح مرسلاً وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (744).
(2)
انظر: التقريب (3662)، والطبقات الكبرى (5/ 482).
(3)
القاموس المحيط (ص 1084).
(4)
النهايه (3/ 264).
عن الحرام والسؤال من الناس انتهى، وخص صلى الله عليه وسلم المطعم لأنه أعظم ما يطلبه الناس وحاجتهم إليه دائمة متصلة وإلا فالعفة مطلوبة في كل شيء (حم طب ك هب عن ابن عمر طب عن ابن عمرو عد وابن عساكر عن ابن عباس)(1) رمز [المصنف] لحسنه.
907 -
"أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة (م) عن أبي مالك الأشعري (ص ح) ".
(أربع في أمتي من أمر الجاهلية) من خصالهم المذمومة (لا يتركونها) إخبار بما يقع مع ذمهم على ذلك كما أفاده أنهما من أمر الجاهلية (الفخر في الأحساب) في النهاية (2): الفخر إدعاء العظم والكبر والشرف والحسب في الأصل الشرف في الآباء وما يعده الإنسان من مفاخرهم، وقيل: الحسب والكرم يكونان في الرجل وإن لم يكن له آباء لهم شرف انتهى. وكلمة في سببية أي سبب الأحساب (والطعن) يقال طعن فيه وعليه يطعن بالضم للعين وفتحها إذا عابه (في الأنساب) القدح فيها (والاستسقاء بالنجوم) برقته عيدها واعتقاد أنه من جهتها كما كانوا يقولون مطرنا بنؤ كذا وكذا كما يأتي (والنياحة) من ناحت المرأة زوجها وعليه نوحاً والاسم النياحة بالكسر للنون كما في القاموس (3) ويأتي من حديث جنادة الإخبار بأنها لا تدعها الأمة وعد ثلاثاً من هذه الأربع وترك الفخر بالأحساب فمفهوم العدد غير مراد وهو كما أسلفناه أنه صلى الله عليه وسلم أخبر بالأقل قبل
(1) أخرجه أحمد (2/ 177) والطبراني في الكبير (13/ 57) رقم (141)، والحاكم (4/ 314) والبيهقي في الشعب (5257) عن ابن عمر والطبراني في المعجم الكبير (4/ 145) والبيهقي في الشعب (4801) عن ابن عمرو وحسّن إسنادهما المنذري (2/ 345) والهيثمي (4/ 145) وأخرجه ابن عدي في الكامل (1/ 160) من رواية ابن عباس.
(2)
النهاية (3/ 218).
(3)
القاموس (ص 314).
إعلام الله له بالأكثر وهذا من أعلام النبوة فإن هذه الأمور واقعة في الأمة.
واعلم أن بناء هذه الأحاديث على هذا الأسلوب من ذكر العدد أولاً مجملاً ثم المعدود مفصلاً لزيادة البيان وحسن الموقع عند السامع لتعلمها علماً إجمالياً ثم تفصيليًا وعلمان خير من علم، وسبق حديث أبي هريرة أن الطعن في الأنساب والنياحة كفر (م عن أبي مالك الأشعري)(1).
908 -
"أربع حق على الله تعالى عونهم: المغازي، والمتزوج، والمكاتب، والحاج (حم) عن أبي هريرة (صح) ".
(أربع) أي أنفس فأنث باعتباره وإلا فالمذكور مذكر (حق على الله عونهم) أي واجب الإنجاز بوعد الله كما أفاده في النهاية (2) والعون: الإعانة أي هؤلاء الأربعة ثابت بوعد الله إعانتهم منه تعالى لأن كلاً منهم مريد لأمر قد ندب الله تعالى إليه وحث على فعله وهو الذي يعين عباده على ما أمرهم به (المغازي في سبيل الله والمتزوج) لإعفاف فرجه (والمكاتب) لمولاه على تخليص رقبته من الرق (والحاج) يريد بيت الله لفرضه أو لنفله لعموم لفظه (حم عن أبي هريرة)(3) رمز المصنف لصحته.
909 -
"أربع دعوات لا ترد: دعوة الحاج حتى يرجع، ودعوة الغازي حتى يصدر، ودعوة المريض حتى يبرأ، ودعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب. وأسرع هذه
(1) أخرجه مسلم (934).
(2)
النهاية (2/ 150).
(3)
أخرجه أحمد في المسند (2/ 251) من رواية أبي هريرة بلفظ: "ثلاث كلهم حق على الله عونه: المجاهد في سبيل الله والناكح المستعفف والمكاتب يريد الأداء".
وأما لفظ المصنف فإنني لم أقف عليه في المسند وأما رواية أحمد هذه فقد رواها ابن الجارود (979)(980) والحاكم (2/ 160) وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم، قلت: وليس كذلك فإن في إسناده محمَّد بن عجلان إنما روى له مسلم في الشواهد ولم يحتج به. انظر الميزان (6/ 256) والتقريب (6136)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (749).
الدعوات إجابة دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب (فر) عن ابن عباس (ض) ".
(أربع دعوات لا ترد) بل تجاب فهو كناية عن إجابتها [1/ 246] ومفهوم العدد غير مراد لأنه ثبت أن دعوة المظلوم لا ترد (دعوة الحاج حتى يرجع) ظاهره من يوم خروجه من وطنه اجتمع فيه سببا الإجابة الحج والسفر (ودعوة الغازي) في سبيل الله (حتى يصدر) من غزوه (ودعوة المريض حتى يبرأ) من مرضه (ودعوة الأخ) في الدين (لأخيه بظهر الغيب) حال كونه غائبا عنه (وأسرع هؤلاء الدعوات إجابة) أقربها إليها (دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب) ويأتي أن الملك يقول: ولك مثله فيدعو له الملك، فينبغي إذا أراد أن يدعو لنفسه أن يدعو لأخيه فيدعو له الملك (فر عن ابن عباس) (1) رمز المصنف لضعفه لأن فيه عبد الرحيم بن زيد الحواري قال البخاري: تركوه.
910 -
"أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر (حم ق 3) عن ابن عمرو (صح) ".
(أربع) من الخصال والصفات (من كن فيه) متصفًا بهن (كان منافقا خالصاً) في نفاقه (ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها) يتركها وتقدم حديث أبي هريرة عند الشيخين: "آية المنافق ثلاث" وعدَّ منها الأولين هنا وهي (إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف) وأبدل قوله (وإذا عاهد غدر بقوله) وإذا ائتمن خان (وإذا خاصم فجر) قال النووي (2): حصل من مجموع الحديثين خمس خصال لأنهما تواردا على الكذب في الحديث، والخلف
(1) أخرجه الديلمي في مسند الفردوس كما في (الكنز 3304) عن ابن عباس وفي إسناد عبد الرحيم بن زيد الحواري متروك، انظر: الكاشف (3355) والتقريب (4055) وقال الألباني في ضعيف الجامع (751) والسلسلة الضعيفة (2533) موضوع.
(2)
شرح مسلم (2/ 47).
في الوعد وزاد الأول إذا ائتمن خان والتاني إذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر، قال الحافظ (1) ابن حجر في الفتح: قلت: في رواية مسلم الثاني بدل "الغدر في المعاهدة""الخلف في الوعد" كما في الأول فيكون بعض الرواة تصرف في لفظه بأن معناهما قد يتحد وعلى هذا فالمراد خصلة واحدة وهي الفجور في الخصومة، والفجور الميل عن الحق والاحتيال في رده وهذا قد يندرج في الخصلة الأولى وهي الكذب في الحديث انتهى فحينئذ تعود إلى الثلاث وإنما جعلها صلى الله عليه وسلم آية المنافق لأنها منبهة على ما عداها إذ أصل العبادة منحصر في ثلاث: القول والعمل والنية، على فساد الأقوال بالكذب وعلى فساد الأفعال بالخيانة وعلى فساد النية بالخلف لأن خلف الوعد لا يقدح إلا مع العزم عليه مقارن للوعد كما سبق.
واعلم أنه قد استشكل الحديث بأن هذه الخصال قد توجد في المسلم والإجماع منعقد على عدم الحكم بكفره؟ وأجيب عنه بأجوبة:
الأول: أن هذه الخصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال متخلق بأخلاقهم، فالمعنى أن صاحب هذه الخصال كالمنافق فيكون مجازاً وهذا على أن المراد بالنفاق نفاق الكفر.
والثاني: أن المراد بالنفاق هنا نفاق العمل لا نفاق الكفر وارتضاه القرطبي والحافظ ابن حجر.
والثالث: أنه أطلق النفاق على صاحبها للتحذير والإنذار عن ارتكابها وأن الظاهر غير مراد ومال إليه الخطابي.
الرابع: أن يراد أنه يتصف بذلك من اعتادها وصارت له ديدنا ودل بذلك التعبير بإذا فإنها تدل على تكرار الفعل، كذا قاله الخطابي، وقال الحافظ ابن
(1) الفتح (1/ 90).
حجر بعد نقله الأقوال: والأولى ما قاله [1/ 247] الكرماني أنه حذف المفعول من حدث فدل على العموم أي إذا حدث في كل شيء كذب فيه أو يصير لازماً أي أنه إذا أوجد ماهية التحديث كذب.
قلت: يريد أنه نزل منزلة اللازم فلا يلاحظ له مفعول أصلاً.
قلت: ولابد من تقييد هذا بأن يراد إذا حدث في أمور الدين مثلاً فإنه قد يصدق في حديثه عن نفسه وعن ولده وعن خاصته فإن قوله تعالى حكايته عن المنافقين إنهم {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ} [البقرة: 14] كلام صادق قد حدثوا به عن أنفسهم.
الخامس: أنه محمول على من غلبت عليه هذه الخصال تهاوناً واستخفافاً بها وبأمرها فإن من كان كذلك كان فاسد الاعتقاد في الغالب.
قلت: وهذا قريب واعلم أن هذا الإشكال وارد على تقدير كون اللام في المنافق جنسية وقيل هي عهدية وأنها في معنى أو في منافقي عصره صلى الله عليه وسلم وتمسك القائل بهذا بأحاديث ضعيفة جاءت في ذلك قال الحافظ ابن حجر: لا يثبت منها شيء يتعين المصير إليه (1)(حم ق 3 عن ابن عمرو بن العاص)(2).
911 -
"أربع من كن فيه حرمه الله تعالى على النار، وعصمه من الشيطان: من ملك نفسه حين يرغب وحين يرهب، وحين يشتهي، وحين يغضب. وأربع من كن فيه نشر الله تعالى عليه رحمته وأدخله الجنة: من آوى مسكيناً، ورحم الضعيف، ورفق بالمملوك، وأنفق على الوالدين الحكيم عن أبي هريرة (ض) ".
(أربع من كن فيه حرمه الله على النار) أي جعله ممنوعاً منها وتحريم النار
(1) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتب مسلم للقرطبي (1/ 249 - 251)، وفتح الباري (1/ 90 - 91) و (5/ 376).
(2)
أخرجه أحمد (2/ 198)، والبخاري (34) ومسلم (58) وأبو داود (4688) والترمذي (2632) والنسائي (8/ 116) عن ابن عمرو.
استعارة بنعته من المنع كما يمنع المحرم من المحرم عليه وفيه "فقد حرم الله عليه الجنة"(وعصمه من الشيطان) العصمة المنع أي منعه من متابعته (من ملك نفسه) هو من ملك الشيء احتواه قادراً على الاستبداد به، والمراد قدر على نفسه فصرفها بالمنع (حين يرغب) فيما نهى الله عنه من الشر وهو من رغب فيه كسمع إذا أراده (وحين يرهب) من رهب كعلم خاف أي وملكها حين يخاف من فعل المأمور به في الخير كالجهاد وبذل المال ونحوه وملكها (وحين يشتهى) فالقاموس (1) اشتهى الشيء أحبه ورغب فيه وعليه فالمشتهى أخص من المرغوب فيه لتفسيره رغب بأراد فهو من ذكر الخاص بعد العام ملكها (حين يغضب) والغضب حركة النفس لإرادة الانتقام فمن ملك نفسه عند ذلك ومنعها عما منع عنه الشارع فقد أحرز أشرف خصاله وتقدم في الغضب أحاديث ويأتي فيه أيضاً (وأربع) من الصفات (من كن فيه نشر الله عليه رحمته وأدخله الجنة) وعدها بقوله (من آوى) يقصر ويمد بمعنى واحد يقال أوى إليه إذا أنزله (مسكينًا ورحم الضعيف) ظاهره وإن لم يفعل شيئاً غير الرحمة بقلبه (ورفق بالمملوك) الرفق ضد العنف وهو أن لا يكلف المملوك فوق طاقته وأن يحسن مخالقته ويلطف به (وأنفق على الوالدين) له (الحكيم عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه (2).
912 -
"أربع من أعطيهن فقد أعطى خير الدنيا والآخرة: لسان ذاكر، وقلب شاكر، وبدن على البلاء صابر وزوجة لا تبغيه خونا في نفسها ولا ماله (طب هب) عن ابن عباس (ح) ".
(أربع) أي عطايا كما يرشد إليه قوله (من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا
(1) القاموس المحيط (ص 1678).
(2)
أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (4/ 50)، قال المناوي (1/ 465): إسناده ضعيف، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (761) والسلسلة الضعيفة (7004) في إسناده من لا يعرف.
والآخرة) أي يكون سبباً لنيل خير الدارين (لسان ذاكر) لله تعالى ونسب الذكر إليه لأنه فعله مثل نسبة الكتب إلى الأيدي في قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ} [البقرة: 79] والمشي إلى الأقدام ومثله قوله (وقلب شاكر) في نسبة الشكر إلى القلب وإلا فإن الشكر موارده القلب واللسان والأركان كما عرف في محله إلا أن القلب هو الرئيس الذي تكون طاعة الجوارح [1/ 248] متابعة له ومثله نسبة الصبر إلى البدن في قوله (وبدن على البلاء) من الأسقام ونحوها (صابر) وإلا فإن الصبر من متعلقات القلب (وزوجة لا تبغيه) في القاموس (1) بغية أبغيه بغى وبغاءً وبغية بضمتين وبغيته بالكسر طلبته والمراد لا تطلبه (خونا في نفسها ولا في ماله) وذلك بأن تخونه فيهما فإذا خانته فقد طلبت منه أن يجعلها خائنة مبالغة في تقبيح ما تأتيه وإنما كانت هذه الخصال مشتملة على خير الدنيا والآخرة لأن من اتصف بالثلاث الخلال الأول الخاصة به كان متلقيا لكل واردة ترد عليه بالرضا وفي الرضا قرة العين في الدارين وبالزوجة التي اتصفت بما ذكر يكمل له حال منزله ومعاشه فتعينه على دينه ودنياه (طب هب عن ابن عباس)(2) رمز المصنف لحسنه.
913 -
"أربع من سنن المرسلين: الحياء، والتعطر، والنكاح، والسواك (حم هب) عن أبي أيوب (ح) ".
(أربع من سنن المرسلين) جمع سنة وهي الطريقة وإذا كانت من طرائقهم
(1) القاموس المحيط (ص 1631).
(2)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (11/ 134) رقم (11275) وفي الأوسط (7212) والبيهقي في شعب الإيمان (4429) وقال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 256): إسناده جيد. وقال الهيثمي (4/ 272): رجال الأوسط رجال الصحيح. قلت في إسناده مؤمل بن إسماعيل قال أبو حاتم صدوق شديد في السنة كثير الخطأ وقال البخاري منكر الحديث وقال أبو زرعة في حديثه خطأ كثير. انظر الميزان (6/ 571)، وضعّفه الألباني في ضعيف الجامع (756) والسلسلة الضعيفة (1066).
وقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم أن يقتدى بهم قال تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] وقد أمرنا باتباعه صلى الله عليه وسلم {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] فإخبارنا بأنها من سننهم حث لنا على فعلها والإتيان بها (الحياء) ضبط بالمهملة والنون وهو المناسب لقرينة وضبط بالمثناة التحتية معها وقد ورد في الحياء عدة أحاديث وتقدم تفسيره بأنه تغير وانكسار يلحق الإنسان من خوف ما يعاب به وقد قيل: إنه اكتسابي وكيفية اكتسابه أن الإنسان إذا هم بأمر فمن حقه أن يتصور أقل من في نفسه أن يطلع على عيبه وكذلك لا يستحي الإنسان من الحيوان غير الناطق ولا من الأطفال الذين لا يميزون ويستحي من العالم أكثر من الجاهل.
قلت: ويرشد إلى هذا التصوير قوله صلى الله عليه وسلم: "استحي من الله استحياك من رجلين صالحي عشيرتك" أخرجه ابن عدي (1) عن أبي أمامة وعلى أنه أريد به الأول أعني بالنون بعد المهملة فالمراد خضب الشيب بالحناء.
وقد اختلف العلماء في خضب غير الشيب بالحناء كاليدين والرجلين لغير ضرورة فقال العجلي من أصحاب الشافعي أنه حرام وتبعه النووي (قال التمازى رحمه الله: قال شيخنا في كتابه وكلام صاحب البيان والماوردي والرافعي وغيرهم يقتضي الحل وهو المختار انتهى.
قلت: وقد أورد المرعي شارح التنبيه عدة أحاديث في (إباحيته بل في استحبابه ولكنها ضعيفة إلا أن الأصل الجواز والتحريم لم يقم عليه دليل وما ذكره المانعون من التشبه بالنساء ممنوع. (والتعطر) وهو استعمال الطيب وقد حبب إليه صلى الله عليه وسلم كما حبب إليه الثالث وهو (النكاح) فإنه من سنن المرسلين وإن كان منهم من لم ينكح كيحيى وعيسى عليهما السلام (والسواك) فإنه مما كان
(1) أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 136) وقال: فيه جعفر بن المزيد عن القاسم وعامة أحاديثه مما لا يتابع عليها والضعف على حديثه بيّن.
يحبه صلى الله عليه وسلم وكثرت منه الأحاديث والحديث حث على هذه الأربعة (حم هب عن أبي أيوب) رمز المصنف لحسنه (1).
914 -
"أربع من سعادة المرء: أن تكون زوجته صالحة، وأولاده أبرارا، وخلطاؤه صالحين، وأن يكون رزقه في بلده ابن عساكر (فر) عن علي وابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن عبد الله بن الحكم عن أبيه عن جده (ض) ".
(أربع من سعادة المرء) السعادة ضد الشقاوة والمراد سعادته في الدارين (أن تكون زوجته صالحة) هي التي تقدمت بأنها لا تبغيه خونا في نفسها ولا ماله أو التي يأتي الحديث فيها بقوله: "خير نسائكم الودود الولود المواسية المواتية إذا اتقين الله"(وأولاده أبرار) جمع بر وهو ضد العاق (وخلطاؤه) من يختلط به (صالحين) يعينونه على دينه ودنياه فإن القرين الصالح زينة لمن يخالطه ومعين له (وأن يكون رزقه في بلده) فلا يخرج لطلبه فيكفي مؤونة مشقة الأسفار ومقاساة الأخطار والتعرض للمتالف من الدين والدنيا ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في دعائه: "اللهم إني أسألك الرزق المقيم بأهله"(2) على أحد التأويلين ولأن السفر قطعة من العذاب يمنع الإنسان طعامه وشرابه ونومه كما جاء بهذا اللفظ في حديث أبي هريرة عند الشيخين (ابن عساكر فر عن علي)(3) رمز المصنف لضعفه لأن فيه سهل بن عامر
(1) أخرجه أحمد (5/ 421) والبيهقي في الشعب (7719) والترمذي (1080) وقال الترمذي: حسن غريب عن أبي أيوب وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي: في تحسين الترمذي لهذا الحديث نظر فإنه قد تفرد به أبو الشمال وقد عرفت أنه مجهول تحفة الأحوذي (4/ 168) وأورده الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (12/ 140) في ترجمة أبي الشمال وقال: قال أبو زرعة: لا أعرف اسمه ولا أعرفه إلا في هذا الحديث أهـ
(2)
لم أقف عليه بهذا اللفظ فيما بين يدي من مصادر. راجع: جامع البيان للطبري (14/ 308).
(3)
أخرجه ابن أبي الدنيا في الإخوان (53)، وابن عساكر (54/ 178) وقال: غريبٌ جدًّا، والديلمي في مسند الفردوس والرافعي (2/ 389) قال المناوي (1/ 466) فيه سهل بن عامر البجلي قال الذهبي في المغني في الضعفاء (2677): كذبه أبو حاتم من رواية علي (كشف الخفاء 1/ 117) =
كذبه أبو حاتم البلخي وهو صدوق [1/ 249](ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن عبد الله بن الحكم عن أبيه عن جده) هو ابن أبي زائدة وهو صدوق.
915 -
"أربع من الشقاء: جود العين، وقسوة القلب، والحرص، وطول الأمل (عد حل) عن أنس".
(أربع من الشقاء جمود العين) هو كناية عن بخلها بالدموع من قولهم سنة جماد إذا كانت لا تمطر المراد بخلها بالدمع من خشية الله وعند تلاوة كتابه وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من عين لا تدمع وذلك لما يفوتها من وعد الله تعالى بأنه لا تمسها النار أبداً وبأنها لا ترى النار وبأنها لا تصيبها النار كما ثبت ذلك في أحاديث ستأتي (وقسوة القلب) هي غلظته وعدم لينه وإعراضه عن الله تعالى وهذا هو القلب الذي ذم الله أصحابه في قوله: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [البقرة: 74] وقد عاقب تعالى بني إسرائيل بقسوة قلوبهم كما قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة: 13] والقلب القاسي هو الذي يفتنه الشيطان ويتسلط عليه كما قال تعالى: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} [الحج: 53] وهو القلب الذي لا يرق لوعظ ولا يعتبر لآية تمر به ولا يتفكر في آيات الله كما قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46] وهو القلب الذي شبهه صلى الله عليه وسلم بالكوز مجخياً أسود مرباداً كما في حديث حذيفة عند مسلم (1) وسيأتي، وضده القلب الذي إذا ذكر الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ
=وقال ابن أبي حاتم في العلل: سئل أبو زرعة عن حديث رواه بقية عن إسحاق بن أبي يعقوب المدني عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده قال -فذكره- قال أبو زرعة: هذا حديث منكر أهـ.
وذكره الألباني في ضعيف الجامع (759) وقال: ضعيف جداً، وقال في السلسلة الضعيفة (1148): موضوعٌ. وقد ورد في الأصل: عبد الله بن الحكم بدل عبد الله بن الحسن، وهو خطأ.
(1)
أخرجه مسلم (144).
قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2] والقلب الذي يلين لذكر الله {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23] والقلب الذي يطمئن بذكر الله {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28](والحرص وطول الأمل) فهما من أمهات خصال الشر تدعوان إلى الشقاوة (عد حل عن أنس)(1) سكت عليه المصنف وقال الهيثمي: فيه ضعيف جداً وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وأقره المصنف في مختصر الموضوعات.
916 -
"أربع لا يشبعن من أربع: عين من نظر، وأرض من مطر، وأنثى من ذكر، وعالم من علم (حل) عن أبي هريرة (عد خط) عن عائشة (ض) ".
(أربع) من المخلوقات أو الموجودات أو الكائنات (لا يشبعن من أربع) أي لا يزلن مستدعيات لما ذكر استدعاء الجائع للطعام (عين من نظر وأرض من مطر وأنثى من ذكر وعالم من علم) في معناه حديث أنس: "منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا"(2) وتقدم حديث ابن عمر: "أجوع الناس طالب العلم"(3) إن قيل قد زيد في حديث أنس خامساً وهو طالب الدنيا فمفهوم
(1) أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 248) وقال: حديثٌ موضوعٌ وضعه سليمان بن عمرو علي إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وأبو نعيم في الحلية (6/ 175)، وأما قول الهيثمي في المجمع (10/ 226) فإنه قال فيه هانئ بن المتوكل وهو ضعيفٌ وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (1590)، والحافظ ابن حجر في لسان الميزان (1/ 186) وقال: هذا حديث منكر وقال الشوكاني في الفوائد (51): في إسناده وضاعان. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (758) والسلسلة الضعيفة (1522).
(2)
أخرجه الدارمي (331)، والحاكم (1/ 169) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(3)
ذكره الألباني في ضعيف الجامع (154) وقال: ضعيف، وقال في السلسلة الضعيفة (820): موضوع، في إسناده محمَّد بن عبد الرحمن البيلماني قال الذهبي في المغني (5727) ضعفوه، وقال البخاري منكر الحديث وقال الدارقطني وغيره ضعيف، وقال ابن عدي كل ما يرويه ابن البيلماني فإن البلاء فيه منه ومحمد بن الحارث أيضاً ضعيف، انظر الميزان (6/ 224) وقال ابن حبان حدث عن أبيه بنسخة شبيها بمائتي حديث كلها موضوعة لا يجوز الاحتجاج به. انظر المجروحين المجروحين (2/ 266).
العدد غير مراد، قيل: يحتمل ذلك ويحتمل أن هذه الأربعة أشد مما سواها في أنها لا تشبع فالمفهوم يعتبر، وحديث أنس وإن قرن فيه بين طالب العلم وطالب الدنيا فإنه لا يدل على استوائهما في أنهما لا يشبعان بل في حديث ابن عمر دلالة في أنه لا يساوي طالب العلم غيره لا يقال فيشكل هنا جعله مساويًا لقرائنه لأنا نقول لا دلالة على الاستواء في الحكم المذكور بل إنما فيه دلالة على الاشتراك فيه فقط لا على المساواة بل تأخيره عنها يدل على أنه الأعرف في الحكم حيث ساقه مساق الترقي من الأدنى إلى الأعلى (حل عن أبي هريرة)(1) رمز المصنف لضعفه (عد خط عن عائشة) وعده ابن الجوزي من الموضوعات (2).
917 -
"أربع من قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء (د ت في الشائمل 5 وابن خزيمة عن أبي أيوب) "(صح).
(أربع) من الركعات (قبل الظهر)[1/ 250] قبل صلاته بعد دخول وقته كما يفيده حديث عبد الله بن السائب عند أحمد (3) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعاً بعد زوال الشمس وقال: إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح وهذه هي الأربع التي كان لا يدعها صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة عند البخاري: "أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعاً قبل الظهر
…
" (4)، وفي الترمذي من حديث علي رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعاً يطيل فيهن القيام
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلبة (2/ 218) والعقيلي في الضعفاء (2/ 296) عن أبي هريرة وأخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 330) وابن عساكر (11/ 91)(36/ 211)(45/ 400) والطبراني في الأوسط (8266) والرافعي في التدوين (3/ 494) وإسناده موضوع، فيه الحسين بن علوان الكلبي كذاب كما في الميزان (2/ 298) وقال الألباني في ضعيف الجامع (763) والسلسلة الضعيفة (766): موضوع.
(2)
الموضوعات (64).
(3)
أخرجه أحمد في المسند (3/ 411).
(4)
أخرجه البخاري (1127).
ويحسن فيهن الركوع" (1) وهذه ساعة الأوابين التي تقدم فيها حديث أبي سفيان وابن أبي أوفى "إذا فأت الأفياء وهبت الأرواح فاذكروا حوائجكم فإنها ساعة الأوابين" (2) (ليس فيهن تسليم) أي بينهن بل تكون رباعية وهذا مخصص لحديث ابن عمر عند أحمد والأربعة: "صلاة الليل والنهار مثنى" (3) وهل يقعد بين الركعتين للتشهد الأوسط أم يصلي الأربع قال الشارح عن بعض العلماء: إن المراد بالتسليم التشهد وقال الطيبي: عبر عن التسليم بالتشهد لاعتباره فيه انتهى.
قلت: ولا يتم هذا التأويل إلا بعد قيام الدليل أنه يتشهد فيها التشهد الأوسط حتى يتوجه النهي إلى التسليم دونه إلا أنه يأتي حديث: "أنه كان يصلي قبل الظهر أربعاً لا يفصل بينهن بتسليم" فيكون قرينة التأويل لما هنا ولكنه إذا لم يفصل لا يدل على أنه يقعد للتشهد الأوسط (يفتح لهن أبواب السماء) كناية عن صعودهن وقبولهن (د ت في الشمائل 5 وابن خزيمة عن أبي أيوب)(4) رمز المصنف
(1) أخرجه الترمذي (424).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (4818)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 227)، والبيهقي في الشعب (2937).
(3)
أخرجه أبو داود (1295)، والترمذي (597)، والنسائي في الكبرى (1/ 179)، وابن ماجه (1322).
(4)
أخرجه أبو داود (1270) والترمذي في الشمائل (226) وابن ماجه (1157)، وابن خزيمة (1214) والبيهقي في السنن (2/ 488)، وتمام في الفوائد (380) الروض البسّام. وقال ابن أبي حاتم في العلل (2/ رقم 382): سمعت أبي يقول: أما حديث أبي أيوب -ذكره- قال أبي: إنما رواه عبيدة الضبي عن إبراهيم عن سهم بن منجاب عن قزعة عن قرثع عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبي: يرويه بكير بن عامر عن إبراهيم عن أبي أيوب مرسلاً وليس بقوي. وقال ابن عبد الهادي في تنقيح تحقيق أحاديث التعليق (1/ 499): إن هذا الحديث ضعيف أما عبيدة بن متعب، قال يحيى: ليس بشيء وقال أحمد: ترك الناس حديثه وقال محمَّد بن سعد كان ضعيفاً جدًّا وقال الفلاس: متروك.
وذكره ابن خزيمة في صحيحه (1214) بإسناده ثم ضعفه وقال: عبيدة بن متعب ليس ممن يجوز الاحتجاج بخبره عند من له معرفة برواة الأخبار أهـ.
قال مسلم في مقدمته (1/ 27): الحسن بن عيسى يقول: قال لي ابن المبارك: إذا قدمت على جرير=
لصحته وقال الشارح: فيه عبيدة بن معتب الضبي الكوفي ضعفه أبو داود وقال المنذري: لا يحتج بحديثه وقال ابن القطان وغيره: الحديث ضعيف وقال المنذري: في موضع آخر في إسناد أبي داود احتمال للتحسين.
918 -
"أربع قبل الظهر كعدلهن بعد العشاء، وأربع بعد العشاء كعدلهن من ليلة القدر (طس) عن أنس (ح) ".
(أربع قبل الظهر كعدلهن بعد العشاء) يماثلن أربع ركعات تفعل بعد العشاء (وأربع بعد العشاء كعدلهن من ليلة القدر) يماثلن أربعاً في ليلة القدر فهذه الأربع أفضل من الأربع قبل الظهر لأنها شبهت بهذه المشبه بعدلها من ليلة القدر وهل هذه التي بعد العشاء لا يفصل فيها بتسليم الحديث أطلقها عن ذلك القيد فهي باقية في عموم حديث ابن عمر: "صلاة الليل مثنى"، وهل هذه هي الصلاة أول الليل التي في حديث عائشة:"ما صلى رسول صلى الله عليه وسلم العشاء قط فدخل علي إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات ثم يأوي إلى فراشه"(1)(طس عن أنس)(2) رمز المصنف لحسنه.
919 -
"أربع لا يصبن إلا بعجب: الصمت، وهو أول العبادة، والتواضع، وذكر الله، وقلة الشيء (طب ك هب) عن أنس".
(أربع) من الخصال وصفات الخير (لا يصبن إلا بعجب) لا يبطل ثوابهن
=فاكتب علمه كله إلا حديث: "ثلاثة لا تكتب" حديث عبيدة بن معتب والسري بن إسماعيل ومحمد بن سالم. وقال البيهقي: وعبيدة بن متعب ضعيف، لا يحتج بخبره.
وانظر: الضعفاء والمتروكين للنسائي (405)، والكامل (5/ 353) والمجروحين (2/ 173)، والعلل للدارقطني (6/ 128)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (885).
(1)
أخرجه أبو داود (1303).
(2)
أخرجه الطبراني في الأوسط (2733) وفي إسناده: يحيى بن عقبة بن أبي العيزار وهو ضعيف جدًّا كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 230) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (755) والسلسلة الضعيفة (2739).
وكمال الاتصاف بهن إلا بعجب هو بضم العين وسكون الجيم الزهو والكبر أي لا يبطل ثوابهن إلا ذلك وقال الشارح: أنها بفتح العين والجيم أي لا توجد وتجتمع في إنسان في آن واحد إلا على وجه عظيم يتعجب منه لعظم موقعه إذ قل أن تجتمع انتهى.
ولا يخفى أن الأول هو الأقرب [1/ 251] إذ إخبار الشارع بما يبطل الأجور وبما يحصلها هو الذي بعث له الإخبار بأن من تكمل فيه خصال الخير قليل يتعجب من وجوده وإن كان هذا قد جاء عنه: "مثل الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة"(1) إلا أن حمله على الأول أولى ليفيد النهي عن العجب إلا أن تثبت رواية بالضبط فهي العمدة (الصمت) عما لا خير فيه (وهو أول العبادة) العبادة هي التذلل فالصمت ليس منها إلا أنه من مبادئها فإن من صمت فتحت له أبواب العبادة لأنه يشرب قلبه ويمتلئ بالخشوع فلذا جمع الله بين الإعراض عن اللغو والخشوع في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 1 - 3] إشارة إلى أنهما متلازمان ويلقي الحكمة فيحسن الاقتراب منه وفي حديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا رأيتم الرجل قد أعطى زهداً في الدنيا وقلة منطق فاقتربوا منه فإنه يلقي الحكمة"(2) كما تقدَّم (والتواضع) بأن لا يتكبر على أحد من العباد هو من تواضع إذا تذلل وتخاشع كما في القاموس (3)(وذكر الله) هو قرينة ما أشرنا إليه من أن المراد بالصمت عن اللغو وما لا خير فيه من الأقوال (وقلة الشيء) هو عبارة عن قلة ذات اليد فإنه علامة على أن الله يريد أن يصافيه كما تقدم من
(1) أخرجه مسلم (2547).
(2)
أخرجه ابن ماجه (4101) والطبراني في المعجم الكبير (22/ 392)(975) والمراسيل لابن أبي حاتم (254).
(3)
القاموس (997).
حديث علي رضي الله عنه: "إذا رأيتم العبد ألم به الفقر والمرض فإن الله يريد أن يصافيه"(1) والمراد مع الصبر على ذلك وعدم الشكوى وقد فضل الفقر على الغنى بهذا الحديث وأمثاله وبأن الغنى سبب الطغيان كما قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6 - 7] وقال: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [الإسراء: 23] الآية وقال الشاعر:
الفقر خير فاقتنع واقتصد
…
إن من العصمة أن لا تجد
كم واجد أطلق وجدانه
…
عنانه في بعض ما لم يرد
ومدمن للخمر غاد على
…
سماع عود وغناء غرد
لو لم يجد خمراً ولا مسمعا
…
برّد بالماء غليل الكبد (2)
والفقر شعار الصالحين والناس الأتقياء وسيأتي كلام في تفضيل الغنى على الفقر (طب ك هب عن أنس)(3) سكت المصنف عليه وهو بغفلة عن تضعيف المنذري والذهبي والحافظ العراقي له وتعجب الذهبي في الميزان من إخراج الحاكم له وقد عده ابن الجوزي في الموضوعات وتعقبه المصنف وقال ابن حبان: فيه العوام بن حوريه يروى الموضوعات وذكر له هذا الحديث.
920 -
"أربع لا يقبلن في أربعة: نفقة من خيانة أو سرقة أو غلول أو مال يتيم، في حج ولا عمرة ولا جهاد ولا صدقة (ص) عن مكحول مرسلاً (عد) عن ابن عمر (ح) ".
(1) أخرجه البيهقي في الشعب (9790)، في إسناده: موسى بن إبراهيم أبو عمران المروزي قال الذهبي كذبه يحيى، وقال الدارقطني وغيره متروك، ذكره الألباني في ضعيف الجامع (511) والسلسلة الضعيفة (2506) وقال: موضوع.
(2)
أورده محمود بن محمَّد الوراق المتوفى 220 هو من الشعراء العباسيين، انظر: الأعلام (7/ ....).
(3)
أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 256)(741)(4/ 311) والبيهقي في شعب (4982)، قال المنذري: في إسناده العوام وهو ابن جويرية وقال ابن حبان: كان يروي الموضوعات وقد عد هذا الحديث من مناكيره (3/ 342)، وانظر الميزان (5/ 365)، والمجروحين (2/ 196).
(أربع) أي نفقات أو صدقات (لا يقبلن في أربع نفقة من خيانة) بدل من الأربع بدل بعض (أو سرقة أو غلول) بضم المعجمة هو الخيانة في المغنم فعطفه على السرقة عطف عام على خاص (أو قال يتيم) فإن هذه الأربع لا تقبل (في حج) إن أنفقت فيه (ولا عمرة) وإن قبلتا منه فإنه آثم بالإنفاق (ولا جهاد ولا صدقة) لأن الله لا يقبل إلا طيبا والحرام خبيث وإذا لم يقبل في هذه التي هي أم خصال الخير ففي غيرها أولى (ص عن مكحول مرسلاً عد عن ابن عمر)(1) رمز المصنف لحسنه وفيه كوثر بن الحكيم قال الترمذي: تركوه وضعفوه.
921 -
"أربع أنزلن من كنز تحت العرش: أم الكتاب، وآية الكرسي، وخواتيم البقرة، والكوثر (طب) وأبو الشيخ والضياء عن أبي أمامة (صح) ".
(أربع) من الآيات والمراد بها العلامة الدالة على الرب لا معنى الآية [1/ 252] الواحدة من القرآن أو أربع من الجمل أو آيات وسور؛ لأنه عد سورتين وآيات مجموعها أربع (أنزلن من كنز) بالنون والزاي وهو المعدن في الأصل وأريد به هنا معدن خير الأقوال أي نزلن من شيء مكنوز (تحت العرش) في أشرف محل والمراد به أنه شيء ما أعطاه الله أحداً قبله صلى الله عليه وسلم كما صرح به حديث حذيفة في خواتيم البقرة أنه لم يعطها نبي قبله صلى الله عليه وسلم ويأتي على هذا زيادة (أم الكتاب) في القاموس (2): أم الكتاب أصله أو اللوح المحفوظ أو الفاتحة أو القرآن جميعه انتهى ولا يخفى أن المراد هو الثالث كما يرشد إليه حديث معقل:
(1) أخرجه الديلمي في الفردوس (1518) وابن عدي في الكامل (6/ 78) في ترجمة الكوثر وقال آخره وعامة ما يرويه غير محفوظ. وابن حبان في المجروحين (2/ 228)، في ترجمة الكوثر بن حكيم وقال كان ممن يروي المناكير عن المشاهير ويأتي عن الثقات ما ليس من حديث الأثبات. وفي الميزان (5/ 404) قال أبو زرعة ضعيف وقال ابن معين ليس بشيء وقال أحمد أحاديثه بواطيل ليس بشيء وقال الدارقطني وغيره متروك، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (765) والسلسلة الضعيفة (2741).
(2)
القاموس المحيط (1391).
"أعطيت فاتحة الكتاب من كنز تحت العرش"، سيأتي ولا يصح إرادة الرابع بل العطف يرشد إلى إرادة الثالث أيضاً وإرادة الرابع والقول أنه من عطف الخاص على العام مفيد جداً لأن الأحاديث إنما سيقت للتحدث بما أنعم الله به عليه من إعطائه آيات وسور مخصوصة لا في إعطائه القرآن جميعه (وآية الكرسي) قد سلف في أول هذا الحرف في آية الكرسي أنها ربع القرآن ووجه تفضيلها وبيان ما اشتملت عليه (وخواتيم البقرة) وهي من قوله تعالى:{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 284] إلى آخر السورة أو من قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة: 285](والكوثر) أي السورة المسماة به لذكره فيه وهو نهر في الجنة كما ثبت في الأحاديث (طب أبو الشيخ والضياء عن أبي أمامة)(1) رمز المصنف لصحته وفيه عبد الرحمن بن الحسن أورده الذهبي في الضعفاء وقال أبو حاتم: لا يحتج به والوليد بن جميل عن القاسم قال أبو حاتم: روى عن القاسم أحاديث منكره.
922 -
"أربع حق على الله تعالى أن لا يدخلهم الجنة، ولا يذيقهم نعيمها: مدمن خمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير حق، والعاق لوالديه (ك هب) عن أبي هريرة ة (صح) ".
(أربع) أي أنفس (حق على الله) أي ثابت عليه لعدله ووعيده ومفهوم عدده غير مراد فكم متوعد بهذا ثم المراد أن هذه حق عدله ووعيده لا حق فضله وعفوه فلا ينافيه ما تقدم من حديث أبي موسى عند أحمد: "أبشروا وبشروا من ورائكم من شهد أن لا إله إلا الله صادقاً بها قلبه دخل الجنة"(2)، وحديث عبادة
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/ 235) رقم (7920) وفي إسناده عبد الرحمن بن الحسن، ولا يحتج به كما في الضعفاء (3553) والوليد بن جميل روى عن القاسم أحاديث منكرة كما في الضعفاء (6847). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (747)، والسلسلة الضعيفة (2735).
(2)
أخرجه أحمد (4/ 402)، وقال الهيثمي في المجمع (1/ 16): رجاله ثقات.
عند أحمد: "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرم الله عليه النار"(1) ويحتمل أن المراد حق على الله (أن لا يدخلهم الجنة) حتى يدخلهم النار، كما ترشد إليه أحاديث وتقدم هنالك كلام بأبسط من هذا إلا أن قوله (ولا يذيقهم نعيمها) يشعر بعدم دخولهم إليها أبداً، وقد يحتمل على أن المراد لا يذيقهم مع السابقين الأولين (مدمن خمر) هو اسم فاعل من أدمن الشيء أدامه قاله في القاموس، ويأتي أن مدمن خمر كعابد وثن (وأكل الربا) تقدم ذكره مراراً (وأكل مال اليتيم بغير حق) فيه دليل على جواز أكل القائم بمال اليتيم منه كما أفاده قوله تعالى {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] والمسألة مبسوطة في محلها (والعاق لوالديه) تقدم تفسير العقوق وعقوق أحدهما كعقوقهما في الإثم وإن نقص عنه قليلاً لأن معصيتين أشد من معصية وذكرهما جميعاً بناء على الأغلب فإن الغالب أن العاق يعق أبويه معا وإنما قلنا أن عقوق أحدهما كعقوقهما لحديث: "من أدرك أبويه [1/ 253] أو أحدهما" وفي حديث أحمد: "والديه فمات فدخل النار فأبعده الله"(2). الحديث عند الطبراني وغيره من حديث جابر (ك هب عن أبي هريرة)(3) رمز المصنف لصحته وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي والمنذري بأن فيه متروكًا.
923 -
"أربع أفضل الكلام، ولا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر (هـ) عن سمرة (صح) ".
(1) أخرجه أحمد (5/ 318).
(2)
أخرجه أحمد (4/ 344)، والطبراني في الكبير (2/ 243)(2033).
(3)
أخرجه الحاكم (2/ 37) والبيهقي في الشعب (5530) وقال الذهبي في التلخيص: (قلت: إبراهيم قال النسائي: متروك أهـ. وقال المنذري في الترغيب (3/ 4) إبراهيم بن خثْيم بن عراك متروك. انظر ترجمته في: الجرح والتعديل (2/ 98)، والمغني (1/ 12)، واللسان (1/ 53)، وقال الألباني: في ضعيف الجامع (748) ضعيفٌ جدًّا.
(أربع أفضل الكلام) تقدم حديث سمرة أنها أحب الكلام إلى الله من رواية أحمد ومسلم وهنا نسبه أيضاً لسمرة إلا أنه لم يسم أباه وفي الصحابة جماعة بهذا الاسم فإن كان هذا هو ابن جندب كما هو الظاهر عند الإطلاق فالحديث واحد إلا أنه عبر تارةً "بأحب" وتارةً "بأفضل" وقدّم وأخّر إما لاختلاف رواياته أو رواته عنه وإن كان غيره فظاهر ويأتي من حديث أبي هريرة أنها خير الكلام فقد ثبت لهذه الأربع الأحبية والأفضلية والأخيرية وقد فسرت الباقيات الصالحات بهذه الكلمات (لا يضرك بأيهن بدأت) أي أنه لا ترتيب بين جملها (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) ووجه أشرفيتها على أشرف المطالب من تنزيه الرب تعالى وإثبات الحمد له وقهره عليه ونفي الشريك عنه وإثبات صفة الكبرياء وهذه هي أمهات الصفات والتوحيد قال بعض المحققين: إن صلاة التسبيح إنما فضلت وبلغت الرتبة التي وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بها إلا لأنها اشتملت على هذه الكلمات وترديدها فيها وهل هذا محمول على عمومه أعني قوله أفضل الكلام فيراد أنها أفضل كل كلام حتى القرآن أو المراد وما عداه يحتمل وحديث: "فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الرحمن على سائر خلقه"(1) يدل على أن المراد ما عدا القرآن وأن مراده خير كلام المخلوقين يدل له ما في غيره أن الله اختار من الكلام أربعاً ليس القرآن وهي من القرآن وذلك أن قوله ليس القرآن استثناء من اختار لكم والاختيار لا يكون إلا للأفضل فكأنه قال اختار لكم هذا الأفضل على كل كلام إلا القرآن فإن صحت هذه الرواية وهي في الطبراني عن أبي الدرداء دلت على أنها أفضل الكلام غير القرآن. وهل يعارضه حديث: "أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله"(2) وقد
(1) أخرجه أبو يعلى في معجمه (294)، والبيهقي في الشعب (2208).
(2)
أخرجه الترمذي (3585)، ومالك في الموطأ (500).
تدفع المعارضة بأن أفضل في هذا الحديث وورد: "أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة" و"أفضل ما قلت .. " الحديث، فيكون ذلك أفضل في يوم عرفة ويبقى أفضلية هذه الكلمات فيما عداه ويحتمل أن المراد أفضل ما قلت من الكلام المشتمل على توحيد الله بخلاف تلك الكلمات فإنها تشتمل عليه وعلى غيره ويحتمل أن أفضل تلك الكلمات لاشتمالها على كلمة التوحيد فلا تعارض حينئذ وفي قوله صلى الله عليه وسلم ولا يضرك بأيهن بدأت دلالة على أن سائر الأذكار التي علمها أمته مرتبة على حسبما ألقاه صلى الله عليه وسلم بخلاف هذه الأربع (5 عن سمرة)(1) جزم الشارح أنه ابن جندب وزعم أنه رمز المصنف لضعفه والذي رأيناه فيما قوبل على خط المصنف الرمز لصحته.
924 -
"أربع دعوتهم مستجابة: الإِمام العادل، والرجل يدعو لأخيه بظهر الغيب، ودعوة المظلوم، ورجل يدعو لوالديه (حل) عن واثلة (ض) ".
(أربعة) من الذين يدعون الله (دعوتهم مستجابة)[1/ 254] أي لا ترد وتقدم حديث: "أربع دعوات لا ترد"(2) وعد منه بعض ما هنا فمفهوم عدده غير مراد (الإِمام العادل) هو الذي يتوقف على الشريعة فعلاً وتركاً وهو أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله (والرجل) أو المرأة (يدعو لأخيه بظهر الغيب) وتقدم أنه أسرع من ذكر معه هناك إجابة (ودعوة المظلوم) سلف أنها تجاب وإن كان كافراً (ورجل يدعو لوالديه) قد أطلقه هنا وقيده فيما سلف أو ولد صالح وإن كان ذلك في الدعاء بعد الموت فالحكم واحد ومفهوم الرجل غير مراد إلا أنه أطرد في الكتاب والسنة تعليق الأحكام بالذكور مع أن النساء كذلك فيها (حل عن (3)
(1) أخرجه ابن ماجه (3811) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (874).
(2)
ذكره الألباني في السلسلة الضعيفة (2533)، وقال: موضوع.
(3)
أخرجه أبو نعيم في المعرفة (5/ 2716) رقم (6487) قال المناوي (1/ 470): فيه مخلد بن جعفر قال الذهبي: ضعيف كما في المغني في الضعفاء (6133) وفيه محمَّد بن حنيفة الواسطي=
واثلة) هو ابن الأسقع رمز المصنف لضعفه لأن فيه محمَّد بن جعفر ضعفه الذهبي وفيه غيره.
925 -
"أربعة لا ينظر الله تعالى إليهم يوم القيامة: عاق، ومنان، ومدمن خمر، ومكذب بالقدر (طب عد) عن أبي أمامة (ض) ".
(أربعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة) أي نظر رحمة وهو لفظ قرآني (عاق لوالديه) أو لأحدهما كما يقتضيه إطلاقه (ومنان) بعطيته (ومدمن خمر) سلف معناه قريبا (ومكذب بالقدر) تقدم تحقيقه أيضاً (طب عد عن أبي أمامة) رمز المصنف لضعفه، قال الهيثمي: أخرجه الطبراني بإسنادين في أحدهما متروكٌ وفي الآخر ضعيف (1).
926 -
"أربعة يبغضهم الله: البياع الخلاف، والفقير المختال، والشيخ الزاني، والإمام الجائر (ن هب) عن أبي هريرة (صح) ".
(أربعة يبغضهم الله) تعالى (البياع الحلّاف) كلاهما صيغة مبالغة وهي غير مراده فإن الوعيد صادق وإن لم يحصل منه على جهتها إذ المراد المنفق سلعته بالأيمان كما في حديث أبي ذر: "والمنفق سلعته بالحلف"(2) وذلك أنه يجمع بين القبائح الكذب والتهاون بالله وغرر المشتري (والفقير المختال) بالخاء المعجمة من الاختيال وهو التكبر وهو منهي عنه وخص الفقير مع أنه محرم على الغني أيضاً إلا أنه من الفقير أقبح إذ الفقر يقتضي الانكسار والذلة
=قال في الميزان: قال الدارقطني: غير قوي، وأحمد بن الفرج أورده الذهبي في الضعفاء.
وقال الألباني في ضعيف الجامع (752) والسلسلة الضعيفة (2738) ضعيفٌ جدًّا.
(1)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/ 240) رقم (4922) وابن عدي في الكامل (2/ 7) في ترجمة بشر بن نمير قال يحيى: ليس بثقة، وقول الهيثمي في المجمع (7/ 206)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (868) والسلسلة الضعيفة (2740): ضعيف جدًّا.
(2)
أخرجه مسلم (106).
والمسكنة فالتكبر منه أقبح من الغني كما في قوله (والشيخ الزاني) وهو من استبانت فيه السن أو من خمسين أو إحدى وخمسين كما في القاموس (1) فصدور الزنا منه أقبح من صدوره من الشباب لأنه في سن قد انكسرت معها منه قوة الشهوة ودنت منه المنية وقارب وفاته الرقاب وذهب منه الشباب الذي هو شعبة من الجنون كما يأتي في حديث زيد بن خالد الجهني (والإمام الجائر) لأن الجور منه أقبح من غيره لأنه مع تمكنه وبسط يده في الأقطار يجب معاملة ذلك بالعدل (ن هب عن أبي هريرة)(2) رمز المصنف لصحته.
927 -
"أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: من مات مرابطا في سبيل الله، ومن علم علماً أجري له عمله ما عمل به، ومن تصدق بصدقة فأجرها يجري له ما وجدت، ورجل ترك ولدا صالحا فهو يدعو له (حم طب) عن أبي أمامة (ح) ".
(أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت) أجور أعمالهم كما كانت تجري وهم يعملونها أحياء (من مات مرابطا) في النهاية (3) الرباط الإقامة على جهاد العدو بالحرب والرباط الخيل وإعدادها (في سبيل الله) في النهاية (4) أيضًا سبيل الله عام يقع في كل عمل خالص يسلك به طريق التقرب إلى الله بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات وإذا أطلق فهو واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه (ومن علم) مشدد اللام علّم غيره (علماً أجرى له
(1) القاموس المحيط (ص 325).
(2)
أخرجه النسائي (5/ 86) والبيهقي في الشعب (4853)(7365) قال المناوي (1/ 471) قال الحافظ العراقي: سنده جيد، وقال الذهبي في الكبائر عقب عزوه للنسائي: إسناده صحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (880) والسلسلة الصحيحة (363).
(3)
النهاية (2/ 185).
(4)
النهاية (2/ 338).
عمله) أي أجر علمه لقرينة أجورهم (ما عمل به) أي مدة ما عمل العاملون به بعده وتقدم حديث أبي هريرة أو علم ينتفع به ويأتي في حديث الضياء علماً نشره فيقيد النشر بالانتفاع به ويحتمل أن يراد من شأنه أن ينتفع به سواء وقع الانتفاع أم لا ويحمل عليه ما هنا من العمل أن المراد من شأنه ذلك.
واعلم أن المراد بالعلم حيث أطلق في السنة والكتاب هو ما في حديث أبي داود: "العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة" وسيأتي. وما كان من العلوم وسيلة إلى هذه الثلاثة فله حكمها وتعليم العلم يشمل التأليف والتدريس والنسخ وتصحيح كتب أهل الإِسلام (ومن تصدق بصدقة) قيد في حديث أبي هريرة بجارية وأغنى عنه قوله هنا (فأجرها يجري له ما وجدت) فإنه تلازم الجريان إذ لا يجري إلا ما وجدت (ورجل) أي عبد ذكراً كان أو أنثى كما أتى في بعض إنسان وفي بعض المؤمن وفي بعض العبد كما أن المراد من الولد في قوله (ترك ولداً صالحاً) أعم من الذكر والأنثى (فهو يدعو له حم طب عن أبي أمامة)(1) رمز المصنف لحسنه.
928 -
"أربعة يؤتون أجورهم مرتين: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أسلم من أهل الكتاب، ورجل كانت عنده أمة فأعجبته فأعتقها ثم تزوجها، وعبد مملوك أدى حق الله تعالى وحق سادته (طب) عن أبي أمامة (ح) ".
(أربعة يؤتون أجرهم) أجر كل عمل عملوه (مرتين) يثابون على كل طاعة إثابتين كما يثاب من أتى بطاعتين (أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) اللام للعهد أي أزواجه صلى الله عليه وسلم ويحتمل للجنس أي كل نبي وهو بعيد وقد ثبت ذلك بنص الله "في كتابه"{نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 31]، قال جار الله: إنَّما ضوعف أجرهن
(1) أخرجه أحمد (5/ 269) والطبراني في الكبير (8/ 205) رقم (7831) قال المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 69): وهو صحيح مفرقاً من حديث غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم وقال الهيثمي (1/ 167): فيه ابن لهيعة، ورجل لم يسم، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع (877).
لطلبهنَّ رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق وطيب المعاشرة والقناعة وتوفرهن على عبادة الله والتقوى (ومن أسلم من أهل الكتاب) هو ثابت بالنص القرآني قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} إلى قوله: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} [القصص: 52 - 54] وعلل ذلك بصبرهم فقيل على الإيمان بالتوراة والإيمان بالقرآن أو على الإيمان بالقرآن قبل نزوله وبعد نزوله أو بصبرهم على أذى أهل الكتاب والمشركين كلها وجوه في التفسير إن قيل: قد ثبت هذا للمؤمنين من غير أهل الكتاب قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد: 28].
قلت: الآية واردة في أهل الكتاب أيضاً والمعنى يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى أو الذين آمنوا بعيسى آمنوا بمحمد كما ترشد إليه آمنوا إخباراً وآمنوا أمراً ولأن السياق مبنى على ذلك وحينئذ فهي كالأولى وهذا أحد احتمالين في التفسير ويحتيل أن المراد: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله واثبتوا على الإيمان برسوله يؤتكم مثل ما أتى أهل الكتاب من الأجر ومفهوم العدد غير مرادٍ إذ قد روي مضاعفة الأجر مرتين على كثير من الأعمال وقد صنف فيه المصنف كتاباً مستقلاً عد فيه نحوًا من أربعين (ورجلاً كانت عنده أمة) جارية (فأعجبته فأعتقها ثم تزوجها) والظاهر أنه يضاعف له أجر هذا العمل بخصوصه لأنه أحسن إليها بالإعتاق ثم بالإعفاف والكفالة لها ويحتمل أنه بسبب هذه الحسنة يضاعف له كل عمل بعد وهذا أقرب لعموم قوله أجورهم (وعبد مملوك أدى حق الله عز وجل وحق سادته) قام بما أوجبه الله من طاعته وما أوجبه من طاعة سادته ووجه المضاعفة أنه قام بحقين حق الله [1/ 256] وحق سادته ولما أعتق أبو رافع بكى وقال: كان لي أجران فذهب أحدهما (طب عن أبي أمامة)(1) رمز
(1) أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 212) رقم (7856) وقول الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 260) في=
المصنف لحسنه وقال الهيثمي: فيه علي بن يزيد الألهاني فيه ضعف وقد وثق.
929 -
"أربعة من كنز الجنة: إخفاء الصدقة، وكتمان المصيبة، وصلة الرحم، وقول "لا حول ولا قوة إلا بالله" (خط) عن علي".
(أربعة من كنز الجنة) أي أجرها مدخر لفاعلها كادخار الكنوز إلا أنه يفارق الكنوز كونه من كنوز الدار التي لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (إخفاء الصدقة) ظاهره للمفروضة والنافلة وقوله تعالى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] يؤيد ذلك إلا أنه صرح أئمة التفسير أن ذلك في صدقة النفل وأما الفرض فيعلن بها لما في حديث ابن عباس (1): "صدقات السر في التطوع تفضل علانيتها سبعين ضعفًا وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفًا" وعلل ذلك برفع التهمة وأنه لو كان لا يعرف باليسار فالإخفاء أفضل وكذلك إن اقتدى به فالإبداء أفضل (وكتمان المصيبة) عدم شكواها وهي تعم كل ما أصيب به حتى الشوكة يشاكها والمراد عن كل أحد يفوت ذلك بالشكاية على الطبيب والصديق والقريب يحتمل أن يفوت كونها من كنوز الجنة وإن بقي الأجر ويحتمل أن لا يفوت لأنه صلى الله عليه وسلم قد شكا مرضه وقال لعائشة في مرض موته: "بل أنا وا رأساه"(2) وغيره ويحتمل أن يُراد بالكتمان عدم الشكاية على جهة التبرم والتحرم لا لاستيفاء دواء واستجلاب دعاء فإنه قد أمر الشارع بالدواء ومن
=إسناده علي بن زيد الألهاني قال البخاري منكر الحديث وقال النسائي ليس بثقة وقال أبو زرعة ليس بقوي وقال الدارقطني متروك. انظر الميزان (5/ 196) وقال الحافظ في التقريب (4817) ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (769).
(1)
أخرجه الطبري في التفسير (3/ 92) من رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(2)
أخرجه ابن الجوزي في تحقيق أحاديث الخلاف (2/ 5)، والطبراني في الرياض النضرة (2/ 43).
لازمه ذكر الألم أو لأجل تأسيه بمصاب آخر فإنه صلى الله عليه وسلم قال: "بل أنا وا رأساه" لما شكت إليه عائشة وجع رأسها فأما ما كان على جهة الشكاية إلى المخلوقين فإنه يفوت هذا الوصف بلا شك ولذا قال يعقوب صلى الله عليه وسلم: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] وقد كان دأب الصالحين أن لا يذكروا بلواهم وثبت أن عمران بن الحصين كانت تسلم عليه الملائكة عياناً لجراحة كانت به لم يشكها إلى أحد فلما شكاها انقطع تسليمهم عليه فخبره صلى الله عليه وسلم أنه انقطع لشكاية ألمه (1) وفي النبلاء للذهبي (2) عن إبراهيم الحربي أنه قال لي: عشرون سنة أبصر بفرد عين ما أخبرت به أحداً (وصلة الرحم) تقدم الكلام عليها مراراً (وقول لا حول ولا قوة إلا بالله) تقدم ذكرها مراراً ولم نتكلم على معناها فنقول قال في النهاية (3): الحول ها هنا الحركة يقال حال الشخص يحول إذا تحرك والمعنى لا حركة ولا قوة إلا بمشيئة الله وقيل: الحول الحيلة والأول أشبه، ومنه الحديث (4):"اللهم بك أصول وبك أجول" أي أتحول، وقيل احتال، وقيل: أدفع وأمنع من حال بين الشيئين إذا منع.
قلت: وتقدير المشيئة هنا يناسب مذهب الأشاعرة من أن الله تعالى يشاكل كائنه ويزيدها وهي مسألة كلامية معروفة لا تليق بمن يشتغل بكلام الله وكلام رسوله الاشتغال بها والذي تفهمه هذه الكلمة الشريفة أنه لا حركة ولا قدرة على شيء إلا بإقدار الله تعالى وهذا قدر متفق عليه بين أهل المذاهب أن الله
(1) أخرجه أبو داود (3865) بلفظ: عن عمران بن حصين قال: "نهى رسول الله عن الكي فاكتوينا فما أفلحنا ولا نجحنا قال أبو داود: وكان يسمع تسليم الملائكة فلما اكتوى انقطع عنه فلما ترك رجع إليه" قال الحافظ ابن حجر في الفتح (10/ 155) وسنده قوي.
(2)
"سير أعلام النبلاء"(13/ 367).
(3)
النهاية (1/ 462).
(4)
أخرجه أحمد (1/ 150) وقال الهيثمي في المجمع (10/ 130) رجاله ثقات.
تعالى خالق العبد [1/ 257] وخالق قدرته وإنما خلافهم هل هذه القدرة متقدمة على الفعل أو مقارنة له كما هو معروف ولما كانت هذه الكلمة مشتملة على الإقرار بخلق الله للعبد فإن الإقرار بخلق القدرة يتضمن خلق العبد والإقرار به وعلى قدرته على ما يريده وعلى حصر ذلك على أنه لا قدرة ولا حول إلا بإقداره كانت من كنوز الجنة لأن هذا الإقرار مطلوب لله من عباده كما احتج به عليهم في قوله: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} [النحل: 17] وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج: 73] وبقوله: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ} [الرعد: 16] وقوله: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3] وبهذه الآيات يتضح لك أن التقدير إلا بإقدار الله أولى من التقدير إلا بمشيئة الله لأنه تعالى في جميع هذه الآيات يمدح بكونه خالقاً لا بكونه مريدا فكذلك تقدير ما يحتاج إليه من الخلق للعبد وقدرته ويأتي تفسير نبوي لهذه الكلمة الشريفة في خطابه صلى الله عليه وسلم لابن مسعود (خط عن علي)(1).
930 -
"أربعون خصلة أعلاهن منحة العنز، لا يعمل عبد بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله تعالى بها الجنة (خ د) عن ابن عمرو (صح) ".
(أربعون خصلة) في القاموس (2) الخصلة الخلة والفضيلة والرذيلة وقد غلب على الفضيلة (أعلاهن منحة العنز) هو من منحه كضربه ومنعه والاسم المنحة
(1) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (3/ 186) وقال الغماري في المداوي (1/ 503): موضوع، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (766) وقال في السلسلة الضعيفة (2737) ضعيف جداً. في إسناده الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني قال الحافظ كذبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف. انظر التقريب (1029) وفي إسناده أيضاً أبو إسحاق السبيعي قال الحافظ ثقة مكثر عابد من الثالثة اختلط. انظر التقريب (5065).
(2)
القاموس المحيط (ص 1283).
قاله في القاموس (1) وفي النهاية (2) أنها تطلق على الهبة والقرضة والعارية والظاهر أن المراد هنا هبة لبنها لحديث أو منحة لبن سيأتي والإضافة بيانية أي منحة هي عنز وهذه جملة اعتراضية بين المبتدأ والخبر مستأنفه استأنافًا بيانيا كأنه قيل: وما هي؟ قال: أعلاهنَّ ولم يأت هنا تعيين شيء من الأربعين غير هذه (لا يعمل عبد بخصلة منها رجاء ثوابها) إضافة للمصدر إلى المفعول أي لرجائه ثوابها (وتصديق موعدها) هو مثل الأول وهما مفعول لأجله حذف لامه لتكامل شروطه (إلا أدخله الله بها الجنة) وفيه أن الأعمال معتبرة بالنيات إلا أنه طوى بساط تفصيل هذه الخصال.
فإن قلت: الإبهام للخصال التي وعد الأجر على فعلها يقلل فائدة الحديث إذ هو حث على أمر مجهول.
قلت: قد عين الأعلى منها واستفيد من ذلك أن الملاحظ يقع على العباد فيتبع العبد كل ما فيه أدنى نفع لتصدق عليه أنه منها كإعطاء جرعة الماء وإقباس النار وإعطاء كسر الخبز وإعارة الفأس وما لا يأتي عليه العد من إرشاد الضال والنكتة في إبهامها في الحديث أن يجتهد العبد في كل نفع رجاء موافقة سائر الخصال وقوله: "عبد" عام للكافر والمؤمن إلا أنه خرج الكافر من العلة فإنه لا يرجوا ثواباً ولا يصدق موعوداً وظاهر الحديث أنه تعالى يدخل الجنة بهذه الخصال ويكون سائر طاعاته زيادة له وراء ذلك.
وفيه دلالة واضحة على صحة فعل الطاعة رجاء ثوابها وهل هذه الأربعون من شعب الإيمان البضع والسبعون التي أدناها إماطة الأذى من الطريق وأعلاها قول لا إله إلا الله عند مسلم وغيره (3) لا يبعد أن هذه الأربعون منها
(1) القاموس المحيط (ص 310).
(2)
النهاية (4/ 364).
(3)
أخرجه البخاري (9)، ومسلم (35).
ويحتمل أنَّها غيرها وعلى الأول هل يتعين أن أدنى الأربعين إماطة الأذى كما هو أدنى البضع والسبعون، الظاهر أنه يتعين ذلك لأنها أدنى البضع والسبعون [1/ 258] التي فيها الأربعون فيكون أدنى الأربعين إذ لو ثبت لها أدنى غير إماطة الأذى لما صح أنه أدنى البضع والسبعين التي منها الأربعون بخلاف الأعلى فيصح اختلافه ولذا كان أعلى تلك قول لا إله إلا الله وأعلى هذه منحة العنز، ثم هل هذه الخصال خاصة بما فيه نفع للعباد فلا تدخل فيها العبادات الخاصة بفاعلها أو يعم ظاهر ذكر أعلاها والاقتصار عليه الأول ويدل عليه أنه لما أراد الأعم في الشعب مثل له بما يخص فاعله وهي قول لا إله إلا الله وبما فيه نفع للعباد من إماطة الأذى (خ د عن ابن عمرو)(1) ورمز المصنف لصحته.
931 -
"أربعون رجلاً أمة، ولم يخلص أربعون رجلاً في الدعاء لميتهم إلا وهبه الله تعالى لهم، وغفر له الخليلي في مشيخته عن ابن مسعود".
(أربعون رجلاً أمة) الأمة تقال لكل جيل من الناس والحيوان أمه وقد يطلق على الواحد كما في قوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: 120] وكما في حديث قس بن ساعدة أنه يبعث أمة وتقدم إذا شهدت أمة من الأمم هم الأربعون فصاعداً (ولم يخلص أربعون رجلاً في الدعاء لميتهم إلا وهبه الله لهم وغفر له) تقدم معناه مراراً والمراد الدعاء في الصلاة عليه كما أرشد إليه: "إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء" تقدم. وحديث: "إذا شهدت" فإنه ظاهر في شهودها الصلاة عليه ويحتمل أن يراد في الصلاة أو خارجها كما شهد له حديث: "إذا صلوا على الميت فأثنوا عليه خيراً يقول الرب أجزت شهادتهم فيما يعلمون"(2) الحديث. فإنه يحتمل الثناء في الصلاة عند الدعاء إلا أنه في خارجها أظهر وقد
(1) أخرجه البخاري (2631) وأبو داود (1683).
(2)
أخرجه البخاري في التاريخ (574).
أفاد مجموع الأحاديث أن شهادة الأربعين في الصلاة عليه أو الشهادة بالثناء خيرًا أو إخلاص الدعاء له سبب للغفران له فينبغي أن يتحرى في الإتقان بها جميعاً لعل الله أن يغفر له وإطلاق الهبة والغفران ظاهره عموم كل ذنب حتى التبعات إلا أن يخص بأحاديث أخر (الخليلي في مشيخته)(1) عن ابن مسعود مشيخة بزنة مسبحة جمع شيخ أو اسم مكان أي في مكان ذكر شيوخه وتقدم ذكر الخليلي، والحديث سكت عليه المصنف فيما رأيناه على خطه.
932 -
"أربعون دارا جار (د) في مراسيله عن الزهري مرسلاً".
(أربعون داراً جار) كأن الظاهر جيران ليطابق المبتدأ وإن لم يكن من ألفاظ المجموع ففيه معناها وكأنه لما كان اسم جنس صح إيقاعه خبرا عن الأربعين أو لأول في تأويل كل واحد جاراً ولتأويل الأربعين بهذا العدد أو لمطابقة المميز وعلى كل تقدير ففي إفراده إشارة إلى أن لكل من الجيران حق واحد وأن الأبعد والأقرب في حق الجوار ورعايته في الجملة سواء، وإن كان الإهداء أو الإجابة إذا دعاه جيران في حين واحد لأقربهم بابًا لأن ذلك لا ينفي استواء الجيران فيما عدا ذلك واعلم أن الحديث ورد بياناً للجار الموصى به سنة وكتاباً وأن الأربعين معتبرة في كل من الجهات الأربع لأنه لا وجه للتخصيص ويحتمل أن يراد بالأربعين من الجهات الأربع فيصير من كل جهة عشرة دور وتمام الحديث عند أبي داود:"قلت للزهري كيف أربعون داراً جاراً؟ قال: أربعون عن يمينه وشماله وخلفه وأمامه"، فيحتمل أيضاً وهذا في حق رعاية الجار وأما
(1) أخرجه الخليلي في مشيخته عن ابن مسعود كما في الكنز (2738) وأورده الرافعي في التدوين من طريق الخليل الحافظ في مشيخته (1/ 278). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (772) وقال في السلسلة الضعيفة (3257) موضوع. في إسناده عبد الملك بن هارون بن عنترة قال ابن حبان كان ممن يضع الحديث لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة الاعتبار. انظر المجروحين (2/ 133) وقال يحيي كذاب وقال أبو حاتم متروك ذاهب الحديث. انظر لسان الميزان (4/ 71).
حديث: "جار الدار أحق بالدار"(1) فالمراد به الملاصق كما دل له حديث: "الجار أحق بصقبه"، فإن الصقب القرب والملاصق وفيه بعض تأمل [1/ 259](د في مراسيله عن الزهري (2) مرسلاً) قال الزركشي صحيح، وقال الحافظ ابن حجر: رجاله ثقات.
933 -
"ارجعن مأزورات غير مأجورات (5) عن علي (ع) عن أنس (صح) ".
(ارجعن) خطاب لجماعة النساء (مأزورات) من الوزر الذنب والإثم (غير مأجورات) في النهاية (3) قياسه موزورات يقال وزره فهو موزور وإنما قال مأزورات للازدواج لمأجورات انتهى. إلا أنه رواه فيها مأجورات غير مأزورات وكأنه رواية أو أنه لما كان كلامه في شأن الألفاظ لا الرواية فساق على التقديم والتأخير والحديث قاله صلى الله عليه وسلم لنسوة خرجن يشيعن جنازة فقال لهن ذلك وكأنه قد كان نهاهن أولا إذ لا وزر على جاهل (5 عن علي)(4) رمز المصنف لصحته وقال ابن الجوزي: جيد الإسناد (ع عن أنس) سكت عليه المصنف وقال فيه الذهبي: ضعيف.
934 -
"أرحامكم أرحامكم (حب) عن أنس (صح) ".
(1) أخرجه الترمذي (1368)، وأحمد (5/ 8).
(2)
أخرجه أبو داود في المراسيل (350) وقال الزيلعي في نصب الراية (4/ 114) إبراهيم بن مروان هو ابن محمَّد الطاهري: صدوق، وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (3/ 93): سند رجاله ثقات. قال المناوي (1/ 473): قال الزركشي: سنده صحيح.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (771) والسلسلة الضعيفة (277).
(3)
النهاية (5/ 179).
(4)
أخرجه ابن ماجه (1578) عن علي وقال البوصيري (2/ 44): هذا إسناد مختلف فيه من أجل دينار وإسماعيل بن سليمان. وأبو يعلى في المسند (4056) عن أنس، وقال الهيثمي (3/ 28): الحارث بن زياد قال الذهبي: ضعيف، وانظر العلل المتناهية (2/ 902) حيث قال في طريق علي: جيد الإسناد.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (773) والأحاديث الضعيفة (2742).
(أرحامكم أرحامكم) بالنصب على الإغراء حذف الناصب للإغناء بفعل التكرير عنه أي الزموا أرحامكم أي الإحسان إليهم أو على التحذير احذروا أرحامكم والإساءة إليهم والقطيعة (حب عن أنس) رمز المصنف لصحته (1).
935 -
"ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء (طس) عن جابر، (طب ك) عن ابن مسعود (صح) ".
(ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء) أي يجازيك بالرحمة على الرحمة جزاء وفاقا وهو من جزى الشيء بمثله وهو كثير كتاباً وسنة ونبهنا عليه مراراً وقوله في السماء يؤل عند بعض العلماء مما أول به قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: 16] الآية. {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] وقال ابن الصلاح في إملائه: في هذا الحديث وأشباهه ثلاث فرق: فرقة تأول وأخرى تشبه وفرقة ترى أنه لم يطلق الشارع مثل هذه اللفظة إلا وإطلاقها سائغ حسن فيطلقها كما قال مع التنزيه والتقديس مع التبري من التحذير والتشبيه ونكل علمها إلى من أحاط بها وبكل شيء خبراً وعلى هذه الطريقة مضى صدر هذه الأمة وساداتها وإياها اختار أئمة الفقهاء وإليها ذهب أئمة الحديث (طس عن جابر (2) طب ك عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته.
936 -
"ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون (حم خد هب) عن ابن عمرو (صح).
(1) أخرجه ابن حبان (436) وصححه الألباني في صحيح الجامع (894) والسلسلة الصحيحة (1538).
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 356) رقم (2502) عن جرير وقال الهيثمي (8/ 187): رجاله رجال الصحيح، والطبراني في الكبير أيضاً (10/ 149) رقم (10277) والحاكم (4/ 248) عن ابن مسعود وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وقال الهيثمي (8/ 187: رجاله رجال الصحيح إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه فهو مرسل. وقال ابن حجر في الفتح: (10/ 440) ورواته ثقات.
وصححه الألباني في صحيح الجامع (896) والصحيحة (925). ولم أجده عن جابر في الأوسط.
(ارحموا) أطلقه يعني المفعول تعميما للمرحوم وأنه كل شيء إلا ما خصه الله من مثل قوله: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2](ترحموا) أي يرحمكم من في السماء ويلقي لكم الرحمة في قلوب العباد (واغفروا) كذلك أطلق لما سلف (يغفر لكم) فإن الله يحب من خلقه التخلق بصفاته وهو الغفور الرحيم (ويل لأقماع القول) بالقاف والعين المهملة في النهاية (1) جمع قِمع كضلع وأضلاع وهو الإناء الذي يترك في رؤوس الطروق لتملأ من المائعات من الأشربة والأدهان شبه إسماع الذين يستمعون القول ولا يحفظونه ولا يعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئًا مما يفرغ فيها وكأنه يمر عليها القول مجتازًا كما يمر الشراب في الأقماع اجتيازاً والويل الهلاك والحزن والمشقة كما مر قريباً (ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا) هو من أصر على الأمر عزم عليه، والمراد الذين فعلوا القبيح ثم عزموا على معاودته (وهم يعلمون) قبحه والوعيد عليه، وقيد المصرين بالعالمين لأن من لا يعلم قبح الذنب لا عقاب عليه والمراد بأقماع القول الذين لا يعملون بما يعلمون لأن الحفظ والعلم المراد بهما العمل ولذا قال: وهم يعلمون [1/ 260](حم خد هب عن ابن عمرو) رمز المصنف لصحته وقال الشارح: إسناده جيد (2).
937 -
"أردية الغزاة السيوف (عب) عن الحسن مرسلاً".
(أردية الغزاة) جمع غاز والأردية جمع رداء وهو ملحفة معروفة كما في
(1) النهاية (4/ 109).
(2)
أخرجه أحمد (2/ 165) والبخاري في الأدب المفرد (380) والبيهقي في الشعب (7236)(11052) وقال الهيثمي (10/ 191): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير حبان بن يزيد الشرعبي ووثقه ابن حبان ورواه الطبراني كذلك. وقال المناوي (1/ 475) قال الزين العراقي والمنذري: إسناده جيد، وصححه الألباني في صحيح الجامع (897) والسلسلة الصحيحة (482).
القاموس (1)(السيوف) استعار الرداء استعارة مصرحة وذكر السيوف لا ينافي الاستعارة لأنه لا ينافيها إلا إذا كان على وجه يشعر بالتشبيه كما قاله السكاكي (2) كما في مثل: قد زر إزراره على القمر كما عرف في فن البيان وقد اشتهر هذا الإطلاق حتى سرده القاموس في الحقيقة وإن كانت قاعدته خلط المجاز بالحقيقة وجهلها عيب كناية ومن استعارة الرداء للسيف قول الشاعر:
ينازعني ردائي عبد عمرو
…
رويدك يا أخا عمرو بن بكر
لي الشطر الذي ملكت يمينى
…
ودونك فاعتجر منه بشطر
قال جار الله في الكشاف: أراد به سيفه ثم قال فاعتجر منه بشطر فنظر إلى المستعار في لفظ الاعتجار انتهى (3).
قلت: يريد أنه فاعتجر منه بشطر ترشيح الاستعارة لأنه من لوازم لفظ الرد الحقيقي وهذا الإخبار منه صلى الله عليه وسلم فيه الحث للغزاة على ملازمة حمل السيوف وأن تكون لهم كالأردية (عب عن الحسن البصري مرسلاً)(4).
938 -
"إرضخي ما استطعت، ولا توعي فيوعي الله عليك (م ن) عن أسماء بنت أبي بكر (صح) ".
(إرضخي) بكسر الهمزة والراء والضاد المعجمة من الرضخ وهو العطية القليلة (ما استطعت) هو خطاب لمؤنث أمر بالإعطاء حسب الاستطاعة وفيه إرشاد إلى أنها لا تبسط كل البسط (ولا توعي) من الإيعاء بكسر الهمزة والعين
(1) القاموس المحيط (ص 1661).
(2)
والسكاكي هو فخر الدين سراج الدين يوسف بن أبي بكر بن محمَّد السكاكي الخوارزمي (معجم الأدباء ص 5264).
(3)
انظر: نهاية الأرب في فنون الأدب (ص 4390). معاهد التنصيص على شواهد التلخيص (ص 979).
(4)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9700) مرسلاً عن الحسن وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (777) والسلسلة الضعيفة (7007) لإرسال الحسن البصري وفيه رجل لم يسم ولعنعنة ابن جريج وهو مدلس.
المهملة للإمساك (فيوعي الله عليك) لا تمسكي عن الإنفاق فيمسك الله عليك الأرزاق والحديث قاله صلى الله عليه وسلم لما قالت له أسماء بنت أبي بكر: يا رسول الله ما لي مال إلا ما أدخل علي الزبير أفأتصدق وفي رواية: أنها قالت: يا نبي الله ما لي مال إلا ما أدخل علي الزبير فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل علي؟ وفيه دليل على جواز إنفاق الزوجة من مال زوجها إلا أن يقال إنه مقيد بحديث أبي أمامة: "لا تنفق امرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذن زوجها"، وهذا قاله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، أخرجه الترمذي (1)(م (2) عن أسماء بنت أبي بكر) (3) زوج الزبير ووالدة عبد الله.
939 -
"أرضوا مصدقيكم (حم م د ن) عن جرير (صح) ".
(ارضوا) خطاب للأغنياء (مصدقيكم) جمع مصدق بكسر الدال المهملة وهو العامل الذي يأخذ الزكاة من أربابها بأمر الإِمام أي أعطوهم ما يرضون به والحديث شبيه أنه شكى إليه صلى الله عليه وسلم أن المصدقين يجورون عليهم فقاله وتمامه: "فإن ذلك من تمام صدقتكم"، وفي معناه حديث جابر بن عتيك (4) عنه صلى الله عليه وسلم:"سيأتيكم ركيب مبغضون فإن جاءوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليهم وأرضوهم فإن تمام زكاتهم رضاهم وليدعوا لكم" أخرجه أبو داود، واستدل به على إضافة المصدق وأنها لازمة لمن يأخذون منهم زكاتهم لقوله فرحبوا بهم (حم م د ن عن جابر)(5).
(1) أخرجه الترمذي (1960).
(2)
في المطبوعة من الجامع الصغير (م ن).
(3)
أخرجه البخاري (1434) ومسلم (1029) والنسائي في الكبرى (9195).
(4)
أخرجه أبو داود (1588)، في إسناده عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 131) لا يحتج به" وفيه أيضاً أبو الغصن ثابت بن قيس بن غصن قال ابن حبان كان قليل الحديث كثير الوهم فيما يرويه. انظر المجروحين (1/ 206) وقال الألباني في ضعيف الجامع (3297): ضعيف.
(5)
أخرجه أحمد (4/ 362) ومسلم (989) وأبو داود (1589) والنسائي (5/ 31).
940 -
"ارفع إزارك، واتق الله (طب) عن الشريد بن سويد (ض) ".
(ارفع إزارك) تقدم في الحديث أن منتهى رفعه إلى نصف الساق وأنه إزرة الملائكة عند ربها تعالى وأدناه إلى الكعبين فالأمر بالرفع يحتمل أنه أسفل الكعبين وهو الظاهر ويحتمل أنه عما فوقها تعليماً له (واتق الله) يحتمل أنه [1/ 261] مقدر مفعوله خاص أي في هذا القرينة السياق ويحتمل العموم أي في كل شيء فيدخل هذا بالأولى وقد تقدم هذا مرارا (طب عن الشريد)(1) بالمعجمة المفتوحة (ابن سويد) مصغر أسود وتصغير الترخيم ورمز المصنف لضعفه.
941 -
"ارفع إزارك فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك ابن سعد (حم هب) عن الأشعث بن سليم عن عمته عن عمها (صح) ".
(ارفع إزارك) فإنه أي الرفع (أنقى) بالنون والقاف من النقاء ويحتمل أنه بالموحدة من البقاء أنزه له عن القاذورات (2)(لثوبك وأتقى) بالمثناة الفوقية والقاف من التقوى (لربك) والتعليل أنه أبقى على رواية الموحدة يدل على محافظة الشارع لحفظ المال في جميع الأحوال وأن صيانة الثياب مندوب إليه والرواية المشهورة بالنون حث على التنزه عن الأوساخ وفي الحديث من البديع الجناس (ابن سعد (3) حم هب عن الأشعث بن سليم عن عمته عن عمها) رمز المصنف لصحته.
942 -
"ارفع البنيان إلى السماء واسأل الله السعة (طب) عن خالد بن الوليد".
(1) أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 316) رقم (7241) وصححه الألباني في صحيح الجامع (952) والسلسلة الصحيحة (1141).
(2)
انظر: مشارق الأنوار (1/ 99).
(3)
أخرجه ابن سعد (6/ 42) وأحمد (5/ 364)، والبيهقي في الشعب (6145، 6146) في إسناده عمة الأشعث اسمها رهم بنت الأسود قال الحافظ في التقريب (8593) لا تعرف.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (9/ 77) والسلسلة الضعيفة (1857).
(ارفع البنيان إلى السماء واسأل الله السعة) يعارضه حديث أنس: "من بني فوق عشرة أذرع ناداه مناد من السماء يا عدو الله إلى أين تريد"(1) وحديثه الآخر عند أبي نعيم في الحلية (2): "إذا بنى الرجل سبعة أذرع ناداه مناد من السماء إلى أين تذهب يا أفسق الفاسقين".
ووجه الجمع بينهما أن حديث أنس فيما إذا كان لغير حاجة كما يرشد إليه حديث ابن مسعود عند البيهقي: "من بنى فوق ما يكفيه كلف يوم القيامة أن يحمله على عنقه"(3)، وحديث أنس:"من بنى أكثر مما يحتاج إليه كان عليه وبالاً يوم القيامة"(4)، وحديث خالد:"هذا مبني على البناء للحاجة والأمر فيه للإباحة وفي أمره أن يسأل الله السعة إرشاد إلى أن يجمع بين التوسيع في بنائه وسؤال الله السعة يجمع بين المباح والمندوب، وفيه مام بأن الشيء بالشيء يذكر نظير قوله لعلي: "أسأل الله السداد واذكر تسديدك السهم" (5)(طب عن خالد بن الوليد)(6) قال: شكوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الضيق في مسكني فذكره، قال
(1) أخرجه الديلمي في الفردوس (5721)، وقال المناوي في فيض القدير (6/ 97): أغفل المصنف من خرجه وعزاه في الدرر إلى الطبراني عن أنس وفيه الربيع بن سليمان الجيزي أورده الذهبي في ذيل الضعفاء (2094)، وقيل: كان فقيهاً ديناً لم يتقن السماع من ابن وهب. وقال الألباني في ضعيف الجامع (5507): ضعيف.
(2)
أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/ 75) وقال: تفرد به الوليد بن موسى القرشي وهو ضعيف ليس كالوليد بن مسلم الدمشقي.
(3)
أخرجه البيهقي في الشعب (10711)، والطبراني في الكبير (10/ 151) رقم (10287)، وقال الهيثمي في المجمع (4/ 70): فيه المسيب بن واضح وثقه النسائي وضعفه جماعة.
(4)
أخرجه البيهقي في الشعب (10710)، وقال المناوي في الفيض (6/ 97) فيه بقية بن الوليد والكلام فيه مشهور والضحاك بن حمزة قال الذهبي في الضعفاء: قال النسائي: غير ثقة.
(5)
أخرجه أحمد (1/ 13411)، والطيالسي (161)، والبيهقي في الشعب (6359).
(6)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (4/ 117) رقم (3842) قال الهيثمي في المجمع (10/ 169): رواه الطبراني بإسنادين أحدهما حسن اهـ. وانظر: الفيض للمناوي (1/ 476) وكذلك أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق (3/ 296) وابن عساكر (60/ 68) عن اليسع بن=
الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين أحدهما حسن والمصنف سكت عليه قال الشارح المناوي: والذي رأيته في المعجم: ارفع يديك إلى السماء ولفظ: "ارفع البنيان" هو ما في خط المصنف.
943 -
"ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين، وإذا مات أحد منهم فقولوا فيه خيرًا (طب) عن سهل بن سعد (ح) ".
(ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين) أي عن ذمهم وأذيتهم (وإذا مات أحد منهم فقولوا فيه خيراً) هذا الأمر للندب وتقدم أن الثناء عليه خيراً سبب لغفران الله له وظاهره وإن لم يكن من أهل الخير فإنه يتطلب له من صفات الخير ويحتمل أن المراد من له خير ظاهر (طب عن سهل بن سعد)(1) رمز المصنف لحسنه.
944 -
"أرقاءكم أرقاءكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، وإن جاءوا بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله ولا تعذبوهم (حم) وابن سعد عن زيد بن الخطاب (ح) ".
(أرقاءكم أرقاءكم) نصب على الإغراء أو التحذير كما سلف في أرحامكم والتكرير أغنى عن إعادة العامل وهو جمع رقيق وفي النهاية (2): الرقيق المملوك فعيل بمعنى مفعول.
قلت: وجمعه على أفعلاء خلاف بابه وإنما أفعلاء جمع فعيل بمعنى فاعل مثل أصدقاء، وأما بمعنى مفعول فبابه فعلى وكأنه لما غلب اسماً جمع جمعها الأسماء
=المغيرة به وقال الخطيب: في اليسع نظر.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (779) والسلسلة الضعيفة (1185).
(1)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (6/ 104) رقم (5640) وقال عن سهل بن مالك: وكذا جاء في تاريخ دمشق عن سهل بن مالك (21/ 81)، وقال الهيثمي في المجمع (9/ 157): فيه جماعة لم أعرفهم. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (780).
(2)
النهاية (2/ 251).
كما في أنصباء جمع نصيب (فأطعموهم) تفصيل التوصية المتضمن لها التحذير (مما تأكلون) والأمر فيه للإيجاب لأنه الأصل فيه وقد زاده هنا أصالة تقديم التحذير فلا يقال حديث: "إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه"(1) وفيه فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين، [1/ 262] يدل على أنه لا يجب إطعامه من عين ما يأكله مولاه لأنا نقول ليس في ذلك الحديث الإتيان أنه يجوز أن لا يأكله معه في قصعته لا أنه يأكل من نوع طعام مولاه فإن قام على صرفه عن الوجوب دليل وإلا فهو الأصل ومثله الكلام في قوله (وألبسوهم مما تلبسون وإن جاءوا) الأرقاء (بذنب لا تريدون أن تغفروه) لعظمته ولا تطاوعكم أنفسكم على غفرانه (فبيعوا) أخرجوهم عن ملككم سداً للذريعة إلى التعذيب وفي قوله (عباد الله) ترقيق وتخويف للملاك بإضافتهم إلى من الكل تحت ملكه وعبيده وإشارة إلى إن أنتم وهم عبيد لمالك واحد منصف لهم منكم ولا يجعل لكم عليهم مزية إن أسأتم الملكة وعذبتم ما خولكم الله كما قال (ولا تعذبوهم) فلله در الكلام النبوي فإنه أضافهم إليهم لما أمرهم بالإحسان إليهم في ضمير التحذير ليكونوا أقبل لذلك ويكون أدعى لهم على الامتثال والإحسان ولما نهاهم عن تعذيبهم أضافهم إلى الاسم الكريم فلينتبه الفطن لمواقع الكلمات النبوية، والمراد بالتعذيب ما يخرج عن حد التأديب الذي أذن فيه فإنه جائز وتقدم حديث:"إذا ضرب أحدكم خادمه" وحديث: "إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه" ولذا سماه هنا تعذيبًا لخروجه عن الجائز قال الإِمام الغزالي (2): جملة حقوق المملوك أن يشركه في طعمته وكسوته ولا يكلفه فوق ما يطيقه ولا ينظر إليه بعين الكبر والازدراء وأن يعفو عن زلته ويتفكر عند غضبه عليه جنايته في حق الله. في
(1) أخرجه البخاري (2418).
(2)
إحياء علوم الدين (2/ 61).
تقصيره عن طاعته في أن قدرة الله عليه فوق قدرته (حم وابن سعد عن زيد بن الخطاب)(1) هو أخو عمر بن الخطاب قتل شهيدا يوم اليمامة (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "أرقاءكم
…
" الحديث رمز المصنف لحسنه وقال الهيثمي بعد عزوه لأحمد والطبراني: فيه عاصم بن عبد الله ضعيف.
945 -
"أرقاؤكم إخوانكم، فأحسنوا إليهم، استعينوهم على ما غلبكم، وأعينوهم على ما غلبهم (حم خد) عن رجل (ح) ".
(أرقاؤكم) مبتدأ خبره (أخوانكم) في الدين (فأحسنوا إليهم) إذ ذلك من حق الأخ لأخيه (استعينوهم على ما غلبكم) بالغين المعجمة والموحدة وكذا ما في آخره أي ما شق عليكم من الأعمال (وأعينوهم على ما غلبهم) فلا تكلفوهم ما لا طاقة لهم به (حم خد (3) عن رجل) رمز المصنف لحسنه.
946 -
"أرقي ما لم يكن شرك بالله (ك) عن الشفاء بنت عبد الله".
(أرقى) بفتح الهمزة فعل الأمر من الرقية قاله صلى الله عليه وسلم للشفاء بنت عبد الله كانت ترقى في الجاهلية من النملة فلما هاجرت وكانت قد بايعته صلى الله عليه وسلم بمكة قالت: يا رسول الله إني كنت أرقى في الجاهلية من النملة وأريد أن أعرض ذلك عليك فذكره (ما لم يكن شرك بالله) والرقية بالضم العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات، والحديث دل على جواز الرقية وقد
(1) أخرجه أحمد (4/ 45) وابن سعد في الطبقات (2/ 185) وقول الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 236). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (905) والصحيحة (740).
(2)
انظر الإصابة (2/ 704).
(3)
أحمد في المسند (5/ 58) والبخاري في الأدب المفرد (190) عن رجل وقال الهيثمي في المجمع (4/ 236): رواه أبو يعلى ورجاله ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (781) والسلسلة الضعيفة (1641) في إسناده سلام بن عمرو اليشكري قال الذهبي: ما علمت حدث عنه سوى أبي بشر بن أبي وحشية. انظر الميزان (3/ 258) وقال الحافظ في التقريب (2708) مقبول، وفكره ابن حبان في الثقات (4/ 332) على قاعدته.
عارضه حديث ابن مسعود عند مالك وغيره: "نهى عن الرقى" ونحوه ويأتي مفرقًا وأجاب ابن الأثير (1) عن التعارض وقال: وجه الجمع أن الرقى تكره منها ما كان بغير اللسان العربي وغير أسماء الله وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة وأن يعتقد أن الرقى نافعة لا محالة فيتكل عليها وإياها أراد لقوله: "ما توكل من استرقى"(2) ولا يكره منها ما كان بخلاف ذلك كالتعوذ بالقرآن وبأسماء الله تعالى، والرقى المروية ولذلك قال [1/ 263] للذي رقى بالقرآن وأخذ عليه أجراً:"من أخذ برقية باطل فقد أخذت برقية حق"(3) وكذلك قوله في حديث جابر: "اعرضوها علي" فعرضناها فقال: "لا بأس بها إنما هي مواثيق"(4) كأنه خاف أن يقع فيها شيء مما كانوا يتلفظون به ويعتقدونه من الشرك في الجاهلية وما كان بغير اللسان العربي مما لا يعرف له ترجمة ولا يمكن الوقوف عليه فلا يجوز استعماله انتهى.
قلت: هذا الحديث فيه الإذن بالرقية من النملة وهي قروح تخرج في الجنبين ويسمى نملة لأن صاحبه يحيى كأنه يدب عليه نمل ويعضه وهو داء معروف. وقد عارضه وعارض الأحاديث سواه حديث مسلم: "لا رقية إلا من عين أو حمة"(5). وسيأتي وقد جمع بينها ابن الأثير أيضاً بأن قال: وأما قوله: "لا رقية إلا من عين أو حمة" فمعناه لا رقية أوفى وأنفع كما قيل: "لا فتى إلا علي".
قلت: أو يكون القصر إدعائياً أي لا رقية في الوجود كأنه لا اعتداد بما عداها وهو أولى من تقدير الخاص أي أنفع وأوفى وقد ظهر من كلامه صلى الله عليه وسلم أن الأمر
(1) النهاية (2/ 255).
(2)
جزء من حديث طويل أخرجه أحمد (4/ 251).
(3)
أخرجه أبو داود (3420)، والنسائي (4/ 365).
(4)
أخرجه أحمد (3/ 393) وابن ماجة (3515) وصححه الألباني.
(5)
أخرجه مسلم (220).
بالرقية للإباحة لا للندب حيث قال: ولا يكره منها ما كان خلاف ذلك والأقرب أنه للندب بل الأصل فيه الوجوب إلا لصارف وقد تكرر الأمر به كما هنا وحديث: "استرقوا لها"(1) وقد كان يأمر بالرقية ويفعلها ويعلمهم التعوذات وبأقل من ذاك يثبت الندب إلا أنه يشكل عليه أنه صلى الله عليه وسلم لما وصف السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب بأنهم لا يرقون (2) ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون فإنه يفهم منه أن فعل الرقى مباح وإن ترك المندوب لا يفضل على فعله.
ولعله يجاب بأن فضيلة الصبر على الألم والتجرع بمرارة السقم والرضا بما نزل من الألم رتبة تربو على فضيلة فعل المندوب ولا يبلغ كنهها ولا يدنو إليها فالمتداوي فاعل للمندوب فيثاب على فعله، والصابر على الألم القارس لذلك أكثر ثوابًا وأعلى رتبة من حيث الصبر والرضا لا من حيث ترك المندوب أو لأن حظ النفوس في التداوي وطلبها للعافية لا يكاد يتمحص فيه قصد الندب، وقال ابن الأثير (3): إنما ترك في الحديث صفة الأولياء المعرضين عن أسباب الدنيا الذين لا يلتفتون إلى شيء من علائقها وتلك درجة الخواص لا يبلغها أحد غيرهم وأما العوام فرخص لهم في التداوي والمعالجات ومن صبر على البلاء وانتظر الفرج من الله بالدعاء كان من جملة الخواص والأولياء ومن لم يصبر رُخّص له في الرقية والدواء والعلاج.
قلت: ولا يقال يرد عليه أنه كيف يقول التداوي والاسترقاء طريقة العوام وقد ثبت أنه تداوى سيد البشر وداوى ورقى لأنا نقول الكلام في الحديث في الأمة لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل من أمتي" الحديث، أو لأن التداوي في حقه صلى الله عليه وسلم واجب لأنه مأمور بما لا يتم إلا بالعافية من تبليغ أحكام الله والجهاد لأعدائه
(1) أخرجه البخاري (5407).
(2)
وفي قوله ولا يرقون كلام لابن تيمية.
(3)
النهاية (2/ 62).
وتعليم شرائعه فإذا ترك التداوي وصبر على الألم عجز عن هذه الواجبات التي لأجلها بعث ولها خلقت السماوات والأرض ومن فيهما وما لا يتم الواجب إلا به [1/ 264] يجب فالتداوي في حقه أفضل أو لأنه كان مأمورًا من الله تعالى بخصوصيته بالتداوي لما ثبت من أنه لما سحر أتاه جبريل عليه السلام وأمره أن يأمر من يستخرج السحر من البئر (ك عن الشفاء)(1) بكسر الشين المعجمة وبالفاء والمد (بنت عبد الله) بن عبد شمس قرشية عدوية قيل: اسمها ليلى والشفاء بنت لها، أسلمت قبل الهجرة وهي من المهاجرات الأولات وهي من عقلاء النساء وفضلاهن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي منزلها ويقيل عندها في بيتها (2).
947 -
"اركبوا هذه الدواب سالمة. واتدعوها سالمة، ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فرب مركوبة خير من راكبها، وأكثر ذكرا لله منه (حم ع طب ك) عن معاذ بن أنس (صح) ".
(اركبوا هذه الدواب سالمة) غير عليلة ولا مشقوق عليها بالحمل (وابتدعوها سالمة) في النهاية (3): يقال ابدعت الناقة إذا انقطعت عن السير بكلال أو ظَلْع انتهى وبكسر الهمزة بالباء الموحدة والمثناة الفوقية والعين المهملة المعنى: اقطعوها عن السير سالمة قبل أن ينقطع بإتلافكم لها (ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق) ولا تجعلوها كالكراسي التي تحدثون عليها فهو نهي عن التحدث عليها واتخاذها لذلك وقد ثبت النهى عن التحدث على ظهور الدواب وأن تركب لذلك في عدة أحاديث إلا إذا وقع ذلك تبعا ولذا عبر بالإتحاد والتقييد بالطرق والأسواق لأنه غالب المواضع
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 57) وقال المناوي (1/ 478): إسناده صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع (906) والسلسلة الصحيحة (178).
(2)
الإصابة (7/ 727).
(3)
النهاية (1/ 107).
للأحاديث لكثرة ملاقاة الناس فيها إن أريد بها أزقة المدن وإن أريد المطلق على سبيل الأسفار فواضح.
واعلم أن المراد ما يعتاده الناس من المفاكهات والإخبار عن أحوالهم لا ما فيه إفادة علم أو قضاء حاجة فإنه صلى الله عليه وسلم كان يحدث أصحابه في أسفاره وهو راكب ويستحدثهم وقد خطب على ناقته لأجل إسماعهم وكذلك كان يخاطب بعضهم بعضاً وهو يشاهدهم (فرب مركوبة) صفة لدابة (خير من راكبها وأكثر ذكراً لله منه) سيقت لتعليل النهي ورب للتقليل كما هو الأصل فيها أي قليل من الدواب خير من راكبها وإذا كانت خيراً منه فلا يتخذها كرسيا لحديثه ولغوه فإنه قبيح عند العقلاء إهانة من هو خير من مهينة ولأنه خلاف ما خلقت له وإذا كان فيها من هو خير من راكبه اجتنبت الأحاديث عليها كلها احتياطاً، وإن جاز أن راكبها خير منها ويحتمل أن رب للتكثير أي كثير من المركوبات خير من راكبها ويناسب هذا قوله تعالى:{أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج: 18] فإنه تعالى أخبر بسجود جميع الدواب له ولم يخبر إلا عن سجود كثير من الناس له، فدل على أن المنقاد من الناس بعضهم له ومن الدواب جميعهم والأخيرية من حيث أنها أكثر لله ذكراً كما أفاده الحديث وفيه دلالة على أن الدواب تذكر الله كما يذكره العباد والناس فريقان في مثل هذا المعنى الذي يفيده الحديث والآيات مثل {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] وهو كثير سنة وكتاباً فالمتكلمون والمفسرون منهم على تأويل ذلك وحمله على خلاف ظاهره وأئمة الحديث وجماعة من المحققين على حمله على ظاهره [1/ 265] وعدم تأويله والإيمان به مع الإقرار بعدم معرفة كيفيته لأنه تعالى لم يجعل لنا على الإطلاع عليه سبيلاً وقد قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] وقال: {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] وهذا هو الحق وقد أشبعنا الكلام عليه في غير هذا وأما أنها مكلفة وأن إليها
رسلاً منها وغير ذلك فكما تكلفه من ذهب إليه فهو من البحث عما لم يجعل لنا عليه دليلاً وإتيانه بالعمومات مثل {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38] مما لا يطمئن للقلب إليه لاحتمال الآية لتأويلات كثيرة فنقف على ما اتضح لنا (حم ع طب ك عن معاذ بن أنس)(1) هو صحابي جهني معدود في أهل مصر (2) والحديث رمز المصنف لصحته.
948 -
"اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم: السبحة بعد المغرب (هـ) عن رافع بن خديج (ح) ".
(اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم السبحة بعد المغرب) بضم السين المهملة وسكون الموحدة فحاء مهملة قال في النهاية (3): يقال لصلاة النافلة سبحة يقال قضيت سبحتي، والسبحة من التسبيح كالسحرة من التسحير وإنما خصت النافلة بالسبحة وإن شاركتها الفريضة في معنى التسبيح لأن التسبيحات في الفرائض نوافل فقيل لصلاة النافلة سبحة لأنها نافلة كالتسبيحات والأذكار في أنها غير واجبة انتهى. والمراد بها الركعتان بعد صلاة المغرب وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يصليها إلا في بيته وقد ثبت أن النفل في البيت أفضل إلا أن في هذه زيادة حث على أداء هذه في البيوت.
(1) أخرجه أحمد (3/ 439) والطبراني في الكبير (20/ 193) رقم (431) وأبو يعلى كما في إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري (4/ 21) قال البوصيري: رجاله ثقات وابن عساكر كما في تاريخ دمشق (9/ 388). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 140): إسناده حسن. وانظر كلام الحافظ ابن حجر في الإصابة (1/ 134).
وصحح الألباني في صحيح الجامع (908) والسلسلة الصحيحة (21) الجزء الأول منه "اركبوا هذه الدواب سالمة وابتدعوها سالمة ولا تتخذوها كراسي" وضعف الجزء الثاني منه في ضعيف الجامع (783) ..
(2)
الإصابة (6/ 136).
(3)
النهاية (2/ 331).
قال بعض أئمة الحديث: إنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلاها في المسجد البتة، وقال السائب بن يزيد: لقد رأيت الناس في زمن عمر بن الخطاب إذا انصرفوا من المغرب انصرفوا جميعاً حتى لا يبقى في المسجد أحد كأنهم لا يصلون بعد المغرب حتى يصيروا إلى أهليهم وذهب البعض إلى أنها لو صليت في المسجد ما أجزأت، قال عبد الله بن أحمد: راوية عن أبيه أنه قال: بلغني عن رجل سماه أنه قال: لو أن رجلاً صلى الركعتين بعد المغرب في المسجد ما أجزأته فقال ما أحسن ما قال هذا الرجل وما أجود ما انتزع.
قلت: كأنه حمل الأمر على الوجوب وأيده فعله صلى الله عليه وسلم لها دائما في بيته (5 عن (1) رافع بن خديج) رمز المصنف لحسنه.
949 -
"ارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا. كل شيء يلهو به الرجل باطل، إلا رمي الرجل بقوسه، أو تأديبه فرسه، أو ملاعبته امرأته، فإنهن من الحق، ومن ترك الرمي بعد ما علمه فقد كفر الذي علمه (حم ت هب) عن عقبة بن عامر (ح) ".
(ارموا) بالنبل (واركبوا) على الخيل وهو أمر بالتدرب في الأمرين لأن بهما نكاية العدو (وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا) لأنه أشد نكاية وأخف مؤنه وأنفع في حزن وسهل وأسرع عند الغارة والتقاء الجيش (كل شيء يلهو به الرجل باطل) في النهاية (2): اللهو اللعب يقال لهوت بالشيء ألهو به وتلهيت به إذا لعبت به وتشاغلت وغفلت عن غيره (إلا رمى الرجل بقوسه أو تأديبه فرسه) هو إزالة تشمسه وتعليمه مراوغة العدو والسباق وكان صلى الله عليه وسلم يسابق بين الخيل (أو
(1) أخرجه ابن ماجه (1165) قال البوصيري (1/ 140): هذا إسناد ضعيف، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (909).
(2)
النهاية (4/ 282).
ملاعبته امرأته) فإنه من تمام حسن العشرة وقد قال صلى الله عليه وسلم: "هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك" لما أخبره أنه تزوج ثيباً ولأن في ملاعبة الزوجة كف النفس عن الحرام وإقناعها بالحلال (فإنهن من الحق) وتقدم حديث: "أحب اللهو إلى الله إجراء الخيل والرمي"، وتكررت الأحاديث في إباحة هذه الثلاثة [1/ 266] ويأتي حديث:"اللهو في ثلاث تأديبك فرسك ورميك بقوسك وملاعبتك أهلك"، (ومن ترك الرمي بعد ما علمه فقد كفر الذي علمه) الكفر هنا تغطية هذه النعمة التي أتاه الله إياها من الحذاقة بالرمي فخص ترك هذه من بين الثلاث؛ لأن تأديب الفرس مما تتوق إليه النفوس ولا يكاد يتركه من عرفه ولأن يتركه لا تفوت الحذاقة فيه بخلاف الرمي فإن الغفلة عنه يفوت الحذاقة فيه والجودة في الإصابة فإنه يخونه عند الحاجة إليه وملاعبة الزوجة أمر يدعو إليه الطبع (حم ت هب عن عقبة بن عامر)(1) رمز المصنف لحسنه وأخرجه الطيالسي والشافعي.
950 -
"ارموا الجمرة بمثل حصى الخذف (حم) وابن خزيمة، والضياء عن رجل من الصحابة (صح) ".
(ارموا الجمرة) هو للجنس فيشمل الثلاث (بمثل حصى الخذف) هو معروف وهو نهي عن الغلو في الدين والرمي بدونها وبأكبر منها لا يجزئ (حم وابن خزيمة والضياء عن رجل من الصحابة)(2) رمز المصنف لصحته.
951 -
"إرهقوا القبلة البزار (هب) وابن عساكر عن عائشة (ض) ".
(1) أخرجه أحمد (4/ 144) والترمذي (1637) والبيهقي في الشعب (6496) وكذلك الطيالسي (1007). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (784) في إسناده عبد الله الأزرق مجهول.
(2)
أخرجه أحمد (4/ 343) وابن خزيمة (2874) والبيهقي (5/ 127) عن رجل من الصحابة وصححه الألباني في صحيح الجامع (910) والسلسلة الصحيحة (1477).
(إرهقوا القبلة) هو من رهق كفرح كما في القاموس (1) وفي النهاية (2): أي ادنوا منها، ومنه غلام مراهق مقارب للحلم انتهى. وهو أمر بالدنو من الجدار والسترة واختلف في أقل ذلك فقال ابن بطال: أقله أن يكون بين المصلي وسترته قدر ممر الشاة، وقيل: أقله ثلاثة أذرع لحديث بلال: "أنه صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع" أخرجه البخاري (3) والحكمة في الأمر بالدنو ما رواه أبو داود (4) عن سهل بن أبي حثمة مرفوعاً: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن لا يقطع الشيطان عليه صلاته" كما في فتح الباري (5)(البزار هب وابن عساكر عن عائشة)(6) رمز المصنف لضعفه وذلك لأن فيه بشر بن السري ضعفه الذهبي.
952 -
"أريت ما تلقى أمتي من بعدي، وسفك بعضهم دماء بعض، وكان ذلك سابقا من الله كما سبق في الأمم قبلهم، فسألته أن يوليني شفاعة فيهم يوم القيامة ففعل (حم طس ك) عن أم حبيبة (صح) ".
(أريت) بضم الهمزة أي شاهدت وأرنيه الله تعالى (ما تلقى أمتي من بعدي) وقد فسر هذه الإراءة حديث ابن عمر عند الطبراني وغيره بلفظ (7): "إن الله قد رفع لي الدنيا فأنا أنظر إلى ما هو كائن منها إلى يوم القيامة" الحديث. وأما كيفية
(1) القاموس المحيط (ص 1148).
(2)
النهاية (2/ 282) وانظر: تصحيحات المحدثين (1/ 317).
(3)
أخرجه البخاري (492).
(4)
أخرجه أبو داود (695).
(5)
فتح الباري (1/ 575).
(6)
أخرجه البزار كما في كشف الأستار (1/ 283) قال الهيثمي في المجمع (2/ 59): رواه أبو يعلى والبزار ورجاله موثقون، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (2/ 254) بعد عزوه لأبي يعلى: هذا إسناد ضعيف، وأخرجه البيهقي في الشعب (5312) وابن عساكر في تاريخ دمشق (51/ 128)، وبشر بن السري أورده الذهبي في "المغني في "الضعفاء" (902).
(7)
أخرجه الطبراني كما في المجمع (8/ 287) وقال: رجاله وُثِّقوا على ضعف كثير في سعد بن سنان الرهاوي، وأبو نعيم في الحلية (6/ 101).
الإراءة وهل هي بخلق الله لكل كائن فرآه صلى الله عليه وسلم أو مثل له ذلك أو نحو ذلك فلا دليل عليها (وسفك) بالنصب على الإبدال من ما (بعضهم دماء بعض) وقد وقع كما أريه صلى الله عليه وسلم (وكان ذلك سابقًا من الله كما سبق في الأمم قبلهم) تصديقًا لما قالته الملائكة: {وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 30] وكأن الملائكة كانت علمت ذلك من سبق القدرية (فسألته أن يوليني شفاعة فيهم يوم القيامة ففعل) هي غير الشفاعة العظمى فإنَّ تلك في فصل القضاء بين الأمم وهذه شفاعة لهؤلاء العصاة بأعيانهم في ذنوب سفك الدماء ولا ينافيها ما تقدم من حديث: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار". لاحتمال أن هذه الشفاعة بعد دخولهم النار أو بعد الحكم عليهما بأنهما من أهلها قبل الدخول، وفيه دليل أن الشفاعة ثابتة لأهل الكبائر ويأتي فيه عدة أحاديث (حم طس ك عن أم حبيبة) (1) بالحاء المهملة مفتوحة فموحدة هي بنت أبي سفيان (2) إحدى أمهات المؤمنين قيل: اسمها رملة، وقيل: هند، قال ابن الأثير (3): والأول أصح والحديث رمز المصنف لصحته وقال الحاكم: صحيح على شرطهما وقال الهيثمي: رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح.
(1) أخرجه أحمد (6/ 427، 428)، والطبراني في الأوسط (4648)، وفي الكبير (23/ 222) رقم (410) وقال الهيثمي:(7/ 224): رجالها رجال الصحيح. وذكره المنذري (4/ 233) وقال: رواه البيهقي في الشعب وصحح إسناده، والحاكم (1/ 68) وصححه الألباني في صحيح الجامع (918) والسلسلة الصحيحة (1440).
(2)
الإصابة (7/ 651).
(3)
أسد الغابة (1/ 1431).