الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث
التوريث في السنة الشريفة المطهرة
قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة أحاديث يمكن أن يستنبط منها قواعد مهمة للتوريث، ويستنبط منها- أيضاً- عنايته الكبيرة بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم بهذه القضية الخطيرة، فمن تلك القواعد:
1.
تناقل العلم فيما بين الصحابة ومَن بعدهم من أجيال المسلمين، أو مَن لم يحضر ما قاله صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:((ليبلغ الشاهدُ الغائب؛ فإن الشاهد عسى أن يُبَلِّغ من هو أوعى له منه)) (1).
وفي معنى هذا الحديث وردت عدة أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم لو فد عبد القيس لما أرشدهم إلى بعض أمور دينهم: ((احفظوه وأخبروه مَن وراءكم)) (2).
(1) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب العلم: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((رب مبلَّغ أوعى من سامع))
(2)
المصدر السابق: باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم ويخبروا من وراءهم.
فهذا التناقل المشار إليه هو نوع من التوريث.
ومن ذلك أيضاً ما كان من حال معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث يحدثه النبي صلى الله عليه وسلم بحديث فيكتمه - كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم ثم يورثه لمن بعده عندما حانت منيته، فقد حدّثه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو رديفه على الرَّحْل، قال:
((يا معاذُ بنَ جبل)).
قال: لبيك يا رسول الله وسعديك.
قال: ((يا معاذ)).
قال: لبيك يا رسول الله وسعديك (ثلاثاً).
قال: ((ما من أحد يشهد أن لا إله ألا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار)).
قال: يا رسول الله، أفلا أخبر الناس فيستبشروا؟
قال: ((إذاً يتكلوا)) وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً (1)
2.
الاهتمام بنوعية التوريث وأنه ينبغي أن يكون في الأمور الجامعة المهمة للأمة:
(1) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: كتاب العلم: باب من خَص بالعلم قوماً دون قوم كراهية ألا يفهموا.
ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في شأن وراثة الأنبياء: ((إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)) (1).
3.
التشجيع على توريث العمل الصالح:
فهذا النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم يذكر في حديث له قضية يمكن أن تدرج ضمن التشجيع على التوريث، وهي قضية الأعمال الصالحة التي تتناقلها الأجيال بإعجاب ويكون أجرها للعامل الأول، فقد قال صلى الله عليه وسلم:((من سن في الإسلام سنة حسنة فعُمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا يَنقص من أجورهم شيء)) (2).
(1) أخرجه الإمام أبو داود والترمذي في كتاب العلم، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده كلهم عن أبي الدرداء رضي الله عنه، وفي الحديث كلام طويل ألخصه بسَوْق كلام الأستاذ الشيخ البنا إذ قال:((قال المنذريّ)): ومن هذا الطريق رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحة، والبيهقي في ((الشعب)) وغيرهما
…
وروى الحديث أيضاً الحاكم في ((المستدرك)) بإسناد حسن، والنسائي وأبو يعلى، والطبراني في الكبير، وصحيح البخاري بعض طرقه
…
)) أنظر ((الفتح الرباني)): 1/ 150.
(2)
الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحة: كتاب العلم: باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة.
4.
جملة من الأعمال الإدارية للدولة الإسلامية الأولى:
هناك عدد من الأعمال التي شرعها النبي صلى الله عليه وسلم وهي مبينة لاهتمامه صلى الله عليه وسلم بهذه القضية، فمن ذلك إقراره لمبدأ الشورى لإدارة شؤون الدولة، وكذلك إشارته الواضحة بتولية أبي بكر الصديق رضي الله عنه من بعده، ومبادئ الحرب التي كان يبينها لهم صلى الله عليه وسلم والعلاقات بين الدول، وإقامة الحدود لحفظ الأمن والنفوس، وغير ذلك من القضايا الكثيرة التي سقت أمثلة لها فقط، وإلا فالدين كله توريث على الحقيقة، فكيفية الصلاة والزكاة والحج والصوم والمواريث وغير ذلك هي أنواع من التوريث، لكني إنما ذكرت هاهنا ما نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم أنه توريث أو أشار إليه إشارة واضحة.