المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الهمزة مع السين المهملة - التنوير شرح الجامع الصغير - جـ ٢

[الصنعاني]

الفصل: ‌الهمزة مع السين المهملة

‌الهمزة مع السين المهملة

958 -

" أسامة أحب الناس إلي (حم طب) عن ابن عمر (صح) ".

(أسامة) هو ابن زيد مولاه صلى الله عليه وسلم بن مولاه (أحب الناس إلى) أكثرهم محبوبية إلى قلبي وتقدم حديث: "أحب الناس إلى عائشة ومن الرجال أبوها" فلابد من التوفيق بين الحديثين وذلك بأن يراد بالناس هنا مواليه وأسامة منهم أو يراد ما عدا أبا بكر أو يراد بما في الحديث الأول ما عدا أسامة وغايته أنه إن لم يقم على التوفيق دليل بقي حديث أسامة فقيدًا أنه أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم وحديث أبي بكر كذلك فيفيدان أحبية كل منهما إليه صلى الله عليه وسلم على الناس وأما هما فيما بينهما فلا دليل على أحبية أحدهما إليه على الآخر من نفس الحديثين بل من أدلة أخرى وأحب هنا من اسم التفضيل المبني للمفعول (حم طب عن ابن عمر)(1) رمز المصنف لصحته وقال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي.

959 -

"إسباغ الوضوء في المكاره، وإعمال الأقدام إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، يغسل الخطايا غسلاً (ع ك هب) عن علي (صح) ".

(إسباغ الوضوء) بالغين المعجمة إتمامه وإكماله (في المكاره) جمع مكره وهو ما يكرهه الإنسان ويسؤه ويشق عليه والكره بالضم المشقة كالوضوء مع البرد الشديد والعلل التي يتأذى معها بإمساس الماء مع إعوازه والحاجة إلى طلبه والسعي في تحصيله وابتياعه بالثمن الغالي وما أشبه ذلك من الأسباب الشاقة قاله ابن الأثير (2)(وإعمال الأقدام) بكسر الهمزة أي نقلها وعبر عنه

(1) أخرجه أحمد (2/ 96) والطبراني في الكبير (1/ 159) رقم (372) والحاكم (3/ 596).

وصححه الألباني في صحيح الجامع (924) والسلسلة الصحيحة (745).

(2)

النهاية (4/ 169).

ص: 307

بالأعمال إشارة إلى أنه عمل متكرر بنية واختيار (إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة) ظاهره انتظارها حيث صليت الأولى في مسجد أو غيره ويحتمل أن يراد توطين النفس على أدائها وإن لم يكن في مسجد (يغسل) هذه الثلاثة (الخطايا غسلاً) تأكيدا لذلك (ع ك هب عن علي) رمز المصنف لصحته (1).

960 -

"إسباغ الوضوء شطر الإيمان، و"الحمد لله" تملأ الميزان، والتسبيح والتكبير يملأ السماوات والأرض، والصلاة نور، والزكاة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك. كل الناس يغدو: فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها (حم ن هـ حب) عن أبي مالك الأشعري (صح) ".

(إسباغ الوضوء شطر الإيمان) نصفه وورد بلفظ الطهور شطر الإيمان فيعمل على المسبغ منه لهذا الحديث ومعنى كونه شطر الإيمان ما قاله في النهاية (2) من أن الإيمان يطهر الباطن والطهور يطهر نجاسة الظاهر (والحمد لله تملأ الميزان) أي هذا الثناء بهذا اللفظ يملأ ميزان الأعمال الصالحة في الآخرة بناء على تجسيم الأعمال في النشأة الأخرى أو على أنهما توزن صحيفة العمل أو على أن الأجر يملأها (والتسبيح والتكبير يملآن ما بين السماوات والأرض) أي في الدنيا لأنه الأظهر عند إطلاقهما أو المراد نورهما أو بركتهما تملآن الأكوان أو هما أنفسهما على كيفية لا يعلمها إلا الله أو ملائكتهما الذين يرفعونهما والأظهر أن المراد من التسبيح قول: سبحان الله، والتكبير قول: الله أكبر، ويحتمل أن يراد مطلق التنزيه والتعظيم بأي عبارة كانا أو يراد: الكلمتان الخفيفتان في اللسان الثقيلتان في الميزان (والصلاة نور) يحتمل نور لصاحبها في الدنيا لما يجعل الله

(1) أخرجه أبو يعلى (488)(1355) والحاكم (1/ 132) والبيهقي في الشعب (2739) وابن عبد البر في التمهيد (20/ 224) وقال المناوي (1/ 484): قال الزين العراقي: رواته ثقات، وقال المنذري: إسناده صحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (927).

(2)

النهاية (2/ 743).

ص: 308

على ذاته من الوضاءة في الوجه والنور في القلب والبصيرة فيهتدي إلى كل خير ويلتهي [1/ 270] عن كل فحشاء ويحتمل أنها نور له في الآخرة يهديه طريق النجاة في الصراط ومواقف القيامة كما يشير إليه قوله تعالى: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد: 12] الآية وأحاديث إعطاء المؤمن النور يوم القيامة على قدر إيمانه تشهد لذلك أو المراد أنها نور له في الدارين ثم المراد الفريضة والمراد منها ما أتم فاعلها أركانها وأذكارها وهي التي تقول له حفظك الله لا التي تلف ويضرب بها وجهه (والزكاة برهان) في النهاية (1) بلفظ: "الصدقة برهان" وفسر البرهان بالحجة والدليل في أنها حجة لطالب الأجر من أجل أنها فرض يجازي الله به وعليه انتهى.

قلت: ويحتمل أن المراد أن إخراجها دليل على إيمان صاحبها فإنه لا يسمح بها إلا من وقر إيمانه وقام عليه برهان ولذا قال تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ} [فصلت: 6، 7] خصها من بين الواجبات لشدة الحامل على عدم إخراجها وهو حب المال (والصبر ضياء) الصبر حبس النفس عن فعل ما يقبح وعلى فعل ما يحسن فمن التزمه فهو ضياء له في تروكه وأفعاله والضياء أقوى من النور بحكم الوضع ولذا نسب الضياء إلى الشمس والنور إلى القمر {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} [يونس: 5] ولما كان الصبر لا بد منه في فعل كل طاعة وترك كل معصية سمي بأقوى الاسمين لا أنه أقوى من كل طاعة في الإثارة والهداية إلى الطاعات فعلا وإلى المعاصي تركا (والقرآن حجة لك) إن فعلت به (أو عليك) إن خالفته ويحتمل أن المراد حجة لك تحتج بها على الخصوم لما أودع الله فيه من الأدلة على المطالب العلية وتحتج به على نفسك وتردها بدلائله عما ترغب إليه من مخالفته أو حجة عليك احتج بها الله بما

(1) النهاية (1/ 122).

ص: 309

أقامه من دلائل توحيده وعدله وحكمته وقدرته (كل الناس يغدو) وهو من الغدو بالمعجمة وهو سير أول النهار ويريد هنا مطلق السير في أي وقت، فإن الناس كلهم في سفر إلى الآخرة (فبائع نفسها فمعتقها) ثم قسمهم قسمين فمنهم من باع نفسه من الله تعالى بأن جعل تصرفه كله على وفق ما أمره الله به فأعتقها من عذابه وغضبه أو بائع نفسه من شهواته بحظوظ دنياه فهذا بائع نفسه (موبقها) مهلكها.

واعلم أن هذا الحديث الجليل اشتمل على عبادات الأبدان الفعلية والقولية والمالية وعلى أعمال القلب وأشار إلى كل شيء من ذلك بالإتيان بأشرف أفراده فأشار إلى عبادة الأبدان الفعلية بالوضوء وإلى القولية بالذكر وإلى الجمع بينهما بالصلاة وإلى أعظم الواجبات المالية بالزكاة وإلى أشرف أعمال القلب بالصبر وإلى أعظم حجة الله على عباده بالقرآن فتأمله ما أشرفه وما أجمعه لأنواع الخير (حم ن 5 حب عن أبي مالك الأشعري)(1) رمز المصنف لصحته.

961 -

"استاكوا، وتنظفوا، وأوتروا؛ فإن الله عز وجل وتر يحب الوتر (ش طس) عن سليمان بن صرد (ح) ".

(استاكوا وتنظفوا وأوتروا) أمر بإيتار ما ذكر من الاستياك والتنظف ويحتمل أنه أمر بصلاة الوتر وهو أن يصلى مثنى مثنى ثم يصلى في آخره ركعة مفردة أو يضيفها إلى ما قبلها من الركعات قاله ابن الأثير (2)(فإن الله عز وجل وتر يحب الوتر) في النهاية (3) الوتر [1/ 271] بكسر واوه الفرد وتفتح والله واحد في ذاته لا ينتقل ولا يقبل الانقسام واحد في صفاته لا شبيه له ولا مثل، واحد في أفعاله بلا معين

(1) أخرجه مسلم (223)، وأحمد (5/ 342)، والنسائي (5/ 5)، وابن ماجه (280)، وابن حبان (844).

(2)

النهاية (5/ 319).

(3)

النهاية (5/ 146).

ص: 310

ويحب الوتر يثيب على فعله ويقبله من عامله (طس (1) عن سلمان بن صرد) (2) بالصاد المهملة فراء فدال مهملة بزنة عمر وهو خزاعي كوفي له صحبة (3) ورمز المصنف لحسنه.

962 -

"استتروا في صلاتكم ولو بسهم (حم ك هق) عن الربيع بن سبرة (صح) ".

(استتروا) أي اجعلوا بينكم وبين القبلة (في صلاتكم) حال الصلاة سترة (ولو بسهم) السهم في الأصل واحد السهام التي تضرب بها في الميسر وهي القداح سمي به ما يفوز به الفالح ثم كثر حتى سمي كل نصيب سهمًا قاله في النهاية (4) ولم يذكر الحديث، وفي القاموس: أنه يقال لمعان منها واحد النبل والأقرب أنه المراد هنا من باب ولو مثل مفحص قطاة ويحتمل أنه يجزئ السهم سترة كما يجزئ الخيط (حم هق ك عن (5) الربيع بن سبرة) بفتح السين المهملة وسكون الموحدة وهو ابن معبد الجهني المدني (6) ورمز المصنف لصحته.

963 -

"استتمام المعروف أفضل من ابتدائه (طس) عن جابر (ض) ".

(استتمام المعروف أفضل من ابتدائه) أي وإتمامه فالسين ليست المطلب بل

(1) في المطبوعة (ش طس).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 157) رقم (1806) والطبراني في الأوسط (7442) وقال الهيثمي في المجمع (2/ 240) فيه إسماعيل بن عمرو البجلي ضعفه أبو حاتم والدارقطني وابن عدي ووثقه ابن حبان. انظر الميزان (1/ 399) والمغني (696) والثقات (8/ 100). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (800) والسلسلة الضعيفة (939). وسقط من المخطوط رمز "ش".

(3)

الإصابة (3/ 172).

(4)

النهاية (2/ 429).

(5)

أخرجه أحمد (3/ 404) والحاكم (1/ 252)، وقال: على شرط مسلم، والبيهقي (2/ 270) وكذلك ابن خزيمة (810). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (801) والسلسلة الضعيفة (2760) ثم تراجع وصححه في السلسلة الصحيحة (2783).

(6)

الإصابة (3/ 280).

ص: 311

للتأكيد ويحتمل أنها له ويراد طلب الشفيع الحاجة للغير من الغير أفضل من ابتداء الإعانة فإنه يطلب له الحاجة بعد تعلق نفسه بها أتم تعلق فيكون إعانته على إنجازها أفضل وأوقع وإنما كان على الأول التمام أفضل من الابتداء لأن الابتداء بالإحسان قد تخف على نفس الواهب ويسمح به والإتمام قد يشق عليه وإنما الفضيلة على قدر المشقة أو لأنه بإحسانه وابتدائه به قد أنس المحسن إليه وأدخل عليه السرور فإن لم يتمه أوحشه وانقلب فرحه ترحا والناس طبقات في هذا المعنى منهم من يتمم مكارمه كما قيل:

قوم إذا غرسوا استقوا وإذا بنوا

لا يهدمون لما بنوه أساساً (1)

وهذا قليل ومنهم من يزيد على الإتمام كما قيل:

ونكرم ضيفنا ما دام فينا

ونتبعه الكرامة حيث كانا

وهذا أقل ومنهم وهو الأكثر من يتمم إحسانه. كما قيل:

وما كُلُّ هاوٍ للجَميل بِفَاعلٍ

وَلا كُلُّ فَعَّالٍ له بِمُتمّمِ (2)

(طس عن جابر)(3) رمز المصنف لضعفه.

964 -

"استحلوا فروج النساء بأطيب أموالكم (د) في مراسيله عن يحيى بن يعمر مرسلاً".

(استحلوا) اطلبوا حلال (فروج النساء بأطيب أموالكم) وهو الحلال لأن الحرام ليس بطيب والمراد ما يعطى في الصداق وفي مؤن النكاح أو يراد بأطيب الأموال ما أمر الله به من الصداق الشرعي ويكون كناية عن العقد لأنه من لازمه

(1) الأبيات لأبي نواس وكذلك للعطوي محمَّد بن عبد الرحمن العطوي الكناني (ت 250).

(2)

الأبيات للمتنبي.

(3)

أخرجه الطبراني في الصغير (432) ولم يعزه الهيثمي إلى الأوسط، والقضاعي في مسند الشهاب (1269) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 182): فيه عبد الرحمن بن قيس الضبي وهو متروكٌ.

ص: 312

وزجراً عن مهر البغي واستحلال فرجها به أي استحلوا الفروج وأطيبوا الأموال وهو المال الذي أمركم الشارع بإعطائه لا بالمال الخبيث وهو مهر البغي فإنه لا يحل به فرج وهذا أنسب بقوله استحلوا، وفي الحديث مأخذ لمن يقول لا يكون الصداق إلا مالاً (د في مراسيله عن يحيى بن يعمر) (1) بفتح المثناة التحتية والميم بينهما عين فمهملة ساكنة البصري قال في الكاشف: ثقة مصري وفي التقريب: ثقة (مرسلاً).

965 -

"استحي من الله استحياءك من رجلين من صالحي عشيرتك (عد) عن أبي أمامة (ض) ".

(استحي من الله استحيائك من رجلين من صالحي عشيرتك عد عن أبي أمامة) رمز المصنف لضعفه (2).

966 -

"استحيوا من الله تعالى حق الحياء؛ فإن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم (تخ) عن ابن مسعود (ح) ".

(استحيوا) خطاب للأمة (من الله حق الحياء) منصوب على أنه مفعول مطلق وتقدم حقيقة الحياء وأنه تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به وفسر في الشرع بأنه خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق وفسر أيضاً بأنه قوي نفسانية سهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الحميدة والآداب المرضية فيصير ذلك كالخلقة في صاحبه فإن الله تعالى (قسم بينكم أخلاقكم) تعليل للأمر بالحياء ووجهه أنه إذا كان الذي قسم بينكم

(1) أخرجه أبو داود في المراسيل (211) عن يحيى بن يعمر مرسلاً وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (803). وانظر: الكاشف (6273)، والتقريب (7678).

(2)

أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 136)(4/ 89). في ترجمة جعفر بن الزبير الشامي وقال: قال النسائي: متروك الحديث، قال المناوي (1/ 487): إسناده ضعيف، وقال الألباني في ضعيف الجامع (804) والسلسلة الضعيفة (1500) (1642): ضعيف جدًّا.

ص: 313

الأخلاق (كما قسم بينكم أرزاقكم) ولا يعطي ولا يمنع [1/ 272] إلا لحكمة له في ذلك فاستحيوا منه ولا تأتوا ما لا يرضاه فليستعمل هذا الخلق الذي وهبه فيما يرضيه كما أنه لما كان قاسم الأرزاق واهبها فلا تنفق إلا فيما يرضيه، وفي الحديث دليل على أن الأخلاق عزيزة يهبها الله لمن يشاء من عباده، قال القرطبي (1): الخلق جبلة في نوع الإنسان وهم في ذلك متقاربون فمن غلب عليه شيء منها كان محمودا وإلا فهو مأمور بالمجاهدة حتى يصير محمودا وكذا إن كان ضعيفاً فإنه يرتاض صاحبه حتى يقوى فإن من أعطاكم الأرزاق والأخلاق هو الذي يحب الحياء من مخالفته رعاية لسابق نعمته ويأتي بيان الحياء من الله في الحديث الثاني (تخ عن ابن مسعود)(2) رمز المصنف لحسنه.

967 -

"استحيوا من الله تعالى حق الحياء، من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء (حم ت ك هب) عن ابن مسعود (صح) ".

(استحيوا من الله حق الحياء) وكأنه قيل وكيف نستحي منه تعالى حق الحياء؟ وفي رواية: قالوا يا رسول الله إنا نستحي من الله، كما في رواية الترمذي فقال:(من استحى من الله حق الحياء) من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الحياء الحق الذي لا باطل فيه إشارة إلى أن من الحياء ما هو باطل وهو الذي يفضي بصاحبه إلى الإخلال بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

(1) نقل ذلك عن المفهم للقرطبي نقله الحافظ في الفتح (10/ 459).

(2)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 313) في ترجمة صباح بن محمَّد بن أبي حازم البجلي ليس فيه "استحيوا من الله تعالى حق الحياء". وصباح بن محمَّد قال ابن حبان يروي الموضوعات. انظر الميزان (3/ 420).

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (806) وفي السلسلة الضعيفة (2822).

ص: 314

ونحوه، هذا بيان وتفسير لحق الحياء (فليحفظ الرأسى وما وعى) والرأس قد وعى السمع والبصر واللسان والأنف وهذه هي حواسيس الخير والشر وهي الحواس فقد أرشد إلى أنه أريد بالرأس وما وعى ذلك فقابلته له بالبطن وما حوى فإنا لو لم ندخل فيه اللسان والأنف والبصر لخرجت عن الأمر بالحفظ وقد علم أنها قد طفحت الأحاديث والآيات بالتوصية بحفظ هذه الحواس وحاش كلام الشارع عن الإهمال لما هو أعظم جوارح العصيان فلا يرد أن الرأس إذا أطلق فإنه لا تشمل الوجه كما في آية الوضوء وذلك حيث يطلق وهنا قد قيد بقوله وما وعى فهم ولا يفعل ذلك للترتيب لرتبه ونحوها وحفظ.

واعلم أن حفظ اللسان أن لا ينطق إلا بخير ولا يحبسها عن ذكر فرض أمر بمعروف أو نهى عن منكر وإرشاد إلى علم وأن لا يلوك بها حراما وحفظ النظر أن لا ينظر إلى ما نهى الشارع عن نظره وأن لا ينظر إلى ما أباحه إلا معتبرا مفكرا في قدرة بارئه وحفظ السمع أن يصونه عما نهى عنه الشارع وأن يصغيه إلى كلام الله ورسوله، وحفظ الأنف أن لا يشم بها ما يحرم شمه وحفظ الجبهة أن لا يسجد بها لغير الله وحفظ الرأس أن لا يخضع بها لغير الله ولا يحلق شعره للمشايخ كعبادة ذوي الجهالات وحجاج المشاهد الذين يحلقون رؤسهم لمشايخهم تعبداً وتواضعاً فإن حلق الرأس من جملة مناسك حج بيت الله ومن حفظه أن لا يخضبه فيما لا يحل من الخضاب ولا يخضب لحيته به وأن يعفيها ويحفي شاربه وغير ذلك فكله داخل تحت حفظ الرأس وما وعى (وليحفظ البطن وما حوى) كلمة جامعة كالأولى فإن البطن قد حوى أشرف مضغة في الإنسان وهي القلب فإنه معدن الخير والشر وهي المضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد وهو مقر الإيمان والكفر والاعتقادات الحقة والباطلة ومحط رحال الوساواس وهو الملك الذي سائر الحواس له كالخدم تخبره بما تراه من

ص: 315

خير وشر وهي رسله وطلائع خيره ولذا سماه القائل: رائدة للقلب.

وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا

لقلبك يوما أتعبتك المناظر

ولذا كان مسئولًا عما يقول الإنسان كما قال الله تعالى: {وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] وإليه نسب الله العقل {فَتكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46] وفي الحقيقة هو الإنسان ولذا قيل:

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده

فلم يبق إلا صورة اللحم والدم (1)

[1/ 273] واللسان في الحقيقة مغرفته وعنه يعبر ولذا قيل:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما

جعل اللسان على الفؤاد دليلا

فالقلب جملة الإنسان وحفظه حفظ الدين وإضاعته إضاعته فمن حفظه صونه عن الاعتقادات الباطلة والأماني الكاذبة والأفكار الفاسدة وغسله عن أدران الكبر والحسد والغل وحب الدنيا وعن كل ما يخالف أمر الشارع والمحل محل بسط ولعله يأتي مفرقاً ويدخل فيما حوى البطن الفرج بمثل ما دخلت به الحواس في الرأس لأنه لو لم يدخل لفات من التوصية حفظة وهو من أهم ما وصى الشارع في حفظه {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] وقال صلى الله عليه وسلم: "من يضمن لي ما بين فكيه وما بين رجليه"(2) الحديث وغيره، وحفظ البطن يشمل حفظه عن الحرام والشبهات أكلا وشربا وعن امتلائه من الحلال بحيث يقويه على الطاعات (وليذكر الموت والبلى) بكسر الموحدة من بلى الثوب يبلى بَلا وبِلاء وقد كثر في الحديث التوصية بذكر الموت وبين صلى الله عليه وسلم فائدة ذكره بأنه يوسع على العبد صوغته ويضيق على الموسع سعيه وأنه يمحص

(1) من شعر عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (العصر الأموى) ت (129هـ).

(2)

أخرجه البخاري (6109) بلفظ: "من يضمن لي ما بين لحييه

".

ص: 316

الذنوب ويزهد في الدنيا وتأتي الأحاديث في ذلك. (ومن أراد الآخرة) أي أراد نعيمها الذي أعده الله لأوليائه (ترك زينة الحياة الدنيا) هي التي ذكرها تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46] وفي قوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} [آل عمران: 14] الآية وهو المراد بقوله: ومن أراد زينة الحياة الدنيا وليس المراد أن لا يكون له أهل ولا مال فإنه قد كان للأنبياء أهل ومال إنما المراد لا يجعلها أكبر همه وجل مطلبه كما قال صلى الله عليه وسلم: "في الدنيا اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا"(1) وهو المراد من قوله وآثر الآخرة على الأولى أي قدم ما ينفعه فيها على ما ينفعه في هذه الدار الدنيا (فمن فعل ذلك) إشارة إلى كل ما ذكر (فقد استحى من الله حق الحياء) فلا يتصف به إلا من اتصف بما ذكر (حم ت ك هب عن ابن مسعود)(2) رمز المصنف لصحته قال الشارح: لعله اغترار منه بتصحيح الحاكم وتقرير الذهبي وليس سديد، فقد تعقب بأن فيه أبان بن إسحاق قال الأزدي: تركوه لكن وثقه العجلي عن الصباح بن مرة قال في الميزان: واهٍ وقال المنذري: رواه الترمذي وقال: غريبٌ لا نعرفه إلا من حديث أبان بن إسحاق عن الصباح قال المنذري: وأبان فيه مقال والصباح مختلف فيه وقيل: إنه موقوف.

968 -

"استذكروا القرآن، فلهو أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم من عقلها (حم ق ت ن) عن ابن مسعود (صح) ".

(استذكروا) بالذال المعجمة من الذكر (القرآن) اطلبوا من نفوسكم ذكره

(1) أخرجه الترمذي (3502)، وابن المبارك في الزهد (431)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (401).

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 387) والترمذي (2458) وقال: إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 348): أبان والصباح مختلف فيهما وقد ضعف الصباح برفعه هذا الحديث وصوابه عن ابن مسعود موقوفاً عليه، قال المناوي (1/ 488): فيه أبان بن إسحاق قال الأزدي: تركوه لكن وثقه العجلي عن الصباح بن مرة قال فى الميزان: والصباح واهٍ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (933).

ص: 317

وحفظه وذلك بمعاودة تلاوته كما أتى بهذا اللفظ عند الشيخين وسيأتي (فلهو أشد تفصيا) بالفاء والصاد المهملة فمثناة تحتية في النهاية (1) أي أشد خروجًا يقال تفصيت عن الأمر تفصيا إذا خرجت منه وتخلصت (من صدور الرجال) التي هي محل حفظه كما قال: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49](من النعم) بفتحتين الإبل والشياه أو خاص بالإبل قاله في القاموس (2) والمراد هنا الأول (من عقلها) جمع عقال ككتاب وكتب وهو ما يشد به البعير والحديث أمر بتعهد القرآن وحفظه بالتلاوة وقد قدر صلى الله عليه وسلم مدة معلومه سيأتي أحاديثها (حم ق ت ن عن ابن مسعود)(3).

969 -

"استرشدوا العاقل ترشدوا، ولا تعصوه فتندموا (خط) في رواية مالك عن أبي هريرة (ض) ".

(استرشدوا العاقل) أي اطلبوا [1/ 274] رشده أي ما يرشدكم إليه والرشد خلاف الغي والعاقل ذو العقل وهو على ما في القاموس (4) نور روحاني به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية وابتداء وجوده عند إحسان الولد ثم لا يزال ينمو إلى أن يكمل عند البلوغ انتهى. واعلم أنهم ذكروا للعقل خمسة أقسام.

الأول: غريزي وهو في كل آدمي مؤمن وكافر.

الثاني: ما يكسبه الإنسان من مخالطة العقلاء.

الثالث: عقل المؤمن الذي اهتدى به إلى الإيمان.

الرابع: عقل الزهاد، ولذا يقول الفقهاء: أعقل الناس أزهدهم.

(1) النهاية (3/ 452).

(2)

القاموس المحيط (صـ 703).

(3)

أخرجه البخاري (5032) ومسلم (790) والترمذي (2942) والنسائي (2/ 154)، وأحمد (1/ 423).

(4)

القاموس المحيط (ص 1336).

ص: 318

الخامس: شرفي وهو عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أشرف العقول.

وقال مجد الدين بعد ما سبق نقله الأقوال في حقيقته وذكره كونه نور إلى آخره وهذا هو الحق في حقيقته.

قلت: يؤيده ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "العقل نور في القلب يفرق بين الحق والباطل"(1) وفي هذا الحديث دليل أن محله القلب.

ويدل له أيضاً ما أخرجه البخاري في الأدب والبيهقي في الشعب بسند جيد عن علي رضي الله عنه: "العقل في القلب"(2).

ويدل له أيضًا قوله تعالى: {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق:37] وهذا رأي جمهور المتكلمين والشافعية وقالت الأطباء والحكماء: محله الدماغ وللمسألة محل آخر وقالت الحكماء من علامات العاقل أن لا يتكلف ما لا يطيق ولا يسعى فيما لا يدرك ولا ينظر فيما لا يعنيه ولا ينفق إلا بقدر ما يستفيد (ترشدوا) تصيروا بإرشاده ذوي رشد (ولا تعصوه) بمخالفة رأيه (فتندموا) وهو حث على طلب رأي العاقل والعمل بما يرشد إليه (خط في وواة مالك عن أبي هريرة)(3) رمز المصنف لضعفه وقال الشارح أخرجه بسند واه.

970 -

"استرقوا لها؛ فإن بها النظرة (ق) عن أم سلمة"(صح).

(1) أورده الجرجاني في التعريضات (1/ 197).

(2)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (547) والبيهقي في الشعب (4662) والمزي في تهذيب الكمال (22/ 567) في ترجمة عياض بن خليفة وانظر فتح الباري (1/ 129).

(3)

أخرجه الخطيب في رواة مالك كما في الكنز (7180) والمداوي للغماري (1/ 523) رقم (975)، والقضاعي في الشهاب (722)، ورواه الحارث كما في المطالب (12/ 106) رقم (2778) وذكره ابن عراق في تنزيه الشريعة (1/ 215) رقم (15). وقال الألباني في ضعيف الجامع (807) والسلسلة الضعيفة (617): موضوعٌ في إسناده سليمان بن عيسى بن نجيح قال الجوزجاني كذاب مصرح وقال أبو حاتم كذاب وقال ابن عدي يضع الحديث، ثم ساق له الذهبي بلايا ومنها هذا الحديث وقال غير صحيح. انظر ميزان الاعتدال (3/ 308).

ص: 319

(استرقوا لها فإن بها النظرة) أصله عن أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سعفة فذكره، أمر بالاسترقاء قال الفراء: والسعفة نظرة من الجن يقول بها عين أصابتها من نظر الجن أنفذ من أسنة الرماح وفي النهاية (1): هو بسكون العين قروح تخرج من رأس الصبي، وقيل: هو مرض يسمى داء الثعلب سقط منه الشعر انتهى. ولا يخفى أنه لا يوافق قوله أن بها النظرة إلا أن يقال إن سقوطه أخطر من النظرة والمراد الاسترقاء بالتعوذات التي أنزلها الله في كتابه الكريم (ق عن أم سلمة)(2).

971 -

"استشفوا بما حمد الله تعالى به نفسه قبل أن يحمده خلقه، وبما مدح الله تعالى به نفسه "الحمد لله"، و"قل هو الله أحد" فمن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله ابن قانع عن رجاء الغنوي"(ض).

(استشفوا) اطلبوا الشفاء (بما حمد الله به نفسه) ويأتي بيانه (قبل أن يحمده خلقه) أي قبل إيجادهم (وبما مدح الله به نفسه) والفرق بين الحمد والمدح معروف وكأنه قيل بماذا حمد نفسه ومدحها فقال (الحمد لله) أي إلى آخر السورة ويحتمل أن يراد هذا اللفظ بخصوصه إلا أن قرانه بقوله (قل هو الله أحد) يرشد إلى أن المراد الأول وهو لف ونشر إذ بالأولى حمد نفسه والثانية مدحها (فمن لم يشفه القرآن) يحتمل أن المراد به ما ذكر من السورتين عبر عنهما به لأنهما منه ويحتمل أنه أراد به أعم من ذلك كما يناسبه حديث علي رضي الله عنه عند ابن ماجه (3): الدواء القرآن وقوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] على أن من للتبيين لا للتبعيض وهو أصح القولين فيها ولا شك أن

(1) النهاية (2/ 368)، وقال الأزهري في تهذيب اللغة (1/ 187): المسفوعة من النساء التي أصابتها سفعة وهي العين وقال: هذا هو أحسن شيء في تفسيره وهو مما رواه عن أبي عبيد عن الأموي.

(2)

أخرجه البخاري (5739) ومسلم (2197).

(3)

ابن ماجه (3533).

ص: 320

بعض الكلام له منافع وخواص [1/ 275] فما الظن بكلام رب العالمين الذي فضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه.

قال ابن القيم (1): إذا ثبت أن لبعض الكلام خواص ومنافع فما الظن بكلام رب العالمين ثم بالفاتحة التي لم ينزل في القرآن ولا غيره من الكتب مثلها لتضمنها معاني الكتاب ثم قال: ولقد نزل بي وقت بمكة سقمت فيه وفقدت فيه الأطباء والدواء فكنت أتعالج بالفاتحة آخذ شربةً من زمزم وأقرأ عليها مراراً ثم أشرب فوجدت لذلك البرء التام ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع فأنتفع به غاية الانتفاع ثم قال: وقد ثبت في الصحيحين (2): رقية الصحابة للديغ بالفاتحة وبرؤه من ساعته وأخذهم على ذلك قطيعًا من الغنم وقوله صلى الله عليه وسلم لما أخبروه: "قد أصبتم"، إلا أن الاستشفاء بهذه الرقى والتعوذات كما قال ابن القيم أيضاً تحتاج إلى قلب صادق ويقين خالص وما هي إلا كالسيف الباتر في يد الضارب فإن وجد ضارباً قوياً خبيراً بموقع الضرب ظهر أثره وإلا لم يفده فالخلل إذا لم يفد ليس من السيف بل من الضارب كذلك هذه الرقى النبوية الإلهية تنفع من طلب الشفاء بها فالخلل في اعتقاده لا فيها نفسها وقوله (فلا شفاه الله) يرشد إلى ذلك وأنه يريد لم يره شافيا ولا عده نافعاً فلا يحصل له الشفاء فاستحق أن يعاقب بالدعاء عليه لأنه لعدم اعتقاده للشفاء صار حقيقاً بالعقوبة جديراً بالدعاء عليه (ابن قانع عن رجاء)(3) بفتح الراء فجيم فألف

(1) زاد المعاد (4/ 178).

(2)

البخاري (2156)، ومسلم (2201).

(3)

أورده الخلال في فضائل سورة الإخلاص (33) وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 215) رقم (244)، وأبو نعيم في المعرفة (2/ 1127) رقم (2831) قال المناوي (1/ 491): أشار الذهبي في تاريخ الصحابة إلى عدم صحة هذا الخبر فقال في ترجمة رجاء هذا: له صحبة نزل البصرة وله حديث لا يصح في فضائل القرآن. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (810) والسلسلة الضعيفة (152) وقال في السلسلة الضعيفة (152) ضعيف جداً. في إسناده أحمد بن الحارث الغساني قال =

ص: 321

مقصورة (الغنوي) بفتح المعجمة فنون نسبه إلى غنية اسم قبيلة ورمز المصنف لضعفه قال الذهبي في تاريخ الصحابة رجاء هذا له صحبة نزل البصرة وله حديث لا يصح في فضل القرآن قال الشارح: يشير إلى هذا الحديث (1).

972 -

"استعتبوا الخيل تعتب (عد) وابن عساكر عن أبي أمامة".

(استعتبوا) بالمثناة بعد المهملة بعدها مهملة من العتبى يقال اعتبني فلان إذا عاد إلى مرضاتي واستعتب: طلب أن يرضى عنه والعتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة بالموحدة ولفظ استعتبوا هنا يحتمل أنه بمعنى عاتبوا (الخيل) كما في الحديث الآخر عاتبوا الخيل فإنها (تعتب) قال في النهاية (2): أي أدبوها وروضوها للحرب والركوب فإنها تتأدب وتقبل العتاب ويحتمل أنه على بابه والسين للطلب أي اطلبوا منها أن يرضنكم وذلك بأن تأدبوها وتروضوها حتى يقبل عنكم ويرضنكم حتى يطلبون ذلك منها، فهو كناية عن تأديبها ورياضتها وهو أبلغ من الأمر بها وعرفت معنى قوله (تعتب) (عد وابن عساكر عن أبي أمامة) (3) سكت عليه المصنف وقال الشارح: إن إسناده ضعيف.

973 -

"استعد للموت قبل نزول الموت (طب ك هب) عن طارق المحاربي (صح) ".

(استعد للموت) جدد العدة للقائه بالعمل الصالح فلا عدة يدفع بها كربته

= البخاري فيه نظر، قال أبو حاتم متروك الحديث، وقال العقيلي له مناكير لا يتابع عليه. انظر التاريخ الكبير (2/ 2) والميزان (1/ 222) وضعفاء العقيلي (1/ 125).

(1)

انظر: تجريد أسماء الصحابة للذهبي (1/ 182 رقم 1885)، والإصابة (2/ 479).

(2)

النهاية (3/ 175).

(3)

أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 288) وابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 90) وفي إسناده محمَّد بن إبراهيم بن العلاء كان يسرق الأحاديث كما قال ابن عدي وأبو أحمد الحاكم في الكنى (2/ 203) رقم (648) وأورده العراقي في ذيل الميزان (8/ 21) ترجمة (41)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (811) والسلسلة الضعيفة (2755): موضوعٌ.

ص: 322

وتذهب بها شدائده مثله (قبل نزول الموت) وضع الظاهر موضع المضمر للتهويل وأمر بالاستعداد قبل نزوله لأنه إذا نزل {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158] فإن نزوله كخروج بعض آيات ربك في أنه لا نفع للتوبة عند الغرغرة (طب ك هب (1) عن طارق المحاربي) (2) بضم الميم وحاء مهملة ثم موحدة وياء النسبة ورمز المصنف لصحته [1/ 276].

974 -

"استعن بيمينك (ت) عن أبي هريرة، الحكيم عن ابن عباس"(ض).

(استعن بيمينك) أي على حفظ العلم كما يقيده سببه وهو أنه شكى إليه صلى الله عليه وسلم رجل أنه سمع الحديث فيعجبه ولا يحفظه فقال له صلى الله عليه وسلم استعن، وفيه الأمر بالكتابة للعلم (ت عن أبي هريرة، الحكيم عن ابن عباس)(3) رمز المصنف لضعفه.

975 -

"استعيذوا بالله من طمع يهدي إلى طبع، ومن طمع يهدي إلى غير مطمع، ومن طمع حيث لا مطمع (حم طب ك) عن معاذ بن جبل (صح) ".

(استعيذوا) بالذال المعجمة من الإعاذة وهي إلجأ (بالله من طمع) هو الحرص على الشيء يقال: طمع يطمع طمعا وطمعًا وطماعة وطماعية وقيل: الطمع تعلق البال بالشيء من غير تقدم سبب له، وقيل: ترويج النفس إلى الشيء

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/ 314) رقم (8174) والحاكم (4/ 312) والبيهقي في الشعب (10551) وقال الهيثمي في المجمع (10/ 309): فيه إسحاق بن ناصح قال أحمد: كان من أكذب الناس.

(2)

انظر الإصابة (3/ 511).

(3)

أخرجه الترمذي (2666) وابن عدي في الكامل (3/ 59) عن أبي هريرة، وقال الترمذي: هذا حديث ليس بذلك القائم وسمعت محمَّد بن إسماعيل يقول: الخليل بن مرة منكر الحديث، وانظر العلل لابن أبي حاتم وقد قال: هذا حديث منكر (2/ 339). وأخرجه الحكيم في نوادر الأصول (1/ 174) عن ابن عباس.

ص: 323

شهوة له، وقيل: الطمع ذل ينشأ من الحرص والبطالة والجهل لحكمة الباري (يهدي) استعمال يهدى استعارة تهكمية (إلى طبع) بفتح الموحدة في النهاية (1) إلى عيب وشين واستعيذوا (من طمع يهدي إلى غير مطمع) إلى شيء لا يطمع فيه لحقارته واستعيذوا بالله (من طمع حيث لا مطمع) فيطمع فيما ليس فيه مطمع أصلاً بخلاف الأول ففيه شيء حقير إلا أنه لا يطمع فيه، والحديث زجر عن الطمع وأنه يفزع في العياذ منه إلى الرب تعالى لأنه داء أصله حب الدنيا وفي كلام النهج: إرزاء بنفسك من استنفر الطمع وفي كلام الحكماء مصرع العقول تحت بروق الأطماع ويأتي أن الصفاء الزلزال الذي لا تثبت عليه أقدام العلماء الطمع ويقال العبيد ثلاثة: عبد رق وعبد شهوة وعبد طمع (حم طب ك عن معاذ بن جبل)(2) ورمز المصنف لصحته قال الحاكم: مستقيم الإسناد وأقره الذهبي لكن قال الهيثمي: في رواية أحمد والطبراني عبد الله الأسلمي ضعيف.

976 -

"استعيذوا بالله من شر جار المقام؛ فإن جار المسافر إذا شاء أن يزايل زايل (ك) عن أبي هريرة (صح) ".

(استعيذوا بالله من شر جار المقام) بضم الميم وفتحها الإقامة (فإن جار المسافر إن شاء أن يزايل زايل) في النهاية (3) زايله زيالاً ومزايلة فارقة ويأتي حديث: "اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة فإن جار البادية يتحول" وتقدم "ادفنوا موتاكم بين قوم صالحين فإن الميت يتأذى بجار

(1) النهاية (3/ 112).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 232) والطبراني في الكبير (20/ 93) رقم (179) وكذلك البزار (7/ 105) رقم (2662)، والحاكم (1/ 533) في إسناده عبد الله بن عامر قال الذهبي في الميزان (4/ 130) ضعفه أحمد والنسائي والدارقطني وقال يحيى ليس بشيء وقال البخاري يتكلمون في حفظه وسئل عنه ابن المديني فقال ذاك عندنا ضعيف ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (815) والسلسلة الضعيفة (1373).

(3)

القاموس المحيط (1307).

ص: 324

السوء"، فيحتمل أن يراد هنا بدار المقامة القبور وبالمسافر دار الحياة فإن كلا مفارقها وعلى كل حال فالجاران يستعاذ من أن يكونا من أهل السوء بما يتفرع عنهما من ضرر من جاورهما (ك عن أبي هريرة)(1) رمز المصنف لصحته.

977 -

"استعيذوا بالله من العين؛ فإن العين حق (هـ ك) عن عائشة"(صح).

(استعيذوا بالله من العين) يأتي تحقيقها في حرف العين (فإن العين) إصابتها (حق) أمر ثابت لا باطل وتخيل كما قالت طائفة جهلت العقل والشرع فإنهم أنكروا أمر العين وقالوا: إن ذلك أوهام لا حقيقة لها قال بعض المحققين وهؤلاء من أجهل الناس بالعقل والسمع ومن أعظمهم حجاباً وأكثفهم طباعاً وأبعدهم عن معرفة الأرواح والنفوس وأفعالها وتأثيرها وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ولا ينكره واختلفوا في وجه تأثير العين فقالت طائفة: إن العاين إذا تكيفت نفسه بكيفية رديئة انبعثت في عينه قوة سمية تفصل بالعين فيتضرر قالوا: ولا ينكر هذا كما لا يستنكر انبعاث قوة سمية من الأفعى تتصل بالإنسان فتهلكه وهذا نوع قد اشتهر من نوع الأفاعي إذا وقع بصره على الإنسان فكذلك العين وقالت فرقة أخرى لا يستبعد أن ينبعث من عين بعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية تتصل بالمعين وتخلل مسام جسمه يتحصل بها الضرر.

وقالت فرقة أخرى: قد أجرى الله العادة بخلق ما يشاء من الضرر عند مقابلة عين العائن لمن يعينه من غير أن يكون ذلك منه بسبب ولا قوة ولا تأثير أصلاً وهذا أضعف الأقوال هذا وقد نسب التأثير إلى العين ليست هي الفاعلة وإنما التأثير للأرواح [1/ 277] ولكن لشدة ارتباطها بالعين نسب الفصل إليها

(1) أخرجه الحاكم (1/ 332) وقال: صحيح على شرط مسلم، وصححه الألباني في صحيح الجامع (940) والسلسلة الصحيحة (1443).

ص: 325

والأرواح مختلفة في طباعها وقواها وكيفياتها وخواصها والتأثير قد يكون تارة بالاتصال وتارة بالمقابلة وتارة بالرؤية وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه وتارة بالوهم والتخييل ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية بل قد تكون بأن يوسف الشيء للعائن فيؤثر فيه نفسه وإن لم يره وكثير من العائنين تؤثر عينه بالوصف دون رؤية فقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دفع شر العين بالاستعاذة وعلمهم كيفية الاستعاذة وألفاظها كثيرة قد اشتملت عليها كتب السنة وظاهر الحديث أنه يكفيه أن يقول أعوذ بالله من العين.

واعلم أن الاستعاذة بمنزلة الدرع على المعين فإن سهام العائن بمثابة السهام الحقيقية فإن وجد البدن حاليا والرجل غير مستعيذ يقذفه سهم نفسه الخبيثة وإن وجده خلاف ذلك لم يؤثر فيه والأصل في العين إعجاب العائن بالشيء ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة ويستعين في الأغلب لتنفيذ سهامها بالنظر إلى المعين، وقد يعين الرجل نفسه وقد يعين بغير اختياره وإرادته بل لطبعه وهذا أردى ما يكون من النوع الإنساني وقد ذهبت الحنابلة وغيرهم إلى أنه من عرف بذلك حبسه الإِمام وأجرى نفقته من بيت المال إلى أن يموت (5 ك عن عائشة)(1) رمز المصنف لصحته.

978 -

"استعيذوا بالله من الفقر والعيلة، ومن أن تظلموا أو تظلموا (طب) عن عبادة بن الصامت (ح) ".

(استعيذوا بالله من الفقر والعيلة) بفتح المهملة فمثناة تحتية هو الفقر أيضاً فهو عطف تفسير وذلك أن الفقر يذهل العبد عن دينه وكاد أن يكون كفراً، وأما معارضة الاستعاذة من الفقر بحديث:"اللهم أحيني مسكيناً .. " فيأتي الكلام

(1) أخرجه ابن ماجه (3508) قال البوصيري (4/ 70): هذا إسناد فيه مقال، والحاكم (4/ 215) وقال: صحيح على شرط الشيخين، وصححه الألباني في صحيح الجامع (938) والسلسلة الصحيحة (737).

ص: 326

عليه (ومن أن تظلموا) بفتح المثناة الفوقية تنزلوا الظلم بغيركم فتأثموا (أو تظلموا) بضم المثناة الفوقية مبني للمجهول بظلمكم الغير فتكونون مقهورين مذلولين والجامع في العطف التضاد لأن المظلومية من لازمها الذلة والانكسار والتهاب القلب من القهر ولذا عطفت على الفقر والظالمين من لازمها العتو والتجبر والكبرياء (طب عن عبادة بن الصامت)(1) رمز المصنف لحسنه.

979 -

"استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان؛ فإن كل ذي نعمة محسود (عق عد طب حل هب) عن معاذ بن جبل الخرائطي في اعتلال القلوب عن عمر (خط) عن ابن عباس، الخلعي في فوائده عن علي (ض) ".

(استعينوا على إنجاح الحوائج) قضائها (بالكتمان) بكسر الكاف مصدر كتمه كتما وكتماناً توصية منه صلى الله عليه وسلم بطي الحوائج التي يراد قضاؤها وعلله (فإن كل ذي نعمة محسود) فإن الحاسد إذا علم نجاح حاجة من يحسده سعى في عدم نجاحها ولا ينافيه الأمر بالاستشارة فإنه في ابتداء طلب الحاجة أو لأن المأمور بالكتمان منه من يظن أنه حاسد كما يرشد إليه التعليل (عق عد طب حل هب)(2) رمز المصنف لضعفه (3)(عن معاذ بن جبل الخرائطي) بفتح الخاء

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (مجمع الزوائد 10/ 143 مجمع) وقال الهيثمي: يحيى بن إسحاق بن يحيى بن عبادة لم يسمع من عبادة وقال المناوي (1/ 493): فيه انقطاع.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع (939) والسلسلة الصحيحة (1445).

(2)

أخرجه الخرائطي في اعتلال القلوب برقم (680) عن عمر بن الخطاب وبرقم (681) عن معاذ بن جبل الطبراني في الكبير (20/ 94) رقم (183) والبيهقي في الشعب (6655) وابن عدي في الكامل (2/ 360)(3/ 404) وابن حبان في المجروحين (1/ 322)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 108) عن معاذ بن جبل وأخرجه ابن أبي حاتم في العلل (5/ رقم 2258) من رواية خالد بن معدان وقال: قال أبي: هذا حديث منكر، كان سبب سعيد بن سلّام -بعد القضاء- ضَعْفِه: من هذا الحديث؛ لأن هذا حديث لا يُعرف له أصل. ومراده أن هذا الحديث كان سبب تضعيف العلماء لسعيد بن سلّام. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (1068)، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 195): وفيه سعيد بن سلام العطار قال العجلي: لا بأس به وكذبه أحمد وغيره، وبقية رجاله ثقات إلا أن خالد بن معدان لم يسمع من معاذ، وقال الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار (2/ 362): سألت أحمد بن حنبل ويحيى بن معين عن حديث: "استعينوا على طلب الحوائج بالكتمان" فقالا: هذا حديث موضوع وليس له أصل، ذكر ذلك ابن قدامة في المنتخب من العلل للخلال (ص 25). وأفاد المناوي في الفيض (1/ 493) أن البخاري قال: إن سعيداً يذكر بوضع الحديث وأن العراقي اقتصر على تضعيفه، انظر قول السخاوي في المقاصد (ص: 31). وصححه الألباني في صحيح الجامع (943) والسلسلة الصحيحة (453).

(3)

والجمهور على أنه موضوع.

ص: 327

المعجمة (في كتابه اعتلال القلوب عن عمر خط عن ابن عباس الخلعي) بكسر الخاء المعجمة وفتح اللام فعين مهملة هو الشيخ الفقيه القدوة مسند الديار المصرية القاضي أبو الحسن على ابن الحسن الموصلي المصري الشافعي صاحب الفوائد العشرين راوي السيرة النبوية ولد بمصر سنة 405 وسمع من عالم قال ابن سكرة هو فقيه له التصانيف ولي القضاء [1/ 278] بمصر وحكم يوماً واحداً واستعفى وانزوى بالقرافة قيل كان يبيع الخلع لملوك مصر وكان يعرف بقاضي الجن، أسند الذهبي في النبلاء (1) أنه كان يحكم بين الجن وأنهم أبطأوأ عنه قدر جمعة ثم أتوه وقالوا كان في بيتك أترج وإنا لا ندخل بيتاً فيه الأترج (في فوائده عن علي) وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات وساقه من كل طرقه هذه ثم حكم بوضعه وتعقبه المصنف بأن العراقي اقتصر على تضعيفه وحديث عمر ضعفوه أيضًا قال السخاوي: يستأنس له بحديث الطبراني: "إن لأهل النعمة حساد فاحذروهم"(2).

980 -

"استعينوا بطعام السحر على صيام النهار، وبالقيلولة على قيام الليل (هـ ك طب هب) عن ابن عباس (صح) ".

(1) انظر السير (19/ 76).

(2)

الطبراني في الأوسط (7277)، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 95): فيه إسماعيل بن عمرو البجلي وهو ضعيف وقد وثقه ابن حبان.

ص: 328

(استعينوا بطعام السحر) المراد به السحور وقد كثرت التوصية به وسماه الغذاء المبارك وحث عليه ولو بجرعة من ماء (على صيام النهار) أضافه إلى المفعول فيه أي صيامكم في النهار ويصح بقاؤه مفعولاً به (وبالقيلولة) هي الاسم من قال يقيل وتقدم أنها الاستراحة وإن لم يكن فيها نوم (على قيام الليل) فإنه شعار الأبرار فيطلب ما يعين عليه وقد أخبر صلى الله عليه وسلم: "أن الشيطان لا يقيل"، وبين هنا أن السحور والقيلولة ليسا مرادين لأنفسهما بل للإعانة على الصيام والقيام والإعانة على الطاعة مطلوب فالترويح على النفس بالمباح إذا أريد به التقوى على الطاعة يكون طاعة (5 ك طب هب عن ابن عباس)(1) رمز المصنف لصحته.

981 -

"استعينوا على الرزق بالصدقة (فر) عن عبد الله بن عمرو المزني (ض) ".

(استعينوا على الرزق) على بقائه واستدامته واستجلابه (بالصدقة) بإخراجها سواء كانت نفلاً أو فرضا والآيات والأحاديث في هذا بحر واسع ويأتي الكثير الطيب، وأسرار الصدقة وفوائدها كثيرة جداً إلا أنه صلى الله عليه وسلم اقتصر هنا على بعض فوائدها وهو الإعانة على الرزق وخصه لأنه أدعى للنفوس إلى إخراجها فإن الله تعالى جبل عبده على حب الخير {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8] والمراد به المال في الآية.

ومن أسرار الصدقة أنها تزيد في العمر، وفيها أنها تدفع ميتة السوء ومنها أنها

(1) أخرجه ابن ماجه (1693) قال البوصيري (2/ 70): هذا إسناد فيه زمعة بن صالح وهو ضعيف، والحاكم (1/ 425) وقال: زمعة بن صالح وسلمة بن دهرام ليسا بالمتروكين اللذين لا يحتج بهما، ولكن الشيخين لم يخرجاه وهذا في غرر الحديث في الباب، غرر الحديث أي عزيز الحديث. والطبراني في الكبير (11/ 245) رقم (11625) والبيهقي في الشعب (4742) وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: زمعة -بن صالح- وسلمة -بن وهرام- ليسا بالمتروكين. وقال ابن حجر: في سنده زمعة بن صالح وفيه ضعف، فتح الباري (11/ 70)، وانظر: البدر المنير (5/ 700)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (816) والسلسلة الضعيفة (2758).

ص: 329

تدفع غضب الرب، ومنها أنها تدفع سبعين نوعاً من البلاء أهونها الجذام والبرص وأنها تسد سبعين باباً من السوء ستأتي هذه في أحاديث متفرقة. وفي الحديث دليل على أنه يجوز إعطاء الصدقة طلباً لخير الدنيا وأنه لا ينافي القربة (فر عن عبد الله بن عمرو المزني)(1) رمز المصنف لضعفه لأن فيه محمَّد بن حسين الصوفي نسب إليه وضع الحديث ومحمد بن خالد المخزومي مجروح.

982 -

"استعينوا على النساء بالعري، فإن إحداهن إذا كثرت ثيابها وأحسنت زينتها أعجبها الخروج (عد) عن أنس (ض) ".

(استعينوا على النساء) على ما تريدون من حشمتهن ولزومهن البيوت (بالعري) بضم المهملة خلافاً اللُّبْس يقال عَرِيَ كرَضِيَ عُرْياً كما في القاموس (2) وفي قوله (فإن إحداهم إذا كثرت ثيابها) ما يدل على أنه أريد بالعري تقليل الثياب لا سيما ثياب الزينة كما يرشد إليه (وأحسنت زينتها) فلا يرد أنه كيف يؤمرن بعريهن وقد ثبت الأمر بكسوتهن (أعجبها الخروج) وهو غير مراد فيهن ولذا لم يوجب عليهن جمعة ولا جماعة كما قال تعالى: {وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] وهذا الأمر من باب سد الذرائع والإخبار بعدم إرادة خروج النساء من البيوت فإنهن لا يكسبن من الخروج إلا الشر ويأتي حديث: "أعرو النساء يلزمن الحجال"(3)(عد عن أنس)(4) رمز المصنف لضعفه وأورده ابن الجوزي

(1) أخرجه الديلمي في الفردوس (4254). وكما في الكنز (15961)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (818)، والسلسلة الضعيفة (2754) في إسناده محمَّد بن خالد المخزومي قال ابن الجوزي مجروح. انظر الميزان (6/ 131).

(2)

القاموس المحيط (ص 1690).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 1063).

(4)

أخرجه ابن عدي في الكامل (1/ 312) في ترجمة إسماعيل بن عباد السعدي وقال: هذا الحديث بهذا الإسناد منكر، والطبراني في الأوسط (8278)، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 138): رواه الطبراني عن شيخه موسى بن زكريا وهو ضعيف، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (1298)،=

ص: 330

في الموضوعات [1/ 279] وتعقبه المصنف بأن له شاهداً عند الطبراني في الأوسط قال الهيثمي: وهو ضعيف.

983 -

"استغنوا بغناء الله (عد) عن أبي هريرة (ض) ".

(استغنوا بغناء الله) الظاهر أن استفعل بمعنى فاعل مثل قر واستقر والمراد: اغنوا لأن الله غني فغنى الله مصدر أضيف إلى فاعله غير مراد له مفعول والمعنى أن كون الله غنيا سبب في غنائكم عمن سواه وذلك لأنه مولاكم والقائم بأرواحكم وإذا كان مولى العبد غنيا فالعبد غني بغنى مولاه، ويحتمل أن المراد بغنى الله إياكم أي بما أغناكم وأعطاكم من رزقه تكونون به أغنياء من خلقه والحديث حث على العفة عن الناس (عد عن أبي هريرة)(1) رمز المصنف لضعفه.

984 -

"استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك البزار (طب هب) عن ابن عباس (ض) ".

(استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك) بالموحدة فسين معجمة وصاد مهملة بزنة فلس في النهاية (2): بغسالته وقيل ما بقيت منه عند السواك وفيه الأمر بالغناء عن الناس ولو بأحقر حقير وأقل قليل إذ المراد ولو كان الاستغناء بهذا اليسير حيث لا يجدون غيره (البزار طب (3) هب عن ابن عباس) رمز المصنف لضعفه.

= وقال الألباني في ضعيف الجامع (819) والسلسلة الضعيفة (2022): ضعيف جدًّا. في إسناده إسماعيل بن عباد السعدي قال الدارقطني متروك، وقال ابن حبان لا به بحال. اللسان (1/ 412) والمجروحين (1/ 123). وفيه موسى بن زكريا تكلم فيه الدارقطني وحكى الحاكم عن الدارقطنىِ أنه متروك. المغني (6491) وانظر كذلك اللآلي المصنوعة للسيوطي (2/ 181).

(1)

أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 248) في ترجمة: سليمان بن عمرو بن عبد الله بن وهب أبو داود النخعي، وهو كذاب كما قال أحمد. وقال يحيى كان أكذب الناس وقال البخاري متروك. انظر الميزان (3/ 307) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (823) والسلسلة الضعيفة (2662).

(2)

النهاية (2/ 509).

(3)

أخرجه البزار كما في كشف الأستار (1/ 432) رقم (913)، والطبراني في الكبير (11/ 444) رقم=

ص: 331

985 -

"استفت نفسك وإن أفتاك المفتون (تخ) عن وابصة".

(استفت نفسك) تقدم الكلام عليه وفيه دليل على أنه تعالى جعل للعبد زاجراً من نفسه وجعله حجة عليه (وان أفتاك المفتون) بخلاف ما حاك في نفسك فلا تعمل بفتواهم ويؤخذ منه أن الكافر مكاثر لنفسه كما قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} [النمل: 14]{أَفِي الله شَكٌّ} [إبراهيم: 10] {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ] [الإسراء: 102](تخ (1) عن وابصة) بفتح الواو وبعده ألف فموحدة مكسورة فصاد مهملة هو ابن معبد بكسر الميم وسكون العين المهملة صحابي (2).

986 -

"استفرهوا ضحاياكم؛ فإنها مطاياكم على الصراط (فر) عن أبي هريرة".

(استفرهوا) من فره ككرم إذا حذق (ضحاياكم) جمع ضحية معروف والمراد من استفراهها هنا أن تكون ناشطة قوية غير هزيلة ولا مريضة ولا معيبة (فإنها مطاياكم على الصراط) المطية ما يمتطى من الإبل وهي التي تنطوى في سيرها أي تجد فيه أي فكما أن خير مراكبكم في الدنيا الفاره اتخذوا مطايا الصراط فارهه وفيه دلالة واضحة على حشر الحيوانات كما يشهد له {إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ

= (12257) والبيهقي في الشعب (3527) وقال المنذري (1/ 331): رواه البزار والطبراني بإسناد جيد والبيهقي وقال الهيثمي (3/ 49): رواه البزار والطبراني في الكبير ورجاله ثقات. وقال الحافظ العراقي: إسناده صحيح وقال السخاوي في المقاصد الحسنة (ص: 31): رجال هذا الخبر ثقات، انظر: فيض القدير (1/ 495)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (947) والسلسلة الصحيحة (1450).

(1)

أخرجه البخاري في التاريخ عن وابصة بن معبد (1/ 144) وفي إسناده أيوب بن عبد الله بن مكرر قال ابن عدي: لا يتابع على حديثه كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 175) قال النووي في رياض الصالحين: إسناده حسن. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (948).

(2)

الإصابة (6/ 590).

ص: 332

مَا فَرَّطْنَا في الْكِتَاب مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهمْ يُحْشَرُونَ} [االأنعام: 38]{وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير: 5] وأما ما روي عن ابن عباس: أن حشرها موتها، فالله أعلم بصحته وإن صح أول، وأما هل تحمل الضحية أهل البيت الذين ذبحت عنهم أو هل يحملون على ضحية كل عام أو على ما يريده الله فلم يأت به بيان نبوي ولا يعرف إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم وفيه أي دلالة على أن الصراط ممر وطريق وقد وردت صفته في حديث أبي هريرة أنه "جسر أدق من الشعر وأحد من السيف" (1) وهو مذهب أكثر الأئمة والأمة أعنى القول به (فر عن أبي هريرة) (2) سكت عليه المصنف قال في الدرر: فيه يحيى بن عبد الله ضعيف وقال السخاوي: يحيى ضعيف جداً وقال ابن العربي: ليس في فضل الأضحية حديث صحيح.

987 -

"استقم، وليحسن خلقك للناس (طب ك هب) عن ابن عمرو (صح) ".

(استقم) مأخوذ من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: 30] وقد فسر السلف الاستقامة بأنها الثبوت على الإقرار والإتيان بمقتضياته وفسروه بإخلاص العمل وفسروه بأداء الفرائض وفي حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قلت: يا رسول الله أخبرني بأمر أعتصم به قال: قل ربي الله ثم استقم (3)(وليحسن خلقك للناس)[1/ 280] هذا في معاملة العباد كما أن

(1) أخرجه أحمد (6/ 110)، وابن حبان في صحيحه (7377).

(2)

أخرجه الديلمي في الفردوس (267) وانظر الدرر المنتثرة (ص 66 رقم 83) والرافعي في التدوين (3/ 219) من طريق القاضي عبد الجبار، وقال العجلوني في كشف الخفاء (1/ 133): رواه الديلمي بسند ضعيف جداً عن أبي هريرة.

وقول ابن العربي في شرحه للترمذي وذكر هذا الحديث (6/ 288) ط. دار إحياء. والتلخيص الحبير (4/ 138) وقول السخاوي في المقاصد الحسنة (ص: 32).

وقال الألباني في ضعيف الجامع (824) والسلسلة الضعيفة (2687): ضعيف جدًّا في إسناده يحيى بن عبيد الله قال الحافظ في التقريب (7599) متروك وأفحش الحاكم فرماه بالوضع.

(3)

أخرجه الترمذي (2410)، والنسائي (6/ 458)، وابن ماجه (3972).

ص: 333

الأول في معاملة الرب تعالى فلا بد في الاستقامة من المعاملتين (طب ك هب عن ابن عمر)(1) رمز المصنف لصحته.

988 -

"استقيموا، ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن (حم هـ ك هق) عن ثوبان (هـ طب) عن ابن عمرو (طب) عن سلمة بن الأكوع (صح) ".

(استقيموا ولن تحصوا) بحاء مهملة ثم صاد مهملة أي تحيطوا نظير {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ومن باب سددوا وقاربوا، والمراد استقيموا في كل شيء أو أوجدوا إلى الاستقامة الكاملة ولا يتم ذلك لكم لأنكم جبلتم على جبلة لا يتم بها ذلك (واعلموا) الأمر بهذه الصيغة لا يأتي إلا إذا كان بعده أمر عظيم له شأن يستدعى به طلب الإصغاء من المخاطب كما جاء في القرآن {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ} [محمد: 19] ونحوها وقد وقع هنا بعد قوله (أن خير أعمالكم الصلاة) وهو عام لفرضها ونفلها والآتي بها في أول الوقت وفي غيره وقد قدمنا أن حديث ابن مسعود الماضي في: أحب، مقيد بحديث أم فروة: أن أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها، فهذا أيضاً مقيد بحديث أم فروة ومخصص له بأن المراد الفريضة فلا تعارض بين الأحاديث وفي هذه الأحاديث دلالة على أن الصلاة أفضل الأعمال قال المصنف رحمه الله في المرقاة حاشية السنن:(2) قال الشيخ ولي الدين أي في حديث السنن (3) سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة لأول وقتها" ما لفظه: أفضل

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (20/ 39) رقم (58) والحاكم في المستدرك (1/ 54) والبيهقي في الشعب (8027، 8028) وقال الحاكم: هذا حديثٌ صحيح الإسناد ومن رواية البصريين ولم يخرجاه. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (915) والسلسلة الصحيحة (1228).

(2)

انظر مرقاة الصعود للسيوطي بتحقيقنا، وسيطبع قريباً إن شاء الله.

(3)

انظر: سنن أبي داود (426).

ص: 334

الأعمال الصلاة، صرح به أكثر أصحابنا الشافعية لكنهم قيدوه بالأعمال البدنية للاحتراز عن القلبية إن كان اسم الأعمال يتناولها فإن منها الإيمان وهو أفضل الأعمال بلا شك، وروى الدارقطني (1) في سننه عن الضحاك بن عثمان عن القاسم بن غنام عن امرأة من المبايعات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الإيمان أفضل؟ قال:"الإيمان بالله وبرسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "جهاد في سبيل الله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور" وأجاب بعضهم عن اختلاف الأحاديث في ذلك أنها تختلف باختلاف السائلين ومن هو في مثل حالهم فمن الناس من تكون الصلاة في حقه أفضل ومنهم من يكون الصيام في حقه أفضل ومنهم من يكون الجهاد في حقه أفضل ومنهم من يكون الذكر في حقه أفضل وكذلك سائر الأعمال وقد تحمل الأعمال المسئول عنها في هذا الحديث على الصلاة ويكون المراد أي أنواع الصلاة أفضل؟ فأجيب بأن أفضلها الصلاة التي تقع في أول وقتها فلا يكون فيه تفضيل الصلاة على غيرها من الأعمال مطلقاً ويؤيده أن ابن أبي شيبة روى هذا الحديث يريد حديث السنن في مصنفه بلفظ: أي الصلاة أفضل؟ وقال البيهقي (2): في الشعب نقلاً عن الإِمام الشاشي أن القائل قد يقول: خير الأشياء كذا لا يريد تفضيله في نفسه على جميع الأشياء ولكن على أنه خيرها في حال دون حال ولواحد دون الآخر كما قد يتضرر واحد بكلام في غير موضعه فيقول: ما شيء أفضل من السكوت أي حيث لا يحتاج إلى الكلام ثم إنه قد يتضرر بالسكوت مرة أخرى فيقول: لا شيء أفضل للمؤمن من أن يتكلم بما يعرفه فيجوز هذا الإطلاق كما جاز الأول ويقول القائل فلان أفضل الناس وأعقلهم يريد أنه من أفضلهم وأعقلهم وروى "خيركم خيركم لأهله"(3) فلم

(1) أخرجه الدارقطني في السنن (1/ 247).

(2)

شعب الإيمان (4/ 10).

(3)

أخرجه الترمذي (3895)، وابن ماجة (1977).

ص: 335

يكن ذلك على معنى أنه من أحسن معاملة أهله [1/ 281] فهو أفضل الناس وإنما هو كلام عربي يطلق على الحال والوقت انتهى بتلخيص غير مخل.

قلت: ولا يخلو كلام الشاشي عن تأمل وأما حديث الشيخين عن ابن مسعود بلفظ أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله (1) فإنه دال على أنها أحبية مطلقة للصلاة على ما سواها من الأعمال لا كما قال ذلك البعض من أن المراد بالأعمال أنواع الصلاة، والأحبية بمعنى أكثرها محبوبية له لا أنه للأفضلية على أنه قد روي بلفظ:"أفضل الأعمال".

وأجاب ذلك البعض عن هذا وقال: قوله ثم ماذا تخرج على أنه لم يرد بحرف ثم الترتيب وإنما قيل ثم على معنى ثم ما الذي يحل محله ويحافظ عليه، وقد قال الله تعالى:{فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ في يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد: 13 - 17] ولم يكن ذلك على معنى تأخير الإيمان عن الإطعام وإنما كان على معنى أنه فكاك أو إطعام وكان مع ذلك من المؤمنين الذين هم أهل الصبر وأهل المرحمة.

قلت: ولا يخفى ما فيه من تكلف والأولى ما قدمناه في: أحب، في أول الشرح من أن الصلاة في وقتها أفضل الأعمال على الإطلاق ما عدا الإيمان فإنه معلوم أنه لم يرده السائل فإنه إنما سأل عن أفضل أعمال الإيمان لأنه الأفضل وهذه فروعه ولا أراد المجيب صلى الله عليه وسلم إلا ذلك وتصريحه في بعض الأجوبة بالإيمان ليفاد أنه أفضل الأعمال كلها وأفاده لذلك، وإن كان السائل ما يريده من باب الأسلوب الحكيم وبعد الصلاة في الأفضلية بالنسبة إلى معاملة العباد: بر الوالدين وبعده بالنظر إلى نكاية الأعداء: الجهاد كما في حديث ابن مسعود فثم

(1) أخرجه البخاري (7096)، ومسلم (85).

ص: 336

على بابها، والأحاديث الواردة في الصلاة قاضية بأن لها الفضيلة على الأعمال كلها واللام في الأعمال للاستغراق (ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) وإنما خص الوضوء لأنه خفي يقل مشاهدة فاعله فلا يداوم عليه إلا من له تصديق بالله ورسوله بخلاف الصلاة فإنه قد يحافظ عليها المنافق تظهيرا للإيمان ليعدّ من أهله فيصان ماله ودمه وينال من فيء المسلمين (حم 5 ك هق عن ثوبان)(1) رمز المصنف لصحته (5 طب عن ابن عمرو طب عن سلمة ابن الأكوع).

989 -

"استقيموا ونعمَّا إن استقمتم، وخير أعمالكم الصلاة ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن (هـ) عن أبي أمامة (طب) عن عبادة بن الصامت (صح) ".

(استقيموا ونعمَّا) بتشديد الميم أصلها نعم فأدغم وهي كلمة مدح كأنه قيل ونعم شيئًا (إن استقمتم وخير أعمالكم الصلاة) كأنه عين أعظم أنواع الاستقامة (ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) تقدم ويحتمل أن يراد بالمحافظة البقاء على الوضوء في دائم أحواله أو غالبها (هـ عن أبي أمامة) رمز المصنف لصحته (طب عن عبادة بن الصامت)(2).

990 -

"استقيموا لقريش ما استقاموا لكم، فإن لم يستقيموا لكم فضعوا سيوفكم على عواتقكم ثم أبيدوا خضراءهم (حم) عن ثوبان (طب) عن النعمان

(1) أخرجه أحمد (5/ 277) وابن ماجه (277) والحاكم في المستدرك (1/ 130) والبيهقي في السنن (1/ 82) من رواية ثوبان وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، قال الذهبي في التلخيص: على شرطهما ولا علة له سوى وهم أبي بلال الأشعري، وأخرجه ابن ماجه (278) عن ابن عمرو. والطبراني في الكبير (7/ 25) رقم (6270) عن سلمة بن الأكوع وصححه الألباني في صحيح الجامع (952) والإرواء (412).

(2)

أخرجه ابن ماجه (279) قال البوصيري (1/ 42): هذا إسناد ضعيف لضعف تابعيه، والطبراني في المعجم الكبير (8/ 293) رقم (8124) عن أبي أمامة وصححه الألباني في صحيح الجامع (953).

ص: 337

بن بشير (ح) ".

(استقيموا لقريش) أي لأمراء المسلمين منهم فالمراد بقريش الأئمة الذين أخبر صلى الله عليه وسلم أنهم من قريش وإن هذا الأمر لا يزال في قريش فهو أمر بطاعة الأمراء منهم مقيد بقوله (ما استقاموا لكم) أي مهما استقاموا لكم على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأقاموا الصلاة كما في أحاديث أخر وفي بعض منها ما لم يرو كفرا بواحاً وفي آخر منها: أعطوهم الحق ما رضوا به [1/ 282] فإذا تجاوزوا فمن قتل على ذلك فهو شهيد وكما يفيده قوله (فإن لم يستقيموا لكم) بل خالفوا طاعة الله وطاعة رسوله (فضعوا سيوفكم) أمر بالتشمير لحربهم (على عواتقكم ثم أبيدوا كبرائهم) في النهاية (1) دهماؤهم وسوادهم وهو أمر بقتالهم إذا أضاعوا حدود الله وتركوا الاستقامة، وقد أوضحه حديث أنس عند ابن جرير: الأئمة من قريش ولهم عليكم حق ولكم عليهم مثل الذي لكم فإن عملوا بثلاث إن حكموا عدلوا وإن عاهدوا وفوا وإن استرحموا رحموا فمن لم يفعل ذلك فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (2)(حم عن ثوبان) رمز المصنف لحسنه (طب عن النعمان بن بشير)(3).

991 -

"استكثر من الناس من دعاء الخير لك، فإن العبد لا يدري على لسان من يستجاب له ويرحم (خط) في رواية مالك عن أبي هريرة (ض) ".

(استكثر من الناس من دعاء الخير لك) السين للطلب على ما هو أصلها أي

(1) النهاية (2/ 42).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 129)، والنسائي في الكبرى (5942)، والبيهقي في السنن (8/ 144).

(3)

أخرجه أحمد (5/ 277) عن النعمان بن بشير وقال المناوي (1/ 498): قال ابن حجر: رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعاً لأن سالم بن أبي الحسن لم يسمع من ثوبان، والطبراني في الصغير (201) وفي المعجم الكبير كما في مجمع الزوائد (5/ 228) وقال الهيثمي في المجمع (5/ 288): فيه من لم أعرفه، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (825) والسلسلة الضعيفة (1643).

ص: 338

أطلب الكثير من الناس من دعائهم وكلمة من الأولى ابتدائية والأخرى بيانية للمستكثر منه وفيه ندبية طلب الدعاء من العباد وقد علله بقوله (فإن العبد لا يدري على لسان من يستجاب له) فيسأل من كل ليوافق دعوة المجاب فإن الله أخفى وليه في عباده وقوله (أو يرحم) عطف على يستجاب وهو تخصيص بعد التعميم (خط في رواة مالك عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه (1).

992 -

"استكثروا من الباقيات الصالحات: التسبيح، والتهليل، والتحميد، والتكبير، و"لا حول ولا قوة إلا بالله" (حم حب ك) عن أبي سعيد (صح) ".

(استكثروا من الباقيات الصالحات) أي أكثروا أو اطلبوا من أنفسكم الإكثار واللام فيها يحتمل أنه للعهد وأنه أريد بها ما في قوله: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} [الكهف: 46] الآية إن قدر أن الآية متقدمة فقد فسرت بها ويحتمل أن اللام جنسية وأن هذا النوع من الباقيات الصالحات وكأنه قيل: وما هي يا رسول الله فقال (التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير) وقد بينها في غيره بأنها لفظ: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وتقدم أنها أحب الكلام إلى الله وأنها أفضل الكلام ويأتي في حديث أبي هريرة فضيلة كل واحدة من هذه الكلمات الأربع فإن الأولى نصف الميزان والثانية ملأ الميزان والثالثة ملئ السماوات والأرض والرابعة ليس دونها ستر ولا حجاب حتى تخلص إلى ربها (ولا حول ولا قوة إلا بالله) تقدم الكلام (حم هب ك عن أبي سعيد)(2) رمز المصنف

(1) أخرجه الخطيب في رواة مالك عن أبي هريرة كما في الكنز (3188) وأخرجه تمام في فوائده (1661). وذكره الألباني في كما في ضعيف الجامع (826) وقال: موضوع، وفي السلسلة الضعيفة (2763) وقال: باطل فيه نصير بن أبي عتبة البالسي الدقاق وعلي بن عيسى الغساني مجهولان كما قال الخطيب والذهبي في الميزان (5/ 179) ..

(2)

أخرجه أحمد (3/ 75) وابن حبان (840) والحاكم (1/ 512) والبيهقي في الشعب (605)، وفي إسناده دراج عن أبي الهيثم ضعيف كما قال الحافظ في التقريب (1824) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (828).

ص: 339

لصحته.

993 -

"استكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكباً ما دام منتعلا (حم تخ ن م ن) عن جابر (طب) عن عمران بن حصين (طس) عن ابن عمرو (صح) ".

(استكثروا من النعال) هو ما يقي الرجل معروف (فإن الرجل لا يزال راكبًا) كالراكب في وقاية أقدامه عن الأرض (ما دام منتعلاً) وفيه أن ذلك ليس من الرفاهية المرغب في خلافها لأن لبدن الإنسان عليه حقاً (حم تخ ن م عن جابر، طب عن عمران بن حصين، طس عن ابن عَمْرو)(1).

994 -

"استكثروا من "لا حول ولا قوة إلا بالله"؛ فإنها تدفع تسعة وتسعين بابًا من الضر، أدناها الهم (عق) عن جابر (ض) ".

(استكثروا من لا حول ولا قوة إلا بالله) أي من قولها في النهج: أنه سئل علي رضي الله عنه عن معناه فقال معناها أن لا نملك مع الله شيئاً ولا نملك إلا ما ملكنا فمتى ملكنا ما هو أملك كلفنا ومتى أخذه وضع عنا تكليفه قال شارح النهج: معنى هذا الكلام أنه جعل الحول عبارة عن الملكية والتصرف وجعل القوة عبارة عن التكليف كأنه يقول: لا ملك ولا تصرف إلا الله ولا تكليف لأمر من الأمور إلا بالله فنحن لا نملك مع الله شيئاً أي لا نستقل بأن نملك شيئاً لأنه لولا إقداره إيانا وخلقه لنا أحياء لم نكن مالكين ولا متصرفين فإذا ملكنا شيئاً هو أملك به أي أقدر عليه منا، صرنا مالكين له كالمال مثلاً حقيقة وكالعقل والجوارح والأعضاء مجازاً فحينئذ يكون مكلفا لنا أمراً يتعلق بما ملكنا إياه نحو أن يكلف الزكاة عند تمليك المال ويكلفنا الإيمان عند تملكنا [1/ 283] العقل ويكلفنا الجهاد والصلاة ونحو ذلك عند تمليكنا الجوارح والأعضاء وغير ذلك ومتى

(1) أخرجه أحمد (3/ 337) ومسلم (2096) والبخاري في التاريخ الكبير (4418) عن جابر والطبراني في المعجم الكبير (18/ 167) رقم (375) عن عمران بن حصين وفي الأوسط كما في المجمع (5/ 138) عن ابن عمرو.

ص: 340

أخذ الأعضاء والجوارح سقط التكليف بالجهاد وما يجري مجراه، وهذا تفسيره صلى الله عليه وسلم وأما غيره فقد فسره بشيء آخر، قال عبد الله بن جعفر بن محمَّد رضي الله عنه: لا حول على الطاعة ولا قوة على ترك المعاصي إلا بالله قال: والأولى في تفسير هذه اللفظة أن تحمل على ظاهرها وذاك أن الحول هو القوة والقوة هي الحول كلاهما مترادفان ولا ريب أن القوة من الله فهو الذي أقدر المؤمن على الإيمان والكافر على الكفر ولا يلزم من ذلك مخالفة قواعد العدل لأن القدرة ليست بموجبة.

فإن قلت: فأي فائدة في ذلك وقد علم كل أحد أن الله تعالى خلق القدر في جميع الحيوانات.

قلت: الأصل أن يراد بذلك الرد على من أثبت ثانياً غير الله كالمجوس واليهودية فإنهم قالوا بإلهين إحداهما يخلق قدرة الخير والآخر يخلق قدرة الشر انتهى.

وقدمنا كلامًا في ذلك شافيًا (فإنَّها) تعليل للأمر بالاستكثار من هذه الكلمات (تدفع تسعة وتسعين بابًا من التفسير أدناها الهم) فيه التداوي بالأذكار لدفع الأكدار في هذه الدار (عق عن جابر) رمز المصنف لضعفه (1).

995 -

"استكثروا من الإخوان، فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة ابن النجار في تاريخه عن أنس (ض) ".

(استكثروا من الإخوان) هذه أخوة خاصة هي أخوة التصاحب والتصادق والاتصال كما يشهد له حديث أنس عند الديلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا

(1) أخرجه العقيلي في الضعفاء (1/ 167) عن جابر وقال الذهبي في الميزان (2/ 70) والحافظ في اللسان (2/ 63) في ترجمة بلهط بن عباد لا يعرف والخبر منكر. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (829) وقال في السلسلة الضعيفة (2753): منكر.

ص: 341

أنس كثر من الأصدقاء فإنكم شفعاء بعضكم في بعض" (1) لا أخوة الإيمان العامة المرادة من قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة} [الحجرات: 10] وفي قوله: "المؤمن أخو المؤمن" (2). (فإن لكل مؤمن) لم يقل أخ كما يقتضيه السياق إشارة إلى أن المراد بالأخ المأمور باتخاذه هو المؤمن فإنه الذي له حظ الشفاعة للغير لا لغيره وقد قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67] (شفاعةً يوم القيامة) وفيه أنه إنما يشفع المؤمن لمن يعرفه في دار الدنيا ويواخيه ويحتمل أنه يشفع لمن لا يعرفه إلا أن شفاعته لمن يعرفه أكثر، وفيه إثبات الشفاعة لكل فرد من أهل الإيمان وفيه أن المعارف في الدنيا سبب لإسداء العوارف في الآخرة ونظيره ما تقدم من حديث السبط رضي الله عنه: "اتخذوا عند الفقراء أيادي فإن لهم دولة يوم القيامة" (3). وهؤلاء هم الإخوان الذين أرادهم علي أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان وأعجز منه من ضَيَّع من ظفر به منهم ومن الشعر المنسوب إليه:

إن أخاك الصدق من كان معك

ومن يضر نفسه لينفعك

ومن إذا ريب الزمان صدعك

شتت فيه شمله ليجمعك (4)

(ابن النجار في تاريخه عن أنس) رمز المصنف لضعفه (5).

(1) أخرجه الديلمي في الفردوس (8450).

(2)

أخرجه مسلم (1414)، وأبو داود (4918).

(3)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 297)، وقال العجلوني في كشف الخفاء (37/ 1): سنده ضعيف وقال ابن حجر: لا أصل له.

(4)

أورده ابن عساكر في تاريخه (23/ 326) وقيل: إنه من شعر علي بن أبي طالب.

(5)

أخرجه ابن النجار كما في الكنز (24642) وقال الغماري في المداوي (1/ 542): باطل موضوع، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (827).

ص: 342

996 -

"استمتعوا من هذا البيت، فإنه قد هدم مرتين، ويرفع في الثالثة (طب ك) عن ابن عمر (صح) ".

(استمتعوا من هذا البيت) تمتعوا منه ولفظ البيت من الغوالب غلب على بيت الله الحرام والمتاع كل ما ينتفع به من عروض الدنيا قليلها وكثيرها قاله في النهاية (1)، والمراد هنا انتفعوا به وبفضائله التي جعلها الله فيه وبركاته من أجور العاكف فيه والطائف به والوافد إليه (فإنه قد هدم مرتين) قال السهيلي:[1/ 284] إنه بني في الدهر خمس مرات: الأولى: آدم وشيث، والثانية: إبراهيم وإسماعيل على القواعد الأولى، والثالثة: قريش، والرابعة: ابن الزبير هدمها حين احترقت بشرر طار إليها من جبل أبي قبيس فوقعت في أستارها فاحترقت فهدمها وبناها على قواعد إبراهيم فلما ملك عبد الملك هدم بناء الزبير وأعادها على ما كانت عليه في عهده صلى الله عليه وسلم وقيل: بنيت عشر مرَّات والله أعلم إلى أيِّها يشير صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه أراد بقوله فقد هدمت أنها ستهدم من باب ونفخ في الصور، وأنه أراد هدم ابن الزبير وهدم عبد الملك والثالثة ما أفاده بقوله:(ويرفع في الثالثة) أن ثمة ثالثة تهدم فيها وترفع فيحتمل أنه عند أن يهدمها ذو السويقتين الحبشي فقد ثبت عند أبي داود (2) وغيره أنه يهدم الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ويسلبها حليها. قال الحليمي: أن ذلك يكون في زمان عيسى عليه السلام، ورفعها يراد به رفع بركتها وما ينال عندها من الأجور أو يراد به ما في حديث علي رضي الله عنه عند الحاكم قال: قال الله تعالى: "إذا أردت أن أخرب الدنيا بدأت ببيتي فخربته ثم أخرب الدنيا على أثره"(3) ويحتمل أن يراد رفع الحجر

(1) النهاية (4/ 293).

(2)

أخرجه أبو داود (4309).

(3)

أخرجه الهروي في المصنوع (1/ 51)، وقال العجلوني في كشف الخفا (1/ 81): قال العراقي: لا أصل له.

ص: 343

(طب ك عن ابن عمر)(1) رمز المصنف لصحته.

997 -

"استنثروا مرتين بالغتين، أو ثلاثًا (حم د هـ ك) عن ابن عباس (صح) ".

(استنثروا) بالنون والمثلثة من النثر وهو دفع الماء من المنخرين بعد استنشاقه وهذا أمر بالاستنشاق فإنه لا يتم نثره إلا بعد استصعاده وهو من أدلة من يوجبه للصلاة إذ هو المراد هنا (مرتين بالغتين) كما ورد في لفظ آخر الأمر بالمبالغة في ذلك (أو ثلاثاً) وهو محمول على التخيير والواجب واحدة (حم د 5 ك عن ابن عباس)(2) رمز المصنف لصحته.

998 -

"استنجوا بالماء البارد، فإنه مصحة للبواسير (طس) عن عائشة (عب) عن المسور بن رفاعة القرظي".

(استنجوا) أزيلوا النجس من الدبر لأنه المراد هنا بدليل التعليل (بالماء البارد فإنه مصحة) بفتح الميم وكسر الحاء المهملة بعدها هاء مهملة ساكنة اسم مكان أي محل صحة (للبواسير) جمع باسور داء معروف يكون في المقعدة (طس عن عائشة)(3) رمز المصنف لضعفه لأن فيه كما قال الهيثمي: عمار بن

(1) أخرجه الطبراني كما في المجمع (3/ 206)، والبزار كما في كشف الأستار (2/ 3) رقم (1072) وقال الهيثمي (3/ 206): رواه البزار والطبراني في الكبير ورجاله ثقات وابن حبان (6753) والحاكم (1/ 441) وانظر تخريج الكشاف للزيلعي (1/ 205) رقم (216)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (955).

(2)

أخرجه أحمد (1/ 228) وأبو داود (141) وابن ماجه (408) والحاكم (1/ 148).

وصححه الألباني في صحيح الجامع (956).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (4858) وقول الهيثمي في المجمع (5/ 100)، وعبد الرزاق كما في الكنز (26394) وفي إسناده عمار بن هارون قال الذهبي متروك وقال ابن عدي ضعيف كان يسرق الحديث. الميزان (5/ 207) والكامل (5/ 75) وقال الحافظ في التقريب (4835) ضعيفٌ.

وشيخه أبو الربيع السمان اسمه أشعث بن سعيد قال أحمد مضطرب الحديث ليس بذاك وقال ابن معين ليس بشيء وقال النسائي لا يكتب حديثه وقال الدارقطني متروك وقال هشيم كان يكذب=

ص: 344

هارون متروك (عب عن المسور بن رفاعة)(1) تقدم ضبط المسور ورفاعة بكسر الراء بعدها فاء وعين مهملة القرظي بضم القاف نسبة إلى بني قريظة تابعي مات سنة (133) قلت: فكان على المصنف أن يقول مرسلاً.

999 -

"استنزلوا الرزق بالصدقة (هب) عن علي (عد) عن جبير بن مطعم، أبو الشيخ عن أبي هريرة (ض) ".

(استنزلوا) اطلبوا من الله إنزال (الرزق بالصدقة) ببذلها وهو كحديث: "إذا افتقرتم فتجاروا الله بالصدقة فالصدقة"(2) سبب لإنزال الرزق {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39](هب عن علي) رمز المصنف لضعفه (عد عن جبير بن مطعم أبو الشيخ عن أبي هريرة)(3).

1000 "استهلال الصبي العطاس البزار عن ابن عمر (صح) ".

(استهلال الصبي العطاس) في النهاية (4): استهلال الصبي تصويته عند ولادته

= وقال البخاري ليس بالحافظ عندهم سمع منه وكيع وليس بمتروك. انظر الميزان (1/ 427)، وقال الحافظ في التقريب (523) متروك. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (830).

(1)

انظر الإصابة (2/ 490).

(2)

أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (13/ 73).

(3)

أخرجه البيهقي في الشعب (1197) عن علي وقال: لا أحفظه على هذا الوجه إلا بهذا الإسناد وهو ضعيف بمرة، وابن عدي في الكامل (2/ 412) وقال عقب الحديث: ويكثر حديث حبيب عن مالك الأحاديث الذي وضعها عليه فاستغنيت بمقدار ما ذكرته من رواياته عن مالك ليستدل بهذا القليل عن الكثير وهذه الأحاديث التي ذكرتها عن مالك مع غيرها من رواياته عنه كلها موضوعة. وقال بعد أن ساق أحاديث أخرى عن حبيب بن أبي حبييب موضوعة: وهذه الأحاديث مع غيرها مما روى حبيب عن هشام بن سعد كلها موضوعة وعامة حديث حبيب موضوع المتن مقلوب الإسناد ولا يحتشم حبيب في وضع الحدث على الثقات وأمره بين في الكذابين وإنما ذكرت طرفا منه ليستدل به على ما سواه. وأبو الشيخ كما في الكنز (15962) وانظر طرقه في المداوي (1/ 544)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (831) والسلسلة الضعيفة (2754).

(4)

النهاية (5/ 270).

ص: 345

انتهى. فالحديث إخبار بأنه إذا عطس الصبي فقد استهل فإن مات عقبه فقد ثبتت له الحياة فيورث ويصلى عليه لحديث جابر: "إذا استهل الصبي صلى عليه وورث" عند الترمذي (1) وغيره فهذا الحديث فسر المراد بالاستهلال وتعريف المسند ليس لإفادة الحصر الحقيقي بل لأن غالب ما استهل به الصبي العطاس وإلا فلو أنه بكى أو صاح لكان كذلك لأن المراد الدليل على أنه خرج حيا والاستهلال لغلام من العطاس [1/ 285] وفي القاموس (2) استهل الصبي رفع صوته بالبكاء (البزار (3) عن ابن عمر) رمز المصنف لصحته.

1001 -

"أستودع الله دينك، وأمانتك، وخواتيم عملك (د ت) عن ابن عمر (صح) ".

(أستودع الله) مضارع مبني للمتكلم لأنه كان يقوله صلى الله عليه وسلم داعيًا لمن يودعه ويخرج إلى السفر والمراد: أسأل الله أن يجعل (دينك وأمانتك وخواتيمَ عملك) وديعة لديه، أسأله أن يحفظها كما يحفظ الوديعة، وهو دعاء له بالكلأة في سفره فلا يضيع شيئاً من الثلاثة والخواتيم جمع خاتم وهو ما يختم به الشيء وأريد به هنا ما يختم به العمل دعا له صلى الله عليه وسلم أن يحفظ الله له خاتمة عمله فيحسنها واختص هذا الموضع بهذه الدعوة لأن السفر مظنة العطب لأنه يتعرض فيه المسافر للمتالف والمهالك فقد يكون في سفره هلاكه ويأتي أدعية أخرى يقولها من يودعه وفي رواية عبد الله الخطمي عند أبي داود كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ودّع أحداً قال: "أستودع الله دينكم

(1) أخرجه الترمذي (1027) وكذلك ابن ماجه (2750).

(2)

القاموس المحيط (1385).

(3)

أخرجه البزار في مسنده البحر الزخار (5409)، وقال الهيثمي (4/ 225): فيه محمَّد بن عبد الرحمن بن البيلماني، وهو ضعيف. وقال الحافط في التلخيص (2/ 114): إسناده ضعيف. وقال الألباني: موضوع. انظر: السلسلة الضعيفة (2779) وضعيف الجامع (837).

ص: 346

وأمانتكم وخواتيم" (1) أعمالكم (د ت عن ابن عمر)(2) رمز المصنف لصحته.

1002 -

"أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه (هـ) عن أبي هريرة (ح) ".

(أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه) هو مما يقال للمسافر وغيره (5 عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه (3).

1003 -

"استوصوا بالأسارى خيرًا (طب) عن أبي عزيز (ض) ".

(استوصوا) استفعل هنا للسؤال أي اسألوا الوصية (بالأسارى خيرًا) بأن يوصى بهم بعضكم بعضا وقد وصى تعالى في الأسارى وأثنى على من أطعمهم (طب عن أبي عزيز)(4) بفتح العين المهملة وكسر الزاي رمز المصنف لضعفه وقال الشارح: إسناده حسن.

1004 -

"استوصوا بالأنصار خيرًا (حم) عن أنس (ح) ".

(استوصوا بالأنصار) هم الأوس والخزرج والأمر لقريش؛ لأن الإمارة فيهم وهي وصية بهم بعد الموت (خيرًا) زاد في رواية: "فإنهم كرشى وعيبتى وقد قضوا الذي عليهم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم"(5). وهو

(1) أخرجه أبو داود (2601)، والحاكم (2/ 107)، وصححه الألباني في صحيح الجامع والسلسة الصحيحة (2384).

(2)

أخرجه أبو داود (2600) والترمذي (3443)، وقال: حسن غريب، والنسائي في السنن الكبرى (10340) عن ابن عمر. وصححه الألباني في صحيح الجامع (957) والصحيحة (14).

(3)

أخرجه ابن ماجه (2825) قال البوصيري (3/ 168): هذا إسناد فيه عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف لكن لم ينفرد به، وصححه الألباني في صحيح الجامع (958) والسلسة الصحيحة (16).

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 393) رقم (977)، وحسنه الهيثمي في المجمع (6/ 86) وذكره ابن حجر في الإصابة (7/ 274) في ترجمة أبي عزيز بن عمير وقال قال ابن منده لما ترجم له في الصحابة روى عنه نبيه بن وهب ولا يعرف له سند. قلت هذا إسناد منقطع نبيه بن وهب لم يسمع من أبي عزيز. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (872).

(5)

أخرجه البخاري (3588)، ومسلم (2510).

ص: 347

كالتفسير للخير الذي أمرهم به (حم عن أنس)(1) رمز المصنف لحسنه.

1005 -

"استوصوا بالعباس خيرا؛ فإنه عمي وصنو أبي (عد) عن علي (ض) ".

(استوصوا بالعباس خيرا فإنه عمي وصنو أبي) إبانة لعلة الأمر أي فكما أن لي عليكم حقا فمن حقي إعانة عمي وتقدم مثله ويأتي (عد عن علي) رمز المصنف لضعفه قال الشارح: لكن له شواهد تجبره (2).

1006 -

"استوصوا بالنساء خيرا؛ فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا (ق) عن أبي هريرة (صح) ".

(استوصوا بالنساء خيرًا) اسألوا الوصية فيهن من بعضكم لبعض بحيث يكون كل منكم يوصي غيره ويطلب منه الإحسان إليهن والصبر على شرهن واسألوا من أنفسكم ذلك لتوطنوها عليه (فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج) المراد بالمرأة هنا حواء أم البشر لأنها خلقت من ضلع آدم كما بيّنه أئمة التفسير في كلامهم على قوله تعالى: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1] ولما كان أصلهن من ضلع أعوج كان له أثر في طباعهن وإلا فإن ما سوى حواء خلق من ماء كما قال تعالى: {وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} [النور: 45] ولأن خلق الأفراد داخل تحت خلق الأصل كما قيل في قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً في قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون: 12 - 13] وفيه دليل على أن ما خلق منه الإنسان له دخل في طباعه (وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) فيه دليل

(1) أخرجه أحمد (3/ 241) وأخرجه أيضاً أبو يعلى (3998)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (959).

(2)

أخرجه ابن عدي (2/ 358) في ترجمة ابن أبي ضميرة الحميري وقال عنه: ضعيف منكر الحديث وضعفه بيّن على حديثه، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (833) والسلسلة الضعيفة (1945).

ص: 348

على أن ثم مضافا محذوفا من قوله ضلع أي من أعلى الضلع (فإذا ذهبت تقيمه كسرته) إذا أردت تسوي اعوجاجها أدى إلى فراقها فهو ضرب مثل للطلاق (وإن تركته لم يزل أعوج) فلا سبيل إلى استقامة طباعهن (فاستوصوا بالنساء خيراً [1/ 286] كرره زيادة في التأكيد والحديث حث على الصبر على النساء وعلى عواجة طباعهن وأنه لا يطمع في استقامتهن على خلق صالح فإن الاعوجاج فيهن طبعي وأشار إلى معناه من قال:

هي الضلعة العوجاء ليست تقيمها

لأن تقويم الضلوع انكسارها

ليجمعن ضعفاً واقتدارًا على الفتى

أليس عجيباً ضعفها واقتدارها

قال بعض الحكماء: أضرُّ شيءٍ بالنفس والمال والعقل والدِّين والعرض شدة الإغرام بالنساء ومن أعظم ما يبتلى به المغرم بهن أنه لا يقتصر على واحدة منهن ولو كن ألفًا إلا وتطمع نفسه إلى ما ليس له منهن. وفي كلام النهج: النساء شر كله ومن شر ما فيها أنه لا غنى عنها وقال:

إن النساء كأشجار نبتن لنا

منها المرار وبعض المر مأكول

(ق عن أبي هريرة)(1) وأخرجه غيرهما.

1007 -

"استووا، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم وليليني منكم أولوا الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم (حم م ن) عن أبي مسعود (صح) ".

(استووا) هو أمر للذين يصلون خلفه ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: استووا أي اعتدلوا في الصلاة بأن تكونوا على سمت واحد (ولا تختلفوا) لا يتقدم بعضكم على بعض في الصفوف ولا تختلفوا (فتختلف) بالنصب في جواب النهي (قلوبكم) بالتنافر والتباغض، وفيه أن اختلاف الأبدان سبب لاختلاف القلوب وذلك عقوبة من جنس المعصية كما

(1) أخرجه البخاري (5186) ومسلم (47).

ص: 349

هي سنة الله تعالى واختلاف القلوب منشأ كل بلاء وفتنة كما أن سلامتها سبب كل خير ونعمة ولذا امتن الله على عباده بتأليفه بين قلوبهم وأخبر أن رسوله رسول صلى الله عليه وسلم لو أنفق ما في الأرض جميعاً ما ألّف بين قلوبهم، وهذا الوعيد دليل وجوب تسوية الصفوف وقد عضدته عدة أحاديث (وليليني) بكسر اللامين ومثناة تحتية بعد اللام الثانية مفتوحة وتشديد النون وعدمه (منكم) أيها المصفوف (أولوا الأحلام) جمع حلم بالكسر كأنه من الحلم والأناة والتثبت في الأمور والمراد أولوا الألباب والعقول قاله في النهاية (1)، (والنُّهى) بضم النون جمع نهية هي العقل سميت بذلك لأنها تنهي صاحبه عن القبيح فالعطف تفسيري وإنما أمرهم صلى الله عليه وسلم بأن يكون الأقرب منه المذكورين لأن الصف الأول صف الملائكة فينبغي أن لا يكون فيه إلا عقلاء أصحابه وفضلاؤهم ويجوز أن يحدث الإِمام ما يوجب الاستخلاف فيجد الصالح لذلك قريباً منه (ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) كالمراهقين ثم الصبيان (حم م ن عن أبي (2) مسعود) أي البدري وفي نسخة ابن مسعود الصواب الأول.

1008 -

"استووا تستو قلوبكم، وتماسوا تراحموا (طس حل) عن أبي مسعود (ض) ".

(استووا) في الصفوف هو كما سلف وهو أمر أصله الوجوب (تستو قلوبكم) تتفق على فعل الخير والطاعة (وتماسوا) يمس منكب هذا منكب هذا (تراحموا) يرحم بعضكم بعضاً فالاستواء عائد إلى كون الصف سمتاً واحداً لا تقدم ولا تأخر فيه، والثاني أمر بالملاصقة وعدم الفرج بين المصلين (طس حل عن أبي مسعود)(3) البدري رمز المصنف لضعفه.

(1) النهاية (1/ 434).

(2)

أخرجه أحمد (4/ 122)، ومسلم (432)، والنسائي (2/ 90).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (5121) وفيه الحارث وهو ضعيف كما في مجمع الزوائد (2/ 90)،=

ص: 350

1009 -

"أسد الأعمال ثلاثة: ذكر الله على كل حال، والإنصاف من نفسك، ومواساة الأخ في المال. ابن المبارك في الزهد وهناد والحكيم الترمذي عن أبي جعفر مرسلاً حل فر عن علي موقوفاً عليه لا مرفوعًا (ض) ".

(أسد) بالمهملتين من السداد وهو الاستقامة والقصد في الأمر والعزم فيه (الأعمال) أكثرها وأزيدها استقامة وموافقة للأمر (ثلاثة) وأما الثلاثة في نفسها فتحمل أنها متساوية وأنها متقاربة وبينها بالإبدال منها (ذكر الله) في النهاية (1): هو تحميده وتقديسه وتسبيحه وتهليله والثناء عليه بجميع محامده، وفي غير النهاية أنه الاشتغال بما يرضاه الله من الأقوال والأفعال وفي معنى قوله (على كل حال) قوله تعالى:{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا [1/ 287] وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] أي بالليل والنهار والسفر والحضر والصحة والمرض والغنى والفقر والسر والعلانية وقضايا الذكر قد ملأت السنة والكتاب ويأتي في هذا الكتاب الكثير الطيب (والإنصاف من نفسك).

اعلم أن الإنصاف من النفس من أشرف الخصال ومن أجل الصفات ولا يتصف به إلا من خرج من صفات البشرية فقاد نفسه بزمام الإنصاف فأنصف أولاً بإيثاره الإقبال على ما يرضى به ربه من الأفعال والأقوال والإعراض عن كل ما لا يرضاه منهما والتسليم والانقياد لكل ما أمر به وترك ملاذه وشهواته لأجله ومعرفته بحقه وبكل ما له من الإنعام ومعرفة نفسه بكل مالها من صفات النقص، فإن من عرف نفسه عرف ربه كما قال الوصي عليه السلام (2): ثم يقودها ثانيًا فينصف

=وأبو نعيم في الحلية (10/ 114)، وانظر العلل للدارقطني (3/ 181) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (835).

(1)

النهاية (2/ 163).

(2)

هذا لفظ اعتاد غلاة الرافضة إطلاقه على سيدنا علي رضي الله عنه وقد وضحنا في المقدمة مفهومه عندهم ومدلوله لديهم، وبينا أنه لا يوجد له مستند في الكتاب والسنة ولا يجوز إطلاقه على عليّ=

ص: 351

منها العباد ويأتي إليهم ما يحب أن يأتوه إليه ويجتنب منهم ما يحب أن يجتنبوه منه كما قال صلى الله عليه وسلم، فإن جرى منه ما يجري من البشر بادر إلى الإنصاف من نفسه قبل أن يطلب منه ذلك، وقد كان السلف رضي الله عنهم على هذا المنهاج قال ابن سعد (1) في الطبقات: إنه كان للعباس رضي الله عنه ميزاب في داره وكان يصب على المسجد وفي رواية: على بابه، فنزعه عمر رضي الله عنه فقال له العباس رضي الله عنه: والله ما شده إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: والله لا تشده إلا ورجلك على عاتقي.

والحكايات عن السلف رحمهم الله كثيرة قال ابن القيم (2) رحمه الله: الإنصاف من النفس يوجب عليك إذا حقوق الله كاملة موفرة وحقوق الناس كذلك وأن لا يطالبهم ما ليس له ولا يحملهم فوق وسعهم ويعاملهم بما يحب أن يعاملوه به ويعفيهم مما يحب أن يعفوه منه ويحكم لهم وعليهم بما يحب أن يحكم به لنفسه وعليها ويدخل في هذا إنصافه لنفسه من نفسه فلا يدعى لها ما ليس لها ولا يحقرها بتدنيسه لها وتصغيرها بمعاصي الله وينميها ويكبرها ويرفعها بطاعة الله وتوحيده وخوفه وإدامة التوكل عليه والإنابة إليه وإيثار مرضاته ومحابه على مراضي الخلق ومحابهم وينصف ربه من نفسه ففي أثر إلهي يقول الله: "يا ابن آدم ما أنصفتني، خيري إليك نازل، وشرك إليّ صاعد كم أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك وكم تتبغض إلى بالمعاصي وأنت فقير إلى ولا يزال الملك الكريم يصعد إلى بعمل قبيح منك" وفي أثر آخر: "يا ابن آدم ما أنصفتني خلقتك وتعبد غيري ورزقتك وتشكر سواي". (ومواساة الأخ في المال) الأظهر أنه الأخ الخالص الذي له صداقة وأخوة وخلة كالذي واخى بينهم النبي صلى الله عليه وسلم

= رضي الله عنه وفق مرادهم.

(1)

الطبقات الكبرى (4/ 20)، ومختصر تاريخ دمشق (1/ 1607).

(2)

زاد المعاد (2/ 408).

ص: 352

وهو أخ في الله سواء كان أخاً في النسب أو لا. وقال الغزالي في الإحياء (1): إن عقد الأخوة رابطة بين الشخصين كعقد النكاح فإذن للأخ على أخيه حق في النفس وحق في المال ثم ذكر أن للمواساة بالمال مراتب:

أحدها: أن ينزله منزلة الخادم فينفق عليه من غير سؤاله.

والثانية: أن ينزله منزلة النفس فيشاركه في حاله وماله.

الثالثة: أن يؤثره على نفسه ويقدم حاجته على حاجته وجاء رجل إلى أبي هريرة فقال له: إني أريد أن أؤاخيك في الله، قال: أتدري ما حق الإخاء؟ [1/ 288] قال: عرِّفني، قال: لا تكن أحق بدينارك ودرهمك مني، قال: لم أبلغ هذه الرتبة بعد قال: فاذهب عني. وقال علي بن الحسين عليه السلام: هل يدخل أحدكم يده في كم أخيه وكيسه فيأخذ منه ما يريد من غير إذن، قال: لا، قال: ما أنتم بإخوان. وقال ابن عمر: أهدي إلى رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة فقال أخي: فلان أحوج، فبعث به إليه، فبعث ذلك الإنسان به إلى آخر فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى رجع إلى الأول بعد أن تداوله تسعة. وقال عليُّ عليه السلام:"عشرون درهمًا أعطيتها أخًا لي في الله أحب إلي من أن أتصدق بمائة درهم على المساكين"(2).

وقال أيضاً: "لأن أصنع صاعًا من طعام فأجمع عليه إخواني في الله أحب إلي من أعتق رقبة". ودخل محمَّد بن واسع ومالك (3) منزل الحسن وكان غائبًا فأخرج محمَّد من تحت سرير الحسن سلة فيها طعام، وجعل يأكل، فقال مالك: كف حتى يأتي صاحب المنزل فلم يلتفت محمَّد إلى قوله وجعل يأكل وكان أحسن منه وأبسط خلقًا، فقال: يا مالك هكذا كنا لا يحتشم بعضنا بعضًا حتى ظهرت

(1) الإحياء (2/ 174).

(2)

ورد في الإحياء (2/ 174) من قول علي.

(3)

مالك هو ابن دينار كما جاء في الإحياء (2/ 175).

ص: 353

أنت وأصحابك أشار بهذا إلى أن الانبساط في بيوت الإخوان من الصفاء في الأخوة، كيف وقد قال تعالى:{أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقكُمْ} [النور: 61] وكان الأخ يدفع المفاتيح إلى أخيه يفوضه في كل ما يجد وهذه هي الدرجة التي وصفها الله في قوله: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى: 38] أي كانوا خلطاء في الأموال لا يميز بعضهم رحله من بعض. وجاء فتح الموصلي إلى منزل أخ له وكان غائبًا فأمر أهله فأخرجت صندوقه ففتحه فأخذ حاجته فأخبرت الجارية مولاها فقال لها: إن صدقت فأنت حرة لوجه الله تعالى سروراً بما فعل. ولما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سعد (1) بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف آثره بالمال والنفس فقال له سعد: بارك الله لك فيهما فآثره بما آثره به وكان قبله ثم آثره به، إذا عرفت هذا علمت أن للأخ أمرًا خاصًّا وحقًّا مستقلاً غير حق الأخوة العامة وأنه يراد في الحديث المواساة الخاصة لا مطلق الصدقة لعامة العباد؛ لأنه مسوق لبيان أسد الأعمال وقد ظهر أن هذا أسد من الصدقة وأفضل فهو المراد (ابن المبارك في الزهد وهناد) بفتح الهاء وتشديد النون آخره مهملة (والحكيم الترمذي عن أبي جعفر مرسلاً حل فر عن علي موقوفاً عليه لا مرفوعًا) رمز المصنف لضعفه (2).

1010 -

"أسرع الأرض خرابًا يسراها، ثم يمناها (طس حل) عن جرير".

(1) أخرجه البخاري (2239).

(2)

أخرجه ابن المبارك في الزهد (744)، وهناد في الزهد (1048)، والحكيم الترمذي كما في الكنز (43267) وأبو نعيم في الحلية (3/ 83) عن أبي هريرة مرسلاً، وأبو نعيم في الحلية (1/ 85) عن علي موقوفاً، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (838) والسلسلة الضعيفة (1665) إسناده ضعيف لإرساله أولا وثانيا لأن فيه الحجاج بن أرطأة تركه ابن مهدي والقطان وقال أحمد لا يحتج به وقال ابن معين والنسائي ليس بالقوي وقال الدارقطني لا يحتج به وقال ابن عدي ربما أخطأ ولم يتعمد وقد وثق وقال ابن معين أيضاً صدوق يدلس. انظر المغني (1312) قلت وقد عنعن الحجاج.

ص: 354

(أسرع الأرض خرابًا) في رواية: الأرضين (يسراها ثم يمناها) كأنه أريد بالجهتين بالنسبة إلى البيت العتيق وبالجملة فلا أعلم ما أراده صلى الله عليه وسلم ولم أر فيه كلاماً فينظر، ثم رأيت الشارح جزم بأن المراد يسرى الكعبة ويمناها ولم يذكر مستندا لذلك ولما كان الأيمن أشرف من الأيسر في كل شيء خص الله الجهة اليمنى بتأخر خرابها وتقدم خراب اليسرى كما سمى الله أهل الجنة بأصحاب اليمين وأهل النار بأصحاب الشمال، وكأن هذا الخراب عند قيام الساعة (طس حل عن جرير (1)) سكت عليه المصنف وفي سنده حفص بن عمر بن الصباح وثقه ابن حبان وضعفه غيره [1/ 289] وبقية رجاله رجال الصحيح قال الدارقطني: الصواب وقفه على جرير.

1011 -

"أسرع الخير ثوابًا البر وصلة الرحم، وأسرع الشر عقوبة البغي وقطيعة الرحم (ت هـ) عن عائشة (ح) ".

(أسرع الخير ثواباً البر) هو الإحسان وشاع البر عند الإطلاق على الإحسان إلى الوالدين وهو المراد هنا ولذا عطف عليه (وصلة الرحم) والأسرعية في الإثابة يحتمل أنها في دار الدنيا وقد ثبت أنها دار يجزى فيها العبد على بعض أعماله كزيادة المال بالصدقة وزيادة العمر بصلة الرحم وإجابة الدعوات في قضاء الحاجات كما أنها قد تعجل فيها بعض العقوبات لبعض العصاة كنقص الرزق بالربا والكذب، ومن تعجيل مثوبة البر في الدنيا بالآباء بر الأبناء بمن بر

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (3519) وأبو نعيم في الحلية (7/ 112) قال المناوي (1/ 505): قال الدارقطني: الصواب وقفه على جرير، وانظر علل الدراقطني (13/ 462)،

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 289) وفيه حفص بن عمر بن صباح الرقي وثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح. وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 853) حفص ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (839) والسلسلة الضعيفة (1659).

ص: 355

بآبائه كما في حديث ابن عمر: "بروا آباءكم يبركم أبناؤكم"(1) ومثله في حديث جابر سيأتيان ومن تعجيل الإثابة الزيادة في العمر كما في حديث أبي هريرة (2): "بر الوالدين يزيد في العمر" وفي حديث معاذ بن أنس (3): "من بر والديه طوبى له زاده الله في عمره". ومن تعجيل مثوبته حسن حال البار في الدنيا ولطف الله به في أموره وإسبال ثوب سترة عليه، وهذا أمر قد شاهده الناس لا ينكره من له دراية بأحوال العالم، وفوائده في العاجلة كثيرة وفي ذلك قصص معروفة ويحتمل أنه أسرع إثابة في الدارين، وأما تعجيل إثابة صلة الرحم فكثيرة منها الزيادة في الرزق ومنها الزيادة في العمر كما في حديث أنس:"واصل الرحم يزيد الله في رزقه ويمد في أجله"(4). ومنها المحبة في الأهل كما في حديث عمرو بن سهل: "صلة الرحم مثراة في المال ومحبة في الأهل ومنسأة في الأجل"(5).

ومنها تعمير الديار كما في حديث عائشة: "صلة الرحم وحسن الخلق

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (1002) وقال الهيثمي في المجمع (8/ 138): رجاله رجال الصحيح.

(2)

أخرجه أبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (4/ 295)، وابن عدي في الكامل (3/ 43) في ترجمة خالد بن إسماعيل، وقال بعد أن ذكر الحديث: وهذه الأحاديث بهذه الأسانيد مناكير، ولخالد بن إسماعيل هذا غير ما ذكرت من الحديث وعامة حديثه هكذا.

(3)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (22) والطبراني (20/ 198) رقم (447)، والحاكم (4/ 170) وقال: صحيح الإسناد ولم يُخرجاه. ووافقه الذهبي. أبو يعلى (1494). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 137): رواه أبو يعلى والطبراني وفي إسناده زبان بن فائد وثقه أبو حاتم وضعفه غيره وبقية رجال يعلى ثقات.

(4)

عزاه صاحب الكنز (43243) والألباني في السلسلة الضعيفة إلى الديلمي (2/ 62). وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (3437) ضعيف جداً. في إسناده يزيد بن أبان الرقاشي ضعيف كما قال الحافظ في التقريب (7683) وفيه الهيثم بن جماز قال أحمد والنسائي متروك. انظر المغني (6793) وذكره السيوطي في تمهيد الفرش في الخصال الموجبة لظل العرش نقلاً عن أبي الشيخ (8).

(5)

أخرجه الطبراني في الأوسط (7810) وقال الهيثمي (8/ 152): فيه من لم أعرفهم.

ص: 356

وحسن الجوار تعمر لنا الديار" (1) ومنها وهو أعظمها صلة الله لمن وصلها كما في حديث عائشة: "الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله

" (2) الحديث. وصله الله في الدارين بل في كل لحظة ولمحة عين (وأسرع الشر عقوبة) بأن يعجل في دار الدنيا (البغي) تقدم غير مرة بيانه (وقطيعة الرحم) هو خلاف صلتها والحديث ترغيب في البر وصلة الرحم وترهيب من البغي وقطيعة الرحم (ت 5 عن عائشة)(3) رمز المصنف لحسنه وضعفه المنذري وكأنه حسنه المصنف لشواهده.

1012 -

"أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب (خد د طب) عن ابن عمرو (ح) ".

(أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب) تقدم في أربع دعوات أن أسرعها إجابة هذه (خد د طب عن ابن عمرو) رمز المصنف لحسنه (4).

1013 -

"أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم (حم ق 4) عن أبي هريرة (صح) ".

(1) أخرجه أحمد (6/ 159) وقال الهيثمي (8/ 153): رجاله ثقات إلا أن عبد الرحمن بن القاسم لم يسمع من عائشة.

(2)

أخرجه مسلم (2555).

(3)

أخرجه الترمذي (2511)، وابن ماجه (4212) قال البوصيري (4/ 239): هذا إسناد فيه صالح بن موسى وهو ضعيف، قلت: بل هو متروك كما قال الحافظ في التقريب (2791) وقال الذهبي ضعيف. انظر المغني (2845) وقال يحيى ليس شيء ولا يكتب حديثه وقال البخاري منكر الحديث وقال النسائي متروك وقال ابن عدي هو عندي ممن لا يتعمد الكذب. الميزان (3/ 414) وقال الألباني في ضعيف الجامع (840) والسلسلة الضعيفة (2787): ضعيف جداً.

(4)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (623) وأبو داود (1535) والترمذي (1980) عن ابن عمرو وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه والإفريقي يضعف في الحديث وهو عبد الله بن زياد بن أنعم. وانظر التقريب (3862) عن ابن عمرو، والطبراني في المعجم الكبير كما في الكنز (3306) ولم أجده في الكبير ولعله من الجزء المفقود.

ص: 357

(أسرعوا بالجنازة) بالمشي بها إذا أخرجوها لدفنها لقوله في آخره: تضعونه عن رقابكم على إرادة الحقيقة بالوضع عن الرقبة (فإن تك) هكذا بحذف النون وهو كثير (صالحة) تقية (فخير تقدمونها إليه) وما عند الله خير للأبرار (وإن تك سوى ذلك) غير صالحة (فشر تضعونه) بالإسراع بها (عن رقابكم) أخرج ابن أبي شيبة من حديث أبي بكرة لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاد أن نرمل (1) بالجنازة رملاً وعنده أنه قال عمر حين حضرته الوفاة إذا خرجتم فأسرعوا في المشي (2). وعنده عن أبي الصديق (3) الناجي أنه كان الرجل ليقطع شسعه في الجنازة [1/ 290] فما يدركنا ويحتمل أن يراد الإسراع بالتجهيز والمشي كما يفيده حديث علي رضي الله عنه "ثلاث لا تؤخر" وعد منها الجنازة، وسيأتي وأنه لا ينتظر بميت الليل النهار ولا بميت النهار الليل، والقول بكراهة الدفن بالليل لا دليل عليه بل الدليل على خلافه، وهو دفنه صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه ليلاً كما في حديث أبي ذر، وكذلك دفن فاطمة رضي الله عنها ليلاً، ودفن الصحابة أبا بكر رضي الله عنه ليلاً، وفي حديث عائشة رضي الله عنها:"ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا المساحي من آخر الليل ليلة الأربعاء"(4)(حم ق 4 عن أبي هريرة)(5).

1014 -

"أسست السماوات السبع والأرضون السبع على {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تمام في فوائده عن أنس (ض) ".

(1) أخرجه النسائي (4/ 43).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 480) رقم (11266).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 480) رقم (11268).

(4)

أخرجه أحمد (6/ 62)، وإسحاق بن راهويه في مسنده برقم (993)، وابن أبي شيبة في المصنف (3/ 32) رقم (11839).

(5)

أخرجه أحمد (2/ 240) والبخاري (1310)، ومسلم (944) وأبو داود (3181) وابن ماجه (1477)، والنسائي (4/ 41).

ص: 358

(أسست) هو من الأساس مثلث أصل العمارة والبناء أي بنيت (السماوات

السبعِ والأرضون) بفتح الراء (السبع) فيه أنها سبع كالسماوات (على {قُلْ هُوَ الله أحَدٌ}) أي لأجلها فعلى حرف تعليل و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} علم بسورة الصمد والمراد أنها بنيت السماوات والأرض لأجل توحيد الله وإبانة صمديته وإظهار ألوهيته وتنزيهه من الولد والوالد والشريك نظير قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وحديث: "كنت (1) كنزاً مخفياً فخلقت خلقاً فعرفتهم بي حتى عرفوني" إلا أنه قال ابن تيمية: أنه حديث باطل، فالحديث لبيان أن حكمة خلق المسكن هي حكمة خلق الساكن وهي عبادة الله تعالى وأن الكائنات خلقت أدلة عليه كما قال:

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه واحد (2)

(تمام في فوائده عن أنس) رمز المصنف لضعفه (3).

1015 -

"أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال "لا إله إلا الله" خالصًا مخلصا من قلبه (خ) عن أبي هريرة"(صح).

(أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة) تقدم بسط الكلام في الشفاعة ويأتي (من قال لا إله إلا الله مخلصًا) حال كون القول (خالصًا من قلبه) أصل الحديث

(1) قال القارئ في المصنوع (ص 141): نص الحفاظ كابن تيمية والزركشي والسخاوي على أنه لا أصل له. وقال شيخ الإِسلام: هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا أعرف له إسناداً صحيحاً ولا ضعيفاً. انظر مجموع الفتاوى (18/ 122، 376).

(2)

قاله أبو العتاهية المتوفى سنة 211 هـ وهو من شعراء العصر العباسي.

(3)

أخرجه تمام كما في الكنز (3765) والدينوري كما في المجالسة (3458)، وفي إسناده موسى بن محمَّد بن عطاء الدمياطي كذبه أبو زرعة وأبو حاتم وقال النسائي ليس بثقة وقال الدارقطني وغيره متروك كما في الميزان (6/ 559) كما في الميزان (6/ 559) وقال الألباني في ضعيف الجامع (843) والسلسلة الضعيفة (592): موضوع.

ص: 359

وسببه عن أبي هريرة وقال: قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: "لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي

" فذكره هذا أحد ألفاظه، وفيه إثبات الشفاعة للمخلصين المؤمنين وذلك برفع درجاتهم وهي غير الشفاعة لأهل الكبائر التي في الحديث الآتي: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي؛ لأن ظاهر هذا الحديث أن هذه لمن مات قائلا لكلمة التوحيد مخلصاً وأنه الأسعد، وإن ثبت لغيره وذلك لأنها زيادة في درجاته لأنه زاد بها فضلا إلى فضل وعلواً إلى علو وفلاحاً إلى فلاح فهو أسعد بها ممن عداه، وأما الشفاعة لأهل الكبائر فإنهم وإن سعدوا بها وخلصوا من عذاب الله الدائم فبين النوعين بنون بعيد وفيه أن القول باللسان يشترط فيه مطابقة الجنان (خ عن أبي هريرة)(1).

1016 -

"أسعد الناس يوم القيامة العباس، ابن عساكر عن ابن عمر (ض) ".

(أسعد الناس) المراد بهم من عدا الأنبياء (يوم القيامة العباس) ويحتمل أن يراد بهم أعمامه من العام الذي يراد به الخاص وإنما كان أسعد أعمامه لأنه تجرع مرارة فراقه صلى الله عليه وسلم بموته وهو في الحياة والحمزة رضي الله عنه وإن كان أفضل الشهداء فله فضل الشهادة، وفي رواية: أن سبب الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن دار العباس يعني في الجنة بين داره ودار إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم[1/ 291]. (ابن عساكر عن ابن عمر)(2) رمز المصنف لضعفه وقال الشارح: إسناده ضعيف.

1017 -

"أسفر بصلاة الصبح، حتى يرى القوم مواقع نبلهم، الطيالسي عن رافع بن خديج (ح) ".

(1) أخرجه البخاري (990).

(2)

أخرجه ابن عساكر (26/ 343) وفي إسناده رجل مجهول عن ابن عمر، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (844) والسلسلة الضعيفة (2765).

ص: 360

(أسفر بصلاة الصبح) هي صلاة الفجر، في النهاية (1): أسفر الصبح إذ انكشف وأضاء لعله يحتمل أنه حين أمرهم بتغليس صلاة الفجر أمر بتأخيرها إلى أن يطلع الفجر الثاني، ويتحقق ويؤيد ذلك أنه قال لبلال:"نور بالفجر قدر ما يبصر القوم مواقع نبلهم" كما قال هنا (حتى يرى القوم مواقع نبلهم) ولا يرونها إلا وقد أسفر جداً وقيل: الأمر بالإسفار خاص بالليالي المقمرة لأن أول الصبح لا يتبين فيها فأمروا بالإسفار احتياطًا (الطيالسي (2) عن رافع بن خديج) رمز المصنف لحسنه.

1018 -

"أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر (ت ن حب) عن رافع (صح) ".

(أسفروا بالفجر) بصلاته أو بالنداء الثاني والحديث الأول يدل للأول (فإنه أعظم للأجر) فيه دليل على أن الإسفار ليس بواجب بل هو أفضل (ت ن حب عن (3) رافع) أي ابن خديج رمز المصنف لصحته.

1019 -

"أسلم ثم قاتل (خ) عن البراء"(صح).

(أسلم ثم قاتل) سببه أنه جاء رجل إليه صلى الله عليه وسلم متقنعًا بالحديد فقال: يا رسول الله أقاتل أو أسلم فقال: "أسلم ثم قاتل" فأسلم ثم قاتل فقتل فقال صلى الله عليه وسلم: "عمل عملاً قليلاً وأجر أجرًا كثيراً" والمتقنع المتغطي بالسلاح وقيل: المغطى رأسه قال بعض أئمة الحديث: أنه لم يدخل الجنة رجل لم يسجد لله سجدة؟ إلا هو وهو يجاب به عن سؤال أي رجل دخل الجنة ولم يسجد لله سجدة (خ عن البراء)(4)

(1) النهاية (2/ 941).

(2)

أخرجه الطيالسي (961)، قال المناوي (1/ 508): هو من رواية هرمز بن عبد الرحمن عن رافع بن خديج وقد ذكرهما ابن أبي حاتم ولم يذكر فيهما حرجاً ولا تعديلاً، وصححه الألباني في صحيح الجامع والإرواء (258).

(3)

أخرجه الترمذي (154) وقال: حسن صحيح، والنسائي (1/ 272)، وابن حبان (1490) وصححه الألباني في صحيح الجامع (970) والإرواء (258).

(4)

أخرجه البخاري (2808).

ص: 361

ورواه مسلم.

1020 -

"أسلم وإن كنت كارها (حم ع) والضياء عن أنس (صح) ".

(أسلم وإن كنت كارهاً) أي الإِسلام وسببه أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أجدني كارهًا للإسلام فذكرها وفيه أنه يصح إسلام الكاره لا المكره (حم (1) ع والضياء عن أنس) رمز المصنف لصحته.

1021 -

"أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها، أما والله ما أنا قلته، ولكن الله قاله (حم طب ك) عن سلمة بن الأكوع (م) عن أبي هريرة (صح) ".

(أسلم) قبيله معروفة وقوله (سالمها الله) في النهاية (2) هو من المسالمة ترك الحرب ويحتمل أن يكون إخبارا أو دعاء بأن يسالمها الله أو إخبار أنه سالمها فلم يأمر بحربها (وغفار) بكسر الغين المعجمة ثم فاء وآخره راء اسم قبيلة ومنها أبو ذر الغفاري وقوله (غفر الله لها) يحتمل الأمرين أيضاً وفيهما جناس في اللفظين (أما والله ما أنا قلته) أي هذا القول (ولكن الله قاله) وهو يبين أن المراد أحد الاحتمالين وفيه فضيلة للقبيلتين (حم طب ك عن سلمة بن الأكوع) رمز المصنف لصحته (م عن أبي هريرة)(3).

1022 -

"أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها، وتجيب أجابوا الله (طب) عن عبد الرحمن بن سندر (ح) ".

(أسلم سالمها الله) صيغة المفاعلة بمعنى فعل أي سلمها من الشرور والحروب ويحتمل أنه على بابه (وغفار غفر الله لها وتجيب) بضم المثناة الفوقية

(1) أخرجه أحمد (3/ 109) وأبو يعلى (3879)، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 305): رجالهما رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (974) والسلسلة الصحيحة (1454).

(2)

النهاية (2/ 985).

(3)

أخرجه أحمد (4/ 48) والطبراني في الكبير (7/ 21) رقم (6255)، والحاكم (3/ 341) عن سلمة بن الأكوع، وأخرجه مسلم (2516) عن أبي هريرة.

ص: 362

والجيم ومثناة تحتية فموحدة قبيلة أيضاً وفدت عليه صلى الله عليه وسلم عام الوفود سنة تسع وساقوا معهم زكاتهم وكانوا من أحسن الوفود (أجابوا الله) إخبار عنهم بأنهم أطاعوا الله ورسوله وآمنوا وفيه فضيلة لهذه القبائل الثلاث والأوليان أفضل، وفيه إشارة إلى أن تحسين الأسماء من الموصلات إلى الخير وأن منها تشتق لها صفاتها فقال في الأولى: سالمها وفي الثاني: غفر لها وفي الإخبار عنهم بالإجابة وهي من أوصاف مشتقة من الأسماء (طب عن عبد الرحمن بن سندر (1)) بالمهملات الأولى والثانية مفتوحات بينهما نون ساكنة آخره راء [1/ 292] رمز المصنف لحسنه.

1023 -

"أسلمت على ما أسلفت من خير (حم ق) عن حكيم بن حزام (صح).

(أسلمت) بفتح تاء الخطاب لحكيم بن حزام (على ما أسلفت من خير) ولفظه عند مسلم عن حكيم قلت: يا رسول الله أرأيت أموراً كنت أتحنث بها في الجاهلية من صلاة وعتاق وصدقة هل لي فيها أجر؟ قال: "أسلمت على ما أسلف لك من خير" هذا أحد ألفاظه عند الشيخين وفي رواية فقال: "أسلمت على ما أسلفت" من خير وفيه إشكال لأنه ينافي ما تقرر من أن الكافر لا قربة له قال النووي (2) في شرح مسلم: أما قوله صلى الله عليه وسلم: "أسلمت على ما أسلفت من خير" فاختلف في معناه فقال الإِمام أبو عبد الله المازري: ظاهره خلاف ما تقتضيه الأصول لأن الكافر لا تصح منه القرب ولا يثاب في طاعته ثم

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (كما في مجمع الزوائد)(10/ 46) وأخرجه البزار كما في كشف الأستار (3/ 309) رقم (2817) قال الهيثمي (10/ 46): إسنادهما حسن، وعزاه الحافظ في الإصابة (3/ 192) لأبي موسى في الذيل، وفي إسناده عبد الله بن لهيعة قال الذهبي ضعيف. المغني (3317) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (849) والسلسلة الضعيفة (2771).

(2)

شرح مسلم للنووي (2/ 142).

ص: 363

نقل عنه وجوها في تأويله وعن القاضي عياض ثم نقل عن ابن بطال أنه ذهب وغيره من المحققين إلى أنه على ظاهره وأنه إذا أسلم الكافر ومات على الإِسلام يثاب على ما فعله من الخير في حال الكفر واستدلوا بحديث أبي سعيد الخدري (1) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها". ذكره الدارقطني في غريب حديث مالك: وروي عنه من تسع طرق وثبت فيها كلها أن الكافر إذا حسن إسلامه يكتب له في الإِسلام كل حسنة عملها في الشرك، قال ابن بطال: بعد ذكر هذا الحديث: لله أن يتفضل على عبده بما شاء لا اعتراض لأحد عليه، قال وهو كقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام:"أسلمت على ما أسلفت".

قلت: ويؤيده أيضاً حديث عائشة (2) قالت: قلت: يا رسول الله إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال: "لا ينفعه إنه لم يقل: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين" ففيه إشعار بأنه لو قالها نفعه عمله في الجاهلية قال: وأما قول الفقهاء: لا يصح من كافر عبادة ولو أسلم لم يعتد بها فمرادهم أنه لا يعتد بها في أحكام الدنيا وليس فيه تعرض لثواب الآخرة، فإن أقدم قائل على التصريح بأنه إذا أسلم لا يثاب عليها رُدّ قوله بهذه السنة الصحيحة انتهى.

قلت: وكأن الفقهاء لما رأوا تقييد العمل في القرآن بوقوعه حال الإيمان جزموا بذلك كما في قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ

(1) أخرجه البخاري معلقاً، باب حسن إسلام المرء، وقال الحافظ في تغليق التعليق (2/ 44): وصله الحافظ أبو ذر الهروي في روايته للصحيح ورواه الدارقطني في غرائب مالك وانظر طرقه في التغليق.

(2)

أخرجه مسلم (214).

ص: 364

مُؤْمِنُّ} [النحل: 97] الآية. {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنُّ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء: 94] وغيرهما فدل تقييد العمل بذلك على أنه لا اعتداد بعمل صالح على غير ذلك الحال أعني حال الإيمان وقد يقال إنَّ هذا مفهوم يرد بالحديث السابق وبحديث الكتاب (حم ق عن حكيم (1) بن حزام) (2) بالحاء المهملة فيها وبعدها في الثاني زاي وحكيم صحابي جليل ولد في جوف الكعبة وعاش مائة وعشرين سنة ستين في الجاهلية وستين في الإِسلام.

1024 -

"أسلمت عبد القيس طوعًا وأسلم الناس كرها فبارك الله في عبد القيس (طب) عن نافع العبدي (ض) ".

(أسلمت عبد القيس طوعًا) هي قبيلة معروفة وقصة إسلامهم ووفادتهم في الصحيحين من حديث ابن عباس وأنهم قدموا عليه صلى الله عليه وسلم فقال: "ممن القوم؟ " قالوا: من ربيعة، قال:"مرحبا بالوفد غير خزايا ولا ندامى"[1/ 293] فقالوا: يا رسول الله إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر وإنا لا نصل إليك إلا في شهر حرام فأمرنا بأمر نأخذ به ونأمر به من وراءنا وندخل به الجنة فقال صلى الله عليه وسلم: "آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس، وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت فاحفظوهن وادعوا إليهن من وراءكم" وكان فيهم الأشج الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة"(3)(وأسلم الناس كرها فبارك الله في عبد القيس) المراد بالناس خاص وإلا فإن من الناس

(1) أخرجه أحمد (3/ 402) والبخاري (1436) ومسلم (123).

(2)

الإصابة (2/ 112).

(3)

أخرجه البخاري (53) ومسلم (17).

ص: 365

من أسلم رغبة وفيه دليل على صحة إسلام الكاره كما سلف وكإسلام المنافقين إلا أنه إسلام يصان به الدماء عن الإراقة والمال عن السلب ولا ينفع في الآخرة ما لم ينشرح به الصدر (طب عن نافع العبدي)(1) رمز المصنف لضعفه.

1025 -

"اسم الله الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، في ثلاث سور من القرآن: في البقرة، وآل عمران، وطه (هـ طب ك) عن أبي أمامة (صح) ".

(اسم الله الأعظم) صفة للإسم وأسماؤه تعالى عظيمة كلها شريفة جليلة وخص بعضها بالأعظمية إما لشرف معناه أو ما يدل عليه ولأمر استأثر الله بعلمه (الذي إذا دعي به أجاب) وصف كاشف ويحتمل أنه مخصص وأنه الاسم الذي يختص بسرعة الإجابة لمن توسل إلى الله تعالى به والمراد من الدعاء به نداءه تعالى به في قوله صلى الله عليه وسلم: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث" ونحوه ومن السؤال به أن يقسم به عليه في قوله: أسألك بأنك أنت الحي القيوم ولم يذكر هذه الصورة هنا وذكرها فيما يأتي كأنه اكتفى بأحد المتلازمين عن الآخر ويحتمل أن تلك خاصة بدعوة يونس (في ثلاث سور من القرآن) أي مذكورا وموجودًا يحتمل أنه في كل سورة أو أنه في مجموعها إلا أنه قال: القسم بعد رواية الحديث فالتمستها فإذا هي آية الحي القيوم فدل على الأول (في البقرة) وفي آية الكرسي وفي (آل عمران) في أولها (وطه) في {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111] ويدل له أيضًا حديث أنس عند أهل السنن وفيه أنه صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً دعا بدعاء في آخره يا حي يا قيوم فقال صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما قال؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم فقال: "والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه الأعظم .. "

(1) أخرجه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (9/ 390) وفي الأوسط (7996)، وفيه سليمان بن نافع العبدي ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وبقية رجاله ثقات، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (848) والسلسلة الضعيفة (2770).

ص: 366

الحديث (1) ويدل له أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا اجتهد في الدعاء قال: "يا حي يا قيوم"(2) قال بعض المحققين: وإنما كان هذا الاسم الشريف هو الاسم الأعظم لأن الحي المطلق التام الحياة لا تفوته صفة كمال البتة والقيوم لا يتعذر عليه فعل ممكن البتة فالتوسل بصفة الحياة والقيومية له أثر عجيب في إنالة كل مطلوب ويحتمل أن حديث أسماء الآتي بيان لما أجمله هنا في سورة البقرة وآل عمران ويبقى مجملاً في سورة طه غير معين هنا ويكون ذلك حثًّا على التوسل بالسورة لو لم يبين أو أن الذي أجمل في آل عمران مبين أيضًا بحديث ابن عباس الآتي ويكون قد اشتملت على اسمين من أسماء الله تعالى [1/ 394] الموصوفة بالأعظمية بناء على أن الاسم العظيم متعدد كما أرشدت إليه هذه الأحاديث وتكون الأعظمية إضافية في المذكورة أو أنه في واحد حقيقي وهو غير معين (5 طب ك عن أبي أمامة)(3) رمز المصنف لصحته.

1026 -

"اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} وفاتحة آل عمران {الم * اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (حم د ت هـ) عن أسماء بنت يزيد (صح) ".

(اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين) والمراد أنه أحد الألفاظ التي فيها ({وإلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} وفاتحة آل عمران) عطف على قوله في هاتين أي وفي فاتحة آل عمران {الم * اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وهو لا يدل على تعينه لأنه حكم عليه أنها فيها ولم يعينه فهو مثل قوله في ثلاث سور في عدم الدلالة على تعينه ومثله قوله في حديث ابن عباس في هذه

(1) أخرجه أبو داود (1495) والترمذي (3544) والنسائي (3/ 52) وابن ماجه (3858).

(2)

أخرجه الترمذي (3436).

(3)

أخرجه ابن ماجه (2856) والطبراني في المعجم الكبير (8/ 183) رقم (7758) والحاكم (1/ 505) وصححه الألباني في صحيح الجامع (979) والسلسلة الصحيحة (746).

ص: 367

الآية في قوله: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} [آل عمران: 26] والسر في طيه وعدم تعيينه أن يجتهد العبد في الكل ليوافقه فطيه في هذه الألفاظ كطي ليلة القدر وساعة الجمعة في الأوقات (حم د ت 5 عن أسماء بنت يزيد)(1) رمز المصنف لصحته.

1027 -

"اسم الله الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، في هذه الآية {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} الآية (طب) عن ابن عباس (ض) ".

(اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في هذه الآية (قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} الآية.) بالنصب أي اقرأ الآية والمراد إلى آخرها وتقدَّم وجه الجمع بين هذه الأحاديث (طب عن ابن عباس) رمز المصنف لضعفه (2).

1028 -

"اسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سئل به أعطى دعوة يونس بن متى ابن جرير عن سعد (ض) ".

(اسم الله الأعظم) أي أعظم لأنه وصفه بما وصف به الأعظم من قوله (الذي إذا دعي به أجاب) وتقدم كيفية الدعاء به (وإذا سئل به) تقدم أيضاً به (أعطى) السائل ما طلبه والفرق بين الأمرين كأنه أريد ماذا دعي به أي طلب منه كشف كربته أو تفريج غمه وإذا سئل به طلب محبوب ويحتمل أنهما بمعنى وأنه تأكيد (دعوة) خبر اسم الله (يونس بن متى) بفتح الميم وتشديد المثناة الفوقية بعدها ألف مقصورة اسم أبيه وقيل: اسم أمه وهي التي حكاها الله تعالى في قوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] وهذا

(1) أخرجه أحمد (6/ 461) وأبو داود (1496) والترمذي (3478) وابن ماجه (2855) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (980).

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/ 171) رقم (12792) قال الهيثمي (10/ 156): رواه الطبراني في الأوسط وفيه جسر بن فرقد وهو ضعيف انظر المغني (1126) والميزان (2/ 124) وفيه ابنه جعفر بن جسر ضعيف انظر المغني (1136) والميزان (2/ 130).

وفي إسناده أيضا محمد بن زكريا الغلابي قال الدارقطني يضع الحديث. انظر المغني (5512) وقال الألباني في ضعيف الجامع (852) والسلسلة الضعيفة (2772): موضوع.

ص: 368

إخبار بأن اسم الله الموصوف بما ذكر هو هذا اللفظ وقد أخرج الحاكم في المستدرك (1) اسم الله الأعظم دعاء يونس قال رجل: يا رسول الله هل كانت ليونس خاصة؟ فقال: "ألم تسمع قوله: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِيينَ} [الأنبياء: 88] فأي رجل دعا به في مرضه أربعين مرة فمات في مرضه ذلك إلا أعطي أجر شهيد وإن برأ برأ مغفوراً له". وأما كون هذه دعوة مع أن ظاهرها اعتراف بالدنيا وتوحيد للرب قد أشرنا سابقًا إلى أنه من أنواع الدعاء ما كان على مثال هذا التركيب، ولابن تيمية رسالة مستقلة في الكلام على هذه الآية بين فيها كونها دعاء وأطال فيها وأطاب (ابن جرير عن سعد) رمز المصنف لضعفه (2).

1029 -

"إسماع الأصم صدقة (خط) في الجامع عن سهل بن سعد (ض) ".

(إسماع الأصم) كلاماً ينفعه ولو كلمة واحدة (صدقة) في أجرها وهو داخل تحت حديث "كل معروف صدقة"(3)(خط في الجامع عن سهل بن سعد)(4) رمز المصنف لضعفه.

1030 -

"أسمح أمتي جعفر المحاملي، في أماليه وابن عساكر عن أبي هريرة

(1) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 506) وفي إسناده: عمرو بن السكسكي قال ابن عدي: له مناكير كما في المغني في الضعفاء (4634).

(2)

أخرجه ابن جرير (17/ 82) وفي إسناده: علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. انظر التقريب (4734)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (854) والسلسلة الضعيفة (2275).

(3)

أخرجه البخاري (5675)، ومسلم (1006).

(4)

أخرجه الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي (1/ 413) رقم (990)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (851) والسلسلة الضعيفة (1752): ضعيف جداً في إسناده ثلاث علل:

1 -

إسماعيل بن قيس بن سعد قال البخاري والدارقطني منكر الحديث وقال النسائي وغيره ضعيف. التاريخ الكبير (1/ 370) والميزان (1/ 405).

2 -

أحمد بن عبد الصمد ساق له الذهبي حديثا وقال لا يعرف والخبر منكر. الميزان (1/ 257)

3 -

أحمد بن حبيب النهرواني لم أجد له ترجمة.

ص: 369

(ض) ".

(أسمح أمتي جعفر) هو ابن أبي طالب رضي الله عنه أسلم قديماً وهاجر إلى الحبشة وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة سبع وهو بخيبر وشرفه ظاهر وهو ذو الجناحين يطير مع الملائكة كما أخرجه الترمذي (1) وكان مشهوراً بالسماحة حتى كان يدعى أبا المساكين كما أخرجه الترمذي أيضاً من حديث (2) أبي هريرة قال: كنا ندعوا جعفر بن أبي طالب أبا المساكين كنا إذا أتيناه قرب إلينا ما حضر فأتيناه يوماً فلم نجد عنده شيئاً فأخرج جرة من عسل فكسرناها وجلعنا نلعق منها. وأخرج البغوي من حديثه أيضاً قال: كان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه أبا المساكين وأخرجه الترمذي أيضًا وغيره [1/ 295] وأخرج البخاري (3) من حديثه أيضًا وفيه: كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب وكان ينقلب بنا فيطعمنا ما في بيته حتى أنه كان يخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء فيشقها فنلعق ما فيها وقد ورث منه السماحة ولده عبد الله بن جعفر قال الحافظ ابن عبد البر (4): كان عبد الله جواداً ظريفاً حليماً مفيضاً سخياً سمي بحر الجود يقال أنه لم يكن في الإِسلام أسخى منه (المحاملي) بفتح الميم بعدها حاء مهملة وكسر الميم الثانية نسبه إلى المحامل جمع محمل وهو القاضي العلامة الحافظ شيخ بغداد ومحدثها أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل الضبي البغدادي ولد سنة 235 وسمع من عوالم وصنف وجمع وروى عنه الدارقطني وعالم قال الخطيب: كان فاضلاً دينا صادقاً

(1) أخرجه الترمذي (3763) وقال: هذا حديث غريب، وفي إسناده عبد الله بن جعفر والد ابن المديني وهو ضعيف.

(2)

أخرجه الترمذي (3767) من رواية أبي هريرة وقال: حسن غريب.

(3)

أخرجه البخاري (5432).

(4)

الاستيعاب (3/ 881).

ص: 370

شهد عند القضاة وله عشرون سنة وولي قضاء الكوفة ستين سنة وكان محموداً في ولايته توفي سنة 330 (1)(في أماليه وابن عساكر عن أبي هريرة)(2) رمز المصنف لضعفه وبيض له الديلمي.

1031 -

"اسمح يسمح لك (حم طب هب) عن ابن عباس (ح) ".

* (اسمح يسمح لك) المسامحة المساهلة أي سهّل يسهل عليك قاله في النهاية (3) والمعنى أن تسهيلك للعباد سبب تسهيل الله لك ويلين لك قلوب العباد فيسمعوا لك وفيه حديث: "السماح رباح"(4) وقد يكون سماحة العبد سببًا لسماحة الله له ومغفرته له ذنوبه وفوزه بأعظم خير الدارين كما في حديث أبي هريرة مرفوعاً "أن رجلاً لم يعمل خيراً قط وكان يداين الناس وكان يقول لرسوله حط ما تيسر واترك ما تعسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا قال الله تعالى: قد تجاوزتُ عنه"، أخرجه الحاكم وصححه وابن حبان والنسائي (5) وأخرج الشيخان (6) عن حذيفة وأبي مسعود: "أن رجلاً ممن كان قبلكم أتاه ملك الموت ليقبض نفسه فقال: هل عملت خيراً قط؟ قال: ما أعلم. قال له: انظر، قال: ما أعلم غير أني كنت أبايع الناس فأتجاوزهم وأتجاوز عن المعسر فأدخله الله

(1) ينظر: تاريخ بغداد (8/ 19) وتذكرة الحفاظ (3/ 824).

(2)

أخرجه المحاملي في أماليه، وابن عساكر كما في الكنز (33188) قال المناوي في الفيض (1/ 512) رمز السيوطي لضعفه ولم يقف له الديلمي على سند فبيض له. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (856).

(3)

النهاية (2/ 990).

(4)

أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (23)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (3354): ضعيف، وفي السلسلة الضعيفة (1557): منكر في إسناده عبد الله بن إبراهيم الغفاري قال الحافظ في التقريب (3199) متروك.

(5)

أخرجه النسائي في السنن (7/ 318) وابن حبان (5043) والحاكم (2/ 33).

(6)

أخرجه البخاري (2077) ومسلم (1560).

ص: 371

الجنة" (حم طب هب عن ابن عباس)(1) رمز المصنف لحسنه وقال العراقي رجاله ثقات وقال تلميذه الهيثمي: في رواية أحمد شيخه مهدي بن جعفر فيه كلام وقد وثقه غير واحد، ورواه الطبراني في الأوسط والصغير ورجالهما رجال الصحيح.

1032 -

"اسمحوا يسمح لكم (عب) عن عطاء مرسلاً (ض) ".

(اسمحوا) خطاب للأمة (يسمح لكم) أي تكن سماحتكم سبباً لأن يسمح الله لكم مكافأة على المسامحة بالمسامحة كما سلف قريبًا (عب عن عطاء مرسلاً)(2) رمز المصنف لضعفه.

1033 -

"اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي كان رأسه زبيبة (حم خ هـ) عن أنس (صح) ".

(اسمعوا) أمر أمرائكم ونواهيهم (وأطيعوا) كونوا قائلين سمعنا وأطعنا لا كالذين قالوا سمعنا وعصينا (وإن استعمل) جعل عاملاً عليكم (عبد حبشي) ظاهر عمومه ولو إماماً إلا أنه خصصه حديث "الأئمة من قريش"، فيراد هنا استعمله الإِمام (كأن رأسه زبيبة) أي غير معتدل الخلقة ولا تام الصفة والمراد السمع والطاعة في غير معصية لحديث:"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"(3) وقيل: المراد ولو كان إماماً بأن تغلب على المنصب فإنه يطاع

(1) أخرجه أحمد (1/ 248) والطبراني في الصغير (1196) وفي الأوسط (5112) والبيهقي في الشعب (11258)، وقال المنذري (2/ 354): رجاله رجال الصحيح إلا مهدي بن جعفر وقول الهيثمي في المجمع (4/ 74): فيه مهدي بن جعفر وثقه ابن معين وغيره وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح، وانظر قول العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (2/ 84 رقم 2). وصححه الألباني في الجامع (982) والسلسلة الصحيحة (1456).

(2)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1/ 148) رقم (569) مرسلاً وانظر طرقه في تاريخ دمشق (63/ 279).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (3917)، والخطيب في تاريخ بغداد (3/ 145).

ص: 372

والمسألة بتحقير الخلاف (حم خ 5 عن أنس) ابن مالك (1).

1034 -

"أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته: لا يتم ركوعها، ولا سجودها، ولا خشوعها (حم ك) عن أبي قتادة الطيالسي (حم ع) عن أبي سعيد (صح) ".

(أسوأ الناس سرقة) شرهم من حيث السرقة (الذي يسرق من صلاته) وبينه بقوله (لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها) فهي جملة بيانية ولذا جُرّدت عن العاطف، والمراد بالتمام ما في حديث رفاعة وصححه الحاكم (2) وأخرجه الأئمة وصدره:"أنه لا يتم صلاة أحدكم -إلى أن قال:- فيركع فيضع كفيه على ركبتيه ويرفع حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ثم يقول: [1/ 296] سمع الله لمن حمده فيستوي قائماً حتى يأخذ كل عضو مأخذه ويضع صلبه ثم يكبر فيسجد فيمكن جبهته من الأرض حتى تطمئن مفاصله ويسترخي ثم يكبر فيرفع رأسه فيستوي قاعداً على مقعدته ويقيم صلبه ثم يكبر فيسجد حتى يمكن وجهه ويسترخي لا يتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك" انتهى.

والخشوع لغة: الخضوع ويريد هنا خشية القلب والباد البصر كما قال قتادة: هو إلزامه موضع سجوده وكان الرجل إذا قام إلى الصلاة هاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء أو يحدث نفسه بشأن من شأن الدنيا وقيل هو جمع الهمة لها والإعراض عما سواها فإن قيل: قد ثبت في عدة من الأحاديث أن الذنوب ثلاثة: أحدها: يغفره الله وهو ما بينه وبين عبده، وثانيها: ما لا يتركه وهو ذنوب العباد فيما بينهم، وسرقة الصلاة من الأول وسرقة العباد من الثاني، فكيف جعلت سرقة الصلاة أسوأ السرقات؟ قيل: لأنها سرقة لم ينل صاحبها منها

(1) أخرجه أحمد (3/ 114) والبخاري (696) وابن ماجه (2860).

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 241 - 242) وكذلك أبو داود (859) والنسائي (2/ 20، 193) والترمذي (302) وابن ماجه (460) وقال الترمذي: حديث حسن وحسّن إسناده البزار.

ص: 373

سوى الإثم فلا نفع له فيها البتة بخلاف سرقة المال ففيها نفع له في الدنيا فكأن له حامل على سرقته بخلاف سارق الصلاة، ولأن سارق الصلاة قد أضاع من الأجر ما لا عين رأت ولا أذن سمعت وأصاب من العقوبة على سرقتها أشد من عقوبة سارق المال فإن عقوبته قطع عضو منه في دار الزوال فكان سارق الصلاة أسوأ من كل سارق سَرِقة (حم ك عن أبي قتادة)(1) رمز المصنف لصحته (الطيالسي حم ع عن أبي سعيد).

1035 -

"أشبه من رأيت بجبريل دحية الكلبي، ابن سعد عن ابن شهاب".

(أشبه من رأيت) في الخلقة (بجبريل) حين يأتي في صورة إنسان (دحية) بكسر الدال المهملة وسكون الحاء المهملة ثم مثناة تحتية كذا يرويه أئمة الحديث وقال أبو نصر ابن ماكولا (2): أنه بالفتح وهو دحية بن خليفة (الكلبي) رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ملك الروم وهو من أكابر الصحابة لم يشهد بدراً وشهد ما بعدها والحديث إخبار بأنه كان يأتيه جبريل في صورة الآدمي وفيه دليل على شكل الملك وقد قال الله تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17](ابن سعد عن ابن شهاب)(3) هو محمد بن شهاب الزهري وكان على المصنف أن يقول مرسلاً لأن ابن شهاب تابعى.

1036 -

"اشتد غضب الله على من زعم أنه ملك الأملاك، لا ملك إلا الله (حم ق) عن أبي هريرة، الحارث عن ابن عباس"(صح) ".

(1) أخرجه أحمد (5/ 310) وقال الهيثمي (2/ 120): رجاله رجال الصحيح. والحاكم (1/ 229) عن أبي قتادة وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الذهبي: على شرطهما. والطيالسي (9/ 22) وأحمد (3/ 56) وأبو يعلى (1311) عن أبي سعيد. وصححه الألباني في صحيح الجامع (986).

(2)

الإكمال (3/ 314)، والإصابة (2/ 384).

(3)

أخرجه ابن سعد في الطبقات (4/ 250) مرسلاً.

ص: 374

(اشتد غضب الله) وهو إرادته الانتقام (على من زعم أنه ملك الأملاك) هو مثل حديث أبي هريرة: "أخنع اسم عند الله رجل يسمى ملك الأملاك لا ملك إلا لله" قال سفيان: مثل شاهان شاه وتقدم كلام في أخنع والمراد بزعم تسمى فإنه ادعاء لنفسه رتبة ليست له (لا ملك إلا لله) هو مثل قاضي القضاة وحاكم الحكام وقد أجيز ذلك والأظهر منعه (حم ق عن أبي هريرة) و (الحارث)(1) هو ابن أبي أسامة (عن ابن عباس).

1037 -

"اشتد غضب الله على الزناة أبو سعد الجرباذقاني في جزئه وأبو الشيخ في عواليه (فر) عن أنس (ض) ".

(اشتد غضب الله على الزناة) جمع زان، عام للذكور والإناث (أبو سعد الجو باذقاني) بفتح الجيم فسكون الواو فموحدة فذال معجمة بعد الألف فقاف بعدها نون وياء نسبة إلى بلد بالعراق (2) (في جزئه) الذي جمعه في الحديث (وأبو الشيخ في عواليه) أحاديثه التي رواها بسند عال (فر عن أنس) (3) رمز المصنف لضعفه لأن فيه بقية بن عباد بن كثير فإن كان الثقفي فمتروك وإن كان الرملي فضعيف وعمران القصير عن أنس ذكره الذهبي في الضعفاء لكن قيل: تقوى

(1) أخرجه أحمد (2/ 492)، والبخاري (6205) ومسلم (2143) عن أبي هريرة، والحارث (كما في الكنز 45244) عن ابن عباس.

(2)

هو محمد بن إبراهيم بن داود الجرباذقاني، قال أبو الشيخ: شيخ ثقة أصول كثير الحديث. قدم علينا سنة إحدى عشرة وثلاثمائة. انظر طبقات المحدثين بأصبهان (4/ 94)، وورد في الأصل "الجوباذقاني" والصحيح أنه "الجرباذقاني". والله أعلم.

(3)

أخرجه أبو سعد والجرباذقاني في جزئه وأبو الشيخ في عواليه (1/ 1124) والديلمي (1/ 1/ 115) في الفردوس كما في الكنز (13001) وفي المداوي (1/ 559) رقم (511) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (858) والسلسلة الضعيفة (2776) في إسناده عباد بن كثير إن كان الثقفي البصري -وهو الأقرب- فهو متروك (التقريب 1339)، وإن كان الرملي الفلسطيني فضعيف (التقريب3140)، وإنما استقربت أنه الثقفي البصري؛ لأن شيخه (عمران القصير) وهو ابن مسلم، بصري أيضاً، والله أعلم ..

ص: 375

بتعدد طرقه.

1038 -

"اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على القوم ولدا ليس منهم، يطلع على عوراتهم، ويشركهم في أموالهم البزار عن ابن عمر (ح) ".

(اشتد غضب الله على امرأة أدخلت [1/ 297] على قوم ولداً ليس منهم) وذلك بأن تفجر فتعلق وتلد وتزعم أنه منهم (فيطلع على عوراتهم) محارمهم وما لا يحل للأجنبي نظره والإطلاع عليه (ويشاركهم في أموالهم) بالإنفاق والإرث منهم فاشتداد غضبه تعالى عليها لتعدي معصيتها إلى الغير وخلطها لأنسابهم فيكون اشتداد غضبه تعالى من جهتين من جهة الزنا ومن جهة إدخالها عليهم من ليس منهم (البزار عن ابن عمر)(1) رمز المصنف لحسنه وقال الشارح: فيه إبراهيم بن يزيد وهو ضعيف ولذلك رمز المصنف لضعفه لكن الذي رأيناه فيما قوبل على خط المصنف الرمز لحسنه.

1039 -

"اشتد غضب الله على من آذاني في عترتي (فر) عن أبي سعيد (ض) ".

(اشتد غضب الله على من آذاني في عترتي) أي بسبهم ضابط في تعليله أي أوصل إلى الأذى سبب إيذائه لعترتي، وعترة الرجل. أخص أقاربه وعترته صلى الله عليه وسلم بنو عبد المطلب وقيل أهل بيته الأقربون وهم بنو أولاده صلى الله عليه وسلم وعلي رضي الله عنه وأولاده وقيل عترته الأقربون والأبعدون منهم وفيه الوعيد لمن آذى قرابته صلى الله عليه وسلم فكيف من سفك دمائهم وأخافهم وشردهم وقد توعد الله الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات فهذا زيادة في حق من آذى العترة لقربهم منه صلى الله عليه وسلم (فر عن أبي

(1) أخرجه البزار كما في كشف الأستار (2/ 141) رقم (1386) وقال الهيثمي: المجمع (4/ 225): فيه إبراهيم بن يزيد وهو ضعيف. وكذلك الطبراني في الأوسط (4694) عن ابن عمر وأوره ابن عدي في الكامل (1/ 225 - 227) في ترجمة إبراهيم بن يزيد الخوزي وقال: لين الحديث، وقال الألباني في ضعيف الجامع (859) والسلسلة الضعيفة (2780): ضعيف جداً.

ص: 376

سعيد) (1) رمز المصنف لضعفه لأن فيه أبو إسرائيل الملائي ضعفوه.

140 -

"اشتد غضب الله على من ظلم من لا يجد ناصرًا غير الله (فر) عن علي (ض) ".

(اشتد غضب الله على من ظلم من لم يجد ناصراً) لضعفه وعجزه فلا ناصر له من العباد ولا يجد (غير الله) له ناصراً وذلك لأن من له ناصر قد يترك الظالم ظلمه خوفا ممن ينصره (فر عن علي) رمز المصنف لضعفه (2).

1041 -

"اشتدي أزمة تنفرجي القضاعي (فر) عن علي (ض) ".

(اشتدي أزمة تنفرجي) في النهاية (3): الأزمة السنة المجدبة يقال إن الشدة إذا تبالغت انفرجت وإذا توالت تولت. قلت: وفي كلام النهج: عند اشتداد الأمور يكون الفرج والأمر للأزمة بالاشتداد مجاز عقلي من باب {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} [المزمل: 17] وقرينته عقلية والحديث إعلام بأن شدة الأمر بعدها الفرج وأنه يتوقعه العبد عند زيادة الأمر في الشدة، وفي كلام البعض عند انسداد الفُرج يكون انفتاح الفرج (القضاعي) بضم القاف وتخفيف الضاد المعجمة نسبة إلى قضاعة قبيلة قاله ابن الأثير في الجامع (فر عن علي)(4) رمز المصنف لضعف

(1) أخرجه الديلمي في الفردوس كما في الكنز (34143)، (1/ 1/ 116) وكما في المداوي (1/ 559) رقم (512)، وأورده ابن عدي في الكامل (6/ 301) في ترجمة محمد بن محمد بن الأشعث أبو الحسن الكوفي وقال: عامة أحاديثه مناكير وكان عنده تشيع شديد. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (860) والسلسلة الضعيفة (2776).

(2)

أخرجه الديلمي في الفردوس (8080) وكذا القضاعي (1452) والطبراني في الأوسط (2207) والصغير (71) وقال الهيثمي (4/ 206): فيه مسعر بن الحجاج النهدي كذا هو في الطبراني ولم أجد إلا مسعراً بن يحيى النهدي ضعفه الذهبي بخبر ذكره له وأورده الغماري في المداوي (1/ 559) رقم (513)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (861) والسلسلة الضعيفة (2392): ضعيف جداً.

(3)

النهاية (1/ 47).

(4)

أخرجه الديلمي في الفردوس (1731) وأورده الذهبي في الميزان (2/ 293) في ترجمة الحسين بن عبد الله بن ضميرة والقضاعي (748)، قال العجلوني (1/ 141): رواه العسكري والديلمي والقضاعي=

ص: 377

لأنه من رواية أمية بن خالد عن الحسين بن عبد الله بن حمزة عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه. قال في الميزان: والحسين كذبه مالك وأبو حاتم وتركه أبو زرعة، وقال البخاري: منكر الحديث ضعيف ثم ساق من مناكيره هذا الحديث، وقال ابن أبي إدريس: كان يتهم بالزندقة.

1042 -

"اشتروا الرقيق، وشاركوهم في أرزاقهم، وإياكم والزنج فإنهم قصيرة أعمارهم، قليلة أرزاقهم (طب) عن ابن عباس (ض) ".

(اشتروا الرقيق) الأمر للإرشاد وتقدم تفسير الرقيق ويطلق على الجماعة أيضا وقوله (وشاركوهم في أرزاقهم) كالبيان لوجه الأمر وأن الله جعل لكل نفس رزقا معلوماً ورزق المملوك رزق لمالكه لأنه تعالى جعل له فيه كل تصرف (وإياكم والزنج) بفتح الزاي وسكون النون والجيم هم جيل من السودان ووجه التحذير ما أفاده قوله (فإنهم قصيرة أعمارهم) فلا يكمل الانتفاع بهم (قليلة أرزاقهم) وهو حكم أغلب لأن أفراد هذا النوع كلهم كذلك وفيه إرشاد إلى تحصيل منافع الدنيا ودفع مفاسدها (طب عن ابن عباس)(1)[1/ 298] رمز المصنف لضعفه.

1043 -

"أشد الناس عذابًا في الدنيا أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة (حم هب) عن خالد بن الوليد (ك) عن عياض بن غنم وهشام بن حكيم (صح) ".

(أشد الناس للناس عذابًا في الدنيا) أي من كان معذباً لعباد الله في الدنيا كملوك الجور وأعوانهم فإنه (أشد الناس عذابًا) أي تعذيباً (عند الله يوم القيامة)

=بسند فيه كذاب. وقال الألباني في ضعيف الجامع (861) والسلسلة الضعيفة: ضعيف جداً.

(1)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (10/ 287) رقم (10680) قال الهيثمي (4/ 235): فيه من لم أعرفه، وقال الألباني في ضعيف الجامع (863) والسلسلة الضعيفة (725): موضوع إسناده مظلم لا تعرف عدالة واحد من رجاله غير علي بن عبد الله بن عباس وهو ثقة كما قال الحافظ في التقريب (4761) وأما ابنه سليمان فهو كما قال ابن القطان هو مع شرفه في قومه لا يعرف حاله في الحديث وقال الحافظ مقبول. انظر تهذيب التهذيب (4/ 185) والتقريب (2596) وفيه حفص بن عمر المازني قال الحافظ في اللسان (2/ 329) لا يعرف.

ص: 378

جزاء على تعذيبه العباد في دار الدنيا ويؤخذ منه أن أرفق الناس بالعباد أرفعهم في الآخرة (حم هب عن خالد (1) بن الوليد) رمز المصنف لصحته (ك عن عياض) بكسر المهملة فتحتانية آخره ضاد معجمة (بن غنم) بفتح الغين المعجمة وسكون النون (وهشام بن حكيم).

1044 -

"أشد الناس يوم القيامة عذابًا إمام جائر (ع طس حل) عن أبي سعيد (ح) ".

(أشد الناس عذاباً يوم القيامة إمام جائر) تقدم الكلام في ذلك في شرح: آفة الدين، أول هذا الجزء وفيه تسميه الجائر إمامًا في لسان الشرع (ع طس حل (2)) عن أبي سعيد رمز المصنف لحسنه.

1045 -

"أشد الناس عذابًا يوم القيامة من يُرى الناس أن فيه خيرًا ولا خير فيه أبو عبد الرحمن السلمي في الأربعين (فر) عن ابن عمر (ض) ".

(أشد الناس عذابا يوم القيامة من يرى) بضم التحتية المثناة من إراءة (الناس أن فيه خيرًا ولا خير فيه) وذلك بتصنعه وإظهار التعفف والديانة مما يكون إمارة لظنهم به خيراً ويبطن خلاف ما يظهره فيأتي ما نهى عنه ويترك ما أمر به غيره ويثب على الدنيا إذا لاحت له وهذا هو الذي ورد فيه حديث أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب

(1) أخرجه أحمد (4/ 90) والبيهقي في الشعب (7469) عن خالد بن الوليد وقال الهيثمي (5/ 234): رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح خلا خالد بن حكيم وهو ثقة والحاكم (3/ 290) عن عياض بن غنم وهشام بن حكيم وقال: حديث صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: ابن زريق واهٍ وصححه الألباني في صحيح الجامع (998) والسلسلة الصحيحة (1442).

(2)

أخرجه أبو يعلى (1088) والطبراني في الأوسط (1595) وأبو نعيم في الحلية (10/ 114) عن أبي سعيد قال الهيثمي (5/ 197): فيه عطية وهو ضعيف، وقال المناوي (1/ 517): فيه محمد بن جحادة قال الذهبي في الضعفاء كان يغلو في التشيع انظر المغني في الضعفاء (5352) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1001).

ص: 379

بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحا فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه" (1) ويحتمل أنه الذي يرائي وإن لم يأت خلاف ما يظهر ويحتمل شموله للأمرين. (أبو عبد الرحمن السلمي في الأربعين فر عن ابن عمر) (2) رمز المصنف لضعفه لأن فيه الربيع بن بدر قال الذهبي: قال الدارقطني: متروك.

1046 -

"أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله (حم ق ن) عن عائشة رضي الله تعالى عنها (صح) ".

(أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة الذي يضاهون) يشبهون (بخلق الله) والمضاهاة المشابهة وقد تهمز قاله في النهاية (3)، والمراد الذين يصورون صور ما خلق الله وظاهره العموم في تصوير الحيوان والجماد إلا أنه قد أجاز الفقهاء ما عدا الحيوانات لدلائل خصصت هذا العموم ويأتي في التصوير وعيد شديد وضاهى يعدي بنفسه إلا أنه هنا عدي بالباء لتضمنه يمثلون أي يضاهون ممثلين (حم ق ن عن عائشة)(4).

1047 -

"أشد الناس عذابًا يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه (طص عد هب) عن أبي هريرة (ض) ".

(1) أخرجه البخاري (3267) ومسلم (2989).

(2)

أخرجه أبو عبد الرحمن السلمي في الأربعين في التصوف (1/ 8) باب المجاهدة في استواء السر مع الظاهر، وعزاه المناوي (1/ 517) لأبي عبد الرحمن السلمي في الأربعين والديلمي وقال: فيه الربيع بن بدر قال الذهبي قال الدارقطني وغيره متروك انظر المغني (2087) وفي إسناده أيضا أبو عبد الرحمن السلمي متهم بوضع الأحاديث للصوفية. انظر سير أعلام النبلاء (17/ 252).

وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (2782) موضوع. وانظر السلسلة الضعيفة (2782).

(3)

النهاية (3/ 106).

(4)

أخرجه أحمد (6/ 36) والبخاري (5954) ومسلم (2107)، والنسائي (8/ 214).

ص: 380

(أشد الناس عذابًا يوم القيامة) أي من العلماء (عالم لم ينفعه علمه) لم يعمل بما علمه فلم ينفعه الله بالجزاء عليه لأنه لم يعمل أو لم يوفقه للانتفاع بعلمه لعدم النظافة وقبوله لنعمة الله عليه وتقدم أن العلماء العاملين سرج الدنيا ومصابيح الآخرة وأما غير العاملين فإنه تعالى قد بين حكمهم في كتابه وضرب لهم مثلين بأخس الحيوانات الكلب والحمار {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ

} [الجمعة: 5] الآية. {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ

} [الأعراف: 176] الآية. ووجه أشدية عذابه أنه عرف ما يضره وما ينفعه فعذب لتركه النافع من علمه به وعذاب من ارتكب الضار مع علمه مضرته وعذاب من بدل نعمة الله كفرًا (طص عد هب عن أبي هريرة)(1) رمز المصنف لضعفه وضعفه المنذري والعراقي وذلك لأن فيه عمارة ابن مقسم قال الذهبي في الضعفاء: كذبه غير واحد وقال في الميزان: متروك، لكن للحديث أصل روى الحاكم (2) من حديث [1/ 299] ابن عباس في المستدرك:"أشد الناس عذابا من قتل نبيا أو قتله نبي والمصورون وعالم لم ينتفع بعلمه".

1048 -

"أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يُبْتَلَى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صُلْبًا اشتد بَلَاؤُهُ وإن كان في دينه رِقَّةٌ ابْتُلِىَ على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يَتْرُكَهُ يمشي على الأرض وما عليه خَطِيئَةٌ (حم خ ت هـ) عن سعد بن أبي وقاص) "(صح).

(أشد الناس بلاء) قال القتيبي (3): يقال في الخير أبلاه الله وأبليته إبلاء وفي

(1) أخرجه الطبراني في الصغير (507) قال الهيثمي (1/ 185): فيه عثمان البري قال الفلاّس: صدوق لكنه كثير الغلط صاحب بدعة ضعفه أحمد والنسائي، وابن عدي في الكامل (5/ 158) في ترجمة عثمان البري وهو متروك وانظر الميزان (5/ 72) واللسان (4/ 155) والمجروحين (2/ 101). والبيهقي في الشعب (1778) وقال الألباني في ضعيف الجامع (868) والسلسلة الضعيفة (617): ضعيف جداً.

(2)

لم أجده في المستدرك وأخرجه البيهقي في الشعب (7888) من طريق الحاكم، وأحمد (1/ 407).

(3)

انظر: النهاية (1/ 411).

ص: 381

الشر بلوته وأبلوه بلاء والمعروف إن الابتلاء يكون في الخير والشر معاً ومنه قوله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35](الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل) أي الأشرف فالأشرف والأعلى فالأعلى في الرتبة والمنزلة يقال هذا أمثل من هذا أي أفضل وأدني إلى الخير وأماثل الناس خيارهم (يبتلي الرجل) والمرأة (على حسب) قدر (دينه) وهذه جملة استئنافية بيان للأشدية وفصَّلها بقوله (فإن كان في دينه صلباً) بضم الصاد والمهملة من الصلابة الشدة (اشتد بلاؤه) زيادة له في الأجر في دار الخلود (وإن كان في دينه رقة) خلاف الصلابة وهما من صفات الأجسام إلا أنهما استعيرا للمعاني (ابتلي على قدر دينه) وقد أفيد هذا التفصيل أنه أريد بالناس المؤمنون لأنهم الذين يتصفون بالدين صلابة ورقة (فما يبرح) هو كالسبحة والتفريع على ما قبله (البلاء بالعبد) أي المؤمن (حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) من كبيرة ولا صغيرة هذا ظاهره وإن كان الجماهير قالوا: إن الكبائر لا تكفر إلا بالتوبة وإذا قد عرفت أن الابتلاء يكون بالخير والشر فالابتلاء هنا يحتمل أن المراد بالشر فقط من الألم والفقر كما يرشد إليه حديث أبي سعيد الآتي وقد كان أحدهم يبتلي بالفقر

الخ.

ويحتمل أن المراد الأعم من الخير والشر كما قال نبي الله سليمان عليه السلام: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَيي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: 40] ويدخل سليمان في عموم الأنبياء، إن قيل: في الناس من هو أشد بلاء من الأنبياء؟ قيل: لا يبلغ أحد مبلغ الأنبياء في الابتلاء فإنهم قلدوا أمراً عظيماً من التلقي عن الله والتبليغ إلى العباد والصبر على آذاهم لهم من التكذيب والسخرية ونسبة الجنون والسحر إليهم والتوعد بهم بالرجم والإخراج وغير ذلك. إن قلت: ما الحكمة في اختصاص الله سبحانه للأمثل فالأمثل بالابتلاء.

قلت: أما الأنبياء فلزيادة الدرجات واليتامى بهم أتباعهم وأما الأمثل من

ص: 382

غيرهم فلما أشار إليه الحديث من أن الابتلاء يحط عنهم الذنوب حتى أنهم يمشون على الأرض وليس عليهم خطيئة فيقدمون عليه تعالى وقد غسلوا من أدران الذنوب وخلصوا عنها ولترفع لهم الدرجات في الجنان وقد قيل له صلى الله عليه وسلم: "إنك لتوعك كما يوعك رجلان، قال: "أجل" قيل له ذلك لأن لك أجرين قال: "أجل" (1) وقال ما معناه: أن أهل العافية يودون في الآخرة لو قرضوا في الدنيا بالمقاريض لما يرونه من أجور أهل البلاء (2)(حم خ ت هـ عن سعد) قال الشارح: عزا المصنف الحديث إلى البخاري تبعاً للحافظ ابن حجر في ترتيب الفردوس وإلا فقد قيل لم يوجد في البخاري انتهى. ومراده أنه لم يوجد في البخاري بهذا اللفظ فيه [1/ 300] وإلا فإنه بمعناه موجود فيه في كتاب الموصي وغيره (3).

1049 -

"أشد الناس بلاء في الدنيا نبي أو صفي) (تخ عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم"(ح).

(أشد الناس بلاء في الدنيا نبي أو صفي) بفتح الصاد المهملة والياء بزنة غني وهو من اصطفاه الله أي اختاره فهو أعم من النبي وفيه واصطفيتك على الناس وفي القاموس (4): الصفي كغني الحبيب الصافي (تخ عن أزوج النبي صلى الله عليه وسلم) رمز المصنف لحسنه وقال الشارح: أي عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (5).

(1) أخرجه الطيالسي (37).

(2)

أخرجه الترمذي (2402)، والبيهقي في الكبرى (3/ 375).

(3)

أخرجه أحمد (1/ 172)، والترمذي (2398) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (4023)، وعبد بن حميد (146)، والدارمى (2783) وابن حبان (2901)، والحاكم (1/ 100). قال الغماري في المداوى (1/ 565): هذا الحديث غير موجود عند البخاري. وصححه الألباني في صحيح الجامع (992) والسلسلة الصحيحة (143).

(4)

القاموس المحيط (ص1680)

(5)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 115).=

ص: 383

1050 -

"أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل (طب عن فاطمة بنت اليمان) "(ح).

(أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون) المعروفون بالصلاح (ثم الأمثل فالأمثل) كما سلف قريباً (طب عن أخت حذيفة) بن اليمان فاطمة أو خولة (1) رمز المصنف لحسنه (2).

1051 -

"أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون لقد كان أحدهم يبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يُجَوِّيها فيلبسها ويبتلى بالقمل حتى يقتله ولأحدهم كان أشد فرحاً بالبلاء من أحدكم بالعطاء (هـ ع ك) عن أبي سعيد) "(صح).

(أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون) ثم بين بعض أحوالهم في الابتلاء (لقد كان أحدهم) الأنبياء أو الصالحون (يبتلي بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة) بالمد والهمزة (يجوبها) بالجيم والموحدة وتشديد الواو أي يقطع وسطها قال في النهاية (3): كل شيء قطع وسطه فهو مجوب ومنه سمي حبيب القميص يقال اجتببت القميص والظلام إذا دخلت فيهما ومنه حديث: "أتاه قوم مجتابي

=وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (865) وقال في السلسلة الضعيفة (7013) منكر جدا. وقال البخاري: قاله أصبغ عن ابن وهب عن أبي نعيم. كذا وقع فيه: (أبي نعيم)، ويظهر أنه تحريف (ابن أنعم)؛ فقد علق عليه محققه الفاضل بقوله: من (صف)، كذا وقع فيها: عن أبي نعيم، وأراه تحريفاً، وإنما ذكر ابن أبي حاتم وابن حبان (عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي)، ويعرف بـ (ابن أنعم) -كما في ترجمته من الكتب-. والله أعلم.

قلت: وبيض له البخاري وابن أبي حاتم؛ فلم يذكروا فيه جرحاً ولا تعديلاً؛ فهو في عداد المجهولين. وهو غير (نهشل بن سعيد) الراوي عن الضحاك، وعنه جماعة؛ وهو كذاب. وإنما استنكرت الحديث لضعف إسناده، ومخالفته للأحاديث الصحيحة في ابتلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل؛ لخلوها من لفظة؛ (صفي).

(1)

الإصابة (7/ 627).

(2)

أخرجه الطبراني (24/ 245، رقم 629). وصححه الألباني في صحيح الجامع (994).

(3)

النهاية (1/ 832).

ص: 384

النمار" (1) أي لابسيها (فيلبسها ويبتلي بالقمل) بكثرته (حتى يقتله ولأحدهم) عطف على القسم الأول الدال عليه لام لقد (كان أشد فرحاً بالبلاء) لما يعلمه من الأجر فيه (من أحدكم بالعطاء).

إن قلت: كراهة البلاء أمر طبيعي {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216] والفرح طبعا لا يكون إلا لمحبوب.

قلت: لما عرفوا من لهم عند الله من الإكرام والإحسان صيّر ذلك محبوباً عندهم مرغوباً فيه (5 ع ك عن أبي سعيد) قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو محموم فوضعت يدي من فوق القطيفة فوجدت حرارة الحمي فقلت: ما أشد حماك يا رسول الله فذكره، قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي ورمز المصنف لصحته (2).

1052 -

"أشد الناس حسرة يوم القيامة رجل أمكنه طلب العلم في الدنيا فلم يطلبه ورجل علم علماً فانتفع به من سمعه منه دونه (ابن عساكر عن أنس) "(ض).

(أشد الناس حسرة) ندامةً (يوم القيامة رجل أمكنه الله طلب العلم في الدنيا) بأن حصدت عنده النعمتان اللتان غبن فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ (فلم يطلبه) وندامته لما يراه من منازل العلماء في الآخرة ومن مقاماتهم عند الله وشفاعتهم لعباده والمراد من الناس أهل الإيمان وإلا فإن الكفار أشد ندامة والمؤمنون يتحسرون على عدم استكثارهم من الخير (ورجل) عطف على قوله رجل أي وأشد الناس حسرة يوم القيامة (رجل علم علماً فانتفع به من سمعه منه

(1) أخرجه مسلم (1017)، وأحمد (4/ 358)، وابن حبان (3308)، والبيهقي (4/ 176).

(2)

أخرجه ابن ماجه (4024)، قال البوصيرى (4/ 188): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات وأبو يعلى (1045)، والحاكم (3/ 343) وأبو نعيم في الحلية (1/ 370). وصححه الألباني في صحيح الجامع (995) والسلسلة الصحيحة (144).

ص: 385

دونه) فلم ينتفع، ووجه أشدية حسرته ظاهرة فإنه فوت أيام الدنيا في تحصيل العلم ثم انتفع به غيره فكان علمه ضرراً عليه ونفعاً لغيره فكان كالسراج آمنا لغيره وأحرق نفسه (ابن عساكر عن أنس) رمز المصنف لضعفه (1).

1053 -

"أشد الناس عليكم الروم وإنما هلكتهم مع الساعة (حم عن المستورد) ".

(أشد الناس عليكم) أشدهم حربا وجلاداً وتألباً عليكم وهو خطأب لأهل الإسلام (الروم) وهو من أعلام النبوة فإنهم من عصر النبوة إلى هذا العصر القرن الثاني عشر يجالدون أهل الإِسلام ويحاربونهم (وإنما هلكتهم) هلاكهم (مع) قيام (الساعة) فيه تحذير منهم وإرشاد إلى الاستعداد لهم وإبانة أنه لا هلاك لهم إلا مع قيام الساعة (حم عن المستورد)(2) بالمهملة بعد الميم والمهملة آخره بزنة مستخرج وهو ابن شداد قرشي فهري صحابي (3).

1054 -

"أشد أمتي لي حبًّا قوم يكونون بعدي يود أحدهم أنه أعطى أهله وماله وأنه رآنى (حم عن أبي ذر) "(ح).

(أشد أمتي) أمة إجابتي (لي حباً) قد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يؤمن عبد [1/ 301] حتى يكون صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه ووالده وولده، وهذا إخبار بأن أشد الأمة حبًّا

(1) أخرجه ابن عساكر (51/ 137) وقال: منكر. وقال الألباني في ضعيف الجامع (866): موضوع وقال في السلسلة الضعيفة (7142) منكر. لأن في إسناده سليمان بن عمرو الكوفي يحتمل أن يكون سيلمان بن عمرو النخعي الكذاب قلب بعضهم اسم أبيه إلى عمر مكان عمرو تدليسا وقد اتفقوا على أنه كذاب وضاع قال البخاري في التاريخ الكبير (4/ 28) سليمان بن عمرو الكوفي أبو داود النخعي معروف بالكذب قاله قتيبة وإسحاق.

(2)

انظر: الاستيعاب (1/ 463)، والإصابة (1/ 61).

(3)

أخرجه أحمد (4/ 230). قال الهيثمي (6/ 212): فيه ابن لهيعة، وفيه ضعف وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح وانظر ترجمة ابن لهيعة في المغني (3317) والتقريب (3563).

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (870) والسلسلة الضعيفة (2784).

ص: 386

له (قوم يكونون) يوجدون (بعدي) وبين أشدية حبهم إياه بقوله (يود أحدهم) أي كل واحد منهم يود هذه الودادة لا إنها لواحد منهم دون سائرهم يتصفون بالأحبية نسبية (أنه فقد أهله وماله وأنه رآني) ولا يحب رؤيته ويؤثر عليها الأهل والمال إلا وهو أشد له حباً وفيه إخبار بأنه يأتي بعده أقوام يفضلون من رآه لأن الأكثر له حبا هو الأفضل ولأنه يحشر المرء مع من أحب فكيف مع من كان أشد له حباً (حم عن أبي ذر) رمز المصنف لحسنه (1).

1055 -

"أشد الحرب النساء وأبعد اللقاء الموت وأشد منهما الحاجة إلى الناس (خط عن أنس) "(ض).

(أشد الحرب النساء) أي حرب النساء وقد سماهن صلى الله عليه وسلم فتنة في قوله: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"(2) متفق عليه وذلك لأنهن حبائل الشيطان وهي أشد في القلوب من الحرب ولذا قيل (3):

نحن قوم تليننا الحدق النجل

على أننا نلين الحديد

وأنواع حربهن وفتنتهن لا انحصار لها وقد جمع صلى الله عليه وسلم -بين الحرب والنساء في جواز الكذب لهما فحربهن مجاهدة النفس عنهن وعن خداعهنَّ وهذا على رواية حرباً بالراء والموحدة وهو الذي بخط المصنف، قال الشارح: وفي تاريخ الخطيب وعليه جرى ابن الجوزي أنه حزناً بضم المهملة وسكون الزاي ونون أشد الناس حزناً (وأبعد اللقاء الموت) أي ابعد لقاء المصائب لقاء الموت لأنه

(1) أخرجه أحمد (5/ 156). قال الهيثمي (10/ 66): رواه أحمد، ولم يسم التابعى، وبقية رجال إحدى الطريقين رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1003) والسلسلة الصحيحة (1418)

(2)

أخرجه البخاري (4808)، ومسلم (2740).

(3)

ينسب إلى عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق الخزاعي، بالولاء، أبو العباس. 182 - 230 هـ/ 798 - 844 م.

ص: 387

آخر مصائب دار الدنيا (وأشد منهما) من حرب النساء لقاء الموت (الحاجة إلى الناس) فإنه ليس على النفس الحرة أشد من ذلة السؤال وإراقة ماء المحيا للرجال ولذا يقال فإن إراقة ماء الحياه دون إراقة ماء المحيا، وفيه مرارة تجرع كأس الذلة ومرارة الاستفضال والتثقيل والمعتل على المسئول والإبرام كراهية السائل إليه ولذا قيل:

ولو أني جعلت أمير قوم

لما حاربت إلا بالسؤال

لأن الناس ينحرفون عنه

وقد ثبتوا الأطراف العوالى

(خط عن أنس) رمز المصنف لضعفه (1).

1056 -

"أشدكم من غلب نفسه عند الغضب وأحلمكم من عفا بعد القدرة (ابن أبي الدنيا في ذم الغضب عن علي) "(ض).

(أشدكم) حفظاً لنفسه (من غلب نفسه) عن إيقاع ما يكره (عند الغضب) حفظهما عنده عن ذلك قال الإمام الغزالي في الإحياء (2): الغضب شعلة نار اقتبست من نار الله الموقدة إلا أنها لا تطلع إلا على الأفئدة وإنها لمستكنة في طي الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد، ومستخرجها الكبر الدفين في قلب كل جبار عنيد كما يستخرج الحجار النار من الحديد وقد انكشف للناظرين بنور اليقين أن الإنسان ينزع منه عرق إلى الشيطان اللعين فمن استفزته نار الغضب فقد قربت منه قرابة الشياطين حيث قال:{خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}

(1) أخرجه الخطيب (13/ 120). وأورده ابن الجوزى في العلل المتناهية (2/ 501، رقم 827) وقال: لا يصح وفيه آفات: يزيد الرقاشى متروك عندهم، انظر المغني في الضعفاء (7082) وأما عبد الله بن ضرار، فقال يحيى: ليس بشيء لا هو ولا أبوه، ولا يكتب حديثهما انظر المغني في الضعفاء (3224).

وقال الألباني في ضعيف الجامع (864) وفي السلسلة الضعيفة (2781) موضوع.

(2)

الإحياء (3/ 164).

ص: 388

[الأعراف: 12] فإن شأن الطين السكون والوقار، وشأن النار التلظي الاشتعال والحركة والاضطراب فالغضب خلق من نار وغرز في الإنسان وعجن بطينته فمهما غضب في عرض من أعراضه ومقصد من مقاصده اشتعلت نار الغضب وفارت فوراناً يغلي به دماغ القلب وينتشر في العروق ويرتفع على أعالي البدن كما يرتفع الماء [1/ 302] الذي يغلي في القدر فلذلك ينصب إلى الوجه فيحمر الوجه والعين والبشرة لصفائها تحكي لون ما ورائها من حمرة الدم كما تحكي الزجاجة لون ما فيها كما قال صلى الله عليه وسلم: "الغضب جمرة توقد في القلب ألم تر إلى انتفاخ أوداجه وحمرة عينيه

" (1) الحديث. نعم وإذا اشتدت نار الغضب أعمت صاحبها وأصمته عن كل موعظة فإذا وعظ لم يسمع بل يزداد غضباً وإن استضاء بنور عقله وراجع نفسه لم يقدر إذ ينطفئ نور العقل في الحال وينمحي بدخان الغضب فإن معدن الفكر الدماغ ويتصاعد عند شدة الغضب دخان من القلب إلى الدماغ يظلم فيستولي على معادن الفكرة ثم تظهر آثاره على جوارحه فينطلق اللسان بالشتم والفحش الذي يستحي منه ذو العقول ويستحي منه قائله عند فتور الغضب مع تخليط في اللفظ وتنطلق الجوارح بالضرب والتهجين والقتل والجرح مع التمكن فإن فاته المغضوب عليه يرجع إلى نفسه بتمزيق ثوبه ولطم نفسه، ويتولد في القلب الحقد والحسد وإضمار السوء والشماتة بالمساءات والعزم على إفشاء السر وهتك الستر وغير ذلك، وقد أرشد صلى الله عليه وسلم إلى أدوية يدفع بها الغضب ويكسر ثورته منها الاستعاذة كما تقدم ومنها التحول من حال إلى حال غير التي هو عليها فيجلس إن كان قائماً ويضطجع إن كان قاعداً، ومنها أن

(1) أخرجه الترمذي (2191)، وابن ماجه (4000)، وأحمد (3/ 19)، والحاكم في المستدرك (4/ 551)، والبيهقي في السنن (7/ 91)، ومسند أبي يعلى (1101)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1240): ضعيف لأن مدار الحديث على: علي بن زيد بن جدعان ضعيف كما في التقريب (4734).

ص: 389

يتوضأ كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا غضب أحدكم فليتوضأ"(1). ومنها أن يسجد كما فسَّر به قوله صلى الله عليه وسلم: "فليلصق بالأرض"(2). ومنها أن يستنشق بالماء كما روي أن عمر يوماً غضب فاستنشق وقال: إن الغضب من الشيطان وإن هذا يذهبه. ومنها أن يذكر فضيلة الحلم والعفو وما ورد في الكظم للغيظ من الأجر. ومنها أن يذكر ما يحبه الله من العفو والكظم ففي بعض الكتب: يا ابن آدم اذكرني عند الغضب أذكرك حين أغضب وقد كان السلف يتأدبون بهذه الآداب.

سب رجل الشعبي فقال: إن كنت صادقاً يغفر الله لي، وإن كنت كاذباً يغفر الله لك. وقالت امرأة لمالك بن دينار: يا مرائي فقال: ما عرفني غيرك. وسبَّ رجل أبا بكر فقال: وما ستر الله عنك أكثر.

واعلم أن الغضب منه ما هو محمود بل لا يكمل الإيمان إلا به وهو الغضب الله كالغضب على العصاة وعلى الكفار فلولا الغضب ما كان الجهاد على إمضاء أحكام الله كما قال تعالى في الحدود: {وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ في دِينِ الله} [النور: 2] وقال تعالى: {أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: 29].

وسبب الحديث أنه مر صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه فقالوا: هذه تسمى حجر الأشد أي نقلها من كان أشد القوم فقال صلى الله عليه وسلم: "أشدكم من كان" الحديث. وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة الشديد من يملك نفسه عند الغضب"(وأحلمكم من عفا بعد القدرة) إنما يظهر سلطان الحليم عند القدرة فإن ملك النفس مع

(1) أخرجه أبو داود (4784)، وأحمد (4/ 226)، والطبراني في المعجم الكبير (17/ 167) رقم (443) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1510) والسلسلة الضعيفة (582).

في سنده عروة بن محمد بن عطية السعدي الجشمي وأبيه مجهولان.

قال الحافظ في الأول مقبول أي عند المتابعة (التقريب 4567) وقال الذهبي في الثاني ما روى عنه سوى ولده. انظر المغني (5823).

(2)

وهو جزء من حديث طويل سبق ذكره قبل قليل وأخرجه الترمذي (2191) وابن ماجه (4000)، وأحمد (3/ 61).

ص: 390

عدم القدرة فقد اتصف بأشرف الصفات وأما من يحلم مع عدم القدرة فليس بحليم [1/ 303] إنما هو عجز كما قيل (1):

كُلُّ حِلمٍ أَتى بِغَيرِ اِقتِدارٍ

حُجَّةٌ لاجِئٌ إِلَيها اللِئامُ

فيحتمل أن أفعل هنا ليس للزيادة ويحتمل أن يراد من عفا عن العقوبة في الدنيا وعن المطالبة في الآخرة فهو الأحلم ومن عفا عن المطالبة في الآخرة مع القدرة على الانتصاف في الدنيا فهو المفضل عليه (ابن أبي الدنيا في ذم الغضب عن علي) رمز المصنف لضعفه قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف وأخرج البيهقي في الشعب: الطرف الأول مرسلاً بسند جيد (2).

1057 -

"أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل (طب، هب) عن ابن عباس"(ض).

(أشراف أمتي) في الآخرة أو في الدارين (حملة القرآن) حفاظه القائمون بحقه تلاوة وعملاً (وأصحاب الليل) أي القيام بالتهجد والتلاوة أي هؤلاء هم الأشراف عند الله قال الطيبي: إضافة الأصحاب إلى الليل لكثرة مباشرة القيام فيه كما يقال ابن السبيل لمن يواظب على سلوكه انتهى (طب هب عن ابن عباس) رمز المصنف لضعفه لأن فيه سعد بن سعيد الجرجاني ضعيف قال

(1) الأبيات للمتنبي.

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب كما في الكنز (7697) والديلمى (850). قال المناوي (1/ 522): قال الحافظ العواقى في المغنى: سنده ضعيف. وتتمة كلامه أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث علي بسند ضعيف والبيهقي في الشعب بالشطر الأول من رواية عبد الرحمن بن عجلان مرسلا بإسناد جيد وللبزار والطبراني في مكارم الأخلاق واللفظ له من حديث: "أشدكم أملككم لنفسه عند الغضب" وفيه عمران القطان مختلف فيه، انظر الميزان (5/ 287) والتقريب (5154). انظر تخريج الإحياء (3/ 139). وأخرج البيهقي شطره الأول في شعب الإيمان (8274). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (871).

ص: 391

البخاري: لا يصح حديثه. قلت: لكن له شواهد (1).

1058 -

"أَشْرِبوا أعينكم الماء عند الوضوء ولا تنفضوا أيديكم من الماء فإنها مراوح الشيطان (ع عد) عن أبي هريرة (ض) ".

(أشربوا أعينكم) أي اسقوها يقال أشربته إذا أسقيته، وفيه دليل على غسل باطن العين (من الماء عند الوضوء) إذ ليس المراد ظاهرها فإنه من الوجه، وإليه ذهب ابن عمر ويروى أنه كان يفعله حتى عمي ولم يوافقه عليه الصحابة والجمهور من الأئمة واستدلوا بالأحاديث في تعليمه صلى الله عليه وسلم الوضوء وفعله فإنه لم يرد في حديث واحد أنه غسل باطن عينيه وهذا الحديث لا تقوم الحجة به (ولا تنفضوا) بالفاء فضاد معجمة (أيديكم فإنها) أي الأيدي التي تنفض من الوضوء (مراوح الشيطان) يحمل أنه نهى عن نفض اليد نفسها من ماء الوضوء وعن التمسح الذي أفاده حديث: أنه أتي صلى الله عليه وسلم بمنديل بعد الوضوء لينشف به فرده (2)، فإن الانتفاض مسح ما بقي في الأعضاء من ماء الوضوء.

قال في النهاية (3): فيه أنه أتي بمنديل فلم ينتفض به أي لم يتمسح به فمنهم من حمل هذا النهي على الكراهة واستدل بحديث عائشة: "أنه كان له صلى الله عليه وسلم خرقة ينشف

(1) أخرجه الطبراني (12/ 125) رقم 12662)، قال الهيثمي (7/ 161): فيه سعد بن سعيد الجرجاني، وهو ضعيف والبيهقي في شعب الإيمان (2703). وأخرجه أيضاً ابن عدي في الكامل (3/ 358) في ترجمة سعد بن سعيد الجرجاني ثم قال: وكان رجلا صالحا ولم تؤت أحاديثه التي لم يتابع عليها من تعمد منه فيها أو ضعف في نفسه ورواياته إلا لغفلة كانت تدخل عليه وهكذا الصالحين. وفي الميزان (3/ 179) قال البخاري: لا يصح حديثه -يعني هذا -، وأخرجه ابن عدي في (7/ 57) في ترجمة نهشل بن سعيد بن وردان قال الحافظ في التقريب (7198) متروك وكذبه إسحاق بن راهويه. ابن عدى (7/ 57، ترجمة 1986 نهشل بن سعيد بن وردان)، والإسماعيلى في معجمه (1/ 319، رقم 320)، والخطيب في تاريخه (8/ 80). وقال الألباني في ضعيف الجامع (872) وفي السلسلة الضعيفة (2416): موضوع.

(2)

أخرجه البخاري (256)، ومسلم (317).

(3)

النهاية 5/ 206

ص: 392

بها بعد الوضوء" (1) سيأتي إلا أنه ضعفه الترمذي (ع عد عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه لأن فيه البختري بن عبيد والبختري ضعفه أبو حاتم وتركه غيره، قال ابن عدي يروي عن أبيه عشرين حديثاً غالبها مناكير هذا منها، وقال العراقي: سنده ضعيف (2).

1059 -

"أشرف المجالس ما استقبل به القبلة (طب عن ابن عباس) "(ض).

(أشرف المجالس) كأن المراد أحبه إلى الله أو أكثره أجراً أو أبعده من الشيطان (ما استقبل به القبلة) أي ما كان فيه الجالس مستقبلاً لها أو ما كان بابه إليها والأول أقرب والقبلة عند الإطلاق يراد به الكعبة (طب عن ابن عباس) رمز المصنف لضعفه (3).

1060 -

"أشرف الإيمان أن تأمنك الناس وأشرف الإِسلام أن تسلم الناس

(1) أخرجه الترمذي (53)، وقال أبو عيسى: حديث عائشة ليس بالقائم، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء. والحاكم (1/ 256)، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (2099): حسن بمجموع طرقه.

(2)

أخرجه ابن عدي (2/ 57) ترجمة 290 بختري بن المختار العبدي) وقال: روى عن أبيه عن أبي هريرة قدر عشرين حديثاً عامتها مناكير. وأخرجه أيضاً: ابن حبان في المجروحين (1/ 203، ترجمة 158) وقال: لا يحل الاحتجاج به وقال ابن الملقن في البدر المنير (2/ 263) قال أبو حاتم الرازي: هذا حديث منكر، والبختري ضعيف الحديث، وأبوه مجهول. وقال أبو حاتم بن حبان: البختري بن عبيد بن سلمان ضعيف الحديث ذاهب، لا يحل الاحتجاج به قال المناوي (1/ 523): قال العراقي: سنده ضعيف. قال النووي وابن الصلاح: لم نجد له أصلاً. انظر: العلل المتناهية (573)، وتلخيص الحبير (1/ 99).

وقال الألباني في ضعيف الجامع (873) وفي السلسلة الضعيفة (903): موضوع.

(3)

أخرجه الطبراني (10/ 320، رقم 10781). قال الهيثمي (8/ 59): فيه هشام بن زياد أبو المقدام، وهو متروك. وأخرجه أيضاً: الحاكم (4/ 269 - 270) وأخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 106) في ترجمة هشام بن زياد وقال بعد أن ساق له أحاديث أخرى: ولهشام غير ما ذكرت وأحاديثه يشبه بعضها بعضا والضعف بين على رواياته .. قال المناوي (1/ 523): سنده ضعيف. وضعَّفه الألباني في ضعيف الجامع (876).

ص: 393

من لسانك ويدك وأشرف الهجرة أن تهجر السباب وأشرف الجهاد أن تقتل ويعقر فرسك (طص عن ابن عمر. ورواه ابن النجار وزاد: وأشرف الزهد أن يسكن قلبك على ما رزقت وإن أشرف ما يسأل من الله عز وجل العافية في الدين والدنيا) " (ض).

(أشرف الإيمان) أحبه إلى الله (أن يأمنك الناس) فيه دليل على أن اللام في حديث فضالة بن عبيد في قوله: "المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم"، أنه للدلالة على أن المراد الذي تحققت له صفة الإيمان وظهرت عليه علاماته كما قاله الإِمام عبد القاهر في قوله: واللام في العبد أن اللام للدالة على أن كونه عبداً أمر ظاهر وقرره السعد في المطول وأطال في تقريره ومثله يجري في قوله (أشرف الإِسلام أن يسلم الناس من لسانك ويدك)[1/ 304] وحديث جابر عند مسلم: "المسلم من سلم الناس من لسانه ويده"(1) وإذا عرفت هذا فلا يرد أن من كان على خلاف هذه الصفة لا يُسمى مؤمناً ولا مسلماً، نعم ليس أشرف إيمان ولا أشرف إسلام بل يكون متصفاً بمطلق الإيمان والإِسلام وقد لوحظ في الحديث إلى الاشتقاق ودل على أن أشرف الإيمان أعظم من أشرف الإسلام لأنه جعل حقيقة ذلك عدم أذية الناس باللسان واليد وكفهما عنهم وجعل حقيقة الأول أمانة الناس له وبينهما بون بعيد وتقدم تفسير "سلامة الناس من يده ولسانه"(وأشرف الهجرة) لغة مأخوذة من الهجر ضد الوصل ثم غلب على الخروج من أرض إلى أرض وترك الأولى للثانية لأجل الله وفضلها مملوء بها كتب السنة والتفسير فأخبر صلى الله عليه وسلم هنا أن أشرف الهجرة (أن تهجر السيئات) فإن من هاجر ولم يهجر السيئات لا يكمل شرف هجرته ثم ليس المراد أن أشرف الهجرة هجر السيئات مع البقاء في دار الكفر لأن الباقي في دار الكفر غير هاجر

(1) أخرجه مسلم (41).

ص: 394

للسيئات (وأشرف الجهاد أن تقتل في سبيل الله وتعقر فرسك) إن قرئ معلوماً فالمراد أن يعقرها المجاهد نفسه عند خوفه أخذ العدو لها ويقويه بها فيعقرها لئلا تقوي شوكته كما فعله جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة مؤته فإنه قاتل حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن فرسه فعقرها ثم قاتل حتى قتل رضي الله عنه وكان أول من عقر فرسه في الإسلام عند القتال (1)، وأصل العقر ضرب قوائم الفرس أو البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم ويحتمل أن يُقرأ مجهولاً أي يعقرها العدو لشدة نكايته فيهم وليتمكنوا من راكبه ولفظ الحديث أقرب إلى هذا (طص عن ابن عمر) رمز المصنف لضعفه وقال مخرجه الطبراني: تفرد به مُنبِّهُ عن ابن عمر (رواه ابن النجار) في تاريخه (وزاد: وأشرف الزهد أن يسكن قلبك) تطمئن (على ما رزقت) فلا تطلب زيادة على ذلك بل تصبر على القليل لتنال الكثير (وإن أشرف ما يسأل من الله عز وجل العافية في الدين) عن الآثام (والدنيا) عن مصايبها والأسقام (2).

1061 -

"أَشْعَرُ كلمة تكلمت بها العرب كلمة لَبِيدٍ: أَلا كُلُّ شَيءٍ ما خَلَا اللهَ بَاطِلُّ (م، ت عن أبي هريرة) "(صح).

(أشعر كلمة) هو من الشعور العلم بالأمر قال في القاموس (3): الشعر غلب

(1) انظر: البداية والنهاية (2/ 25).

(2)

أخرجه الطبراني في الصغير (10) وقال: تفرد به منبه وقال المناوي في الفيض (1/ 523) وفيه عند الطبراني ومن على قدمه صدقة بن عبد الله السمين أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال أحمد والبخاري ضعيف جدا عن الوضين ابن عطاء. قال أبو حاتم يعرف وينكر. وانظر المغني في الضعفاء (2870) وتهذيب التهذيب (4/ 365). وابن النجار في ذيل تاريخ بغداد (2/ 85) ولم أجد فيه الزيادة المذكورة. وأخرجه أيضاً: الطبراني في مسند الشاميين (671). قال الهيثمي (1/ 60): رواه الطبراني في الصغير، وقال تفرد به منبه. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (874).

(3)

القاموس المحيط (ص533).

ص: 395

على منظوم القول لشرفه بالوزن والقافية وإن كان كل علم شعر انتهى.

(تكلمت بها العرب) هو من باب فعقروا الناقة (كلمة لبيد) إخبار عن أنها أزيد الأشعار في الشعرية وتقدم أنها أصدق كلمة ويحتمل أن هذا التفضيل من حيث الأصدقية أو من الأحبية أحرى (ألا كل شيء ما خلا الله باطل) بدل من كلمة لبيد أو عطف بيان لها والكلمة تطلق على القصيدة وعلى اللفظة كما في القاموس فيحتمل أن يراد القصيدة كلها لأن هذا اللفظ اسم لها فإنه كثيراً ما تسمى القصيدة بمستهلها كما في قصيدة بانت سعاد ونحوها، وفي سور القرآن سور مسماة بفواتحها ويحتمل أنه أريد هذا اللفظ الذي أبدله منها فقط (م ت عن أبي هريرة)(1).

1062 -

"اشفع الأذان وأوتر الإقامة (خط عن أنس، قط في الأفراد عن جابر) "(ح).

(اشفع الأذان) اجعل كلماته شفعا وهو مثل حديث أبي محذورة عند الشيخين وابن خزيمة وغيره وورد أنه صلى الله عليه وسلم أمره بشفع الآذان وبوتر الإقامة إلا الإقامة وحديث ابن عمر عند أبي داود والنسائي (2) كان الآذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين [1/ 305] والإقامة مرةً مرةً غير أنه كان يقول: "قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة مثنى" ومن يرى تربيع التكبير قال: أنه حسب صلى الله عليه وسلم كل مرتين مرة وقد اختلفت الروايات في الأذان والإقامة، واختلف العلماء فذهب كل إلى قول من الروايات وآخرون إلى أنه من العمل المخير فيه وهو الأقرب لصحة الروايات والأقوال مبسوطة في كتب الخلاف (وأوتروا الإقامة) تقدم بيانها (خط عن أنس) رمز المصنف لحسنه (قط في الإفراد عن جابر)(3).

(1) أخرجه مسلم (2256)، والترمذي (2849) وقال: حسن صحيح.

(2)

أخرجه أبو داود (510)، والنسائي (1/ 496).

(3)

حديث أنس: أخرجه الخطيب (4/ 434) أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله لبلال.=

ص: 396

1063 -

"اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا (ابن عساكر عن معاوية) ".

(اشفعوا) خطاب لأصحابه والشفاعة السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم وفي إعانة ذوي الحاجات وفي النهاية (1): الشافع الجاعل الوتر شفعاً والمراد هنا الساعي في نفع غيره كأنه ضم سعيه إلى سعيه فكان شفعاً (تؤجروا) تنالوا الأجر لأن الشافع مأجور قضيت الحاجة أو لم تقض كما يفيده الحديث الآتي (ابن عساكر عن معاوية بن أبي سفيان)(2).

1064 -

"اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا وَيقْضِى الله على لسان نبيه ما شاء (ق 3 عن أبي موسى) "(صح).

(اشفعوا تؤجروا) أي إلى أولي الأمر أو عام إلى كل من نزلت به الحاجة والمراد هنا الأول نصاً وغيره بالقياس لقوله (ويقضي الله) وهو استئناف له عطف على تؤجروا ولذا لم يجزم (على لسان نبيه ما شاء) فليس على الشافع قضاء الحاجات وقد حصل الأجر لسعيه ومعاونته ومقاصديه لذي الحاجة وفي كلام النهج: الشفيع جناح الطالب، وفي كلام غيره الشفيع يؤدي نار النجاح ومن كف المفيض ينتظر نور الفراح وهو محمود بكل لسان كما قيل:

وَإذا اِمرُؤٌ أَسدى إِلَيكَ صَنيعَةً

مِن جاهِهِ فَكَأَنهَّا مِن مالِهِ (3)

والأمران في الحديثين الأصل فيهما الإيجاب ويحتمل أنه للندب ويحتمل أن

=حديث جابر: أخرجه الدارقطني في الأفراد كما في أطراف ابن طاهر (2/ 390، رقم 1713). وأخرجه أيضاً: ابن عدى (6/ 158، ترجمة 1649 محمد بن عبد الملك الأنصارى كلاهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله لبلال. وصححه الألباني في صحيح الجامع (500) والسلسلة الصحيحة (1464)

(1)

النهاية (2/ 184).

(2)

أخرجه الخرائطى في مكارم الأخلاق (ص 219، رقم 667)، وابن عساكر (59/ 56). وأخرجه أيضاً: أبو داود (5132)، والنسائي (5/ 78)

وصححه الألباني في صحيح الجامع (1006) والسلسلة الصحيحة (1464).

(3)

الأبيات لأبي تمام أَبو تَمّام حبيب بن أوس بن الحارث الطائي. 188 - 231هـ/ 803 - 845 م.

ص: 397

تختلف الأحوال والمقامات والسائلين والمسئولين (ق 3 عن أبي موسي)(1).

1065 -

"أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة (طس عن أبي سعيد) "(ض).

(أشقى الخسران المبين من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة) فإنه خسر الدارين ذلك هو الخسران المبين وإليه يشير من قال (2):

ما أَحسَنَ الدينَ وَالدُّنيا إِذا اِجتَمَعا

وَأَقبَحَ الكُفرَ وَالإِفلاسَ بِالرَّجُلِ

والناس أربع طبقات من له مال وتقوى فهذا أسعد السعداء، ومن كان له مال بلا تقوى معه فهو من سعداء الدنيا، ومن كان له تقوى بلا مال فهو من سعداء الآخرة ومن فقد الأمرين فهو من أشقي البرية (طس عن أبي سعيد) رمز المصنف لضعفه قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك وثفه أبو زرعة وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات (3).

1066 -

"أشقى الناس رجلان: عاقر الناقة وابن آدم الذي قتل أخاه ما سفك على الأرض من دم إلا لحقه منه شيء لأنه أول من سن القتل (ك، طب، حل عن ابن عمر) (صح) ".

(أشقى الناس) الشقي ضد السعيد والشقاوة ضد السعادة (عاقر ناقة ثمود) هو قدار بن سالف وقد سماه الله أشقى ثمود في قوله: {إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا}

(1) أخرجه أحمد (4/ 400)، والبخاري (1365). ومسلم (2627)، وأبو داود (5131)، والترمذى (2672)، والنسائى (5/ 77).

(2)

الأبيات لأبي العتاهية أبو العَتاهِيَة إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، العنزي، أبو إسحاق.130 - 211 هـ/ 747 - 826م.

(3)

رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين في أحدهما خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك وقد وثقه أبو زرعة وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات، وفي الأخرى أحمد بن طاهر بن حرملة وهو كذاب، وقال ابن أبي حاتم في العلل (2/ 278) قال أبي هذا حديث باطل وماضي لا أعرفه.

وقال الألباني في ضعيف الجامع (877) والسلسلة الضعيفة (139): موضوع.

ص: 398

[الشمس: 12] فالمراد بالناس هنا ثمود بقرينة المقام وكما دلت له الآية ويحتمل أنه أشقى الناس أجمعين والمراد بالناس الاستغراق والإضافة في الآية للتوضيح لا لكونه المفضل عليه ويرشد إليه عطف قوله (وابن آدم الذي قتل أخاه) فإن قرينة السياق تدل على أنه أريد به العموم بالنسبة فكذا بالنسبة إلى ما قبله [1/ 306] إلا أن حديث علي رضي الله عنه عند أحمد (1): "أن أشقى الأولين عاقر الناقة وأشقى الآخرين قاتله"، يشعر أنه أريد بالناس الأولون والمراد ما عدا ابن آدم وقاتل علي رضي الله عنه أشقى الآخرين ما عدا قاتل الناقة والإضافة في ابن آدم عهدية والمراد به قابيل الذي قص الله شأنه في كتابه وأخوه المقتول هابيل (ما سفك في الأرض) السفك الإراقة والإجراء لكل مائع يقال سفك الدم والماء والدمع وكأنه بالدم أخص قاله في النهاية (2):(من دم) حرام حذفت الصفة بقرينة السياق كما حذفت في قوله تعالى: {كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79] أي صحيحة (إلا لحقه منه) أي من إثم الدم على طريقة الاستخدام فإنه أريد بالدم حقيقة بدليل السفك وأريد بضميره الإثم أو أنه من مجاز الحذف أي كان عليه من إثمه وكلمة من للتبعيض تقضي بأن عليه بعض الإثم إلا أن حديث: "من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها"(3). يقضي بأنه يلحقه مثل إثم القاتل ولعل الأقرب في الجمع أن يجعل ضميره منه عائداً على وزر القتل مطلقاً لا وزر القاتل إذ للقتل وزر عظيم بعضه للقاتل الأول وبعضه للقاتل الثاني وكل واحد من الوزرين وزر كامل (لأنه أول من سن القتل) أي أول من أبرز هذه المعصية

(1) أخرجه أحمد (1/ 257) بلفظ غير هذا اللفظ، والطبراني (8/ 38) رقم 7311)، وأبو يعلى (485)، والبزار (1424)، وقال الهيثمي في المجمع (9/ 186): رواه الطبراني وأبو يعلى وفيه رشدين بن سعد وقد وثق وبقية رجاله ثقات.

(2)

النهاية (2/ 376).

(3)

أخرجه مسلم (1017)، والنسائي في السنن (5/ 75)، وابن ماجه (203).

ص: 399

ونبه عليها وعرف الناس بها وقد مقت الله اللوطية في عدة آيات على اللواط وعلله بأنه ما سبقهم إليه أحد من العالمين فكل من ابتكر سيئة وابتدع خطيئة يلحقه وزر من عمل بها إلى يوم القيامة وذلك لأن الطباع البشرية مجبولة على تقليد الآخر للأول وجعل ابتداع الأول حجة ولذا قالت الكفرة: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23](طب ك حل عن ابن عمر) رمز المصنف لصحته وقال الشارح: لفظ الطبراني: "أشقى الناس ثلاثة: عاقر .. " إلى آخره، قال الهيثمي: سقط من الأصل "الثالث" والظاهر أنه قاتل علي رضي الله عنه كما رواه الطبراني في خبر آخر، والحديث فيه ابن إسحاق وهو مدلس وحكيم بن جبير متروك (1).

1067 -

"أشكر الناس لله أشكرهم للناس (حم، هب والضياء، عن الأشعث بن قيس. طب، هب عن أسامة بن زيد. عد، قط في الأفراد عن ابن مسعود) "(صح).

(أشكر الناس لله أشكرهم للناس) قد جعل الله شكر المحسن معلوماً عقلاً ثم أكده وفسر علته له، ولذا لما كان أعظم الناس حقاً على الإنسان أبويه قرن الله بشكرهما شكره فقال:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: 14] فمن شكر للعباد إحسانهم إليه فقد عمل بمقتضى ما عزره الله من شكره في عقله المحسن إليه، وأكده شرعه فإذا شكر للناس كان شكره لله تعالى أولى وأحق عند عقله؛ لأنه تعالى الذي أفاض كل إنعام وخالق النعمة التي أسداها الله الغير وخالق الغير وملهمه الإحسان إليه فالحديث إخبار بأن من كان أكثر الناس شكراً للناس فهو أكثر

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 14)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 299): فيه حكيم بن جبير، وهو متروك وضعفه الجمهور وقال أبو زرعة محله الصدق، وابن إسحاق مدلس. وأخرجه أبو نعيم في الحلية (4/ 307). وأخرجه أيضاً: ابن عساكر (49/ 45).

ص: 400

شكرًا لله تعالى لأنه الداعي لهم إلى الإنعام عليه فشكره في الحقيقة. فطرة من إحسان الله إليه، ويأتي حديث:"من لم يشكر الناس لم يشكر الله تعالى"(1) وذلك لأنه إذا لم يعمل بمقتضى عقله في حق العباد ولا يعمل به في حق الله تعالى.

واعلم أن للمسن حقاً إلى من أحسن إليه يجب عليه أداؤه وأقله أن يدعوا له كما في حديث: "من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء"(2). [1/ 307] يأتي إن شاء االله تعالى ولذلك يستجاب للمنعم دعاءه على من أنعم إليه إذا لم يشكره كما يفيده حديث ابن عباس: "من أسدى إلى قوم نعمة فلم يشكره فدعا عليهم استجيب له"(3). والمعروف الذي يُسمى فاعله محسناً كل ما يعد معروفاً ولو أن يلقى أخاه بوجه طليق كما يفيده حديث أبي ذر عند مسلم: "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق"(4)(حم طب هب والضياء عن الأشعث بن قيس) رمز المصنف لصحته وفيه محمد بن طلحة مختلف فيه، قال النسائي: ليس بقوي (طب هب عن أسامة بن زيد) رمز المصنف لصحته، وفيه عندهما ابن نعيم ضعفه الدارقطني وغيره وبه أعل الهيثمي خبر الطبراني (عد عن ابن مسعود) سكت عليه المصنف وقال الشارح: أنه رمز لصحته ولعله من الصحيح لغيره ويحتمل أنه أراد الشارح بالرمز الرمزين الأولين (5).

(1) أخرجه الترمذي (1955) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد (2/ 258).

(2)

أخرجه الترمذي (2035)، وابن حبان في صحيحه (3413)، والنسائي في الكبرى (10008)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6368).

(3)

أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 299).

(4)

أخرجه مسلم (2626).

(5)

حديث الأشعث بن قيس: أخرجه أحمد (5/ 212)، وابن جرير في تهذيب الآثار في مسند عمر بن الخطاب (1/ 73، رقم 120) والضياء في المختارة (4/ 306، رقم 1490) وأخرجه أيضاً: البيهقي (6/ 182)، وأورده ابن أبي حاتم في العلل (2/ 314، رقم 2456). =

ص: 401

1068 -

"أشهد بالله وأشهد لله لقد قال لى جبريل: يا محمد إن مدمن الخمر كعابد وثن (أبو نعيم في مسلسلاته، والشيرازى في الألقاب، والرافعي عن علي. قال أبو نعيم: صحيح ثابت) ".

(أشهد بالله) أي احلف بالله كما في القاموس (1)(وأشهد لله) من باب شهد له أدى ما عنده من الشهادة فالمراد: أحلف بالله وأدى ما عندي من الشهادة (لقد) جواب القسم (قال لي جبريل: يا محمد إن مدمن الخمر) المدمن الذي يعاقر شرب الخمر ويلازمه ولا يفارقه والخمر: ما أسكر من عصير العنب أو عام كالخمرة والعموم أصح لأنها حرمت الخمر، وما بالمدينة خمر عنب وما كان شرابهم إلا البسر والتمر، وسميت خمراً لأنها تخمر العقل وتستره أو لأنها تركت حتى أدركت واخمرت أو لأنها تخامر العقل أي تخالطه قاله في القاموس (2) (كعابد وثن) الوثن بالمثلثة: الصنم وما اتخذ إلها من دون الله وقيل: الصنم ما له جسم أو صورة فإن لم يكن له جسم أو صورة فهو وثن قاله في النهاية (3) في الصاد المهملة وقال: في حرف الزاي (4) إن الوثن كل ماله جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب أو من الحجارة كصورة الآدمي وتنصب فتعبد والصنم الصورة بلا جثة.

=حديث أسامة بن زيد: أخرجه الطبراني (1/ 171، رقم 425). قال الهيثمي (8/ 181): فيه عبد المنعم بن نعيم، وهو ضعيف، والبيهقي في شعب الإيمان (9118). وأخرجه أيضاً: الديلمى (1455)، وأورده العقيلي (3/ 111، ترجمة 1083 عبد المنعم بن نعيم) وقال: منكر الحديث حديث ابن مسعود: أخرجه ابن عدى (3/ 311، ترجمة 772 سلام بن سليمان بن سوار الثقفي)، والدارقطني في الأفراد كما في أطراف ابن طاهر (4/ 124، رقم 3793).

(1)

القاموس المحيط (ص 372).

(2)

القاموس المحيط (ص 495).

(3)

النهاية (3/ 56).

(4)

النهاية (5/ 328).

ص: 402

قلت: ما في كلامه وكلام القاموس يقضي بترادفهما وفي كلام الخليل عليه السلام في قوله: {تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم} [الأنبياء:57] وقوله: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَوْثَانًا} [العنكبوت:17] ما يقضي بذلك وهذا الحديث من أشد الأحاديث زجراً عن الخمر وأعظمها تحذيراً عنه فإن فيه أنواعاً من التأكيد عديدة: إقسامه صلى الله عليه وسلم أولاً ثم شهادته وإعلامه بأن جبريل أخبره مخاطباً له منادياً له لتقبل على ما يلقيه إليه ثم ألقي إليه جملة اسمية مؤكدة بأن ثم زاده تأكيداً يشبهه بعابد الوثن الذي ذنبه لا يغفره الله أبداً (الشيرازي في الألقاب وأبو نعيم في مسلسلاته وقال أبو نعيم: صحيح ثابت عن علي) ورواه عنه الرافعي وقال: صحيح ثابت من طرق كثيرة بألفاظ متغايرة (1).

1069 -

"أشهدوا هذا الحجر خيراً فإنه يوم القيامة شافع مشفع له لسان وشفتان يشهد لمن استلمه (طب عن عائشة) (ح) ".

(أشهدوا هذا الحجر) المراد به حجر الركن الشريف وهو الحجر الأسود غلب عليه لفظ الحجر كما غلب البيت على بيت الله الحرام (خيراً) أي اتخذوه شاهداً لكم وأودعوه خيراً (فإنه يوم القيامة شافع) لمن أودعه خيراً (مشفع) مقبول الشفاعة (له لسان) من جنسه أو يصير حيواناً (وشفتان) كذلك وقدرة الله قابلة (يشهد لمن استلمه) فإيداع الخير استلامه وقد شرح هذا الحديث ما أخرجه الحاكم والبيهقي (2) وضعفه من حديث أبي سعيد الخدري قال: حججنا مع عمر بن الخطاب [1/ 208] فلما دخل الطواف استقبل الحجر

(1) أخرجه الرافعي من طريق أبي نعيم في مسلسلاته (3/ 409) وقال: قال أبو نعيم: صحيح ثابت. وأخرجه أيضاً: أبو نعيم في الحلية (3/ 204)، وقال: صحيح ثابت روته العترة الطيبة. وذكره الحافظ في اللسان (1/ 209، في ترجمة أحمد بن عبد الله) وقال: هذا المتن بالسند المذكور أخرجه أبو نعيم في الحلية بسند له، فيه من لا يعرف حاله والمتن أورده ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عباس وفي سنده مقال.

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 2628)، والبيهقي في الشعب (4040).

ص: 403

فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ثم قبله فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين إنه يضر وينفع قال: بما؟ قال: بكتاب الله عز وجل قال: وأنّى ذلك من كتاب الله تعالى قال: قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: 172] إلى قوله: {بَلَى} خلق الله آدم ومسح على ظهره وقولهم بأنه الرب وإنهم العبيد وأخذ عهودهم ومواثيقهم وكتب ذلك في رق، وكان لهذا الحجر عينان ولسان، فقال له: افتح فاك! ففتحه فألقمه ذلك الرق، وقال له: اشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة وإني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسان ذلق يشهد لمن استلمه بالتوحيد" فهو يا أمير المؤمنين يضر وينفع، فقال عمر:"أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن"(1) وأخرجه الجندي في فضائل مكة وأبو الحسن القطان فهو يبين أن شهادة الحجر بالتوحيد (طب عن عائشة)(2) رمز المصنف لحسنه قال الشارح: ولعله لاعتضاده وإلا فقد أعله البيهقي وغيره بأن فيه الوليد بن عباد مجهول وبقية رجاله ثقات.

1070 -

"أشيدوا بالنكاح (الطبراني عن السائب بن يزيد) "(ح).

(أشيدوا بالنكاح) يقال أشاده وأشاد به إذا أشاعه ورفع ذكره من أشدت البنيان فهو مشيد وشيدته إذا طولته فاستعير لرفع الصوت أفاده في النهاية (3) والنكاح يطلق على الوطء وعلى العقد والمراد هنا العقد لما يأتي من حديث عائشة أعلنوا

(1) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 628)، والبيهقي في الشعب (4040)، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/ 462): وفي إسناده أبو هارون العبدي وهو ضعيف جداً.

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (2971). وذكر المنذري (2/ 125) والهيثمي (3/ 242): أن رواته ثقات إلا أن الوليد بن عباد مجهول.

(3)

النهاية (2/ 517).

ص: 404

هذا النكاح واجعلوه في المسجد ولا يكون في المسجد إلا العقد ويحتمل أنه أريد ما يشمل الوليمة (طب عن السائب بن يزيد) رمز المصنف لحسنه (1).

1071 -

"أشيدوا النكاح وأعلنوه (الحسن بن سفيان طب عن هبار) ".

(أشيدوا النكاح وأعلنوه) عطف تفسيري إذ الإعلان والإشادة مترادفان ويصدق الإعلان حضور الشهود والولي (الحسن بن سفيان طب عن هبار) بفتح الهاء وتشديد الموحدة آخره راء (ابن الأسود) وسببه أن هبار زوج ابنته وكان عنده كير وغرابيل فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما هذا؟ " قيل: زوج هبار ابنته فذكره ثم قال: "هذا النكاح لا السفاح" فدل السبب على أنه أريد بالنكاح لوازمه (2).

1072 -

"أصابتكم فتنة الضراء فصبرتم وإن أخوف ما أخاف عليكم فتنة السراء من قبل النساء إذا تسورن الذهب ولبسن ريط الشام وعصب اليمن وأتعبن الغنى وكلفن الفقير مالًا يجد (عد عن معاذ) (ض) ".

(أصابتكم فتنة الضراء فصبرتم) في النهاية (3): الفتنة الاختبار والامتحان،

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 152، رقم 6666)، قال الهيثمي (4/ 290): فيه يزيد بن عبد الملك النوفلي وهو ضعيف، ووثقه ابن معين في رواية.

(2)

أخرجه أيضاً: الطبراني في الكبير (22/ 200، رقم 528). وقال الهيثمي في المجمع (4/ 533): رواه الطبراني وفيه محمد بن عبيد الله العربي وهو ضعيف، وأبو نعيم في المعرفة من طريق الطبراني (5/ 2767، رقم 6577). قال الحافظ في الإصابة (6/ 524، في ترجمة (8935) هبار بن الأسود): وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده من طريقه

وفي كل من الإسنادين (الحسن بن سفيان والطبراني) ضعف. وأخرجه البغوي من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن هبار به لكن في سنده علي بن قرين وقد نسبوه لوضع الحديث، لكن أخرج الخطيب في المؤتلف من طريق إبراهيم بن محمَّد بن أبي ثابت ووقع لنا بعلو في فوائد ابن أبي ثابت.

قال السيوطي في الجامع الكبير: قال البغوي: هذا الحديث لا أصل له وفي سنده علي بن قرين كذاب)، وقال الألباني في صحيح الجامع (1011) والسلسلة الصحيحة (1463): حسن.

(3)

النهاية (3/ 411).

ص: 405

والضراء: الزمان والشدة والنقص في الأموال والأنفس والمخاطبون بالحديث الصحابة ولا شك أنهم أصابتهم الضراء بأنواعها وتلقوها بالجبال الراسية من الصبر (وإن أخوف ما أخاف عليكم فتنة السراء) هي نقيض الضراء (من قبل النساء) أي تنشأ وتبدوا من جهتهن (إذا تسورن الذهب) لبس السوار، بزنة كتاب وهو القلب التي تلبسه المرأة في معصمها (ولبس رِيَط الشام) بالراء والمثناة التحتية بزنة عنب جمع ريطة وهي كل ملاءه لبست بلفقين، وقيل: كل ثوب رقيق ويجمع على رياط قاله في النهاية (1)(وعصب اليمن) بفتح المهملة الأولى وسكون المهملة الثانية هي برود يمنية تعصب غزلها أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه الصبغ، وقيل: هي برود مخططة (وأتعبن الغني) بتحصيل ما يردن (وكلفن الفقير) من ذلك (ما لا يجد) فالحديث إخبار بأن هذه فتنة النساء أخوف عليهم في دينهم من فتنة الضراء؛ لأن تلك قد وقعت وقد تلقوها بالصبر وأما هذه فإنه يخاف أن يساعدوا النساء [1/ 309] بتحصيل ذلك وقد لا يتم إلا بما لا يحل ولا دليل فيه على جواز لبس النساء للذهب إنما فيه الإخبار بأنهن يلبسن ذلك (عد عن معاذ بن جبل) رمز المصنف لضعفه لأن فيه محمَّد بن اليسع الأنطاكي قال الذهبي: ضعفوه وقواه البعض بكلام لبعض الصحابة في معناه ولا تتم تقوية المرفوع إلا بمرفوع ذكر هذا الشارح (2).

(1) النهاية (2/ 289) ومثله في القاموس (ص: 863).

(2)

أخرجه الخطيب (3/ 190)[وقد جاء رمزه في المطبوع وكذلك في صحيح الجامع "خط" وليس "عد"]. وأخرجه كذلك ابن أبي شيبة (37281)، والبيهقي في الشعب (10630)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 237)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (881) والسلسلة الضعيفة (2788) ضعيف جداً.

أورده الخطيب في ترجمة محمَّد بن قيس البغدادي ولم يزد فيها على أن ساق له هذا الحديث فهو مجهول، ومثله أبو البقاء ومثله عبد العزيز بن سليمان الحرملي، وأما عبد الله بن محمَّد بن اليسع=

ص: 406

1073 -

"أصب بطعامك من تحب في الله (ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن الضحاك مرسلاً) ".

(أصب) بصاد مهملة بعدها موحدة من الإصابة ويروى بالضاد المعجمة والفاء من الإضافة (بطعامك من تحب في الله) هو مثل حديث: "ولا يأكل طعامك إلا تقي"؛ لأنه تقوية له على الطاعة ولأنه إحسان إلى من يحب الله الإحسان إليه (ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن الضحاك مرسلاً) ورواه ابن المبارك بلفظ أصب بطعامك من يحبك في الله (1).

1074 -

"أصحاب البدع كلاب النار (أبو حاتم محمَّد بن عبد الواحد بن زكريا الخزاعي في جزئه عن أبي أمامة) "(ض).

(أصحاب البدع) تقدم تفسيرها (كلاب النار) يحتمل أنهم بمنزلة الكلاب في الإهانة والاحتقار عند أهل النار ويحتمل أنهم يكونون في صورة الكلاب تشويها لهم وتقبيحا لصورهم مع إذاقتها العذاب وبجعل لهم صفتهما من العوي وغيره وتقدم ويأتي ذم أهل البدع، والنكتة في تغيير صورهم أنهم غيروا صورة السنة التي هي نور وهدى إلى البدعة التي هي شر وظلمة فغيرت صورهم جزاء وفاقاً (أبو حاتم الخزاعي في جزئه عن أبي أمامة) رمز المصنف لضعفه (2).

=الأنطاكي فقال الذهبي في الميزان (4/ 190) قال الأزهري: ليس بحجة ومنهم من يتهمه.

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان (197) وأخرجه أيضاً: ابن المبارك (1/ 124، رقم 366).

وقال الألباني في ضعيف الجامع (882): ضعيف لإرسال الضحاك بن مزاحم أبو القاسم أو أبو محمَّد الخراساني صدوق كثير الإرسال كما قال الحافظ في التقريب (2978).

(2)

أخرجه أيضاً: الرافعى من طريق أبى حاتم محمَّد بن عبد الواحد بن محمَّد بن زكريا الخزاعي (2/ 458). وعزاه الحافظ الخزاعي كذلك ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة (1/ 8). وأورده ابن الجوزى في العلل المتناهية (1/ 169، رقم 262)، وقال: قال الدارقطني: فيه إسماعيل بن أبان ليس بشيء قال أحمد: حدث بأحاديث موضوعة، وقال ابن حبان: يضع على =

ص: 407

1075 -

"أَصْدَقُ كلمة قالها الشاعر كلمة لَبِيد أَلا كُلُّ شَيءٍ ما خَلَا اللهَ بَاطِلٌ وكاد أُمَيَّةُ بن أَبِي الصَّلْتِ أن يُسْلِمَ (ق، هـ عن أبي هريرة) "(صح).

(أصدق كلمة قالها الشاعر) فإن قلت: الصدق مطابقة الواقع فكيف يكون فيه أصدقية فإنه إن طابق كان صادقاً وإلا فلا.

قلت: لا خلاف أن أصدق الحديث كلام الله لأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وكلام رسوله بشهادة الله له أنه لا ينطق عن الهوى بخلاف كلام المخلوقين فإنه إنما يحكم له بالصدق باعتبار الظاهر لنا ويجوز أنه في نفس الأمر غير صادق (كلمة لبيد) وهي (ألا كل شيء ما خلا الله باطل) لما وافقت قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص 88] وقوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ

} [الرحمن: 26، 26] الآية، كانت أصدق ما قالته العرب من الأشعار لإتيانها بما هو من أصدق المعاني والمراد بالكلمة هذه المصراع المذكور وإن أريد كلها فقد يوصف الشيء بصفة جزئه (ق 5 عن أبي هريرة)(1).

1076 -

"أصدق الحديث وأحسن الهدى" حم عن ابن مسعود (صح).

(أصدق الحديث) كتاب الله الذي أنزله أحسن الحديث، سمى الله كتابه حديثاً، وأصدقيته؛ لأنه {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42]، و (وأحسن الهدي) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة السمت والطريقة "هدي محمَّد وشر الأمور محدثاتها كما سلف، وكل بدعة ضلالة" تقدم. (حم

= الثقات. انظر الميزان (1/ 368) والمجروحين (1/ 128)، وأورده الغماري في المداوي (1/ 579) وقال: هذا حديث فيه تصرف من الراوي في لفظه فرواه بمعناه

وأصل الحديث بلفظ: الخوارج كلاب أهل النار، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (885) والسلسلة الضعيفة (2792).

(1)

أخرجه البخاري (3841)، ومسلم (2256)، وابن ماجه (3757).

ص: 408

عن ابن مسعود) (1)، رمز المصنف لصحته.

1077 -

"أصدق الحديث ما عطس عنده (طس عن أنس) "(ح).

(أصدق الحديث) أي ما يتحدث به الناس (ما عطس عنده) وقع العطاس من المحدث أو غيره حال التحديث إلا أنه على الثاني لا يكون النائب عنده فإنه لا يكون نائبا بل يكون المصدر بالتأويل المذكور، وذلك لأنه لما كان العطاس مما يحبه الله كما في حديث أبي هريرة عند البخاري (2):"وكان من الله .. " كما في حديثه أيضاً عند الترمذي (3) والله تعالى يحبّه الصدق فأوجد عنده ما يحب (طس عن أنس) رمز المصنف لحسنه، قال الهيثمي: رواه الطبراني عن شيخه جعفر بن ماجد، لم أعرفه وعمار بن زيدان وثقة جمع وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات، وقال النووي: في الفتاوى أن له أصلاً أصيلاً (4).

1078 -

"أَصْدَقُ الرُّؤْيَا بِالأسْحَارِ (حم ت ك هب عن أبي سعيد) "(صح).

(أصدق الرؤيا بالأسحار) جمع سحر وهو آخر الليل قريب الصبح [1/ 310] وهو من الثلث الآخر وهو أشرف أوقات الليل فكانت رؤياه أصدق الأحلام قيل: ولأن الغالب أن الخواطر تكون مجتمعة والدواعي متوفرة والمعدة خالية (حم ت ك هب عن أبي سعيد) رمز المصنف لصحته وصححه الحاكم وأقره الذهبي (5).

(1) هذا الحديث في بعض نسخ الجامع وأخرجه أحمد (3/ 319)، وأخرجه أيضاً النسائي (3/ 188)، وابن خزيمة (1785)، والحاكم (3/ 459)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1353).

(2)

أخرجه البخاري (5872).

(3)

أخرجه الترمذي (2746).

(4)

أخرجه الطبراني في الأوسط (3360) وقال لم يرو هذا الحديث عن ثابت إلا عمارة تفرد به الخضر .. انظر: الهيثمي في المجمع (8/ 59) وراجع فيض القدير (1/ 529).

وقال الألباني في ضعيف الجامع (886) وقال في السلسلة الضعيفة (137) باطل.

في إسناده عمارة بن زاذان يروي عن ثابت عن أنس قال الحافظ في التهذيب (7/ 365) قال أحمد يروي عن ثابت عن أنس أحاديث مناكير وهذا الحديث من روايته عن ثابت عن أنس ..

(5)

أخرجه أحمد (3/ 29) والترمذي (2274)، والحاكم (4/ 434) وقال: صحيح الإسناد. ووافقه=

ص: 409

1079 -

"اصْرف بَصَرَك (حم م 3 عن جَرِيرٍ) "(صح).

(أصرف بصرك) لفظه عن جرير بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فقال: اصرف بصرك. وهو نظير حديث علي رضي الله عنه عند أحمد والترمذي وأبو داود (1) أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الأخرى". وقد صرح القرآن بالأمر بغض البصر: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] وغيرها وفي كلامهم: النظر سهم مسموم من سهام إبليس، ويقال: أول الخطيئة نظرة ثم خطره ثم خطوة ثم خطيئة كما قيل:

كل المصائب مبدأها من النظر

ومعظم النار من مستصغر الشرر

وفي كلام النهج: ليس تعصي بزنى فرجك إن غضضت بصرك (حم م 3 عن جرير)(2).

1080 -

"اصرِم الأحمق (هب عن بشير الأنصارى) "(ض).

(أصرم) بفتح الهمزة وسكون المهملة وكسر الراء (الأحمق) من الصرم بفتح المهملة وسكون الراء القطع ومنه حديث: "لا يحل لمسلم أن يصارم مسلماً فوق ثلاث"(3) والأحمق أفعل من الحمق قال في النهاية (4): وحقيقة الحمق وضع

= الذهبي في التلخيص والبيهقي في شعب الإيمان (4768)، وأخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 313).

وفي إسناده دراج أبو السمح أورده الذهبي في الضعفاء (2039) وقال قال أحمد وغيره أحاديثه مناكير ووثقه ابن معين وتركه الدارقطني. وانظر الميزان (3/ 40) ولهذا ذكر ابن عدي (3/ 115) أن هذا الحديث مما أنكر من أحاديث دراج هذا. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (887) والسلسلة الضعيفة (1732).

(1)

أخرجه أبو داود (2149)، والترمذي (2777)، وأحمد (1/ 159).

(2)

أخرجه أحمد (4/ 361)، ومسلم (2159)، وأبو داود (2148). والترمذي (2776) وقال: حسن صحيح. والنسائي في الكبرى (9233). والطبرانى (2/ 337، رقم 2407).

(3)

أخرجه أبو يعلى (1556)، والطيالسي (1223).

(4)

النهاية (1/ 442).

ص: 410

الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه وهو يخصص حديث: "لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث"(1) وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بقطع الأحمق لأن الخلق يكتسب بعضها من بعض، ولأنه لا يتم الوفاء له لتلونه ومن كلام النهج: الأحمق إذا حدث ذهل، وإذا حدث عجل، وإذا حمل على القبيح فعل. والمراد من صرمه عدم اتخاذه خليلاً ونديماً لا هجرته وترك خطابه والسلام عليه وغيره من حقوق الإِسلام، فإنها ثابتة لكل مسلم لا يسقطها إلا خروجه من الإِسلام وحينئذ فلا تخصيص لحديث:"لا يحل .. " كما سلف ومن كلام النهج: الصاحب كالرقعة في الثوب فاتخذه مشاكلاً. (هب عن بشير) بالموحدة والمعجمة مصغر (الأنصاري) رمز المصنف لضعفه لأن فيه عمرو بن قيس الكندي قال ابن معين: لا شيء، ووثقه أبو حاتم (2).

1081 -

"اصطفوا وليتقدمكم في الصلاة أفضلكم فإن الله يصطفى من الملائكة ومن الناس (طب عن واثلة) ".

(اصطفوا) خطاب للمصلين بالاصطفاف كما قد سلف مراراً (وليتقدمكم) إماماً (أفضلكم) قد فسره حديث: "يؤم القوم أقرأهم"(3) الحديث، فالأفضل هو من بينه ذلك الحديث على ذلك الترتيب (فإن الله عز وجل يصطفي من الملائكة ومن

(1) أخرجه البخاري (5718)، ومسلم (2559).

(2)

أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (9468). وقال: قال أبو عبد الله الحاكم: بشير بن زيد الأنصاري مسانيده عزيزة قلت: هذا إسناد ضعيف ولا أعلم في الصحابة بشير بن زيد. وأخرجه أيضاً: البيهقي (9469) موقوفاً. وقال: هذا هو الصحيح موقوف وأورد الحافظ هذا الحديث في إتحاف المهرة (13/ 718، رقم 17341) بلفظ: "اهجر الأحمق

" الحديث. وعزاه لابن حبان في الروضة -أي روضة العقلاء- وقال: يسير بن عمرو ليس له صحبة .. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (889).

(3)

أخرجه البخاري (659)، ومسلم (673)، وأبو داود (585)، والترمذي (235)، والنسائي (780)، وأحمد (1/ 455).

ص: 411

الناس) تعليل لكون فيهم فاضلاً ومفضولاً (طب عن واثلة) سكت عليه المصنف (1).

1082 -

"أصل كل داء البردة (قط في العلل عن أنس. ابن السني، وأبو نعيم معاً في الطب عن علي. ابن السنى، وعن أبي سعيد وعن الزهري مرسلاً) ".

(أصل كل دآء) يصيب الإنسان أو كل حيوان (البَرَدة) بفتح الموحدة وفتح الراء ودال مهملة وقد تسكن الراء، وهي التخمة وثقل الطعام على المعدة سميت بذلك لأنها تبرد المعدة ولا يستمرئ الطعام قاله في النهاية (2).

قلت: وهذا الحديث من جوامع الكلم وهو إشارة إلى أحد قواعد الطب الثلاث وهي: الحمية عن المؤذي وحفظ الصحة واستفراغ المواد الفاسدة فأرشد صلى الله عليه وسلم بالحديث إلى حفظ الصحة بالإخبار بأن كل داء أصله التخمة، فإذا تجنبها الإنسان كان صحته محفوظة، ومن كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب: المعدة بيت الداء. وقد روي مرفوعاً (3)، قال ابن القيم (4): ولا يصح، وفي مسند أحمد (5) وغيره:"ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه، وحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا بد فاعلاً فثلث لشرابه وثلث لطعامه وثلث لنفسه". وهذا التقدير النبوي من أنفع شيء للبدن والقلب لأن البطن إذا امتلأ [1/ 311] من الطعام ضاق عن الشراب فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن

(1) أخرجه الطبراني (22/ 56، رقم 133). قال الهيثمي (2/ 64): فيه أيوب بن مدرك، وهو منسوب إلى الكذب انظر اللسان (1/ 488) والميزان (1/ 463) والمغني (831). وقال الألباني في ضعيف الجامع (890): موضوع.

(2)

النهاية (1/ 115).

(3)

انظر: السلسلة الضعيفة للألباني (252)، وقال: لا أصل له، وهو من كلام الحارث بن كلدة ولا يصح رفعه إلى النبي صلى الشر عليه وسلم.

(4)

زاد المعاد (4/ 94).

(5)

أخرجه أحمد (4/ 132).

ص: 412

النفس وعرض له الكرب والتعب بحمله وصار بمنزلة الحامل حملاً ثقيلاً هذا إلى ما يلزم من فساد القلب وقسوته وتخاذل الجوارح عن الطاعات ونحوها وانبعاثها ويحركها إلى الشهوات ولذلك قيل:

فإن الداء أكثر ما تراه

يكون من الطعام أو الشراب

ومن كلام النهج: كثرة الطعام تميت القلب كما يميت كثرة الماء الزرع (قط في العلل عن أنس) رواه الدارقطني في العلل عن محمَّد بن جابر عن تمام بن نجيح عن الحسن البصري عن الحسن وتعقبه وقال: يروى عن الحسن موقوفاً وهو أشبه بالصواب انتهى.

وقال ابن الجوزي: قال ابن حبان: تمام منكر الحديث، يروي أشياء موضوعة عن الثقات كان يتعمدها، وقال في الميزان: محمَّد هذا حلبي لعل البلاء منه (ابن السني وأبو نعيم في الطب عن علي) فيه إسحاق بن نجيح الملطي كان يضع الحديث (وعن أبي سعيد وعن الزهري مرسلاً) قيد للزهري قال بعضهم: لا يصح شيء من طرقه وقال ابن عدي: باطل بهذا الإسناد وجعله في الفائق من كلام ابن مسعود (1).

1083 -

"أصلح بين الناس ولو يعني الكذب (الطبرانى عن أبي كأهل) "

(1) حديث أنس: أخرجه: الديلمي (1698) وأورده ابن حبان في المجروحين (1/ 204، ترجمة 161) وابن عدي (2/ 83، ترجمة 304) كلاهما في ترجمة تمام بن نجيح الأسدي الدمشقي. وابن الجوزى في العلل المتناهية من طريق الدارقطني (2/ 667).

حديث علي: قال الغماري في المداوي (1/ 581، 582): عزا المصنف الحديث إلى ابن السنى وأبى نعيم في الطب، يبدو أنه وهم من المصنف فإن الحديث لابن عباس لا لعلى.

حديث أبي سعيد: أخرجه ابن عساكر من طريق تمام (55/ 195). وأورده ابن عدي (3/ 112، ترجمة 647 دراج) وقال الحافظ في اللسان (3/ 425): باطل. وأورده السيوطي في المنهج السوي (ص 153، رقم 96، 97) وعزاه لابن السني وأبي نعيم عن أبي سعيد وعن أنس أيضاً. وانظر: الفائق (1/ 102). وقال الألباني في ضعيف الجامع (893) والسلسلة الضعيفة (2388): ضعيف جداً.

ص: 413

(ض).

(أصلح بين الناس) قد ندب الله إلى الإصلاح بينهم في كتابه ونهى عن الإفساد بينهم وتفريق قلوبهم (ولو) كان الإصلاح (يعني بالكذب) وقد علم أن الكذب محرم عقلاً وشرعاً فأجاز الشارع منه ما فيه مصلحة تربوا على مفسدته، وذلك الإصلاح بين الناس وجمع قلوبهم المتفرقة ولم شعثهم وقد أباحه الشارع في ثلاثة مواضع هذا أحدها، والثاني: الحرب، والثالث. كذب الرجل على زوجته، وقال الحليمي: أنه لا يجوز الكذب بحال وإنما يجوز منه ما كان على سبيل التورية.

قلت: إلا أن قوله: ولو أريد الكذب الصريح، إذ التورية جائزة بلا ريب ولذا فسره الراوي بقوله: يعني الكذب إلا أنه ينبغي أن لا يفعله إلا إذا تعذرت المعاريض ولم تبق عنه مندوحة كما ترشد إليه كلمة "لو"، ولا ينافيه حديث عمران بن حصين: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب (1). هذا وقوله (ولو يعني الكذب) بفتح المثناه التحتية وسكون العين المهملة ونون فعل مضارع من عني يعني من العناية حكى الشارح عن صاحب الفردوس: أنه يريد ولو أنك تقصد الكذب يقال عنيت فلاناً قصدته، ورواية الطبراني (2):"أصلح بين الناس ولو بكذا وكذا" كلمة لم أفهمها.

قلت: ما عني قال عني الكذب وبه يعرف أن الحديث انتهى عند قوله ولو فهو من الاكتفاء وفسر الراوي الكلمة المقدرة بعد لو بالكذب (طب عن أبي كاهل) رمز المصنف لضعفه وأبو كاهل اسمه قيس بن عائذ وقيل: عبد الله ابن مالك صحابي (3) قال الهيثمي: فيه أبو داود الأعمى كذَّابٌ (4).

(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (857).

(2)

انظر: المعجم الكبير للطبراني (18/ 361) رقم (927).

(3)

انظر الإصابة (7/ 304).

(4)

أخرجه الطبراني (18/ 361، رقم 927) قول الهيثمي في المجمع (8/ 80): وقال الألباني في=

ص: 414

1084 -

"أصلحوا دنياكم واعملوا لآخرتكم كأنكم تموتون غداً (فر عن أنس) "(ض).

(أصلحوا دنياكم) أي أموركم التي لا غنى لكم عنها من طلب الحلال والإنفاق على قدر الحال ونحوه (واعملوا لآخرتكم) اجمعوا بين الأمرين لتكونوا من رجال الدارين ولا يخفى ما في التعبير بالإصلاح في أمور الدنيا من الإشارة إلى أنها دار اعوجاج وعدم استقامة ودار قلعة لا دار إقامة بخلاف الآخرة فعبر عما يقدم إليها بالعمل وقوله (كأنكم تموتون غداً) يحتمل أنه قيد للأمرين أي أصلحوا الدنيا [1/ 312] ولا تحتفلوا بها فإنكم مفارقوها غداً وراحلون عنها كما قال صلى الله عليه وسلم لابن عمر: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"(1) الحديث، واعملوا لآخرتكم التي إليها تنقلبون، ويحتمل أنه قيد للآخر والمعنيان متقاربان (فر عن أنس) رمز المصنف لضعفه لأن فيه زاهر بن طاهر الشحامي قال في الميزان: كان يخل بالصلوات فترك جمع الرواية عنه (2).

1085 -

"اصنع المعروف إلى من هو أهله وإلى غير أهله فإن أصبت أهله أصبت أهله وان لم تصب أهله كنت أنت أهله (خط في رواة مالك عن ابن عمر. ابن النجار عن علي) "(ض).

(اصنع المعروف) في النهاية (3): المعروف النَّصَفَة وحسن الصحبة مع الأهل وغيرهم (إلى من هو أهله) تقدم في إذا أن أهل المعروف هم أهل الحفاظ (و

= ضعيف الجامع (891): موضوع.

(1)

أخرجه البخاري (53 - 6).

(2)

أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (717)، والديلمي كما في كنز العمال (42111)، وقال المناوي (1/ 533): عبد الله بن محمَّد البغوي الحافظ تكلم فيه ابن عدى وراويه عن أنس مجهول. وانظر: الميزان (2/ 64). والحديث ضعيف جدًّا كما في ضعيف الجامع (892) والسلسلة الضعيفة للألباني (2/ 266، رقم 874).

(3)

النهاية (3/ 56).

ص: 415

إلى غير أهله) وهم غير أهل الحفاظ (فإن أصبت أهله أصبت) أي فقد وقع في محله فلا يتوهم الاتحاد (وإن لم تصب أهله كنت أنت أهله) أي تحقق فيك أهليته حيث أحسنت إلى من يحفظ حق المحسن وتميزت عمن لا يسدي إحسانه إلا إلى أهل الحفاظ فإن فاعل المعروف إلى غير أهله أشدّ اتّصافاً بأنه أهل المعروف من فاعله إلى من يحفظه لأنه لم يفعله إلا لحسنه عقلاً وشرعاً وفي كلام النهج: لا يزهدنك في المعروف ما لا يشكر ذلك، فقد يشكر عليه من لا ينتفع منه بشيء وقد يدرك من شكر الشاكر أكثر مما أضاع الكافر والله يحب المحسنين (خط في رواية مالك عن ابن عمر، ابن النجار عن علي) رمز المصنف لضعفه (1).

1086 -

"اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه قد أتاهم ما يشغلهم (حم د ت هـ ك عن عبد الله بن جعفر"(صح).

(اصنعوا) خطاب لأهله صلى الله عليه وسلم (لآل جعفر) هو ابن أبي طالب شهيد مؤتة (طعاماً) فقد أتاهم ما يشغلهم من خبر وفاة جعفر وأخذ منه ندبية فعل الطعام لأهل الميت (حم د ت 5 ك عن عبد الله بن جعفر) رمز المصنف لصحته (2).

1087 -

"اصنعوا ما بدا لكم فما قضى الله فهو كائن وليس من كل الماء يكون

(1) حديث ابن عمر: أخرجه الرافعي من طريق ابن لال (1/ 203)، وأورده الغمارى في فتح الوهاب (2/ 32، رقم 489) وعزاه للخطيب في رواة مالك، والدارقطنى في غرائبه، وقال: قال الخطيب: لا يصح عن مالك، وقال الدارقطني: إسناده ضعيف، ورجاله مجهولون. وقال الحافظ في اللسان (2/ 35): هذا إسناد مظلم وخبر باطل.

حديث على: أخرجه: القضاعى (1/ 436، رقم 747)، والدارقطنى في العلل (3/ 107)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (894) والسلسلة الضعيفة (2521).

(2)

أخرجه أحمد (1/ 205)، وأبو داود (3132) والترمذي (998) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (1610) والحاكم (1/ 527، رقم 1377) وقال: صحيح الإسناد. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5/ 10).

ص: 416

الولد (حم عن أبي سعيد) " (ح).

(اصنعوا) خطاب لمن استأذنه في العزل عن النساء (ما بدا لكم) من العزل وعدمه (فما قضى الله فهو كائن) فليس العزل بمانع عن خلق الولد فليس من كل الماء يخلق الولد وليس بالعزل لا ينزل شيء من الماء، فإنه وإن عزل قد ينزل شيء من الماء يخلق منه الولد، وفي صحيح مسلم قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن عندي جارية وأنا أعزل عنها فقال صلى الله عليه وسلم: "إن ذلك لا يمنع شيئاً أراده الله عز وجل" قال: فجاء الرجل فقال: يا رسول الله إن الجارية التي كنت ذكرت لك حملت فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا عبد الله ورسوله"(1). وجواز العزل عن الحرة والأمة مطلقاً مذهب جماهير، وهذه الأحاديث أدلة ذلك وذهب آخرون إلى اشتراط رضا الحرة لأن لها حقاً في الولد وذهب آخرون إلى أنه قد نسخ الجواز بحديث حذافة بنت وهب أنه سئل صلى الله عليه وسلم عنه فقال:"ذلك الوأد الخفي". أخرجه مسلم (2) وأجاب عنه الأولون بأنه محمول على التنزيه لأن الأحاديث الكبيرة الصحيحة على خلافه ودعوى النسخ تفتقر إلى تاريخ محقق يبين تأخر أحد الحديثين عن الآخر، وبأنه قد ضعف حديث حذافة وعورض أيضاً بحديث السنن أنه قال رجل: يا رسول الله إن لي جارية وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل إنما أريد ما يريد الرجال وأن اليهود تحدث أن العزل الموءودة الصغرى قال:"كذبت اليهود ولو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه". رواه أبو داود (3) من حديث رفاعة برجال ثقات قالوا: فلو طرح الحديثان لتعارضهما رجعنا إلى الأصل وهو الجواز على الإباحة الأصلية ويأتي حديث: "اعزل عنها إن شئت"

(1) أخرجه مسلم (1439).

(2)

أخرجه مسلم (1442).

(3)

أخرجه أبو داود (2171).

ص: 417

وحديث: "اعزلوا أو لا تعزلوا ما كتب الله من نسمة إلا وهي كائنة [1/ 313] إلى يوم القيامة"(حم عن أبي سعيد) رمز المصنف لحسنه (1).

1088 -

"اضربوهن ولا يضرب إلا شراركم (ابن سعد عن القاسم بن محمَّد مرسلاً) ".

(اضربوهن) أي النساء إن فعلن ما يقتضي ذلك كما قال الله تعالى: (وَاللَاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ

وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] الآية. (ولا يضرب) النساء (إلا شراركم) لأن خياركم يعفو ويغتفر ويدفع بالتي هي أحسن (ابن سعد عن القاسم بن محمَّد مرسلاً) وأخرجه البزار عن عائشة مرفوعاً إلا أنَّ المرسل أصح وكأنه لذلك عدل إليه المصنف (2).

1089 -

"اضمنوا لي ست خصال أضمن لكم الجنة: لا تظالموا عند قسمة مواريثكم وأنصفوا الناس من أنفسكم ولا تجبنوا عند قتال عدوكم ولا تغلوا غنائمكم وامنعوا ظالمكم من مظلومكم (طب عن أبى أمامة) ".

(اضمنوا لي ست خصال) المذكور هنا خمس ولعله سقط من الراوي خصلة (أضمن لكم الجنة) أتكفل لكم بها إن قلتَ: هذه الخصال لا تكفي في دخول الجنة لأنه لم يذكر فيها أركان الإِسلام الخمسة التي لا بد لكل مسلم من الإتيان بها.

قلت: هذه الضمانة منه صلى الله عليه وسلم لمن التزم أركان الإِسلام وأتى بها فإن هذه من فروعه أو أن المراد أن هذه من مقتضيات دخول الجنة إذا لم يقع ما يمنع من ذلك أو المراد الضمانة بدخول الجنة في الجملة وإن عذب قبل ذلك ثم بينها بقوله (لا تظالموا عند قسمة مواريثكم) فإن الله تعالى قد تولى كمية ما لكل وارث فمن ظلمه فقد عارض حكم الله (وأنصفوا الناس من أنفسكم) تقدم بيان

(1) أخرجه أحمد (3/ 47)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1016) والصحيحة (1462).

(2)

أخرجه ابن سعد (8/ 204). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (895).

ص: 418

الإنصاف من النفس والكلام عليه (ولا تجبنوا عند قتال عدوكم).

إن قلتَ: الجبن غريزي طبعي فكيف ينهى عنه وقد عدَّ في حديث فضالة في الشهداء: رجل لقي العدو فكأنما ضرب جلده طلح من الجبن

الحديث (1).

قلت: ليس النهي موجهاً إلى الجبن الذي هو الأمر الغريزي بل إلى لازمه وهو الفرار والفشل وتولية الدبر والمطلوب من الجبان ترك ذلك وهو ممكن له (ولا تغلوا) من الغل الكتم والإخفاء (غنائمكم) بل تجمعونها وتأتون بها إلى الإِمام، وتقدم الغلول (وامنعوا مظلومكم من ظالمكم) انصروه عليه حتى لا يأخذ منه الباطل (طب عن أبي إمامة) سكت عليه المصنف، وقال الهيثمي: فيه العلاء بن سليمان الرقي وهو ضعيف قال ابن عدي: منكر الحديث انتهى. وقال العلائي: في أماليه سنده جيد وله طرق هذا أمثلها (2).

1090 -

"اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم (حم حب ك هب عن عبادة بن الصامت) "(صح).

(اضمنوا لي ستاً من أنفسكم) ضمن يتعدى إلى المضمون له باللام وإلى المضمون عليه بعلى وإلى المضمون به بالباء أو بغي وقد يحذفان فيتعدى بنفسه إلى المضمون به يقال: ضمنت زيد على عمرو وبكذا أو في كذا فهنا قد ضمن أضمنوا ابذلوا ونحوه أي اضمنوا لي باذلين أنفسكم (أضمن لكم الجنة) حذف المضمون عليه وهو على الله وعدى إلى المضمون به بنفسه كما حذف في الحديث الأول المضمون عليه في الطرفين (أصدقوا إذا حدثتم) فإن الكذب ليس من صفات المؤمنين (وأوفوا إذا وعدتم) فإن خلف الوعد من صفات

(1) أخرجه الترمذي (1644) وقال: هذا حديث حسن غريب. لا نعرفه إلا من حديث عطاء بن دينار.

(2)

أخرجه الطبراني (8/ 282، رقم 8082). قال الهيثمي (4/ 139): فيه العلاء بن سليمان الرقى، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (891) وانظر قول ابن عدي في الكامل (5/ 223).

ص: 419

المنافقين (وأدوا الأمانة إذا ائتمنتم) في الأموال والأقوال (واحفظوا فروجكم) عما حرمه الله (وغضوا أبصاركم) عن نظر المحرمات (وكفوا أيديكم) عن كل ما لا يحل (حم حب ك هب عن عبادة بن الصامت) رمز المصنف لصحته لأنه رمز الحاكم لصحته وتعقب بأن المطلب راويه عن عبادة لم يسمع من عبادة (1).

1091 -

"أَطِب الكلام وأفش السلام وَصِلِ الأرحام وَصَلِّ بالليل والناس نيام ثم ادْخُلِ الجنة بسلام (حب حل عن أبي هريرة) (ض) ".

(أطب الكلام) كل ما فيه أجر وقد حصره الله تعالى في قوله: {لَاّ خَيْرَ في كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ} [النساء: 114] الآية (وأفش السلام) أَذعْه على من تعرفه ومن لا تعرفه (وصل الأرحام) الأقارب وتقدم (وصل بالليل والناس نيام) تهجدوا قيل: صلاة العشاء والمراد بالناس على الأخير أهل الكتابين واعلم أنه قد ورد تفسير الخصال المذكورة [1/ 314] من إطابة الكلام وإفشاء السلام وغيرهما، حديث ابن عباس أخرجه الخطيب بلفظ: إن في الجنة غرفا إذا كان ساكنها فيها لم يخف عليه ما خارجها وإذا خرج منها لم يخف عليه ما فيها قيل: لمن هي يا رسول الله قال: "لمن أطاب الكلام وأدام الصيام وأطعم الطعام وأفشى السلام وصلى بالليل والناس نيام" قيل: يا رسول الله وما طيب الكلام؟ قال: "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر إنها تأتي يوم القيامة مقدمات ومعقبات ومجنبات" قيل: يا رسول الله فما إدامة الصيام؟ قال: "من أدرك رمضان فصامه ثم أدركه فصامه" قيل: فما إطعام الطعام؟ قال: "من قات عياله فأطعمهم" قيل:

(1) أخرجه أحمد (5/ 323)، وابن حبان (271)، والحاكم (4/ 399)، وقال: صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي في التلخيص وقال: فيه إرسال. والبيهقي في شعب الإيمان (4802). وأخرجه أيضاً: البيهقي (12471). قال الهيثمي (4/ 145): رواه أحمد، والطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات إلا أن المطلب لم يسمع من عبادة. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1018).

ص: 420

فما إفشاء السلام؟ قال: "مصافحة أخيك إذا لقيته وتحيته" قيل: فما الصلاة والناس نيام؟ قال: "صلاة العشاء الآخرة واليهود والنصارى نيام"(1). قال بعض المحققين: هذا التفسير ليس بغريب لأن هذه المعاني داخلة في أحاديث الباب المطلقة دخولا أولياً يصدق اللفظ عليها مع ظهور تقدمها في الفضل وليس الحصر عليها وإنما السؤال المطلق قد يجاب بالفرد الكامل من المسئول عنه للتمثيل به مع زيادة عناية وغاية الأمر أن الباب وضع لمن له محافظة وفضل إقبال على المعاني المذكورة على الإطلاق ولله الحمد المنعم المتفضل (ثم ادخل الجنة بسلام) سلامة عن الآفات قد عرفت أنه هنا عد أربع خصال ورتب عليها دخول الجنة ويأتي الاقتصار على بعضها وتبديل بعضها ببعض والمرتب عليه واحد هو دخول الجنة وذلك مثل حديث عبد الله بن الحارث: "أطعموا الطعام وأفشوا السلام تورثوا الجنان"(2). وحديث أبي هريرة: "أفشوا السلام وأطعموا الطعام واضربوا الهمام تورثوا الجنان"(3) فيحتمل أن مجموع الخصال سبب ويحتمل أن بعضها غير معين سبب ويحتمل أن كل واحد سبب (حب حل عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه لأن فيه عند أبي نعيم عبد الله بن عبد الجبار قال العقيلي: شيخ مجهول (4).

1092 -

"أَطّت السماء وحق لها أن تَئِطّ والذي نفس محمَّد بيده ما فيها موضع

(1) أخرجه الخطيب (17814).

(2)

أخرجه البيهقي في السنن (2/ 509).

(3)

أخرجه الترمذي (1854).

(4)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (9/ 59) وابن حبان (508). وأخرجه أيضاً: أحمد (2/ 295) قال الهيثمي في المجمع (5/ 16): رجاله رجال الصحيح خلا أبا ميمونة وهو ثقة. وانظر قول العقيلي في الضعفاء (2/ 102). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1019) والسلسلة الصحيحة (1466).

ص: 421

شبر إلا فيه جبهة ملك ساجد يسبح الله بحمده (ابن مردويه عن أنس)" (ض). (أطت السماء) في النهاية (1) الأطيط صوت الأقتاب وأطيط الإبل أصواتها وحنينها أي إن كثرت ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت، وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة وإن لم يكن لها أطيط وإنما هو كلام تقريب أريد به كثرة تقرير عظمة الله (وحُق) يعين صيغة أي وحقيق (لها أن تئط) بفتح المثناة الفوقية وكسر الهمز وبيان ذلك بقوله (والذي نفس محمَّد بيده) إقسام على ما يخبر به لأنه خبر عظيم لا لأن المخاطب منكر ولا يقال إنه كلام ابتداء أي ليس محلاً للقسم وقد ذكر جار الله في الكشاف (2) مثل هذا في قوله: (إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 14] حاكياً عن المنافقين في مخاطبة شياطينهم ونقله السعد في المطول، ولك أن تقول: إنه كثيراً ما يجيء القسم للتبرك مثل إقسامه تعالى لرسوله إنه لمن المرسلين، وقوله: "نفس محمَّد بيده" أي روحه في قبضته وتحت تصرفه (ما فيها) جواب القسم (موضع شبر) بكسر الشين المعجمة قال في القاموس (3): هو ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر (إلا فيه ملك ساجد يسبح الله بحمده) سبحانه متلبساً بحمده والثناء عليه، والمراد أنه يجمع بين تنزيه الله عن النقائص [1/ 315] وإثبات الكمال له فتقدم التخلية عن النقائص على التحلية بالفضائل كما هو القضية العقلية ولذا كان الكلمتان التي تفيد هذا المعنى حبيبتين إلى الرحمن خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان. كما يأتي في حرف الكاف إن شاء الله (ابن مردويه عن أنس) رمز المصنف لضعفه (4).

(1) النهاية (1/ 129).

(2)

انظر الكشاف (1/ 31).

(3)

القاموس المحيط (ص 529).

(4)

أخرجه أيضاً: أبو نعيم في الحلية (6/ 269). وأورده السيوطي في الدر المنثور (4/ 183) وعزاه=

ص: 422

1093 -

"أطع كل أمير وصل خلف كل إمام ولا تسبن أحداً من أصحابي (الطبراني عن معاذ) "(ض).

(أطع كل أمير) هو نظير: "اسمعوا وأطيعوا .. " تقدم، والمراد: الطاعة في غير معصية (وصلِّ خلف كل إمام) من صالح وطالح وهو نظير ما يأتي: "صلوا خلف من قال لا إله إلا الله"، وقد عورض بحديث:"لا يَؤُمَّنكم ذو جرأةٍ في دينه"(1) وأجيب بأنه لم يصح كما أنه لم يصح معارضه وإذا فهمت الأحاديث من الجانبين كحديث لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (2). رجعنا إلى الأصل وهو من صحت صلاته صحت إمامته وإن كان الأفضل أن يؤم القوم أفضلهم (3)(ولا تسبن أحداً من أصحابي) قد ثبت النهي عن سب المسلم لحديث: "سباب المسلم فسوق"(4) وغيره وأصحابه صلى الله عليه وسلم أحق بالرعاية والاحترام رعاية له صلى الله عليه وسلم وتعظيماً لحقه وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن من البر أن يكرم الرجل أهل ود أبيه"(5) فأهل ود نبينا صلى الله عليه وسلم أحق بالإكرام وكما يقال (1):

= لابن مردويه كذلك. وجاء من حديث العلاء بن سعد: أخرجه ابن عساكر (52/ 381). وعن أبي ذر: أخرجه الترمذي (2312)، وابن ماجه (4190)، والبزار (3523)، وأحمد (5/ 173)، والحاكم (2/ 510)، وعن حكيم بن حزام: أخرجه الطحاوي (1134)، والطبراني (3122). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1020) والسلسلة الصحيحة (852).

(1)

أورده العظيم آبادي في عون المعبود (2/ 214)، والشوكاني في نيل الأوطار (1/ 429) وقال

الشوكاني: "قد ثبت في كتب جماعة من أئمة أهل البيت؛ كأحمد بن عيسى، والمؤيد بالله، وأبي طالب، وأحمد بن سليمان، والأمير الحسين وغيرهم، عن علي عليه السلام مرفوعاً".

(2)

أخرجه الترمذي (1707)، وابن أبي شيبة (33717)، وأحمد (5/ 66).

(3)

راجع كلام المؤلف في سبل السلام (3/ 82) وقال: أحاديث كثيرة دالة على صحة الصلاة خلف كل برّ وفاجر، إلاّ أنها كلها ضعيفة، وقد عارضها حديث:"لا يؤمنكم ذو جرأة في دينه" ونحوه، وهي أيضاً ضعيفة

".

(4)

أخرجه البخاري (48)، ومسلم (64).

(5)

أخرجه مسلم (2552).

ص: 423

لعين تفدى ألف عين وتفتدى

ويكرم ألف للحبيب المكرم

(طب عن معاذ بن جبل) رمز المصنف لضعفه لأنه من حديث مكحول عن معاذ قال الهيثمي: مكحول لم يسمع من معاذ فهو منقطع وكذلك قال الذهبي في رواية البيهقي له (2).

1094 -

"أطعموا الطعام وأطيبوا الكلام (طب عن الحسن بن علي) (ح) ".

(أطعموا الطعام) للبار والفاجر ويأتي الأولي بالإطعام (وأطيبوا الكلام) تقدم (طب عن الحسن بن علي) رمز المصنف لحسنه، وقال الهيثمي: إنه ضعيف (3).

1095 -

"أطعموا الطعام وأفشوا السلام تورثوا الجنان (طب عن عبد الله بن الحارث) (ح) ".

(أطعموا الطعام وأفشوا السلام تورثوا الجنان) بسبب ذلك (طب عن عبد الله بن الحارث)(4) صحابي صغير ورمز المصنف لحسنه وقال الشارح: إنه كذلك بل قال بعضهم: إنه صحيح (5).

1096 -

"أطعموا طعامكم الأتقياء وأولوا معروفكم المؤمنين (ابن أبي

= (1) جاء منسوباً لعلي بن حسن بن إبراهيم الأنكوري المصري. 1211 - 1270 هـ/ 1796 - 1853 م شاعر، أديب، مولده ووفاته في القاهرة ينظر: الأعلام (4/ 275).

(2)

أخرجه الطبراني (20/ 173، رقم 370). قول الهيثمي في المجمع (2/ 67): وأخرجه أيضاً: البيهقي (8/ 185)، وقال: منقطع بين مكحول ومعاذ. وقال المناوي (1/ 537) قال الذهبي في المهذب في اختصار السنن الكبرى للبيهقي (6/ 3301): هذا منقطع وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (897) والسلسلة الضعيفة (2795)

(3)

أخرجه الطبراني (3/ 94، رقم 2763). قال الهيثمي (5/ 17): فيه القاسم بن محمَّد الدلال، وهو ضعيف وصححه الألباني في صحيح الجامع (1021) والسلسلة الصحيحة (1465).

(4)

انظر الإصابة (3/ 883).

(5)

أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (5/ 17) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وأخرجه الضياء في المختارة من طريق الطبراني (9/ 223، رقم 209). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1022) والسلسلة الصحيحة (1466).

ص: 424

الدنيا في كتاب الإخوان عن أبي سعيد) (ح) ".

(أطعموا طعامكم الأتقياء) هو إرشاد إلى الأولى وإن كان إطعام غير المتقي جائز أيضاً (وأولوا معروفكم المؤمنين) لأنهم الذين يحفظون حق المعروف ويدعون لفاعله (ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان ع عن أبي سعيد) رمز المصنف لحسنه (1).

1097 -

"أطفال المؤمنين في جبلٍ في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردوهم إلى آبائهم يوم القيامة (أحمد، والحاكم، والبيهقي في البعث عن أبي هريرة"(صح).

(أطفال المؤمنين في جبلٍ في الجنة) أي الآن قبل قيام الساعة (يكفلهم إبراهيم وسارة) زوجة إبراهيم وفيه دليل أنهم أحياء حياة حقيقية لأن الكفالة تقتضي ذلك إذ هي القيام بحق الإنسان (حتى يردهم إلى آباءهم يوم القيامة) وقد رأى صلى الله عليه وسلم إبراهيم وحوله الأطفال عند الشجرة في الرؤيا الطويلة المشهورة (حم ك والبيهقي في البعث عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته لأنه صححه الحاكم (2).

(1) أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان (رقم 196). وأخرجه أيضاً: القضاعي (713). وأحمد (3/ 55) وقال الهيثمي في المجمع (10/ 201) رواه أحمد وأبو يعلى ورجالهما رجال الصحيح غير أبي سليمان الليثي وعبد الله بن الوليد التجيبي وكلاهما ثقة.

وأخرجه أيضاً أبو نعيم في الحلية (8/ 179) وقال هذا لا يعرف إلا من حديث أبي سعيد بهذا الإسناد وأبو سليمان الليثي قيل إن اسمه عمران بن عمران يشير بذلك إلى تليين هذه التسمية ولذلك لم يذكرها أحد، بل قال الحافظ في اللسان (7/ 58) وذكر الجملة الأخيرة من الحديث: ذكره الحاكم أبو أحمد في كتاب الكنى في من لا يعرف اسمه وذكر ابن حبان في الثقات وقال ابن طاهر في الكلام الذي جمعه على أحاديث الشهاب هذا الحديث غريب لا يعرف ولا نذكر إلا في هذا الإسناد. وأبو يعلى (1106). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (898).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 326). قال الهيثمي (7/ 219): فيه عبد الرحمن بن ثابت، وثقه المديني وجماعة وضعفه ابن معين وغيرها وبقية رجاله ثقات وأخرجه الحاكم (1/ 384) وقال: صحيح على=

ص: 425

1098 -

"أطفال المشركين خدم أهل الجنة (الطبراني في الأوسط عن أنس. سعيد بن منصور عن سلمان موقوفاً) ".

(أطفال المشركين خدم أهل الجنة) فيه أنهم من أهلها ووردت أحاديث أنهم يعذبون، في سنن أبي داود وغيرها والناس فريقان في ذلك متأول لها وراد لها وقائل بها ولنا في ذلك رسالة مفردة مراجعة مع الشيخ العلامة عالم المدينة النبوية أبي الحسن السندي رحمه الله (طس عن أنس ص عن سليمان موقوفاً) وأورده في الكبير عن سمرة (ورواه البخاري في تاريخه الأوسط عن سمرة) مرفوعاً (1).

1099 -

"أَطْفِئُوا المصابيح إذا رقدتم وأغلقوا الأبواب وَأَوْكوا الأَسْقِيَةَ وَخَمِّرُوا الطعام والشراب ولو بِعُودٍ تَعْرُضُهُ عليه (خ عن جابر) "(صح).

(أطفئوا المصابيح إذا رقدتم) تقدم معللاً بأن الفويسقة ربما جرت الفتيلة (وأغلقوا الأبواب) الجمع في هذا والذي قبله باعتبار أن المخاطب جمع (وأوكوا الأسقية) تقدم كل هذا (وخمّروا) بالخاء المعجمة (الطعام والشراب) في هذا تخصيص للآنية التي سلفت بأن المراد آنية الطعام

= شرط الشيخين. والبيهقي في البعث (ص 155، رقم 211). وأخرجه أيضاً: ابن أبي شيبة (3/ 54، رقم 12052). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1023) والسلسلة الصحيحة (1467).

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (5355). وأخرجه أيضًا: البزار كما في كشف الأستار (3/ 31، رقم 2170)، وأبو يعلى (رقم 4090). قال الهيثمي (7/ 219): في إسناد أبو يعلى يزيد الرقاشي وهو ضعيف، وقال فيه ابن معين: رجل صدق، ووثقه ابن عدي، وبقية رجالهما رجال الصحيح. وللحديث طرف آخر:"إنى سألت ربي أولاد المشركين".

حديث سلمان الموقوف: أخرجه أيضاً: عبد الرزاق عن معمر في الجامع (20079). وأورده العجلونى (1/ 151) في كشف الخفاء وعزاه لسعيد بن منصور.

وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (1024) والسلسلة الصحيحة (1468).

ص: 426

والشراب (ولو بعود) أي خمروه ولو بعود (تعرضه عليه) على الإناء الدال عليه ذكر الطعام والشراب وفيه أنه يكفي [1/ 316] في التغطية عرض العود وإن لم يغطي الإناء كله (خ عن جابر)(1).

1100 -

"اطلب العافية لغيرك ترزقها في نفسك (الأصبهاني في الترغيب عن ابن عمر) (ض) ".

(أطلب العافية لغيرك ترزقها في نفسك) قد ثبت أنه يقول الملك لمن يدعو للغائب ولك مثل ذلك فيحتمل هنا أنه لإجابة دعاء الملك له ويحتمل أنه يراد أنك إذا سألت العافية لغيرك جازاك الله بها وأعطاك ما تطلبه لغيرك (الأصبهاني في الترغيب عن ابن عمر) رمز المصنف لضعفه (2).

1101 -

"اطلبوا الحوائج إلى ذوى الرحمة من أمتي ترزقون وتنجحوا فإن الله يقول رحمتي في ذوي الرحمة من عبادي ولا تطلبوا الرحمة عند القاسية قلوبهم فلا ترزقوا ولا تنجحوا فإن الله يقول إن سخطي فيهم (الحاكم في التاريخ، والعقيلي وضعفه، والطبراني في الأوسط، وابن عساكر عن أبي سعيد"(ض).

(أطلبوا الحوائج إلى ذوي الرحمة من أمتي ترزقوا وتنجحوا) فيه أنه تعالى جعل بعض الأمة ذا رحمة وبعضهم بخلافه كما يقتضيه قوله (فإن الله يقول رحمتي في ذوي الرحمة من عبادي) فاقصدوهم (ولا تطلبوا الحوائج عند القاسية قلوبهم فلا ترزقوا ولا تنجحوا) هو نهي عن طلبها عند غير ذي الرحمة (فإن الله يقول: إن سخطي فيهم) فكيف يرجى حاجة ممن سخط الله فيه (عق طس عن

(1) أخرجه البخاري (5624). وأخرجه أيضاً: النسائي في الكبرى (10581)، وأبو يعلى (1837).

(2)

أخرجه الأصبهاني في الترغيب (2172). وأخرجه أيضاً: الديلمي (1756).

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (899) وقال في السلسلة الضعيفة (4401) ضعيف جداً. في إسناده محمَّد بن كثير الفهري متروك كما قال الحافظ في التقريب (6255) وفيه عبد الله بن لهيعة ضعيف كما قال الذهبي في المغني (3317).

ص: 427

أبي سعيد) رمز المصنف لضعفه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ورد عليه الحافظ ابن حجر بأن محمَّد بن مروان لم ينفرد به بل له فيه متابع وشاهد عند الحاكم في المستدرك من حديث علي وغيره (1).

1102 -

"اطلبوا الخير عند حسان الوجوه"(تخ وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج (ع طب) عن عائشة (طب هب) عن ابن عباس (عد) عن ابن عمر، ابن عساكر عن أنس (طس) عن جابر، تمام (خط) في رواة مالك عن أبي هريرة، تمام عن أبي بكرة".

(أطلبوا الخير عند حسان الوجوه) تقدم في ابتغوا وتقدم الكلام عليه (تخ وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج، ع طب عن عائشة، طب هب عن ابن عباس، عد عن ابن عمر، ابن عساكر عن أنس، طس عن جابر تمام، خط في رواة مالك عن أبي هريرة، تمام عن أبي بكرة) وقال المؤلف فيه: حسن صحيح، وقال ابن

(1) أخرجه العقيلي في الضعفاء (3/ 19) في ترجمة عبد العزيز بن يحيى المديني (975) بلفظ "اطلبوا الخير عند ذوي الرحمة من عبادي فإن فيهم رحمتي فتعيشوا في أكنافهم ولا تطلبوها من الفسقة فإن فيهم سخطى" وقال ليس له أصل عن ثقة.

وأخرجه الطبراني في الأوسط (4717) بلفظ "اطلبوا الفضل إلى الرحماء من أمتي تعيشوا في أكنافهم ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم فإنهم ينتظرون سخطى" وقال: لم يرو هذا الحديث عن داود بن أبي هند إلا محمَّد بن مروان، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 195) وفيه محمَّد بن مروان السدي الصغير وهو متروك. وانظر ميزان الاعتدال (6/ 328) وأخرجه بلفظه ابن عساكر (43/ 5) وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 491، 1051) وقال: لا يصح، وتعقبه السيوطي في اللآلئ (2/ 76) بما يفيد أن الحديث ضعيف وليس بموضوع، ونقل عن العراقي في تخريج الإحياء أن الحديث ضعيف، وقال المناوي في الفيض (1/ 539) قال العقيلي وعبد الرحمن مجهول لا يتابع على حديثه وداود لا يعرف وخبره باطل

قال في اللسان (3/ 446) وأظن محمَّد بن مروان يكنى أبا عبد الرحمن فوقع في رواية العقيلي أن أبا عبد الرحمن سقط من عنده أبي فبقي عبد الرحمن على أن محمَّد بن مروان لم ينفرد به بل فيه متابع وشاهد من حديث علي في المستدرك (4/ 357) وغيره انتهى وأشار بذلك إلى الرد على ابن الجوزي في إيراده في الموضوعات. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (900) والضعيفة (1577).

ص: 428

الجوزي: موضوع (1).

(1) حديث عائشة أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 51) وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج (ص 57 رقم 51) وأبو يعلى (4759) وإسحاق بن راهويه (1650) والدارقطني في المؤتلف والمختلف (1/ 79) والبيهقي في الشعب (3541) والعقيلي في ضعفائه (2/ 121) وابن عدي في الكامل (2/ 204) وابن عساكر في تاريخ دمشق (22/ 184).

في سنده جبرة بنت محمَّد أو خيرة وأمها مجهولتان وفي سنده عند ابن عدي الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي قال بعد ساق جملة من أحاديثه كلها مع ما ذكرتها موضوعة وما هو منها معروف بالمتن فهو باطل بهذا الإسناد، وضعفه بين على حديثه وقال الذهبي في المغني (1657) متروك متهم، وفي سنده سليمان بن أرقم عند العقيلي قال (2/ 121) لا يسوى حديثه شيئاً.

2 -

أما حديث ابن عباس فقد أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (11/ 81) رقم (11132) وقال الهيثمي في المجمع (8/ 195) وفيه عبد الله بن خراش بن حوشب وثقه ابن حبان وقال: ربما أخطأ، وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات. وأخرجه البيهقي في الشعب (3543) وقال في هذا الإسناد ضعف، والعقيلي في ضعفائه (3/ 340) وقال عصمة بن محمَّد الأنصاري يحدث بالبواطيل عن الثقات، ليس ممن يكتب حديثه إلا على جهة الاعتبار، وسئل عنه ابن معين؟ فقال: كذاب يضع الحديث.

وأخرجه أبو نعيم الأصبهاني في أخبار أصبهان (6/ 148) من طريق حفص بن عمر، وتمام في الفوائد (1/ 340) من طريق سفيان الثوري كلاهما عن طلحة بن عمرو، عن عطاء عنه، قلت طلحة بن عمرو متروك كما في التقريب (3030) وحفص بن عمر لم أعرفه.

3 -

أما حديث ابن عمر أخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج (ص 75 رقم 52) وابن عدي في الكامل (6/ 189) وعبد بن حميد في مسنده (751) والخطيب في تاريخ بغداد (11/ 295) والقضاعي في مسند الشهاب (611) والعقيلي في ضعفائه (4/ 102) وقال محمَّد بن عبد الرحمن بن المجبرة قال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: سكتوا عنه. وقال الحافظ في اللسان (5/ 245) قال الفلاس ضعيف وقال أبو زرعة واه وقال النسائي وجماعة متروك.

4 -

أما حديث أنس فقد أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (57/ 8) وقال هذا حديث غريب وإسناد عجيب، إنما يروى هذا الحديث عن الثوري كما ..... ثم ساقه عن محمَّد ابن خليد الخثعمي نا مالك بن أنس عن سفيان الثوري عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن جابر بن عبد الله مرفوعاً، وآفة هذه الطريق المبارك هذا فإنه مجهول، وفي ترجمته ساق ابن عساكر له هذا الحديث، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلا، وفي قوله عقبه:"حديث غريب .... " ما يشير إلى ضعفه.

وشيخه ناعم بن السري؛ لم أجد له ترجمة، وهو على شرط ابن عساكر، فقد ذكر في ترجمة المبارك بن سعيد أنه الطرسوسي. والله أعلم. =

ص: 429

1103 -

"اطلبوا الخير دهركم كله وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله

= وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (3/ 226) وفي سنده خراش بن عبد الله قال الذهبي في الميزان (2/ 438): ساقط عدم، وأبو سعيد العدوي -واسمه الحسن بن علي- كذاب. انظر المغني (1448).

5 -

أما حديث جابر فقد أخرجه الطبراني في الأوسط (6117) والعقيلي في الضعفاء (2/ 128) وابن عدي في الكامل (3/ 290) وأبو نعيم في الحلية (3/ 156) وقال غريب من حديث جابر لم نكتبه إلا من حديث سليمان عن عمر، وقال العقيلي: سليمان هذا الغالب على حديثه الوهم، وليس في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يثبت، وقال ابن عدي: سليمان بن كراز الطفاوي بصري يكنى أبا داود، ثم ذكر له حديثا منكرا؛ ثم قال: وعمر بن صهبان ضعيف.

قلت: وأورده الذهبي في الكاشف (4075) وقال قال: الدارقطني متروك.

وأخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (4/ 362) من طريق خلف بن يحيى قاضي الري، قلت: ويحيى بن خلف كذبه أبو حاتم. انظر الميزان (2/ 454)

6 -

أما حديث أبي هريرة فقد أخرجه الطبراني في الأوسط (3787) والعقيلي في الضعفاء في ترجمة عبد الرحمن بن إبراهيم القاص (2/ 320) قال يحيى بن معين ليس بشيء وقال في الحديث ليس له طريق يثبت.

وأخرجه تمام في الفوائد (2/ 298) من طريق سفيان الثوري عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن أبي هريرة به. قلت طلحة بن عمرو متروك كما تقدم.

7 -

أما حديث أبي بكرة فقد أخرجه تمام الرازي في الفوائد (1/ 340). قلت في إسناده أبو علي محمَّد بن هارون بن شعيب احترقت كتبه وجددها كان يتهم، كما قال عبد العزيز الكتاني في ذيل مولد العلماء (1/ 160) وانظر الميزان (6/ 357)، وفيه أبو يعقوب الأفطس؛ اسمه يوسف بن يونس الطرسوسي؛ قال الذهبي في الميزان (7/ 310): ليس بثقة ولا مأمون. والمبارك بن فضالة؛ صدوق يدلس، وقد عنعنه. والحسن -وهو البصري- مدلس أيضاً.

8 -

أما عبد الله بن عمرو فقد أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 221) وقال: وهذا يستغرب بهذا الإسناد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

قلت: وآفته محمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عمير بن قتادة الليثي؛ قال البخاري: منكر الحديث.

وقال النسائي: متروك. انظر اللسان (5/ 216).

وبالجملة فالحديث طرقه كلها ضعيفة وبعضها أشد في ذلك من بعض كما صرح بذلك السخاوي في المقاصد الحسنة (1/ 148).

وقال الألباني في ضعيف الجامع (903) والضعيفة (2855) موضوع.

ص: 430

نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يُؤَمَّن روعاتكم (ابن أبي الدنيا في الفرج، والحكيم هب حل عن أنس. هب عن أبي هريرة)(ض) ".

(أطلبوا الخير دهركم كله وتعرضوا لنفحات رحمة الله) جمع نفحة وهي العطية من نفح الطيب إذا فاح وخرج منه رائحة كذلك العطية تخرج من المعطي وفيه الأمر بالتعرض لنيل الخير في كل حين من الأحيان فإنه قد يوافق ساعة الإجابة (فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده) فتعرضوا لها لعلها تصيبكم وأحسن الرافعي رحمه الله في قوله:

أقيما على باب الكريم أقيما

ولا تنأيا من سبوحه فتهيما

وللنفحات الطيبات تعرضا

لعلكما تستنشقن نسيما

(وسلوا الله تعالى أن يستر عوراتكم) عطف على اطلبوا الخير، فيحتمل أنه تفسير له وأن من سأله ذلك فقد طلب الخير، ويحتمل أنه تخصيص بعد التعميم إفادة لأهمية ما ذكر، والعورة كل ما تستحي منه إذا ظهر (وأن يؤمن روعاتكم) جمع روعة وهي المرة من الفرع وإنما خص صلى الله عليه وسلم هاتين الخلتين من المطلوبات لأنهما من أعظم المصائب الباطنة والظاهرة فإن كشف السوء أعظم فضائح الظاهر والفرع أعظم مصائب الباطن وذلك لأن انكشاف العورة لا يكون إلا عند انتهاء الإنسان إلى أسوأ الأحوال وأشقها ولذلك عوقب به أبو البشر آدم عليه السلام وزوجه كما حكى الله تعالى ونسبه إلى إبليس لما كان هو السبب، وامتن علي بني آدم بإنزال اللباس الذي هو يواري العورات فسؤال سترها سؤال اللطف فيما توجبه من أسباب العقوبات وللمغفرة إن قارف الذنوب، ويحتمل أن يراد بالعورات الخطايا وسترها مغفرتها وأنه لا يكشف فاعلها يوم العرض عند الخلائق ولا في دار الدنيا والأولى حمله على الأمرين ليشملها من باب عموم المجاز وأما سؤال تأمين الروعات فهو دعاء يدفع ما هو أعظم مصائب القلب

ص: 431

فإن الفزع وهو الخوف [1/ 317] أعظم ما يصاب به القلب، ولذا امتن الله على أوليائه بأنه لا خوف عليهم، وجعل الأمن من صفات سكان الجنان فقال:{وَهُمْ في الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 37] وإيقاع التأمين على الروعة مع أنه لذي الروعة مجاز عقلي ويأتي من دعائه صلى الله عليه وسلم: "اللهم استر عورتي وآمن روعتي"، وفي الحديث:"من البديع الجناس المقلوب وجعل أئمة البديع" هذا الحديث من أمثلته (ابن أبي الدنيا) في كتاب (الفرج) له (والحكيم هب حل عن أنس هب عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه (1).

1104 -

"اطلبوا الرزق في خبايا الأرض (طب هب عن عائشة) (ض) ".

(اطلبوا الرزق في خبايا الأرض) جمع خبيئة بالخاء المعجمة كخطيئة وخطايا وهو الشيء المخبؤ يقال: خبأت الشيء أخبؤه خبوا إذا أخفيته وأراد بالخبايا الزرع لأنه إذا أودع البذر في الأرض فقد خبأه فيها قال عروة بن الزبير: ازرع، فإن العرب كانت تمثل بهذا البيت:

(1) حديث أنس: أخرجه الحكيم (2/ 293)، والبيهقي في شعب الإيمان (1121)، وأبو نعيم (3/ 162)، وابن عساكر (24/ 123) ولم أقف عليه عند ابن أبي الدنيا في الفرج عن أنس والذي عنده عن أبي هريرة، وقد أشار الغماري في المداوي (1/ 602) إلى أنه قد حدث سبق قلم من الإِمام السيوطي فعزا الحديث لأنس بدل أن يعزوه لأبي هريرة. وأخرجه أيضاً: الطبراني (1/ 250) رقم (724) وفي الدعاء (26) وقال الهيثمي في المجمع (10/ 231) وإسناده رجاله رجال الصحيح غير عيسى بن موسى بن إياس بن البكير وهو ثقة. القضاعي (701)، والديلمي (241). قال المناوي (1/ 541): فيه حرملة بن يحيى التجيبي، قال أبو حاتم: لا يحتج به وأورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين.

حديث أبى هريرة: أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (1123)، وابن عساكر (24/ 123) وابن أبي الدنيا في الفرج بعد الشدة (1/ 24) رقم (27) وفي إسناده أيضاً: يحيى بن أيوب صدوق بما أخطأ كما في التقريب (7511) وشيخه عيسى بن موسى بن محمَّد بن إياس بن بكير قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(6/ 285) سئل أبي عنه فقال ضعيف. وذكره ابن حبان في الثقات (5/ 216). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (902) والسلسلة الضعيفة (2798).

ص: 432

والمسألة بتحقير الخلاف (حم خ 5 عن أنس) ابن مالك (1).

1034 -

"أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته: لا يتم ركوعها، ولا سجودها، ولا خشوعها (حم ك) عن أبي قتادة الطيالسي (حم ع) عن أبي سعيد (صح) ".

(أسوأ الناس سرقة) شرهم من حيث السرقة (الذي يسرق من صلاته) وبينه بقوله (لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها) فهي جملة بيانية ولذا جُرّدت عن العاطف، والمراد بالتمام ما في حديث رفاعة وصححه الحاكم (2) وأخرجه الأئمة وصدره:"أنه لا يتم صلاة أحدكم -إلى أن قال:- فيركع فيضع كفيه على ركبتيه ويرفع حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ثم يقول: [1/ 296] سمع الله لمن حمده فيستوي قائماً حتى يأخذ كل عضو مأخذه ويضع صلبه ثم يكبر فيسجد فيمكن جبهته من الأرض حتى تطمئن مفاصله ويسترخي ثم يكبر فيرفع رأسه فيستوي قاعداً على مقعدته ويقيم صلبه ثم يكبر فيسجد حتى يمكن وجهه ويسترخي لا يتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك" انتهى.

والخشوع لغة: الخضوع ويريد هنا خشية القلب والباد البصر كما قال قتادة: هو إلزامه موضع سجوده وكان الرجل إذا قام إلى الصلاة هاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء أو يحدث نفسه بشأن من شأن الدنيا وقيل هو جمع الهمة لها والإعراض عما سواها فإن قيل: قد ثبت في عدة من الأحاديث أن الذنوب ثلاثة: أحدها: يغفره الله وهو ما بينه وبين عبده، وثانيها: ما لا يتركه وهو ذنوب العباد فيما بينهم، وسرقة الصلاة من الأول وسرقة العباد من الثاني، فكيف جعلت سرقة الصلاة أسوأ السرقات؟ قيل: لأنها سرقة لم ينل صاحبها منها

(1) أخرجه أحمد (3/ 114) والبخاري (696) وابن ماجه (2860).

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 241 - 242) وكذلك أبو داود (859) والنسائي (2/ 20، 193) والترمذي (302) وابن ماجه (460) وقال الترمذي: حديث حسن وحسّن إسناده البزار.

ص: 433

والبصرية يجعلونه دليل جواب محذوف، وهذه الواو الداخلة على كلمة لو اعتراضية ولا تدخل إلا إذا كان ضد الشرط المذكور أولاً بذلك المقدم الذي جعل جزاءاً أو عوضاً عنه من ذلك الشرط المذكور مثل قولك: أكرمه ولو يشتمني فان ضد الشتم وهو المدح أولى بالإكرام وأنسب وكذا الحديث: "اطلبوا العلم ولو بالصين" أي ولو في أبعد مسافة فطلبه مع قرب المسافة أولى وأنسب (عق عد هب وابن عبد البر في العلم عن أنس) رمز المصنف لضعفه وقال مخرجه بعد إخراجه: متنه مشهور وسنده ضعيف، وقد روي من وجوه كلها ضعيفة وحكم ابن الجوزي بوضعه ونوزع بقول المزي: له طرق ربما يصل بمجموعها إلى الحسن وبقول الذهبي في الواهيات روي من عدة طرق واهية وبعضها صالح (1).

1106 -

"أطلبوا العلم ولو بالصين فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب، ابن عبد البر عن أنس"(ض).

(اطلبوا العلم ولو بالصين فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم) تقدم (إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب) قال الخطابي: يتأول على وجوه: أحدها أن يكون [1/ 318] بمعني التواضع والخشوع تعظيماً لحقه وتوقيراً لعلمه، وقيل: وضع الجناح معناه كف الطيران للنزول عنده، وقيل:

(1) أخرجه العقيلي (2/ 230، ترجمة 777)، وابن عدى (4/ 118، ترجمة 963) كلاهما في ترجمة طريف بن سلمان أبو عاتكة وانظر ميزان الاعتدال (3/ 359) والمجروحين (1/ 382).

والبيهقي في شعب الإيمان (1663)، وقال: هذا حديث متنه مشهور، وإسناده ضعيف، وقد روى من أوجه كلها ضعيفة. وزاد في المدخل (1/ 244): لا أعرف له إسناداً يثبت بمثله الحديث. وأخرجه ابن عبد البر في العلم (1/ 9). وأخرجه أيضاً: الخطيب (9/ 363)، وأورده ابن الجوزى في الموضوعات (1/ 347، رقم 428). قال العجلونى (1/ 154): ضعيف بل قال ابن حبان: باطل. وذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" ورواه أبو يعلى عن أنس بلفظ: اطلبوا العلم ولو بالصين فقط، ورواه ابن عبد البر أيضاً عن أنس بسند فيه كذاب.

وقال الألباني في ضعيف الجامع (906) والسلسلة الضعيفة (416): موضوع.

ص: 434

معناه بسط الجناح وفرشها له لتحمله عليه فتبلغه حيث يقصد من البقاع في طلبه ومعناه المعونة وتيسير السعي له في طلب العلم، وقال ابن الأثير (1): تضعها لتكون وطاءً له إذا مشى، وقيل: أراد ظلالهم بها وروى الحافظ عبد القادر الرهاوي بسنده إلى الطبراني قال: سمعت زكريا بن يحيي الساجي قال: كنا نمشي في بعض أزقة البصرة إلى دار بعض المحدثين وكان معنا رجل تاجر متهم في دينه فقال: ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها كالمستهزئ فما زال من موضعه حتى جفت رجلاه وسقط قال الحافظ الرهاوي: إسناد هذه الحكاية كالأخذ باليد والراحة لأن رواتها أعلام وراويها إمام (2)(ابن عبد البر عن أنس) رمز المصنف لضعفه وتقدم فيه الكلام (3).

1107 -

"اطلبوا العلم في يوم الاثنين فإنه ميسر لطالبه (أبو الشيخ فرعن أنس) (ض) ".

(اطلبوا العلم يوم الاثنين) كأنه والله أعلم اليوم الذي ولد فيه من فاضت عنه بحور العلوم الدينية والدنيوية وهو المصطفي صلى الله عليه وسلم وفيه بعث وفيه هاجر وفيه لقي الله عز وجل ويأتي حديث: "أغد في يوم الخميس فإني سألت الله أن يبارك لأمتي في بكورها ويجعل ذلك يوم الخميس"، فيؤخذ من الحديث أن اليومين أبرك الأيام لطلب العلم وأن الخميس يختص ببركة أوله (فإنه) أي طلب العلم (ميسر لطالبه) في هذا اليوم فينبغي أن يتحرى فيه ابتداء القراءات وتعليم الصبي (أبو الشيخ فر عن أنس) رمز المصنف لضعفه وفيه مغيرة بن عبد الرحمن قال

(1) النهاية (1/ 821).

(2)

ذكر هذه الحكاية بإسناده محمَّد بن أحمد السلفي في مشيخة ابن الخطاب (1/ 96) رقم (9).

(3)

أخرجه ابن عبد البر في العلم (1/ 9) وقال المناوي في الفيض (1/ 543) فيه يعقوب بن إسحاق العسقلاني قال في الميزان (7/ 274) يعقوب كذاب انتهى وقال النيسابوري وابن الجوزي ثم الذهبي لم يصح فيه إسناد. وقال الألباني في ضعيف الجامع (907) والسلسلة الضعيفة (416): موضوع.

ص: 435

الذهبي: ليس بشيء ووثقه طائفة (1).

1108 -

"اطلبوا الحوائج بعزة النفس فإن الأمور تجرى بالمقادير (تمام، وابن عساكر عن عبد الله بن بسر المازنى) ".

(أطلبوا الحوائج بعزة الأنفس) الباء للمصاحبة طلباً مصاحباً عزة الأنفس وهذا في طلبها من العباد، وفيه دليل على أن ذلك جائز وإن كان غيره أفضل وفيه أنه لا يذل نفسه عند الطلب (فإن الأمور كلها تجري بالمقادير) بما قدره الله تعالى إن قدر تمامه فإنه ليس الذل بجالب له ولا العزة بمانعٍ عنه.

فإن قلت: إذا كان جارياً على المقادير فأي حاجة في الطلب إذا المقادير هي التي تسوقه لا الطلب فهلا ترك الطلب لأنها قد قدرت.

قلت: هذا سؤال يورده من لا يعرف حكمة الله في ربط الأسباب بالمسببات فإنه تعالى قد جعل مجرد الطلب سببا ولم يجعل إذلال النفس سببا فإن فعل السبب المباح وقدر تعالى قضاء الحاجة قضيت وإلا فلم أذل نفسه ولا ترك ما أمر به (تمام وابن عساكر عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة (2).

1109 -

"اطلبوا الفضل عند الرحماء من أمتي تعيشوا في أكنافهم فإن فيهم رحمتي ولا تطلبوا من القاسية قلوبهم فإنهم ينتظرون سخطي (الخرائطي في مكارم الأخلاق عن أبي سعيد) "(ض).

(1) أخرجه أبو الشيخ كما في السلسلة الضعيفة (2490)، والديلمي (237)، وابن عساكر (48/ 317). وأورده: ابن الجوزى في العلل المتناهية (1/ 324) وقال: لا يثبت. قال العجلونى (1/ 154): رواه الديلمى وابن عساكر وأبو الشيخ بسند فيه ضعف عن أنس. وانظر قول الذهبي في المغني (6383) وقال الحافظ في التقريب (6845): ثقة له غرائب.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (908) والسلسلة الضعيفة (2490).

(2)

أخرجه تمام (194)، وابن عساكر (53/ 70). وأخرجه أيضاً: الضياء (9/ 51، رقم 28). قال العجلونى (1/ 155): رواه تمام وابن عساكر بسند ضعيف.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (901) والسلسلة الضعيفة (1390).

ص: 436

(اطلبوا الفضل) هو الزيادة والمراد به الإحسان (عند الرحماء) جمع رحم (من أمتي) هو نظير ما سلف: "اطلبوا الحوائج .. " الحديث، (تعيشوا في أكنافهم) جمع كنف بالتحريك وهو الجانب والناحية وهو تمثيل أي تحت ظل يعمهم وإحسانهم (فإن فيهم رحمتي) قال الشارح: لعله سقط من قلم المصنف فإن الله يقول أو نحوه إن فيهم رحمتي يريد أن المعنى على هذا اللفظ الذي ساقه فيه قلق إذ ظاهر ضمير رحمتي عليه له صلى الله عليه وسلم وليس كذلك قال: ثم رأيت الحافظ الذهبي وغيره ساق الخبر من هذا الوجه بلفظ: "اطلبوا الفضل عند الرحماء من عبادي" فصرح يكون الحديث قدسياً (ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإنهم ينتظرون سخطي)[1/ 319] وكيف يرجى الخير ممن ينتظر السخط (الخرائطي في مكارم الأخلاق عن أبي سعيد) رمز المصنف لضعفه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وسببه أن فيه محمَّد بن مروان السدي قال العقيلي: لا يتابع على حديثه وقال العراقي: ضعيف جداً وقال الهيثمي: متروك ورواه الحاكم من حديث علي وقال: صحيح، قال العراقي: وليس كما قال (1).

1110 -

"اطلبوا المعروف من رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإنَّ اللعنة تنزل عليهم يا علي إن الله خلق المعروف وخلق له أهلاً فحببه إليهم وحبب إليهم فعاله ووجه إليهم طلابه كما وجه الماء في الأرض

(1) أخرجه الخرائطي في المكارم (568). وأخرجه أيضاً: الطبراني في الأوسط (4717)، والقضاعي (1/ 406، رقم 700)، وقال الهيثمي في المجمع (8/ 357): رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمَّد بن مروان السدي الصغير وهو متروك. وابن حبان في الضعفاء (2/ 286) في ترجمة محمَّد بن مروان السدي، وأورده ابن الجوزى في الموضوعات (2/ 491، رقم 1051). وانظر قول العراقي في تخريج الإحياء (3/ 188)، وذكره المناوي في الأحاديث القدسية برقم (28).

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (909) والسلسلة الضعيفة (1577).

ص: 437

الجدبة لتحيا به ويحيا به أهلها إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة (ك عن علي)(صح) ".

(اطلبوا المعروف من رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإن اللعنة تنزل عليهم) فويل للقاسية قلوبهم (يا علي) وهو ابن أبي طالب رضي الله عنه (إن الله خلق المعروف وخلق له أهلاً فحببه إليهم) وجعله محبوباً في قلوبهم (وحبب إليهم فعاله) فهم يحبونه ويحبون فعله (ووجه إليهم طلابه) ألقي في قلوب ذوي الحاجات قصدهم (كما وجه الماء في الأرض الجدبة) بفتح الجيم وسكون الدال (لتحيي) الأرض (به) بالماء (ويحي به أهلها) فالأمر كله بيد الله والخير كله منه والقلوب بيده يوجهها حيث يريد (إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) في النهاية (1): أي من بذل معروفه للناس في الدنيا آتاه الله جزاء معروفة في الآخرة وقيل: أراد من بذل جاهه لأصحاب الجرائم التي لا تبلغ الحدود فيشفع فيهم شفَّعه الله في أهل التوحيد في الآخرة، وروي عن ابن عباس في معناه قال: يأتي أهل المعروف في الدنيا ويغفر لهم بمعروفهم وتبقى حسناتهم جامّةً فيُعطونها لمن زادت سيئاته على حسناته فيغفر له ويدخل الجنة فيجتمع لهم الإحسان إلى الناس في الدنيا والآخرة. انتهى. قلت: وفيهم يحسن قوله:

ولو وافيتهم في الحشر تجدوا

لأعطوك الذي صلوا وصاموا

وقد أرشد آخر الحديث إلى تفسير الرحماء بأنهم الذين يفعلون المعروف وعرفوا بأنهم أهله كما أرشد أوله إلى أنهم الذين يعيش الناس في أكنافهم (ك عن علي) رمز المصنف لصحته لأنه قال الحاكم: صحيح، قال

(1) النهاية (3/ 216).

ص: 438

العراقي: وليس كما قال (1).

1111 -

"اطلع في القبور واعتبر بالنشور (هب عن أنس) (ض) "

(اطلع في القبور) انظر إليها (واعتبر) الاعتبار الاتعاظ (بالنشور) مصدر نشر الميت ينشر نشوراً إذا عاش بعد الموت أفاده في النهاية (2) والمراد: انظر في القبور واطلع يُعدى بعلى فعداه بغى لتضمنه معنى النظر والتأمل والاتعاظ بها وأحيا الله إياها بعد موتها وهذا إشارة إلى المقصود من زيارة القبور وفيه الإشارة إلى أن هلاك الأجسام ليس محل الاعتبار بل محله إعادتها وبعثتها (هب عن أنس) قال: شكى رجل عليه صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فذكره قال مخرجه البيهقي: هذا متن منكر انتهى. والمصنف رمز لضعفه وعده الذهبي في الميزان من مناكير محمَّد بن يونس الكديمي وقال: هو أحد المتروكين أتهم بالوضع (3).

1112 -

"اطَّلَعْتُ في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء (حم م عن ابن عباس خ ت عن عمران بن حصين"(صح).

(اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء) إن قلت: متى وقع هذا الإطلاع والرؤية ولما يدخلها أهلها بعد.

قلت: الظاهر أنها رؤية حقيقية أطلعه الله على الدارين وعلى من يتنعم أو ليعذب فيهما من الهالكين واللاحقين، ويحتمل أنه أري الهالكين من أهل

(1) أخرجه الحاكم (4/ 321) وقال: صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي في التلخيص فقال: الأصبغ بن نباتة واه وحبان بن علي ضعفوه. وقول العراقي في تخريج الإحياء (3/ 188 رقم 6).

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (910) والسلسلة الضعيفة (1578)

(2)

النهاية (5/ 128).

(3)

أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (9292) وقال: هذا متن منكر. والديلمي (1767). وأخرجه أيضاً: ابن حبان في المجروحين (2/ 314 رقم 1023 محمَّد بن يونس بن موسى) قال العجلونى (1/ 155): رواه البيهقي والديلمي بسند فيه متروك ومتهم بالوضع عن أنس. انظر: الميزان (2/ 157). وقال الألباني في ضعيف الجامع (912)، والسلسلة الضعيفة (2799): موضوع.

ص: 439

الدارين فقط وأن لفظ أهلها من العام والمراد به الخاص ويجري مثله في قوله: (واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء) وهذا غير مستنكر فقد طفحت به الآثار وثبتت به من الأخبار ما ليس له انحصار، وكم ورد من حديث رؤيته صلى الله عليه وسلم الجنة [1/ 320] ودخوله إليها، وسمع حس بلال وقد سبقه إليها ورأي قصور جماعة من أصحابه وأخبر عن النار وأنه رآها ورأي امرأة تعذب في هرة ورأى عمرو بن لحي يجر قصبته في النار، ورأي الجنة والنار وهو في بعض الصلوات وهمَّ بأخذ قطف من الجنة، وتأخر لما رأي النار وهذه رؤيا حقيقية وإخبار عن محسوسات ولا مانع منها وقد كان الملك يخاطبه ويلقنه الوحي بحضرة أصحابه ولا يرونه ولا يسمعونه وأخبرهم أنه شيع سعد بن معاذ كذا وكذا من الملائكة وهذا النوع كثير جدًّا وقد آمن به السلف ولم يسألوه صلى الله عليه وسلم عن كيفيته فنحن نؤمن به كذلك ونعلم صدقه وإن جهلنا الكيفية وقد ذهب البعض إلى أنها رؤية تمثيلية وأنه مثل له صلى الله عليه وسلم الجنة والنار ومن فيهما فشاهدهما على نحو مشاهدة النجوم والنيران في الماء أو على أن المراد أنه أخبره الله تعالى من ذلك خبراً صار عنده مخبره كالمشاهد والأول هو الذي ينشرح له الصدر. ويأتي تعليل كون النساء أكثر أهل النار (حم م عن ابن عباس في خ ت عن عمران بن حصين)(1).

1113 -

"أطوعكم لله الذي يبدأ صاحبه بالسلام (الطبراني عن أبي الدرداء) "(ض).

(أطوعكم لله) أشدكم له طاعة وامتثالاً (الذي يبدأ صاحبه) لصحبة الإيمان عرفه أو لم يعرفه فلا يشترط فيه الصحبة الخاصة لما عرف من الحث على إفشاء

(1) حديث ابن عباس: أخرجه أحمد (1/ 234) ومسلم (2737)، والترمذي (2602). وأخرجه أيضاً: البخاري في التاريخ الكبير (4/ 181)، والنسائي في الكبرى (9261).

حديث عمران بن حصين: أخرجه أحمد (4/ 429)، والبخاري (5198)، والترمذي (2603) وقال: حسن صحيح.

ص: 440

السلام (بالسلام) وذلك لأنه يدل على سلامة قلبه وصفاء خاطره وحسن خلقه وإطراحه لأخلاق المتكبرين كما يفيده حديث ابن مسعود: "البادئ بالسلام برئ من الكبر"(1) ولذا كان أجر البادئ أكثر من أجر الراد مع أنه سنة والرد فرض (طب عن) أبي الدرداء رمز المصنف لضعفه (2).

1114 -

"أطول الناس أعناقاً يوم القيامة المؤذنون (حم عن أنس (صح) ".

(أطول الناس أعناقاً) بفتح الهمزة جمع عنق (يوم القيامة المؤذنون) المنادون بالصلوات قيل: معناه أكثر الناس شوقاً إلى رحمة الله لأن المتشوق يمد عنقه ويطيلها إلى ما يتطلع إليه من كثرة الثواب وقيل: إذا ألجم الناس العرق طالت أعناقهم لئلا يلجمهم ذلك أي لئلا ينالهم ذلك الكرب وقيل إنهم يصيرون سادة رؤساء العرب يصف السادة بطول الأعناق وقيل: أكثر الناس أتباعاً أو أكثرهم أعمالاً وروي بكسر الهمزة أي إسراعاً إلى الخير من سير العَنَق ويأتي حديث: "المؤذنون أطول الناس أعناقاً" وفيه فضيلة الأذان (حم عن أنس) رمز المصنف لصحته (3).

1115 -

"اطووا ثيابكم ترجع إليها أرواحها (الطبراني في الأوسط عن جابر) "(ض).

(اطووا ثيابكم) جمع ثوب والمراد الذي يلبسونه والطي خلاف النشر (ترجع إليها أرواحها) قد تكرر ذكر الروح كتابا وسنة ويطلق على معان الغالب أنها

(1) أخرجه ابن أبي شيبة (25757)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 13417).

(2)

أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (8/ 32) قال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (914).

(3)

أخرجه أحمد (3/ 169). قال الهيثمي (1/ 326): رجاله رجال الصحيح، إلا أن الأعمش قال: حدثت عن أنس. وقال في (1/ 327): رواه البزار، والأعمش لم يسمع من أنس. والحديث أصله في صحيح مسلم (387) بلفظ:"المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة". وصححه الألباني في صحيح الجامع (1031).

ص: 441

الروح الذي به تقوم حياة الأجسام أفاده في النهاية (1)، وقد تقدم ولم يذكر هذا الحديث وهو استعارة من الروح الذي به تقوم الحياة كأن الثوب يعود بالطي جديداً طريا كأنه جسم عاد إليه روحه وعلله بعلة أخرى وهي (فإن الشيطان إذا وجد ثوباً مطوياً لم يلبسه) أو جواب شرط محذوف دل عليه السياق تقديره: فإذا طويت فإن الشيطان، أو فإذا رجعت إليها أرواحها فأفاد صلى الله عليه وسلم فائدتين:

إحداهما: عود أرواحها إليها وبقاء، رونقها عليها.

والثانية: صيانتها عن لبس الشيطان لها.

وفيه دليل أن الشيطان يلبس الثياب وإن كان جسماً لا يدرك فإن وجده منشورا لبسه وظاهره من ليل أو نهار (طس عن جابر (2)) رمز المصنف لضعفه قال الهيثمي: فيه عمرو بن موسى بن وجيه وهو وضاع، قال البخاري: سنده واه جداً [1/ 321].

1116 -

"أطيب الطيب المسك (حم م د ن عن أبي سعيد الخدري) "(صح).

(أطيب الطيب المسك) هو ملك أنواع الطيب وأشرفها وأطيبها على الإطلاق وهو الذي به تضرب الأمثال ويشبه به غيره ولا يشبه هو بغيره وهو كثبان الجنة وهو مما يسر النفوس ويقويها ويقوي الأعضاء الباطنة جميعاً شرباً وشماً والظاهر إذا وضع عليها وفوائد كثيرة جداً، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يتطيب به وحقيقته أنه دم يجتمع في سرة الغزال إلى وقت معلوم من السنة فإذا حصل فيها مرضت له الضباء فيضربون لها أوتاداً في البرية يحبك فيها فيساقط عليها

(1) النهاية (2/ 271).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (5702). قال الهيثمي (5/ 135): فيه عمر بن موسى بن وجيه، وهو وضاع. قال المناوى (1/ 546): قال السخاوى: إسناده واه. وبل في المطبوع من المقاصد (ص: 15): لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد وكلها واهية.

ومال الشيخ الألباني في ضعيف الجامع (915)، والسلسلة الضعيفة (3801) إلى أنه موضوع.

ص: 442

فيأخذونه (حم م د ن عن أبي سعيد الخدري)(1).

1117 -

"أطيب الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور (حم طب ك عن رافع بن خديج، طب عن ابن عمر) "(صح).

(أطيب الكسب) أحله وأبركه وأكثره ثواباً (عمل الرجل بيده) ذكره لا مفهوم له (وكل بيع مبرور) وهو الذي خلا من وجوه التحريم والكراهة وفيه أن هذين النوعين مستويان في الأطيبة وأنهما أطيب الكسب.

واعلم: أنه قد اختلف الناس في أطيب الكسب وأحله على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه عمل الرجل بيده في غير الصنائع الخبيثة كالحجامة لحديث ابن مسعود: "نهى عن كسب الحجام" سيأتي فإطلاق الحديث مقيد به.

وثانيها: أن أطيبها التجارة لهذا الحديث وغيره من الأدلة ولمباشرته صلى الله عليه وسلم لذلك وأعيان الصحابة ولحديث أبي سعيد: "التاجر الأمين الصادق مع النبيين والصديقين والشهداء"، ونحوه مما يأتي، ولا يخفى أن حديث الباب سوى بين عمل الرجل بيده وبين التجارة.

ثالثها: أن أطيبه الزراعة لأحاديث وردت فيها ولعموم نفع العباد بها ووصول نفعها إلى كل أمة من الحيوان قال ابن القيم (2): إن أحله الكسب الذي جعل منه كسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كسب الغانمين وما أبيح له على لسان الشرع وهذا الكسب قد جاء في القرآن مدحه أكثر من غيره، وأثنى على أهله ما لم يثن على غيرهم، ولهذا اختاره الله لخير خلقه وخاتم أنبيائه ورسله حيث يقول: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي في ظل

(1) أخرجه أحمد (3/ 36)، وأبو داود (3158)، والنسائي (4/ 39)، والحاكم (1/ 514). وأخرجه أيضًا: الترمذي (3/ 317)، وقال: حسن صحيح.

(2)

زاد المعاد (5/ 700).

ص: 443

رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري" (1) وهذا هو الرزق المأخوذ بعزة وشرف وقهر لأعداء الله وجعل أحب شيء إلى الله تعالى فلا يقاومه كسب غيره انتهى.

قلت: ويدل له ما يأتي: "أطيب كسب المسلم سهمه في سبيل الله"، وعلى هذا فيكون التفصيل فيه حقيقي وفي غيره إضافي (حم طب ك عن رافع بن خديج) رمز المصنف لصحته وقال الهيثمي: فيه المسعود وهو ثقة لكنه اختلط في آخر عمره وبقية رجال أحمد رجال الصحيح، وقال ابن حجر: رجاله لا بأس بهم (طب عن ابن عمر) لم نجد عليه للمصنف رمزاً، وقال الهيثمي: رجاله ثقات (2).

1118 -

"أطيب كسب المسلم سهمه في سبيل الله (الشيرازي في الألقاب عن ابن عباس) "(ض).

(أطيب كسب المسلم) قيد به هنا لأنه في الأول أراد مطلق الكسب لأي كاسب وهنا أراد بيان كسب المسلم (سهمه في سبيل الله) ولو لم يقيد به لعلم من ذكر السهم فإنه خاص بالمسلم وتقدم عن النهاية أنه يسمي كل نصيب سهماً فالمراد ما يستحقه من غنائم الكفار وتقدم قريبا تحقيق ما فيه (الشيرازي في الألقاب عن ابن عباس) رمز المصنف لضعفه (3).

(1) أخرجه أحمد (2/ 50).

(2)

حديث رافع بن خديج: أخرجه أحمد (4/ 141)، والطبراني (4/ 276، رقم 4411)، والحاكم (2/ 10)، والبيهقي في شعب الإيمان (1229).

وأخرجه أيضاً: البزار كما في كشف الأستار (2/ 83، رقم 1257)، والطبراني في الأوسط (7918).

قال الهيثمي (4/ 60): رواه أحمد، والبزار، والطبراني في الكبير والأوسط، وفيه المسعودي وهو ثقة ولكنه اختلط، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.

حديث ابن عمر: أخرجه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (4/ 61). وأخرجه أيضاً: في الأوسط (2140). قال الهيثمي (4/ 61): رجاله ثقات، ولكن قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 391): هذا حديث باطل. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1033).

(3)

أخرجه الشيرازي في الألقاب كما في الكنز (10516) وسعيد بن منصور في السنن (2886). =

ص: 444

1119 -

"أطيب اللحم لحم الظهر (حم هـ ك هب) عن عبد الله بن جعفر) "(صح).

(أطيب اللحم لحم الظهر) قال الأطباء: لحم [1/ 322] الظهر كثير الغذاء، يولد أدماً محموداً فالأطيبية باعتبار الأنفعية وأما حديث الصحيحين:"كان يعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم الذراع" ويأتي حديث ابن مسعود: "كان يعجبه الذراع"(1) فلا ينافي هذا لأنه كان يعجبه ذلك لأمر آخر وهو كونه أخف اللحم وألذه وألطفه وأبعده عن الأذى وأسرعه إلى الانهضام فأطيبه لحم الظهر لما يولده من الغذاء وأحبيته لحم الذراع للخفة التي يريدها صلى الله عليه وسلم فلا يثبطه عن الطاعة ولا يثقل فلا يقال كيف حكم على هذا بالأطيبية وعدل إلى غيره (حم 5 ك هب عن عبد الله بن جعفر) رمز المصنف لصحته وصححه الحاكم وأقره الذهبي (2).

1120 -

"أطيب الشراب الْحُلْوُ البارد (ت) عن الزُّهْرِىِّ مرسلاً. (حم عن ابن عباس) "(صح).

(أطيب الشراب الحلو البارد) بضم الحاء المهملة والشراب إذا أطلق يراد به الماء ويأتي حديث عائشة: "كان أحب الشراب إليه الحلو البارد" فيحتمل أنه يراد به العذب كمياه العيون والآبار الحلوة فإنه كان يستعذب له الماء ويحتمل

= وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (914).

(1)

أخرجه أبو داود (3781)، وأحمد (6/ 8) وقال الألباني في صحيح الجامع (4981): صحيح.

(2)

أخرجه أحمد (1/ 203)، وابن ماجه (3308)، والطبرانى (13/ 87، رقم 216)، والحاكم (4/ 124) وقال صحيح وأقره الذهبي. وقال: صحيح. والبيهقي في شعب الإيمان (5891)، وأخرجه أيضاً: النسائي في الكبرى (6657) والبزار (2261) والحميدي (539) وأبو نعيم في الحلية (7/ 225) قلت: مدار الحديث على الرجل الفهمي، فإن صدق ظن مسعر أن اسمه محمَّد ابن عبد الرحمن، لم يفد شيئاً لأنه لا يعرف، كما يشير إلى ذلك قول أبي نعيم عقب الحديث: محمَّد بن عبد الرحمن مدني، تفرد بالرواية (يعني لهذا الحديث) عن عبد الله بن جعفر، ولا أعلم روايا عنه غير مسعر .. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (918) والسلسلة الضعيفة (2813).

ص: 445

أن يراد الماء الممزوج بالعسل أو الذي يقع فيه التمر أو الزبيب وقيل: الأظهر أن يراد بأنهما جميعاً فإن أريد به الماء فقد ذكر.

ولجودة الماء عشرة أوجه: اللون الصافي، وأن لا يكون له رائحة، وأن يكون طعمه حلواً، وأن يكون وزنه خفيفاً رقيق القوام، وأن يكونَ طيب المجري والمسلك، وأن يكون بعيد المنبع، وأن يكون منبعه بارزاً للشمس والريح، وأن يكون سريع الجري والحركة، وأن يكون كثيراً يدفع الفضلات المخالطة، وأن يكون مصبه آخذاً من الشمال إلى الجنوب، أو من المغرب إلى المشرق.

قالوا: وهذه الصفات العشر لا توجد بكمالها إلا في الأنهار الأربعة: سيحان وجيحان والفرات والنيل وكلهما من أنهار الجنة، إطلاقه صلى الله عليه وسلم للحلو البارد يتضمن هذه الأوصاف فإنها لا تكمل صفات الكمال الحقيقي إلا لما جمع هذه الأوصاف وما حصل فيه البعض من الكمال بحصته (ت عن الزهري مرسلاً حم عن ابن عباس)(1) رمز المصنف لصحته على رمز أحمد.

1121 -

"أطيعوني ما كنت بين أظهركم، وعليكم بكتاب الله: أحلوا حلاله، وحرموا حرامه (طب) عن عوف بن مالك".

(1) أخرجه الترمذي (1896)، والبيهقي في شعب الإيمان (5927). وأخرجه أيضاً: عبد الرزاق عن معمر في المصنف (19583) عن الزهري مرسلاً، وقال الترمذي عقبه: وهكذا روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً وهذا أصح من حديث ابن عيينة رحمه الله، وقد رواه ابن عدي في الكامل (3/ 231) من طريق زمعة بن صالح عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً به. وهو ضعيف لأن في إسناده العدني لم أجد له ترجمة، وزمعة بن صالح ضعيف كما في التقريب (2035) فلا يحتج بحديثه لا سيما وقد خالف الثقات معمر ويونس.

حديث ابن عباس: أخرجه أحمد (1/ 338). قال الهيثمي (5/ 79): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، إلا أن تابعيه لم يسم.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (916) وقد صحح الألباني إرساله وضعفه رفعه. انظر السلسلة الضعيفة (2816) والسلسلة الضعيفة (2816).

ص: 446

(أطيعوني ما كنت بين أظهركم) هذا القيد لا مفهوم له فإن طاعته صلى الله عليه وسلم واجبة حياً كان أو ميتاً (وعليكم بكتاب الله) هو عند الإطلاق القرآن وهو أمر باتباعه على كل حال فإن عليكم: اسم فعل بمعنى ألزموا (أحلوا حلاله) وهو بيان للأمر باتباعه (وحرموا حرامه) أضافهما إلى الكتاب لأنه عرف حكمهما فيه وتخصيص هذين الأمرين من الكتاب مع أنه مأمور بإتباع ما فيه من مواعظ وتدبر قصصه وأمثاله ونحو ذلك مما جمعه قول مجد الدين:

ألا إنما القرآن سبعة أحرف

سيآتي في بيت شعر بلا خلل

حلال حرام محكم متشابه

بشير نذير قصة عظة مثل

لأن الذي لا يعذر العبد عن معرفته حلاله وحرامه (طب عن عوف (1) بن مالك) سكت عليه المصنف وقال الشارح: رواته موثقون.

1122 -

"أظهروا النكاح، وأخفوا الخطبة (فر) عن أم سلمة (ض) ".

(أظهروا النكاح) أعلنوا به ولا تخفوه (واخفوا الخطبة) بكسر الخاء أكتموها لئلا يسعى حاسد في خلاف ما يريد الخاطب وقد تقدم حديث: "استعينوا على نجاح الحوائج بالكتمان" وتقدم الكلام في إعلان النكاح (فر عن أم سلمة)(2) رمز المصنف لضعفه.

1123 -

"أعبد الناس أكثرهم تلاوة للقرآن (فر) عن أبي هريرة (ض) ".

(أعبد الناس أكثرهم تلاوة للقرآن) العبادة أقصى غاية الخضوع [1/ 323]

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (18/ 38) رقم (65) وأحمد (2/ 72).

وصححه الألباني في صحيح الجامع (1034) والسلسلة الصحيحة (1472).

(2)

أخرجه الديلمي في الفردوس (كشف الخفاء 407) وقال المناوي في الفيض (1/ 549): وفيه من لا يعرف لكن له شواهد تجبره.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (922) والسلسلة الضعيفة (2494).

ص: 447

والتذلل ولذلك لا يطلق إلا في الخضوع لله لأنه مولى أعظم النعم فكان الحقيق بأقصى غاية الخضوع، فإن قيل: وأي تذلل وخضوع في التلاوة؟.

قلت: التعب بتلاوته والتحزن عند قراءته كما يدل له: "اقرءوا القرآن بالحزن فإنه نزل بالحزن"(1) سيأتي والبكاء عند تلاوته كما يدل له حديث: "إذا قرأتم القرآن فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا"(2) وإتعاب الفكر عند تدبر معانيه والغوص في بحور معانيه وإمعان النظر فيما قصه الله من آياته فإن هذا هو المراد من التلاوة والتذلل والخضوع له، لا هز ألفاظه وسردها من غير تدبر ولا تأمل فإن ذلك كما قال ابن عباس: الذي يقرأ القرآن ولا يحسن تفسيره كالأعرابي يهز الشعر هذاً وكما يدل له حديث: "لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث"(3).

فإن قلت: فهل لهذه الكثرة مقدار أم لا؟ بل تتلو الليالي كم تشاء ولو في كل يوم ختمة.

قلت: سيأتي تقدير نبوي في ذلك في شهر أو في أربعين أو في خمس أو في ثلاث وحديث ابن عمرو وعند الخمسة إلا الترمذي أنه قال له صلى الله عليه وسلم: "اقرأ القرآن في كل شهر" فقال: إني أطيق أفضل من ذلك قال: "فاقرأه في كل سبع ولا تزد على ذلك"(4) فهذا التقدير في حديثه، وفيه النهي عن قرأته في أقل من سبع، وزاد في

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (2902) وقال الهيثمي في المجمع (7/ 170) فيه إسماعيل بن سيف وهو ضعيف. وقال ابن عدي في الكامل (1/ 324) كان يسرق الحديث. وقال الألباني في ضعيف الجامع (2989)، والسلسلة الضعيفة (2523): ضعيف جداً ..

(2)

أخرجه ابن ماجه (1337)، وقال في الفتح السماوي (2/ 812) بعد عزوه إلى إسحاق بن راهويه والبزار فيه عبد الرحمن بن أبي مليكة وهو لين الحديث.

(3)

أخرجه أبو داود (1394)، والترمذي (2946)، والنسائي في الكبرى (5/ 25)، وابن ماجه (1347).

(4)

أخرجه البخاري (4765)، ومسلم (1159)، وأبو داود (1388)، والنسائي في الكبرى (5/ 24).

ص: 448

رواية أبي محمَّد بن حزم أنه قال له ابن عمرو لما قال له صلى الله عليه وسلم اقرأه في سبع إني أقوي من ذلك، فقال:"لا يفقه القرآن من قرأ القرآن في أقل من ثلاث" وجزم ابن حزم أنه لا يجوز أن يتم قراءته في أقل من ثلاث لهذا الحديث، ثم قال: فإن قيل: قد كان عثمان يختم القرآن في ليلة؟ قلنا: قد ذكره ذلك ابن مسعود وقد قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59] وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا (1) هذا معنى كلامه.

قلت: ورواية أبي محمَّد والرواية التي ستأتي قد عارضت رواية ابن عمرو من قوله صلى الله عليه وسلم بعد التقدير بالسبع ولا تزد على ذلك فإنه نهى عن قراءته في أقل من سبع وهي من رواية الخمسة والتي ذكرها ابن حزم لم نجدها من رواية ابن عمرو في تيسير الأصول: ليس إحداهما راجحة على الأخرى، حمل النهي على التنزيه. فلا تنافيه الإباحة (2) وعلى هذه التقديرات النبوية فتحمل رواية أبي هريرة عند الشيخين:"لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار"(3) على أنه يقسم ورده على ساعاتهما (فر عن أبي هريرة)(4) رمز

(1) انظر: المحلى لابن حزم (3/ 53)(مسألة: 294).

(2)

وقال الحافظ في الفتح (9/ 97): وهذا إن كان محفوظاً احتمل في الجمع بينه وبين رواية أبي فروة تعدد القصة فلا مانع أن يتعدد قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو ذلك تأكيداً، ويؤيده الاختلاف في السياق، وكأن النهي عن الزيادة على التحريم كما أن الأمر في جميع ذلك ليس للوجوب

وقال النووي: أكثر العلماء على أنه لا تقدير في ذلك وإنما هو بحسب النشاط والقوة، فعلى هذا يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والله أعلم. راجع تحفة الأحوذي (8/ 218)، وفيض القدير (6/ 105).

(3)

أخرجه البخاري (6805)، ومسلم (815).

(4)

أخرجه الديلمي في الفردوس (1/ 1/ 122). كما في السلسلة الضعيفة (2814) وقال الألباني في ضعيف الجامع (924): ضعيف جداً. وقال المناوي في الفيض (1/ 549): فيه ضعف.

قلت: في إسناده الهيثم بن جماز قال ابن معين ضعيف وقال مرة ليس بذاك وقال أحمد ترك حديثه وقال النسائي متروك الحديث. انظر الميزان (7/ 105).

ص: 449

المصنف لضعفه.

1124 -

"أعبد الناس أكثرهم تلاوة للقرآن، وأفضل العبادة الدعاء المرهبى في العلم عن يحيى بن أبي كثير مرسلاً ".

(أعبد الناس أكثرهم تلاوة للقرآن) كما سلف (وأفضل العبادة الدعاء) قد سمى الله تعالى العبادة دعاء في قوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] ولذا نهى الله تعالى عن سؤال غيره وأخبر صلى الله عليه وسلم عنه أنه

(1) ولأن الداعي إذا أراد إنجاح مطلبه وقضاء حاجته قطع عن غير الله مسئلة وأزال عن الخلق رجاءه وهذا هو العبادة والغنى بالله، وسيأتي حديث النعمان بن بشير:"الدعاء هو العبادة"(2) وحديث أنس: "الدعاء العبادة" فحصر في الأول العبادة فيه لما عرف المسند وأتي بضمير الفضل وعرف المسند إليه أيضا وهو حصر ادعائي لأنه لما كان أفضلها كان كأنه كلها (المرهبي في العلم [1/ 324] عن يحيى بن أبي كثير مرسلاً)(3).

1125 -

اعبد الله لا تشرك به شيئاً، وأقم الصلاة المكتوبة، وأد الزكاة المفروضة، وحج، واعتمر، وصم رمضان، وانظر ما تحب للناس أن يأتوه إليك فافعله بهم؛ وما تكره أن يأتوه إليك فذرهم منه (طب) عن أبي المنتفق (ح) ".

(1) 3 كلمات مطموسة تماماً في المخطوط.

(2)

أخرجه أبو داود (1479)، والترمذي (2969)، وابن ماجة (3828)، وأحمد (4/ 267).

(3)

أخرجه المرهبي في العلم عن يحيى بن أبي كثير مرسلاً وقال المناوي في الفيض (1/ 549) عقبه: وأردف المؤلف المسند بهذا المرسل إشارة إلى تقويته به. وقال الألباني في ضعيف الجامع (925) والسلسلة الضعيفة (2814): ضعيفة جداً، وقال الألباني أنت ترى أن المسند هو من طريق يحيى بن أبي كثير، غاية ما في الأمر أن بعضهم أرسله خلافا للهيثم الذي وصله، ففي هذه الحالة لا يجوز تقوية الموصول بالمرسل؛ لأنه من قبيل تقوية الضعيف بنفسه، ومثل هذا لا يخفى على المناوي، ولكنه لم يقف على إسناد الموصول كما ذكرنا، فوقع في مثل هذا الخطأ، والمعصوم من عصمه الله ..

ص: 450

(اعبد الله لا تشرك به شيئاً) لم يأت بالعاطف لكمال الاتصال نحو قوله: أقول له ارحل لا تقيمن عندنا، فإنه أراد بالعبادة ما لا شرك فيها أي لا تتخذ لله شريكاً في عبادته وجعله تفسيراً وبياناً لها، والشرك الاسم من قولهم: شركته في الأمر أشركه شركة وشاركته إذا صرت شريكه وأشرك بالله فهو مشرك إذا جعل لي شريكاً أفاده في النهاية (1)(وأَقم الصلاة المكتوبة) التي أوجبها الله وكتبها على عباده (وأد الزكاة المفروضة) التي فرضها الله من الفرض وهو القطع، والمراد التي فرضها الله وعين مقاديرها (وحج واعتمر) أمر بالعمرة وهو من أدلة وجوبهما (وصم رمضان) اشتمل على ما أوجبه الله على عباده وقوله (وانظر ما تحب للناس أن يأتوه إليك فافعله بهم) سلف نظيره مراراً (وما تكره أن يأتوه إليك فذرهم) بالذال المعجمة دعهم (منه) من إتيانك به إليهم (طب (2) عن أبي المنتفق) بضم الميم فنون ساكنة فمثناه فوقية ففاء مكسورة فقاف رمز المصنف لحسنه.

1126 -

"اعبد الله ولا تشرك به شيئًا، واعمل لله كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى، واذكر الله تعالى عند كل حجر وكل شجر، وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة: السر بالسر، والعلانية بالعلانية (طب هب) عن معاذ بي جبل (ح) ".

(اعبد الله ولا تشرك به شيئاً) بالعاطف الإتيان هنا دليل أنه أريد بالشرك المنهي عنه هو الشرك الخفي وهو الرياء وقد سماه الشارع شركاً فالعطف للتغاير لأنه غير داخل في مسمى العبادة ويرشد إلى أن المراد إخلاصها عن الرياء قوله (واعمل لله) لطاعاته (كأنك تراه) فإن هذا نهاية أقدام المخلصين

(1) النهاية (2/ 1144).

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (19/ 210) رقم (474) وقال الهيثمي في المجمع (1/ 44):

وفي إسناده حجير وهو ابن الصحابي ولم أر من ذكره.

وصححه الألباني في صحيح الجامع (1029) والسلسلة الصحيحة (1477).

ص: 451

فقد أراد بالأمر بالعبادة هنا العبادة الكاملة المجردة عن اتخاذ الشريك ثم عطف عليها الأمر بالإخلاص بخلاف الحديث الأول، فإنه أراد بها التذلل والخضوع لله ثم أبان أن المراد من ذلك لا يتم إلا بنفي الشريك فلا يكون كمن يعبد الله متقرباً إليه بالشركاء قائلاً:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} [الزمر: 39] ولذلك عطف على العبادة هناك ما هو تفصيل لها من إقامة الصلاة وغيرها (وعد نفسك في الموتى) فإنك عما قريب صائر إلى ذلك (واذكر الله عند كل حجر وكل شجر) هو مثل قوله: على كل حال، ويحتمل أن يراد الحقيقة لما ورد من شهادة البقاع لمن ذكر الله تعالى فيها فيكون أمراً بتكثير شهادة البقاع له بذلك (وإذ عملت سيئة فأعمل بجنبها حسنة) أردفها بها فإن الحسنات يذهبن السيئات (السر بالسر والعلانية بالعلانية) دليل على أن من أتى معصية ظاهرة وجب عليه إظهار التوبة ليزيل عن نفسه التهمة (طب هب (1) عن معاذ بن جبل) رمز المصنف لحسنه.

1127 -

"اعبد الله كأنك تراه، وعد نفسك في الموتى، وإياك ودعوات المظلوم فإنهن مجابات، وعليك بصلاة الغداة، وصلاة العشاء، فاشهدهما، فلو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا (طب) عن أبي الدرداء (ح) ".

(اعبد الله كأنك تراه) فإنه يراك هذا هو الذي فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم به الإحسان في سؤال جبريل له عنه حيث قال: "أخبرني عن الإحسان .. " أخرجه الخمسة إلا البخاري (2)، وهو حث على غاية الخضوع والتذلل والإخلاص فإن العبد يخضع لمولاه عند أن يشاهده ويراه ما لا يخضع لغيره ويراقبه أتم مراقبة وليس

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 175) رقم (374) والبيهقي في الشعب (548) عن معاذ بن جبل. وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 48) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1040) والسلسلة الصحيحة (1475).

(2)

أخرجه مسلم (8) وأبو داود (4695) والترمذي (2610) والنسائي (8/ 97) وابن ماجه (63).

ص: 452

مراده من خضوعه وإقباله على خدمته إلا ليشاهد مولاه طاعته ويعلم مراعاته لحقوقه ويراه مقام رؤيته فيقبل منه مولاه ما يأتيه من طاعته فإذا كان لا يراه وهو متذلل له كأنه كالغائب عنه، فإذا كان العبد مشاهداً له كان المراد كأنه يراك وتراه ثم أفاد صلى الله عليه وسلم بقوله:"فإن لم تكن تراه فإنه يراك" إن رؤيته إياك التي تقضي مراقبتك له في كل عبادة [1/ 325] حاصله وإن كنت لا تراه أنت فمثل أنك تراه فإنه أبداً يراك (وإياك ودعوات المظلوم) أي اتق واحذرهنَّ وذلك بتركك ظلمه (فإنهن مجابات وعليك بصلاة الغداة) صلاة الفجر (وصلاة العشاء فاشهدهما) أحضرهما مع الجماعة وقد تكررت الأحاديث في ذلك (فلو تعلمون ما فيهما) من الأجر (لأتيتهما ولو حبواً) بضم المهملة لا بفتحها كما في زحف الصبي على إسته (طب عن أبي الدرداء) رمز المصنف لحسنه وضعفه (1) المنذري، وكأنه حسَّنه المصنف لشواهده.

1128 -

"اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، واحسب نفسك مع الموتى، واتق دعوة المظلوم فإنها مستجابة (حل) عن زيد بن أرقم (ض) ".

(اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك واحسب نفسك في الموتى) كما سلف (واتق دعوة المظلوم) وذلك بأن لا تظلمه (فإنها مستجابة) كما مر مراراً (حل عن زيد بن أرقم)(2) رمز المصنف لضعفه، وقال الشارح: لحسنه وهو خلاف ما رأيناه فيما قوبل على خطه.

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير كما في "مجمع الزوائد"(2/ 40) وابن عساكر في تاريخ دمشق (68/ 112) وقال الهيثمي: الرجل الذي من النخع لم أجد من ذكره وسماه جابراً. لأن في الإسناد: وعن رجل من النخع قال: "سمعت أبا الدرداء

"، وانظر الترغيب والترهيب (1/ 164).

وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1038) والسلسلة الصحيحة (1474).

(2)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 202) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1037) والسلسلة الصحيحة (1474).

ص: 453

1129 -

"اعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وزل مع القرآن أينما زال، واقبل الحق ممن جاء به: من صغير أو كبير، وإن كان بغيضا بعيداً، واردد الباطل على ما جاء به: من صغير، أو كبير، وإن كان حبيباً قريباً ابن عساكر عن ابن مسعود (ض) ".

(اعبد الله ولا تشرك به شيئاً وزل) بضم الزاي (مع القرآن أينما زال) در معه حيث ما دار فيما أمرك به ونهاك ونحوه (واقبل الحق) أمر باتباع الحق (ممن جاء به من صغير أو كبير وإن كان) الآتي بالحق (بغيضاً بعيداً) أي لا ترده فلا يكون تبعة للحق إلا يكون حقاً غير ناظر إلى قائله ويقرب من ذلك قوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} [المائدة: 8] الآية. (واردد الباطل على من جاء به من صغير أو كبير وإن كان حبيباً قريباً) فإنه لا يحمله حبه وقربه إلى عدم رد الباطل وقريب منه قوله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} إلى قوله: (وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: 135] فإن من قام بالقسط وهو العدل. وكل باطل من أي قائل وأشمل من الآيتين قوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [لأنعام: 152] فإنه لا يتم العدل إلا بقبول الحق ورد الباطل وفي كلام أمير المؤمنين عليه السلام: "لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال" (1)(ابن عساكر عن ابن مسعود)(2) رمز المصنف لضعفه.

1130 -

"اعبدوا الرحمن، وأطعموا الطعام، وأفشوا السلام؛ تدخلوا الجنة بسلام (ت) عن أبي هريرة (صح) "

(اعبدوا الرحمن) فإنه لرحمته إياكم يستحق العبادة (وأطعموا الطعام) تقدم

(1) ذكره السيوطي في الدرر المنتشرة في الأحاديث المشتهرة (ص: 22) وعزاه إلى ابن السمعاني في تاريخه عن علي، وكذلك في الكنز (44218).

(2)

أخرجه ابن عساكر (36/ 269) في ترجمة عبد القدوس بن حبيب قال الذهبي في "المغني"(3773): تركوه.

وقال الألباني في ضعيف الجامع (923) والسلسلة الضعيفة (5/ 28) ضعيف جدًّا.

ص: 454

(وأفشوا السلام) أذيعوه فيما بينكم لمن عرفتم ولمن لا تعرفونه (تدخلوا الجنة بسلام) جواب ما ذكر من الأوامر أي سلامة عن شرور الآخرة (ت عن أبي هريرة)(1) رمز المصنف لصحته.

1131 -

"اعتبروا الأرض بأسمائها، واعتبروا الصاحب بالصاحب (عد) عن ابن مسعود (هب) عنه موقوفاً (ض) ".

(اعتبروا الأرض بأسمائها واعتبروا الصاحب بالصاحب) هذا بيت موزون وقد قال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: 69] والجواب ما قاله الزمخشري حيث قال: فإن قلت: قوله: "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب" وقوله: "هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت".

قلت: ما هو إلا كلام من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة من غير صنعة منه ولا تكلف إلا أنه اتفق من غير قصد إلى ذاك ولا التفات منه إليه وإن جاء موزوناً كما يتفق في كثير من إنشاءات الناس في مخاطباتهم ورسائلهم ومحاوراتهم أشياء موزونة ولا يسميها أحد شعراً ولا يخطر ببال المتكلم ولا السامع أنها شعر انتهى كلامه.

والاعتبار الاستدلال بالشيء على الشيء كما في النهاية (2) والمراد: استدلوا بالأسماء على المسميات حسناً وقبيحاً وبالصاحب على الصاحب فكل قرين بالمقارن يقتدي وقد كان صلى الله عليه وسلم يلاحظ ذلك فإنه لما نزل المدينة وهي تسمى

(1) أخرجه الترمذي (1854) بمعناه، والحديث بهذا اللفظ عند الترمذي رقم (1855) من حديث عبد الله بن عمرو.

والحديث في إسناده عثمان بن عبد الرحمن الجمحي لم يوثقه أحد قال أبو حاتم ليس بالقوي يكتب حديثه ولا يحتج به. واعتمده الحافظ في التقريب (4495) وانظر الجرح والتعديل (6/ 158) وقال ابن عدي (5/ 161) منكر الحديث. وقال: حديث حسن صحيح غريب.

وقال الألباني في ضعيف الجامع (9221) والسلسلة الضعيفة (1324): ضعيف جداً.

(2)

النهاية (3/ 170).

ص: 455

"يثرب" سمَّاها "طيبة" كأنه كره ما فيها من حروف التثريب وهو اللوم وكان يسأل عن أسماء [1/ 326] البقاع في أسفاره فإن سمي له ما يحب تركه وإلا تجنبه وحوّل اسم محل كان يقال له "شعب الضلال" فسماه "شعب الهدى" وقد أمر صلى الله عليه وسلم به وقال: "أقبح الأسماء حرب وعفره"، وحوّل من اسمه حزن إلى سهل وغيّر من أسمه المضطجع إلى المنبعث وغير ذلك، وقد كان صلى الله عليه وسلم يأخذ من الأسماء التفاؤل كما أخذ من اسم سهيل بن عمرو لما بعثه إليه المشركون عام الحديبية تسهل الأمر فقال:"قد سهل لنا من أمرنا" وكما عبّر رؤياه بأنه في دار عقبة بن رافع فأتوا برطب من رطب بن طاب بأن لهم العاقبة في الدنيا والرفعة في الآخرة وأن الدين الذي اختاره الله تعالى لهم قد أرطب وطاب.

وأخرج مالك (1) عن أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم قال: "اللقحة تحلب من يحلب هذه" فقام رجل فقال: "ما اسمك؟ " قال: مرة، فقال له:"اجلس" ثم قال: "من يحلب هذه؟ " فقام رجل فقال له: "ما اسمك؟ " قال حرب، فقال له:"اجلس" ثم قال: "من يحلب هذه؟ " فقام رجل فقال: "ما اسمك؟ " قال: يعيش قال: "احلب".

وبالجملة فاعتبار الأسماء بأحد معاني المسميات منها قد كان يلاحظه صلى الله عليه وسلم في أسماء البقاع والأناسي وغيرهم في جميع أحواله وفي تعبير الأحلام ومن لاحظ ذلك ممن له حظ وفهم أدرك عجائب وقد اتفق لأهل الفراسة والنباهة من ذلك غرائب.

كما اتفق لعمر بن الخطاب فيما أخرجه مالك (2) عن يحيى بن سعيد أن عمر قال لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة، قال: ابن من؟ قال: ابن شهاب، قال: ممن؟ قال: من الحرقة، قال: أين مسكنك؟ قال: بحرة النار، قال: بأيها؟ قال: بذات

(1) أخرجه في الموطأ (2/ 973) رقم (1752).

(2)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 973) رقم (1753).

ص: 456

لظى، قال عمر: أدرك أهلك فقد احترقوا، فكان كما قال عمر، فعبر بفراسته وصادق فطنته من الأسماء إلى أرواحها ومن الألفاظ إلى معانيها، وفي كلام العرب إنما سميت هانئاً لتهنأ وقال الشاعر:

وقلما شاهدت عيناك ذا قلب

إلا ومعناه إن فكرت في لقبه

هذا وقد أخرج ابن وهب أن عمر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذكره لقبح بعض الأسماء ما لفظه: ما أدري أقول أم أسكت، فقال صلى الله عليه وسلم له:"قل"، قال: كنت نهيتنا عن التطير فقال صلى الله عليه وسلم: "ما تطيرت ولكني أمرت بالاسم الحسن" ومثل قوله اعتبر الصاحب بالصاحب، المرء على دين خليله وقال:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه

فكل قرين بالمقارن يقتدي (1)

واقتبس من الحديث من قال:

لا تك للجاهل خدنا فقد

يعتبر الصاحب بالصاحب

والمراد من الصاحب الجليس المخالل المتخذ أخا ونديما لا مطلق من يتصل به الإنسان لحاجة ونحوها وإن سمي لغة صاحباً ولذا قال جار الله الزمخشري:

وعن صحبة الأشرار لا تسألنني

وصحبتهم منزوعة الحب من قلبي

ولكنني أصطاد رزقي بأرضهم

ولا بد للصياد من صحبة الكلب

وفي الإحياء للغزالى أن بعضهم كان يقول لا يتفق اثنان من الآدميين وغيره إلا لجامع خاص بينهما ولو في حلقة وأنه قيل في بعض الأوقات وقد رأيت حمامة مع غراب هذا ينفي ما تقوله فقال: لا بد أن بينهما جامعاً فلما طارا رأوا

(1) منسوب إلى طرفة بن العبد (86 - 60 ق. هـ) شاعر جاهلي ولد في بادية البحرين وتنقل بقاع نجد.

ص: 457

كل واحد منهما مصاباً [1/ 327] في أحد أطرافه (عد عن ابن مسعود)(1) رمز المصنف لضعفه، قيل: طرقه كلها ضعيفة لكن لها شواهد كخبر الطبراني "اعتبروا الناس بإخوانهم"(2)(هب عنه موقوفاً).

1132 -

"اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب (حم ق 4) عن أنس (صح) ".

(اعتدلوا في السجود) وتقدم الكلام عليه في إذا (ولا يبسط أحدكم ذراعيه) يفرشهما على الأرض (انبساط الكلب) وقد تقدم هناك أيضاً (حم ق 4 عن أنس)(3).

1133 -

"أعتق أم إبراهيم ولدها (هـ قط ك هق) عن ابن عباس (صح) ".

(أعتق أم إبراهيم) هو مفعول تقدم على فاعله وجوباً وأم إبراهيم مارية القبطية أهداها له صلى الله عليه وسلم صاحب مصر المقوقس فتسراها صلى الله عليه وسلم وأولدها إبراهيم وعاشت إلى خلافة عمر وتوفيت سنة 16 ودفنت بالبقيع وكان عمر يحشر

(1) أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 163) في ترجمة الجراح بن مليح أبي وكيع ولأبي وكيع هذا أحاديث صالحة وروايات مستقيمة وحديثه لا بأس به وهو صدوق ولم أجد في حدثه منكرا فأذكره.

ومن طريقه البيهقي في الشعب (9440) عن ابن مسعود موقوفاً، قال المناوى (1/ 553): قال بعضهم: طرقه كلها ضعيفة لكن له شواهد كخبر الطبراني: "اعتبروا الناس بإخوانهم"، ومع دفع ابن عدى النكارة عن الحديث فقد ذهب الحافظ أحمد الغمارى في المغير (ص 23) إلى أنه موضوع. والبيهقي في الشعب (9440) موقوفاً. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (927) والضعيفة (7021).

(2)

أورده الهيثيمي في مجمع الزوائد (8/ 90) وقال: رواه الطبراني وفيه محمَّد بن كثير بن عطاء وثقه ابن معين وغيره وفيه ضعف.

وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة (25592).

(3)

أخرجه أحمد (3/ 115) والبخاري (822) ومسلم (509) وأبو داود (897) والنسائي (2/ 213) وابن ماجه (8922).

ص: 458

الناس بنفسه لشهود جنازتها وصلى عليها (ولدها) هو فاعل أعتق وهو إبراهيم بن محمَّد صلى الله عليه وسلم ولد بالمدينة سنة ثلاث من الهجرة وعاش ستة عشر شهراً، وقيل: ثمانية عشر ولم يولد له صلى الله عليه وسلم بالمدينة أحد غيره.

وفي الحديث دليل على أن أم الولد يعتقها ولدها بمجرد الولادة.

وهذا الحديث قد تكلم فيه فصححه أقوام وضعفه آخرون ووقع الخلاف فيما دل عليه فذهب إلى عتق أم الولد قوم وذهب إلى خلافه آخرون (قط ك هق عن ابن عباس)(1) رمز المصنف لصحته.

1134 -

"أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار (د ك) عن واثلة (صح) ".

(أعتقوا عنه) أي عن القائل كما يدل سبب الحديث عند أبي داود عن واثلة

قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب أي استحق النار بالقتل فقال أعتقوا عنه (رقبةً يعتق الله بكل عضو منها عضواً من النار) قال الخطابي (2): كان بعض أهل العلم يستحب أن يكون العبد المعتق غير خصي لئلا يكون ناقص الأعضاء ليكون المعتق قد نال الموعود به من عتق أعضائه كلها من النار انتهى.

قلت: هذا حسن يؤيده حديث أبي هريرة عند الشيخين والترمذي وفي لفظه:

(1) أخرجه ابن ماجه (2516) والدارقطني في السنن (4/ 131) والحاكم (2/ 19) والبيهقي في السنن (10/ 346) وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 97) هذا إسناد ضعيف الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس تركه ابن المديني وغيره وضعفه أبو حاتم وغيره وقال البخاري إنه كان يتهم بالزندقة.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (928) وفي الإرواء (1772).

(2)

انظر: معالم السنن (4/ 75).

ص: 459

"أيما رجل أعتق مسلماً استنقذ الله بكل عضو منه عضواً من النار"(1) زاد في رواية حتى فرجه بفرجه (د (2) ك عن واثلة) بفتح الواو ومثلثة بعد الألف مكسورة تقدم أنه صحابي رمز المصنف لصحته.

1135 -

"اعتكاف عشر في رمضان كحجتين وعمرتين (طب) عن الحسين بن علي (ض) ".

(اعتكاف عشر في رمضان) في النهاية (3): قد تكرر ذكر الاعتكاف والعكوف وهو الإقامة على الشيء في المكان ولزومها يقال عكف يعكُف ويعكف عكوفاً ولعل المراد بالعشر هي الأواخر من رمضان فقد كان صلى الله عليه وسلم يتحراها بالاعتكاف ويخصها به (كحجتين (4) وعمرتين) في أجرهما (طب عن الحسين بن علي) رمز المصنف لضعفه.

1136 -

"أعتموا بهذه الصلاة: فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم، ولم

(1) أخرجه البخاري (2381)، ومسلم (1509)، والترمذي (1541).

(2)

أخرجه أبو داود (3964) والحاكم (2/ 212) وفي إسناده الغريف بن الديلمي وهو مجهول ولم يؤثر توثيقه إلا عن ابن حبان وانظر: التقريب (5352). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (929) والسلسلة الضعيفة (907) والإرواء (2309).

(3)

النهاية (3/ 284).

(4)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3/ 128) رقم (2888) وقال الهيثمي في المجمع (3/ 173): فيه عنبسة بن عبد الرحمن القرشي وهو متروك. وقال ابن أبي حاتم فيه كان يضع الحديث. انظر الجرح والتعديل (6/ 402) وميزان الاعتدال (5/ 362) والمغني (4756)، وقال ابن الملقن في البدر المنير (5/ 770) رواه الطبراني في "أكبر معاجمه" بإسناد ضعيف، بسبب الهياج بن بسطام المتروك.

وأخرجه أيضاً البيهقي في الشعب (3966، 3967) وقال إسناده ضعيف ومحمد بن زاذان وهو متروك قال البخاري لا يكتب حديثه. وانظر التاريخ الكبير (1/ 87). وقال الألباني في ضعيف الجامع (930) والسلسلة الضعيفة (518): موضوع.

ص: 460

تصلها أمة قبلكم (د) عن معاذ بن جبل (ح) ".

(أعتموا بهذه الصلاة) يريد صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء الآخرة ادخلوا بها في العتمة وصلوها فيها والعتمة ظلمة الليل قال في القاموس (1): العتمة محركة ثلث الليل الأول بعد غيبوبة الشفق أو وقت صلاة العشاء الآخرة وأعتم وعتم صار فيها (فإنكم) أيها المخاطبون (قد فضلتم بها) فضلكم الله بفرضها في ذلك الوقت (على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم) لأنه تعالى لم يفرضها عليهم ففاتهم ما خصكم به أو لأنه فرضها فأضاعوها وهو دليل على تأخير صلاة العشاء إلى ثلث الليل وأنه أفضل من أول وقتها (د (2) عن معاذ بن جبل) رمز المصنف لحسنه. قال انتظرنا رسول صلى الله عليه وسلم حتى ظن الظان أنه ليس بخارج إذ خرج علينا فقال .. الحديث.

1137 -

"اعتموا تزدادوا حلماً (طب) عن أسامة بن عمير (طب ك) عن ابن عباس (صح) ".

(اعتموا) ألبسوا العمائم في القاموس (3)[1/ 328] العمامة: بالكسر المغفر والبيضة وما يلف على الرأس انتهى.

قلت: والأظهر الأخير (تزدادوا حلماً) كأنه تعالى جعل العمامة سبباً لزيادة الحلم، والمراد يعدكم الناس حلماً أو توقروا إذا لبستم العمامة (طب عن أسامة بن عمير طب (4) ك عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته.

(1) القاموس المحيط (ص 1465).

(2)

أخرجه أبو داود (451) وأحمد في المسند (5/ 237) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1043).

(3)

القاموس (ص: 1473).

(4)

حديث أسامة بن عمير: أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 194) رقم (520) والبيهقي في الشعب (6260) وابن عدي في الكامل (6/ 61) وابن عساكر (17/ 41) من طرق عن عبيد الله بن أبي =

ص: 461

1138 -

"اعتموا تزدادوا حلماً، والعمائم تيجان العرب (عد هب) عن أسامة بن عمير (ض) ".

(اعتموا تزدادوا حلماً والعمائم تيجان العرب) بكسر المثثاة الفوقية والجيم جمع تاج وتقدم الكلام عليه (عد هب عن أسامة بن عمير)(1) رمز المصنف لضعفه.

1139 -

"اعتموا، خالفوا على الأمم قبلكم (هب) عن خالد بن معدان مرسلاً (ض) ".

(اعتموا خالفوا) بلبسها (على الأمم قبلكم) فيه دليل على أن الأمم الماضية لم تكن تعتم ويحتمل أنها كانت لها عمائم على أسلوب آخر وأن الأمر هنا بالهيئة أن تكون على نوع عمامته متوسطة المقدار مرخاة الذؤابة (هب عن خالد بن (2)

= حميد عن أبي المليح عن أبيه مرفوعاً به. وزاد ابن عدي وعنه البيهقي: "والعمائم تيجان العرب". وقال الهيثمي في المجمع (5/ 119) رواه الطبراني وفيه عبيد الله بن أبي حميد وهو متروك. وقال البخاري فيه: منكر الحديث وقال مرة يروي عن أبي المليح عجائب. وقال الحافظ: متروك الحديث. انظر التاريخ الكبير (5/ 377) والميزان (5/ 6) والتقريب (4285).

أما حديث ابن عباس: أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 221) رقم (12979) والحاكم في المستدرك (4/ 214) وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي. وابن حبان في المجروحين في ترجمة عبيد الله بن أبي حميد (4/ 487، 488) وقال: وكان ممن يقلب الأسانيد ويأتى بالأشياء التي لا يشك من الحديث صناعته أنها مقلوبة، فاستحق الترك لما كثر في روايته وقال الهيثمي في المجمع (5/ 119) رواه البزار والطبراني وفيه عبيد الله بن أبي حميد وهو متروك. وفي إسناد الطبراني عمران بن تمام وضعفه أبو حاتم بحديث غير هذا، وبقية رجاله ثقات.

(1)

أخرجه البيهقي في الشعب (6260) وابن عدي في الكامل (6/ 61). وقال الألباني في ضعيف الجامع (932) والسلسلة الضعيفة (2819): ضعيف جداً.

(2)

أخرجه البيهقي في الشعب (6261) وقال: هذا منقطع. وقال الألباني في ضعيف الجامع (933) والسلسلة الضعيفة (2347): موضوع.

وفي إسناده محمَّد بن يونس وهو الكديمي أحد المتروكين كما قال الذهبي، قال ابن عدي: اتهم الكديمي بالوضع، وقال ابن حبان لعله قد وضع أكثر من ألف حديث، وكذبه موسى بن هارون، انظر ميزان الاعتدال (6/ 378).

ص: 462

معدان) بفتح الميم وسكون المهملة (مرسلاً) رمز المصنف لضعفه وسببه أنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثياب يقسمها وذكره، والشارح المناوي: فسر اعتموا في هذا الحديث بقوله: صلوا العشاء في العتمة وهو وهم، والسبب والترتيب ينادي على خلافه.

1140 -

"أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام (طس هب) عن أبي هريرة (ح) ".

(أعجز الناس) العجز ترك ما يجب فعله بالتسويف وهو عام في أمور الدين والدنيا أفاده في النهاية (1)(من عجز عن الدعاء) لربه تعالى فإنه لا يتركه إلا أعجز الناس إذ لا مشقة فيه ولا كلفة وهو عبادة محبوبة لله تعالى وفيه رد على من زعم أن الأولى ترك الدعاء (وأبخل الناس) بخل ككرم وكفرح (من بخل بالسلام) لأنه بخل بأسهل الأقوال وما لا ضرر عليه فيه أصلاً وإنما كان الأول أعجز لأنه عجز عن أنفع الأشياء بأسهل الأعمال، والثاني: أبخل لأنه منع أخف الأشياء عليه (طس هب عن (2) أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه قال مخرجه الطبراني: لا يروى إلا بهذا الإسناد، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير مسروق بن المرزبان وهو ثقة.

1141 -

"اعدلوا بين أولادكم في النحل، كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف (طب) عن النعمان بن بشير (ض) ".

(اعدلوا بين أولادكم في النحل) بكسر النون وفتح الحاء المهملة جمع نحلة بالكسر وهي العطية (كما تحبون أن يعدلوا) بينكم أيها الآباء (في اللطف

(1) النهاية (3/ 186).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (5519) والبيهقي في الشعب (8767) وقال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 288) وهو إسناد جيد قوي. وقول الهيثمي في المجمع (8/ 67). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1044) والسلسلة الصحيحة (601).

ص: 463

بكم والبر) والمراد كما تحبون أن يتساووا في البر بكم ولا يكونوا فيهم عاق ولا جاف وتقدم الكلام على ذلك وأنه دليل على وجوب التسوية بين الأولاد في العطية وحققناه تحقيقًا شافيًا في حواشي ضوء النهار (طب عن النعمان بن البشير)(1). رمز المصنف لضعفه لكنه في الصحيحين بألفاظ تفيد معناه.

1142 -

"أعدى عدوك زوجتك التي تضاجعك؛ وما ملكت يمينك (فر) عن أبي مالك الأشعري (ض) ".

(أعدى عدوك) هو من عادى وقياسه أشد الأعداء عداوة فهو من الشاذ عند أكثر (زوجتك) فيه أن استعمال زوجة بالتاء صحيح (التي تضاجعك) يحتمل أنه إخبار عن زوجة خاصة وامرأة معينة أو أراد أنها إذا عادت كانت أشد الناس عداوة لأنها أعرف بما يضر زوجها كما قيل:

احذر عدوك مرَّة

واحذر صديقك ألف مرَّة

فلربما انقلب الصديق

فكان أعرف بالمضرة (2)

(وما ملكت يمينك) من العبيد والإماء والعلة هي العلة في الزوجة ويحتمل أنهما عدوان في صورة الصديق وإنهما لا يدعوان إلا إلى ما فيه الضرر في الدين من التوسع في الدنيا وتحقير نعم الله عليهما والتنفيل من الطاعات نحو {لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ} [المنافقون: 9] ونحو الحديث قوله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} [التغابن: 14] والتحفظ من المملوك والزوجة عسير لأنهما خليطا الرجل وفي كلام النهج: [1/ 329]

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (24/ 338) رقم (845) وابن حبان (5104) والبيهقي في السنن (6/ 178). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1046).

(2)

منسوب إلى منصور بن إسماعيل الفقيه (ت 306 هـ) شاعر وفقيه شافعي ضرير أصله من رأس العين بالجزيرة وسكن مصر وتوفي بها له: الواجب، والمستعمل، والهداية في الفقه، وزاد المسافر.

ص: 464

المرأة عقرب جيدة اللسان وقيل لبقراط: أي السباع أضر؟ قال: المرأة (فر عن أبي مالك الأشعري)(1) رمز المصنف لضعفه.

1143 -

"أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة (خ) عن أبي هريرة (صح) ".

(أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة) في النهاية (2): أي لم يبق فيه موضع للاعتذار حيث أمهله هذه المدة ولم يعتذر انتهى.

وفي النهج: العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة قال شارحه: أعذر الله فيه أي شرع لابن آدم أن يعتذر يعني لأن ما قبل الستين هي أيام الصبا والشيبة والكهولة وقد يمكن أنه يعذر الإنسان على اتباع هوى النفس وغلبة الشهوة وشَرّة الحداثة فإذا تجاوز الستين دخل في سن الشيخوخة وذهبت عنه غلو أشرّيته فلا عذر له في الجهل وقد قيل فيما قبل هذا السن:

إذا ما المرء قصَّر ثم مرّت

عليه الأربعون من الرجال

ولم يلحق بصالحهم فدعه

فليس بلاحق أخرى الليالي (3)

(خ عن أبي هريرة)(4).

(1) أخرجه الديلمي في الفردوس (5248). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (934) والسلسلة الضعيفة (1820) وفي إسناد الحديث علل:

1 -

الإنقطاع بين سعيد بن أبي هلال وأبى مالك الأشعري.

2 -

اختلاط سعيد نفسه، رماه بذلك أحمد وغيره. انظر التقريب (2410).

3 -

إبراهيم بن الجنيد وهو الرقي مجهول كما قال الحافظ في اللسان (1/ 45).

4 -

أبو بكر السامري؛ لم أعرفه.

(2)

النهاية (3/ 197).

(3)

منسوب إلى الأعور الشني (ت 50)، أبو منقذ بن منقذ من بني عبد القيس اشترك في وقعة الجمل في صف علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(4)

أخرجه البخاري (6419).

ص: 465

1144 -

"أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه (ش ك هب) عن أبي هريرة"(صح).

(أعربوا القرآن) في معناه ما أخرجه ابن الأنباري عن أبي بكر الصديق قال: لأن أعرب آية من القرآن أحب إلى من أن أحفظ آية.

وأخرج أيضاً عن رجل من الصحابة قال: لو أعلم أني إذ سافرت أربعين ليلة أعربت آية من كتاب الله لفعلت.

وأخرج من طريق الشعبي قال: قال عمر: من قرأ القرآن فأعربه كان له عند الله أجر شهيد. قال المصنف في الإتقان: معنى هذه الآثار عندي إرادة البيان والتفسير لأن إطلاق الأعراب على الحكم النحوي اصطلاح حادث ولأنه كان في سليقتهم ما يحتاجون إلى تعلمه ثم رأيت ابن النقيب جنح إلى ما ذكرته قال ويجوز أن يكون المراد الإعراب الصناعي وفيه بعد وقد استدل له بما روي عن ابن عمر مرفوعاً: "أعربوا القرآن يدلكم على تأويله"، انتهى (1).

قلت: تفسير الحديث بالاصطلاح من أشد الخطأ فالحق هو التفسير الأول وحديث ابن عمر المراد بإعرابه تبينه وإظهار معناه وجعله سبباً للدلالة على تأويله لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً فإذا أعرب بعض معانيه دلت على تفسيره ورد بعضه إلى بعض، وأرشده إلى كيفية ذلك، والمراد: أن الاشتغال بتأويله يدل على إبرازه ويعني عليه فإنه متجاذب الأطراف يوضح بعضه بعضاً ويقيد مطلقه ويبين مجمله ويحل مقدمه من مؤخره ومن دقق النظر في ذلك انفتحت له من المعاني والنكت والأسرار أمور عجيبة (والتمسوا غرائبه) هذا مما يدل على ما قلناه وقد فسر هذه الغرائب حديث أبي هريرة عند البيهقي وأظن هذا قطعة منه وقد ذكره المصنف بطوله في ذيل الجامع، ولفظه وغرائبه فرائضه وحدوده فإن القرآن يدل

(1) الإتقان في علوم القرآن (2/ 465).

ص: 466

على خمسة أوجه حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فاعملوا بالحلال واجتنبوا الحرام واتبعوا المحكم وآمنوا بالمتشابه واعتبروا بالأمثال فهذا التفسير النبوي، وقد فسر المصنف في الإتقان بغرائب ألفاظه التي ألفت فيها كتب الغريب حيث قال: النوع السادس (1) والثلاثون في معرفة غريبه، أفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون وذكر جماعة قال: فينبغي الاعتناء به فقد أخرج وذكر هذا الحديث.

قلت: التفسير الحق هو النبوي لا ما ذكره المصنف فإن الظاهر أنها لا تسمي [1/ 330] تلك الألفاظ غريبه لغة وإنما صارت غريبة لما اختل اللسان ودخل في الإِسلام من ليس من العرب العرباء، ثم لو سلم أنه يسمي غريباً لغة فهو صلى الله عليه وسلم لا يأمر باقتباسه واتباعه فقد كره السلف ذلك.

وفي كتب التفسير أن أبا بكر سئل عن الأب من قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31] فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت: في كتاب الله ما لا علم لي (2) وعن عمر أنه قرأ هذه الآية فقال: كل هذا قد عرفناه فما الأب ثم رفع عصاً كانت بيده وقال: هذا لعمر الله التكليف وما عليك يا ابن أم عمر أن لا تدري ما الاب ثم قال: اتبعوا ما يبين لكم من هذا الكتاب وما لا فدعوه (3)(ش ك هب عن أبي هريرة)(4) رمز المصنف لصحته وقال الحاكم: صحيح ورده الذهبي

(1) الإتقان (1/ 303).

(2)

أورده في الدر المنثور (8/ 421) وعزاه إلى ابن أبي شيبة (6/ 136) وعبد بن حميد، قال ابن كثير (1/ 6): منقطع.

(3)

أخرجه ابن جرير في التفسير (30/ 59)، وابن أبي شيبة (6/ 136) رقم (30105) وسعيد بن منصور في تفسيره (43) والحاكم (2/ 514) والبيهقي في الشعب (2084) وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 116) رقم (29912) الحاكم (2/ 477) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على مذهب جماعة من أئمتنا ولم يخرجاه، وقال الذهبي في التلخيص: بل أجمع على ضعفه. والبيهقي في الشعب (2292). وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 163) إلى أبي يعلى (6560) وقال: وفيه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري وهو متروك. انظر ميزان الاعتدال (4/ 108) =

ص: 467

وقال: مجمع على ضعفه وقال الهيثمي: فيه ضعيف، وقال المناوي: فيه ضعيفان.

1145 -

"أعربوا الكلام كي تعربوا القرآن ابن الأنباري في الوقف؛ والمرهبي في فضل العلم عن أبي جعفر معضلاً".

(أعربوا الكلام) بينوا معانيه وما يدل عليه وتفهموه وهو عام لكل كلام وقوله (كي تعربوا القرآن) أي إذا تفهمتم كل كلام وبينتم معانيه كان التدرب فيه سبباً إلى معرفة معاني القرآن فإنه من جنس كلام الناس وحروفهم وألفاظهم والتدرب في الشيء يكسب الإنسان دراية بغيره، ولو حملناه على الإعراب الاصطلاحي لكان المراد: عوّدوا ألسنتكم إعراب الكلام تعربوا القرآن لأن بالتدرب على ذلك يصير الإعراب كالسليقة فيها، لكنا لا نرتضي هذا التأويل ولا تفسير كلام الرسول بالاصطلاح الحادث ونراه من أسوأ الخطأ وإن جاز على جماهير (ابن الأنباري (1) في الوقف والمرهي في فضل العلم عن أبي جعفر) الأنصاري التابعي (معضلاً) تقدم تفسير المعضل.

1146 -

"اعرضوا حديثي على كتاب الله فإن وافقه فهو مني وأنا قلته (طب) عن ثوبان (ض) ".

(أعرضوا حديثي على كتاب الله) وهو من عرض الجند على السلطان إذا نظرهم واختبر أحوالهم (فإذا وافقه فهو مني وأنا قلته) أي اعتبروا صدق حديثي بموافقة الكتاب عند عرضه عليه فإن وافقه فهو مني وإن لا يوافقه فليس مني

= وقال الألباني في ضعيف الجامع (936) والسلسلة الضعيفة (1345): ضعيف جدًّا.

(1)

أخرجه ابن الأنباري في الوقف، والمرهبي في فضل العلم كما في الكنز (2783).

وقال الألباني في ضعيف الجامع (937) ضعيف جداً، وقال في الضعيفة (1347) منكر.

لأن إسناده معضلا كما صرح بذلك السيوطي نفسه، وفيه أيضاً نعيم بن حماد صدوق يخطئ كثيرا كما قال الحافظ في التقريب (7166) وفيه بقية بن الوليد صدوق كثير التدليس كما قال الحافظ في التقريب (734) وقد عنعنه.

ص: 468

وهذا الحديث يعرف عند الأصوليين بحديث العرض، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى العمل به وأنه لا يقبل من الأحاديث إلا ما شهد الكتاب العزيز بمعناه وذهب الجماهير إلى أنه لا اعتبار به لحديث المقدام بن معدي كرب عند أحمد وأبي داود:"ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه"(1) الحديث. وفي لفظ الترمذي: "ألا هل رجل يبلغه عني" الحديث، وهو متكئ على أريكته، يقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه وما وجدنا فيه حراماً حرمناه وإنما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله (2). وما أحسن ما قال بعض العلماء أن حديث العرض يرد نفسه فإذا عرضناه على كتاب الله فما وجدنا فيه إلا خلاف معناه قال الله: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] ولم نجد فيه إذا قال لكم الرسول قولاً أو سمعتم عنه حديثاً فاعرضوه على كتاب الله فقد رد الحديث نفسه.

قلت: ولو أول حديث العرض بأن معناه معنى حديث: "إذا سمعتم الحديث عني فعرفه قلوبكم" الحديث، تقدم، وأن المراد بالعرض النظر في معناه فإن كان معناه مفيداً لما أفاده القرآن ودل عليه ودعا إليه من الدلالة على الصانع والترغيب في الآخرة والتزهيد في الدنيا ونحو ذلك [1/ 331] من مقاصد القرآن كما قدمناه كان وجهاً حسناً (طب عن ثوبان)(3) رمز المصنف لضعفه.

1147 -

"اعرضوا على رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك (م د) عن عوف بن مالك"(صح).

(1) أخرجه أحمد (4/ 130)، وأبو داود (4604).

(2)

أخرجه الترمذي (2664).

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (2/ 97) رقم (1429) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 170) فيه يزيد بن ربيعة وهو متروك منكر الحديث انظر ترجمته في الميزان (7/ 238).

وقال الألباني في ضعيف الجامع (937) والسلسلة الضعيفة (1347): ضعيف جداً.

ص: 469

(أعرضوا علي رقاكم) بضم الراء جمع رقية وهو العوذة كما في القاموس (1) وتقدم الكلام في الرقية في حديث الشفاء، والرقية إما بقراءة ونفث كما فعله الصحابي الذي رقى اللديغ بالفاتحة وأقره صلى الله عليه وسلم أو بالقراءة والأدعية بلا كتب معها أو معه أو يكتب ذلك في إناء وغسله وشربه فإنه قال الحسن ومجاهد وأبو قلابة والأوزاعي: لا بأس به وكرهه النخعي وذكره ابن القيم (2) عن جماعة من السلف وأفتى ابن عبد السلام بالمنع من شربه قال: لأنها تلاقيه النجاسة ونظره المصنف وأما ما تعارفه الناس من القراءة في ثوب وتقديره بذراع إليه أو السير فلا أعلمه ورد عن أحد من السلف إلا أنه يستأنس للقراءة في الثوب بقراءته صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة في ثوبه ولفه وإعطائه وكان سببا لحفظه الأحاديث، الحفظ الذي امتاز به عن الصحابة أجمعين (لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك) ورفع البأس لا يقتضي إلا الإباحة لا الندب إلا أن حديث:"إذا أمكن أحدكم أن ينفع أخاه فلينفعه"(3) أو نحو هذا اللفظ يشعر أنه مندوب للفاعل بظاهر الأمر وقد يقال أنه للإباحة (م د عن عوف (4) بن مالك).

1148 -

"أعرضوا عن الناس، ألم تر أنك إن ابتغيت الريبة في الناس أفسدتهم، أو كدت تفسدهم (طب) عن معاوية (ض) ".

(أعرضوا) بفتح الهمزة وكسر الراء (عن الناس) تغافلوا عن التفتيش عن أحوالهم والبحث عن عيوبهم والتتبع لعوارتهم والتنقيب عن معايبهم كما دل له قوله (ألم تر أنك إن ابتغيت الريبة في الناس أفسدتهم) صيرتهم فاسدين في اعتقادك لأنه لا بد أن تجد لكل إنسان عيباً يفسد به عنك حاله كما قيل:

(1) القاموس المحيط (1664).

(2)

زاد المعاد (4/ 358).

(3)

أخرجه مسلم (2199).

(4)

أخرجه مسلم (2200) وأبو داود (3886).

ص: 470

ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلُّها

كفى المَرءُ نبلًا أن تُعدَّ معايبه (1)

(أو كدت تفسدهم) قاربت ذلك ففيه حث على الإغماض عن معائب العباد والإعراض عن البحث عنها وأنه تعالى يحب من العبد أن لا يفسد اعتقاده في عباد الله وأن يكون قلبه سليما وأحسن من قال:

ومن لم يغمض عينه عن صديقه

وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب (2)

(طب (3) عن معاوية) رمز المصنف لضعفه قال الشارح المناوي: إسناده حسن ورواه عنه أيضًا أبو داود والترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.

1149 -

"اعرفوا أنسابكم تصلوا أرحامكم، فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت، وإن كانت قريبة، ولا بعد بها إذا وصلت، وإن كانت بعيدة، الطيالسي (ك) عن ابن عباس (صح) ".

(اعرفوا أنسابكم) جمع نسب في القاموس: النسب (4) محركة والنسبة بالضم والكسر القرابة أو في الآباء خاصةً (تصلوا أرحامكم) تقدم الكلام في ذلك، قال في القاموس: الرحم القرابة أصلها أو أسبابها وفسر القرابة بالعشيرة وقال: عشيرة الرجل بنوا أبيه الأدنون وفسر العشيرة ببني أبيه الأدنون وفسر الدناوة بالقرابة وقال: يقال هو ابن عمي أو ابن خالي أو عمتي أو خالتي أو أخي أو

(1) منسوب إلى علي بن الجهم بن بدر أبو الحسن من بني سامة من لؤي بن غالب (188 - 249 هـ) من أهل بغداد كان معاصرًا لأبي تمام.

(2)

منسوب إلى كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن مليح (40 - 105 هـ) من أهل المدينة أكثر إقامته بمصر واشتهر بحبه لعزة فعرف بها وعرفت به وهي عزة بنت حميل وتوفي في الحجاز هو وعكرمة مولى ابن عباس في نفس اليوم.

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 365) رقم (859) وأبو داود (4888) وابن حبان (5760). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1049).

(4)

القاموس المحيط (1/ 176).

ص: 471

أختي دينًا ودنيًا هذا كلامه، فالرحم هم بنو الأب الأقربون لكنه جعل ابن العم وابن الخال من الأدنون وليسوا من بني الأب فهذا بأصلها وأسبابها النسب فأصل الإنسان أصوله من الآباء والأمهات إلا أنه لا ينفي رتبة يشار إليها معينة ولا يدخل الأبناء إلا أن يجعل أو في أو أسبابها بمعنى الواو كما أنه لا يدخل الآباء في بني الأب الأقربين إلا أن يراد بالأب معناه الأعم من الحقيقي والمجازي لكنه يرد أنه لا رتبة عليًا ولا دنيا يشار إليها يكون مبدأ ومنها وقد فسرت القرابة في آية:{إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] بالحسنين وأبيهما [1/ 332] وأمهما عليهم السلام إلا أن هذه خاصة شرعية بقصر بعض القرابة على من ذكر لا إبقاء اللفظ على معناه اللغوي كما فسر الآل من حرمت عليهم الصدقة من آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل ولم يجعل منهم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ولا أخوه نوفل بن الحارث مع أنهما في رتبة ابني عمهما علي وجعفر فهذه فضيلة خاصة لا تفسير للفظ اللغوي وفي النهاية (1) في تفسير: من ملك ذا رحم محرم، أن ذا الرحم الأقارب وتقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب انتهى.

وبالجملة فلا يتلخص من كلام اللغويين رتبة هي المبدأ والمنتهى.

وتقدم حديث: "استوصوا بالقبط خيرًا فإن لهم رحمًا"(2) وفسرت بأم إسماعيل عليه السلام فإنها أم العرب، وهذه رحامة في غاية البعد قد لاحظها الشارع وأثبت لها حقًا إن قيل: فما الذي يتلخص من ذلك؟ قيل: الأقرب أنه أمر نسبي في مبتدأه ومنتهاه لا بحقيقي وأن من عرف الإنسان أن بينه وبينه اتصالا من أي الجهتين فله

(1) النهاية (2/ 210).

(2)

أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 602)، والطبراني في الكبير (19/ 61 رقم 111)، وانظر: السلسلة الصحيحة (1374).

ص: 472

حق يجب عليه رعايته لو لم يكن إلا أن يصاحبه في الدنيا معروفًا والحق مختلف فمثل الأب والأم والولد ونحوهم لهم حقوق خاصة قد أمر بها الشارع وخصصهم بها وغيرهم ممن بعد وقرب وعرف اتصال أنسابهم بنسبه اتصالاً يعرفه الناس ويعدونه قريبًا ونسيبًا فله حق عليهم أيضًا لكن لا كحق الأقرب ولا كحق عامة المسلمين بعضهم على بعض بل حق له خصوصية ومراعاة واعتبار زائد نظيره أن الله تعالى وصى في الجار غاية التوصية وجعل مقدار الجوار أربعين دارًا وأثبت للأَقرب دارا حقا زائدًا على حق الأبعد من إجابة دعوته إن اتفقت دعوتان من جارين والإهداء إليه ونحوه فهذا ما يليق في هذا البحث ذكره، والمسلمة جديرة بإفراد التكلم عليها (فإنه لأقرب للرحم إذا قطعت وإن كانت قريبة) تعليل بأن العبرة بالقرب لتوصل فإذا فات ذلك فأي فائدة في قربها فنفاه لنفي لازمه كما نفى البعد في قوله (ولا بعد لها إذا وصلت وإن كانت بعيدة) فالوصل قربها (الطيالسي ك عن ابن عباس (1)) رمز المصنف لصحته.

1150 -

"أعروا النساء يلزمن الحجال (طب) عن مسلمة بن مخلد (ض) ".

(اعروا النساء) هو من العري بضم المهملة خلاف اللبس يقال عري كرضي عريا وعرية وهو أمر بإعراء النساء (يلزمن) من اللزوم (الحجال) بالحاء المهملة والجيم بزنة رحال جمع حجلة بالتحريك هو موضع يُزيَّن بالثياب والستور للعروس وأريد به مطلق المنزل وإنما عبر منه بالحجلة ترغيبًا لهن وجذبًا لنفوسهن وورد في رواية الحجاب بالباء بدل اللام ذكرها الشارح وتقدم: استعينوا على النساء بالعري والمراد العري عن ثياب الزينة كما أفاده تعليل حديث أنس المتقدم بقوله: فإن إحداهن إذا كثرت ثيابها وحسنت زينتها عزلها

(1) أخرجه الطيالسي (2757) والحاكم (1/ 89). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1051) والسلسلة الصحيحة (277).

ص: 473

الخروج والحديث: تعليم لسد ذريعة خروج النساء من المنازل وأفاده لكراهة ذلك (طب عن (1) مسلمة بن مخلد) بضم الميم وفتح الخاء وتشديد اللام رمز المصنف لضعفه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال فيه شعيب بن يحيى غير معروف وقال إبراهيم: لا أصل له انتهى.

وتعقبه الحافظ ابن حجر بإخراج ابن عساكر له من وجه آخر في أماليه وحسنه وقال: وبكر بن سهيل الدمياطي وإن ضعفه جمع، لكنه لم ينفرد به فالحديث إلى الحسن أقرب [1/ 333].

1151 -

"أعز أمر الله: يعزك الله (فر) عن أبي أمامة"(ض).

(أعز) بالزاي من الإعزاز (أمر الله) ما أمر به بأن تفعله على وجهه (يعزك الله) جزاء من جنس الفعل وهذا المعني متكرر في الأحاديث (فر عن أبي أمامة)(2)

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (19/ 438) رقم (1063) وفي الأوسط (3/ 256)، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 242): رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه مجمع بن كعب ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات، وابن عساكر في تاريخ دمشق (25/ 214)، والخطيب في تاريخه (12/ 319) وأورده الحافظ في الإصابة (6/ 116) في ترجمة مسلمة بن مخلد وذكره في القول المسدد وهو الحديث (65) (ص: 23). وقال ابن أبي حاتم في المراسيل (ص 217) قال: سئل أبي عن هذا الحديث فقال: مجمع لم يدرك مسلمة .. وانظر: الموضوعات لابن الجوزي. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (939) وقال في السلسلة الضعيفة (2827) ضعيفٌ جدا.

في إسناده مجمع بن كعب أورده ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/ 296) وقال: روى عن مسلمة بن مخلد، روى عنه جعفر بن ربيعة، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلا. وفيه بكر بن سهل الدمياطي قال النسائي ضعيف، وقال مسلمة بن قاسم:"تكلم الناس فيه، ووضعوه من أجل الحديث الذي حدث به عن سعيد بن كثير عن يحيى بن أيوب عن مجمع بن كعب عن مسلمة بن مخلد رفعه: أعروا النساء يلزمن الحجال". انظر اللسان (2/ 51) والميزان (2/ 61).

(2)

أخرجه الديلمي في الفردوس (8416) وقال المناوي في الفيض (1/ 560) وفيه محمد بن الحسين السلمي الصوفي سبق عن الخطيب أنه وضاع والمأمون بن أحمد قال الذهبي: كذاب. وقال الحافظ في ترجمة مأمون: أتي بطامات وفضائح وقال ابن حبان كان دجالا من الدجاجلة وقال أبو نعيم: مأمون السلمي من أهل هراة خبيث وضاع يروي عن الثقات مثل هشام بن عمار ودحيم =

ص: 474

رمز المصنف لضعفه.

1152 -

"اعزل الأذى عن طريق المسلمين (م 5) عن أبي برزة (صح) ".

(اعزل) من العزل التنحية (الأذى) في النهاية (1): هو ما يؤذي كالشوك والحجر والنجاسة.

قلت: وهو أدنى شعب الإيمان كما في حديث أبي هريرة عند مسلم وغيره (عن طريق المسلمين) خرج على الغالب وإلا فهو يعم غيرهم والأمر هنا للندب (م هـ عن أبي برزة (2)(3)) بالموحدة المفتوحة فراء ساكنة فزاي مفتوحة فهاء صحابي جليل.

1153 -

"اعزل عنها إن شئت؛ فإنه سيأتيها ما قدر لها (م) عن جابر (صح) ".

(اعزل عنها) أي اعزل ماءك عن رحم منكوحتك (إن شئت) فإنه لا يمنع ما قدرة الله (فإنه سيأتيها ما قدر لها) من الولادة إن أراد الله (م عن جابر)(4).

1154 -

"اعزلوا أو لا تعزلوا، ما كتب الله تعالى من نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة (طب) عن صرمة العدوي (ح) ".

(اعزلوا) بفتح الهمزة (أو لا تعزلوا) أي الماء عن الرحم وتقدم (ما كتب الله من نسمة) يخلقها (هي كائنة) في علمه تعالى (إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة) بإيجاده تعالى لها فلا ينفع العزل، ولا يدفع ما قد كتبه الله وقد أسلفنا الكلام

= بالموضوعات. انظر المغني (5155) ولسان الميزان (5/ 7) والمجروحين (1/ 45) وكتاب الضعفاء لأبي نعيم (1/ 150). وقال الألباني في ضعيف الجامع (940) وفي الضعيفة (3240): موضوع.

(1)

النهاية (1/ 34).

(2)

انظر: الاستيعاب (4/ 161)، والإصابة (6/ 433).

(3)

أخرجه مسلم (8/ 26) وابن ماجه (3681).

(4)

أخرجه مسلم (1439).

ص: 475

عليه (طب (1) عن صرمة) (2) بكسر الصاد المهملة وسكون الراء وفتح الميم العدوي بمهملتين نسبة إلى قبيلة عدي رمز المصنف لحسنه.

1155 -

"أعطوا كل سورة حظها من الركوع والسجود (ش) عن بعض الصحابة (ض) ".

(أعط كل سورة حظها من الركوع والسجود) هذا فيمن يصلي بالسور وهو إرشاد له أنه لا يتابع بينها في ركعة وكأنه خاص بمن يعتريه ملل وسآمة من سرد السور في ركعة وإلا فإنه قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل يتلو سورًا في ركعة واحدة وثبت أنه قيل له إن رجلا كان يؤم أصحابه ويقرأ بهم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} بعد قراءة سورة وأنه أقره صلى الله عليه وسلم على ذلك، ويحتمل أنه خاص بالفريضة لأنه لم يرو عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في فريضة سورتين غير الفاتحة في ركعة ويكون تقريره للقارئ الصمد مع سورة بما ذكره من محبته لها (ش عن بعض الصحابة) (3) رمز المصنف لضعفه وقال الشارح: إسناده صحيح وصححه عبد الحق وزعم ضعفه وهم كما قاله ابن القطان.

1156 -

"أعطوا أعينكم حظها من العبادة: النظر في المصحف، والتفكر فيه، والاعتبار عند عجائبه الحكيم (هب) عن أبي سعيد".

(أعطوا أعينكم حظها من العبادة النظر) هو يأتي مفعولي اعطوا (في المصحف)

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/ 74) رقم (7408)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 297) فيه عبد الحميد بن سليمان وهو ضعيف. انظر المغني (3495) والتقريب (3764). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (941) وفي الضعيفة (7522).

(2)

الإصابة (3/ 467).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 324) رقم (3711) وأحمد (5/ 59)، والطبراني في الكبير (10/ 33 رقم 9856). وقال الهيثمي (2/ 114): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وانظر: فيض القدير (5/ 284). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1054).

ص: 476

فيما رقم فيه من ألفاظ القرآن (والتفكر فيه) أي في معاني ما كتب فيه (والاعتبار عند عجائبه) عدهما من عبادة العين وإن كانا من أعمال القلب لأنها السبب فيهما، وفي الحديث استخدام فإن النظر للنقوش والتفكر في المعاني وجعل الاعتبار مظروفا للعجائب والتفكر تجميعه لأن الفكر لاستخراج الأحكام والمعاني وكل ألفاظه يشمل ذلك ما عدا متشابهه بخلاف الاعتبار فهو عند بعضه وهو قصصه وأمثاله.

فائدة: ذكر المصنف في الإتقان (1) أنه لما جمع أبو بكر القرآن اختلف بأي اسم يسمى وأنه قال ابن مسعود رأيت في الحبشة كتابا يسمونه مصحفًا فسموه به، فكلامه هنا يدل على أنه ليس باسم عربي فإن ثبت هذا الحديث دل على أنه اسم عربي سماه به الرسول صلى الله عليه وسلم (الحكيم هب عن أبي سعيد) (2) سكت عليه المصنف وقال الشارح: عقّبه مخرجه البيهقي بقوله: وسنده ضعيف.

1157 -

"أعطوا السائل وإن جاء على فرس (عد) (*) عن أبي هريرة".

(أعطوا السائل وإن جاء على فرس) فإنه قد ثبت له حق سؤاله وهو خطاب للأمراء ويحتمل أنه لكل مسئول (عق عن أبي هريرة)(3) سكت عليه المصنف

(1) انظر: الإتقان (1/ 146).

(2)

أخرجه الحكيم في نوادر الأصول (3/ 254). والبيهقي في الشعب (2222) وقال: إسناده ضعيف.

وقال الألباني في ضعيف الجامع (9442) والسلسلة الضعيفة (1586): ضعيف جدًّا.

(*) في المخطوط (عق)، والصواب كما في التخريج (عد).

(3)

أخرجه ابن عدي في الكامل (4/ 186) من طريق عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة به، ثم قال عقبه: ولعبد الله بن زيد بن أسلم من الحديث غير ما ذكرت قليل ليس بالكثير وهو مع ضعفه يكتب حديثه على أنه قد وثقه غير واحد، وقال السخاوي في المقاصد (1/ 537) وعبد الله بن زيد ضعيف.

وأخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 29) من طريق عمر بن يزيد عن عطاء عن أبي هريرة به، وقال السخاوي في المقاصد (1/ 537) عمر بن يزيد ضعيف.=

ص: 477

وتعقبه مخرجه بأنه منكر وقال البخاري: سنده ضعيف [1/ 334] وهو في الموطأ مرسل عن زيد بن أرقم قال ابن عبد البر: لا أعلم في إرساله خلافًا.

1158 -

"أعطوا المساجد حقها: ركعتان قبل أن تجلس (ش) عن أبي قتادة (ح) ".

(أعطوا المساجد حظها) أي عند الدخول إليها وكأنه قيل وما حظها قال: (ركعتان قبل أن تجلس) أيها الداخل الدال عليه السياق والأمر ظاهر في وجوب التحية للمسجد وأداء حقه كما بيناه في حواشي ضوء النهار (ش عن (1) أبي قتادة) رمز المصنف لحسنه.

1159 -

"أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه (هـ) عن ابن عمر (ع) عن أبي هريرة (طس) عن جابر: الحكيم عن أنس (ح) ".

(أعطوا) أيها المتأجرون (الأجير) لأي عمل (أجره) أجر عمله (قبل أن يجف عرقه) من مزاولة العمل فيه المسارعة إلى إعطاء الأجير الأجرة وهو ظاهر في الإيجاب (5 عن ابن عمر)(2) رمز المصنف لحسنه (ع عن أبي هريرة طس

= وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 996) رقم (1808) وعبد الرازق في المصنف رقم (20017) عن زيد بن أسلم مرسلا. وقال ابن حجر في القول المسدد (صـ 66) وبالجملة لا شك في صحته نظرا إلى مجموع طرقه والله أعلم، وأطال الحافظ في تخريجه فراجعه لزاما، وقال ابن عبد البر في الاستذكار (8/ 600) والتمهيد (5/ 294) لا أعلم في هذا الحديث خلافا وقد روي معناه من حديث حسين بن علي مرفوعا وإسناده غير قوي. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (944) والضعيفة (1378).

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 299) رقم (3422). وأخرجه بن خزيمة (1824) في إسناده محمد بن إسحاق قال الحافظ في التقريب (5725) صدوق يدلس. وقد عنعنه.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (945) والسلسلة الضعيفة (1540).

(2)

أخرجه ابن ماجه (2443)، وقال البوصيري (3/ 75): هذا إسناد ضعيف، وأبو يعلى (6682) وابن عدي في الكامل (5/ 238). والطبراني في الصغير (34) عن جابر. وقال الهيثمي (4/ 98) =

ص: 478

عن جابر الحكيم) الترمذي (عن أنس).

1160 -

"أعطي، ولا توكي فيوكى عليك (د) عن أسماء بنت أبي بكر (صح) ".

(أعطي) أمر بالإنفاق في وجوه الخير (ولا توكي) بضم المثناة الفوقية في النهاية (1): أي لا تدخري وتمنعي ما في يدك (فيوكى عليك) في النهاية (2): تنقطع مادة الرزق عنك وتقدم الحديث وهو إعلام بأن الإنفاق سبب للإخلاف والإمساك سبب للمنع وهو في الثاني صريح (د عن أسماء بنت أبي بكر)(3) رمز المصنف لصحته.

1161 -

"أعطيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصارًا (ع) عن عمر (ض) ".

(أعطيت جوامع الكلم) أي أعطاني الله الكلم القليلة لفظًا الكثيرة معنى في النهاية (4): يعني القرآن جمع الله بلطفه في الألفاظ اليسيرة فيه معاني كثيرة واحدها جامعة أي كلمة جامعة (واختصر لي الكلام اختصارًا) وجاء في صفته صلى الله عليه وسلم أنه كان يتكلم بجوامع الكلم والجملة الأولى إخبار بإعطائه القرآن والثانية إخبار بما أعطيه صلى الله عليه وسلم في عبارة نفسه من اختصاره الكلام مع وفائه بمعاني للمطول من العبارات، هذا وقد علم من القواعد اللغوية أن المعرفة إذا كررت وهي الأولى وجاء خلاف ذلك نادرًا ومنه هذا الحديث فإنه أريد بالكلام الأول القرآن

= رواه الطبراي في الأوسط وفيه شرقي بن قطامي وهو ضعيف، والحكيم الترمذي عن أنس (1/ 116)، قال المناوي (1/ 562): الحديث طرقه كلها لا تخلو من ضعيف أو متروك لكن بمجموعها يصير حسنًا. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1055) والإرواء (1498).

(1)

النهاية (5/ 222).

(2)

النهاية (5/ 222).

(3)

أخرجه أبو داود (1699). وكذلك إسحاق بن راهويه (17) وأحمد (6/ 354).

وصححه الألباني في صحيح الجامع (1061).

(4)

النهاية (2/ 195).

ص: 479

وبالكلم في الثاني السنة وقد يقال: قد تغايرا هنا لفظا فليسا مما يدخل تحت تلك القاعدة، والكلام ما كان مكتفيا بنفسه والكلم جمع الكلمة كما في القاموس (1) فهما متصادقان على شيء واحد (ع عن ابن عمر)(2) رمز المصنف لضعفه وقد رواه البيهقي والدارقطني عن ابن عباس.

1162 -

"أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول، وأعطيت طه والطواسين والحواميم من ألواح موسى، وأعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش، والمفصل نافلة (ك هب) عن معقل بن يسار (صح) ".

(أعطيت) غير الفعل للعلم بفاعله (سورة البقرة) هو دليل على جواز إطلاق هذا اللفظ عليهما، وأما حديث أنس (3) عند الطبراني والبيهقي مرفوعًا بلفظ:"لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء، كذلك القرآن كله ولكن قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة" فإسناده ضعيف، بل قال ابن الجوزي وغيره: إنه موضوع قال المصنف: وقد صح إطلاق سورة البقرة وغيرها عنه صلى الله عليه وسلم (من الذكر الأول) يحتمل أن يراد من أول ذكر نزل على آدم فمن بعده من الرسل ويحتمل أن يراد ذكرا معينًا فهو لمطلق المتقدم، ويحتمل أن يراد من أول كلامه وأنه تعالى لم يعطه أحدًا قبله.

(1) القاموس المحيط (ص 917).

(2)

أخرجه أبو يعلى (7238) وقال الهيثمي (1/ 182) فيه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي ضعفه أحمد وجماعة. وأخرجه البيهقي في الشعب (1436) عن عمر بن الخطاب وفي سنده محمد بن يونس الكديمي أحد المتروكين كما قال الذهبي، قال ابن عدي: اتهم الكديمي بالوضع، وقال ابن حبان لعله قد وضع أكثر من ألف حديث، وكذبه موسى بن هارون انظر ميزان الاعتدال (6/ 378). والدارقطني (4/ 144) عن ابن عباس وفي سنده زكريا بن عطية عن عثمان بن عطاء الخراساني قال أبو حاتم: منكر الحديث. انظر الميزان (3/ 109).

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (949) والسلسلة الضعيفة (2864).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (5755) والبيهقي في الشعب (2582) وقال: فيه عيسى بن ميمون منكر الحديث.

ص: 480

إن قيل: قد أمره تعالى. أن يقول: "هذا ذكر من معي وذكر من قبلي" فوصف القرآن كله بأنه ذكر من قبله فكيف خص البقرة بذلك؟

قيل: المراد هنا ذكر خاص هو توحيده تعالى وتنزيهه عن الأنداد لأنها في سياق {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} [الأنبياء: 24] الآية.

(وأعطيت طه والطواسين) جمع لي طس على اللغة القليلة وفيه تغليب لأنه يريد طس وطسم إذا المراد كل السور الثلاث وكذا قوله (والحواميم) قال في القاموس (1): آل حاميم ذوات حاميم ولا يقال حواميم [1/ 335] وقد جاء في الشعر وقال: طس لا تجمع إلا على ذات طس ولا يقال طواسين انتهي كلامه.

قلت: وقال الجوهري: وأما قول العامة: الحواميم ليس من كلام العرب منقوص يثنون بهذا الوارد عن أفصح الخلق (من ألواح موسى) يعني معانيها لا ألفاظها فتلك بلسان غير عربي إلا أنه قال المصنف في الإتقان (2): ما أنزل كتاب من كتب الله إلا باللسان العربي ثم يلقنه الرسول بلسانه على لغة قومه فإن صح هذا لم يبعد أن يراد ألفاظها ومعانيها من ألواح موسى، ويحتمل أن كلمة من بدلية في هذا والذي قبله وأن المراد أعطيت البقرة بدلاً من الذكر الأول وبدلاً من ألواح موسى نظير ما يأتي من قوله صلى الله عليه وسلم:"أعطيت مكان التوراة السبع الطوال"(3) والأول أنسب بالقرينة التالية فإن من فيها لا يصح أن تكون بدلية (وأعطيت فاتحة الكتاب) هي سورة الحمد لله رب العالمين، سميت بفاتحة الكتاب لأنه افتتح بها في المصحف وفي التعليم وفي التلاوة وفي الصلاة، وقيل:

(1) القاموس المحيط (ص: 1463).

(2)

الإتقان (1/ 394).

(3)

أخرجه أحمد (4/ 107)، والطيالسي (1012)، والطبراني في الكبير (22/ 76 رقم 187)، والبيهقي في الشعب (2415)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1059).

ص: 481

لأنها أول سورة نزلت، وقيل: لأنها أول سورة كتبت في اللوح المحفوظ، وقيل: لأن الحمد فاتحة كل كلام قاله المصنف في الإتقان (1) قال: وقد وقفت لها على نيف وعشرين اسمًا ثم سردها هنالك (وخواتيم) جمع خاتم يقال خواتم وشبع فيقال خواتيم (سورة البقرة) وهي من قوله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 284] إلى آخر السورة كما أخرجه أبو عبيد "في فضائله"(2) عن أبي بن كعب وسرده المصنف في الإتقان وقد كثرت الأحاديث في فضلها والإخبار أنه صلى الله عليه وسلم (أعطيها من تحت العرش) أي من ذلك المكان الرفيع والجناب المنيع تنويها بشأنها وإعلاما بأنها ما أنزلت على بشر قبله وكأن ذلك لما فيها من الفضيلة العامة للأمة من حظر الأمر عنها وتلقيها بالدعوات التي في آخرها ويأتي حديث حذيفة: "أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي"(3)(وأعطيت المفصل) في القاموس (4) المفصل كمعظَّم من الحجرات إلى آخره على الأصح، أو من الجاثية أو القتال أو ق عن النووي أو الصافات أو الصف وتبارك عن ابن أبي الصيف أو إنا فتحنا لك عن الدزماري أو سبح اسم ربك الأعلى عن الفِرْكاح أو الضحى عن الخطابي وسمي بذلك لكثرة الفصول بين سوره أو لقلة المنسوخ فيها انتهى.

وفي الإتقان (5) آخر سورة سورة الناس بلا خلاف واختلف في أوله على اثني عشر قولاً غير هذه العشرة التي عدَّها القاموس، وزاد الحادي عشر الرحمن، حكاه ابن سعد في أماليه عن الموطأ، الثاني عشر الإنسان (نافلة) زيادة على ما في

(1) انظر: الإتقان (1/ 148).

(2)

انظر: الإتقان (1/ 113)، وأخرجه النسائي في فضائل القرآن (48).

(3)

أخرجه مسلم (806) والنسائي في فضائل القرآن (147).

(4)

القاموس المحيط (ص 1347).

(5)

انظر: الإتقان (1/ 174).

ص: 482

كتب الأولين ويأتي قوله وفصلت بالمفصل.

فائدة: قسم المصنف في الإتقان القرآن على قسمين: قسم أنزل على بعض الأنبياء وقسم لم ينزل على أحد قبله صلى الله عليه وسلم وعقد فيه نوعا هو النوع الخامس عشر من الإتقان (1) وذكر الفاتحة وخواتيم البقرة وآية الكرسي من القسم الآخر وهذه الأحاديث قبله وبعده تحديث بنعمة ربه الذي أمره أن يحدث بها (ك هب عن معقل بن يسار)(2) رمز المصنف لصحته والحديث صححه الحاكم وتعقبه الذهبي بأن فيه عبيد الله بن أبي حميد تركوا حديثه [1/ 336].

1163 -

"أعطيت آية الكرسي من تحت العرش (تخ) وابن الضريس عن الحسن مرسلاً".

(أعطيت آية الكرسي) سميت به لذكره فيها (من تحت العرش) تفاصيل كيفية الإعطاء من ذلك المكان غيب يجب الإيمان به وهو تنويه لفضيلة هذه الآية (تخ وابن الضريس عن الحسن مرسلاً)(3).

1164 -

"أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب، وأعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد، وجعل لي التراب طهورًا، وجعلت

(1) المصدر السابق (1/ 114).

(2)

أخرجه الحاكم (2/ 259) والبيهقي في الشعب (2478). وابن مردويه في التفسير كما في تفسير ابن كثير (1/ 342) وفي المداوي (1/ 633). وانظر مجمع الزوائد (1/ 170).

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (950) والسلسلة الضعيفة (2886).

(3)

أخرجه البخاري في التاريخ (1/ 249) وابن الضريس في فضائل القرآن (191) إسناده ضعيف، فإن الحسن -وهو البصري- قد أرسله، ومحمد بن نوح: مجهول. انظر اللسان (2/ 127) والميزان (6/ 357). وقد تعقب المناوي السيوطي فقال في الفيض (1/ 564): قضية صنيع المؤلف أنه لم يره مسندا، وهو عجيب، فقد رواه الديلمي مسلسلا بقوله: ما تركتها منذ سمعتها من حديث أبي أمامة عن علي كرم الله وجهه

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعطيت

إلخ

".

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (946) والسلسلة الضعيفة (2885).

ص: 483

أمتي خير الأمم (حم) عن علي (صح) ".

(أعطيت مما لم يعط الأنبياء قبلي) من الأمور العظيمة التي بها تم شرف نبوته وبين ذلك بالاستئناف بقوله (نصرت بالرعب) في النهاية (1) الرعب الخوف والفزع كأن أعداؤه قد أوقع الله في قلوبهم الخوف منه صلى الله عليه وسلم وبينهم وبينه مسيرة شهر فإذا كان كذلك فزعوا منه ورهبوه.

قلت: ويدل له قول أبي سفيان قبل إسلامه في قصته مع هرقل أنه ليخافه ملوك بني الأصفر وقد قيد إطلاق هذا الحديث بقوله مسيرة شهر وكان غيره وإن خافه عدوه لا يبلغ هذه المسافة (وأعطيت مفاتيح الأرض) في النهاية (2): أراد ما يسهله الله له ولأمته من افتتاح البلدان المتعذِّرات واستخراج الكنوز والأموال المخفيات (وسميت أحمد) أي سماني الله على لسان روحه وكلمته عيسي كما قال: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6] ولما كان هذا الاسم الشريف شريفًا في معناه وسماه به رب العزة يَمدح صلى الله عليه وسلم بالتسمية به وذلك لأنه دال على أنه أكثر الناس حامدية لربه اشتق من حمد المعلوم كما هو الأكثر في اسم التفضيل أخذه من المبني للفاعل أو أكثرهم محمودية أي يحمد الخلق حمدًا كثيرًا إن أخذ من حمد المجهول، ورجح ابن القيم (3) هذا الأخير فيكون معناه: كمحمد إلا أن الفرق بينهما أن محمدًا هو كثير الخصال التي يحمد عليها وأحمد هو الذي يحمد أكثر مما يحمد غيره فمحمد في الكثرة والكمية وأحمد في الصفة والكيفية فيستحق من الحمد أكثر مما يستحق غيره وأفضل مما يستحق غيره فيحمد أكثر حمد وأفضل حمد حمده البشر فالاسمان

(1) النهاية (2/ 233).

(2)

النهاية (3/ 407).

(3)

زاد المعاد (1/ 90 - 91).

ص: 484

واقعان على المفعول وهذا أبلغ في مدحه وأكمل ولو أريد معنى الفاعل يسمى الحماد الكبير الحمد فإنه صلى الله عليه وسلم أكثر الخلق حمدًا لربه (وجعل لي التراب طهورًا) يأتي تحقيقه في الخمس التي اختص بها وأراد به التيمم فإنه لم يكن لنبي قبله طهورا وهذه منة عظيمة لأنها تسهيل لأمور العبادة له ولأمته (وجعلت أمتي) أمة إجابته (خير الأمم) وهو لفظ مشتق سبق من قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وهم الشهداء على الأمم يوم القيامة ويزكيهم نبيهم صلى الله عليه وسلم (حم عن علي)(1) رمز المصنف لصحته وتعقبه الشارح بأنه حسن لا صحيح.

1165 -

"أعطيت فواتح الكلام، وجوامعه، وخواتمه (ش ع طب) عن أبي موسى (ح) ".

(أعطيت فواتح الكلام) لفظه في النهاية (2): مفاتح الكلم قال: وهو ما يسره الله له من البلاغة والفصاحة والوصول إلى غوامض المعاني وبدائع الحكم ومحاسن العبارات والألفاظ التي أغلقت على غيره وتعذرت عليه ومن كان في يده مفاتيح شيء مخزون سهل عليه الوصول إليه انتهى.

ويحتمل أن يراد ما يفتتح به الكلام من حمد الله والثناء عليه ونحوه (وجوامعه) تقدم تفسيره قريبًا (وخواتمه) ما يختم به الكلام ويحسن به قطعه عنده بعد وفائه بالمراد ويحتمل أن يراد بفواتح الكلام ما افتتح الله به للوحي من سمائه إلى أرضه وهو أول وحي أنزله كما يرشد إليه ما سلف من قوله أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول ويراد بخواتيم ما ختم الله به وحيه إلى

(1) أخرجه أحمد (1/ 98) وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن. كما قال الهيثمي (1/ 260). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (952) وقال في الإرواء (1/ 317) أخرجه البيهقي (1/ 213 - 214) بسند فيه ضعف وفيه اضطراب بينه ابن أبي حاتم (2/ 399) وبالجملة فالحديث صحيح متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانظر السلسلة الصحيحة (3939).

(2)

النهاية (3/ 407).

ص: 485

عباده من إنزاله كتابه الكريم وختم ديوان الرسالة والإنزال به (ش ع طب عن أبي موسى)(1) رمز المصنف لحسنه.

1166 -

"أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، وأعطيت مكان الزبور المئين، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضلت بالمفصل (طب هب) عن واثلة (ح) ".

(أعطيت مكان التوراة السبع الطوال) في القاموس: طُوَل (2) كَصُرَد: [1/ 337] وهي من البقرة إلى الأعراف والسابعة سورة يونس والأنفال وبراءة لأنهما جميعًا سورة واحدة انتهى.

قلت: وفي الإتقان (3) عن ابن عباس رضي الله عنه أن السابعة الكهف (وأعطيت مكان الزبور المئين) جمع مائة وهي كل سورة تزيد على مائة آية أو تقاربها وهي ما يلي الطوال (أعطيت مكان الإنجيل المثاني) في القاموس (4): المثاني من القرآن ما ثُنِّي منه مائة مرة بعد أخرى أو الحمد لله أو البقرة إلى براءة أو كل سورة دون الطوال ودون المائتين وفوق المفصل أو سورة الحج أو القصص والنمل والعنكبوت والنور والأنفال ومريم والروم ويس والفرقان والحجر والرعد وسبأ والملائكة وإبراهيم وص ومحمد ولقمان والغرف والزخرف والمؤمن والسجدة والأحقاف والجاثية والدخان والأحزاب انتهى.

وفي الإتقان (5) أن المثاني ما ولي المئين لأنها تتبعها أي كانت بعدها فهي لها

(1) أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 261) رقم (2998) وأبو يعلى (7283) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 263): فيه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف. وأخرجه البيهقي في الشعب (1438). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1058) والسلسلة الصحيحة (1483).

(2)

القاموس المحيط (ص 1327).

(3)

الإتقان (1/ 173).

(4)

القاموس المحيط (ص 1636).

(5)

الإتقان (1/ 173 - 174).

ص: 486

ثوان وهي لها أوائل، وقال الفراء: هي السور التي آيها أقل من مائة لأنها تثني أكثر مما تثني الطُوَل والمئون وقيل لتثنية الأمثال فيها للعبر والخبر حكاه النكزاوي وقال في جمال القراء (1): السور التي ثنيت فيها القصص وقد يطلق على القرآن كله وعلى الفاتحة كما تقدم انتهى كلامه، فقوله: مكان كذا أي عوضًا عنها وبدلاً (وفضلت بالمفصل) أي أعطيته فضيلة وزيادة على ما أعطي الأنبياء من قبلي فأفاد أنه أعطي من الوحي مثل ما أعطي كل من الأنبياء الذين ذكرت كتبهم وفضل زيادة على ما أعطوا كما سلف قريبًا قوله: نافلة وكأن المراد أنها مكانها في الإفادة وغيرها (طب هب عن واثلة)(2) رمز المصنف لحسنه.

1167 -

"أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش، لم يعطها نبي قبلي (حم طب هب) عن حذيفة (حم) عن أبي ذر (صح) ".

(أعطيت هذه الآيات) إشارة إلى المعاني الحاضرة في الذهن (من أواخر سورة البقرة) تقدم بيان ابتدائهن وانتهائهن (من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي) فهو نافلة كالمفصل (حم طب هب عن حذيفة) رمز المصنف لصحته (حم عن أبي ذر)(3).

1168 -

"أعطيت ثلاث خصال: أعطيت صلاة في الصفوف؛ وأعطيت

(1) جمال القراء للإمام علي بن محمد بن الصمد بن عطاس المعري السخاوي (559 - 643). وهو كتاب لطيف جامع في فنه جمع فيه أنواعًا من الكتب المشتملة على ما يتعلق بالقراءات والتجويد والناسخ والمنسوخ والوقف والابتداء وغير ذلك أ. هـ (كشف الظنون 1/ 593).

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (22/ 75)(186) والبيهقي في الشعب (2415) وأحمد (4/ 107) وقال الهيثمي (7/ 46): فيه عمران القطان وثقه ابن حبان وغيره وضعفه النسائي وغيره وبقية رجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1059) والسلسلة الصحيحة (158).

(3)

أخرجه أحمد (5/ 151، 383) والطبراني كما في المعجم الكبير (3/ 169) رقم (3025) وفي الأوسط (145). والبيهقي في الشعب (2399)، عن أبي ذر.

وصححه الألباني في صحيح الجامع (1060) والسلسلة الصحيحة (1482).

ص: 487

السلام، وهو تحية أهل الجنة؛ وأعطيت "آمين" ولم يعطها أحد ممن كان قبلكم إلا أن يكون الله أعطاها هارون، فإن موسى كان يدعو ويؤمن هارون، الحرث وابن مردويه عن أنس" (ض).

(أعطيت ثلاث خصال) بينها بالإبدال منها (أعطيت صلاة في الصفوف) هو بدل بعض بإعادة العامل أي صلاة الجماعة والظاهر أنه قد أعطيها قبله غيره من الأنبياء وإنما لعله أعطي هيئة الصفوف وتراصها وإتمامها الأول فالأول وليس في هذا اللفظ إفادة اختصاصه بذلك (أعطيت السلام) وهي تحية أهل الجنة كما قال تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الرعد: 23، 24] وليس في هذا دلالة على الاختصاص به، كيف وقد حكاه الله عن إبراهيم وضيفه بل ورد أن الله تعالى بعث إلى آدم الملائكة فسلموا عليه وقالوا: هذه تحيتك وتحية أولادك فلعله أراد صلى الله عليه وسلم أنه أعطي ذلك بعد استبدال الناس بغيرها عنها كقولهم: "أنعم صباحًا" ونحوه أو أنه أعطي حصر تحية أهل الإِسلام بهذه دون غيرها بخلاف من كان قبله فقد كان لهم تحيات منها السلام (وأعطيت آمين) بالقصر والمد بمعنى استجيب وتقدم أنها طابع رب العالمين على لسان عباده المؤمنين والمراد أعطى قوله عقب قراءة الفاتحة أو مطلقًا (ولم يعطها أحد قبلي) وهو دليل للثاني (ممن كان قبلكم) وفيه دليل أن الخصال الأول لم يرد صلى الله عليه وسلم أنه اختص بها دون غيره (إلا أن يكون الله تعالى أعطاها هارون) ليس فيه جزم أنه تعالى أعطاها هارون فإن قوله (إن موسى كان يدعو ويؤمّن هارون) وإن أفاد أن هارون كان يؤمّن لكنه يحتمل [1/ 338] أنه بهذا اللفظ وهو آمين أو بلفظ آخر في معناه فأخبر صلى الله عليه وسلم مترددًا هل أعطيه هارون أولاً (الحارث، وابن مرديه عن أنس) رمز المصنف لضعفه (1).

(1) أخرجه الحارث بن أبي أسامة (172 - زوائد). وأورده الحافظ في المطالب العالية (476) وقال:=

ص: 488

1169 -

"أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة (ق ت) عن جابر (صح) ".

(أعطيت خمسًا) ويأتي حديث أبي هريرة: "فضلت على الأنبياء بست .. " وحديث أبي أمامة: "فضلت بأربع

" فإما أن يقال مفهوم العدد غير مراد، أو يقال أنه اطلع أولاً على بعض ما فضل به ثم اطلع آخرًا على الآخر أفاده ابن حجر (1) (لم يعطهن أحد من الأنبياء) وبالأولى غير الأنبياء (قبلي) ولا مفهوم له فإنه لا نبي بعده وظاهر الحديث أنه اختص بكل واحدة من الخمس المذكورة وأنها لم تكن واحدة منها لأحد من الأنبياء قبله وأورد على ذلك أن نوحًا عليه السلام كان مبعوثًا إلى أهل الأرض كافة بدليل أنه دعا على أهل الأرض جميعًا فأهلكوا بالغرق إلا أهل السفينة ولو لم يكن مبعوثا إليهم لما أهلكوا بدليل قوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] وأجيب: بأنه يجوز أن يكون غيره بعث في عصره في أثناء مدته فلم يؤمنوا به أيضًا، فدعا على كل من لم يؤمن من قومه وغيرهم فاستجاب الله له، ودفع بأنه لم ينقل أنه بعث في زمن نوح غيره، وأجيب أيضًا: بأن معنى الخصوصية لنبينا صلى الله عليه وسلم في بقاء شريعته إلى يوم القيامة ونوح عليه السلام كان بصدد أن يبعث نبي في زمنه أو بعده ينسخ شريعته.

قلت: ولا يخفى أنه لا يطابق قوله صلى الله عليه وسلم بعثت إلى الناس عامة فلو أراد ما قاله المجيب هذا المقال بعثت بشريعة لم تنسخ، وأجيب أيضًا باحتمال أن دعاءه إلى

= قلت: أخرجه ابن خزيمة (1586) وقال الحافظ: لم يثبت لضعف زربي مولى آل المهلب. وأورده ابن عدي في الكامل (2/ 239) في ترجمة زربي وقال بعض متون أحاديثه منكرة. وزاد في الدر المنثور (1/ 44) نسبته إلى ابن مردويه. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (948).

(1)

فتح الباري (1/ 436).

ص: 489

التوحيد بلغ بقية الناس فتمادوا على الشرك فاستحقوا العذاب، اختاره ابن عطية، وقال: غير ممكن أن دعوته لم تبلغ البعيد والقريب لطول مدته، وأجاب ابن دقيق العيد أن الدعاء إلى توحيد الله يحتمل أن يكون عامًا في بعض حق الأنبياء وأن التزام فروع شريعته غير عام، وأجيب أيضًا باحتمال أنه لم يكن في الأرض غير قوم نوح عند دعوته فبعثته خاصة بكونها إلى قومه فقط وهي عامة في الصورة.

قلت: ويناسبه قوله وكان النبي يبعث في قومه خاصة وقال الداودي: لم يعطهن أحد يعني لم يجمع لأحد قبله وأن نوحا بعث إلى كافة الناس، وأما الأربع فلم يعط أحد واحدة منهن، قيل: وهذه غفلة منه عن قوله: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة، فإنه صريح في خصوصيته صلى الله عليه وسلم بهذه الخلة ثم أخذ بعد الإجمال في التفصيل فقال (نصرت بالرعب مسيرة شهر) مفهومه أنه لم يوجد لغيره النصر بالرعب، هذه المسافة ولا في أكثر منها لا دونها، وهذه الخاصية حاصلة له على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر وهل هي حاصلة لأمته قال الحافظ ابن حجر: فيه احتمال (1)(وجعلت لي الأرض مسجدًا) موضع سجود (وطهورًا) قيل: أن المراد مجموع جعلها مسجدًا وطهورًا هو الخاصة، وجعلت لغيره مسجدًا ولم يجعل طهورًا لأن عيسى عليه السلام كان يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة، وقيل: بل الخصوصية في كل واحد؛ لأنه كان من قبله لا يباح لديهم الصلاة إلا في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع كما في حديث عمرو بن شعيب (2): "وكان من قبلي إنما يصلون [1/ 339] في كنائسهم"، وفي حديث ابن عباس عند البزار (3): "لم يكن أحد من

(1) الفتح (1/ 347) وانظر لهذا المبحث الأحكام لابن حزم (5/ 171).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 333)، وقال الهيمثي في المجمع (10/ 667): رواه أحمد ورجاله ثقات.

(3)

أخرجه البزار كما في مجمع الزوائد (8/ 258) وقال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم وأخرجه البخاري =

ص: 490

الأنبياء يصلي حتى يبلغ محرابه". قال الحافظ ابن حجر (1): استدل بقوله "طهورًا" على أن الطهور هو المطهر لغيره لأنه لو كان المراد به الطاهر لم يكن فيه خصوصية والحديث مسوق لإثباتها (فأيما رجل) هو مبتدأ فيه معنى الشرط، وكلمة ما زائدة وهذه صيغة عموم (من أمتي أدركته الصلاة) أي وقتها (فليصل) أستدل به على أن من لم يجد ماء ولا ترابًا ووجد شيئًا من أجزاء الأرض فإنه يتيمم به ولا يقال هذا خاص بالصلاة لأنه قد ورد في حديث أبي أمامة: "وأيما رجل من أمتي أتي الصلاة فلم يجد ماء، وجد الأرض طهورًا أو مسجدًا" (2). وعند أحمد:"فعنده طهوره ومسجده"(3) ورد هذا الاستدلال بأن عند مسلم (4) من حديث حذيفة بلفظ: "وجعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم يجد الماء"، وهذا خاص فيحمل العام عليه فتختص الطهورية بالتراب.

وأما من رد هذا الرد قائلاً تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره، فقد أجيب عنه بأنه لو سلم، فإنه قد ورد الحديث بلفظ:"التراب" كما أخرجه ابن خزيمة وغيره: "وجعل التراب لي طهورًا" أخرجه أحمد والبيهقي (5) بإسناد حسن من حديث علي: (وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي) قال الخطابي (6): كان من تقدم على ضربين منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم مغانم، ومنهم من

= في التاريخ الكبير (4/ 114) في ترجمة سالم أبو حماد. والبيهقي (2/ 433).

(1)

انظر فتح الباري (1/ 438).

(2)

أخرجه البيهقي في السنن (1/ 212)، وفتح الباري (1/ 438)، وشرح الزرقاني (1/ 159)، وسبل السلام (1/ 94)، وصححه الألباني في الإرواء (1/ 317) في صحيح الجامع (4220).

(3)

أحمد (2/ 412).

(4)

أخرجه مسلم (522).

(5)

أخرجه أحمد (1/ 98)، والبيهقي (1/ 213 - 214)، وفيه ضعف واضطراب. انظر الإرواء (رقم 285).

(6)

انظر: فتح الباري (1/ 438)، وتحفة الأحوذي (5/ 134).

ص: 491

أذن له فيه لكن إذا غنموا شيئا لم يحل لهم أن يأكلوا وجاءت ريح فأحرقته (وأعطيت الشفاعة) قال ابن دقيق العيد (1): الأقرب أن اللام للعهد والمراد الشفاعة العظمى في إراحة الناس من هول الموقف، ولا خلاف في وقوعها وقيل: الشفاعة التي اختص بها أنه لا يرد فيما سأل، وقيل الشفاعة بخروج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان لأن شفاعة غيره لمن في قلبه أكثر من ذلك، وقيل: أن هذه مرادة مع الأولى وأن الاختصاص بهما (وكان النبي والرسول أيضا يبعث إلى قومه خاصة) تقدم الكلام فيه وذكر الفاضل المقبلي في الإتحاف حاشية الإتحاف: في سورة {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} كلامًا على الاختصاص بهذه الخلة تلاقي كلام الداوردي الذي أسلفناه وعدوه منه غفلة وقد نقلنا كلام الإتحاف في حواشي شرح عمدة الأحكام وبينا ما فيه (2)(وبعثت إلى الناس عامة) كما قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] وفي الحديث كما أسلفنا مشروعية التحدث بنعم الله وبإلقاء العلم قبل سؤاله (ق ت عن جابر)(3).

1170 -

"أعطيت سبعين ألفًا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي عز وجل فزادني مع كل واحد سبعين ألفًا (حم) عن أبي بكر".

(أعطيت سبعين ألفًا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب) يحتمل أن هؤلاء هم الذين في حديث أنس عند البزار (4) بلفظ: "سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير

(1) انظر: إحكام الأحكام شرح عمة الأحكام (1/ 190)، والمصدر السابق.

(2)

حواشي شرح العمة للصنعاني.

(3)

أخرجه البخاري (335) ومسلم (521). والنسائي (1/ 209).

(4)

رواية أنس عند البزار كما في مجمع الزوائد (10/ 408) وقال الهيثمي: فيه مبارك أبو سحيم وهو متروك.

ص: 492

حساب هم الذين لا يكتوون ولا يكوون وعلى ربهم يتوكلون "، وأخرجه مسلم (1) من حديث عمران بن حسين وقيل: من هم يا رسول الله! قال: "الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون"، فقال عكاشة: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: "أنت منهم" فقام رجل فقال: يا نبي الله أدع الله أن يجعلني منهم فقال: "سبقك بها عكاشة". إلا أن ظاهر حديث عمران أنهم سبعون ألفًا لا غير، ومنهم عكاشة وهذا الحديث يقتضي أنهم خلائق، فيحتمل أن منعه للسائل لسر عرفه صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن منعه لئلا يزيد على العدة التي أخبره الله تعالى بها إلا أن آخر الحديث [1/ 340] يبعد هذا الاحتمال كما سنعرفه (وجوههم) في الإنارة والحسن (كالقمر ليلة البدر) وهي أكمل ليالي نوره وحسنه، وهذه هي الوجوه التي عليها نضرة النعيم (قلوبهم على قلب رجل واحد) أي قلوب متفقة على الخير مغسولة عن كل عيب كل إنسان يجد في قلبه لغيره ما يجد في قلبه لنفسه، وكان هذه صفتهم قبل دخول الجنة فإن أهل الجنة قد نزع ما في صدورهم من غل وصارت قلوبا تقية نقية (فاستزدت) فطلبت ربي عز وجل الزيادة على هذه العدة التي أعطانيها تفضلاً (فزادني مع كل واحد سبعين ألفًا) كانت الإجابة أوسع من ابتداء الإنعام وهذا دليل أنهم غير السبعين ألفًا المذكورين في حديثي أنس وعمران بن حصين فإن ظاهر ذلك أنه لا زيادة على أولئك السبعين، وهذا زيد فيه مع كل واحد ما سمعت (حم عن أبي بكر) (2) قال الهيثمي: فيه المسعودي وقد اختلط وبقية رجاله رجال الصحيح.

1171 -

"أعطيت أمتي شيئًا لم يعطه أحد من الأمم، أن يقولوا عند المصيبة: "إنا لله وإنا إليه راجعون" (طب) وابن مردويه عن ابن عباس (ض) ".

(1) أخرجه مسلم (218).

(2)

أخرجه أحمد (1/ 6) وقول الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 410) وعزاه كذلك إلى أبي يعلى. وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (1057).

ص: 493

(أعطيت أمتي) هذه خاصة للأمة من بين الأمم وهو صلى الله عليه وسلم داخل في ذلك (شيئًا) من الفضائل (لم يعطه أحد من الأمم) قبلها تشريفًا لها وبينه بعد إجماله بقوله (أن يقولوا عند المصيبة) عام لكل ما يصاب به العبد من حقير الأمور وجليلها وقد فسرها حديث أبي إدريس الخولاني عند ابن السني: "كل شيء يسئ المؤمن فهو مصيبة"(1)(إنا لله وإنا إليه راجعون) فإنه تعالى علمهم قول ذلك، في نهج البلاغة: أن أمير المؤمنين عليًا عليه السلام سمع قائلاً يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال: قولنا إنا لله إقرار على أنفسنا بالملك أراد أن اللام للملك وأن الرجوع إقرار بالبعث والنشور وعبر عنه بالملك لأنه وسيلته التي تنتهي منتهاه إليه ولما كان قائل هذا عند حلول المصيبة فازعًا إلى الله تعالى مقرًا بأنه المالك له وأن معاده إليه كان فيه غاية المناسبة عند إصابة المصيبة أنثى الله عليهم بقوله: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157] الآية. هذا الثناء الذي هو غاية المدح لهم (طب وابن مردويه (2) عن ابن عباس) رمز الصنف لضعفه قال الشارح: له عاضد.

1172 -

"أعطيت قريش ما لم يعط الناس: أعطوا ما أمطرت السماء، وما جرت به الأنهار، وما سالت به السيول الحسن بن سفيان وأبو نعيم في المعرفة عن حلبس".

(أعطيت قريش) خاصة لبعض الأمة (ما لم يعط الناس) كأنه قيل: ماذا قال

(1) أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (1/ 313) رقم (353)، وانظر فيض القدير (5/ 25) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4233) والضعيفة (4113) فيه مع إرسال أبي إدريس الخولاني صدقة وهو ابن عبد الله السمين ضعيف. انظر التقريب (2913)، والمغني (2870).

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/ 40) رقم (12411)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (1/ 377) إلى ابن مردويه. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 330): فيه محمد بن خالد الطحان وهو ضعيف. انظر: فيض القدير (2/ 2 رقم 1176). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (947) والسلسلة الضعيفة (2824).

ص: 494

(اعطوا ما أمطرت السماء) فيه احتمالان: الأول أنه أريد ما جلبه الناس إلى بلده الأمين لأنهم سكانها وقد جُبِيَت إليها ثمرات كل شيء مما ينبته قطر السماء كأرض الحجاز (وما جرت به الأنهار) كأرض مصر والطائف وغيرها (وما سالت به السيول) أي ثمرات الأرض التي تغل على ما يجري إليها من السيول، أرض يقع عليها المطر كأرض التهايم وهذا إخبار بمنة الله عليهم لأنهم سكان أرض غير ذات زرع وأنه تعالى ساق إليهم من كل الثمرات ويراد بقريش أهل الحرم لأنهم أعيان قريش والثاني: أن المراد أن الله تعالى جعل إليهم الملك وولاية ما افترضه تعالى على العباد من واجبات الأراضي التي تغل هذه المياه (الحسن بن سفيان وأبو نعيم (1) في المعرفة عن حليس) بضم الحاء المهملة آخره مهملة يريد التصغير لحلس وقيل: بالحاء المهملة واللام وباء موحدة وسين مهملة بزنة جعفر.

1173 -

"أعطي يوسف شطر الحسن (ش حم ع ك) عن أنس (صح) ".

(أعطي يوسف) هو ابن يعقوب وهذه خاصة لبعض أفراد العباد (شطر الحسن) في النهاية [1/ 341] أن الشطر النصف.

إن قلت: حديث أنس عند الحاكم (2): "أعطي يوسف وأمه شطر الحسن" وفي حديث الحسن: "أعطي يوسف وأمه ثلث حسن الدنيا وأعطي الناس ثلثين"(3) عند ابن جرير فكيف التوفيق؟

(1) أخرجه الحسن بن سفيان وأبو نعيم في المعرفة (2/ 902) رقم (3326) وعزاه الحافظ في الإصابة إليهما (2/ 116). وأورده نعيم بن حماد في الفتن (1188) عن أبي الزاهرية بدون حلبس. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (951) وقال في الضعيفة (2876) موضوع، في إسناده سعيدُ بن سنان، قال الذهبي في المغني (2411): متروك متهم، وقال الحافظ في التقريب (2333): متروك، ورماه الدراقطني وغيره بالوضع.

(2)

أخرجه الحاكم (2/ 622).

(3)

أخرجه ابن جرير في تفسيره (12/ 207).

ص: 495

قلت: في القاموس (1) أن الشطر نصف الشيء أو جزؤه ومنه حديث الإسراء وضع عني شطرها أي جزئها فيتعين في حديث الكتاب أن المراد بالشطر الجزء ويحمل على الثلث كما بينه حديث الحسن، وأما ذكر الأم في الآخرين دون حديث الكتاب فإما أن يكون اقتصارًا من الراوي على بعض ما سمعه وهو جائز فيقيد بالحديث الآخر وإما أن يكون صلى الله عليه وسلم أخبر أن يوسف أعطي شطر الحسن باعتبار أنه جار حسن أمه إلى حسنه وقد عرفت أنه أريد بالشطر الثلث في هذا الحديث وقيل: إنه لم يعط أحد من الحسن أكثر مما أعطي يوسف لأنه في مقام إفضاله تعالى على يوسف فالقائل أن نبينا صلى الله عليه وسلم أعطي أكثر مما أعطي يوسف من الحسن يحتاج إلى دليل (ش حم ع ك عن أنس)(2) رمز المصنف لصحته.

1174 -

"أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر (حم د ك) عن عبد الله بن قرط (صح) ".

(أعظم الأيام عند الله يوم النحر) في القاموس (3) أنه عاشر ذي الحجة (ثم يوم القر) بفتح القاف وتشديد الراء لأنهم يقرون فيه بمنى وهو ثاني يوم النحر ولفظ النهاية (4): أفضل الأيام عند الله فالأعظم هو الأفضل والفضل هو الزيادة وتفضيل الزمان باعتبار ما يقع فيه من أعمال البر وأن أجرها فيه أكثر من أجرها في غيره وإفضاله تعالى على عباده بالمغفرة فيه أكثر من إفضاله في غيره كما تكررت به الأحاديث.

(1) القاموس المحيط (ص 533).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 42) رقم (17593)، وأحمد (3/ 148، 286) وأبو يعلى (3373) والحاكم (2/ 570). وقال: على شرط مسلم. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1062) والسلسلة الصحيحة (1481).

(3)

القاموس المحيط (ص 617).

(4)

النهاية (4/ 37).

ص: 496

وأما حديث أبي هريرة: "أفضل الأيام عند الله يوم الجمعة"(1) فالمراد أيام الأسبوع وهذان اليومان أعظم أيام السنة.

والحق أن يوم الجمعة أفضل الأيام على الإطلاق كما يفيده حديث أبي لبابة الآتي في الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم أفضل الأيام هذا، ويوم النحر هو يوم الحج الأكبر كما يفيده حديث علي عليه السلام عند الترمذي (2):"يوم النحر هو يوم الحج الأكبر" وأما هل ليلتا هذين اليومين داخلتان في التفضيل فيكونان أفضل من كل ليالي السنة فلا دليل على ذلك من هذا الحديث (حم د ك عن عبد الله بن قرط)(3) بضم القاف وسكون الراء (4) رمز المصنف لصحته وصححه الحاكم وأقره الذهبي.

1175 -

"أعظم الخطايا اللسان الكذوب ابن لال عن ابن مسعود (عد) عن ابن عباس (ض) ".

(أعظم الخطايا اللسان الكذوب) أي خطيئتها أو جعلها خطيئة مبالغة أو إطلاق المسبب على السبب وهو الكثير الكذب كما دلت له صيغة المبالغة وعظم خطيئتها بكثرة كذبها فإنه أقبح الذنوب وعنه تتولد القبائح (ابن لال عن ابن مسعود)(5) فيه الحسن بن عمارة متروك (عد عن ابن عباس) رمز المصنف

(1) أخرجه ابن حبان (7/ 5 (2770)).

(2)

أخرجه الترمذي (958)، وصححه الألباني.

(3)

أخرجه أحمد (4/ 350) وأبو داود (1765) والحاكم (4/ 221) وابن خزيمة (2866).

وصححه الألباني في صحيح الجامع (1064) والإرواء (2018).

(4)

هو عبد الله بن قرط الثمالي الأزدي كان اسمه في الجاهلية شيطانًا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، انظر الاستيعاب (1/ 299) وذكر له هذا الحديث.

(5)

أخرجه ابن لال كما في الكنز (8203) والمداوي للغماري (1/ 639)، وابن عدي في الكامل (1/ 41)، قال المناوي (2/ 3): فيه الحسن بن عمارة قال الذهبي في الضعفاء (1454): متروك باتفاق. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (955) والسلسلة الضعيفة (2611).

ص: 497

لضعفه لأنه قال مخرجه: لا أعلم يرويه عن الثوري غير أيوب بن سويد.

1176 -

"أعظم العيادة أجرا أخفها البزار عن علي (ض) ".

(أعظم العيادة) بالعين المهملة والتحتية المثناة ثم دال مهملة من عاد المريض زاره (أجرًا) ثوابًا (أخفهما) قعودًا عند المريض وقد ضبط بالباء الموحدة عوضًا عن المثناة التحتية وكأن المراد أخفهما في تمام ولأن الأخف تتم المداومة عليه وإدامة العبادة أحب إلى الله تعالى إلا أنه قال الشارح: إنه غلط وتصحيف لأن تمام الحديث عند مخرجيه: البزار والبيهقي [1/ 342] والتعزية مرة انتهى. يريد أن التعزية تناسب العيادة لا العبادة (البزار عن علي)(1) رمز المصنف لضعفه لأنه منقطع.

1177 -

"أعظم الغُلول عند الله يوم القيامة ذراع من الأرض: تجدون الرجلين جارين في الأرض أو في الدار فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعا، فإذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين يوم القيامة (حم طب) عن ابن مالك الأشجعي (ح) ".

(1) أخرجه البزار (663) والبيهقي في الشعب (9219) وفيه انقطاع كما قال البزار: "وأحسب أن ابن أبي فديك لم يسمع من علي بن عمر بن علي بن أبي طالب". وانظر قول الهيثمي في المجمع (2/ 296). وقال الألباني في ضعيف الجامع (957) والسلسلة الضعيفة (2944) ضعيف جدًّا، وقد بيَّن في الضعيفة أن علي بن عمر بن الحسين بن علي بن أبي طالب روى عنه جمع وذكره ابن حبان في الثقات وقال الحافظ في التقريب (4775) مستور من الثامنة فهو من طبقة محمد بن إسماعيل بن أبي فديك أو أعلى قليلاً فإنه صدوق من صغار الثامنة عند الحافظ في التقريب (5736)، فلا وجه لتردد البزار في سماعه من علي بن عمر.

وقال: وإنما علة الحديث شيئان آخران:

الأول: الإرسال؛ فقد عرفت أن جده عليا ليس هو علي بن أبي طالب، وإنما علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو المعروف بزين العابدين؛ تابعي ثقة.

والآخر: هارون بن حاتم؛ قال النسائي: ليس بثقة. وتركه أبو زرعة وأبو حاتم. الجرح والتعديل (9/ 88) والميزان (7/ 59) واللسان (6/ 177).

ص: 498

(أعظم الغلول) بالضم للمعجمة في النهاية (1): هو الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة وكل من خان في شيء خفية فقد غل (عند الله يوم القيامة) فإنه يوم ظهور الجزاء (ذراع من الأرض) أي غلول قدره والأكثر أعظم (تجدون الرجلين جارين في الأرض أو في الدار) أو غيرهما (فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه) حقه (ذراعًا) يدخله في ملكه (فإذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين يوم القيامة) في النهاية (2) طوقه الله سبع أرضين هو أن يخسف به الأرض فتصير البقعة المغصوبة منها كالطوق في عنقه وقيل: هو أن يطوق حملها يوم القيامة أي يكلف فيكون من التكليف لا من طوق التقليد انتهى وفيه من التشديد ما تراه ولعله تخصيص من تبديل الأرض غير الأرض هذه البقعة المغصوبة وأنها لا تبدَّل إن كان التبديل لذاتها لا لصفتها كما هو أحد الوجهين في الآية، وقد كثر التشديد في ذلك وناهيك بما روي: أن الله تعالى عاقب نبيه داود عليه السلام لما هم بإدخال بيت لبعض بني إسرائيل في بيت المقدس كما حكاه ابن سعد في الطبقات (3) قال ما حاصله: إن المسلمين لما كثروا قال عمر بن الخطاب للعباس رضي الله عنه: إن المسجد قد ضاق وقد ابتعت ما حوله من المنازل ولا أجد ما أوسع به إلا دارك وحجر أمهات المؤمنين، فأما حجر أمهات المؤمنين فلا سبيل إليها وأما دارك فإما أن تبيعني بما شئت من بيت المال وإما أن أخطك حيث شئت من المدينة وأبنيها لك وإما أن تتصدق بها على المسلمين، قال: ولا واحدة منها هي قطيعة محمد صلى الله عليه وسلم جعلها لي وبناها معي فاختلفا فجعلا بينهما أبي بن كعب فانطلقا إليه فقصا عليه القصة فحدثهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله تعالى أوحى إلى داود: ابن لي بيتًا أذكر فيه فخط له خط بيت المقدس فإذا تربيعها يزاوله بيت

(1) النهاية (3/ 380).

(2)

النهاية (3/ 143).

(3)

الطبقات الكبرى (4/ 21).

ص: 499

لبعض بني إسرائيل فسأله أن يبيعه فأبى فزاده فأضعف له الثمن فحدث داود نفسه أن يأخذه منه فأوحى الله إليه أمرتك أن تبني لي بيتًا فأردت أن تدخل فيه الغصب وليس من شأني الغصب وأن عقوبتك أن لا تبنيه قال: يا ربِّ فمن ولدي قال فمن ولدك" فأعطاه سليمان عليه السلام فلما قضى أبي بينهما أتى العباس فقال لعمر قد تصدقت بها على المسلمين فأما وأنت تخاصمني فلا وهذه هي الدار التي اتفقت فيها قصة الميزاب بين عمر والعباس كما قدمنا في الإنصاف من النفس والحديث، فيه دليل أن الأرضين سبع كالسماوات (حم طب عن أبي مالك الأشجعي)(1) رمز المصنف لحسنه.

1178 -

"أعظم الظلم ذراع من الأرض ينتقصه المرء من حق أخيه. ليست حصاة أخذها إلا طوقها يوم القيامة (طب) عن ابن مسعود (ح) ".

(أعظم الظلم ذراع) وكذا ما دونه كالشبر والأصبع إلا أنه ذكره لأنه فما فوقه غالب ما يؤخذ (من الأرض) كأنه أعظم لتهاون العباد به (ينتقصه المرء من حق أخيه) من ملكه (ليست حصاة) من حصاة الذراع [1/ 343] أخذها (إلا طوقها يوم القيامة) كما سلف (طب عن ابن مسعود)(2) رمز المصنف لحسنه.

(1) أخرجه أحمد (4/ 140) والطبراني في المعجم الكبير (3/ 299) رقم (3463) وحسن إسناده المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 10) والهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 175). وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (5/ 105) قال الهيثمي (4/ 175) إسناده حسن. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (958) في إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي قال الحافظ في التقريب (3592): صدوق في حديثه لين ويقال تغير بآخرة؛ وقال الذهبي في الكاشف (2961) قال أبو وحاتم وعدة لين الحديث وقال ابن حبان لا أحتج بحديثه، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1869) حسن صحيح.

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 216) رقم (10538) وأخرجه أيضًا أحمد (1/ 396) رقم (3767) وزاد في آخره "إلى قعر الأرض ولا يعلم قعرها إلا الذي خلقها" وفي إسناده عبد الله بن لهيعة قال الذهبي ضعيف. المغني (3317). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير (956) والسلسلة الضعيفة (2829).

ص: 500

1179 -

"أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى، فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإِمام أعظم أجرا من الذي يصليها ثم ينام (ق) عن أبي موسى (هـ) عن أبي هريرة (صح) ".

(أعظم الناس أجرًا في الصلاة) الفريضة (أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم) فأنه كلما بعد ممشاه كثرت خطاه وحطت خطاياه ورفعت درجاته كما سلف غير مرة وهذا الأجر بالنظر إلى المشي فلا ينافيه أعظمية أجرها بالنظر إلى غيره إن قيل: حديث "لا صلاة لجار المسجد إلا فيه"(1) يعارض هذا أجيب بأن هذه فضيلة أخرى خص بها جار المسجد وثبت فضيلة صلاته في غيره فيكون هذا خاصًا في غير جار المسجد على أنه قد ضعف حديث "لا صلاة لجار المسجد"(والذي ينتظر الصلاة) يرتقب إتيانه بها في جماعة (حتى يصليها مع الإِمام الأعظم) وهو راتب المسجد لا الخليفة (أعظم أجرًا من الذي يصلي ثم ينام) وكأنه أريد بها العشاء لأنها الصلاة التي ينام بعدها وفيه أن بعد المكان تزيد به فضيلة الصلاة كما أن مشقة الانتظار تزيد به أجرها (ق عن أبي موسى 5 عن أبي هريرة)(2) وأخرجه غيرهم.

1180 -

"أعظم الناس هما المؤمن، يهتم بأمر دنياه وبأمر آخرته (هـ) عن أنس (ض) ".

(أعظم الناس همًا) في القاموس (3): الهم: الحزن انتهى.

ولا يتم ترادفهما لحديث: "أعوذ بك من الهم والحزن .. "(4) والعطف قاضي بتغايرهما فالهم هو اشتغال القلب بالآتي والحزن هو جزعه على الماضي

(1) أخرجه الحاكم (1/ 1373)، والبيهقي في السنن (3/ 57).

(2)

أخرجه البخاري (651) ومسلم (662) عن أبي موسى. وابن ماجه (782) عن أبي هريرة.

(3)

القاموس المحيط (ص 2/ 15).

(4)

أخرجه البخاري (6002)، ومسلم (1365)، وأبو داود (1541).

ص: 501

(المؤمن) كأنه قيل: لماذا كان كذلك قال: (يهتم بأمر دنياه) بكسب الحلال فيها والإنفاق على العيال وإصلاح حال المسلمين وإرشادهم ويكفي شرهم وعزل شره (وأمر آخرته) من تذكر حال الموت وما بعده.

والحاصل: أن من عظمت همته في الدين زاد همه والغافل عن ذلك بارد القلب همته شهوته لا غيرها، ولذا قيل: يخلو من الهم أخلاهم من الفطن والحديث تأسية للمؤمن وإعلام له أن زيادة همه لزيادة إيمانه (5 عن أنس)(1) رمز المصنف لضعفه لأن فيه يزيد الرقاشي متروك.

1181 -

"أعظم الناس حقا على المرأة زوجها، وأعظم الناس حقا على الرجل أمه (ك) عن عائشة (صح) ".

(أعظم الناس حقًا على المرأة زوجها) لما أوجبه الله عليها له من الحقوق وقد سرد الغزالي في الإحياء ذلك وأطال فيه وأطاب، (وأعظم الناس حقًا على الرجل أمه) يحتمل أن مفهوم لقبه مراد أي على الرجل لا المرأة فالأعظم حقًا عليها الزوج والمراد: ذات الزوج ويحتمل أنه غير مراد فيكون بالناس في صدر الحديث مراد بهم الرجال خاصة أي أعظم الرجال على المرأة حقا زوجها ويكون المراد بالناس في عجز الحديث ما يعم الرجل والمرأة فيفيد أن الأم أعظم حقًّا على الرجال والنساء والمراد: من الحق وجوب طاعة الزوج ووجوب طاعة الأم في غير معصية في الأمرين (ك عن عائشة) رمز المصنف لصحته وأقره الذهبي ورواه عنه أيضًا البزار وغيره (2).

(1) أخرجه ابن ماجه (2143) وفي إسناده: يزيد الرقاشي والحسن بن محمد بن عفان وإسماعيل بن بهرام وهم ضعفاء كما في مصباح الزجاجة (3/ 7). وقال المناوي (2/ 5): فيه يزيد الرقاشي قال في الميزان (7/ 232): عن النسائي وغيره متروك ورواه أيضًا البخاري في الضعفاء. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (961) والسلسلة الضعيفة (897).

(2)

أخرجه الحاكم (4/ 167، 193 طـ العلمية) وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأخرجه أيضًا =

ص: 502

1182 -

"أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة (حم ك هب) عن عائشة (صح) ".

(أعظم النساء بركة) نموًا وزيادة في كل خير (أيسرهن مؤنة) من منّ مانه، مانه إذا كفاه كالمعونة من عانه، والمراد: أيسرهن مؤنة في الزواج كما يرشد إليه حديث عقبة عند أبي داود (1): "خير النكاح أيسره"، وحديث:"خير الصداق أيسره"، ويحتمل أيسرهن مؤنة في داوم الصحبة بقناعتها فلا تكلف زوجها ما لا يحتمله حاله كما أرشد إليه حديث أخوف ما أخاف عليكم فتنة الشر من قبل النساء، وفيه لتتعبن الغني وكلفن الفقير. تقدم، يحتمل الأمرين (حم ك هب عن عائشة)(2) رمز المصنف لصحته وصححه الحاكم على شرط مسلم [1/ 344] وأقره الذهبي.

= النسائي في السنن الكبرى (9148) وقال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 34) رواه البزار والحاكم وإسناد البزار حسن، وقال الهيثمي في المجمع (4/ 309) وفيه أبو عتبة ولم يحدث عنه غير مسعر، وبقية رجاله رجال الصحيح. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (959) في إسناده أبو عتبة شيخ لمسعر بن كدام مجهول كما قال الحافظ في التقريب (8236).

(1)

أخرجه أبو داود (2117).

(2)

أخرجه أحمد (6/ 82، 145) الحاكم (2/ 194) وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في التلخيص والبيهقي في الشعب (6566) وأخرجه أيضًا النسائي في السنن الكبرى (9274). وقال الهيثمي في المجمع (4/ 255): رواه أحمد والبزار وفيه ابن سخبرة يقال: اسمه عيسى بن ميمون وهو متروك. وقال الزين العراقي في المغني عن حمل الأسفار (1/ 386 طـ مكتبة طبرية): والسخاوي في المقاصد (1/ 330) والعجلوني في كشف الخفاء (1/ 164) إسناده جيد.

قلت في إسناده ابن سخبرة قال الذهبي في الميزان (7/ 451) ابن سخبرة لا يعرف ويقال هو عيسى بن ميمون بن أبي سعيد ولا يعرف، قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/ 287) في ترجمة ابن سخبرة: روى عن القاسم بن محمد روى عنه حماد بن سلمة فسماه ابن سخبرة، ثم روى عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: استعديت على عيسى بن ميمون في هذه الأحاديث عن القاسم بن محمد في النكاح وغيره فقال: لا أعوذ. وقال ابن معين: عيسى بن ميمون صاحب القاسم عن عائشة، ليس بشيء. وقال أبي: هو متروك الحديث. وانظر لسان الميزان (4/ 407) والميزان (5/ 392).

هذا وقد وقع في رواية الحاكم عمر بن طفيل بن سخبرة ومن طريق الحاكم رواه البيهقي في السنن (7/ 235) لكن وقع عنده (عمرو) بالواو وسواء كان عمر أو عمرو فلم أجد من ذكره.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (962) والسلسلة الضعيفة (1117)، والإرواء (1928).

ص: 503

1183 -

"أعظم آية في القرآن آية الكرسي، وأعدل آية في القرآن "إن الله يأمر بالعدل والإحسان -إلى آخرها" وأخوف آية في القرآن "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" وأرجى آية في القرآن "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله" الشيرازي في الألقاب، وابن مردويه، والهروي في فضائله عن ابن مسعود (ض) ".

(أعظم آية في القرآن) أكثرها أجرًا عند التلاوة أو احتمالاً للمعاني أو دلالة على الوحدانية (آية الكرسي) قال ابن العربي: إنها صارت آية الكرسي أعظم الآيات لعظم مقتضاها فإن الشيء إنما يعظم لعظم ذاته ومقتضاه ومتعلقاته وهي في آيات القرآن كسورة الإخلاص في السور، وقال ابن المنير: اشتملت آية الكرسي على ما لم تشتمل عليه آية من آيات كتاب الله وذلك أنها اشتملت على سبعة عشر موضعًا فيها اسم الله تعالى ظاهرًا في بعضها ومستكنًا في بعض وسردها، وقال الغزالي: إنما كانت سيدة آيات الله لاشتمالها على ذات الله وصفاته وأفعاله فقط ليس فيها غير ذلك ومعرفة ذلك هو القصد الأقصى في العلوم وما عداه تبعًا له وبين ذلك بما قدمناه (وأعدل آية في القرآن) العدل هو التوسط في الأمور بين الإفراط والتفريط والمراد بأعدل الآيات: ما ليس فيه تشديد الوعيد ولا رجاء الوعد ولا الإهمال عن الأوامر ولا التغليظ فيها بل أمر فيها بالعدل {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90] إلى آخرها والعدل هو عام في كل شيء من أمور الدنيا والدين كما يرشد إليه حديث: "خيار الأمور أوساطها"(1) كما أن قرينة الإحسان تدخل في كل شيء حتى في إزهاق الروح كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان في كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة"(2)

(1) أخرجه البيهقي في الشعب (601) مقطوعًا على مطرف.

(2)

أخرجه مسلم (1955).

ص: 504

ونهى فيها عن الفحشاء وهو ما عظم من الفواحش وعن المنكر وهو ما تنكره العقول والشرائع وعن البغي وهو طلب التطاول بالظلم فالآية قد دخل فيها كل حسن يجب الأمر به وكل قبيح يجب النهي فقد جاءت بأحسن الأمور أمرًا ونهيًا (وأخوف آية في القرآن) أزيدها مخوفية فهو من المبني للمفعول {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7، 8] الذرة النملة الصغيرة، وقيل: الذرة ما يرى في شعاع الشمس من الهنا، والمثقال: مقدار من الوزن أي شيء كان من قليل أو كثير فمعنى مثقال ذرة وزن ذرة.

فإن قلت: لم كانت أخوف آية وقد تساوي بين الخير والشر فيها فليس فيها تغليب جانب الشر حتى تتولد فيه الأخوفية، وهل هي إلا مثل قوله:{لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286]؟

قلت: لما كان ما يفعله البشر من الشر أضعاف ما يفعله من الخير دلت الآية على المناقشة في الحساب رؤية كل ما قدمه من خير وشر والاستقصاء في التفتيش لا جرم كانت أخوف آية.

إن قلت: إن أريد المؤمن فسيئاته الصغائر مكفرة باجتنابه الكبائر {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] فلا يدخل تحت الوعيد وإن أريد الكافر فأعماله الخيرية باطلة بسبب كفرياته {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].

قلت: قيل: أريد بمن يعمل خيرًا المؤمن وبمن يعمل شرًا الكافر بدليل السياق في قوله أشتاتًا وقيل: بل الرؤية تكون بالعرض فيعفي عن سيئات المؤمن وتجعل حسنات الكافر هباءًا منثورًا، وقيل: يجوز أن تكون الرؤية في دار الدنيا فالمؤمن تصيبه المصيبة بذنوبه [1/ 345] حتى الشوكة يشاكها فما تبرح به المصائب حتى لا يبقي عليه ذنب والكافر بإنعام الدنيا من العافية وسعة

ص: 505

الرزق حتى يجازي بحسناته قاله في الإتحاف لطلبة الكشاف.

قلت: ولا يخفى أنه يبعده كون السياق في أحوال الآخرة {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} [الزلزلة: 6] الآية (وأرجى آية في القرآن) هو أيضًا مثل أخوف مأخوذ من المبني للمفعول وهو من الرجاء، في النهاية (1): أنه التوقع والأمل أنتهي والمعني أزيد آية يتوقع فيها العباد عفو الله وغفرانه هذه الآية وذلك لما فيها من خطاب العصاة المسرفين بقوله {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53] فخاطبهم بعبادي مضيفًا لهم إلى نفسه وبأنهم عباده وبأن ضرهم وإسرافهم ما كان إلا على أنفسهم وما أساءوا إلا إليها فتقوى قلوبهم غاية القوة لرجاء رحمته ثم نهاهم عن القنوط من رحمته وعلل ذلك بأنه يغفر الذنوب جميعًا فعرفها باللام المفيدة للاستغراق بقرينة المقام ثم زاده تأكيدًا بالتأكيد بجميعًا ثم ختم الآية الشريفة بصفتيه الكريمتين الغفور الرحيم وأتى بهما على صيغتي المبالغة وجمع بينهما ولم يكتف بأحدهما عن الأخرى فأي بشارة يطمع العبد في الغفران أعظم من هذه البشارة؟

واعلم: أن الشرك خارج من هذا العموم بالنص {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] وبالإجماع، وتكلف جار الله رحمه الله (2) فقال: التقييد بالتوبة مراد والتقدير: إن الله يغفر الذنوب جميعًا بالتوبة، ولم يرتضيه المحققون من الوعيد به الذي على رأيه قال الفاضل العلوي في الكلام عليه: والحق أن غفران الذنوب جميعًا هو الأول بكرم الله وعفوه.

فائدة: قال المصنف في الإتقان (3): اختلف في أرجى آية في القرآن على بضعة

(1) النهاية (2/ 207).

(2)

في الكشاف (ص: 1114).

(3)

الإتقان (2/ 427 - 428).

ص: 506

عشر قولا وعد هذه الآية أول الأقوال وسرد باقيها فيه فليطالعه من أحب (الشيرازي في الألقاب) رمز المصنف لضعفه (وابن مردويه والهروي في فضائله عن ابن مسعود)(1).

1184 -

"أعظم الناس فرية اثنان: شاعر يهجو القبيلة بأسرها، ورجل انتفى من أبيه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب (هـ) عن عائشة (ض) ".

(أعظم الناس فرية) بكسر الفاء وسكون الراء ثم مثناة تحتية هي الكذبة (اثنان شاعر يهجو القبيلة) الهجو الشتم بالشعر وإنما كان شاتم القبيلة (بأسرها) أعظم فرية لأنه شتم من لا ذنب له، وسب من لا يعرفه وهتك كم من عرض مصون ولأن الشتم بالشعر يستحليه اللسان ويرويه كل إنسان ويبقي على مر الأزمان (ورجل انتفى من أبيه) نفى أبوة أبيه سواء انتسب إلى غيره أم لا، وذلك لأنه كذب أولاً ثم ترتب عليه قبائح عديدة لا تنحصر من خلط النسب وعقوق الأب وقطيعة الرحم (ابن أبي الدنيا في ذم الغضب 5 عن عائشة)(2) رمز المصنف لضعفه لأن فيه عمرو بن مرة ثقة يرى الإرجاء ورواه عنه الديلمي والبيهقي وابن ماجه وسنده حسن.

1185 -

"أعف الناس قتلة: أهل الإيمان (د هـ) عن ابن مسعود (ح) ".

(1) أخرجه الشيرازي في الألقاب كما في الكنز (2539) وعزاه في الدر المنثور (2/ 7) إلى ابن مردويه والشيرازي في الألقاب والهروي في فضائله. وأخرجه عبد الرزاق (6002) والطبراني (9/ 132) رقم (8658)، والبيهقي في الشعب (2391)(2392). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (954) والسلسلة الضعيفة (7025). وفي إسناده عبد الله بن كيسان قال الذهبي في المغني في الضعفاء (3315) ضعفه أبو حاتم، وقال الحافظ في التقريب (3558) صدوق يخطئ كثيرًا.

(2)

أخرجه ابن ماجه (3761) وابن أبي الدنيا في ذم الغضب كما في الكنز (3952) وقال في مصباح الزجاجة (4/ 123) هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وأخرجه كذلك البخاري في الأدب المفرد (874). وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (10/ 539). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1066) والسلسلة الصحيحة (1487).

ص: 507

(أعف الناس) هو من العفة وهو ترك الحرام قال في القاموس (1): عف عما وعفافًا وعفة بالفتح وعفة بالكسر كف عما لا يحل ولا يحمل فالمراد: أكثر الناس تركًا للقتله المؤمنون وذلك لأن معهم من الإيمان ما يزجرهم عن القتل كما أفاده حديث أبي هريرة: الإيمان قيد (2) الفتك لا يفتك مؤمن.

(قتله أهل الإيمان) يحتمل أنه بفتح القاف للمرة أي هم اعف الناس عن الواحدة من القتل كيف ما هو أكثر ويحتمل أنه بكسرها للنوع والمراد أنهم أعف الناس [1/ 346] عن نوع من القتل وهو القتل بغير حق أو قتل بالفتك كما أفاد حديث أبي هريرة: لا يفتك مؤمن؛ لأنه نوع من القتل في النهاية (3) الفتك أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار غافل فيشد عليه فيقتله أو القتل بالمثلة لنهي الله عنه.

(د هـ عن ابن مسعود)(4) رمز المصنف لحسنه ورجاله ثقات كما قاله الشارح.

1186 -

"اعقلها وتوكّل (ت) عن أنس (صح) ".

(اعقلها وتوكل) الضمير عائد إلى الناقة في كلام السائل وهو أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم هل يعقل ناقته أو يتوكل فقال: "اعقلها وتوكل" فهذه الكلمة الشريفة مرشدة إلى أن التوكل لا يتم إلا باتخاذ الأسباب التي جعلها الله وصلة إلى مسبباتها لأن ترك السبب ليس من شأن المتوكلين بل المتوكل من اتخذ السبب ثم توكل في حصول المسبب كتوكل الزراع في سقي الأرض وإلقاء البذور وأما تارك السبب

(1) القاموس المحيط (ص 1084).

(2)

أخرجه أبو داود (2769).

(3)

النهاية (3/ 409).

(4)

أخرجه أبو داود (2666) وابن ماجه (2682). وأخرجه أحمد (1/ 393) وابن الجارود (840). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (963) وفي السلسلة الضعيفة (1232) لاضطرابه وجهالته، وانظر طرقه وعلله في الضعيفة مطولاً.

ص: 508

فلا يسمى متوكلاً بل متكلا عاجزًا مفرطًا (ت عن أنس)(1) رمز المصنف لصحته وقال الترمذي: حديثٌ غريب وحكي عن الفلاس أنه منكر وكذلك أنكره ابن القطان قال الشارح: لكن أخرجه ابن حبان من حديث عمرو بن أمية الضمري وإسناده صحيح.

1187 -

"أعلم الناس من يجمع علم الناس إلى علمه، وكل صاحب علم غرثان (ع) عن جابر".

(أعلم الناس) أكثرهم علمًا (من يجمع علم الناس إلى علمه) يطلب ما عند غيره ليضمه إلى ما عنده فلا يزال طالبًا للعلم أبدًا فقد جعل الله فوق كل ذي علم عليم (وكل صاحب علم غرثان) بالمعجمة فراء فمثلثة بزنة جوعان ومعناه (2) وتقدم أنه لا يشبع عالم من علم (ع عن جابر)(3) سكت عليه المصنف وقال الهيثمي: فيه مسعدة بن اليسع ضعيف.

1188 -

"اعلم أنك لا تسجد لله سجدة إلا رفع الله لك بها درجة، وحط عنك بها خطيئة (حم ع حب طب) عن أبي أمامة (صح) ".

(اعلم) خطاب لراويه (أنك لا تسجد لله) مخلصًا بها له (سجدة) يحتمل واحدة من السجدات فتؤخذ منه مشروعية السجدة مفردة عن الصلاة لغير

(1) أخرجه الترمذي (2517) من رواية أنس. وأخرجه ابن حبان (731) من رواية عمرو بن أمية الضمري. والضياء (7/ 216) رقم (2658) قال المناوي (2/ 8) قال الزركشي: إنما أنكره القطان من حديث أنس وقال الزين العراقي: رواه ابن خزيمة والطبراني من حديث عمرو بن أمية الضمري بإسناد جيد. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1068).

(2)

انظر: النهاية (3/ 660).

(3)

أخرجه أبو يعلى (2183) والقضاعي في مسند الشهاب (205) وقول الهيثمي في المجمع (1/ 162) وفيه: وهو ضعيف جدًا وانظر الميزان (6/ 408). وأخرجه ابن حبان في الضعفاء (3/ 35). وقال الألباني في ضعيف الجامع (964) موضوع، وضعفه في السلسلة الضعيفة (1101).

ص: 509

التلاوة والشكر فقد علمًا من غيره ويحتمل أن يراد بها الصلاة كما قد عبر بها عنها في غيره من إطلاق الجزء على الكل (إلا رفع الله لك بها درجة) من درجات الجنة (أو حط عنك بها خطيئة) فهو حث على الإكثار من هذه العبادة (حم ع حب طب عن أبي أمامة)(1) رمز المصنف لصحته.

1189 -

"اعلم يا أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام (م) عن أبي مسعود (صح) ".

(اعلم يا أبا مسعود) هو البدري قال: كنت أضرب غلامًا لي بالسوط فسمعت صوتًا من خلفي يقول: "اعلم أبا مسعود" فلم أفهم الصوت من الغضب فلما دنا مني إذ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اعلم يا أبا مسعود اعلم أبا مسعود"، فألقيت السوط من يدي فقال: "اعلم أبا مسعود

" الحديث، ثم قال أبو مسعود: لا أضرب مملوكا بعده أبدًا والحديث حث على العفو وإلا فضرب المملوك جائز كما تقدم ولذا لم ينهه صلى الله عليه وسلم بل وعظه فقال (إن الله أقدر عليك منك) مشير إلى أنه كما أنك تحب عفو الله عنك فاعف عنه لأنك إذا علمت أن الله تعالى أقدر عليك مع أنك عنه لا تخلوا عن ذنب قدرت على خادمك وهو ذو ذنب فاعف عنه يعف عنك وإخباره صلى الله عليه وسلم بأن الله أقدر عليه منه ليس لإفادة الحكم ولا لازمه بل لتنزيله منزلة من لا يعلم ذلك لجريه على خلاف موجب العلم إذ موجبه العفو وإقالة العثرة والاحتمال (على هذا الغلام م (2) عن أبي مسعود البدري) (3) نسبه إلى بدر وليس من أهل وقعة بدر إنما نزل بها فنسب إليها.

(1) أخرجه أحمد (5/ 255) وقال الهيثمي (3/ 182) ورجال أحمد رجال الصحيح، وأبو يعلى كما في الكنز (18899) والطبراني في الكبير (8/ 91) رقم (7463). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1069) والسلسلة الصحيحة (1488).

(2)

أخرجه مسلم (1659).

(3)

انظر الإصابة (4/ 52414).

ص: 510

1190 -

"اعلم يا بلال أنه من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي كان له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها، لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئًا (ت) عن عمرو بن عوف".

(اعلم يا بلال) هو ابن رباح مولى أبي بكر (أنه من أحيا سنة) أشادها وعمل بها [1/ 347](من سنتي قد أميتت من بعدي) هجرت هجر الأموات (كان له من الأجر مئل من عمل بها) أي مثل أجر العاملين بها (من غير أن ينقص) ذلك الأجر الذي لمن أحياها (من أجورهم) العاملين شيئًا وهو كحديث: "من سن سنة حسنة"(ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله) وصف كاشف (كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك أوزار الناس) العاملين بها (شيئًا) وفيه الترغيب في إحياء السنن والترهيب من ابتداع البدع (ت عن عمرو بن عوف)(1) سكت عليه المصنف وقال الشارح: إنه حسّنه الترمذي.

1191 -

"اعلموا أنه ليس منكم من أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله، مالك ما قدمت، ومال وارثك ما أخرت (ن) عن ابن مسعود".

(اعلموا أنه ليس منكم أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله) وبين هذا الإخبار بقوله (مالك ما قدمت) لأنه مالك (ومال وارثك ما أخرت) هو حث على الإنفاق في وجوه الخير وترغيب فيه وتصوير لحال من يمسك المال ومن ينفقه بأن الممسك أمسك مال غيره وهو وارثه ولو قدمه كان مال نفسه فإن المال يراد للانتفاع به فما قدمه العبد فنفعه له وما آخره فنفعه لوارثه فهو مال وارثه فالممسك قد أحب مال غيره أشد من حبه مال نفسه بتوفيره له وحفظه

(1) أخرجه الترمذي (2677) وقال: حديث حسن، وابن ماجه (209) وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 47) فيه كثير بن عبد الله متروك واه. وانظر ترجمته في المغني (5084). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (965).

ص: 511

عن الإنفاق وهذا الكلام النبوي في غاية الموعظة وألم به من قال:

جمعت مالاً فقل هل جمعت له

يا جامع المال أيامًا تفرقه

المال عندك متروك لوارثه

ما المال مالك إلا حين تنفقه (1)

وجملة مالك إلى آخره استئنافية كأنه قيل لما أتي بالجملة الأولى وفيه غرابة من حيث أنه أخبر بمحبة الإنسان لمال غيره أكثر من حبه مال نفسه وكيف ذاك فقال مالك إلى آخره (ن عن ابن مسعود (2)) وقريب منه في الصحيحين.

1192 -

"أعلنوا النكاح (حم حب طب حل ك) عن ابن الزبير (صح) ".

(أعلنوا) أظهروا (النكاح) ولا تكتموه ويأتي كيفية ذلك في الثاني (حم حب طب حل ك عن ابن الزبير)(3) رمز المصنف لصحته.

1193 -

"أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف (ت) عن عائشة".

(أعلنوا هذا النكاح) إشارة إلى تعظيمه (واجعلوه) أي عقده (في المسجد) لتشهد عليه طائفة من المسلمين (واضربوا عليه بالدفوف) أي على النكاح والمراد مقدماته من الزفاف ونحوه كما يفيد حديث عائشة عند البخاري (4) قالت: زففنا امرأة من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة أما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو" فقد أريد بالظاهر العقد وبأحد ضميريه وبالضمير الآخر

(1) منسوب إلى محمد بن عبد الرحمن الكناني من شعراء الدولة العباسية مولده ومنشأه بالبصرة (ت 250 هـ).

(2)

أخرجه النسائي (6/ 237).

وأخرجه البخاري (6442).

(3)

أخرجه أحمد (4/ 5) وابن حبان (4066) والطبراني (7/ 152) رقم (6666) وأبو نعيم في الحلية (8/ 328) والبزار (2214) والحاكم (2/ 183). وقال الهيثمي (4/ 289): رجال أحمد ثقات. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1072).

(4)

أخرجه البخاري (5163).

ص: 512

مقدماته استخدامًا وهو من الاستخدام باللفظ الحقيقي ومعناه المجازي إذ إطلاق النكاح على مقدماته مجاز من إطلاق السبب على المسبب (ت عن عائشة)(1) قال الترمذي: فيه عيسى بن ميمون ضعيف جدًا وجزم البيهقي بصحته وقال ابن الجوزي: ضعيف جدًا قال الحافظ ابن حجر: سنده ضعيف لكن توبع عند ابن ماجه.

1194 -

"أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك (ت) عن أبي هريرة (ع) عن أنس".

(أعمار أمتي بين الستين إلى السبعين) ينتهي في هذه العشر التي سمتها العرب وفاقة الرقاب كما قيل:

وإن امرأ قد صار ستين حجة

إلى منهل من ورده لقريب

ولذا ورد أنه قد أعذر الله من بلغ هذه السن، وروي أنها المراد من قوله {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّر} [فاطر: 37] وفائدة الإخبار بهذا حث من بلغ إليها أن يتزود للمعاد ويقطع عن الدنيا علائق كل مراد، وفيه رد لمن يدعي إثبات العمر الطبيعي الذي لا دليل عليه (وأقلهم من يجوز) تجاوز (ذلك). (ت عن أبي هريرة ع عن أنس) (2) [1/ 348] قال مخرجه الترمذي: حسن غريب لا

(1) أخرجه الترمذي (1089) وقال: حديث غريب حسن في هذا الباب وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث. وانظر التقريب (5335). وأخرجه البيهقي في السنن (7/ 290) وقال عيسى: بن ميمون: ضعيف، وانظر العلل المتناهية لابن الجوزي (2/ 627) والتلخيص الحبير (4/ 201) وفتح الباري (9/ 226). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (966) والسلسلة الضعيفة (978).

(2)

أخرجه الترمذي (2331) عن أبي هريرة وأبو يعلى في مسنده (2902) وقال الترمذي: حسن غريب، وقال الحافظ ابن حجر في الإقناع بالأربعين المتباينة بالسماع (ص 125) وسنده حسن وكذا في الفتح (11/ 240)، وأخرجه أبو يعلى كما في إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري (9/ 255) قال الهيثمي في المجمع (10/ 206): فيه شيخ لم يسم وبقية رجاله رجال الصحيح.

ص: 513

يعرف إلا من هذا الوجه انتهى. وتعجب منه الحافظ ابن حجر وقال: إنه نفسه قد رواه من طريق أخرى عن أبي هريرة، وقال الهيثمي: فيه عند ابن عدي عبد الأعلى شيخ هشام وبقية رجاله رجال الصحيح.

1195 -

"اعمل لوجه واحد يكفيك الوجوه كلها (عد فر) عن أنس".

(اعمل لوجه واحد) أراد بالوجه الذات أي لذات الله وأراد به إخلاص العمل أي لا لغرض غيره يكفيك الوجوه كلها لم يجزمه في جواب الأمر لأنه لم يقصد السببية لأنه تعالى كافيه عمل أو لم يعمل {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36] إن قيل: إذا لم يقصد السببية فأي فائدة في جعله جوابا وترتيبه على الطلب ذكرا وأي مرابطة بينهما؟ قيل هو مفيد لعليته للطلب لأنه استئناف كأنه قيل: لم أعمل لوجه واحد قال لأنه يكفيك أو يكون صفة لوجه والوجهان مذكوران في قوله تعالى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6] في جواب {هَبْ لِي} وأحسن من قال:

خل الوساوس والهموم بمعزل

وكل الأمور إلى الكريم المفضل

ودع الهموم يعودهما واحدًا

هم اللقاء له لكي ما تبتلي

(عد فر عن أنس)(1) سكت عليه المصنف وقال الشارح: كان ينبغي له حذفه لأنه في غاية الضعف.

1196 -

"اعمل عمل امرئ يظن أن لن يموت أبدًا، واحذر حذر امرئ يخشى أن يموت غدًا (هق) عن ابن عمرو (ض) ".

(1) أخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 49) في ترجمة نافع أبي هرمز، وقال: عامة ما يرويه غير محفوظ والضعف على روايته بيَّن. وذكره الحافظ في لسان الميزان (6/ 164). والذهبي في ميزان الاعتدال (7/ 8) في ترجمة نافع بن هرمز وقالا: ضعفه أحمد، وجماعة، وكذبه ابن معين مرة. وقال أبو حاتم: متروك ذاهب الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة والديلمي كما في المداوي للغماري (2/ 22).

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (969) والسلسلة الضعيفة (823).

ص: 514

(اعمل عمل امرئ يظن أن لا يموت أبدًا) هذا في الأعمال الصالحة العام نفعها من نشر العلم بالتأليف وطلبه والحرص عليه وعمارة المساجد وإجراء الأنهار وغرس الأشجار وارتباط الخيل وإعدادها للجهاد وتوطين النفس على الأعمال الخيرية من الحج والجهاد ونحوه والأمر بإتقان العمل والقرينة على أن ذلك المراد ما علم من آداب الشارع وديدنه وهو أمر الأمر بالأعمال الصالحة والحث عليها والنهي عن الأمل والعمل للدنيا وللبقاء فيها فإنه من لاحظ أنه ميت غدًا لم يتقن من هذه الأعمال شيئًا ولا قام بشيء من أمور المسلمين وهو خلاف مراد الله ورسوله (واحذر حذر امرئ يخشى أنه يموت غدًا) هو كالاحتراس عما تفيده الجملة الأولى من إطلاق عنان الأمل المحذر عنه في عدة من الأخبار فكأنه في قوة: كن بين الرَّجاء والخوف أرجو الحياة وأحذر الممات فاعمل للرجاء عمله وللموت عمله (هب عن ابن عمرو)(1) رمز المصنف لضعفه لأن في روايته مجهولا وضعيفًا.

1197 -

"اعملوا فكل ميسر لما خلق له (طب) عن ابن عباس وعن عمران بن حصين (ض) ".

(اعملوا فكل ميسر لما خلق له) هو قطعة من حديث أخرجه الخمسة (2) إلا النسائي من حديث علي رضي الله عنه وفيه قال يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة" فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا فقال:"اعملوا فكل ميسر لما خُلق له أما من كان من أهل السعادة فيصير إلى عمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاء فيصير إلى عمل أهل الشقاء" ثم

(1) أخرجه البيهقي في السنن (3/ 19). والديلمي كما في المداوي للغماري (2/ 23) وقال المناوي (2/ 12): فيه مجهول وضعيف، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (968).

(2)

أخرجه البخاري (6231)، ومسلم (2647)، وأبو داود (4709)، والترمذي (2136)، وابن ماجه (78).

ص: 515

قرأ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)} [الليل: 5] الآية. وأخرجه مسلم (1) من حديث جابر وفيه: "اعملوا فكل ميسر لما خُلق له" والعجب من اقتصار المصنف على نسبته إلى الطبراني ثم تضعيفه وكأنه أراد هذه الرواية الواردة بهذا اللفظ فقط كما يرشد إخراجها عن عمران بن حصين والأمر بالعمل مع الإخبار أنه تعالى قد سبق منه كتابة كل من أهل النار وأهل الجنة دليل على أن سبق علمه تعالى لا ينافي الاختبار والطلب من العبد وإن سبق العلم لا أثر له في وقوع المعلوم على طِبْقه ووقفه ما خلق له والمراد له العبادة لأنه تعالى صرح أنها الحكمة في خلقه للعباد في قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ [1/ 349] إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وقراءته صلى الله عليه وسلم تفسير للمراد لأنها وردت في تقسيم قوله: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4] فلا متمسك لمن زعم بأن الحديث قال أنه اختبار للعبد، وقد وفينا البحث حقه في غير هذا الموضع. (طب عن ابن عباس (2) وعن عمران بن حصين) رمز المصنف لضعفه فيما رأيناه مقابلاً على خطة وقال الشارح: لصحته لأنا تتبعنا ما ينقله الشارح من ذلك فوجدناه غير مطابق لما قوبل على خط المصنف وكأنه اتكل على نسخة فيها رموز الصحة ونحوها لم يقابل فقد رأينا اختلافًا كثيرًا في النسخ في ذلك.

1198 -

"اعملوا فكل ميسر لما يهدى له من القول (طب) عن عمران بن حصين (ض) ".

(اعملوا فكل ميسر لما يهدى له) هو كالأول وكأن المراد من قوله (من القول) أي القول الذي حق عليه وسبقت به كلمة ربه تعالى (طب عن عمران بن حصين)

(1) أخرجه مسلم (2648).

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (11/ 18) رقم (10899) عن ابن عباس عن عمران بن حصين (18/ 129) رقم (266)، وكذلك أحمد (4/ 431). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1074).

ص: 516

رمز المصنف لضعفه (1).

1199 -

"اعملي ولا تتكلي، فإن شفاعتي للهالكين من أمتي (عد) عن أم سلمة (ض) ".

(اعملي) الصالحات (ولا تتكلي) لا تعتمدي في النجاة على العمل بل على رحمة الله وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة أحد بعمله" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته"(2) والأمر بالعمل مع النهي عن الاتكال دليل لما قاله المحققون من أنه لا ينجو أحد إلا برحمته تعالى وما أحسن ما قاله ابن القيم (3) في حادي الأرواح: ومما يجب التنبيه عليه هو أن الجنة إنما تدخل برحمة الله ليس عمل العبد مستقلاً بدخولها وإن كان سببًا وقد أثبت تعالى دخولها بالأعمال في قوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] ونفى رسول الله صلى الله عليه وسلم دخولها بالأعمال في قوله: "لن يدخل أحد منكم بعمله الجنة" ولا تنافي بين الأمرين لوجهين: أحدهما: ما قاله سفيان وغيره كانوا يقولون النجاة من النار بعفو الله ودخول الجنة برحمته وانقسام المنازل والدرجات بالأعمال وقد دل على هذا حديث أبي هريرة: "إن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا منها بفضل أعمالهم" رواه الترمذي والنسائي (4) أن الباء التي نفت الدخول هي باء المعاوضة التي

(1) أخرجه الطبراني (18/ 130) رقم (270). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (970) والسلسلة الضعيفة (7027) وراجع تضعيفه للحديث فيها.

(2)

أخرجه مسلم (2816)، وأحمد (2/ 466)، وابن حبان في صحيحه (348).

(3)

الروح (ص 224).

(4)

أخرجه الترمذي (2549) وابن ماجه (4336)، وابن حبان (7438) قد سبق في: "إن أهل الجنة

" وقد ضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1831) في إسناده عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين، أورده الذهبي في الضعفاء (3486) وقال: كاتب الأوزاعي وثقه أحمد وضعفه دحيم.

وقال الحافظ في التقريب (3757): صدوق ربما أخطأ.

ص: 517

يكون منه أحد العوضين مقابلاً للآخر والباء التي أثبتت الدخول هي باء المسببية التي تقضي بسببيته ما دخلت عليه لغيره وإن لم يكن مستقلاً انتهى.

قلت: فهذا فصل النزاع في المسألة، وللناس فيها نزاع طويل (فإن شفاعتي للهالكين من أمتي) يحتمل أنه تعليل لما ذكره على معنى: فإن رحمته للهالكين إلا أنه عبر عنها بالشفاعة إقامة للمسبب مقام السبب فإن الشفاعة مسببة عن رحمة الله إذ لولا رحمته ما قبل شفاعة شافع، ويحتمل أنه تعليل للمحذوف تقديره ولا تأسي لأنه نهي عن الاتكال على العمل لنشأ عنه اليأس عن النجاة فنهى عنه وعلله أن شفاعته للهالكين من الأمة أي الذين لم تنفعهم الأعمال (عد عن أم سلمة) رمز المصنف لضعفه (1).

1200 -

"أعينوا أولادكم على البر، من شاء استخرج العقوق من ولده (طس) عن أبي هريرة (ض) ".

(أعينوا أولادكم على البر) أي بحسن الخلق ولين الخطاب واغتفار ما لا يخلو عنه الولد من الأمور التي تأباها النفس من الأب فهو إرشاد للآباء على تحصيل البر من الأبناء ويأتي حديث: "رحم الله من أعان ولده على بره"(من شاء استخرج العقوق من ولده) بأن يسيء إلى ولده فإن الطبع البشري يقتضي مقابلة الإساءة بالإساءة فالاستخراج للعقوق يكون بالإساءة إلى الولد وحينئذ يكون الوالد آثمًا بالإساءة إلى ولده لأنه حمله على المعصية (طس (2) عن أبي

(1) أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 152) في ترجمة عمرو بن المخرم وقال: إنه باطل لا يرويه إلا عمرو بن مخرم عن ابن عيينة وقال: إنه باطل لا يرويه إلا عمرو بن مخرم عن ابن عيينة، والطبراني في المعجم الكبير (23/ 369) رقم (872) وقول الهيثمي في المجمع (10/ 378): وفيه عمرو بن مخرم وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (971) وفي السلسلة الضعيفة (2828).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (4076) وقول الهيثمي في المجمع (8/ 146). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (973) إسناده ضعيف؛ قال الذهبي في المغني 2/ 653: محمد بن يحيى بن يسار =

ص: 518

هريرة) رمز المصنف لضعفه قال الهيثمي: فيه من لا أعرفهم [1/ 350].

1201 -

"أغبط الناس عندي مؤمن خفيف الحاذ، ذو حظ من صلاة، وكان رزقه كفافا فصبر عليه حتى يلقى الله، وأحسن عبادة ربه، وكان غامضًا في الناس؛ عجلت منيته، وقل تراثه، وقلت بواكيه (حم ت ك هب) عن أبي أمامة (صح) ".

(أغبط الناس عندي) الغبطة حسد خاص يُقال: غبطت الرجل أغبطه غبطًا إذا اشتهيت أن يكون لك مثل ما له مع دوام ما هو فيه عليه إذ مع إرادة زواله عنه يكون حسدًا وهو محرم والأول جائز (مؤمن خفيف الحاذ) بالحاء المهملة والذال المعجمة قال في النهاية (1) الحال والحاذ واحد وأصل الحاذ طريقة المتن وهو ما تقع عليه اللبد من ظهر الفرس أي خفيف الظهر من العيال (ذو حظ من صلاة) أي يصيب منها (وكان رزقه كفافًا) وهو بزنة سحاب وهو من الرزق ما كف الإنسان وأغنى (فصبر عليه) لم يطلب الزيادة (حتى لقي الله) بالموت (وأحسن عبادة ربه) فما فوت حظه منها وعطفه على الصلوات من عطف العام على الخاص عناية بشأن الخاص (وكان غامضا في الناس) خاملاً لا ذكر له فيهم (عجلت منيته) أي لم يطل عمره فإنه مظنة عدم الصبر على الأقدار، والمنية: الموت، ويحتمل أنه يراد سهل عليه الموت (وقل تراثة) هو ما يخلفه الرجل من ضياع وأثاث والمعنى أنه أكثر الناس مغبوطية وأحقهم بها وهو من غبط المجهول هو من لا مال له ولا ولد فيشغله عن الله فإنه تعالى يقول:{لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون: 9] وكان ذا نصيب من

= عن حسين بن صدقة: لا يعرف ولا شيخه، روى عنه البزي.

وفي اللسان 5/ 424: نكرة كشيخه حدث عنه أحمد البزي.

(1)

النهاية (1/ 457).

ص: 519

الصلاة وأعطي من العيش ما يكفيه عن الناس فلم يشغل بطلب الكفاية ولا بزيادة فضول الرزق وأعطي الصبر على ذلك وأحسن عبادة ربه ولم يخلف مالًا ولا ولدًا (وقلّت بواكيه)(حم ت ك هب عن أبي أمامة)(1) رمز المصنف لصحته.

1202 -

"أغبوا في العيادة، وأربعوا (ع) عن جابر".

(اغبوا) بالموحدة من الغب بكسر المعجمة وهو في أوراد الإبل أن يرد يوما ويدعه يومًا ثم نقله إلى العيادة للمريض والزيارة ومنه "زر غبًا تزدد حبًا"(في العيادة) بكسر المهملة ومثناة تحتية مصدر عاد المريض (واربعوا) وهو بالموحدة من رابع والحديث أمر بالعيادة للمرضى وأن يكونَ يومًا فيومًا لأنها لو كررت كل يوم كان تثقيلاً ولو عاد مرة واحدة كان إيحاشًا وهذا الأغلب وتختلف الأحوال والأعراف (ع عن جابر)(2) سكت عليه المصنف وحكى الشارح أن العراقي ضعفه.

1203 -

"اغتسلوا يوم الجمعة، ولو كأسا بدينار (عد) عن أنس (ش) عن أبي هريرة موقوفًا".

(1) أخرجه أحمد (5/ 252، 255) والترمذي (2347)، وابن ماجه (4117)، وقال البوصيري (4/ 215): إسناده ضعيف، والحاكم (4/ 123) وقال الحاكم: هذا إسناد للشاميين ولم يخرجاه، وقال الذهبي في التلخيص: قلت: لا بل إلى الضعف هو. والبيهقي في الشعب (10357) قال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 215): إسناده ضعيف لضعف أيوب بن سليمان. قال فيه أبو حاتم مجهول. وتبعه على ذلك الذهبي في الطبقات وغيرها. وصدقة بن عبد الله متفق على تضعيفه. وانظر تهذيب التهذيب (1/ 354) والميزان (1/ 456). وانظر العلل المتناهية (2/ 636). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (974).

(2)

أخرجه أبو يعلى كما في الكنز (25152) وابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات"(212) وابن حبان في المجروحين (916) في ترجمة موسى بن محمد بن إبراهيم وقال: يأتي بالمناكير عن أبيه. وابن أبي حاتم (2/ 241) رقم (2214)، وقال: أحاديثه منكرة كأنها موضوعة وقال المناوي (2/ 15) قال الحافظ العراقي: إسناده ضعيف. وقال الألباني في ضعيف الجامع (975) والسلسلة الضعيفة (1644): ضعيف جدًّا.

ص: 520

(اغتسلوا يوم الجمعة) لحضور صلاتها وظاهر الأمر الوجوب وهو من أدلة من ذهب إليه ويأتي التصريح بالوجوب إلا أنه صرفه من لم يقل بوجوبه بحديث سمرة عند أحمد (1): "وغيره من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل" ولا شك أنه من آكد السنن وزاده تأكيدًا قوله (ولو كأسًا بدينار) فإن الأمر بشراء مائه ولو بهذا الثمن من الأدلة على تأكيد سنيته وأنه لا يسقط بخروج الماء عن ثمنه المعتاد (عد) عن أنس (ش) عن أبي هريرة موقوفًا) (2) سكت عليه المصنف وهو ضعيف بل حكم ابن الجوزي بوضعه حكاه عنه الشارح.

1204 -

"اغتسلوا يوم الجمعة، فإن من اغتسل يوم الجمعة فله كفارة ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام (طب) عن أبي أمامة".

(اغتسلوا يوم الجمعة فإنه من اغتسل يوم الجمعة) ظاهره وإن لم يحضر الصلاة ولا أرادها إلا أنه قيده غيره (فله) بمجرد غسله (كفارة) في النهاية (3): قد تكرر ذكر الكفارة اسمًا وفعلاً مفردًا وجمعًا وهي عبارة عن الفعلة والخصلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة أي يسترها وتمحوها وهي فعَّالة للمبالغة كقتاله وصوابه وهي من الصفات الغالبة في باب الاسمية انتهى (ما بين الجمعة) من الخطايا إلى (الجمعة) الأخرى (وزيادة ثلاثة أيام) من التي بعدها هكذا جاء

(1) أخرجه أحمد (5/ 15)، والترمذي (497).

(2)

أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 389) في ترجمة حفص بن عمر بن دينار. وابن حبان في المجروحين (1/ 258) رقم (254) والديلمي كما في المداوي (2/ 31). وأخرجه ابن أبي شيبة (1/ 434) رقم (5004) عن أبي هريرة موقوفًا، وقال ابن حبان في المجروحين: يقلب الأخبار ويلزق بالأسانيد الصحيحة المتون الواهية وحكم ابن الجوزي في الموضوعات (974) بوضعها.

وقال الألباني في ضعيف الجامع (978) والسلسلة الضعيفة (158): موضوع.

(3)

النهاية (4/ 189).

ص: 521

مصرحًا به في رواية وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها وهنا بحث وهو أن هذا التكفير والتغطية ص 351 في هذا الحديث وأمثاله هل للكبائر أو للصغائر أو لهما لا يصح أن يجعل للصغائر لأنه تعالى قد جعلها مكفرة باجتناب الكبائر في قوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31] الآية. فيتعين أن المراد الكبائر إلا أنه يشكل عليه حديث أبي هريرة عند ابن ماجه (1): "الجمعة إلى الجمعة كفارة ما بينهما ما لم تغش الكبائر" فأفاد أن المكفر الصغائر مشروطًا تكفيرها بعدم غشيان الكبائر فإن حمل المطلق وهو حديث الغسل على المقيد وهو حديث الجمعة أي صلاتها واستدللنا لذلك بأنه إذا قيد المتوسل إليه وهو الصلاة فتقييد الوسيلة وهو الغسل أولى وصار المعنى: "من اغتسل يوم الجمعة فله كفارة ما اجتنبت الكبائر"، والمكفَّر الصغائر فيبقى مشكلاً لما سلف من قضاء الآية لتكفيرها بنفس الاجتناب وإذا كان كذلك لم تكن هذه الطاعات مكفرة شيئًا ولعله يقال إن الحكم على هذه الطاعات بأنها مكفرة مع التكفير بغيرها وهو الاجتناب إخبار من الشارع بأنه لو لم تكفر الصغائر بالاجتناب لكانت هذه الطاعات مكفرة لها لكنها مكفرة بالاجتناب فيبقى ثواب هذه الطاعات موفرا لفاعلها وذلك كما عبر عن الغسل بأنه مكفر وعن الصلاة بأنها مكفرة مع أنه إذا وقع التكفير بأحدهما بقي الآخر غير مكفر لشيء بل أجره باق لفاعله.

والنكتة في التعبير عن أجر هذه الطاعات بالتكفير ترغيب النفوس إلى فعلها لأن النفس إلى دفع ضرر المعصية أرغب فيها إلى تحصيل المنفعة فإن دفع المفاسد عند العقل أهم من جلب المصالح فأبرز الشارع الخطاب في قالب فيه مزيد ترغيب النفوس إلى فعلها ثم رأيت بعد هذا في "الجواب الشافي" كلامًا

(1) أخرجه ابن ماجة (1086).

ص: 522

لابن القيم الجوزية (1) قال فيه: إن الأعمال المكفرة لها ثلاث درجات:

أحدها: أن تقصر عن تكفير الصغائر لضعفها وضعف الإخلاص فيها والقيام بحقوقها بمنزلة الدواء الضعيف الذي ينقص عن مقاومة العلة كيفية وكمية.

الثانية: أن تقاوم الصغائر ولا يرتقي إلى تكفير شيء من الكبائر.

الثالثة: أن تقوى على تكفير الصغائر وتبقى فيه قوة تكفر بها بعض الكبائر فتأمل هذا فإنه ينفي عنك إشكالات كثيرة انتهى.

فعلى كلامه كل حديث يبقى على ما أطلق عليه من غير تقييد إلا أنه يبقى أنه لا دليل على هذا التفصيل من الأحاديث وأنه لا يبقي للتقييد بقوله ما اجتنبت الكبائر فائدة، وكلامه قاض بأن بعض الكبائر تكفر من دون توبة وقد ادعى الإجماع أنها لا تكفر إلا بالتوبة ولنا في ذلك رسالة مستقلة (طب عن أبي أمامة) (2) سكت عليه المصنف وقال الهيثمي: فيه سويد بن عبد العزيز ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما.

1205 -

"اغتنم خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك (ك هب) عن ابن عباس (حم) في الزهد (حل هب) عن عمرو بن ميمون مرسلاً (صح) ".

(اغتنم) من غنم وغنمانا غنيمة وهو الفوز بالشيء بلا مشقة كما في القاموس (3)(خمسًا قبل خمس) أجملها أولاً ثم فسرها ثانيًا ليكون أوقع في القلب

(1) الجواب الكافي (ص 87).

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/ 178)(7740) وفي الأوسط (7087)، وقال الهيثمي في المجمع (3/ 173): رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه سويد بن عبد العزيز، ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما، ووثقه دحيم وغيره وقال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 208) سألت أبي عن حديث رواه سويد بن عبد العزيز عن يحيى بن الحارث عن القاسم عن أبي أمامة -ذكر الحديث- قال أبي: رواه عمر بن عبد الواحد عن يحيى بن الحارث عن القاسم يرفع الحديث. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (977) والسلسلة الضعيفة (2848).

(3)

القاموس المحيط (ص 1476).

ص: 523

(حياتك) هو وما بعده، نصب على الإبدال ورفع على الابتداء (قبل موتك) فأيام الحياة غنيمة فالحياة ثوب مستعار (وصحتك قبل سقمك) فإن كل معافى صائر إلى السقم كما قيل:

لعمر الفتي إن السلامة سلم

إلى الحين والمغتر بالعيش آمله

فيسلب أثواب الحياة معيرها

ويقضي غريم الدين من هو ماطله

[1/ 352](وفراغك قبل شغلك) فإن كل فراغ يعقبه الإشغال والفراغ والعافية نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس كما ثبت بذلك الحديث، فقد أشار إلى النعمتين التي غبن فيهما الكثير من الناس (وشبابك قبل هرمك) فإن الشباب رمز النشاط وقوة الأعضاء على العبادة فليذكر سرعة زوالها وإنها نومة لا يندم إلا بعد يقظته منها.

كنت في نومه الشباب فما

استيقظت إلا ولمتي شمطاء

ويذكر أنه يتعقبها ضعف القوي وتخاذل الأعضاء وأنه تعالى سيجعل من بعد قوة ضعفا وشيبة (وغناك قبل فقرك) فإن الأموال طيور طيارة معرضة للحوادث فرب غنى عاد فقرًا كما قيل: رب غن قد عاد فقرًا وكم عافية قد أصبحت عافية وإنما سمى صلى الله عليه وسلم الأعمال في هذه الخمس غنيمة لأنها تسير فيها الأعمال الصالحة بلا مشقة ومن كملت له هذه الخمس جميعًا فقد تيسرت له الطاعات وتوفرت الدواعي، وإن حصل البعض فكذلك.

وأما الحياة والصحة فهما شرط لا تتم الطاعات إلا بهما وهذا الحديث إشارة إلى الموانع المختصة بالفاعل وفي معناه حديث أبي هريرة عند الترمذي وغيره وفيه زيادة خصلتين ويأتي في حرف الباء الموحدة، وفي الموانع التي لا تختص بالإنسان حديث عابس الغفاري "بادروا بالأعمال ستًا إمارة السفهاء وكثرة الشرط ومنع الحكم واستخفافًا بالدم وقطيعة الرحم ونشوًا يتخذون

ص: 524

القرآن مزامير" (1) الحديث يأتي في حرف الباء أيضًا فالأحاديث قد اشتملت على التوصية بالمبادرة بالأعمال واغتنامها قبل عروض الموانع عنها أما من قبل ذات الإنسان وما يطرأ له ويعتريه أو من قبل ما يطرأ عليه من الأحوال العامة المذهلة عن الطاعات والشاغلة عن اكتساب الحسنات.

(ك هب عن ابن عباس)(2) رمز المصنف لصحته وصححه الحاكم وأقره الذهبي في التلخيص قال الشارح: إنه اغتر به المصنف فرمز لصحته وهو عجيب ففيه جعفر بن برقان أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال أحمد: يخطئ في حديثه وقال ابن خزيمة: لا يحتج به (حم في الزهد (3) حل هب عن عمرو بن ميمون مرسلاً) قال العراقي: إسناده حسن.

1206 -

"اغتنموا الدعاء عند الرقة فإنها رحمة (فر) عن أبي".

(اغتنموا الدعاء عند الرقة) بالكسر الرحمة كما في القاموس (4) والمراد رقة قلب الداعي فإنها (رحمة) لا يقال العلة والمعلول شيء واحد لأنا نقول رقة القلوب علامة رحمة الله للعباد وإجابته للدعاء (فر عن أبي)(5) هو ابن كعب تقدم

(1) أخرجه أحمد (6/ 22).

(2)

أخرجه الحاكم (4/ 306) والبيهقي في الشعب (10248) وفي إسناده جعفر بن برقانة وهو ضعيف انظر التقريب (932).

(3)

أخرجه ابن المبارك في الزهد (2) وأبو نعيم في الحلية (4/ 148) والبيهقي في الشعب (10250) عن عمرو بن ميمون مرسلاً. وقال الحافظ في الفتح (11/ 235) أخرجه ابن المبارك في الزهد بسند صحيح مرسل، عمرو بن ميمون/ وقال المناوي (2/ 16): قال الزين العراقي: إسناده حسن. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1077).

(4)

القاموس المحيط (ص 1154).

(5)

أخرجه الديلمي من طريق ابن شاهين كما في المداوي للغماري (2/ 37)، والقضاعي في مسند الشهاب (692) وقال المناوي في الفيض (2/ 16) وفيه عمر بن أحمد أبو حفص ابن شاهين قال الذهبي قال الدارقطني: يخطئ وهو ثقة وشبابة بن سوار قال في الكاشف مرجئ صدوق وقال أبو حاتم لا يحتج به. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (979) والسلسلة الضعيفة (2512).

ص: 525

سكت عليه المصنف وفيه عمرو بن أحمد بن شاهين يخطئ وهو ثقة وشبابة بن سوار مرجئ وهو صدوق قال أبو حاتم لا يحتج به.

1207 -

"اغتنموا دعوة المؤمن المبتلى، أبو الشيخ ابن حبان عن أبي الدرداء".

(اغتنموا دعوة المؤمن) يدعو لكم (المبتلى) بأي بلاءً فهو منكسر القلب ببلائه والله عند المنكسرة قلوبهم وقد تقدم الحديث في إذا (أبو الشيخ عن أبي الدرداء)(1) سكت عليه المصنف وهو ضعيف.

1208 -

"اغد عالمًا، أو متعلمًا، أو مستمعا، أو محبا، ولا تكن الخامسة فتهلك البزار (طس) عن أبي بكرة".

(اغد) من الغدو بالضم البكرة وهي ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس (عالما) نصب على الحال وكذا ما بعده أي أدخل في هذا الوقت على هذه الأحوال أو هو خبر لأغد يعني صِر (أو متعلمًا) والمراد فيهما لعلمي السنة والكتاب وما يتعلق بهما كما أنه المراد في (أو مستمعًا) وهو من ليس بصدد [1/ 353] الطلب كالبابي بل يحضر ليسمع الخبر فالمتعلم من يتأهل لتحصيل العلم وكتبه وحفظه والمستمع من ليس كذلك لكنه يحضر حلقاته ويجتني بعض ثمراته (أو محبًا، ولا تكن الخامس فتهلك) هو المبغض للعلم أو المعرض عنه الذي لا يرفع إليه رأسًا ولا يراه أهلاً لأنه يحب أو يبغض وعبر عنه بقوله الخامس ولم يقل لا تكن معرضا أو مبغضا إبعادًا له عن الذكر وصونًا للسانه الشريفة عن التلوث به (البزار طس عن أبي بكرة) سكت عليه المصنف

(1) أخرجه أبو الشيخ كما في كشف الخفاء (رقم 441) وفي المداوي (2/ 37) وقال المناوي (2/ 17): فيه الحسن بن الفرج قال الذهبي قال ابن معين: كذاب يسرق الحديث وفرات بن سليم ضعيف جدًا. وقال الألباني في ضعيف الجامع (980) والسلسلة الضعيفة (2513): ضعيف جدًا.

ص: 526

وصححه البيهقي وضعفه الحافظ أبو زرعة العراقي بسليم بن عطاء الخفاف (1).

1209 -

"اغدوا في طلب العلم فإني سألت ربي أن يبارك لأمتي في بكورها، ويجعل ذلك يوم الخميس (طس) عن عائشة".

(اغدوا في طلب العلم) وعلله بقوله (فإني سألت ربي أن يبارك لأمتي في بكورها) وذلك بما أخرجه أحمد والأربعة (2): "اللهم بارك لأمتي في بكورها" وكأنه في كل عمل من الأعمال وإنما خص طلب العلم لأنه أشرفها (ويجعل ذلك) المطلوب من البركة في (يوم الخميس) كأن هذا خاص بطلب العلم وأنه ينبغي طلبه في ذلك اليوم لا في سائر الحوائج لحديث: "باكروا في طلب الرزق والحوائج" سيأتي (3)، فأطلقه ويحتمل أنه مقيد بما هنا وأن لطلب الحوائج في يوم الخميس زيادة خصوصية في إنجاحها وأن لطلب العلم فيه زيادة خصوصية وقد اعتاد الناس ترك طلب العلم في يوم الخميس في هذه الأعصار في اليمن

(1) أخرجه البزار (3626) والطبراني في الأوسط (5171) وقال الهيثمي في المجمع (1/ 122) رواه الطبراني في الثلاثة والبزار ورجاله موثقون، وتعقبه المناوي في الفيض (2/ 17) وهو غير مسلم فقد قال الحافظ أبو زرعة العراقي في المجلس الثالث والأربعين بعد الخمس مئة من إملائه هذا حديث فيه ضعف ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة وعطاء بن مسلم وهو الخفاف مختلف فيه وقال أبو عبيد عن أبي داود إنه ضعيف وقال غيره ليس بشيء. قلت وقال الحافظ في ترجمة عطاء: صدوق يخطئ كثيرا. (التقريب 4599). وقال البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (381) موقوفًا على أبي الدرداء وقال: وقد روي هذا من وجه آخر مرفوعًا وهو ضعيف. وقال الألباني في ضعيف الجامع (981) موضوع، وقال في السلسلة الضعيفة (2836) ضعيف.

(2)

أخرجه أحمد (3/ 417) وأبو داود (2606) وابن ماجه (2236) والترمذي (1212) والسنن الكبرى للنسائي (8833) من رواية صخر الغامدي.

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (7250)، وابن عدي في الكامل (1/ 301) في ترجمة إسماعيل بن قيس، ثم قال: لا يرويه غير إسماعيل بن قيس، وعامة ما يرويه منكر، وقال الهيثمي في المجمع (4/ 61): رواه البزار والطبراني في الأوسط وفيه إسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد بن ثابت وهو ضعيف. قلت بل قال البخاري والدارقطني منكر الحديث وقال النسائي وغيره ضعيف. انظر الميزان (1/ 405) واللسان (1/ 429) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2318) ..

ص: 527

(طس عن عائشة)(1) والحديث سكت عليه المصنف وقد أعل بأن فيه أيوب بن سويد وهو يسرق الحديث.

1210 -

"اغدوا في طلب العلم، فإن الغدو بركة ونجاح (خط) عن عائشة".

(اغدوا في طلب العلم) في أي يوم كان (فإن الغدو بركة ونجاح) للحوائج وهو مقيد بالأول ويحتمل الإطلاق (خط عن عائشة)(2) سكت عليه المصنف فيما قوبل على خطه وقال الشارح: إنه رمز لضعفه.

1211 -

"اغزوا قزوين، فإنه من أعلى أبواب الجنة، ابن أبي حاتم والخليلي معا في فضائل قزوين عن بشر بن سلمان الكوفي عن رجل مرسلاً، (خط) في فضائل قزوين عن بشر بن سلمان عن أبي السري عن رجل نسي أبو السري اسمه، وأسند عن أبي زرعة قال: ليس في قزوين حديث أصح من هذا".

(اغزوا قزوين) بفتح القاف وسكون الزاي وكسر الواو من بلاد الجيل ثغر الديلم كما في القاموس (فإنه من أعلى أبواب الجنة) يحتمل أنه بعينه يجعله الله من أعلى أبوابها ويحتمل أن المراد أن أجر غزوه سبب للدخول من أعلى أبواب الجنة (ابن أبي حاتم والخليلي) بالخاء المعجمة (معًا في فضائل قزوين عن بشر (3) بن سليمان الكوفي عن أبي السري) بالمهملتين (عن رجل مرسلاً) والرجل

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (5244) وقال الهيثمي في المجمع (1/ 132) أيوب بن سويد وهو يسرق الحديث انظر الكامل لابن عدي (1/ 359) والميزان (1/ 457) والتقريب (615). وضعفه الألباني في الجامع (983) والسلسلة الضعيفة (2837).

(2)

أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (13/ 270)، وفي إسناده معلى بن هلال قال الذهبي في المغني في الضعفاء (6362) كذاب وضاع باتفاق، وقال الحافظ في التقريب (6807) اتفق النقاد على تكذيبه. وقال الألباني في ضعيف الجامع (928) والسلسة الضعيفة (2837): موضوع.

(3)

أخرجه ابن أبي حاتم والخليل والخطيب في فضائل قزوين كما في الكنز (35088).

وأخرجه الرافعي في التدوين (1/ 5)(2/ 18) وقال: قدمت هذا الحديث على إرساله

قال أبو زرعة الرازي يقول ليس في قزوين حديث أصح من هذا وبشر بن سلمان هو أبو إسماعيل النهدي الكوفي، روى عن مجاهد وعكرمة .... وقد أخرج عنه مسلم. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع =

ص: 528

مجهول وليس بصحابي (خط في فضائل قزوين عن بشر بن سليمان عن أبي السري عن رجل نسي أبو السري اسمه) فهو مجهول اسما وصفة (وأسند) كأنه يريد الخطيب (عن أبي زرعة قال ليس في قزوين حديث أصح من هذا).

1212 -

"اغسلوا أيديكم ثم اشربوا فيها، فليس من إناء أطيب من اليد (هب) عن ابن عمر (ح) ".

(اغسلوا أيديكم) تنظيفًا لها عن الدرن (ثم اشربوا فيها) إن أردتم ذلك (فليس من إناء أطيب) للشرب (من اليد) فيه أن الشرب باليد سنة (هب عن ابن عمر)(1) رمز الصنف لحسنه.

1213 -

"اغسلوا ثيابكم وخذوا من شعوركم واستاكوا، وتزينوا، وتنظفوا فإن بني إسرائيل لم يكونوا يفعلون ذلك فزنت نساؤهم، ابن عساكر عن علي".

(اغسلوا ثيابكم) تنظيفًا لها عن الأوساخ (وخذوا من شعوركم) مما أذن لكم بالأخذ منها كالأخذ من الشارب (واستاكوا) عند التلاوة والصلاة وغيرها من أسبابه (وتزينوا) خذوا زينتكم المندوب إليها (وتنظفوا) عام بعد خاص (فإن بني إسرائيل لم يكونوا يفعلون ذلك) كأن المراد كله أو الأكثر منه (فزنت نساؤهم) فعلن فاحشة الزنا وكأنه والله أعلم لما تشوهت هيئاتهم بعدم النظافة والأخذ من الشعر والاستياك كرهتهم نسائهم فرغبن في غيرهم وفيه الحث على التجمل في الذات والصفات وأنه لا يناقي حديث: "البذاذة من الإيمان" إذ المراد به عدم

= (984) وقال في الضعيفة (3245) منكر؛ لأن إسناده ضعيف للجهالة والاضطراب، وراجع تضعيفه في السلسلة الضعيفة. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (984).

(1)

أخرجه ابن ماجه (3433)، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 48): إسناده ضعيف فيه ليث بن أبي سليم. والبيهقي في الشعب (6030) قال الحافظ في الفتح (10/ 77): إسناده ضعيف.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (986) والسلسلة الضعيفة (2845).

ص: 529

المبالغة في [1/ 354] التنعم في الترفه وضابطه أن خيار الأمور أوسطها (ابن عساكر (1) عن علي) سكت عليه المصنف وحكى الشارح أن في سنده من هو ذاهب الحديث قال: وللأمر بالتنظيف شواهد، والمنكر هنا فإن بني إسرائيل .. إلى آخره.

1214 -

"اغفر، فإن عاقبت فعاقب بقدر الذنب، واتق الوجه (طب) وأبو نعيم في المعرفة عن جزء".

(اغفر) لمن أساء إليك إن كان من حقوقك لا إن كان من حق الله (فإن عاقبت) من أساء إليك بقول أو فعل فإنه جائز {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} [الشورى] الآية. (فعاقب بقدر الذنب) و"إن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به (واتق) إن كان قصاصًا في ضرب أو نحوه (الوجه) فإنه ينهى عن ضربه كما يأتي (طب وأبو لأبي نعيم في المعرفة)(2) قيد نعيم (عن جزء) بالجيم مفتوحة والزاي الساكنة وهمزة وهو ابن قيس أخو عيينة بن حصن.

1215 -

"أغنى الناس حملة القرآن ابن عساكر عن أنس".

(أغنى الناس حملة القرآن) هو من الغنى ضد الفقر ومنه حديث: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن"(3) أي من لم يستغن به عن غيره على أحد التأويلات وأصرح منه حديث أبي هريرة عثد الطبراني وأبي يعلى: "القرآن غناء (4) لا فقر بعده ولا غناء

(1) أخرجه ابن عساكر (36/ 124) وقال الذهبي في السير (18/ 259) والقيسراني. في تذكرة الحفاظ (3/ 1158): هذا لا يصح وإسناده مظلم. في إسناده عبد الله بن ميمون القداح وهو ذاهب الحديث انظر التقريب (3653). وقال الألباني في ضعيف الجامع (987): ضعيف جدًا.

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 269) رقم (2130) وقال الهيثمي في المجمع (8/ 198): رواه الطبراني وأسد لم يدرك القصة فهو مرسل ورجاله وثقوا كلهم وفيهم ضعف، وأبو نعيم في المعرفة (2/ 627) رقم (1689)، وانظر الإصابة (1/ 479). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (988) والسلسلة الضعيفة (2850).

(3)

أخرجه البخاري (4735)، (7089)، وأبو داود (1469)، وأحمد (1/ 179)، وابن حبان (120).

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 255) رقم (738). أبو يعلى (2773) وإسناده ضعيف فيه يزيد بن =

ص: 530

دونه" والمراد بالغنى هنا غنى النفس لا الغنى بكثرة العوض لما يأتي حديث أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما: "ليس الغنى (1) عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس" والمراد بحامل القرآن العامل به المتدبر لمعانيه القائم به لحديث أنس عند النسائي وابن ماجه والحاكم أهل القرآن هم أهل الله (2) فأتى بصيغة الحصر في ذلك ومعلوم أنه لا يكون أهل الله وخاصته إلا العاملين بأوامره المعرضين عما زهد فيه كتابه من الدنيا وزهرتها المقبلين على ما يرغب إليه من الآخرة ولذتها فهؤلاء هم الذين صاروا بكتاب الله أغنى البرية (ابن عساكر عن أنس)(3) سكت عليه المصنف وقال الشارح: سنده ضعيف.

1216 -

"أغنى الناس حملة القرآن، من جعله الله تعالى في جوفه ابن عساكر عن أبي ذر".

(أغنى الناس حملة القرآن) وبينه بالإبدال منه (من جعله الله في جوفه) يحتمل الحافظ له عن ظهر قلب لأنه في جوفه أو من يقرأه ولو في المصحف وفيه أن الحفظ في الجوف والمراد تجاويف الذات فيشتمل خزائن الدماغ ويحتمل أن يراد بالقرآن كله أو بعضه أو معظمه (ابن عساكر عن أبي ذر) سكت عليه المصنف وقال الشارح: بإسناد ضعيف (4).

= أبان الرقاشي انظر التقريب (7683).

(1)

أخرجه البخاري (6446) ومسلم (1051).

(2)

سبق تخريجه.

(3)

أخرجه ابن عساكر كما في الكنز (4039). وعزاه له العجلوني في كشف الخفاء (1/ 168). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (989) والسلسلة الضعيفة (1646) في إسناده الحارث بن النعمان الليثي قال أبو حاتم: ليس بقوي وقال البخاري: منكر الحديث. وقال الحافظ: ضعيف. انظر الميزان (2/ 181) والتقرب (1052) وفي إسناده أيضًا جنادة بن مروان ضعفه أبو حاتم واتهمه بالوضع. انظر الميزان (2/ 157) واللسان (2/ 139).

(4)

أخرجه ابن عساكر (37/ 355) من طريق أبي علي الأهوازي واسمه الحسن بن علي بن إبراهيم =

ص: 531

1217 -

"افتتحت القرى بالسيف، وافتتحت المدينة بالقرآن (هب) عن عائشة".

(افتتحت القرى) التي كان أهله على الكفر (بالسيف) وكأن المراد غالبها وإلا فمنها ما أسلم أهله طوعا كاليمن ويمكن أن هذا قاله صلى الله عليه وسلم قبل فتح اليمين (وافتتحت المدينة) هي حيث أطلقت طيبة المنورة (بالقرآن) وذلك أن أول من نزل بالمدينة ابن أم مكتوم ومصعب بن عمير أرسلهما صلى الله عليه وسلم إليها يعلمان الناس ويدعوانهم إلى الله فأسلم على أيديهما بشر كثير منهم أسيد بن حضير وسعد بن معاذ وأسلم بإسلامهما خلق كثير وفشا الإسلام بالمدينة وظهر ولم يزل أهلها يزدادون خيرًا حتى وافاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسند فتحها إلى القرآن لأنهم لما سمعوه آمنوا (هب عن عائشة) سكت عليه المصنف، وقال الشارح: ورمز لحسنه ثم تعقبه (1).

1218 -

"افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة (4) عن أبي هريرة (صح) ".

(افترقت اليهود) في دينها وعقائدها (على إحدى وسبعين فرقة) ولم يأت بيان

= وهو مقرئ مشهور، ولكنه في الحديث متهم رماه غير واحد بالكذب والوضع. انظر الميزان (2/ 263) واللسان (1/ 154). وفي إسناده أيضًا: الحارث بن النعمان وجنادة بن مروان وقد تقدم الكلام عليهما في الحديث السابق. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (990) وقال في السلسلة الضعيفة (7145) موضوع.

(1)

أخرجه البيهقي في الشعب (1407) وأبو يعلى (173) وابن عدي في الكامل (6/ 171) في ترجمة محمد بن الحسن بن زبالة المخزومي. والحافظ في اللسان (2/ 436) وقال هذا الحديث معروف بمحمد بن الحسن عن زبالة عن مالك وهو متروك متهم وكان ذؤيب إنما سمعه منه فدلسه عن مالك. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (991) وقال في السلسلة الضعيفة (1847) منكر.

ص: 532

ماذا ذهبت إليه كل فرقة في شيء من الأحاديث، كما لم يأت ذلك في فرق النصارى الذين أخبر عنهم بقوله (وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة) زادت فرقة على من قبلها كما زادت الأمة على هذه بفرقة كما قال (وتفرق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة [1/ 355] وفي رواية ابن ماجه (1) بعد ذكر فرق اليهود واحدة في الجنة وسبعون في النار وبعد فرق النصارى واحدة وسبعون في النار وواحدة في الجنة وبعد ذكر افتراق الأمة واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة ذكره المصنف في الذيل وزاد في الكبير نسبه إلى الطبراني (2):"قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: الجماعة".

واعلم أن هذه الزيادة قد استشكلت وذلك لمنافاتها أحاديث تواترت معنى أن هذه الأمة أمة مرحومة وأنها خير الأمم فذهب البعض إلى أن المراد بالأمة أمة الدعوة لا أمة الإجابة وأن الناجية هي أمة الإجابة وهم من تبعه صلى الله عليه وسلم.

وتعقب بأنه خلاف إطلاق صلى الله عليه وسلم لأمته فإنه متى استعمل لم يأت إلا في أمة الإجابة، مثل:"أمتي أمة مرحومة، أمتي هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة"(3)، "أمتي أمة مباركة لا يدري أولها خير أم آخرها" (4). وبأنه لا يناسب قرانه عن أمتي اليهود والنصارى فإن المراد بهما أمة الإجابة لموسى وعيسى عليهما السلام ولأنه خلاف ما فهمه الناس فإن كل طائفة من طوائف الإِسلام اشتغلت بتعداد الفرق الإِسلامية وبأنه صلى الله عليه وسلم عبر بسين الاستقبال وفي رواية:

(1) أخرجه أبو داود (4597)، وابن ماجه (3992).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 73)(8051).

(3)

أخرجه أبو داود (4278) وأحمد (4/ 410) وقال الصدر المناوي في كشف المناهج والتنافيح (....): فيه نظر فإن في إسناده المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله الهذلي استشهد به البخاري قال ابن حبان اختلط حديثه فاستحق الترك وقال العقيلي: فاضطرب حديثه.

(4)

أخرجه ابن عساكر (26/ 286) مرسلاً من رواية عمرو بن عثمان.

ص: 533

"وستفترق" فهي دالة على أنه افتراق مستقبل ولا يريد إلا فرق أهل الإِسلام إذا افترق أمة الكفر ليس في الإخبار عنها فائدة، وقال ابن حزم: أن هذه الزيادة أعني قوله كلها هالكة زيادة باطلة موضوعة وإنما المعروف في الحديث: أنها تفترق إلى نيف وسبعين فرقة لا زيادة على هذا في نقل الميقات ذكره عنه السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله وكنا سئلناه قديمًا عن هذا الإشكال وكتبنا رسالة في ذلك وبينا زوال الإشكال بوجوه أحدها: أنه لا يرد الإشكال إلا إذا كانت القضية دائمة ولا دليل على ذلك بل هي حينية بمعنى أن ثبوت الافتراق للأمة وهلاك من يهلك منها ثابت في حين من الأحيان وزمن من الأزمان كما يرشد إلى ذلك وجوه:

أحدها: قوله: "وستفترق" في رواية الدال على استقبال ذلك.

الثاني: قوله في حديث ابن عمرو عند الترمذي (1): "ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل" الحديث. وقد ذكر افتراقها وهو إخبار عن مستقبل.

الثالث: قوله في بعض رواياته: "ما أنا عليه وأصحابي" فإن أصحابه من مسمى أمته بلا خلاف وقد حكم عليهم بأنهم أمة واحدة وأنهم الناجون، وأن من كان على ما هم عليه فهو الناجي، فلو جعلنا القضية دائمة من زمن التكلم بها للزم أن تكون تلك الفرق في الصحابة وهلم جرا، والحديث نفسه صريح في خلاف ذلك فظهر أن الافتراق كائن في زمن من الأزمنة وحين من الأحيان ولا يبعد أنه في آخر الزمان الذي وردت الأحاديث بالإخبار عن فساده وفشو الباطل وجفاء الحق وأن القابض على دينه كالقابض على الجمر وأنه يصبح فيه الرجل

(1) أخرجه الترمذي (2641) وقال: حسن غريب وفي سنده عبد الرحمن بن زياد الأفريقي وهو ضعيف فتحسين الترمذي له لاعتضاده بأحاديث الباب وانظر تحفة الأحوذي (7/ 334).

ص: 534

مؤمنا ويمسى كافرًا وهو زمان غربة الدين وإذا كان كذلك لم يلزم أن يكون الهالكون أكثر من الناجين (4 عن أبي هريرة)(1) رمز المصنف لصحته.

1219 -

"افرشوا لي قطيفتي في لحدي، فإن الأرض لم تسلط على أجساد الأنبياء ابن سعد عن الحسن مرسلاً".

(افرشوا لي قطيفتي) هي كساء له خمل (في لحدي) اللحد: الشقال في يعمل في جانب القبر لوضع الميت قاله في النهاية (2)(فإن الأرض لم تسلط على أكل أجساد الأنبياء) لم يؤذن لها في أكل أبدانهم كما تأكل غيرهم فهو مخصص لحديث: "أن الأرض أو القبر تقول يا بني آدم [1/ 356] كلوا ما شئتم فوالله لآكلن لحومكم وجلودكم" سيأتي وحديث لا يبقى إلا عَجْب الذنب وإخباره صلى الله عليه وسلم بأنه يلحد له من أعلام نبوته لما أخرجه الموطأ عن عروة قال: كان في المدينة رجلان أحدهما يلحد والآخر يشق فقالوا: يعني الصحابة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أيهما جاء عمل عمله فجاء الذي يلحد فعمل (3) عمله.

وجاء شقران مولاه صلى الله عليه وسلم ووضع القطيفة في اللحد (4). وقوله على أجساد الأنبياء لا دلالة فيه على أنهم أحياء ولا على خلافه بل ربما يقال أنه يدل على خلافه لأنه ذكر الفرق بين أجساد الرسل وأجساد غيرهم بعد الموت وقد ثبت أنهم أحياء في قبورهم من أدلة أخرى وللمصنف رحمه الله تأليف في ذلك سماه إنباه الأذكياء بحياة الأنبياء، لم نقف عليه فينقل منه، وحينئذ فيكون المراد لم يسلط على أجساد

(1) أخرجه أبو داود (4596) والترمذي (2640) وابن ماجه (3991) وعزوه للنسائي وهم كما قال الألباني في السلسلة الصحيحة (203). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1083).

(2)

النهاية (4/ 236).

(3)

الموطأ (1/ 231) رقم (546).

(4)

أخرجه الترمذي (1047) وقال: حسنٌ غريب. وانظر العلل لابن أبي حاتم (1/ 356) رقم (1054) وهدي الساري (ص 424).

ص: 535

الأنبياء لأنهم أحياء وقال الشيخ تقي الدين السبكي: حياة الأنبياء في قبورهم والشهداء كحياتهم في دار الدنيا ويشهد له صلاة موسى في قبره فإن الصلاة تستدعي جسدًا حيًّا ولا يلزم من كونها حياة حقيقية أن تكون الأبدان معها كما كانت في الدنيا من الاحتياج إلى الطعام والشراب.

قلت: قد قدمنا أول الشرح كلامًا حسنًا عن ابن القيم إلا أنه قد أشكل على حياتهم في القبور حديث أبي هريرة عند أبي داود بلفظ: "ما من أحد يسلم علي إلا ردَّ الله روحي فأرد عليه السلام" وأجاب المصنف بخمسة عشر وجهًا يقال أقواها: أن قوله: "إلا رد الله" جملة حالية مقدرة بقد: إلا وقد رد الله علي روحي قبل ذلك، وحتى ليست للتعليل بل مجرد حرف عطف بمعنى الواو وإنما جاء الإشكال ممن ظن أن جملة:"رد الله علي روحي" بمعنى الحال أو الاستقبال وظن أن حتى للتعليل وليس كذلك، ثم قال: وبعد أن صدرت هذا الجواب استنباطًا وقررته رأيت هذا الحديث مخرجًا في كتاب حياة الأنبياء للبيهقي بلفظ إلا وقد رد الله علي روحي مصرحًا بلفظ: وقد، فحمدت الله كثيرًا وقوي أن روايه أسقطها محمولة على إضمارها وأن حذفها من تصرف الرواة انتهى. ويأتي زيادة على هذا عند التكلم على الحديث في حرف الميم (ابن سعد (1) عن الحسن مرسلاً) قال الشارح: إنه حديث حسن وله شواهد.

1220 -

"أفرض أمتي زيد بن ثابت (ك) عن أنس (صح) ".

(أفرض أمتي) أعرفها بعلم المواريث (زيد بن ثابت) تقدَّم الكلام على

(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات (2/ 299) عن الحسن مرسلاً. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (992) والسلسلة الضعيفة (1647) وقال فيها: وهذا إسناد صحيح، لكنه مرسل، فإن الحسن هو البصري، والشطر الثاني من الحديث صحيح له شاهد، بل شواهد.

ص: 536

الحديث (ك عن أنس) رمز المصنف لصحته (1).

1221 -

"أفش السلام، وابذل الطعام، واستحي من الله تعالى كما تستحيي من رجل من رهطك ذا هيئة، وليحسن خلقك، وإذا أسأت فأحسن، فإن الحسنات يذهبن السيئات (طب) عن أبي أمامة".

(أفش السلام) هو من فشا خبره إذ انتشر أريد هنا نشر السلام على كل أحد كما في حديث ابن عمر عند البخاري (2): سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام أفضل؟ قال: "تطعم الطعام وتقرئ السلام على من عرفت وعلى من لا تعرف" وبذل السلام يتضمن التواضع وأنه لا يتكبر على أحد بل بقوله لكل كبير وصغير وشريف ووضيع من يعرف ومن لا يعرف والمتكبر بضد هذا فإنه لا يرد السلام على من سلم عليه تكبرًا فكيف يبذله وقد ثبت من أخلاقه صلى الله عليه وسلم بذل السلام لكل أحد وأنه مر بصبيان فسلم عليهم ذكره مسلم (3) وذكر الترمذي أنه مر بجماعة يمشون فأومأ بيده بالتسليم فقال ابن القيم (4): الصواب في مسألة السلام على النساء أنه يسلم على العجائز وذوات المحارم دون غيرهن انتهى.

ومن فوائد إفشاء السلام [1/ 357] ما أفادته هذه الأحاديث السبعة المسرودة من أن فيه السلامة وقد أطلقت هنا فيحمل على العموم أو يخص بالسلامة من شر المسلم عليهم بما في حديث أنس: "إذا مررتم بأهل الشِّرة فسلموا عليهم يطفئ عنكم شرهم ونارهم"(5) تقدم أنه هو سبب للتحاب وهو مطلوب لله من عباده

(1) أخرجه الحاكم (4/ 335) وقال: حديثٌ صحيح على شرط الشيخين، وابن عساكر (19/ 310). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1084) والسلسلة الصحيحة (1244).

(2)

أخرجه البخاري (12) ومسلم (39) من رواية ابن عمرو.

(3)

أخرجه مسلم (2168).

(4)

زاد المعاد (2/ 412).

(5)

أخرجه البيهقي في الشعب (8901) من رواية أنس وعنه أبان. وقال البيهقي أبان هذا هو ابن أبي عياش متروك.

ص: 537

لحديث (1): "لا تؤمنوا حتى تحابوا" وحديث الأمر بالتحاب يأتي: "أن أفضل الأعمال بعد الإيمان التودد إلى الناس" والسلام من جوانب المحبة وأسبابها وهذا مثل حديث: "تهادوا تحابوا"(2) يأتي وسبب لرضا الله وأي خير أعظم من رضائه فإنه كل المطلوب وغايته المراد والمحبوب، وأنه سبب للعلو وذلك أن في إفشاء السلام الاتصاف بمكارم الأخلاق ورضا الله ومحبة الناس له وأي علو أشرف من حيازة هذه الأمور (وابذل الطعام) تقدمت ثلاثة أحاديث في حرف الطاء في إطعام الطعام وفيه عدة من الترغيب وقد جمع فيه بعض العلماء المحدثين أربعين حديثا في شأن فضله، وفيه مع الأجر شرف الذكر في الدنيا ومحبة العباد له فإن القلوب جبلت على من أحسن إليها وعلى الثناء عليه ولذلك صار ذكر حاتم في كل مكان وضربت بجوده الأمثال كل لسان، فمطعم الطعام فائز بالأجر في الدنيا والآخرة مع إعاضة له فيما ينفقه ومغفرة الله له كما في حديث أنس الذي تقدم:"إذا دخل الضيف على القوم دخل برزقه وخرج بمغفرة ذنوبهم"(واستحي من الله كما تستحي رجلاً من رهطك ذي هيئة) تقدم شرحه (ولتحسن خلقك) تكلف تحسينها إن لم يكن كذلك في أصل الخلقة وتقدم الكلام عليه (وإذا أسأت) أتيت سيئة (فأحسن فإن الحسنات يذهبن السيئات) كما قال تعالى وهو عام في الإساءه إلى الخالق أو إلى العباد كما يقال:

إن العداوة تستحيل مودة

بتدارك الهفوات بالحسنات

(طب عن أبي أمامة)(3).

(1) أخرجه مسلم (54).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (7240).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 228) رقم (7897)، وقال الهيثمي (6/ 148) فيه علي بن يزيد (أبو عبد الملك الألهاني) وهو ضعيف. وانظر المغني (4358) والتقريب (4817) .. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (993) والسلسلة الضعيفة (2730).

ص: 538

1222 -

"أفشوا السلام تسلموا (خد ع حب هب) عن البراء (صح) ".

(أفشوا السلام تسلموا) تقدم الكلام عليه قريبا (خد ع حب هب عن البراء)(1) رمز المصنف لصحته.

1223 -

"أفشوا السلام بينكم تحابوا (ك) عن أبي موسى (صح) ".

(أفشوا السلام بينكم تحابوا) يحب بعضكم بعضا وسلف أنه مراد لله تعالى (ك عن أبي موسى)(2) رمز المصنف لصحته.

1224 -

"أفشوا السلام فإنه لله تعالى رضا (طس عد) عن ابن عمر (ح) ".

(أفشوا السلام فإنه) أي الإفشاء (لله تعالى رضًا) يرضاه لكم ويرضى به عنكم ورضاؤه غاية المطلوب وكل الأمر المحبوب (طس عد عن ابن عمر)(3) قال الشارح: إنه رمز المصنف لحسنه وهو ضعيف والذي رأيناه فيما قوبل على خطه أنه لا رمز عليه.

1225 -

"أفشوا السلام كي تعلوا (طب) عن أبي الدرداء".

(أفشوا السلام كي تعلوا) فإنكم إذا أفشيتموه تحاببتم فاجتمعت كلمتكم فقهرتم عدوكم (طب عن أبي الدرداء) سكت عليه المصنف وقال شارحه أنه

(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (787)(979) وأبو يعلى (1687) وابن حبان (491) والبيهقي في الشعب (8757). وأورده العقيلي في الضعفاء (3/ 488) في ترجمة قنان بن عبد الله النهمي. وقال: والمتن معروف بغير هذا الإسناد في إفشاء السلام بأسانيد جياد أهـ. وقنان قال النسائي: ليس بالقوي انظر الميزان (5/ 475)، وتهذيب التهذيب (8/ 343). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1087) والسلسلة الصحيحة (1493).

(2)

أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 129) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1086).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (6611)، وابن عدي في الكامل (3/ 342) وفي إسناده سالم بن عبد الأعلى (أبو الفيض) قال الذهبي في المغني (2304): تركوه، وقال بن طاهر يضع الحديث على الثقات وقال النسائي ليس بثقة، انظر الميزان (3/ 5)، وانظر المجمع للهيثمي (7/ 339)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (994) والسلسة الضعيفة (2835) ضعيف جدًا.

ص: 539

رمز عليه بالضعف وليس كذلك بل هو حسن جيد (1).

1226 -

"أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وكونوا إخوانًا كما أمركم الله (هـ) عن ابن عمر"(صح).

(أفشوا السلام وأطعموا الطعام وكونوا إخوانًا كما أمركم الله) حيث أخبركم {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] فإنه يتضمن الأمر بأن يكونوا إخوانا وفي عطفه على ما ذكر إشعار بأن ذلك سبب للأخوة في الله تعالى (ت عن ابن عمر (2)) رمز المصنف لصحته.

1227 -

"أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، واضربوا الهام، تورثوا الجنان (ت) عن أبي هريرة (ح) ".

(أفشوا السلام وأطعموا الطعام واضربوا الهام) جمع هامة وهي الرأس وأريد بها هنا الجهاد في سبيل الله (ترثوا الجنان) في تسميته ميراثًا حديث مرفوعًا ذكره المصنف في الدر المنثور وهو: "أن يرث أهل الجنة مساكن أهل النار [/ 358] التي كانت أعدت لهم لو آمنوا.

واعلم أنه قد ورد بما ذكر في هذه الأحاديث تفسير نبوي من حديث ابن عباس بزيادة ولفظه: "إن في الجنة لغرفًا. إذا كان ساكنها فيها لم يخف عليه ما خارجها وإذا خرج لم يخف عليه ما فيها" قيل: لمن هي يا رسول الله؟ قال: "لمن أطاب الكلام، وأدام الصيام، وأطعم الطعام، وأفشى السلام وصلى بالليل والناس

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير كما المجمع (8/ 30)، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 286) إسناد حسن وقال الهيثمي في المجمع (8/ 30): إسناده جيد. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1088).

(2)

أخرجه الترمذي (1854). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (995) والسلسلة الضعيفة (1324)

وفي إسناده عثمان بن عبد الرحمن الجمحي قال أبو حاتم لا يحتج به، وقال ابن عدي منكر الحديث. انظر الميزان (5/ 56).

ص: 540

نيام" قيل: وما طيب الكلام يا رسول الله؟ قال: "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد إنها تأتي يوم القيامة ولها مقدمات ومعقبات ومجنبات" قيل: يا رسول الله فما إدامة الصيام؟ قال: "من أدرك رمضان فصامه ثم أدركه فصامه" قيل: فما إطعام الطعام؟ قال: "من قات عياله فأطعمهم" قيل: فما إفشاء السلام؟ قال: "مصافحة أخيك إذا لقيته ومحبته" قيل: فما الصلاة والناس نيام؟ قال: "صلاة العشاء الآخرة واليهود والنصاري نيام" أخرجه الخطيب (1).

قال بعض المحققين: هذا التفسير ليس بغريب لأن المعاني داخلة في أحاديث الباب المطلقة دخولاً أوليًا لصدق اللفظ عليها مع ظهور تقدمها في الفضل وليس المراد الحصر عليها وإنما السؤال المطلق قد يجاب بالفرد الكامل من المسئول عنه للتمثيل به مع زيادة عناية انتهى وهو كلام حسن نافع في مواضع (هـ عن ابن عمر)(2) رمز المصنف لحسنه وقد قال الترمذي: حسن غريب.

1228 -

"أفضل الأعمال الصلاة لوقتها وبر الوالدين (م) عن ابن مسعود (صح) ".

(أفضل الأعمال الصلاة لوقتها) ويأتي حديث في أول وقتها فيقيد هذا الإطلاق وقد تقدم الكلام عليه باستيفاء في: "أحب العمل إلى الله .. " كما تقدم الكلام على قوله (وبر الوالدين)(3)(م عن ابن مسعود) وتقدم بزيادة ثم الجهاد وعطف البر بثم هنالك ونسبه إلى أحمد والشيخين وغيرهم.

(1) أخرجه الخطيب في تاريخه (4/ 178). وأورده ابن حبان في المجروحين (1/ 259) في ترجمة حفص بن عمر بن حكيم.

(2)

أخرجه ابن ماجه (3252) قال البوصيري (4/ 5) هذا إسناد صحيح إن كان ابن جريج سمعه من سليمان بن موسى. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1089) والسلسلة الصحيحة (1501) والإرواء (777) ..

(3)

أخرجه مسلم (85).

ص: 541

1229 -

"أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها (د ت ك) عن أم فروة (صح) ".

(أفضل الأعمال) أكثرها أجرًا وأحبها إلى الله (الصلاة في أول وقتها) هذا المقيد لما أطلق من ذلك ولكنه قد نوزع في صحته إلا أنه يعضده محافظته صلى الله عليه وسلم طول عمره على الإتيان بالصلاة في أول أوقاتها إلا العشاء فقد ورد التصريح بأن تأخيرها أفضل (د ت ك عن أم فروة)(1) أخت أبي بكر الصديق رمز المصنف لصحته.

1230 -

"أفضل الأعمال الصلاة لوقتها، وبو الوالدين، والجهاد في سبيل الله (خط) عن أنس".

(أفضل الأعمال الصلاة لوقتها وبر الوالدين والجهاد في سبيل الله) هذه العبارة بالنظر إلى العاطف لا يستفاد منها أي الثلاثة أفضل بل دلت اشتراكها في الأفضلية على غيرها من الأعمال إلا أنه تقرر عندهم أنهم يقدمون ما هم به أغنى وشأنه أهم وتقدم حديث ابن مسعود في الثلاثة مرتبا بالعطف بثم والأحبية والأفضلية معنى واحد وحينئذ فيقيد هذا المطلق بذلك المقيد ويقيد أن الصلاة لوقتها أو لأوله أفضل الأعمال على الإطلاق (خط عن أنس)(2).

1231 -

"أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورًا، أو تقضي عنه دينا، أو تطعمه خبزًا ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج (هب) عن أبي هريرة (عد) عن ابن عمر".

(أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورًا) إن قلت قد حكم آنفًا أن أفضل الأعمال الصلاة .. الخ وهنا أنه إدخال السرور، ويأتي في هذه الصيغة أحاديث تقضي بأفضلية ما يذكر معها بأنه الأفضل فكيف التوفيق؟

(1) أخرجه أبو داود (426) والترمذي (170) والحاكم (1/ 189). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1093).

(2)

أخرجه الخطيب (10/ 286) عن أنس، وقال: غريب بهذا الإسناد جدًا، و (12/ 66) عن ابن عمر. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1095) والسلسلة الصحيحة (1489).

ص: 542

قلت: وجهه أن الأعمال في كل حديث مقيدة بقيد السياق ففي مثل أفضل الأعمال الصلاة إفراد الأعمال البدنية كالعبادات ومثل هذا الحديث [1/ 359] ويراد الأعمال العائدة إلى صلة الإخوان ومعاشرة أهل الإيمان ولاحظ هذا في كل الأحاديث كما سننبه عليه وتقدم حديث: "أحب الأعمال إلى الله بعد الفرائض إدخال السرور على المسلم" فقيده بما ترى وفي شرح البخاري للحافظ ابن حجر أجوبة كثيرة في كتاب الإيمان (1) وكذلك لابن دقيق العيد في شرح العمدة وقدمنا شيئًا من ذلك وأنه يختلف باختلاف الأشخاص (أو يقضي عنه دينًا) هو من عطف الخاص على العام وقد كان السلف يبالغون في هذه الفضائل ويسارعون إليها قال الغزالي رحمه الله تعالى (2): روي أن مسروقًا أدان دينًا ثقيلاً وكان على أخيه خيثمة دين قال: فذهب مسروق يقضي دين خيثمة وهو لا يعلم وذهب خيثمة فقضى دين مسروق وهو لا يعلم (أو يطعمه خبزًا) ضبط بالخاء المعجمة وسكون الموحدة آخره زاي والمراد مثلا وهو من الخاص بعد العام أيضًا (ابن أبي الدنيا (3) في قضاء الحوائج هب عن أبي هريرة) وضعفه المنذري لكن له شواهد (عد عن ابن عمر) وضعفه مخرجه ابن عدي.

1232 -

"أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس (طب) في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة".

(أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله) هذا القيد لا بد منه في جميع ما ذكر تفضيله فإن

(1) انظر: فتح الباري (9/ 414، و 10/ 433).

(2)

انظر: الإحياء (3/ 58).

(3)

أخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج (112) والبيهقي في شعب الإيمان (7687) عن أبي هريرة وقال المناوي (2/ 26): فيه الوليد بن شجاع قال أبو حاتم لا يحتج به وعمار بن محمد وضعف والحاصل أنه حسن لشواهده، وابن عدي في الكامل (3/ 433) عن ابن عمر.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1096) والسلسلة الصحيحة (1494).

ص: 543

الإيمان أفضل الأعمال مطلقًا وكل عمل فرع من فروعه وهو يسمى عملاً قلبيًا (التودد إلى الناس) التحبب إليهم وتفعل هنا للاتخاذ أي من اتخاذ الفاعل أصل الفعل والمراد اتخاذ المحبة عند الناس باكتساب أسبابها من ملاقاتهم بالبشر والطلاقة وبذل السلام وإطابة الكلام وغير ذلك من أسباب التحبب لأنه مراد الله من عباده وتكررت فيه الأحاديث (طب في مكارم الأخلاق عن أبي هريرة)(1) سكت عليه المصنف وقال الشارح: إسناده حسن.

1233 -

"أفضل الأعمال الكسب من الحلال ابن لال عن أبي سعيد".

(أفضل الأعمال الكسب من الحلال) تقدم الكلام على ذلك في أطيب وقد ورد أن الكسب من الحلال فريضة بعد الفريضة (ابن لال عن أبي سعيد) قال الشارح: إسناده ضعيف (2).

1234 -

"أفضل الأعمال الإيمان بالله وحده، ثم الجهاد، ثم حجة برة تفضل سائر الأعمال، كما بين مطلع الشمس إلى مغربها (طب) عن ماعز".

(أفضل الأعمال الإيمان بالله وحده) هذا هو أفضلها على الإطلاق فإنه لا يخرج من النار قدر مثقال ذرة أو أدنى منه سواه من الأعمال (ثم الجهاد) أي في سبيل الله (ثم حجة برة) مبرورة كما في حديث: "الحج المبرور ليس له ثواب إلا

(1) أخرجه الطبراني في مكارم الأخلاق كما في كشف الخفاء (1/ 172). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (999) والسلسلة الضعيفة (1395) وفي إسناده علتان:

الأولى: علي بن زيد بن جدعان. قال البخاري لا يحتج به وقال أبو حاتم يكتب حديثه وقال الفسوي اختلط في كبره. انظر الميزان للذهبي (5/ 156).

الثانية: عبيد بن عمرو الحنفي.

ضعفه الأزدي وأورد له ابن عدي حديثين منكرين. انظر الميزان لابن حجر (4/ 121).

(2)

أخرجه ابن لال كما في كشف الخفاء (462)، والمداوي (2/ 57) وقال المناوي (2/ 26): فيه إسماعيل بن عمر شيخ لا يعرف وعطية العوفي أورده الذهبي في الضعفاء (4139) وقال: ضعفوه. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (99) وفي السلسلة الضعيفة (2833).

ص: 544

الجنة" (1) وهي ما لم يخالطها شيء من الإثم (يفضل سائر الأعمال) السائر الباقي لا يعني الجميع كما توهم جماعات أفاده القاموس (2)(كما بين مطلع الشمس إلى مغربها) أي بين الأعمال وبين الحجة البرة هذا القدر في التفاوت ولم يذكر الصلاة وبر الوالدين مع أنهما مقدمان في حديث ابن مسعود وغيره كما سلف قريبًا لأنه صلى الله عليه وسلم في كل مقام يتكلم بما يناسب المخاطبين ويكتفي ببعض الأحاديث عن بعض أو الأعمال مخصصة في هذا الحديث بحديث ابن مسعود في الصلاة وبر الوالدين أو أنه في حق من لم يكن له والدان في الحياة ويراد بالإيمان ما يشمل الصلاة ولا يصح أن يجعل ضمير تفضل للحجة فقط لأنه ينافي الترتيب في الحديث (طب عن ماعز)(3) قال الشارح: ماعز في الصحابة (4) متعدد فينبغي تمييزه.

قلت: لا حاجة إليه بعد القول بأن الصحابة كلهم عدول قال وقد أخرجه أحمد قال الهيثمي: ورجال أحمد رجال الصحيح.

1235 -

"أفضل الأعمال العلم بالله، إن العلم ينفعك معه قليل العمل وكثيره، وإن الجهل لا ينفعك معه قليل العمل ولا كثيره الحكيم عن أنس".

(أفضل الأعمال العلم بالله) أي بوحدانيته وألوهيته وإثبات صفات كماله ونفي صفات النقص عنه وأريد بالأعمال [1/ 360] العلمية فكأنه قيل أفضل العلم العلم بالله ولذا قابله بالجهل وعلله بقوله (إن العلم) بالله (ينفعك معه قليل العمل وكثيره) ولذا كان نوم العالم خير من عبادة الجاهل (وأن الجهل) غايته (لا

(1) أخرجه أحمد (2/ 246).

(2)

القاموس (ص 517).

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (20/ 344) رقم (809) وقول الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 207). وأحمد (4/ 342). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1092).

(4)

الإصابة (5/ 705).

ص: 545

ينفعك معه قليل العمل ولا كثيره) ومن هنا فضل العلم سائر الأعمال وزاحم العلماء الملائكة في الذكر بالشهادة لله بالوحدانية والقيام بالقسط فليبذل العبد ساعاته في طلب ذلك (الحكيم عن أنس)(1) سكت عليه المصنف وإسناده ضعيف كما قاله الشارح.

1236 -

"أفضل الأعمال الحب في الله، والبغض في الله (د) عن أبي ذر".

(أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله تعالى) أي الحب لأجله والبغض لأجله فكلمة في تعليلية كما سلف وتقدم الكلام فيه مستوفي والمراد بالأعمال الحب والبغض كأنه قيل أفضل الحب وأفضل البغض (د عن أبي ذر)(2) سكت عليه المصنف وقال الشارح: فيه مجهول.

1237 -

"أفضل الأيام عند الله يوم الجمعة (هب) عن أبي هريرة".

(أفضل الأيام عند الله) أكثر الأعمال فيها أجرًا (يوم الجمعة) المراد أيام الأسبوع لما مر أن أعظم الأيام يوم النحر ثم يوم القر والأصح أن يوم الجمعة أفضل الأيام على الإطلاق لحديث أبي لبابة عند أحمد وابن ماجه (3) أن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم

(1) أخرجه الحكيم الترمذي (4/ 101) من رواية أنس والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (466) من رواية ابن مسعود. قال المناوي (2/ 28) قال الزين العراقي: سنده ضعيف.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (997) وفي السلسلة الضعيفة (7031) موضوع.

وفي إسناده مؤمل بن عبد الرحمن الثقفي، قال الذهبي في المغني (6550) مؤمل بن عبد الرحمن ضعفه أبو حاتم، وفي إسناده أيضًا: عباد بن عبد الصمد، قال الذهبي في الميزان (4/ 31) واه وقال البخاري منكر الحديث، وانظر المغنى (3043).

(2)

أخرجه أبو داود (4599) وفي إسناده رجل مجهول روى عن أبي ذر وكذلك فيه يزيد بن أبي زياد الكوفي لا يحتج بحديثه. وانظر الترغيب والترهيب (4/ 14). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (996) والسلسلة الضعيفة (1310).

(3)

أخرجه ابن ماجه (1084) وأحمد (3/ 430) وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 129): هذا إسناده حسن.

ص: 546

الفطر (هب عن أبي هريرة)(1) سكت عليه المصنف وقال الشارح: إسناده حسن.

1238 -

"أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت (طب حل) عن عبادة بن الصامت".

(أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت)(2) في أي مكان كنت فأنت عالم أن ربك مطلع عليك لا يخفى عليه شعرة من شعرات حركاتك وسكونك ونومك ويقظتك وهذا العلم يستلزم المراقبة لمولاك في كل حال فإن من علم أن مالك ناصيته معه في كل حال راقبه في أقواله والأفعال (طب حل (3) عن عبادة بن الصامت) قال أبو نعيم: إنه غريب.

1239 -

"أفضل الإيمان: الصبر، والسماحة (فر) عن معقل بن يسار (تخ) عن عمير الليثي".

(أفضل الإيمان الصبر) على فعل المأمور وترك المحظور وما ورد من المقدور (والسماحة) الجود وسخاء النفس (فر عن معقل بن يسار)(4) ضعفه اليمان (تخ

(1) أخرجه البيهقي في الشعب (3660) عن أبي هريرة. وقال المناوي (2/ 28): إسناده حسن. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1098) والسلسلة الصحيحة (1502).

(2)

هكذا جاء في المخطوط بلفظ "أفضل الأعمال" وجاء في الجامع الصغير وكتب الأصول بلفظ "أفضل الإيمان".

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (كما في مجمع الزوائد 1/ 60) والطبراني في "الأوسط"(8796) وأبو نعيم في الحلية (6/ 124). وقال الهيثمي (1/ 60): رواه الطبراني في الأوسط والكبير وقال تفرد به عثمان بن كثير، قلت: ولم أرض من ذكره بثقة ولا جرح. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1002) والسلسلة الضعيفة (2589) في إسناده نعيم بن حماد قال الذهبي في الميزان (7/ 41) لين في حديثه، وانظر المغني (6658).

(4)

أخرجه البخاري في التاريخ (5/ 25) عن عمير، قال المناوي (2/ 29) فيه شهر بن حوشب، وانظر علل ابن أبي حاتم (2/ 149) وابن حبان في المجروحين (3/ 136) وابن عدي في الكامل (7/ 155) عن جابر.

ص: 547

عن عمير) بالتصغير لعمر (الليثي) بمثناة تحتية فمثلثة ورواه البيهقي في الزهد بإسناد صحيح.

1240 -

"أفضل الإيمان أن تحب لله وتبغض لله، وتعمل لسانك في ذكر الله عز وجل وأن تحب للناس ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك، وأن تقول خيرا أو تصمت (طب) عن معاذ بن أنس".

(أفضل الأيمان أن تحب في الله) لأجله (وتبغض لله) كذلك وهو الدليل على أن كلمة في في الأول تعليلية (وتعمل) بالضم لحرف المضارعة من اعمل (لسانك في ذكر الله عز وجل) تشغلها به عن غيره (وأن تحب للناس) المؤمنين أو مطلقًا وسلف البحث فيه (ما تحب لنفسك) من أمور الخير (وتكره لهم) من الشر (ما تكره لنفسك وأن تقول خيرًا) من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو إصلاح بين الناس أو نحو ذلك (أو تصمت) بضم الميم (طب عن معاذ (1) بن أنس) سكت عليه المصنف وفيه ابن لهيعة.

1241 -

"أَفْضَلُ الْجِهَادِ كلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ (5 عن أبي سعيد الخدري حم 5 طب هب عن أبي أمامة حم ت هب عن طارق بن شهاب) ".

(أفضل الجهاد كلمة حق) تقال (عند سلطان جائر) تقدم في أحب الجهاد وقدمنا الكلام فيه بما لا مزيد عليه (5 عن أبي سعيد الخدري حم 5 طب هب عن أبي أمامة) سكت عليه المصنف وقال في الدرر: إسناده لين (حم ت هب عن طارق بن شهاب) البجلي الأحمسي قال المنذري: بعد عزوه للنسائي وإسناده صحيح (2).

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 191) رقم (425)، وقال الهيثمي (1/ 61) في إسناده ابن لهيعة قال الذهبي ضعيف. انظر المغني (3317)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1001).

(2)

حديث أبى سعيد: أخرجه ابن ماجه (4011).

حديث أبي أمامة: أخرجه أحمد (5/ 251)، وابن ماجه (4012). قال البوصيري (4/ 184): هذا إسناد فيه مقال، أبو غالب مختلف فيه ضعفه ابن سعد وأبو حاتم والنسائي ووثقه الدارقطني وقال =

ص: 548

1242 -

"أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه (ابن النجار عن أبي ذر).

(أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه) اعلم أنهم ذكروا للجهاد أربع مراتب جهاد النفس وجهاد الشيطان وجهاد الكفار وجهاد المنافقين وجهاد النفس أربع مراتب أيضًا.

أحدها: أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين.

الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه وإلا فمجرد العلم من دون عمل يضرها أي [1/ 361] لم ينفعها.

الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لم يعلم وإلا كان من {الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: 159] ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله.

الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذية الخلق، ويحتمل ذلك كله منه فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانيًّا حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلمه، فمن علم وعمل وعلم بذلك يدعى عظيما في ملكوت

= ابن عدى: لا بأس به وراشد بن سعيد قال فيه أبو حاتم صدوق وباقي رجال الإسناد ثقات. وأخرجه الطبراني (8/ 282، رقم 8081)، والبيهقي في شعب الإيمان (7581). انظر: الدرر المنتثرة للسيوطي (ص: 2).

حديث طارق بن شهاب: أخرجه أحمد (18848)، والنسائي (7/ 161)، والبيهقي في شعب الإيمان (7582) وقال: هذا مرسل جيد. والضياء (8/ 110، رقم 122).

وانظر: صحيح الترغيب والترهيب (2306) وفيه كلام المنذري، وقال الألباني: صحيح لغيره.

ص: 549

السماء أفاده ابن القيم رحمه الله (1).

والرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر هنا أن أفضل الجهاد على الإطلاق جهاد النفس والمراد جهادها على هذه الأربع المراتب فهذا أعلى مراتب الجهاد لأنه أصل المراتب كلها فإنه لا يحصل له واحدة من تلك الرتب إلا بجهاده لنفسه على تحصيلها فالتفصيل مطلق حقيقي قال الغزالي (2): والمراد بالنفس الأصل الجامع للصفات المذمومة فلابد من مجاهدة النفس وكسرها وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: "أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك"(3) ويأتي إن شاء الله تقسيم النفس إلى ثلاثة: أمارة ومطمئنة ولوامة (وهواه) هو كل ما تهواه النفس وتميل إليه من مشتهياتها فيجاهدها بمخالفة ما تدعوه إليه فإنها لا تدعوه إلا إلى ما لا ينفعه عند مولاه قال يحيى بن معاذ الرازي: جاهد نفسك بأسباب الرياضة على أربعة أوجه: القليل من الطعام، والغمض من المنام، والحاجة من الكلام، وتحمل الأذى من جميع الأنام فيتولد من قل الطعام موت الشهوات ومن قل المنام صفو المرادات ومن قلة الكلام السلامة من الآفات ومن احتمال الأذى البلوغ إلى الغايات (ابن النجار عن أبي ذر) وأخرجه أبو نعيم والديلمي أيضًا من حديثه (4).

1243 -

"أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَالثَّجُّ (ت عن ابن عمر 5 ك هق عن أبي بكر ع عن ابن مسعود) "(صح).

(أفضل الحج العج) بالمهملة والجيم رفع الصوت بالتلبية (والثج) بالمثلثة

(1) انظر: زاد المعاد (3/ 9).

(2)

انظر: الإحياء (3/ 4).

(3)

أخرجه البيهقي في الزهد، قال العراقي: وفيه محمد بن عبد الرحمن بن غزوان، أحد الوضاعين.

(4)

أبو نعيم في الحلية (2/ 249)، والرافعي (3/ 133)، والديلمي (1/ 1/ 127). وانظر السلسلة الصحيحة (1496).

ص: 550

والجيم إراقة دماء الهدي والأضاحي وتقدم الحديث في أحب (ت عن ابن عمر 5 ك هق عن أبي بكر) رمز المصنف لصحته على رمز الحاكم (ع عن ابن مسعود)(1).

1244 -

"أفضل الحسنات تكرمة الجلساء (القضاعي عن ابن مسعود) ".

(أفضل الحسنات تكرمة الجلساء القضاعي عن ابن مسعود) مثل أن يبسط له رداءه فقد كان صلى الله عليه وسلم يبسط رداءه وكان لا يتميز على جلسائه وكان كل أحد يظن أنه أحب الخلق إليه وإلقاء الوسادة فقد ألقى عبد الله بن عمرو لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوسادة (2).

1245 -

"أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دعاء المرء لنفسه (ك عن عائشة) "(صح).

(أفضل الدعاء دعاء المرء لنفسه) لما كان الدعاء أشرف من المال وقد ثبت في المال ابدأ بنفسك فبالأولى الدعاء وذلك لأن الإنسان مأمور بحفظ نفسه من شرور الدارين ولا يستجلب لها شيئًا من الأشياء بأفضل من الدعاء ولذا قدم الله في تعليم عباده الدعاء، الدعاء لأنفسهم بقوله:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا} [الحشر: 10] فالدعاء للنفس أفضل من الدعاء للغير وأما

(1) حديث ابن عمر: أخرجه الترمذي (2998) وقال: لا نعرفه من حديث ابن عمر إلا من حديث إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي وقد تكلم بعض أهل الحديث في إبراهيم بن يزيد من قبل حفظه قال المناوى (2/ 31): فيه الضحاك بن عثمان، قال أبو زرعة: ليس بقوى، ووثقه ابن معين. حديث أبى بكر: أخرجه ابن ماجه (2924)، والحاكم (1/ 620) وقال: صحيح الإسناد. والبيهقي (5/ 42). قال المناوى (2/ 31): فيه يعقوب بن محمد الزهري، أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه أبو زرعة وغير واحد، وفيه أيضًا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك أورده في ذيل الضعفاء وقال: ثقة مشهور. قال ابن سعد: ليس بحجة حديث ابن مسعود: أخرجه أبو يعلى (5086)، قال الهيثمي (3/ 224): فيه رجل ضعيف. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1101) والسلسلة الصحيحة (1500).

(2)

أخرجه الديلمي (1434). وأخرجه أيضًا: القضاعي (1285). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1005) والسلسلة الضعيفة (2734): موضوع في إسناده شيخ القضاعي محمد بن منصور التستري، وقال الذهبي في المغني (6007) قال أبو إسحاق الحبال كذاب.

ص: 551

حديث: "إن الرجل إذا دعا لأخيه بظهر الغيب قال له الملك ولك بمثل ذلك"(1) فهذه فضيلة لدعاء الرجل للغائب ولا يرتقي إلى فضيلة دعائه لنفسه، هذا على أن يراد أن دعاؤه لنفسه أفضل من دعائه لغيره ويحتمل أن يراد دعاء العبد لنفسه لا دعاء غيره له وذلك لأنه بدعائه لنفسه يحصل التضرع والتذلل وتظهر حاجته وفقره ويعبّر عن نفسه، ويحتمل أن اللام تعليلية لا صلة للدعاء، وأن المراد دعاؤه لإنقاذ نفسه ونجاتها من العذاب أفضل من دعائه لها بغير ذلك من خير الدنيا وهذه الأفضلية بالنسبة إلى المدعو له، والحديث الثاني بالنسبة إلى المدعو به (ك عن عائشة) رمز المصنف لصحته لأنه صححه الحاكم وتعقبه الشارح بأن فيه راويًا واهيًا ولكن رواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد (2).

1246 -

"أَفْضَلُ الدُّعَاءِ أن تسأل ربك الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فإنك إذا أعطيتهما في الدنيا ثم أعطيتهما في الآخرة فقد أفلحت (حم وهناد ت 5 عن أنس) "(صح).

(أفضل الدعاء) المدعو به (أن تسأل ربك العفو [1/ 362] وهو محو الذنب (والعافية) وهي السلامة من الأسقام والبلايا وهي الصحة وضدها المرض كما في النهاية (3) وقوله (في الدنيا والآخرة) متعلق بهما فعافية الآخرة السلامة من العذاب ومن الفزع ومن أهوال يوم القيامة، وسؤال العافية إلى الآخرة مع العفو من التأكيد وملائمة اللاحق السابق وإلا فالعفو إذا حصل فيها فقد حصلت

(1) أخرجه مسلم (2732).

(2)

أخرجه البزار كما في كشف الأستار (3173) وقال الهيثمي (10/ 152): رواه البزار بإسنادين، أحدهما جيد. وأخرجه أيضًا: البخاري في الأدب المفرد (715)، والحاكم (1/ 727) وقال: صحيح الإسناد. وتعقبه الذهبي في التلخيص بقوله: مبارك بن حسان واهٍ. وأخرجه أبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان (1/ 211)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1008): موضوع، وفي السلسلة الضعيفة: ضعيف. وفي إسناده مبارك بن حسان قال الذهبي في المغني (5157) قال الأزدي يرمى بالكذب.

(3)

انظر: النهاية (3/ 524).

ص: 552

العافية وقدم العفو لأن طلبه أهم وأقدم من العافية ولا يقال يعلق في الدنيا بالعافية وفي الآخرة بالعفو لأنا نقول العفو مطلوب في الدارين جميعًا ولأن قوله (فإنك إذا أعطيتها في الدنيا ثم أعطيتها في الآخرة فقد أفلحت) صرت مفلحًا معدودًا في زمرة المفلحين لا يناسب ذلك (حم وهناد (ت 5 عن أنس) رمز المصنف لصحته على رمز أحمد وقال الترمذي: إنما نعرفه من حديث سلمة بن داود انتهى. قال الشارح: وسلمة هذا ضعفه أحمد (1).

1247 -

"أفضل الدنانير دينار يُنْفِقُهُ الرجل على عِيَالِهِ ودينار يُنْفِقُهُ الرجل على دَابَتَّهِ في سبيل الله ودينار يُنْفِقُهُ الرجل على أصحابه في سبيل الله (حم م ت ن 5 عن ثوبان) "(صح).

(أفضل الدنانير) مثلا الذي ينفقها العبد في وجوه الخير (دينار ينفقه الرجل) أو المرأة (على عياله) وكأن المراد بعد إنفاقه على نفسه وإلا فيقدم أنه يبدأ بنفسه أو إيثاره على نفسه (ودينار ينفقه الرجل على دايته) أي دابة كانت (في سبيل الله) في مرضاته وإن لم يكن للجهاد كإنفاقه على دابة يتكسب بها على نفسه فإنه في سبيل الله أو بقرة يعود نفعها عليه فهو كذلك (ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله) في الجهاد أو في وجه مرضاته فهذه الثلاثة أفضل ما ينفقه الرجل وأما هي في نفسها فالسياق يدل أن الأول أفضلها كما أسلفناه (حم م ت ن 5 عن ثوبان)(2).

1248 -

"أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إلا اللهُ وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ (ت ن 5 حب ك عن جابر) "(صح).

(1) أخرجه أحمد (3/ 127)، وهناد (446)، والترمذي (3594) وقال: حسن. وابن ماجه (3848). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1006) والسلسلة الضعيفة (2551) في إسناده سلمة بن وردان وهو ضعيف كما جزم الحافظ في التقريب (2514) والذهبي في الضعفاء (2594).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 284)، ومسلم (994)، والترمذي (1966) وقال: حسن صحيح. والنسائي في الكبرى (9182)، وابن ماجه (2760)، وابن حبان (4242).

ص: 553