الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: (والْجُزْءُ الْيَسِيرُ مِنَ الرَّقِيقِ كَالْكَثِيرِ)؛ أي: فيوجب الخيار. ابن يونس: لضرر الشركة في العبد من منع السفر به ومن الوطء في الأمة.
خليل: وينبغي أن يشارك الرقيق في هذه المسالة سائر الحيوان، وهو الذي يؤخذ من كلامه.
وقوله: (ومَا يُسْتَحَقُّ مِنْ جَمَاعَةِ ثِيَابٍ .. إلخ)، هذه هي الصورة الثانية، وما ذكره من أن حكم هذه الصورة كالبيع نحوه في المدونة، وهو مقيد بما إذا استحق منها شيء معين قليل، وأما إن كان كثيراً مما يضر به في صفقته ويوجب له ترك جميع الصفقة فيفترق النكاح من البيع، ففي البيع لا يجوز له التملك بما بقي؛ لأن حصته مجهولة، وفي النكاح يجوز له؛ لأنه في البعض. وفي الجميع إنما يرجع بقيمة ما استحق، هكذا قال ابن يونس وغيره، وهو [322/ ب] ظاهر؛ لأن الصداق لو استحق جميعه لم يفسخ النكاح، فأحرى في استحقاق البعض.
فرع:
وهل للزوجة إذا استحق الصداق من يدها منع الزوج من وطئها؟ أما إن استحق قبل البناء، فلا شك أن لها ذلك، وإن كان بعده، فقال مالك في العتبية: يحال بينهما. قال في البيان: وهو أظهر الأقوال. وقال ابن القاسم في الموازية: لا يحال بينهما. وقال أصبغ: يمنع حتى يعطيها ربع دينار. وقيل بالفرق بين أن يغرها فيمنع أم لا فلا يمنع. هكذا قال جماعة، ورأى صاحب البيان الخلاف إنما هو إذا لم يغرها، وأما إذا غرها فلها منعه اتفاقاً.
وَ
نِكَاحُ الشِّغَارِ:
يُفْسَخُ أَبَداً عَلَى الأَصَحِّ وإِنْ وَلَدَتْ أَوْلاداً، وهُوَ مِثْلُ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَكَ ابْنَتِي، ولا مَهْرَ بَيْنَنَا ..
أصله في اللغة الرفع، من قولهم: شغر الكلب رجله إذا رفعها للبول. ثم استعملوه فيما يشبهه، فقالوا: أشغر الرجل المرأة، إذا فعل بها ذلك للجماع. ثم استعملوه في النكاح
بغير مهر إذا كان وطئاً بوطء وفعلاً بفعل، فكان الرجل يقول للآخر: شاغرني؛ أي: أنكحني وليتك وأنكحك وليتي، بغير مهر.
قال في المقدمات: وقيل: إنما سمي نكاح الشغار لخلوه عن الصداق. وثبت عنه عليه الصلاة والسلام النهي عنه، وجاء في الحديث مفسراً بما ذكر المصنف، وهل التفسير من كلامه عليه الصلاة والسلام أو من كلام الراوي وهو نافع؛ لأنه رواه عن ابن عمر؟ قولان. ثم إن أصحابنا قسموه إلى قسمين: صريح الشغار، وهو ما ذكرنا، ووجه الشغار وهو أن يكون مع ذلك تسمية مهر.
وما صححه من الفسخ أبداً ولو ولدت الأولاد هو المشهور، ومقابل الأصح رواه علي بن زياد أنه يفسخ قبل البناء لا بعده. وخرج السيوري وابن شبلون من قوله في المدونة:(فيه الميراث ويفسخ بطلاق) قولاً ثالثاً وهو إمضاؤه بالعقد. وخرجه أيضاً غيرهما على أحد قوليه فيما اختلف الناس فيه أنه يمضي ولا يرد وإن نزلوه كحكم حاكم. واختلف الشيوخ في علة فسخه بعد البناء، فقال أبو عمران: النهي عنه. والنهي يدل على الفساد، وقيل: لفساده في عقده لكون كل بضع صداقاً للأخرى، فهو للزوج غير تام الملك لمشاركة المرأة الأخرى له فيه، فكان كمن زوج وليته رجلين أو تزوج نصف امرأة، أو عند بيع في سلعة بين رجلين على أن لكل واحد منهما جميع السلعة. ونحا القاضي إسماعيل والباجي إلى أن علته عروه عن الصداق وشرطهما ذلك. وقال القابسي: إنما اختلف قول مالك في فسخه لاختلاف الناس في معنى الشغار؛ لأن المتفق عليه من لفظ الحديث قوله: "نهى عن الشغار" وبأن الحديث من تفسير نافع.
ابن عبد السلام: وكونه من تفسير نافع هو الصحيح.
الباجي: والظاهر أنه من جملة الحديث حتى يدل دليل على خلافه. ولا يظهر لقول القابسي كبير معنى، وكذلك لا يظهر للذي قبله؛ لأنه لو كان لعروه عن الصداق وشرطهما ذلك لصح بعد البناء.
فَإِنْ سَمَّى شَيْئاً فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا فُسِخَ مَا سُمِّيَ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وفُسِخَ الآخَرُ أَبَداً
يعني: فإن سميا لكل واحدة من المرأتين، فإن قال: زوجني ابنتك بمائة على أن أزوجك ابنتي بمائة، وهو المراد بقوله: (سَمَّى
…
فِيهِمَا) أي في المرأتين، ويحتمل في النكاحين، وهذا هو وجه الشغار.
وقوله: (أَوْ فِي أَحَدِهِمَا) أي: أو سميا في أحدهما، فسخ ما سميا فيه قبل البناء، وفسخ الآخر الذي لم يسم فيه في صورة ما إذا سمي لإحداهما دون الأخرى أبداً؛ لأنه من صريح الشغار.
وقال ابن أبي حازم: كما يفسخ نكاح المسمى لها قبل البناء. وظاهر ما حكاه المتيطي عنه عند جواز الإقدام عليه؛ لأنه قال: وقال ابن أبي حازم في المدونة: لا بأس به.
قال في البيان: ولم يختلف قول مالك في المسمى لها؛ لأنه لا يفسخ بعد البناء. وأجرى غيره قولاً بالفسخ بعد البناء من الصداق الفاسد، وهو ظاهر. قال جماعة: ولا شك أنه صداق فاسد فيجري عليه. فانظر هذا.
وَصَدَاقُ المِثْلِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِمَا مَا لَمْ يَنْقُصْ عَمَّا سُمِّيَ لَهَا، كَمَنْ نَكَحَ بِمائَةِ دِينَارٍ وخَمْرٍ ..
قد علمت أن صور هذه المسألة ثلاث: الأولى: أن لا يسمي فيهما. والثانية: أن يسمي فيهما. والثالثة: أن يسمي في إحداهما دون الأخرى.
ولا خلاف في الصورة الأولى أنه إن حصل الدخول يكون لكل واحدة صداق مثلها بالغاً ما بلغ.
وأما الصورة الثانية: أعني: إذا سمى لكل واحدة منهما- فقال ابن عبد السلام: المشهور أن لكل واحدة الأكثر من صداق المثل أو المسمى، وقيل: صداق المثل
مطلقاً. ولابن لبابة: إن دخل بهما فلكل واحدة الأكثر، وإن دخل بواحدة فصداق المثل مطلقاً. انتهى.
وتؤول على المدونة القولان الأولان، ومقتضى كلام ابن عبد السلام أن المشهور فيما إذا سمى لهما أن يكون لكل واحدة الأكثر، وإن لم يدخل إلا بواحدة لجعله الثالث تفصيلاً، وكلامه في التنبيهات يدل على أن ظاهر المذهب فيما إذا لم يدخل إلا بواحدة أن يكون للمدخول بها صداق المثل مطلقاً؛ لأنه نقل عن ابن القاسم أنه فسر المسألة كذلك في رواية يحيى بن يحيى، قال: وقال عيسى بن دينار في المبسوط خلافه [323/ أ] وأن لها الأكثر كما لو لم يدخل بها.
وأما الصورة الثالثة: أعني: إذا سمى لإحداهما فقط- فإن دخل بالتي لم يسم لها فلها صداق المثل، وإن دخل بالتي سمى لها فتأول ابن أبي زيد على المدونة أن لها الأكثر، وتأولها ابن لبابة على أن لها صداق المثل مطلقاً، نقله ابن عبد السلام، وقال: والضمير في قوله: (فِيهِمَا) يحتمل عوده على نكاح المرأتين المسمى لهما، وهي الصورة الثانية وهو ظاهر التشبيه في قوله:(كَمَنْ نَكَحَ بِمائَةِ دِينَارٍ وخَمْرٍ) أي: فكما إذا تزوجها بمائة وخمر يكون لها الأكثر من صداق المثل والمائة كذلك يكون هنا، وشبهها أيضاً في المدونة بما إذا تزوجها بمائة نقداً، وبمائة إلى موت أو فراق، ويحتمل أن يعود على الصورتين الأخيرتين؛ أعني: إذا سمى لهما أو لإحداهما، ويكون قوله:(مَا لَمْ يَنْقُصْ عَمَّا سُمِّيَ لَهُمَا) أي حيث سمى، ويكون كلام المصنف على هذا دالاً على الحكم في التي سمى لها والتي لم يسم لها بالمطابقة، وعلى الاحتمال الأول يكون دالاً على التي لم يسم لها بالالتزام، والله أعلم.
فرعان:
الأول: الشغار في الأختين والأمتين كالبنتين، وقد صرح بذلك في أصل المدونة، ولعل المصنف اقتصر على البنتين تبعاً للحديث، وبذكر الأختين يعلم أن الشغار لا
يختص بالوليتين المحجورتين، قال في تهذيب الطالب: وذهب بعضهم إلى أن الشغار إنما يكون في من تجبر على النكاح، وهو غلط.
الثاني: قال أبو عمران في رجلين عقد كل منهما نكاح أخته من صاحبه في مجلس واحد: هو جائز إذا لم يفهم أنه إن لم يزوج أحدهما صاحبه لم يزوجه الآخر. ومثله لابن لبابه قال: وإن قال: زوجني وأزوجك، وعقدا على ذلك وسميا صداقاً جاز. قال: والذي يشبه الشغار: زوجني على أن أزوجك، أو إن زوجتني زوجتك.
وَفِي كَوْنِهِ مَنَافِعَ كَخِدْمَتِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، أَوْ تَعْلِيمِهِ قرآناً مَنَعَهُ مَالِكُ وكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وأَجَازَهُ أَصْبَغُ، وإِنْ وَقَعَ مَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ، وعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضاً: إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمَنَافِعِ شَيْءُ فُسِخَ قَبْلَ الْبِنَاءِ، ووَجَبَ صَدَاقُ مِثْلِهَا بَعْدَهُ، وإِنْ كَانَ خَدَمَ رَجَعَ بِقِيمَتِهَا
تبع في نسبة هذه الأقوال ابن شاس، ونسب اللخمي لمالك الكراهة، والمنع لابن قاسم، ونسب في البيان لأصبغ الكراهة، والظاهر أن لكل واحد قولين، ويؤخذ من كلام المصنف القولان لابن القاسم؛ لأنه حكى عنه الكراهة، ثم حكى عنه الفسخ إذا لم يكن مع المنافع شيء، والفسخ إنما يتصور مع المنع، واستدل اللخمي للجواز بقضية موسى مع شعيب عليهما السلام التي ذكرها الله تعالى في كتابه:(إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ) الآية [القصص: 27] وقد استدل بها مالك رحمه الله في العتبية على جبر الأبابنته البكر على النكاح من غير استئمار.
اللخمي بعد نسبته المنع لابن القاسم، وقال- يعني ابن القاسم-: ما ذكره الله عز وجل في نكاح موسى عليه السلام، فإن الإسلام على غيره. انتهى. وهذا مبني على مسألة أصولية؛ وهي: أن شرع من قبلنا شرع لنا أم لا؟ واستدل أيضاً للجواز بما رواه مالك وغيره أنه عليه الصلاة والسلام زوج امرأة لرجل بأن يعلمها ما معه من القرآن.
قوله: (وإِنْ وَقَعَ مَضَى عَلَى الْمَشْهُورِ) هذا تفريع على ما نسبه لمالك من المنع، وأما على الكراهة والجواز فلا يختلف في الإمضاء، وإنما مضى على المشهور لما فيه منا لخلاف وما شهره المصنف، قال في الجواهر: هو قول أكثر الأصحاب، ورواه أصبغ عن ابن القاسم، وروى عنه يحيى: إذا لم يكن مع المنافع صداق فسخ قبل البناء وثبت بعده، ويكون لها صداق مثلها وتسقط الخدمة، فإن كان خدم رجع عليها بقيمة الخدمة، وعلى هذا فقوله:(وعَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ) هو مقابل للمشهور، وكذلك قال.
وقول ابن عبد السلام: أن الإمضاء دليل على أن المشهور في حكم ابتداء الكراهة ليس بظاهر؛ لجواز أن يكون الحكم ابتداء المنع، وكم من مسألة الحكم فيها ابتداء المنع وإذا وقعت صحت، وهذا هو الظاهر من كلام المصنف؛ لأنه إنما نسب المنع لمالك فكيف يكون المشهور خلاف قوله؟ ولم يذكر المصنف تمام قول ابن القاسم، وهو:(إذا كان مع المنافع شيء)، إلا أن يقال: استغنى عن ذلك بالمفهوم، وهو أنه إذا كان معه ربع دينار جاز النكاح، لكن قال في البيان: تفرقة ابن القاسم فيه بين أن يكون معها شيء أم لا، على وجهين: أحدهما: إن كان معه نقد جاز ولم يفسخ، وإن لم يكن معه نقد فسخ قبل البناء وثبت بعده، وكان فيه صداق المثل.
والثاني: إن لم يكن معه نقد فسخ قبل الدخول ومضى بعده وكان فيه صداق المثل، وإن كان معه نقد فسخ قبل الدخول ومضى بعده بالمسمى من النقد.
وَعَنْهُ فِي احْجَاجِهَا كَذَلِكَ، وأَنْكَرَهُ الْعُلَمَاءُ لأَنَّ فِيهِ نَفَقَةً وكِرَاءً فَهُوَ كَصَدَاقِ مِثْلِهَا ..
الضمير في (وَعَنْهُ) عائد على ابن القاسم، قال في الجواهر: وروى عنه يحيى أيضاً في نكاحها على إحجاجها أنه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ويجب صداق المثل إلا أن يكون مع الحجة غيرها فيجوز.
ابن حبيب: وليس يعجبني ولا رأيت أصبغ ولا غيره من أصحاب [323/ ب] مالك يعجبهم، ورأيتهم مراراً يرونه جائزاً؛ لأن ذلك يرجع إلى حجة مثلها في النفقة والكراء والمصلحة، مثل نكاح المرأة على شورة مثلها وعلى صداق مثلها فيجوز ويكون لها الوسط. انتهى.
والظاهر أن نفقة الحج لا تنضبط غالباً لاختلاف الأزمان والأحوال فكان ذلك غرراً، وحكى اللخمي في إحجاجها الثلاثة السابقة في المنافع.
ابن القاسم في الرواية السابقة: وإذا بنى بها وكان مع الحجة مسام كان لها المسمى وقيمة ما ينفق على مثلها من الكراء والنفقة والكسوة وما يتكلف لمثلها في حجها، قال: وقد قال مالك في التي يكون صداقها شيئاً معلوماً والحج فتموت قبل أن يحج بها بعد البناء: أنه يعطي ورثتها ما كان ينفق على مثلها في حجها، قال: وأنا لا أرى إلا أن يحمل لهم مثلها إلا أن يتراضى الزوج والورثة على أمر يجوز بينهم إن كان الكراء لازماً للزوجين، وقاعدة المذهب أن الكراء لا ينفسخ بموت أحد المستأجرين فليس على الزوج إلا الحملان، ولما ذكرناه من الفروع، ولو قالت المرأة ابتداء: أنا لا أحج فأعطني ما كنت تنفقه علي، لم يكن لها ذلك، وكذلك لو أراد أن يعطيها نفقة مثلها ويبرأ من حملها لم يكن له ذلك. وقول ابن القاسم مبني على المنع دون النكاح بالإجارة، لأن حكمه بالفسخ إذا لم يكن مع الحج شيء إنما يحسن على ذلك ولا يحسن على الكراهة، وزعم ابن عبد السلام أن الإنكار إنما يحسن على القول بالكراهة، وأما على المنع فلا، وفيه نظر لما ذكرنا.
فرعان:
الأول: اختلف في بنائها قبل أن يحجها، فمنعه ابن القاسم إلا أن يقدم ربع دينار، وقال أشهب: له أن يبني بها ويجبرها على البناء، لأنه قال: ذلك بمنزلة من تزوج بمائة دينار إلى سنة فله أن يبني بها، يريد: ويجبرها على البناء، وإذا أتى أوان الحج حج بها إلا أن يأتي أوان الحج قبل البناء فلا يكون له البناء حتى يحجها.
الثاني: قال في البيان: لا خلاف في منع النكاح بالجعل؛ لأن الجعل لا يلزم المجهول له، وله أن يتركه متى شاء، فالنكاح به نكاح فيه خيار.
وَكَرِهَ مَالِكُ الْمُؤَجَّلَ وقَالَ: إِنَّمَا الصَّدَاقُ فِيمَا مَضَى نَاجِزُ كُلُّهُ، فَإِنْ وَقَعَ شَيْءُ مِنْهُ مُؤَخَّراً فَلا أُحِبُّ طُولَهُ. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُفْسَخُ إِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَرْبَعِينَ، ثُمَّ قَالَ: خَمْسِينَ وسِتِّينَ ..
ظاهر كلام مالك كراهة الأجل مطلقاً، وقد صرح في المدونة بكراهة الأجل في بعض الصداق ولو إلى سنة، ووجهه ما ذكره من مخالفة أنكحة الماضين، وأيضاً فلئلا يتذرع الناس إلى النكاح بغير صداق، ويظهرون أن هنالك صداقاً ثم تسقطه المرأة، وأخذه الباجي من حديث:"زوجتكها بما معك من القرآن" بعد أن سأله: "هل تجد شيئاً"، وبالغ معه في ذلك حتى قال له:"التمس ولو خاتماً من حديد"، فقال: هذا يقتضي أن حكم الصداق التعجيل، وإلا كان زوجها له بشيء مؤخر، وعن أشهب جواز الأجل فيه إلى اثني عشر عاماً وكذلك زوج ابنته، وعن ابن القاسم إجازة الأربعة، وابن وهب الخمسة، وأصبغ العشرين، ابن عبد السلام: وقيل بجواز العام وكراهة ما فوقه. ابن عبد السلام: ولا خلاف أنه لا يفسخ في العشرين.
خليل: وفيه نظر فقد حكى ابن حارث وغيره عن ابن وهب أنه قال: يفسخ النكاح إذا جاوز العشرة، وقاله ابن القاسم ثم رجع إلى ما نقله المصنف عنه.
اللخمي: ولو زاد على الستين فسخ على كل حال.
ابن عبد السلام: وحكي عن ابن القاسم أيضاً: لا يفسخ إلا إلى السبعين والثمانين.
وَأَمَّا الْمُؤَجَّلُ أَوْ بَعْضُهُ إِلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ مَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ وشِبْهِهِ فَفَاسِدُ، وقَالَ أَصْبَغُ: إِلا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى الْمُعَجَّلِ، أَوْ يُعَجَّلُ الْمُؤَجَّلُ
قوله: (أَوْ بَعْضُهُ) يعني: لا فرق بين جميع الصداق أو بعضه، والفساد هو مذهب المدونة والمشهور، ووجهه بين للضرر.
قال شيخنا: ويقوم منها منع من يشتري سلعة إلى الميسرة، كقول بعض الفقراء: إلى أن يفتحا لله في الثمن، وهذا إذا صرح بذلك ابتداء، وأما إن اشتراها ولم يذكر ذلك ابتداء فهو جائز، وهو محمول على الحلول، وقول أصبغ بين التصور.
فَإِنْ بَنَى فَقَالَ مَالِكُ: لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا مُعَجَّلُ كُلُّهُ وإِنْ زَادَ عَلَيْهِمَا ولا يَنْقُصُ عَنِ الْمُعَجَّلِ. وَعَنْهُ: قِيمَةُ الْمُؤَجَّلِ. وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَمَا لا يَنْقُصُ عَنِ الْمُعَجَّلِ لا يُزَادُ عَلَيْهِمَا ..
مثاله: لو تزوجها بمائة معجلة وبمائة إلى موت أو فراق، فإن اطلع على ذلك قبل البناء فسخ ولم يكن لها شيء، وإن بنى فقال مالك: إنما لها صداق مثلها؛ لأنه صداق فاسد، وإنما جعله معجلاً؛ لأن الأصل في الصداق التعجيل، والضمير في عليها عائد على المعمجل والمؤجل، فلو كان صداق مثلها في المثال المفروض ثلاثمائة أخذتها، فلو كان مائة وخمسين أخذتها، فإن نقص عن المائة لم تنقص منها؛ لأن من حجة الزوجة أن تقول له: أنت رضيت بها مع مائة أخرى، فلأن ترضى بها مفردة من باب الأولى.
(وَعَنْهُ) أي: وعن مالك أنه يلزمه قيمة المائة المؤجلة إلى الأجل المجهول، فتكون تلك القيمة مع المعجل صداقها، وهذا القول إنما ذكره في المدونة في جميع الصداق المؤجل بأجل مجهول، لكن لا فرق، وحكى اللخمي قولاً آخر أنه ينظر إلى قيمتها من المائة المعمجلة، فإن كانت ثلثها أخذت المائة المعجلة وثلث صداق المثل.
وقوله: (وقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَمَا لا يَنْقُصُ عَنِ الْمُعَجَّلِ لا يُزَادُ عَلَيْهِمَا) أي عن المعجل والمؤجل، ووجهه ظاهر؛ لأنه إذا زاد عليهما فمن حجة الزوج أن يقول: أنت رضيت بمائة معجلة ومائة إلى موت أو فراق، فلا ترضي بهما معجلتين من باب الأولى. وحكى في البيان قولاً آخر: أن لها صداق المثل وإن كان أقل من مائة أو أكثر من مائتين، قال: وهو ظاهر قول أصبغ وأبي زيد.
فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا تَاجِيلُ مَعْلُومُ قَدْرَ صَدَاقِ الْمِثْلِ بِهِ ثُمَّ يَاتِي الْقَوْلانِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْجَمِيعِ ..
كما لو تزوجها بثلاثمائة معجلة ومائة إلى سنة ومائة إلى موت أو فراق.
وقوله: (قَدْرَ صَدَاقِ الْمِثْلِ بِهِ) أي بالمؤجل إلى الأجل المعلوم، وكذا فسر المسألة أبو سعيد ابن أخي هشام، فلا ينقص صداق مثلها عن المائة المعجلة والمائة المؤجلة إلى سنة إن نقص عنهما، ويختلف إذا زاد على الثلاثمائة، فعلى قول مالك يكون لها الزائد، وبه قال مطرف وابن الماجشون، وعلى قول ابن القاسم يسقط وبه قال محمد، وهو معنى قوله:(ثُمَّ يَاتِي الْقَوْلانِ) أي: قولي مالك وابن القاسم في الزيادة على الجميع على الثلاثمائة، أما إن زاد صداقها على المائة المعجلة والمائة المؤجلة إلى سنة فلها الزائد حالاً مع المائة الحالة وتبقى المائة إلى أجلها.
وَقَوْلُ مَالِكٍ: يَجُوزُ إِلَى الدُّخُولِ لأَنَّهُ مَعْلُومُ عِنْدَهُمْ
هذا جواب سؤال مقدر، فإنه لما قدم أن الأجل المجهول لا يجوز، وكان ظاهر قول مالك هذا يخالفه أجاب عنه أن مالكاً إنما أجازه؛ لأنه رآه إلى أجل معين لأن الدخول معلوم عندهم، وقد نص مالك على هذا الجواب في رواية يحيى وهو الظاهر هنا، لا ما أجاب به ابن المواز من أن ذلك يرجع إلى الحال؛ لأن الدخول بيد المرأة متى شاءت لأن
ذلك جواب عن مالك بما نص مالك على خلافه، من أن كلاً من الزوجين إذا دعا الآخر إلى الدخول بإثر العقد وأبى الآخر أنه يحكم لمن طلب التأخير ويؤخر القدر الذي يقوله أهل العرف بما لا مضرة فيه على واحد منهما، نعم وقع في الرواية في الحالف بطلاق زوجته: ليدخلن ليلة كذا بها، والليلة تأتي قبل الأجل الذي قدره أهل العرف، أنه يقضي له ولا يحنث ارتكاباً لأخف الضررين. وفي سماع عيسى أن الدخول مجهول، فلا يكون أجلاً للكافي. وقاله أبو زيد وأصبغ، ويفسخ النكاح عندهما قبل البناء وهو خلاف قول مالك.
وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إِلَى أَنْ تَطْلُبَهُ أَوْ إِلَى مَيْسَرَتِهِ إِذَا كَانَ مَلِياً لأَنَّهُ رَأَىهُ حَالاً، وخُولِفَ
هو أيضاً جواب عن سؤال مقدم وتصوره ظاهر، والذي خالفه ابن الماجشون وأصبغ وابن حبيب ورأوا أنه لا فرق بين المؤجل المؤخر إلى موت أو فراق، وبين المؤخر إلى أن تطلبه الزوجة أو إلى اليسار، ويعكر على الجواب الذي ذكره المصنف عن ابن القاسم ما نص عليه ابن القاسم في العتبية من أنه يؤخر بقدر ما يرى من التوسعة عليه.
وقوله: (إِلَى مَيْسَرَتِهِ) يريد: وهو موسر وهو معنى قوله: (إِذَا كَانَ مَلِياً) وكذلك صرح به ابن القاسم في العتبية، قال: وإن كان يومئذ معدما فسخ ما لم يبن فيثبت بصداق المثل. ابن عبد السلام: ولا خلاف في ذلك.
وَمَتَى أُطْلِقَ فَمُعَجَّلُ
لأن الأصل التعجيل.
فرع: واختلف إذا لم يؤرخ أجل الكلام فقال المتيطي: المشهور من مذهب مالك وأصحابه وعليه العمل والحكم أنه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل، وقال ابن وهب: لا يفسخ قبل البناء، ويعجل المؤخر إلى موت أو فراق وهو قول الليث. وقال أصبغ: يخير الزوج فإن عجله أو رضيت الزوجة بإسقاطه صح النكاح وإلا فسخ، ويجوز
في الأجل أن يقدر بما يؤجله الناس، سئل ابن زرب عمن نكح بنقد معلوم وكالأ إلى ما يكفي الناس، فقال: لا يجوز؛ لأن الناس يختلفون في التأجيل، وذكر ابن الهندي عن بعض معاصريه أنه لا يفسخ قبل البناء ويجعل أجله على ما مضى عليه الناس في الكالئ، فإن اختلف الأجل ضرب له أجل وسط.
وَلَوْ أَصْدَقَهَا عَبْداً يُسَاوِي أَلْفَيْنِ عَلَى أَنْ تَرُدَّ لَهُ أَلْفاً فَبَعْضُ الْعَبْدِ مَبِيعُ، وبَعْضُهُ صَدَاقُ مَنَعَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَأَجَازَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ إِذَا تَحَقَّقَ بَقَاءُ رُبُعِ دِينَارٍ، وأَجَازَهُ أَشْهَب مُطْلَقاً كَالسِّلْعَتَيْنِ، وقِيلَ: يَجُوزُ إِنْ فَضَلَ فَضْلُ ..
المنع مذهب المدونة كما ذكر وهو المشهور، وعليه فيفسخ قبل البناء وإن دخل كان لها صداق المثل.
ابن القاسم في العتبية: وترد السلعة إلا أن تفوت بحوالة سوق فأغلى مما يفوت به البيع الفاسد فيلزمها قيمتها يوم قبضها.
وقوله: (وَأَجَازَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ إِذَا تَحَقَّقَ بَقَاءُ رُبُعِ دِينَارِها) كذا حكى عنه اللخمي وعياض، وحكى عنه أيضاً في النكاح الثالث من البيان قولاً آخر: أنه لا يكتفي بفضل ربع دينار بل الفضل الكثير، وهذا هو الذي حكاه المصنف في كلامه آخرا بقوله:(وقِيلَ: يَجُوزُ إِنْ فَضَلَ فَضْلُ)، وبه تعلم أن ما وقع في بعض النسخ (فصل) بالصاد المهملة من التفصيل ليس بجيد.
قوله: (وأَجَازَهُ أَشْهَب مُطْلَقاً كَالسِّلْعَتَيْنِ)، كما لو أعطاها سلعة في صداقها وباعها أخرى، ووجه قوله أنه لم يأت في منع البيع والنكاح قرآن ولا حديث فالأصل الجواز، وقال ابن عبد السلام: قول أشهب بأن يكون ما أعطاه الزوج يساوي [324/ ب] نصف دينار فأكثر، أما إذا كان يساوي ربع دينار وزيادة يسيرة فلا يمكن أشهب أن يقول بالجواز، لكن المثال الذي ذكره المصنف لا يحتاج إلى هذا التقييد؛ لأنه
فرض المسألة أن العبد يساوي ألفين، ولهذا كان قول ابن الماجشون وما بعده خارجاً عن فرض المسألة.
وجرت عادة الشيوخ هنا بتكثير الأمثلة، فيقولون: إن كان العبد يساوي ألأفاً جاز عند أشهب فقط، وإن كان يساوي ألفاً وربع دينار جاز على قول أشهب ومطرف، لكن المصنف رحمه الله قد يأتي بأقوال أعم من فرض المسألة للاختصار.
قيل: وإنما يقضي على قول أشهب على النكاح وما أعطته المرأة إذا كان المدفوع مقارباً لهما جميعاً، وأما إن كان أكثر منهما جميعاً بكثير، فيحمل على أن الزوج زادها ذلك رغبة في نكاحها، وكذلك إن كان أقل نمهما بكثير، حمل على أن المرأة نقصته لرغبتها في نكاحه.
قال في البيان: وهو معنى حسن لو ساعده ظاهر اللفظ.
واختلف في تعليق المشهور، فقال أصبغ: حماية من النكاح بغير صداق؛ لأن بعض النساء ترضى أن تتزوج الرجل على أن تعطيه.
وقيل: لأنه عقد جمع بين متضادين؛ لأنا لبيع مبني على المكايسة وتجوز فيه الهبة بخلاف النكاح فلذلك فسد.
وقيل: للجهل بما ينوب النكاح وهو تعليل ابن الكاتب، ولهذا قال: لو قوم المدفوع قبل العقد، فأحسبهم لا يختلفون في جوازه؛ لأنه يصير للبضع شيء معلوم، كما لو تزوج امرأتين في عقد واحد وسمى لكل واحدة صداقها.
فرع: إذا أعطت المرأة الرجل شيئاً ليتزوجها به، فإن كانت ثيبا وزاندها ربع دينار جاز النكاح؛ لأنها مالكة نفسها، وإن زادها أقل أو لم يزدها شيئاً كان بمنزلة من تزوج بأقل من ربع دينار أو بلا شيء وقد تقدم حكمه، وأما البكر فلا تجوز عطيتها؛ لأنها مولى عليها. واختلف قول ابن القاسم في الذي يلزم الزوج سواء زادها أم لا، فمرة قال: النكاح ثابت لا خيار له فيه دخل أو لم يدخل، ويؤخذ منه قدر ما كان أصدقها وإليها
رجع ومرة قال: إن كان قبل الدخول كان مخيراً في إعطائها ذلك أو فسخ النكاح، وإن كان بعد الدخول كان لها صداق مثلها.
وَكَذَلِكَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الأَبُ دَاراً
أي: في كونه ممنوعاً لاجتماع النكاح والبيع، ويفسخ أيضاً، قال في الجواهر: وهو من باب جمع الرجلين سلعتيهما، وسيأتي بيان الخلاف في ذلك إن شاء الله تعالى. وما ذكره المصنف هو نص كلام ابن القاسم في العتبية، ولا يريد أن الأب يأخذ عوض الدار بل قرروا أن الأب وهب تلكا لدار لابنته ثم باع الدار وزوج الابنة في عقد واحد، ووجه الشبه بين هذه المسألة والتي قبلها ظاهر؛ لأن الزوج كما خرج منه في الأولى عبد في مقابلة البضع وألف، كذلك خرج منه ههنا ألف في مقابلة بضع ودار، أما لو تزوجها على غير صداق مسمى بأن تزوجها تفويضاً على أن أعطاه الأب داراً لصح النكاح وفرق بينهما.
ابن محرز: بأن الدار ههنا هبة خالية عن العوض، وفي المسألة الأولى كانت مقابلة لبعض الصداق.
وَإِذَا جَعَلَ رَقَبَةَ الْعَبْدِ صَدَاقاً لِزَوْجَتِهِ فَسَدَ مُطْلَقاً لأَنَّ إِثْبَاتَهُ يَرْفَعُهُ بِخِلافِ الْخَمْرِ
يعني: إذا زوج الرجل عبده امرأة وجعل صداقها رقبته فسد مطلقاً؛ أي: قبل الدخول وبعده؛ لأن إثبات النكاح يوجب كون الصداق الذي هو العبد ملكاً للزوجة، وثبوت ملكها له يرفع النكاح؛ لما تقدم أن النكاح والملك لا يجتمعان، وهذا معنى قوله:(لأَنَّ إِثْبَاتَهُ يَرْفَعُهُ).
وقوله: (بِخِلافِ الْخَمْرِ) أي فإن النكاح يثبت بعد البناء.
وَفِيهَا: وإِذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّ مَا وَلَدَتْ حُرُّ لَمْ يُقَرَّ، ولَهَا الْمُسَمَّى بِالدُّخُولِ، وقِيلَ: الأَصَحُّ صَدَاقُ الْمِثْلِ.
أي: يفسخ قبل البناء وبعده، ونقل في البيان الاتفاق على ذلك، قال: ولا يبعد دخول الخلاف فإنه يفسخ قبل البناء فقط؛ لأنه فسد لشرط فيه. انتهى. ولعله إنما لم يقر؛ لأنه بيع الأجنة بزيادة في الصداق، كذل كيشكل مذهب المدونة في إيجاب المسمى.
المتيطي: لأن مقصود الزود لم يحصل ولم يرض بدفع ذلك القدر إلا على استدامة النكاح، فإذا لم يوف له بذلك وفسخ النكاح وجب أن ينقص الزوج بقدر ما فاته.
وقوله: (وقِيلَ: الأَصَحُّ صَدَاقُ الْمِثْلِ)، هذا القول حكاه ابن يونس، وقال: إنه الأقرب، وكذلك قال ابن بشير: إنه الأقيس.
خليل: وفيه نظر؛ لأن صداق المثل قد يكون أكثر من المسمى، فالذي يظهر هنا أن يكون لها الأقل من المسمى وصداق المثل، وهل هذا الإشكال هو الذي أوجب عدم جزم المصنف بأن الأصح صداق المثل ولم يتعرض المصنف الولد، ونص في المدونة وغيرها على أنه حر بالشرط وولاؤه لسيده ولا قيمة على الزوج فيه.
فرع: فإن استحقت أخذها المستحق وولدها ورد عتقه؛ [325/ أ] لأن العتق فيه إنما كان من السيد لا من الأب، قاله ابن القاسم في العتبية، وليس للأب أن يعطي السيد القيمة إلا برضاه، ولا للسيد أن يلزم الأب ذلك بخلاف الأمة الغارة، والفرق أنه هنا شرط حرية الولد غير مالك الرقبة، ومتزوج الغارة أنها تزوج حرة في ظنه وأن ولده منها حر من أصله، فوجب أن يكون حراً وبذلك قضى عمر.
فرعان:
الأول: لو زوج أمته على أن أول ولد تلده حر، ففي سماع عيسى ويحيى أنه يفسخ مطلقاً كالأول، وقال ابن الماجشون: إذا لم يعثر على ذلك حتى ولدت فلا يفسخ؛ لأن
الشرط قد ذهب، قال في البيان: وقوله: يأتي على رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة في نكاح المريض والمريضة أنهما إذا صح قبل الفسخ ثبت النكاح لذهاب علة الفسخ.
الثاني: إذا زوج عبده من أمة غيره على أن ما تلده يكون بينهما، فروى ابن المواز أنه يفسخ مطلقاً، قال: والولد لسيد الأمة، وحكى أبو الفرج أن الولد بينهما ولها مهر المثل بالمسيس، فإن كان أكثر من المسمى فقال بعض القرويين: لا يزاد على المسمى على رواية محمد؛ لأن الزوج زاد في مهرها على شرط لم يحصل له، وعلى ما قاله أبو الفرج يكون له الزائد لحصول غرضه.
وَإِذَا شَرَطَ مَا يُنَاقِضُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ مِثْلَ: أَنْ لا يَقْسِمَ لَهَا، أَوْ يُؤْثِرَ عَلَيْهَا فَكَالصَّدَاقِ الْفَاسِدِ، وما لا يُنَاقِضُهُ يُلْغَى، فَإِنْ كَانَ لَهَا فِيهِ غَرَضُ مِثْلَ: أَنْ لا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، ولا يَتَسَرَّى، أَوْ لا يُخْرِجُهَا مِنْ بَلَدٍ أَوْ بَيْتٍ فَمَكْرُوهُ. قَالَ مَالِكُ: لَقَدْ أَشَرْتُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَنْهَي النَّاسَ عَنْ ذَلِكَ، ولَيْسَ بِلازِمٍ.
حاصله: أن الشروط في النكاح على ثلاثة أقسام:
الأول ما يناقض مقتضاه مثل ألا يقسم لها أو يؤثر عليها أو لا نفقة أو لا ميراث لها فالكصداق الفاسد؛ أي يفسخ قبل البناء ويثبت بعده على المشهور، وهكذا قال في الجواهر.
ابن عبد السلام: ونقل بعضهم الاتفاق على ذلك وأشار إليه، ونقل ابن القاسم فيما إذا تزوج على ألا نفقة أو لا ميراث أنه يفسخ بعد البناء، وحكى اللخمي فيها وفي نكاح النهارية، أو على أن يؤثرها على غيرها، أو ألا ي عطيها الولد، أو على أن أمرها بيدها، بعد أن ذكر أن هذه الشروط لا يصح الوفاء بها ثلاثة أقوال، فقيل: يفسخ قبل البناء فقط، وقيل: يفسخ قبله وبعده.
ابن زياد: إن تزوجت على ألا ميراث لها، أو لا يعطيها الولد، أو على أن أمرها بيدها، فعلم بذلك قبل الدخول أو بعده، قيل للمرأة أمرك بيدك الآن، فإن اختارت فراقه
كان ذلك لها، وإن لم تختر فلا شيء لها ويقيمان على نكاحهما، وإن مسها بعد أن جعل الأمر إليها فلا خيار لها.
اللخمي: وهذا هو أحد الأقوال في الشروط الفاسدة في البيع أن مشترطها بالخيار بين أن يسقطها فيمضي البيع أو يتمسك بها فيفسخ، وهذا هو المنقول، وسلك ابن بشير طريقة أخرى فقال: الشرط إن عاد بخلل في العقد فسخ قبل البناء، وفي فسخه بعد البناء قولان، وإن عاد بخلل في الصداق فثالثها: يفسخ قبله لا بعده، وهي حسنة من جهة الفقه إلا أن الأنقال لا تساعده.
القسم الثاني: ما لا يناقضه بل يكون العقد يقتضيه وإن لم يذكر، كشرطه أن ينفق عليها أو يبيت عندها ولا يؤثر عليها ونحو ذلك، فوجد ذلك وعدمه سيان، ولا يوقع في العقد خللاً ويحكم به ترك أو ذرك، وإلى هذا أشار بقوله: وما لا يناقضه يلغى.
القسم الثالث: ما لا تعلق له بالعقد فلا يقتضيه ولا ينفيه، وللمرأة فيه غرض كشرط ألا يتزوج عليها، فذكر المصنف أنه مكروه ملغى، وقسمه اللخمي وغيره على ثلاثة أقسام: جائز، ومكروه، ومختلف فيه.
الأول: أن يشترط ألا يضر بها في نفسها ولا مالها ولا في نفقة ولا كسوة وكل ذلك جائز وداخل في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19].
والثاني: أن يشترط إسقاط ما له أن يفعله دون أن يعلقه بشيء، مثل ألا يتزوج عليها ولا يتسرى أو لا يخرجها من بلدها أو بيتها، فهذا مكروه لما فيه من التحجير، فإن نزل فالنكاح جائز.
مالك: والشرط باطل، وله أن يخرجها ويتزوج ويتسرى ويستحب له الوفاء بذلك. وقال ابن شهاب: يلزمه ذلك وهو أحسن لما في الصحيحين: "إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج".
والثالث: أن يشترط إسقاط ما له أن يفعله بعتق أو تمليك أو طلاق، فاختلف في ذلك، فقال مالك في الموازية: لا يحل الشرط ابتداء فإن وقع الدخول رأيته جائز النكاح ولزم الشرط، وقال ابن القاسم في الموازية: فيمن تزوج امرأة على أنه إن أضر بها أو شرب خمراً أو غاب عنها فأمرها بيدها فذلك يكره أن يعقد عليه، فإن وقع الدخول رأيته جائزاً.
اللخمي: وأجاز ذلك سحنون ابتداء وزوج [325/ ب] غلامه أمته، على أنه إن سرق زيتونة فأمر امرأته بيدها، وأنكر ابن بشير على اللخمي وجود هذا القول، وقال: فعل سحنون لا يدل على أن مذهبه الجواز؛ لأنه قد يستخف مثل هذا للضرورة، وأيضاً فإن فعل أحد لا يدل على الجواز إلا من وجبت له العصمة وفيه نظر؛ لأن العلماء لم تزل تستدل على مذاهب العلماء بأفعالهم لاسيما مثل سحنون الذي هو أشد الناس ورعاً، بل فعل أهل الورع أقوى في الجواز من قولهم؛ لأنه يفتي الغير بالجوار ويتورع هو من فعله. وقوله:(إن فعل أحد) لا يدل على الجواز، إن أراد أنه لا يكون حجة فصحيح، وإن أراد أنه لا يدل على أن مذهبه الجواز فممنوع لما ذكرنا، وقول المصنف في القسم الثالث:(مَكْرُوهُ) سبب الكراهة فيه واضح؛ لأن فيه تفويت غرض المرأة، ولهذا قال ابن شهاب وغيره بلزوم الشرط هنا.
وقوله: (وقَالَ مَالِكُ .. إلخ) هذا مختصر من العتبية ونصها: أشرت على القاضي منذ دهر أن ينهى الناس ألا يتزوجوا على الشروط وألا يزوجوا إلا على دين الرجل وأمانته، وأنه كتب بذلك كتاباً وصيح به في الأسواق.
ولمالك في العتبية أيضاً: لا ينبغي لأحد أن يشهد كتاباً فيه شروط بحرية أو طلاق أو مشي إلى مكة. ونص ابن شعبان على معاقبة الشاهد في نكاح فيه شروط من ترك نكاح غيرها أو طلاق أخرى.
سحنون: ولا ينبغي للموثق أن يكتب أن الداخلة طالق ثلاثاً، ولا ينبغي لأحد أن يكتب شهادته فيه وكان يستحق فالداخلة طالق واحدة.
فَإِنْ وَضَعَتْ لَهُ شَيْئاً مُعَيَّناً مِنْ صَدَاقِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ رَجَعَتْ بِهِ إنْ خَالَفَ، وإِنْ خَفَّفَتْ قَبْلَهُ ولَمْ تُعَيِّنْ لَمْ تَرْجِعْ، وقِيلَ: تَرْجِعْ إِنْ كَانَ نَقَصَ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ، وإِنْ عَيَّنَتْ فَقَوْلانِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى يَمِينٍ عَلَيْهِ لَمْ تَرْجِعْ فِي الْجَمِيعِ ..
حاصله: أنها إن وضعت شيئاً من صداقها على ألا يتزوج عليها أو لا يتسرى ونحو ذلك، وفرعنا على قول مالك بعدم اللزوم فتزوج، فإن كان الشرط معلقاً بطلاق أو عتق أو تمليك فليس لها رجوع للزوم الطلاق والعتق، وإلى هذا أشار بقوله آخر المسألة:(فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى يَمِينٍ عَلَيْهِ لَمْ تَرْجِعْ فِي الْجَمِيعِ) أي في جميع الصور سواء كان ذلك بعد العقد أو قبله، وإن لم يكن معلقاً بيمين فثلاث صور:
الأولى: أن تضع له شيئاً معيناً من صداقها بعد العقد، كما إذا كان صداقها ألف فوضعت منه شيئاً، إما عدداً أو جزءاً فإنها ترجع إن خالف، وهذا معنى قوله:(فَإِنْ وَضَعَتْ لَهُ شَيْئاً مُعَيَّناً مِنْ صَدَاقِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ رَجَعَتْ بِهِ) يريد: أو أعطته شيئاً من مالها، وإنما ذكر الصداق؛ لنه قد يتوهم أن أمره خفيف، فنبه رحمه الله بالأخف على الأشد، وكلام المصنف في هذه الصورة قريب من كلامه في المدونة، وذلك يدل على أن ذلك عقد جائز، ومنعه في السليمانية وكتب المدنيين؛ لأن له أن يوفي وألا يوفي، فصار ما تعطيه تارة ثمناً وتارة سلفاً، ووجه الأول أنهما دخلا على الوفاء بالشرط وإن خالف بعد ذلك فأمر طارئ.
الصورة الثانية: أن تخفف قبل العقد ولم تعين، بل قالت له: أتزوجك مثلاً بألف، وعلم أن صداق مثلها ألفان، فالمشهور أنها لا ترجع، وبه أخذ أصبغ وغيره، وحكى في الجواهر ثلاثة أقوال: الأول: ترجع بما تركته، وفي الكتاب: لا ترجع. وقال علي بن زياد:
ترجع إن كان ما وضعته من صداق المثل دون أن يكون من الزائد، رواه ابن نافع، وعلى الرجوع بتمام صداق المثل، فلو تنازعا فالقول قولها: أنها تركت لأجل الشرط، وكأن المصنف أسقط القول بالرجوع مطلقاً؛ لأما قاله ابن بشير: أن الأشياخ ردوه إلى الثالث.
الصورة الثالثة: أن تضع بعد التعيين وقبل العقد، مثاله: لو تقرر أن صداقها ألف ثم قالت له: أنا أسقطت عنك مائتين على ألا تتزوج عليَّ، فالمشهور أيضاً أنها لا ترجع، ومقابله رواه أشهب عن مالك: أنها ترجع بما وضعت، وصوبه ابن يونس.
ابن عبد السلام: وحكى غير واحد أنها ترجع بالأقل مما نقصت ومن تمام صداق المثل.
ففي المسألة على هذا ثلاثة أقوال، وظاهر كلام المصنف وكلام غيره فيما إذا وضعت بعد العقد: أنها تخرج عليه سواء خالف عن قريب أو بعد تحقيقاً للوضيعة، وقاله ابن عبد السلام: وأشار ابن عبد السلام إلى أنه ينبغي أن يفرق في ذلك بين القرب والبعد، كما فرقوا إذا أراد طلاقها فوضعت من صداقها أو سألها الحطيطة، فقالت: أخاف أن تطلقني، فقال: لا أفعل، فخففت ثم طلقها، أو أعطت زوجها مالاً على أن يطلق ضرتها فيطلقها ثم يريد مراجعتها، وكما قالوا: إذا سأل البائع المشتري الإقالة، وقال المشتري: إنما مرادك البيع لغيري لأجل إن اشتريتها برخص، فيقول له البائع: متى بعتها فهي لك بالثمن الأول، أنه إن باع عقيب الإقالة أو قريباً منها فللمبتاع شرطه، فإن باع بعد الطول أو بحدوث سبب اقتضاه فالبيع ماضٍ، والكلام على الشروط متسع، انظر المتيطية، واقتصرنا على ما ذكره المصنف تبعاً له.
أَمَّا لَوْ أَصْدَقَهَا أَلْفاً عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةُ أُخْرَى فَأَلْفَانِ فَصَدَاقُ فَاسِدُ
لأنه لا ندري حين العقد ما يصح لها فصار [326/ أ] صداقها مجهولاً.
وَإِذَا قَالَ: زَوِّجْنِي بِأَلْفٍ فَزَوَّجَهُ بِأَلْفَيْنِ ولَمْ يَعْلَمْ وَاحِدُ بِالتَّعَدِّي قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنْ رَضِيَتْ بِأَلْفٍ أَوْ رَضِيَ بِأَلْفَيْنِ لَزِمَ، وإِنْ لَمْ يَرْضَيَا لَمْ يَلْزَمْ ..
هذه المسألة في النكاح الأول من المدونة وأكثر الناس الكلام عليها، وذكر المصنف منها جملة صالحة، ومعنى كلامه: إذا وكل رجلاً على أن يزوجه بألف فزوجه بألفين ولم يعلم واحد من الزوجين بالتعدي قبل العقد، وعلم بذلك قبل الدخول، وقامت على التوكيل بالألف بينة وعلى التزويج بالألفين بينة، أو حصل التصادق في ذلك، أو قامت البينة على أحد الأمرين وحصل التصادق في الآخر، فالحكم كما قاله المصنف: إن رضيت المرأة بألف أو رضي الزوج بألفين لزم النكاح، وإن لم يرض واحد منهما بقول الآخر فسخ النكاحن قال في المدونة: بطلاق.
ابن يونس: وقال المغيرة: بغير طلاق.
ابن القاسم: وسواء في ذلك قال له: زوجني فلانة، أو قال: زوجني، ولم يقل فلانة.
ابن عبد السلام: وعدم التفرقة في المرأة بين أن تكون معينة أم لا هو ظاهر المذهب. وقال أصبغ: إذا لم يعين الزوج ينبغي أن يكون القول قول الأم إذا أشبه ودخل؛ لأنها فرطت، وإذا عين له امرأة ولا يشبه ما قال أن يكون صداقها فالقول قول الرسول، هكذا نقل التونسي عنه واختاره.
قال ابن عبد السلام: وإن كان لفظه هكذا فليس فيه كبير مخالفة للمشهور، قيل: وإن أقر الوكيل هنا بالتعدي- يعني: قبل الدخول- لزمته الألف الثانية، وفيه نظر من وجهين: أحدهما: أنه لم يفوت بتعديته شيئاً فلا يضمن، والثاني: أنه لو ضمن بالإقرار لضمن مع قيام البينة.
وَلَوْ قَالَ الْوَكِيلُ: أَنَا أَغْرَمُ الزَّائِدَ، فَفِي إِلزامِ الزَّوْجِ قَبُولَهُ قَوْلَانِ
هذا مذهب المدونة وهو المعروف، ولم يلزم الزوج قبول الزائد لوجهين: أحدهما: أن ذلك عطية من الوكيل فلا يلزم قبولها، والثاني: لما عليه في ذلك من ضرر زيادة النفقة، فإن نفقة من صداقها ألفان غير نفقة من صداقها ألف، وذكر ابن بشير قولاً آخر باللزوم، ووقع في بعض النسخ التنبيه عليه.
وَلِكُلِّ فَسْخُهُ، وَلِكُلِّ تَحْلِيفُ الآخَرِ حَيْثُ لا يُعَدُّ نُكُولُهُ كَإِقْرَارِهِ، وإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةُ بِذَلِكَ، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَ ..
يعني: ولكل من الزوجين فسخه إذا لم يرض بقول الآخر كما تقدم.
قوله: (وَلِكُلِّ تَحْلِيفُ الآخَرِ) اعلم أن هذه المسألة لها أربع صور: الأولى: أن تقوم للرجل على التوكيل بالألف بينة وللمرأة على التزويج بالألفين بينة. والثانية: ألا يقوم على كل منهما بينة. والثالثة: أن تقوم للرجل بينة على التوكيل بالألف وليس على التزويج بألفين بينة، وإنما الوكيل يصدقها. والرابعة: عكس الثالثة، والحكم في الجميع ما قدمه المصنف أن لكل منهما الرضا بقول الآخر وإلا انفسخ.
وقوله: (وَلِكُلِّ تَحْلِيفُ الآخَرِ) فيما يصير إقراره إن لم تقم بينة خاص بالثلاث الأخيرة.
فإذا لم يكن على الوكيل بالألف بينة كان للزوجة أن تحلف الزوج أنه لم يأمره إلا بالألف، فإن نكل لزمه النكاح بالألفين، وإن حلف قيل للزوجة: إما أن ترضي بالألف وإلا انفسخ النكاح، وكذلك إن قامت له بينة ولم يكن على التزويج بالألفين بينة فله أن يحلفها أنها لم ترض بالألف، فإن نكلت لزمها النكاح بالألف، وإن حلفت قيل للزوج: إما أن ترضى بألفين وإلا فسخ النكاح.
وكذلك إن قامت له بينة ولم يكن على التزويج بالألفين بينة فله أن يحلفها أنها لم ترض بالألف وإن نكلت لزمها النكاح بالألف، وإن حلفت قيل للزوج: إما أن ترضى بألفين وإلا انفسخ النكاح. وعلى هذا فقوله: (فَإِنْ نَكَلَ لَزِم) أي: وإن نكل من توجهت عليه اليمين من الزوجين (لَزِمَ) أي: النكاح بما ادعاه عليه الآخر، وهذا ظاهر إذا قامت لأحدهما بينة دون الآخر، وإن لم تقم لواحد منهما بينة، فنص ابن يونس وغيره على أن الحكم فيها كاختلاف الزوجين في الصداق قبل البناء، فتحلف الزوجة أن العقد كان بألفين، ثم يقال للزوج: ارض بذلك أو احلف أنك ما أمرته بألفين، ويفسخ النكاح إلا أن ترضى الزوجة بألف، وكلام المصنف لا ينافيه؛ لأن قوله:(وَلِكُلِّ تَحْلِيفُ الآخَرِ) لا دلالة فيه أن لمن شاء منهما أن يحلف صاحبه أولاً.
وَلا تُرَدُّ لأَنَّهَا يَمِينُ تُهْمَةٍ إِلا أَنْ يَدَّعِىَ تَحْقِيقاً فَتُرَدَّ
يعني: إذا توجهت اليمين على أحد الزوجين ونكل لزم لكل منهما ما ادعاه الآخر بنكوله، وليس له أن يرد اليمين على صاحبه؛ لأنها يمين تهمة وأيمان التهم لا ترد، فإن ادعى أحدهما على صاحبه التحقيق بأن تقول: أنا أتحقق بأنك أمرت الوكيل أن يزوج بألفين، أو يقول الزوج: أنا أتحقق أنك رضيت بألف، فحينئذ لا يلزم الحكم بمجرد النكول وترد اليمين.
وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَزِمَ بِأَلْفٍ، وقِيلَ: بِصَدَاقِ الْمِثْلِ
ما صدر به هو مذهب المدونة، زاد فيها: ولا يلزم المأمور شيء؛ لأنها صدقته وهو المشهور، وقيده ابن المواز بما إذا حلف الزوج، قال: وأما إذا نكل حلفت الزوجة وأخذت الألفين.
ابن محرز: وهذا إذا لم تكن لها بينة على عقد النكاح بألفين، فإن كان لها بينة لم تحلف وغرم الزوج الألفين، والقول بإلزام الزوج صداق المثل لعبد الملك، [326/ ب] وينبغي أن
يقيد بما إذا كان صداق المثل ألفاً فأكثر، وأما إذا كان أنقص فلا ينقص؛ لأن الزوج رضي به، وكذلك إذا زاد على الألفين فلا يزاد عليهما؛ لأنها رضيت بهما.
تنبيه:
ما ذكره في المدونة من أنه لا يلزم الوكيل شيء، إنما هو إذا لم يقر بالتعدي أو لم تقم عليه بينة، وأما إذا أقر بالتعدي أو قامت عليه بينة فقد بين المصنف حكمه بقوله:
وَفِي إِلْزَامِ الْوَكِيلِ الزَّائِدَ بِالإِقْرَارِ وبِالتَّعَدِّي أَوْ بِالْبَيِّنَةِ قَوْلَانِ
المشهور الغرم، قال في المدونة: وإن أقر المأمور بعد البناء بالتعدي غرم الألف الثانية والنكاح ثابت، والقول بعدم اللزوم لمالك في مختصر ما ليس في المختصر وهو مبني على أن الغرر بالفعل لا يوجب غرامة، وقيام البينة على الوكيل بالتعدي كالإقرار، واعلم أن المصنف سلك هنا طريقة غير ما سلكها اللخمي وابن بشير وابن شاس؛ لنهم حكوا: إذا دخل وأقر الوكيل بالتعدي أو قامت عليه البينة ثلاثة أقوال: المشهور، وما في المختصر، وإلزام الزوج صداق المثل والوكيل الباقي، وكأن المصنف عدل عن ذلك؛ لأنه رأى أن ما ذكره أعم فائدة؛ لأن قوله:(إِلْزَامِ الْوَكِيلِ الزَّائِدَ) يشمل الألف الثانية وما زاد من صداق المثل على الألف، على القول بإلزامه ذلك بخلاف ما قاله اللخمي؛ لأنه لا يتناول ما زاد على صداق المثل، فكانت طريقة المؤلف أولى، وهذا وإن كان حسناً لكن هذه الفائدة وأمثالها ليس مدركها الاستدلال وإنما تؤخذ من النقل، فإن وجد عدم إلزام الوكيل الزائد، على القول بأن الزوج يغرم صداق المثل؛ كانت طريقة المؤلف أولى وإلا فلا.
فَفِي تَحْلِيفِهَا لَهُ قَوْلانِ
الفاء للسببية؛ أي: لما اختلف في غرم الوكيل، نشأ عن ذلك خلاف في تحليف المرأة له، فعلى القول بأن لها أن تغرمه لها أن تحلفه إن اتهمته أو حققت عليه العداء، وعلى القول
بعدم التغريم فلا تحلفه؛ لأن غاية النكول أن يعد كالإقرار، وهو لو أقر به لم يلزمه شيء، والقولان اللذان ذكرهما المصنف في تحليفها الوكيل حاصلان فيما إذا قامت البينة على عقد النكاح بألفين، وحصل الدخول ولم يقم على التوكيل بينة، وكذلك هما حاصلان إذا لم تقم على عقد النكاح بينة، وحلف الزوج وأدى ألفاً، وأما إن نكل فقال أصبغ: للزوج إن نكل وغرم الألف الثانية أن يحلف الرسول فإن نكل أغرمه ما غرم.
محمد: وهو غلط ولا يمين على الرسول؛ لأنه لو نكل لم يحكم عليه إلا بعد يمين الزوج، والزوج قد نكل عن اليمين حين لم يحلف للمرأة.
فَإِنْ عَلِمَ أَحَدُهُمَا بِالتَّعَدِّي قَبْلَهُ فَالزَّوْجُ أَلْفَانِ والزَّوْجَةُ ألْفُ
يعني: أن ما تقدم إنما هو إذا لم يحصل علم من أحد الزوجين، فإن علم أحدهما بتعدي الوكيل قبل الدخول، فإن كان الزوج فقط فعليه ألفان؛ لأن دخوله رضا بالألفين، وإن علمت الزوجة فتمكينها من نفسها رضا منها بالألف؛ لأن الألف الأخرى محض عداء.
فَإِنْ عَلِمَا وعَلِمَ كُلُّ بِعِلْمِ الآخَرِ فَأَلْفَانِ
أي: فإن علم كل واحد من الزوجين بالعداء، وعلم كل واحد منهما بعلم صاحبه بأن الوكيل تعدى بالواجب، للزوجة ألفان؛ لأن الزوج لما علم بتعدي الوكيل ودخل على ذلك، والمرأة علمت بأن الزوج دخل على ذلك وجب أن يكون لها ألفان، وينبغي ألا تكون لها الألف الثانية بكمالها، بل تقسم بينهما كما في المسألة التي بعد هذا؛ وهي قوله:
فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَحَدُهُمَا بِعِلْمِ الآخَرِ فَالرِّوَايَةُ: أَلْفَانِ، وَقِيلَ: الْعَدْلُ أَنْ يَكُونَ الزَّائِدُ بَيْنَهُمَا ..
قوله: (فَالرِّوَايَةُ) نظراً إلى ما دخل عليها الزوج.
قوله: (وَقِيلَ) هو قول اللخمي وتبعه غير واحد من المتأخرين؛ لأن الزوج وإن دخل على ألفين فالزوجة أيضاً قد دخلت على أن لها ألفاً فتقسم الألف الزائدة بينهما.
وَبِالْعَكْسِ أَلْفَانِ
يعني: إذا علم الزوج بتعدي الوكيل، وعلمت المرأة بتعديه وبأن الزوج علم بالتعدي ولم يعلم هو بعلمها، فعلى الزوج ألفان؛ لأنها تقول له: أنت دخلت على ذلك.
وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْجَمِيعِ لُزُومُ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ
هذا من المصنف رحمه الله بيان للعلة في جميع المسائل المتقدمة، والله أعلم.
وَإِذَا أَذِنَتْ بِالتَّزْويجِ خَاصَّةً فَزُوِّجَتْ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ يَلْزَمْهَا الْعَقْدُ بِخِلافِ الأَبِ يُزَوِّجُ الْمُجْبَرَةَ ..
يعني: إذا أذنت اليتيمة المالكة لأمرها لوليها في التزويج خاصة ولم تسم له قدر المهر؛ فإن زوجها بمهر المثل لزمها، وإن زوجها بأقل لم يلزمها النكاح باتفاق نقله في البيان، كتوكيلها على بيع سلعة في الوجهين، وانظر لو رضي الزوج بتمام صداق المثل بعد أن أبت، والأقرب لزوج النكاح إن كان بالقرب.
وقوله: (بِخِلافِ الْمُجْبَرَةَ) أي: فإن للأب أن يزوج ابنته بأقل من صداق مثلها، وقد تقدم ذلك.
وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى صَدَاقِ السِّرِّ وأَعْلَنَا غَيْرَهُ فَالصَّدَاقُ مَا فِي السِّرِّ
يعني: إذا أظهر الزوجان صداقاً وأخفيا دونه أو مخالفاً له في الجنس أو الصفة فالعمل على ما في السر، وهذا ظاهر إن اتفق الزوجان على ذلك، وأما إن ادعت الزوجة الرجوع عنه إلى ما في العلانية، فإن كان شهود [327/ أ] السر شهدوا أن العلانية لا أصل لها وأن المعمول على ما أسرَّا فلا يمين على الزوج، وإن كان إنما شهدوا بأن النكاح وقع بخمسين