المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(بحث في كلمة التوحيد) - التنوير شرح الجامع الصغير - جـ ٢

[الصنعاني]

الفصل: ‌(بحث في كلمة التوحيد)

(بحث في كلمة التوحيد)

(أفضل الذكر لا إله إلا الله) كأن المراد بعد القرآن وإلا فإنه أفضل الذكر على الإطلاق ويوافقه حديث: "أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله"(1) وهذه الكلمة الشريفة هي التي أباح الله الأرواح والأنفس والأموال وصانها بها وبعث رسله أولهم وآخرهم بدعاء الخلق إليها كل رسول يقول: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59] وهي أعلى شعب الإيمان وهي باب الإِسلام فإنها نفت كل إله وأثبتت إلهيته تعالى والقصر إفرادي لأن المخاطبين كانوا يعتقدون الشريك معه في الإلهية ولذا يقول لهم تعالى: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص: 62] ويحتمل القلب لمن يعتقد أن الإله سواه تعالى لكن قال البعض: ليس في فرق المشركين من ينفي الرب تعالى.

واعلم أنه قد اشتهر السؤال عن الإشكال المشهور للرازي في أن القاعدة أنه إذا لم يقم دليل على تقدير الخاص قدر العام وهنا لا دليل فالتقدير لا إله موجود إلا الله ولا يتم التوحيد إلا بإحالة إله سواه تعالى لا ينفي وجوده وقد اضطرب الناس في حله، وألفت فيه رسائل قال بعض المحققين وعندي أن الإيراد ليس بالقوي لأنا لا نريد إلا (ما الجائنا ضرورة أنها الحاديات) إلى وجوب وجوده فإن قلنا: يتنافى واجبين فقد تضمن وجوده إحالة الثاني ثم إن دليل العقل والشرع دلا على تنافي واجبين فهما دليل على تقدير الخاص أعني الإمكان الذي يستلزم من فرض وجود الثاني محالاً هذا خلاصة كلامه، فأفاد أن لك أن تقدر العام ولا يلزم الإشكال لأن الدليل على تنافي واجبين أو تقدير الخاص لقيام الدليل على تقديره وأحسن منه ما قاله عصام الدين في حواشي الجامي نقلاً عن رسالة لجار الله الزمخشري: أن أصل التركيب الله اللام قدم وأخر وأدخل عليه أداة القصر

(1) أخرجه الترمذي (3585) وقال: حديث غريب، ومالك في الموطأ (500).

ص: 554

ردًّا على المشركين [1/ 363] وأنه لا حاجة إلى التقدير أصلاً وتقدم تفسير الذكر (وأفضل الدعاء الحمد لله) فيه سؤالان:

أحدهما: أن الدعاء السؤال والطلب وهذه جملة إخبارية بأن كل حمد لله.

وجوابه: أن هذه الجملة لما كانت رأس الشكر ولأنها لا تقال إلا عقيب الإنعام في الأغلب كعقيب الأكل والشرب واللبس ونحو ذلك وقد قال الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] تضمنت طلب الزيادة فسميت دعاء لذلك وهي أيضًا ذكر فإن الذكر دعاء وزيادة ولذا قيل:

إذا أثنى عليك العبد يومًا

كفاه من تعرضه الثناء

وقد أجاب ابن عيينة عن سؤاله عن حديث سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء مع أنه بينا بهذا البيت وأما الثاني فكيف التوفيق بينه وبين ما مر آنفًا: "أفضل الدعاء سؤال العفو والعافية" فالمراد هنا كأفضل الدعاء التعريضي الصمتي وهنالك صريح السؤال والطلب (ت ن 5 حب ك عن جابر) رمز المصنف لصحته وصححه الحاكم وأقره الذهبي (1).

1249 -

"أفضل الرباط الصلاة ولزوم مجالس الذكر وما من عبد يصلى ثم يقعد في مصلاه إلا لم تزل الملائكة تصلي عليه حتى يحدث أو يقوم (الطيالسي عن أبي هريرة) ".

(أفضل الرباط) تقدم أنه ملازمة الثغر لجهاد العدو (الصلاة) شبه المحافظ على الصلاة بملازمة العدو لما كانت جهادا للنفس أو الشيطان وجعله أفضل الرباط لأنه فيها جهاد النفس والشيطان وهما أشد نكاية للإنسان من عدوه

(1) أخرجه الترمذي (3383) وقال: حسن غريب. والنسائي في الكبرى (10667)، وابن ماجه (3800)، وابن حبان (846)، والحاكم (1/ 676) وقال: صحيح الإسناد. وأخرجه أيضًا: الديلمي (1414)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1104) والسلسلة الصحيحة (1497).

ص: 555

الظاهر {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6]{إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 168]، وأما جهاد النفس فقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهاد الأكبر (ولزوم مجالس الذكر) عام لتلاوة القرآن وغيره من أنواع الذكر وهو في التلاوة أظهر لحديث:"ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتدارسون بينهم كتاب الله"(1). الحديث، فهي مجالس الذكر المعهودة بالترغيب فيها ويحتمل أن المراد به كل طاعة يجلس لأجلها (وما من عبد يصلي) أي صلاة من الفرائض (ثم يعقد في مصلاه) ظاهر في محل صلاته نفسه وقد قيل بأنه إذا انتقل إلى ناحية أخرى كان له ما ذكر من قوله (إلا لم تزل الملائكة تصلي عليه) يحتمل أنهم حفظته أو الذين يشهدون الصلاة أو أعم من ذلك وصلاة الملائكة هي الدعاء والاستغفار للعبد وقد وردت أحاديث متكاثرة في الحث على القعود إلى طلوع الشمس بعد صلاة الفجر وإلى غروبها بعد صلاة العصر (حتى يحدث) فيخرج عن وضوءه (أو يقوم، الطيالسي عن أبي هريرة) سكت عليه المصنف وفيه راو ضعيف (2).

1250 -

"أَفْضَلُ الرِّقَابِ أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأنفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا (حم ق ن هـ عن أبي ذر، حم، طب عن أبي أمامة) "(صح).

(أفضل الرقاب) التي تعتق في سبيل الله في النهاية (3): الرقبة في الأصل العنق فجعلت كناية عن جميع ذات الإنسان تسمية للشيء ببعضه فإذا قال اعتق رقبة فكأنه قال أعتق عبدًا انتهي.

(1) أخرجه مسلم (2699).

(2)

أخرجه الطيالسي (2510)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1010) والسلسلة الضعيفة (2854) في إسناده محمد بن أبي حميد، ضعيف وهو المدني الملقب حماد قال الذهبي في الضعفاء (5450) ضعفوه، وقال الحافظ في التقريب (5836) ضعيف.

(3)

النهاية (2/ 249).

ص: 556

قلت: وقد صار حقيقة عرفية إذا اقترن بلفظ اعتق ونحوه (أغلاها) بالمهملة والمعجمة (ثمنًا) في القاموس (1): الثمن محركة ما يستحق به الشيء، فمن كان يريد الشراء بألف لرقاب كبيرة فوجد واحدة نفيسة بألف فهي أولى إفادة الحديث، وقال الشارح بخلافه (وأنفسها عند أهلها) أعجبها إليهم وأحبها لأن موقع ما يعطيه العبد لله باعتبار موقعه في قلبه كما قال الله تعالى:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وقال: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الإنسان: 8] وقد ذم الله تعالى من يعطي ما لا يحبه {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل: 62]{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] والظاهر أن غير الرقبة مثلها (حم ق ن 5 عن أبي ذر حم طب عن أبي أمامة)(2).

(أفضل الساعات) أكثرها أجرًا لمن يأتي الطاعات فيها (جوف الليل الآخر) في النهاية (3) أنه ثلثه الآخر وهو الجزء الخامس من أسداس الليل (طب عن عمرو بن عنبسة) بالمهملتين مفتوحتين بينهما موحدة (4).

1251 -

"أفضل الشهداء من سفك دمه وعقر جواده (طب عن أبي أمامة) ".

(أفضل الشهداء)[1/ 364] أكثرهم أجرًا (من سفك دمه) مغير صيغه وكذلك (وعقر جواده) تقدم الكلام عليه في أشرف الجهاد والجواد الفرس

(1) القاموس (ص: 1529).

(2)

حديث أبى ذر: أخرجه أحمد (5/ 171)، والبخاري (رقم 2382)، ومسلم (رقم 84)، والنسائي في الكبرى (رقم 4894)، وابن ماجه (رقم 2523)، وابن حبان (رقم 4596). وأخرجه أيضًا: البخاري (رقم 2382)، ومسلم (رقم 84)، وابن خزيمة (رقم 2910)، وأبو عوانة (رقم 178)، والبيهقي (6/ 273). حديث أبى أمامة: أخرجه أحمد (5/ 265)، والطبراني (8/ 217) رقم (7871)، قال الهيثمي (1/ 159): مداره على عليّ بن يزيد، وهو ضعيف. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1106) والسلسلة الصحيحة (551).

(3)

النهاية (1/ 316).

(4)

أخرجه الطبراني في الدعاء (128)، وفي المعجم الأوسط (6964)، بلفظ: أي الليل خير الدعاء؟ وأخرجه أحمد (4/ 385).

ص: 557

السابق الجيد قاله في النهاية (1)(طب عن أبي أسامة) سكت عليه المصنف وقال الشارح: رمز لحسنه (2).

1252 -

"أفضل الصدقة أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيح شَحِيح تَأْمُلُ الْغِنَى وتَخْشَى الْفَقْرَ وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلفُلَانٍ كَذَا ألا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ كَذَا (حم ق د ن عن أبي هريرة) "(صح).

(أفضل الصدقة) بالنظر إلى حال المتصدق وصفة ذاته (أن تصدق وأنت) جملة حالية من فاعل تصدق (صحيح) وما يليه إخبار من مخبر عنه واحد وكان يجوز عطف بعضها على بعض كما جاز عدمه (شحيح) على ما يخرجه يجاهد نفسه على ذلك والشح بخل مع حرص فهو أبلغ منه (تأمل العيش) الحياة (وتخشى الفقر) والحاجة إلى ما تخرجه قيده بذلك لأن آمل العيش من غير خشية الفقر ليس مظنة لمنع الصدقة التي سيق الكلام لبيان أفضلية إخراجها مع وجود مظنة خلافه (ولا تمهل) يجوز جزمه نهيًا ورفعه نفيًا والإمهال التؤدة والتباطؤ (حتى إذا بلغت) أي النفس وإن لم يتقدم لها ذكر فقد تقدم ما يرشد إليها (الحلقوم) الحلق بلوغها إياه هو حال السياق والمراد هنا مبادئه بدليل مقابلته بصحيح (قلت لفلان) في القاموس (3) فلان وفلانة مضمومتين كناية عن أسمائها (كذا ولفلان كذا) هو كناية عن العدد (ألا) حرف تنبيه (وقد كان لفلان) ضمير كان للمال المدلول عليه السياق والكناية وفلان يحتمل أن الآخر هو الأول إذا كانت الوصية للوارث ويحتمل أن يراد به غيره كما هو الأصل في إعادة النكرة فعلى

(1) النهاية (1/ 312).

(2)

أخرجه الطبراني (8/ 217، رقم 7871). وأخرجه أيضًا: أحمد (5/ 265)، قال الهيثمي (1/ 159): مداره على عليّ بن يزيد وهو ضعيف. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1108) والسلسلة الصحيحة (1504).

(3)

القاموس المحيط (ص 1577).

ص: 558

الأول أنه جعل لفلان وقد جعله الله له بغير جعله وعلى الثاني أنه أوصى به لغير الوارث وقد جعله الله للوارث فكأنه تصرف في حق غيره وهذا الأخير أقرب لأنه بالزجر المراد أنسب وفي الحديث حث على الصدقة حال الصحة وجزر عنها حال المرض وفيه دليل على صحة التوصية للوارث على أحد الاحتمالين (حم ق د ن عن أبي هريرة)(1).

1253 -

"أفضل الصدقة جهد المقل وابدأ بمن تعول (د ك) عن أبي هريرة"(صح).

(أفضل الصدقة جهد) بضم الجيم وسكون الهاء الوسع والطاقة وبفتحها المشقة وقيل: المبالغة والغاية قاله في النهاية (2)(المقل) قليل ذات اليد (وابدأ) في إعطاء الصدقة (بمن تعول) تمونه وتقوم بكفايته شرعًا في النهاية (3) من تمونه وتلزمك نفقته من عيالك، يقال: عال الرجل عياله إذا قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة وغيرهما انتهى. وهذه الأفضلية باعتبار ذات اليد والمراد من بدايته بمن تعول بعد كفايته نفسه كما أفاده حديث جابر: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها"(4) وحديث أبي هريرة عند أبي داود والنسائي (5) قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقال رجل يا رسول الله عندي دينار قال: "تصدق به على نفسك" الحديث (د ك عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته (6).

(1) أخرجه أحمد (2/ 447)، والبخاري (2597)، ومسلم (1032)، وأبو داود (2865)، والنسائي (2542).

(2)

النهاية (1/ 320).

(3)

النهاية (3/ 321).

(4)

أخرجه مسلم (997).

(5)

أخرجه أبو داود (1691)، والنسائي في الكبرى (2/ 34).

(6)

أخرجه أبو داود (2/ 129)، وابن حبان (3346)، والحاكم (1/ 574) وقال: صحيح على شرط مسلم. والبيهقي (4/ 180). وأخرجه أيضًا: أحمد (2/ 358)، وابن خزيمة (4/ 102). وصححه =

ص: 559

1254 -

"أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تَعُولُ (حم م ن عن حكيم بن حزام) "(صح).

(أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غني) في النهاية (1): أي ما كان عفوا قد فضل عن غنى وقيل: أراد ما فضل عن العيال والظهر قد يراد في مثل هذا اتساعًا في الكلام وتمكينًا كان صدقته مستندة إلى ظهرٍ قوي من المال وإنما كانت الصدقة عن ظهر الغنى أفضل لأنها لا تتبعها نفس المتصدق ولا يتطرق إليها المن في الغالب وهذا يعارض الذي قبله والجمع بينهما أن جهد المقل أفضل إذا كانت نفسه سمحة طيبة بالبذل فصدقته أفضل من صدقة الغني بالنسبة إلى صدقة غيره ممن لا ينطلق نفسه كلية الانطلاق بما أعطت وصدقة الفقير بتلك الصفة أي منطلق النفس بها طيبتها أفضل مطلقا أو يراد بتفضيل الصدقة عن ظهر غنى على صدقة من يخرج جميع ماله ثم يتكفف الناس بعد ذلك كما يفيده حديث جابر [1/ 365] في صاحب بيعته الذهب لأنه أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متصدقًا بها فلم يقبلها ثم حذفه بها وقال: "يأتي أحدكم بجميع ما يملك ثم يقول هذا صدقة ثم يقعد يتكلف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى".

إن قلت: فهذا يدل على أنه لا يتصدق الإنسان بكل ما عنده ولا يكون محبوبا عنده لأنه منهي عن ذلك وفي قوله تعالى: {عَلَى حُبِّهِ} على الوجه الراجح في أن الضمير للطعام وفي قوله: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} وقوله: {مِمَّا تُحِبُّونَ} {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] ما يدل على خلافه.

قلت: قد أرشد الحديث إلى وجه الجمع بقوله ثم يقعد يتكلف الناس فالنهي

= الألباني في صحيح الجامع (1112) والسلسلة الصحيحة (566).

(1)

النهاية (3/ 165).

ص: 560

موجه إلى من لا ضير له أو لا سعي له في جلب الرزق إلا بالسؤال والثناء على الإيثار متوجه إلى من هو بخلاف تلك الصفة (واليد العليا) في النهاية (1): العليا المعطية وقيل المنفقة (خير) عند الله وأحب إليه (من اليد السفلي) في النهاية (2) إنها السائلة وقيل. المانعة وهو حث على الإنفاق وعلى العفة (وابدأ بمن تعول) كما سلف مرارًا (حم م ن عن حكيم بن حزام) بالحاء المهملة والزاي (3).

1255 -

"أفضل الصدقة سقي الماء (حم د ن 5 حب ك عن سعد بن عبادة ع عن ابن عباس) "(صح).

(أفضل الصدقة سقي الماء) مثله حديث ابن المسيب عند أبي داود أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله أيما الصدقة أعجب إليك؟ قال: "الماء"(4) وقد تقدم في ذلك حديث وتقدم فيه الكلام وهو الأفضلية بالنظر إلى المتصدق به (حم د ن 5 حب ك عن سعد بن عبادة) رمز المصنف لصحته (ع عن ابن عباس)(5).

1256 -

"أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علمًا ثم يُعَلِّمَهُ أخاه المسلم (هـ عن أبي هريرة) ".

(أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلم علمًا) من نافع العلم (ثم يعلمه أخاه) في الدين وإنما كان أفضلها لأنه يدوم نفعه وينتفع من علمه ومن علم من علمه

(1) النهاية (3/ 564)، و (5/ 693).

(2)

المرجع السابق.

(3)

أخرجه أحمد (3/ 434) والبخاري (1428) ومسلم (1034).

(4)

أخرجه أبو داود (1679).

(5)

حديث سعد بن عُبادة: أخرجه أحمد (5/ 284)، وأبو داود (1679)، والنسائي (6/ 254)، وابن خزيمة (2497)، وابن حبان (3348)، وابن ماجه (3684)، والطبراني (6/ 20، رقم 5379)، والحاكم (1/ 574)، والبيهقي (4/ 185). حديث ابن عباس: أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3380). وأخرجه أيضًا: أبو يعلى (2673)، والطبرانى في الأوسط (1011). قال الهيثمي (3/ 131): فيه موسى بن المغيرة، وهو مجهول. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (113).

ص: 561

ولأن فيه الحياة الأبدية وصدقة المال للحياة الدنيوية ويدخل في التعليم التأليف ونحوه وهذا باعتبار ما فيه الفائدة من الأقوال بعد استفادتها فلا ينافي ما سلف من صدقة الأموال (5 عن أبي هريرة) سكت عليه المصنف وقال الهيثمي: إسناده حسن (1).

1257 -

"أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح (حم طب عن أبي أيوب وعن حكيم بن حزام خد د ت عن أبي سعيد، طب ك عن أم كلثوم بنت عقبة) ".

(أفضل الصدقة على ذي الرحم) تقدم الكلام فيه (الكاشح) في النهاية (2): هو العدو الذي يضمر عداوته ويطوي عليها كشحه: أي باطنه والكَشْح: الخصر أو الذي يطوي عنك كَشْحَه ولا يأتيك انتهى.

وهذا باعتبار المتصدق عليه من القرابات وإنما كانت أفضل لأن مكاشحتة وعداوته تقتضي المنع فبإكراه النفس على إعطائه تعظم فضل الصدقة بخلاف الموادِد المواصل فالحامل على إعطائه حاصل والنفس بإنالتِه راغبة (حم طب عن أبي أيوب وعن حكيم بن حزام) وإسناده ضعيف لضعف حجاج بن أرطأه وذكر ابن شاهين وابن مندة وغيرهم أنه عن أيوب بن بشير الأنصاري عن حكيم بن حزام خلاف ما قاله المصنف (خد د ت عن أبي سعيد، طب ك عن أم كلثوم بنت عقبة) وصححه الحاكم (3).

(1) أخرجه ابن ماجه (243) وقال البوصيري (1/ 35): هذا إسناد ضعيف لضعف إسحاق بن إبراهيم، والحسن لم يسمع من أبي هريرة. وخالفه المنذري (1/ 54) فقال: رواه ابن ماجه بإسناد حسن من طريق الحسن عن أبي هريرة. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1016).

(2)

النهاية (4/ 175).

(3)

أورده الحافظ في الإصابة (1/ 183) وعزاه للبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وقال الغمارى في المداوي (2/ 82): ما رأيت هذا الحديث عند البخاري في الأدب ولا أبي داود ولا الترمذي ولا رأيت من عزاه إليه سوى الحافظ والله أعلم. وأخرجه الحاكم (1/ 406) وقال: هذا =

ص: 562

1258 -

"أفضل الصدقة ما تصدق به على مملوك عند مالك سوء (طس عن أبى هريرة) ".

(أفضل الصدقة ما تصدق به على مملوك) من آدمي أو بهيمة أو نحوها هو كل كبد حرًّا (عند مالك سوء) في القاموس (1) رجل سَوء ورجل السوء بالفتح والإضافة انتهى. وهو سيئ الملكة في معاملة من تحت يده وهذا تفضيل للصدقة على العامة ممن عدا القرابة. (طس عن أبي هريرة) فيه بشير بن ميمون ضعيف (2).

1259 -

"أفضل الصدقة في رمضان (سليم الرازى في جزئه عن أنس) ".

(أفضل الصدقة في رمضان) لأنه شهر الطاعات وقد كان صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان وهو تفضيل للصدقة باعتبار الوقت (سليم الرازي في جزئه عن أنس) سكت عليه المصنف وفيه صدقة ابن موسى قال ابن معين: ليس بشيء وأخرجه عن أنس أيضًا البيهقي والخطيب وأخرجه الترمذي بلفظ: "أفضل الصدقة [1/ 366] صدقة في رمضان"(3).

= حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي والطبراني في الكبير (25/ 80) رقم (204) وقال الهيثمي (3/ 116) رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1110) والإرواء (892).

(1)

القاموس المحيط (صـ 708).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (7358). قال الهيثمي (3/ 130): فيه بشير بن ميمون، وهو ضعيف قلت قال البخاري: منكر الحديث وقال في موضع آخر يتهم بالوضع وقال الدارقطني وغيره متروك وقال ابن معين اجتعموا على طرح حديثه. انظر الميزان (2/ 44)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1020) والسلسلة الضعيفة (2857) ضعيف جدًا.

(3)

أخرجه سليم الرازي في جزئه كما في الكنز (16249). وأخرجه الترمذي (663)، والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 305)، وفي الشعب (3819)، والخطيب في تاريخه (13/ 314)، وانظر الإرواء (3/ 397). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1019) في إسناده صدقة بن موسى ضعيف، قال الذهبي في الضعفاء (2784) ضعفوه، وقال الحافظ في التقريب (2921) صدوق له أوهام ..

ص: 563

1260 -

"أفضل الصدقة اللسان الشفاعة تفك بها الأسير وتَحْقِن بها الدم وتجر بها المعروف والإحسان إلى أخيك وتدفع عنه الكريهة (طب هب عن سمرة) ".

(أفضل الصدقة اللسان الشفاعة) أي صدقة اللسان (أو جعلت اللسان نفسها) صدقة لكثرة إفاضة الخير عنها قال الشارح: الموجود في شعب الإيمان للبيهقي: "أفضل الصدقة صدقة اللسان" قالوا: وما صدقة اللسان؟ قال: "الشفاعة"(يفك بها الأسير ويحقن بها الدم ويجري بها المعروف) كلها صفات كاشفة اللسان على أن اللام للعهد الذهني وهو في حكم النكرة من باب: ولقد أمر على اللئيم يَسُبُّني ويحتمل أنها أحوال متداخلة ومترادفة وهذه فضيلة باعتبار الإنالة من الغير بواسطة الشافع ولا يعارض أفضل الصدقة أن يتعلم إلى آخره لأن ذلك فيما يستفيده من المعارف يفيده وهذا فيما يفيده من العوارف (والإحسان إلى أخيك) خاص على عام لأنه من المعروف (ويدفع عنه الكراهة) ما يكره وقوعه فيه (طب هب عن سمرة) سكت عليه المصنف قال الهيثمي: فيه أبو بكر الهذلي وهو ضعيف (1).

1261 -

"أفضل الصدقة أن تشبع كبِدًا جائعًا (هب عن أنس) ".

(أفضل الصدقة أن تشبع كبدًا جائعًا) كبد كل شيء وسطه قاله في النهاية (2)، وهذه الأفضلية بالنظر إلى نوع من المتصدق به وهو الإشباع (هب عن أنس) سكت عليه المصنف وقال الشارح: رمز لحسنه وكأنه لاعتضاده وإلا ففيه

(1) أخرجه الطبراني (7/ 230، رقم 6962) وقال الهيثمي (8/ 194): فيه أبو بكر الهذلي، وهو ضعيف. وأخرجه أيضًا: القضاعي (1279)، والبيهقي في شعب الإيمان (7682)، والديلمي (1423). قال المناوي (2/ 39): فيه أبو بكر الهذلي ضعيف ضعفه أحمد وغيره وقال البخاري: فمضيت ثمة قلت: لا يعنيني ليس بالحافظ ثم أورد له هذا الخبر، وأقول فيه أيضًا عند البيهقي مروان بن جعفر السمرى أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال الأزدي يتكلمون فيه انظر المغني (6161). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1013) والسلسلة الضعيفة (1442) ضعيف جدًا.

(2)

النهاية (4/ 139).

ص: 564

هشام بن حسان ضعيف (1).

1262 -

"أفضل الصدقة إصلاح ذات البين (طب هب عن أنس بن عمرو) ". (أفضل الصدقة إصلاح ذات البين) تقدَّم تفسير هذا التركيب والإصلاح حث عليه الكتاب والسنة بما هو معروف وسماه صدقة لأنه إيصال نفع إلى الغير (طب هب عن أنس بن عمرو) سكت عليه المصنف وقال الشارح: إسناده ضعيف لضعف ابن أنعم (2).

1263 -

"أفضل الصدقة حفظ اللسان (فر عن معاذ) ".

(أفضل الصدقة حفظ اللسان) الصدقة إنما تطلق على الأعيان في الأصل ثم أطلقها الشارع على المعاني والأعراض مثل كل تسمية ومنه ما مر في هذه الأحاديث وهو مجاز كأنه شبه المعنى المنتفع به بالصدقة في النفع ثم أطلق اسمها عليه استعارة مصرحة ثم استعمل في الترك كهذا الحديث وهو ترك الكلام الذي لا خير فيه (فر عن معاذ بن جبل) قال الشارح: فيه راو كذاب (3).

(1) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (3367). قال المنذري (2/ 36): رواه أبو الشيخ في الثواب والبيهقي والأصبهاني كلهم من رواية زربي مؤذن هشام عن أنس قلت هو زربي بن عبد الله أبو يحيى مؤذن هشام أورده الذهبي فِى المغني (2177) وقال قال: البخاري: في حديثه نظر وقال الترمذي له مناكير، وقال الحافظ في التقريب (2013) ضعيف .. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1015) والسلسلة الضعيفة (7033).

(2)

أخرجه الطبراني (13/ 20 رقم 31)، والبيهقي في شعب الإيمان (11092). وأخرجه أيضاً: عبد بن حميد (335)، والبزار كما في كشف الأستار (2/ 440، رقم 2059)، والقضاعي (2/ 244 رقم 1280). قال المنذري (3/ 321): رواه الطبراني والبزار وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وحديثه هذا حسن. وقال الهيثمي (8/ 80): رواه الطبراني والبزار، وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وهو ضعيف انظر المغني (3566) والتقريب (3862). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1012) والسلسلة الضعيفة (2839).

(3)

أخرجه الديلمي (1/ 1/ 126) قال المناوي (2/ 40): فيه خصيب بن جحدر قال الذهبي: كذبه شعبة والقطان قلت: وقال أحمد لا يكتب حديثه وقال البخاري: استعدي عليه شعبة. انظر الميزان (2/ 441). ومع هذا فقد قال العجلوني (1/ 172): رواه الديلمي عن معاذ، والحديث ضعيف،=

ص: 565

1264 -

"أفضل الصدقة سر إلى فقير وجهد من مقل (طب عن أبي أمامة) ".

(أفضل الصدقة سر) صدقة سر يدفعها (إلى فقير) فإنها أسلم عن الرياء ونحوه (وجهد من مقل) كما سلف والأفضلية بالنظر إلى صفة الإخفاء (طب عن أبي إمامة) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف رواية بن زيد (1).

1265 -

"أفضل الصدقة أن تمنح الدرهم أو ظهر الدابة (طب عن ابن مسعود) ".

(أفضل الصدقة المنيح) بكسر النون فمثناة تحتية فحاء مهملة بزنة مليح قال في القاموس (2): المنيح أحد سهام المَيْسِر الثلاثة التي لا غنم لها ولا غرم عليها والمنيحة والمنحة العطية والهبة فالمنيح هنا مرخم المنحة وكأنه قيل منيحة ماذا؟ (قال أن تمنح الدرهم) يقرضه (أو ظهر الدابة) بأن تعيرها من ينتفع بها وهذه أفضلية لهذا النوع من القرضه والعارية (طب عن ابن مسعود) وأخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح (3).

= وقال الألباني في ضعيف الجامع (1017) وفي السلسلة الضعيفة (رقم 2123): موضوع. (1) أخرجه الطبراني (8/ 217 رقم 7871). وأخرجه أيضًا: أحمد (5/ 265)، قال الهيثمي (1/ 159): مداره على علي بن يزيد الألهاني، وهو ضعيف. وانظر التقريب (4817)، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1018).

(2)

القاموس (ص: 310)، بل هذا كلام ابن الأثير في النهاية (4/ 798).

(3)

أخرجه الطبراني (10/ 84 رقم 10029). وأخرجه أيضًا: أحمد (1/ 463)، وقال الهيثمي في المجمع (3/ 133) رواه أحمد وأبو يعلى (5121) وزاد:"الدينار أو البقرة". والبزار والطبراني في الأوسط (5326) ورجال أحمد رجال الصحيح. وقال المناوي في الفيض (2/ 40): وظاهره أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فلو عزاه المصنف له لكان أولى، وأبو نعيم في الحلية (4/ 236). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1014) والسلسلة الضعيفة (2840) قلت: في إسناد أحمد وأبي يعلى: إبراهيم بن مسلم الهجري أورده الذهبي في المغني (175) وقال: ضعفه النسائي وغيره وتركه ابن الجنيد، وقال الحافظ في التقريب (252) لين الحديث رفع موقوفات. وفي إسناد البزار والطبراني: حفص بن جميع ضعيف كما في التقريب (1401)، وعمر بن يحيى الأبلي اتهمه ابن عدي بسرقة الحديث.

ص: 566

1266 -

"أفضل الصدقات ظِلُّ فُسْطَاطٍ في سبيل الله عز وجل أو منحة خادم في سبيل الله أو طَرُوقَةُ فَحْلٍ في سبيل الله (حم ت عن أبي أمامة. ت عن عدى بن حاتم) ".

(أفضل الصدقات ظل فسطاط) بضم الفاء قال الزمخشري: هو ضرب من الأبنية في السفر دون السرادق قاله في النهاية (1): والمراد هنا مطلق ماله ظل من الأبنية (في سبيل الله) تقدم أنه الجهاد، وقد يطلق على طرق الخير مطلقًا (أو منحة خادم في سبيل الله) عاريته أو هبته (أو طروقة فحل) تفتح الطاء وهي فعوله بمعنى مفعوله أي التي يطرقها الفحل من ناقة أو فرس أي تأهلت لأن يطرقها فيعطيها (في سبيل الله حم ت عن أبي أمامة) صححه الترمذي وتعقبه عبد الحق بأن فيه القاسم بن عبد الرحمن مختلف فيه (ت عن عدي بن حاتم)(2).

1267 -

"أفضل الصلوات عند الله تعالى صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة، (حل هب) عن ابن عمر".

(أفضل الصلوات عند الله) أكثرها أجرًا لديه (صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة) لأنها أفضل الخمس واليوم أفضل الأيام والجماعة أفضل الصلوات وهذه أفضلية مطلقة فتفيد أنهما أفضل من كل فريضة إذ هو أخص من حديث أفضل الصلاة الصلاة لأول وقتها فإذا كانت في أول الوقت اجتمعت لها فضيلة

(1) النهاية (3/ 445)، والفائق (3/ 116).

(2)

حديث أبي أمامة: أخرجه أحمد (5/ 269)، والترمذي (1627) قال: حسن صحيح غريب. والطبراني (8/ 234، رقم 7916). وأخرجه أيضًا: الديلمي (1/ 356، رقم 1436).

حديث عدي بن حاتم الطائي: أخرجه الترمذي (1626)، والطبراني (17/ 105، رقم 255)، والحاكم (2/ 100) وقال: صحيح الإسناد. وأخرجه أيضًا: الطبراني في الأوسط (3296). وقال الترمذي في العلل الكبير بترتيب القاضي (1/ 269): سألت محمدًا -يعني البخاري- عن هذا الحديث فقال: مرسل.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1109).

ص: 567

الوقت والصفة واليوم (حل هب عن ابن عمر) سكت عليه المصنف وقال الشارح: رمز لضعفه (1).

1268 -

"أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم (م 4) عن أبي هريرة، الروياني في مسنده (طب) عن جندب"(صح).

(أفضل الصلاة بعد المكتوبة) التي كتب الله على العباد إيجابها (الصلاة في جوف الليل) في وسطه وتقدم بيانه عن النهاية (وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله) نسب إليه تعظيمًا لشأنه (المحرم) بدل منه لأنه مفتتح السنة وقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر صومه ليفتتح عامه بفعل الخير، وفيه دليل على أنه أفضل الصوم بعد رمضان وأنه أفضل على كل ما ورد، فيه الحث على الصوم كالست بعد رمضان ويوم عرفة وعاشوراء إلا أن الأظهر أن المراد تفضيل الشهر كله على شهر كامل لا على الأيام المعينة فيحتمل أنها بخصوصها أفضل وأما الحديث الآتي قريبا أفضل الصوم بعد رمضان شعبان فقد عارض بظاهره هذا والتوفيق ما مر في نظائره أن التفضيل بكل واحد على ما عدا الآخر وأن المعنى شعبان أفضل الأشهر ما عدا المحرم والمحرم أفضلها ما عدا شعبان فهما فيما بينهما لا دليل في هذا يقضي لأحدهما بأنه أفضل من الآخر (م 4 عن أبي هريرة الروياني) تقدم ضبطه وترجمته واسمه محمد بن هارون (في مسنده) الذي قال فيه الحافظ ابن حجر: ليس دون السنن في الرتبة (طب عن جندب)(2).

(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 207) والبيهقي في الشعب كما في الكنز (19299).

وصححه الألباني في الجامع (1119).

(2)

أخرجه مسلم (1163)، وأبو داود (2429)، والترمذي (438) وقال: حسن صحيح. والنسائي (3/ 206)، وابن ماجه (1742)، وابن حبان (2563). وأخرجه أيضًا: ابن خزيمة (1134)، والبيهقي (4/ 291)، وأبو يعلى (6395). حديث جندب: أخرجه الروياني (970)، والطبرانى في =

ص: 568

1269 -

"أفضل الصلاة طول القنوت (حم م ت 5 عن جابر طب عن أبي موسى، وعن عمرو بن عنبسة وعن عمير بن قتادة الليثي) "(صح).

(أفضل الصلاة طول القنوت) هو لفظ له معان كثيرة في النهاية (1)، قد تكرر لفظ القنوت في الحديث ويرد لمعان متعددة كالطاعة والخشوع والصلاة والدعاء والعبادة والقيام وطول القيام والسكوت فيصرف كل واحد من هذه المعاني إلى ما يتحمله لفظ الحديث انتهى.

قلت: والمراد هنا القيام منها ولهذا ذهبت طائفة إلى أفضلية القيام واستدلت على أنه أفضل من السجود بهذا الحديث وغيره وقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ولأن ذكره أفضل الذكر وهو القرآن فالتفضيل عندهم هنا حقيقي والصلاة هنا أعم من الفرض والنفل المطول فيها القيام على الفرض يفضل الفرض من حيثية طول القيام ولا ينافيه كون تلك أفضل منها من جهات عديدة غير هذا وذهبت طائفة إلى أن السجود أفضل مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد أقرب من ربه وهو ساجد"(2)، وبحديث:"ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه خطيئة"(3)، وبأن أول سورة نزلت ختمها الله بالسجود، وبأن الساجد أذل ما يكون لربه وأخضع، وهذا هو سر العبودية هي الذل والخضوع وعلى كلامهم فالتفضيل إضافي ولما رأت طائفة تعارض الأدلة مالت إلى التفصيل وقالت: القيام بالليل أفضل وكثرة الركوع والسجود بالنهار أفضل، واحتجت على هذا التفصيل بأن صلاة الليل قد خصت بالقيام

= الكبير (2/ 169، رقم 1695)، والبيهقي (4/ 291).

(1)

النهاية (4/ 111).

(2)

أخرجه مسلم (482).

(3)

أخرجه الترمذي (388، 389)، والنسائي في الكبرى (1/ 242)، وابن ماجة (1423).

ص: 569

كما قال تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2] ولذا يقال: قيام الليل ولا يقال: قيام النهار وبقوله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا"(1)، وهكذا كان فعله صلى الله عليه وسلم فإنه كان لا يزيد في الليل على ثلاث [1/ 368] عشرة ركعة وكان يصلي الركعة في بعض الليالي بالبقرة وآل عمران والنساء وأما بالنهار فلم يحفظ عنه شيء من ذلك قال ابن تيمية: الصواب أنهما سواء والقيام أفضل بذكره وهو القراءة والسجود أفضل من هيئة القيام وذكر القيام أفضل من ذكر السجود فعلى هذا يكون قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة طول القنوت" أي من حيث الذكر (حم م ت 5 عن جابر طب عن أبي موسى وعن عمرو بن عنبسة وعن عمير) بالتصغير (بن قتادة الليثي) بمثناة فمثلثة نسبة إلى بني ليث (2).

1270 -

"أَفْضَلَ الصَّلاةِ صَلاةُ الْمَرْءِ في بَيْتِهِ إلا الْمَكْتُوبَةَ (ن طب عن زيد بن ثابت) ".

(أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) فإنها في المسجد أفضل لأن الجماعة شرع فيها فهي محلها أفضل ومثل الفروض (الفرض) كل نفل شرع جماعة (ن طب (3) عن زيد بن ثابت) ورواه أيضًا الشيخان (4).

(1) أخرجه البخاري (37)، ومسلم (759).

(2)

جابر: أخرجه أحمد (3/ 314) ومسلم (756)، والترمذي (387) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (1421) حديث أبي موسى: أخرجه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (1/ 60) وقال الهيثمي: رجاله موثقون. وأخرجه أيضًا: الطبراني في الأوسط (2106)، والبزار (3016).

حديث عمير بن قتادة: أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 48، رقم 103). وأخرجه أيضًا: في الأوسط (8123)، قال الهيثمي (1/ 58): فيه سويد أبو حاتم اختلف في ثقته وضعفه.

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (5/ 144) رقم (4896). والنسائي في السنن الكبرى (1291). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1117).

(4)

أخرجه البخاري (731) ومسلم (781).

ص: 570

1271 -

"أفضل الصوم بعد رمضان شعبان لتعظيم رمضان وأفضل الصدقة صدقة في رمضان (هب عن أنس) ".

(أفضل الصوم بعد) صوم (رمضان) صوم (شعبان لتعظيم رمضان) وذلك لأنه لما كان شعبان مقدمه بين يدي رمضان كان صومه فيه تعظيمًا له لأنه يفد رمضان وقد آنست النفس بالعبادة وألفتها ولأنه كالحريم فيحترم لاحترامه وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر الصوم فيه (وأفضل الصدقة صدقة في رمضان) كما سلف (ت هب عن أنس) سكت عليه المصنف وقال الشارح: ضعيف لضعف صدقة ابن موسى (1).

1272 -

"أفضل الصوم صوم أخي داود كان يصوم يومًا ويفطر يومًا ولا يَفِرُّ إذا لَاقَى (ت ن عن ابن عمر) ".

(أفضل الصوم صوم أخي داود) كأنه قيل وكيف كان صومه فقال (كان يصوم يوما ويفطر يومًا) فهو صوم نصف الدهر وقوله (ولا يفر) عن العدو (إذا لاقى) استطراد كالاحتراس عما يوهمه كثرة الصوم من أنه يضعف البدن عن الجهاد (ت ن عن ابن عمر) قال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ (2).

1273 -

"أفضل العباد درجة عند الله يوم القيامة الذاكرون الله كثيرًا (حم ت عن أبي سعيد) "(صح).

(أفضل العلماء (3)) خص العلماء لأن ذكرهم هو الذي يعتد به إذا صدر عن قلب ولسان (درجة عند الله الذاكرون الله كثيرًا) قد اختلف ماذا أكثر الذكر

(1) أخرجه الترمذي (663) وقال: هذا حديث غريب وصدقة بن موسى ليس عندهم بذاك القوي. وانظر المغني (2784) والتقريب (2921)، والبيهقي في الشعب (3819)، وفي السنن الكبرى (4/ 305)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1023)، وراجع الإرواء (889).

(2)

أخرجه الترمذي (3/ 770) وقال: حسن صحيح. والنسائي (4/ 217)، وابن خزيمة (1145). وأخرجه أيضًا: أحمد (2/ 164). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1120).

(3)

جاء في المطبوع وفي الأصول "أفضل العباد".

ص: 571

وذكرت فيه أقوال والأقرب أن المراد أن يكون غالب حال الشخص الذكر (حم ت عن أبي سعيد)(1) رمز المصنف لصحته.

1274 -

"أفضل العبادة الفقه وأفضل الدين الورع (طب عن ابن عمر) ".

(أفضل العبادة الفقه) في النهاية (2): فقِه الرجل بالكسر يفقه فقهًا إذا فهم وفقُه بالضم تفقه إذا صار فقيها عالمًا فقد جعله العرف خاصًا بعلم الشريعة وتخصيصًا بالعلم بالفروع انتهى. ففي الكلام مضاف محذوف أي تعلم الفقه والمراد به علم الشريعة بجميع أنواعه وسماه عبادة لما فيه من التذلل لطلب العلم والتواضع لحملته (وأفضل الدين الورع) تقدم بيانه وفسروه بالخروج عن كل شبهة ومحاسبة النفس عند كل خطره (طب عن ابن عمر)(3).

1275 -

"أفضل العبادة الدعاء (ك ابن عباس. عد عن أبي هريرة. ابن سعد عن النعمان بن بشير) "(صح).

(أفضل العبادة الدعاء) تقدم فيه الكلام مرارًا ويأتي وفيه الكلام مرارًا ويأتي وفيه كمال التذلل والتضرع وإظهار الحاجة (ك عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته (عد عن أبي هريرة ابن سعد عن النعمان بن بشير)(4).

1276 -

"أفضل العبادة قراءة القرآن (ابن قانع عن أسير. فر عن جابر السجزي في الإبانة عن أنس) ".

(1) أخرجه أحمد (3/ 75) والترمذي (3376)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1120).

(2)

النهاية (3/ 465).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (9264) وفي الصغير (1114) وقال الهيثمي في المجمع (1/ 120) رواه الطبراني في الثلاثة وفيه محمد بن أبي ليلى ضعفوه لسوء حفظه. انظر التقريب (6081). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1024).

(4)

حديث ابن عباس: أخرجه الحاكم (1/ 667).

حديث أبى هريرة: أخرجه ابن عدى (5/ 88 ترجمة 1265 عمران بن داود أبو العوام القطان) وقال: هو ممن يكتب حديثه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1122).

ص: 572

(أفضل العبادة قراءة القرآن) تقدم أنه أصل العلوم والمعارف وقد سلف فيه الكلام مستوفى ولا ينافيه ما سلف من قوله ذكرُ الله لأن القراءة ذكرا لله بل هو رأسه فهو تخصيص له بعد ذلك التعميم (ابن قانع عن أسير) مصغر أسير بالسين المهملة فمثناة تحتية (فر ابن جابر، السجزي في الإبانة عن أنس)(1).

1277 -

"أفضل العبادة انتظار الفرج (القضاعي عن أنس) ".

(أفضل العبادة انتظار الفرج) هو من فرج الله الغم يفرجه كشفه قاله القاموس (2) ويأتي حديث انتظار الفرج بالصبر عبادة وحديث انتظار الفرج لله عبادة والمعنى: انتظار المغموم تفريج الله عنه بالصبر أفضل عبادته وذلك لدلالته على حسن ظنه بالله وعدم يأسه من روحه فهو في كل آناته وساعاته مرتقب تفريج كربته وزوال غمته وما أجدر المغموم بارتقاب تفريج الله عنه فإنه المفرج [1/ 369] لكل كربة بعد اليأس والمفعل لكل خير بعد الإبلاس فهو الذي صير النار على الخليل بردًا وسلامًا وهو الذي فرج عن يونس فأخرجه من بطن الحوت إذ ناداه في الظلمات وهو الذي أخرج الكليم من اليم وفلق له ولقومه البحر وأنجاهم من الكرب العظيم وهو الذي أخرج يوسف من الجب وأخرجه من السجن وهو الذي رفع عيسى ونجاه من القتل وهو نجا رسوله من قومه إذ يمكرون به ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه وكم وكم وبالجملة ما من بشر تحت أديم السماء إلا وقد وقع في كربة وكشفها الله تعالى وما من أحد إلا وقد جرب هذا في نفسه.

(1) حديث أسير بن جابر: أخرجه ابن قانع (1/ 56).

حديث أنس: أخرجه الديلمي (1415). قال المناوي (2/ 44): السجزي في الإبانة عن أنس، ورواه أيضًا أبو نعيم في فضائل القرآن عن النعمان بن بشير وأنس معًا بلفظ (أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن) قال الحافظ العراقى: وإسنادهما ضعيف، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1027) والسلسلة الضعيفة (2516) في إسناده مجاهيل.

(2)

القاموس المحيط (ص 257).

ص: 573

وكم ليلة بت في كربة

يكاد الرضيع لها أن يشيب

فما أصبح الصبح حتى أتى

من الله فتح ونصر قريب

اللهم إنا منتظرون تفريجك عن الدين فقد هضمته أيدي المعتدين وعن ضعفاء المسلمين فقد افترسهم سباع الناعين وسائلون لك أن تفرج كربتنا وترحم غربتنا في الدين (القضاعي عن أنس) قال ابن الجوزي: هو حديث لا يثبت وعزاه المصنف في الدرر إلى البزار والبيهقي وضعفه (1).

1278 -

"أفضل العمل النية الصادقة (الحكيم عن ابن عباس) ".

(أفضل العمل النية الصادقة) هي الإرادة والقصد إلى الأعمال الصالحة ابتغاء رحمة الله ومطابقة أمره فهذا صدقها وسميت صادقة لأنها بذلك تطابق الواقع والمراد بالعمل عمل القلب ما عدا الإيمان فإنه من أعمال القلب وهو أفضل منها ويحتمل أن المراد أنها أفضل الأعمال كلها البدنية والقلبية لأنها رأس الأعمال وأصلها ومبدأ كل فضل فهي أفضل من كل عمل لأنها أصل له ولأنه

(1) أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (2/ 245) رقم (1283) والبزار في مسنده رقم (6292) وقال: وهذا الحديث لا نعلمه يروي عن مالك إلا برواية بقية عنه ولعل بقية أن يكون حدثه رجل غير ثقة عن مالك فترك الرجل ورواه عن مالك ولم يقل، حدثنا مالك والحديث لا يعرف إلا عن غير مالك، عن الزهري، عن أنس.

وأخرجه أيضًا البيهقي في الشعب (10005) وقال: هذا مرسل، وابن عدي في الكامل (2/ 76) وقال: حديث باطل عن مالك بهذا الإسناد لا يروي عنه غير بقية، وأخرجه أيضًا (3/ 293) في ترجمة سليمان بن سلمة، وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (2/ 155) وقال: وهم هذا الشيخ على الباغندي وعلى من فوقه في هذا الحديث وهما قبيحا لأنه لا يعرف إلا من رواية سليمان بن سلمة الخبائري عن بقية بن الوليد عن مالك. وانظر قول ابن الجوزي في العلل (2/ 864).

قلت: في إسناد الحديث بقية بن الوليد وهو صدوق كثير التدليس. كما قال الحافظ في التقريب (734) ولا يغتر بتصريحه بالتحديث عند ابن عدي، لأن الراوي عنه سليمان بن سلمة -وهو الخبائري- كذاب. وقد قال الذهبي في ترجمته بعد أن ساق له حديثا آخر موضوعا من طريق مالك: وسمع منه الباغندي حديثا فأنكر عليه وهو

ثم ذكر هذا. انظر الميزان (3/ 297). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1025) ضعيف جدًّا، وفي السلسلة الضعيفة (1572) موضوع.

ص: 574

يثاب العبد بسببها على العمل الصالح وإن لم يعمله كما يدل حديث: "من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر حسنات"(1)(الحكيم عن ابن عباس) قال الشارح: بإسناد ضعيف (2).

1279 -

"أفضل العيادة أجرًا سرعة القيام من عند المريض (فر عن جابر) ".

(أفضل العيادة) بمثناه تحتية من عاد يعود (أجرًا) والتصريح هنا بالأجر دليل أن المراد من أفضل الأعمال كثرة أجرها وحسن موقعها هل هذا هو المراد من فضل الأشخاص؟ الظاهر هو ذلك، فإذا ورد عن الشارع إن فلانًا أفضل من فلان فالمراد أنه أكثر ثوابًا عند الله، هذا ولبعض المحققين تردد في ذلك فقال: إن أريد تفضيل زيد مثلاً على عمرو أنه أكثر ثوابًا عند الله فهو مجهول لنا وإن أريد أفعال الخير الصادرة عنه والجارية على يديه أكثر من الجارية على يد عمرو فهذا أيضًا لنا مجهول لأن مقادير الأعمال عند الله تعالى فرب قليل تراه هو كثير عند الله ورب كثير هو قليل لما يدخل في الأعمال من أنواع الإخلال فالبحث عن التفضيل فضول انتهى.

قلت: لقائل أن يقول: المراد الأول وكثرة أفعال الخير دليل أن من صدرت عنه أكثر أجرًا من غيره، وقوله: إن مقادير الأعمال مجهولة لنا إلى آخره كلام صحيح لكنه لا يرد على معتقد الأفضلية لأن اعتقاده ناشئ عن قرائن صحيحة فإن صحب في نفس الأمر عنده تعالى فذاك وإلا فما هو مخاطب إلا بعلمه من صور الأعمال وقد أشار إلى هذا حديث: "لم أؤمر أن أفتش عن قلوب الناس"(3) لما قيل له كم من فضل بلسانه غير فضل بقلبه وأما قوله: إن التفضل من

(1) أخرجه البخاري (6126)، ومسلم (131).

(2)

أخرجه الحكيم الترمذي كما في المداوى للغماري (2/ 99). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1025) والسلسلة الضعيفة (7034) وراجع التضعيف والحديث فيها.

(3)

أخرجه مسلم (1064).

ص: 575

الفضول ففيه أيضًا تأمل لأن مرادنا من التفضيل اعتقاد أن ذا المزايا أرفع مقامًا وأولى بالإجلال والإكرام والله تعالى قد بين الفاضل من المفضول فقال: {لَا يَسْتَوِي [1/ 370] مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد: 10] وقال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ} [التوبة: 100] ثم قال: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التوبة: 100] ولم يخبرنا بهذا إلا لنعرف الفاضل من المفضول فيزيد في تعظيمه وعلو منزلته (سرعة القيام من عند المريض) لأنه ربما كان طول المقام لديه زيادة في مرضه (فر عن جابر)(1).

1280 -

"أفضل الغزاة في سبيل الله خادمهم ثم الذي يأتى بالأخبار وأخصهم منزلة عند الله الصائم ومن استقى لأصحابه قربة في سبيل الله سبقهم إلى الجنة بسبعين درجة أو سبعين عاما (طس عن أبي هريرة) ".

(أفضل الغزاة) جمع غاز وهو المجاهد مطلقًا ولو في وطنه (في سبيل الله خادمهم) لأنه يقوم بكفايتهم وتموينهم ويحتمل أن يراد به سيد القوم لحديث: "سيد القوم خادمهم"(2) إن صح (ثم الذي يأتيهم بالأخبار) عن أعدائهم وما يتخوفونه منهم فيحترزون عن ذلك فهو في الحقيقة يصونهم عن كيد العدو فيسكن من روعهم ويبصرّهم عورات عدوهم ويعرفهم مداخل السوء عليه وينفي ما يولده المرجفون فإنها جرت عادة العباد أنها لا بد لكل عدو من صديق ولكل محب من بغيض سيما في الفرق المتحاربة فيولد كل أحد ما ينقدح في صدره فيشيعه ويذيعه وللأراجيف في القلوب موقع ولذلك مقت الله إذاعة

(1) أخرجه الديلمي (129) قال المناوي (2/ 45): فيه علي بن أحمد بن النضر، قال الذهبي في الضعفاء (4210): قال الدارقطني: ضعيف. ومحمد بن يوسف الرقى قال الذهبي في الضعفاء (6104): كذبه الخطيب وقال في الميزان (6/ 376) وضع على الطبراني حديثا باطلا في حشر العلماء بالمحابر. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1031) وفي السلسلة الضعيفة (2517).

(2)

وقال الألباني في ضعيف الجامع (3323)، والضعيفة (1502): ضعيف. وعزاه إلى ابن ماجه.

ص: 576

الأمن والخوف {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} [النساء: 83] وفي وعيد المرجفين مع ضمه لهم إلى المنافقين والذين في قلوبهم مرض (وأخصهم عند الله منزلة) أعظمهم لديه أجرًا (الصائم) لأنه مجاهد لنفسه كاسرٌ لشهواتها مجاهدٌ لعدوه فقد جمع بين الجهادين (طس عن أبي هريرة) وللحديث بقية عند مخرجه وهي: "ومن استقاء لأصحابه قربة في سبيل الله سبقهم إلى الجنة سبعين درجة"(1).

1281 -

"أفضل الفضائل أن تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتصفح عمن شتمك (حم طب عن معاذ بن أنس) "(ح).

(أفضل الفضائل) هو صريح إنما ذكر أفضل من كل فضيلة والمراد بالفضائل الفضائل بالنظر إلى معاملة العباد فلا يكون أفضل من الصلاة لوقتها (أن تصل من قطعك) مقابلة للإساءة بالإحسان (وتعطي من حرمك) تخصيص بعد التعميم إشارة إلى عزة المال عن النفس وشحها به وهو يلاقي قوله تعالى: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34] ولشدة مشقة هذه الفضيلة على الأنفس عقبها بقوله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35] لا يلقى هذه الفضيلة الكاملة والخلة الشريفة إلا ذلك وذلك لأن أصل النفوس شرية مجبولة على الشر إلا القليل فإذا انضاف إلى شرها الكامن من قطع غيره عنه إحسانه انضاف الشر إلى الشر وعرضة للنفس صفة تقتضي مقابلة القاطع بكل إنسان فإذا غلب نفسه وعامله بضدها كان آتيًا بأفضل الأعمال كما قال صلى الله عليه وسلم (وتصفح عمن ظلمك) فلا تكافئه إن قدرت عليه ولا تشكوه ولا تحرم منه وإن كان جائزًا لك فتؤثر ذلك على ما أبيح لك وهل

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (4993) قال الهيثمي (3/ 195): فيه عنبسة بن مهران الحداد وهو ضعيف وقال أبو حاتم منكر الحديث. انظر الميزان (5/ 364) واللسان (4/ 384). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1032) والسلسلة الضعيفة (2832).

ص: 577

المراد العفو عنه حتى عن المطالبة في الآخرة؟ ظاهر الحديث العموم كما هو ظاهر الآيات الدالة على ذلك مثل {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134](1) ونقل عن الشافعي أن مذهبه ترك التحلل عن الظلامات والتبعات أولى لأن صاحبها يستوفيها يوم القيامة من حساب من هي عنده أو توضح سيئاته على من هي عنده كما يشهد له الحديث الوارد في القصاص يوم القيامة وهو لا يدري هل يكون أجره على التحليل موازنًا لماله من الحسنات في الظلامات أو يزيد أو ينقص وهل يحتاج زيادات حسناته ونقصان سيئاته. ومذهب غير الشافعي أن التحليل أفضل مطلقا وأدلة هذا الأخير أوضح وقال المحقق المقبلي: أما التعليل لقول الشافعي فغير صحيح لأن جزاء الكريم على العفو [1/ 371] أكثر من الأصل لأنه يجزي بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة واختار لنفسه غير القولين وهو التفويض إليه تعالى زاعمًا أن أدلة التفويض شاملة لذلك ولم يناف أدلة العفو إذ من فوض إلى الكريم الجواد العفو الحليم فقد قام بحق العفو وحق التفويض والأدب مع سيده الحليم انتهى.

وأقول: هذا الحديث صريح في أفضلية العفو والتفويض ليس بعفو ضرورة أنه لم يسقط حقه ولما ذكر الله الفريقين المنتصر والعافي نوه بذكر العافي وعظم أجره ولم يصف المنتصر إلا بأنه ليس عليه سبيل فقال: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41] ثم قال: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43] فهذا الفرقان بين الشخصين دال على أرجحية العفو أتم دلالة فإن الانتصار شامل لطلب الظلامة في الدارين وحديث المتصدق بعرضه وما ورد فيه من أدلة ذلك وهو أبو ضمضم كما أخرجه أبو داود والضياء وصحَّحه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيعجز أحدكم أن يكون مثل أبي ضمضم كان إذا خرج من

(1) في هامش المخطوط عنوان بخط كبير: بحث في العفو.

ص: 578

منزله قال: اللهم إني قد تصدقت بعرضي على عبادك" (1) وأدلته كثيرة جدًا، وأما التفويض فما ذكر له دليلاً وأما الأدب مع الرب فبقبول ما أرشد إليه من العفو ودعا إليه وحث عليه ثم الحديث ظاهر أن مجموع هذه الثلاث هو أفضل الفضائل لا الواحدة منها (حم طب عن معاذ بن أنس) رمز المصنف لصحته (2).

1282 -

"أفضل القرآن {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (ك هب) عن أنس"(صح).

(أفضل القرآن الحمد لله رب العالمين) يحتمل أن المراد فاتحة الكتاب وأنه اقتصر على أولها لدلالته على بقيتها ويحتمل أنه اسم لها وأنها مسماة بهذه الجملة إلا أنه لم يعده المصنف من أسمائها مع عده لها خمسة وعشرين اسمًا ويحتمل أن هذا اللفظ وهو {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أفضل القرآن وإن كان خلاف الظاهر والمتبادر فإنه فهم الناس أن المراد بها السورة وعدوا هذا من فضائلها منهم المصنف في الإتقان (3)(ك هب عن أنس)(4) رمز المصنف لصحته.

1283 -

"أفضل القرآن سورة البقرة وأعظم آية فيه آية الكرسي وإن الشيطان ليخرج من البيت أن يسمع أن يقرأ فيه سورة البقرة (الحارث بن أبي أسامة، ومحمد بن نصر، وابن الضريس عن الحسن مرسلاً) ".

(1) أخرجه أبو داود (4887) والضياء في المختارة (5/ 150) رقم (1770) وقال: رجاله موثقون والصحيح أنه مرسل.

(2)

أخرجه أحمد (3/ 438)، والطبراني (20/ 188، رقم 413)، وقال الهيثمي (8/ 189): فيه زبان بن فائد، وهو ضعيف. وأخرجه الخرائطي في المكارم (ص 107 رقم 295). وأخرجه أيضًا: القضاعي (2/ 248، رقم 1289)، والديلمي (1/ 356، رقم 1435). وقال المناوي (2/ 46): قال العراقي: سنده ضعيف.

(3)

انظر: الإتقان (2/ 408).

(4)

أخرجه الحاكم (1/ 560) والبيهقي في الشعب (2358) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1125) والسلسلة الصحيحة (1499).

ص: 579

(أفضل القرآن) هذا والذي قبله يدل على أن في القرآن فاضلاً ومفضولاً باعتبارات، وقد اختلف الناس في ذلك وأبانه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (سورة البقرة) باعتبار ما اشتملت عليه من الأحكام والعلوم فهي أفضل القرآن في ذلك فلا ينافي السابق فإن الفاتحة أفضل القرآن في أجر تلاوتها كما ورد أنها تعدل بثلثي القرآن ولم يرد ذلك في البقرة (وأعظم آية فيه آية الكرسي) أي في القرآن جميعًا وقد سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة آي القرآن وورد فيها أنها ربع القرآن وتقدم الكلام في ذلك والأعظمية هي الأفضلية (وأن الشيطان يخرج من البيت إن يسمع) أي ليلاً يسمع (تقرأ فيه سورة البقرة) كأنه لأجل آية الكرسي لما ورد من أنه لا يدخل الشيطان بيتا قرأت فيه (الحارث بن أبي أسامة وابن الضريس) بالتصغير (ومحمد بن نصر المروزي عن الحسن البصري مرسلاً)(1).

1284 -

"أفضل الكسب بيع مبرور وعمل الرجل بيده (حم طب عن أبي بردة بن نيار) ".

(أفضل الكسب بيع مبرور) هو ما ليس فيه شيء مما نهى عنه (وعمل الرجل بيده) إلا الحجامة فإنها مستثناة وإن كان من أعمال اليد فإن الشارع نص على أنها أخبث الكسب وتقدم فيه في طيب الكسب (حم طب عن أبي بردة [1/ 372] بن نيار) بكسر النون فمثناة تحتية خفيفة آخره راء (2).

1285 -

"أفضل الكلام سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر (حم عن بعض الصحابة) "

(1) أخرجه الحارث كما في بغية الباحث (2/ 738، رقم 732)، وابن الضريس في فضائل القرآن (ص 85، رقم 171) وقال الحافظ ابن حجر في المطالب العالية (8/ 530 ط مؤسسة قرطبة) مرسل إسناده إلى الحسن صحيح، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1034).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 466)، والطبرانى من طريق أحمد (22/ 197، رقم 519). قال الهيثمي (4/ 60): رواه أحمد والطبرانى في الكبير باختصار، وجمع بن عمير وثقه أبو حاتم، وقال البخاري: فيه نظر.

وصححه الألباني في صحيح الجامع (1126) والسلسلة الصحيحة (607).

ص: 580

(أفضل الكلام) كأن المراد ما عدا القرآن (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) تقدم الكلام عليها مرارًا (حم عن رجل)(1).

1286 -

"أفضل المسلمين إسلامًا من سلم المسلمون من لسانه ويده وأفضل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وأفضل المهاجرين من هجر ما نهى الله عنه وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل (طب عن ابن عمرو) ".

(أفضل المسلمين إسلامًا) أكملهم فيه (من سلم المسلمون) خرج على الغالب وإلا فأهل الذمة كذلك يجب كف اليد عنهم واللسان وجمع السلامة المذكر للتغليب وإلا فالمسلمات كذلك (من لسانه) خصها بالذكر لأنها المعبر عما في النفس ولم يقل من كلامه ليدخل الإشارة بها استهزاء (ويده) فإن أكثر أفعال العبد بها وتدخل فيه اليد المعنوية كالاستيلاء على حق الغير ويستثنى من ذلك ما لم يكن بإذن الشرع كالضرب في الحدود ونحوها وتدخل الكتابة باليد لما يحرم (وأفضل المؤمنين إيمانًا) أكملهم فيه (أحسنهم خلقًا) كما سلف مرارًا (وأفضل المهاجرين من هجر ما نهى الله عنه) فالمهاجرة في الأصل فراق دار الكفر إلى دار الإيمان فأفضلها هجر العبد ما نهي عنه فإنها ما شرعت الهجرة من دار الكفر إلا ليهجر ما نهى الله عنه، وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل تقدم جهاد النفس قريبًا وأنه أصل كل طاعة (طب عن ابن عمرو) سكت عليه المصنف وقال الهيثمي: إسناده حسن (2).

(1) أخرجه أحمد (4/ 36)، وقال الهيثمي (10/ 88): رجاله رجال الصحيح، وانظر فتح الباري (1/ 66). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1127) والسلسلة الصحيحة (1498).

(2)

أخرجه ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (2/ 600، رقم 639)، وعزاه الهيثمي في المجمع (1/ 60): إلى الطبراني في المعجم الكبير. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1129) والسلسلة الصحيحة (1498).

ص: 581

1287 -

"أفضل المؤمنين أحسنهم خُلقا (هـ ك عن ابن عمر) "(صح).

(أفضل المؤمنين أحسنهم خلقًا) وهو سيد الأولين والآخرين من أثنى الله على خلقه بأنه على خلق عظيم ولكل ذي خلق حسن حصة من الأفضلية (5 ك عن ابن عمر) رمز المصنف لصحته (1).

1288 -

"أفضل المؤمنين إيمانًا الذى إذا سئل أعطي وإذا لم يعط استغنى (خط عن ابن عمرو) ".

(أفضل المؤمنين إيمانًا الذي إذا سئل) غير الصيغة ليشمل كل سؤال (أعطى) ولم ينهر سائله بل يعطي ما لديه ولو كلمة طيبة (وإذا لم يعط) ما هو له من حق (استغنى) عف عن الطلب ولم يتذلل لينال ما في يد غيره (خط عن ابن عمرو) ورواه ابن ماجه بنحوه (2).

1298 -

"أفضل المؤمنين رجل سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء سمح الاقتضاء (طس عن أبي سعيد) ".

(أفضل المؤمنين) في معاملة العباد (رجل سمح البيع) السماحة الجود والكرم على ما في القاموس أو هو من قولهم عود سمح أي لا عقدة كما فيه أيضًا والمراد هنا عدم المعاسرة (سمح الشراء سمح القضاء) لغرمائه غير مشاحح

(1) أخرجه ابن ماجه (4259) وقال البوصيرى (4/ 249): هذا إسناد ضعيف. وأخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 333)، والحاكم (4/ 583) وقال: صحيح الإسناد. وابن عساكر (35/ 261). وأخرجه أيضًا: الطبراني في الصغير (103)، والبزار كما في كشف الأستار (1676)، وقال الهيثمي (5/ 318): رواه البزار، ورجاله ثقات. والبيهقي في شعب الإيمان (7993)، وفي الزهد (2/ 190)، وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (1/ 444). قال المنذرى (4/ 119): رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الموت، والطبرانى في الصغير بإسناد حسن. ورواه ابن ماجه مختصرًا بإسناد جيد. والبيهقي في الزهد، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1128) والسلسلة الصحيحة (1374).

(2)

أخرجه الخطيب (1/ 311). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1036) وقال في السلسلة الضعيفة: منكر. وقال: وهذا إسناده ضعيف، سائر رجاله موثقون ما عدا عبد الكريم (ابن مالك الجزري) قال البخاري في التاريخ (4/ 11) منكر الحديث، وانظر الميزان للذهبي (3/ 293).

ص: 582

لهم فيه (سمح الاقتضاء) من غرمائه ويأتي أنه تعالى يحب من كان بهذه الصفات (طس عن أبي سعيد) ورجاله ثقات كما قال الهيثمي (1).

1290 -

"أفضل الناس مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله ثم مؤمن في شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِى الله ويدع الناس من شره (حم ق ت ن 5 عن أبي سعيد) "(صح).

(أفضل الناس مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه) بذلالها (وماله) كذلك (ثم) بعده في الفضل (رجل في شعب من الشعاب) في طائفة من الأرض (يتقي الله ويدع) يترك (الناس من شره) إشارة إلى أنه يكون مقصده من العزلة ترك الناس من شره لا كف شرهم عنه لأن ذلك المقصد أعم لأن فيه هضمًا للنفس ولأنه لو صبر على شرهم كان مثوبًا بخلاف ما لو لم يدعهم من شر نفسه فإنه يكون آثما فليقصد الأعلى والأكمل وفيه أنه لا يخلو بشر عن شر (حم ق ت ن 5 عن أبي سعيد)(2).

1291 -

"أفضل الناس مؤمن مُزهد (فر عن أبي هريرة) ".

(أفضل الناس مؤمن مزهد) بضم فسكون وتشديد الهاء قليل المال والمراد من زهده الله في الدنيا فكان بما عند الله أوثق مما عند نفسه كما يأتي تفسير الزهد بذلك (فر عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف (3).

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (7544). قال الهيثمي (4/ 75): رجاله ثقات. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1037) وفي السلسلة الضعيفة (2853): موضوع وفي إسناده سليمان بن داود (الشاذكوني) أورده الذهبي في المغني (2581) وقال رماه ابن معين بالكذب وقال البخاري فيه نظر.

(2)

أخرجه أحمد (3/ 88)، والبخاري (2634) ومسلم (1888)، والترمذي (1660) وقال: صحيح. والنسائي (6/ 11)، وابن ماجه (3978).

(3)

أخرجه الديلمي في الفردوس كما في الكنز (6094) وقال المناوي في الفيض (2/ 50): وفيه علي بن عبد العزيز فإن كان البغوي فثقة لكنه كان يطلب على التحديث أو الكاتب فقال الخطيب لم يكن في دينه بذاك. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1023) والسلسلة الضعيفة (2520) وقال: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير الحسين بن هارون؛ فلم أعرفه.

ص: 583

1292 -

"أفضل الناس رجل يعطى جهده (الطيالسي عن ابن عمر) "

(أفضل الناس رجل يعطي جهده) قدر ما يحتمله حاله إذا كان قليل المال هو نظير أفضل الصدقة جهد المقل تقدم (الطيالسي عن ابن عمر)(1).

1293 -

"أفضل الناس مؤمن بين كريمين (طب عن كعب بن مالك) ".

(أفضل الناس مؤمن بين كريمين) في النهاية (2) بين أبوين مؤمنين وقيل: بين أب مؤمن هو أصله وابن مؤمن هو فرعه فهو بين مؤمنين هما طرفاه وهو مؤمن كريم والكريم الذي كرم نفسه عن التدنيس بشيء من مخالفة ربه انتهى.

زاد في (الغريبين) قال بعضهم: هما الحج والجهاد وقيل: بين فرسين يغزو عليهما ومثلهما في القاموس (3)[1/ 373] وزاد وبعيرين يستقى عليهما، ورواية النهاية: كريمين بالتذكير وفي القاموس بالتأنيث وأقرب المعاني الأول والمعنى: أكرم الناس حالاً من كرم طرفان وكان كريمًا في نفسه ويدل لذلك أن لفظ الحديث عند العسكري في الأمثال من حديث أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يكون أسعد الناس الدنيا في لكع بن لكع وأفضل الناس مؤمن بين كريمين"(طب عن كعب بن مالك)(4).

1294 -

"أفضل أمتي الذين يعملون بالرخص (ابن لال عن عمر) ".

(أفضل أمتي الذين يعملون بالرخص) جمع رخصة بضم الراء وبضمتين

(1) أخرجه الطيالسي (1852) وقال أبو الفضل العراقي في المغني عن حمل الأسفار (2/ 1082) سنده ضعيف. وفي سنده أبو عتبة هو إسماعيل بن عيش الحمصي أورده الذهبي في المغني في الضعفاء (697) وقال صدوق في حديث أهل الشام مضطرب جدًا في حديث أهل الحجاز قال أحمد ما روى عن الشاميين صحيح وما روى عن الحجازيين فليس بصحيح. قلت وهذه منها. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1040) والسلسلة الضعيفة (2852).

(2)

النهاية (4/ 168).

(3)

القاموس المحيط (ص 1489).

(4)

أخرجه الطبراني (19/ 82، رقم 165). قال الهيثمي (1/ 82): فيه معاوية بن يحيى أحاديثه مناكير. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1130) والسلسلة الصحيحة (1505).

ص: 584

ترخيص الله للعبد فيما يخففه عليه وذلك كالإفطار في السفر ونحوه ويأتي حديث ابن عمر: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه". (ابن لال عن عمر) فيه عبد الملك بن عبد ربه منكر الحديث (1).

1295 -

"أفضل أيام الدنيا أيام العشر (البزار عن جابر) ".

(أفضل أيام الدنيا) الأيام المختصة بها وهي أيام الدهر لأنه لا أيام للآخرة إذ اليوم عبارة عن مقدار ما بين طلوع الشمس وغروبها والآخرة لا شمس فيها (أيام العشر) فهي أفضل من كل ما عداها في السنة وهي في نفسها متفاضلة فأفضلها يوم النحر، وأما حديث:"أفضل الأيام يوم النحر ثم يوم القر"(2) وهو ثاني يوم النحر فإنه مشكل لأنه يقتضي بأنه أفضل من أيام العشر؛ لأنه ليس منها وهذا يقتضي بأن العشر لا يفضلها شيء من الأيام وإن فضل بعضها بعضا ويجاب بأن المراد أن أفضل الأيام يوم النحر من أيام السنة التي تقدمت قبله ويوم القر أفضل الأيام التي بعد يوم النحر من سنته ما عدا يوم النحر الآتي من سنته لا منه.

والحاصل: أن يوم القر أفضل من أيام العشر غير يوم النحر فلا يلزم أن يكون أفضل من التسع قبله كما يرشد إليه العطف، وأما يوم الجمعة فتقدم أنه أفضل الأيام كلها حتى يوم النحر ويوم الفطر فالتفضيل للعشر على ما عداه ولك أن تحمل أفضل على عدم إرادة الزيادة كما قيل: إلا أنه خلاف وضعه (البزار عن جابر) وسنده حسن (3).

(1) أخرجه أيضًا: الديلمي (1/ 358، رقم 1443). قال المناوي (2/ 51): فيه عبد الملك بن عبد ربه قال في الميزان (4/ 402): منكر الحديث. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1044) والسلسلة الضعيفة (2514).

(2)

أخرجه البزار كما في كشف الأستار (2/ 28، رقم 1128) قال الهيثمي (4/ 17): رجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1133).

(3)

أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2407)، وابن حبان (2811).

ص: 585

1296 -

"أفضل سور القرآن البقرة وأفضل آى البقرة آية الكرسى (البغوي في معجمه عن ربيعة الجرشى) ".

(أفضل سور) جمع سورة مأخوذة من سور البلد (القرآن البقرة) فيه جواز إطلاق هذا اللفظ عليها، وفيه خلاف الأدلة على خلافه (وأفضل آي) جمع آية (القرآن آية الكرسي) فيه جواز تفضيل بعض الآيات على بعض كالسور وتقدم قريبًا بيان وجه الأفضلية (البغوي في معجمه عن ربيعة) بن عمرو الدمشقي (الجرشي) بضم الجيم وفتح الراء مختلف في صحبته (1).

1297 -

"أفضل طعام الدنيا والآخرة اللحم (عق، حل عن ربيعة بن كعب) ".

(أفضل طعام الدنيا والآخرة اللحم) هذا التفضيل ليس بمعنى كثرة الثواب بل بمعنى أنه أحسنه مأكلاً وألذه وأهنأه وأنفعه في الدارين وليس حثًا على الاستكثار منه بل تنبيه على زيادة الشكر على أكله وأنه من الطيبات (عق حل عن ربيعة بن كعب) وإسناده ضعيف (2).

1298 -

"أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن (هب عن النعمان بن بشير) ".

(أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن) مع تدبر معانيه والعمل بما فيه وتقدم (هب عن النعمان بن بشير) سكت عليه المصنف وإسناده ضعيف (3).

(1) أورده الحافظ في الإصابة (2/ 471 ترجمة 2620 ربيعة الجرشي) وذكر الاختلاف في صحبته، ثم عزا الحديث للبغوي. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1045).

(2)

أخرجه العقيلي (3/ 258، ترجمة 1264 عمرو بن بكر السكسكي عن أبي سنان الشيباني) ولم يذكر له حديثا غيره، وقال: حديثه غير محفوظ ولا يعرف إلا به، ولا يثبت في هذا المتن عن النبي صلى الله عليه وسلم شىء. وأخرجه أبو نعيم في الحلية (5/ 362) وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 126 رقم 1340) من طريق العقيلي. قال المناوي (2/ 52) قال السخاوى: أخرجه أبو نعيم من طريق عمرو بن بكر السكسكي، وهو ضعيف جدًّا. وأورده الذهبي في المغني (4634) وقال قال ابن جريج واه وقال ابن عدي له مناكير. وقال الحافظ في التقريب (4993) متروك. وذكره الألباني في ضعيف الجامع (1046)، والضعيفة (2519) وقال: ضعيف جدًا.

(3)

أخرجه البيهقي في الشعب (2022) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1047) والسلسلة =

ص: 586

1299 -

"أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن نظرًا (الحكيم عن عبادة بن الصامت) ".

(أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن نظرًا) في المصحف لحروفه لأن نظره طاعة وقد اختلف أيما الأفضل قراءته نظرًا أم وحفظًا والمختار أن المقصود من التلاوة تدبر معانيه فمع أيهما كانت أكثر كانت أفضل (الحكيم عن عبادة بن الصامت)(1).

1300 -

"أفضل كسب الرجل ولده وكل بيع مبرور (طب عن أبي بردة بن نيار) ".

(أفضل كسب الرجل ولده) أي كسب ولده أي ما كسبه ولد الرجل فهو من أفضل مال الأب كما يقتضيه عطف (وكل بيع مبرور) ويحتمل أن المراد أن الولد من أفضل ما يكسبه الرجل لأنه يعود نفعه عليه وتسمية الولد كسب للأب صحيح لأنه من سعيه وتقدم تفسير البيع المبرور (طب عن أبي بردة بن نيار) وفي إسناده مقال (2).

1301 -

"أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون (حم، طب، ك عن ابن عباس) "(صح).

(أفضل نساء أهل الجنة) أي النساء من أهل الجنة أو نساء رجال الجنة (خديجة بنت خويلد)[1/ 374] أم المؤمنين أول نسائه صلى الله عليه وسلم وأم جميع أولاده ما عدا إبراهيم

= الضعيفة (2515).

(1)

أخرجه الحكيم كما في الكنز (3/ 255) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1048) والسلسلة الضعيفة (2515).

(2)

أخرجه الطبراني (22/ 197، رقم 520). قال الهيثمي (4/ 154): فيه جميع بن عمير ضعفه ابن عدي، وقال البخاري: من عُتَّق الشيعة. وهو صالح الحديث. وأورده الذهبي في المغني في الضعفاء (1178) وقال رماه بعضهم بالكذب، وقال الحافظ في التقريب (968) صدوق يخطئ ويتشيع. وانظر الميزان (2/ 153) وقال الألباني في ضعيف الجامع (1049) ضعيف جدًّا.

ص: 587

(وفاطمة بنت محمد) بضعة المصطفي وهي أفضل من أمها لأدلة أخرى، وأما هذا الحديث فلا دلالة فيه على تفضيل بعضهن على بعض، بل ربما دل التقديم على تفضيل خديجة (ومريم بنت عمران) التي أثنى الله عليها في كتابه (وآسية) بزنة فاعله (بنت مزاحم) بالزاي ثم حاء مهملة بزنة مقاتل (امرأة فرعون) التي قالت:{رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التحريم: 11] الآية. وزاد صلى الله عليه وسلم هذا الإبدال منها للتوضيح لأن اسمها ليس بالمشهور كقرائنها، وفيه فضل هؤلاء الأربع على سائر نساء أهل الجنة وليس فيه ما يدل على أفضلية إحداهن على الأخرى كما عرفت إلا التقديم ذكرًا فإنه يدل على التقديم لكنه عارضه ما هو أدل منه (حم طب ك عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وصححه الحاكم وأقره الذهبي (1).

1302 -

"أفضلكم الذين إذا رؤوا ذكر الله لرؤيتهم (الحكيم عن أنس) ".

(أفضلكم) أيها المخاطبون ومن يأتي من بعدكم (الذين إذا رأوا ذكر الله) يعني أن رؤيتهم وهيئتهم وسيماهم تذكر بالله لما تدل عليه صورتهم من الإقبال على الله وعلى عبادته وذكره ولذا قال (لرؤيتهم) ويحتمل أن المراد أنهم يذكّرون العباد بالله تعالى عند أن يروهم ويدلونهم عليه ويعظونهم ويناصحونهم ويعرّفونهم بواجب حقوقه فيذكر الله بسبب تذكيرهم، والأول أقرب لأنه علله بمجرد الرؤية (الحكيم عن أنس)(2).

1303 -

"أفطر الحاجم والمحجوم (حم د ن هـ حب ك عن ثوبان) "(صح).

(أفطر الحاجم) إذا حجم وهو صائم (والمحجوم) قال في النهاية (3): أي

(1) أخرجه أحمد (1/ 316)، والطبراني (11/ 336، رقم 11928)، والحاكم (2/ 539) وقال: صحيح الإسناد. وأخرجه أيضًا: عبد بن حميد (597)، والنسائي في الكبرى (8364)، وأبو يعلى (2722)، وابن حبان (7010). قال الهيثمي (9/ 223): رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني، ورجالهم رجال الصحيح. وقال الحافظ في الفتح (6/ 447): إسناده حسن.

(2)

ذكره الحكيم (2/ 41). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1050).

(3)

النهاية (1/ 347).

ص: 588

تعرضًا للإفطار، وقيل: جاز لهما الإفطار، وقيل: هو على جهة التغليظ لهما والدعاء عليهما.

قال في الفتح (1): وقد ورد ذكره في رواية الحسين وأبي هريرة وثوبان ومعقل بن يسار وعلي وأسامة وورد من طريق الحسن بن شداد ورافع بن خديج وعلق الشافعي في القديم القول به على الصحة وجزم في الجديد بعدم الفطر وأول الأكثرون الحديث على أن المراد تسبب للإفطار بالحجامة الموجبة له لضعف القوة فنزل الأمر إلى الفطر، وقال ابن حزم (2): هو منسوخ بحديث أبي سعيد: "أرخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم" أخرجه النسائي وابن خزيمة (3) وأخرجه الدارقطني (4) بلفظ: أصرح في النسخ ولفظه: "أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أفطر هذان" ثم رخص بعد في الحجامة للصائم، ورواته ثقات، ذهب أحمد وإسحاق وغيرهما إلى أنهما يفطران بنفس الحجامة عملاً بظاهره وذهب آخرون إلى خلافه ولكنه يكره عملاً بهذا الحديث قالوا: ووجه الكراهة ما يؤدي إليه من الضعف وفي الحاجم إعانته على ذلك، والذي حمل الأكثر مخالفتهم لظاهر الحديث حديث أبي سعيد عند الترمذي (5): "ثلاث لا تفطرن الصائم الحجامة والقيء والاحتلام"، وفي معناه غيره مثل حديث: "أنه أحتجم وهو صائم" وقد رده ابن

(1) الفتح (4/ 177).

(2)

انظر: المحلى لابن حزم (6/ 204، 209).

(3)

أخرجه النسائي في السنن الكبرى (3241) وابن خزيمة (1967)، وقال الحافظ في الفتح (4/ 178): وإسناده صحيح، فوجب الأخذ به.

(4)

أخرجه الدارقطني (2/ 182)، وقال: رواته كلهم ثقات ولا أعلم له علة، والبيهقي (4/ 268)، وانظر الإرواء (4/ 72).

(5)

أخرجه الترمذي (719)، وقال: هذا حديث غير محفوظ وعبد الرحمن بن زيد الراوي يضعف في الحديث.

ص: 589

القيم (1) وقال: الثابت وهو محرم وقيل: أنه صلى الله عليه وسلم قال: ذلك لما مر بهما وهما يغتابان الناس فقال ذلك زجرًا لهما، والأقرب ما ذهب إليه أحمد وحديث أبي سعيد لا يقاومه كيف وقد قال المصنف: إن هذا متواتر (حم د ن 5 حب ك عن ثوبان) مثنى ثوب رمز المصنف لصحته (2).

1304 -

"أَفْطَرَ عِنْدَكمُ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ (5 حب عن ابن الزبير) "(صح).

(أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار) هذا كان يقوله صلى الله عليه وسلم لمن يفطر عنده أو من أكل عنده طعامًا مطلقًا وهو دعاء لهم بإجراء الخير على أيديهم من إطعام الأبرار وما يتفرع عليه من صلاة الملائكة عليهم وورد بصيغة الإخبار تفاؤلاً كما قالوا: مات فلان رحمه الله على أحد احتمالية كما عرف في علم البيان ويحتمل أنه إخبار لهم وليس المراد الإخبار بذلك لأنهم عالمون به ولا لازم الفائدة فإنهم عالمون أنه عالم به بل الثناء عليهم وليعطف عليه ما يسبب عنه من الإخبار لهم بقوله (وصلت عليكم الملائكة) وفي غيره زيادة: وذكركم الله فيمن عنده. والأبرار جمع بار وهو يخص كثيرًا بالعبَّاد والأولياء والزهاد كما في النهاية (3)، إن قلت: فيه تزكية النفس وقد نهى عنها.

(1) انظر: حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (6/ 365).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 276)، وأبو داود (2367)، والنسائي في الكبري (3134)، وابن ماجه (1680)، والدارمي (1731)، وابن خزيمة كما في إتحاف المهرة (3/ 36، رقم 2489)، وابن الجارود (386)، وابن حبان (3532)، والطبراني (2/ 91، رقم 1406)، وابن قانع (1/ 119)، والحاكم (1/ 590، رقم 1558) وقال: صحيح على شرط الشيخين. والبيهقي (4/ 265). وأخرجه أيضًا: عبد الرزاق (7522)، وابن أبي شيبة (2/ 307، رقم 9301)، والطحاوي (2/ 98)، والطبراني في الأوسط (4720)، وفي مسند الشاميين (208)، وابن عساكر (33/ 274). قال الحافظ في التلخيص (2/ 193): قال علي بن سعيد النسوي سمعت أحمد يقول هو أصح ما روي فيه، وكذا قال الترمذي عن البخاري.

(3)

النهاية (1/ 16).

ص: 590

قلت: ما هو إلا تفاؤل باتصاف آكلين طعامهم بذلك أو لأنهم بصيامهم قد فعلوا ما يفعله الأبرار وتخلقوا بخلقهم واتصفوا بما اتصفوا به كأنه قيل: من تخلق بأخلاق الأبرار وعلى احتمال أنه دعاء فهو طلب لهم أن لا يأكل طعامهم إلا الأبرار فإنهم الذين يجازى على إطعامهم أحسن جزاء لحديث: "ولا يأكل طعامك إلا تقي" تقدم (5 حب عن ابن الزبير)[1/ 375] رمز المصنف لصحته (1).

1305 -

"أف للحَمَّامِ حجابٌ لا يستر وماء لا يُطَهّر بنيان أوشاب للمشركين ومرج الكفار ومرج الشيطان لا يحل لرجل أن يدخله إلا بمنديل مروا المسلمين لا يفتنون نساءهم الرجال قوامون على النساء علموهن القرآن ومروهن بالتسبيح (هب عن عائشة) "(ح).

(أف) بضم الهمزة وفيه لغات عدها صاحب القاموس (2) أربعين لغة ومعناه الاستقذار وقيل: الاحتقار والاستقلال وهو صوت إذا صوت به الإنسان علم أنه متضجر (للحمام) وكأنه قيل ما سبب التضجر فقال (حجاب لا يستر وماء لا يظهر) وكأنه إخبار عن من كان يدخله بغير مئزر ولذا قال (لا يحل لرجل أن يدخله إلا بمنديل) أراد به المئزر كما ورد في غيره بلفظه (مر) خطاب لكل من يصلح للخطاب (المسلمين لا يفتنون نسائهم الرجال قوامون على النساء) هو جمع قوام وفسره أئمة التفسير في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] أي يقومون عليهن آمرين ناهين (علموهن) معالم الدين (ومروهن بالتسبيح) تخصيص بعد التعميم لشرف التسبيح أي بقول: سبحان الله أو

(1) أخرجه ابن ماجه (1747). قال البوصيرى (2/ 79): هذا إسناد ضعيف لضعف مصعب بن ثابت بن عبد الله بن عبد العزيز بن الزبير. وأخرجه ابن حبان (5296).

(2)

القاموس المحيط (صـ 1023).

ص: 591

مطلوبين به الرب تعالى بأن يعلموهن أدلة تنزيهه تعالى عن القبائح (هب عن عائشة)(1) رمز المصنف لحسنه.

1306 -

"أفلح من رزق لُبًّا (تخ، طب عن قرة بن هبيرة) "(صح).

(أفلح) في القاموس (2) الفلح محركة والفلاح الفوز والنجاة والبقاء في الخير (من رزق لبا) فيه أيضًا اللب العقل والمراد فاز ونجا من رزق عقلاً، وذلك لأن العقل يقوده إلى كل خير ويذوده عن كل ضير أو به ينظر أدلة موجده فينظر في ملكوت السماء والأرض وما اشتمل عليه الكون من عجائب صنعه تعالى فتدله دلالة مبادئه بلسان الحال أن له ربًا خالقًا عليمًا حكيمًا حقًا قديرًا سميعًا بصيرًا فالعقل حجة الله على عباده ولذا لم يكلف من لا عقل له وهو دليله إلى كل مكرمة دينية ودنيوية ولذا يخص الله بالخطاب في الكتاب أولي الألباب، ومن كلام النهج: العقل لا يجني على صاحبه قط والعلم من غير عقل يجني على صاحبه، ومن كلامه: أنفس الأعلاق عقل قرن به حظ (تخ طب عن قرة) بضم القاف وتشديد الراء (ابن هبيرة) مصغر رمز المصنف لصحته وقال الهيثمي: فيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات (3).

1307 -

"أفلح من هُدِىَ إلى الإِسلام وكان عيشه كفافا وقنع به (طب، ك عن فضالة بن عبيد) "(صح).

(أفلح من هدي إلى الإِسلام) هداه الله إليه ويسره لليسرى (وكان عيشه كفافًا)

(1) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (7773) وقال: هذا منقطع. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1053).

(2)

القاموس المحيط (ص 300).

(3)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (7/ 181)، والطبراني (19/ 33، رقم. 7). قال الهيثمي (9/ 401): فيه راو لم يسم، وبقية رجاله ثقات. وأخرجه أيضًا: البيهقي في شعب الإيمان (4654). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1056).

ص: 592

تقدم ضبطه وتفسيره فإنه إذا كان كذلك لم يبطره الغنا ولم يحزنه الفقر بشرط القنوع ولذا قال (وقنع به) اكتفى به وشكر عليه وفسرت الحياة الطيبة في الآية بالقنوع بما أعطي (طب ك عن فضالة بن عبيد) مصغر عبد رمز المصنف لصحته (1).

1308 -

"أَفْلَحْتَ يَا قُدَيْمُ إِنْ مُتَّ وَلَمْ تَكُنْ أَمِيرًا وَلَا كَاتِبًا وَلَا عَرِيفًا (د عن المقدام بن معدي كرب) "(صح).

(أفلحت يا قديم) تصغير مقدام تصغير الترخيم بحذف زوائده من الميم والألف لأنه من قدم والتصغير هنا للتلطف وحسن الخطاب من باب يا بني وهو خطاب للمقدام بن معدي كرب الراوي (إن مت ولم تكن أميرًا) جملة حالية من فاعل مت أي مت والحال ما ذكر من عدم اتصافك بالإمارة والأمير من يلي أمور الناس يأمرهم وينهاهم فعيل بمعنى فاعل وإنما علق صلى الله عليه وسلم فلاحه بموته ولم يلي الإمارة لما فيها من الخطر الذي لا يكاد يسلم منه أحد، وفي حديث أبي هريرة عند البيهقي:"ما من أمير عشرة إلا وهو يؤتى به يوم القيامة مغلولاً حتى يفكه العدل أو يوبقه الجور"(2) ويأتي أيضًا في حديث أبي أمامة بزيادة: أولها ملامة وأوسطها ندامة وآخرها خزي يوم القيامة، ويأتي زجر شديد في الإمارة (ولا كاتبًا) للسلطان لما فيه من الخطر فإن كاتب الملك يده ولسانه بقلمه يراق الدماء وتؤخذ الأموال (ولا عريفًا) بعين مهملة وراء مكسورة مشددة ومثناة تحتية وألفًا في النهاية (3) أنه القيم بأمور القبيلة والجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم [1/ 376] فعيل بمعني فاعل انتهى. والحديث

(1) أخرجه الطبراني (18/ 306، رقم 787)، والحاكم (4/ 136، رقم 7144) وقال: صحيح الإسناد. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1138).

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 95)، والطبراني في الأوسط (6225)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5695).

(3)

النهاية (3/ 442).

ص: 593

تحذير عن الإمارة ومقارنتها بالخدمة من كتابة أو عرافة (د عن المقدام بن معدي كرب) رمز المصنف لصحته (1).

1309 -

"أفلا استرقيتم له فإن ثلث منايا أمتي من العين (الحكيم عن أنس) ".

(أفلا استرقيتم له) طلبتم له الرقية المشروعة للعين (فإن ثلث منايا) جمع منية وهي الموت (أمتي من العين) من الإصابة بها والثلث يحتمل الحقيقة ويحتمل أنه أراد به الكثرة ويأتي تحقيق رقية العين ما هي في حرف العين (الحكيم عن أنس)(2).

(1) أخرجه أحمد (4/ 133)، وأبو داود (2933)، وابن السني (ص 151 رقم 395)، والبيهقي (6/ 361). وأخرجه أيضًا: الطبراني في الشاميين (2/ 297 رقم 1377)، قال البخاري: فيه صالح بن يحيى فيه نظر، وقال المنذري: فيه كلام لا يقدح. قلت: وصالح هذا أورده الذهبي في المغني (2850) والكاشف (2367) وقال قال البخاري: فيه نظر. وقال الحافظ في التقريب (2894) لين. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1055) والسلسلة الضعيفة (1133).

(2)

أخرجه الحكيم (3/ 46)، وقال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 383): وإسناده ضعيف لكن له شاهد. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1054).

ص: 594