المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الْمُتْعَةُ مُسْتَحَبَّةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ، أَوْ كِتَابِيَّةٍ أَوْ أَمَةٍ - التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ٤

[خليل بن إسحاق الجندي]

الفصل: ‌ ‌الْمُتْعَةُ مُسْتَحَبَّةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ، أَوْ كِتَابِيَّةٍ أَوْ أَمَةٍ

‌الْمُتْعَةُ

مُسْتَحَبَّةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ، أَوْ كِتَابِيَّةٍ أَوْ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ فِي نِكَاحِ لازِمِ غَيْرِ الْمُخْتَلِعَةِ والْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وقَدْ فُرِضَ لَهَا، ولا مُتْعَةَ لِمُلاعِنَةٍ ولا مُخْتَارَةٍ لِعِتْقِهَا ونَحْوِهِ، بِخِلافِ مَنْ خَيَّرَهَا أَوْ مَلَّكَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا ..

المتعة: ما يعطيه الزوج لزوجته عند طلاقه لها؛ جبراً لألم الفراق، والمشهور أنها مستحبة، يؤمر بها المطلق ولا يجبر عليها، وحكى ابن مسلمة وابن حبيب الوجوب، واختاره السيوري لقوله تعالى:(وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ)[البقرة: 236] ففي الآية دليل الوجوب من أوجه الأمر، وقوله:(حَقّاً) و (عَلَى) فإنهما من ألفاظ الوجوب، وتعلقها بمال الموسع والمقتر، ورأى في المشهور أنها لما قيدت بالمحسنين والمتقين على أنها مستحبة، لأن الواجب لا يتقيد، وأجيب بأن هذا من [3367/ أ] باب التهييج، ولأن الإحسان والتقوى أمر بهما في غير ما آية.

وقوله: (لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ) احترز به من الفسوخات فلا متعة فيها، سواء فسخ قبل البناء أو بعده، قاله ابن القاسم؛ لأن المتعة إنما وردت في المطلقات، وسواء كان الفسخ لفساد النكاح أو لا، وقد نص ابن القاسم في الموازية فيمن اشترى زوجته على عدم المتعة: ورأى اللخميالوجوب إذا كان الفسخ من جهة الزوج فقط، كما لو تزوج رضيعة وأمر أخته وأمه أن ترضعها، واحترز بقوله:(فِي نِكَاحِ لازِمِ) من المردودة بعيب فإنها لا متعة لها لأنها غارة، ولم يشترط المصنف أن يكون النكاح صحيحاً؛ لأن الفاسد لصداقه تجب فيه المتعة إذا طلق بعد الدخول.

وقوله: (غَيْرِ الْمُخْتَلِعَةِ

إلخ)، يعني أنها مستحبة لكل مطلقة إلا أربع نسوة: الأولى: المختلفة لأن المتعة إنما شرعت جبراً الألم الطلاق ومضرة الألم عندها لإعطائها على الطلاق شيئاً من مالها.

ص: 244

الثانية: المطلقة قبل البناء وقد فرض لها لأنها أخذت النصف، ولم يصب سلعتها شيء، فإن لم يعرض لها شيء فلها المتعة. الثالثة: الملاعنة لأنه حصل بينهما من الشنئان ما لا تجبره متعة، وذكر الملاعنة زيادة في البيان، وإلا فقد خرجت بقوله:(الْمُطَلَّقَةِ) لأن فرقة المتلاعنين فسخ بغير طلاق على الصحيح من المذهب. الرابعة: المختارة لعتقها ونحوه أم زوجها، واخلتف في المخيرة والمملكة، فعن مالك روايتان: ثبوت المتعة؛ لأن أصل الطلاق من جهته، وسقوطها نظراً إلى أن تمام الطلاق منها، ومقتضى كلام المصنف أن المشهور ثبوت المتعة لقوله:(بِخِلافِ) وهذا على هذه النسخة، وفي بعضها:(وَلا مَنْ خَيَّرَهَا أَوْ مَلَّكَهَا عَلَى الْمَشْهُورِ) وهي أحسن، لأن ابن بشير وابن شاس صرحا بأن المشهور أنهما لا متعة لهما، وأن الرواية بالمتعة لهما شاذة.

وَلا يُقْضَى بِالْمُتْعَةِ، وَلا يُحَاصُّ بِهَا الْغُرَمَاءُ.

هذا بين على المشهور أنها مستحبة.

وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُ الْعَبْدِ مِنْهَا

لأنه لما أذن له في النكاح فقد أذن له في توابعه كالارتجاع.

وَلا مُتْعَةَ لِلرَّجْعِيَّةِ إِلا بَعْدَ الْعِدَّةِ

أي: بعد انقضائها؛ لأنها زوجة ما دامت فيها، وهكذا قال فضل، وقال أبو عمران: ينظر فإن كانت نيته رجعتها لم تمتع، وإن كانت نيته ألا يراجعها متع، وإن لم تخرج من العدة ثم بدا له فراجعها لم يرجع بها؛ لأنها كالهبة المقبوضة، واختلف إذا لم تمتع الرجعية حتى فاتت ثم تزوجها، واختلف أيضاً إذا طال الزمان أو ماتت، فقال ابن القاسم: إذا جهل المتعة حتى مضت أعنواماً فليدفع ذلك إليها وإن تزوجت، وإلى ورثتها إن ماتت. وقال أصبغ: لا شيء عليه إن ماتت لأنه عوض لها وتسلية من الطلاق وقد انقطع ذلك، وإن مات الزوج قبل أن تمنع فإنها لا تسقط.

ص: 245

وَمِقْدَارُهَا عَلَى قَدْرِ حَالِهِ

أي: لا مدخل لحال الزوجة، بخلاف النفقة لأنها هبة، واعتبر ابن خويزمنداد حالها كالنفقة لأن المقصود تطييب نفسها، وذات القدر لا تطيب بالقليل.

وَإِذَا تَنَازَعَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ أَوْ صِفَتِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ ولا طَلاقٍ تَحَالَفَا وتَفَاسَخَا، ويَجْرِي الرُّجُوعُ إِلَى الأَشْبَهِ، وانْفِسَاخُ النِّكَاحِ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ وغَيْرُهُ كَالْبَيْعِ ..

في قدره كما لو قالت بألفين وقال هو بألف، أوصفته كما لو قالت بعبد تركي وقال هو بعبد زنجي، واحترز بـ (قَبْلَ الْبِنَاءِ) من بعد البناء وسيأتي حكمه.

وقوله: (مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ ولا طَلاقٍ) مما لو حصل أحدهما وسيأتي، وذكر المصنف أن الحكم التحالف والتفاسخ، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر ثبت النكاح، ولزم الناكل ما حلف عليه الآخر، وكان الأظهر أن عقد النكاح يتنزل منزلة الفوات في البيع لما يترتب هنا من الأحكام عليه من تحريم المصاهرة وكون المرأة فراشاً وغير ذلك، لكنهم لم يتعرضوا لشيء من ذلك فيما رأيت.

وقوله: (تَحَالَفَا) أي يشترط أن تكون مالكة أمر نفسها، وإلا فيحلف من عقد النكاح عليها من أب أو وصي أو ولي إن كانت محجوراً عليها، قاله المتيطي وغيره.

قوله: (ويَجْرِي الرُّجُوعُ

إلخ) أشار رحمه الله إلى مسائل:

الأولى: إذا ادعى أحدهما ما يشبه هل يكون القول قوله ويتحالفان؟ لمالك في ذلك قولان. اللخمي: والأول هو الصواب لأن ذلك كالشاهد يحلف معه من قام له.

والثانية: هل ينفسخ النكاح بتمام التحالف كاللعان قول سحنون وحكى عبد الحق عن بعض شيوخه أو لا ينفسخ ولكل منهما الرجوع إلى قول الآخر وهو قول ابن حبيب والقاضيان ابن القصار وعبد الوهاب وبه جرى عمل الأندلسيين واستمرت أحكامهم.

ص: 246

ابن محرز: وهو أصوب لأن الأيمان في التحالف في الصداق ليست موضوعة لفسخ النكاح واختاره اللخمي ولا شك على قول ابن حبيب أنه يفسخ بطلاق وانظر على قول سحنون الذي يقول أنه يفسخ بتمام التحالف كاللعان هل ينفسه بغير طلاق أم لا؟ وقد قال بعضهم: إن ظاهر المدونة فسخه بغير طلاق ونوزع في ذلك.

الثالث: المشهور تبرئة الزوجة لأنها بائعة نفسها، ولمالك في المختصر أنه بيد الزوج.

الرابعة: إذا نكلا، قال اللخمي: فقيل: إن ذلك بمنزلة إذا حلفا. وقيل: القول قول المرأة، وهذا كله داخل تحت قوله: وغيره كالبيع إلى غير ذلك من المسائل التي تقف عليها في البيع إن شاء الله تعالى.

ولفظ (انْفِسَاخُ) من كلام المصنف وكذلك (وغَيْرُهُ) مرفوعان بالعطف على فاعل (يَجْرِي).

فَإِنْ تَنَازَعَا بَعْدَ الْبِنَاءِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ لأَنَّهُ فَوْتُ، وقَالَ ابْنُ حَبِيبِ: يَتَحَالَفَانِ مَعَ الْعِصْمَةِ، وَيجِبُ صَدَاقُ الْمِثْلِ. وقِيلَ: إِنِ اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ ..

أي: فإن تنازعا بعد البناء في القدر أو الصفة فالقول قول الزوج مع يمينه؛ لأنها مكنته من نفسها، وهذا مذهب المدونة، فإن نكل فالقول قول المرأة مع يمينها.

المتيطي: وهو المشهور [336/ ب] من مذهب مالك وأصحابه، وأشار المصنف إلى توجيهه بقوله:(لأَنَّهُ فَوْتُ) أي أن البناء هنا كفوات السلعة في البيع، والمشهور في اختلاف المتبايعين في المقدار ترجيح قول المشتري؛ لفوات المبيع عنده، وانظر هل القول قول الزوج مطلقاً، وهو أكثر إطلاق نصوص أهل المذهب، أو مقيد بما إذا وفق العرف؟ وهو الذي ذكر اللخمي وهو الذي يؤخذ من كلام صاحب الإشراف لأنه أشار فيه إلى

ص: 247

تشبيه حكم الصداق بعد البناء بالبيع، وإنما وقع التشبيه من كلام غيره بالبيع في قبول دعوى الأشبه قبل البناء والله أعلم، وما حكاه المصنف عن ابن حبيب من التحالف مع بقاء العصمة، ويجب صداق المثل حكاه في الكافي عن مالك.

قوله: (وقِيلَ) أي وفي المسألة قول ثالث بالتفصيل، فإن اختلفا في الصفة تحالفا مع بقاء العصمة ووجب صداق المثل، وإن اختلفا في القدر فالقول قول الزوج مع يمينه.

فرع: فإن اختلفا في الجنسبعد البناء فحكى اللخمي والمتيطي في ذلك ثلاثة أقوال:

الأول: أنهما يتحالفان ويفسخ النكاح إن كان تنازعهما قبل البناء كان مما يصدقه النساء أم لا، وإن كان بعد البناء ثبت النكاح وترد المرأة إلى صداق مثلها ما لم يكن فوق ما ادعت أو دون ما ادعى الزوج إلا أن يرضى الزوج أن يعطيها ما ادعت وهذا كله قول مالك، وقال ابن القصار: القول قول الزوج مع يمينه بعد البناء ولا يكون عليه إلا ما أقر أنه تزوج به، ووافق إذا اختلف قبل البناء، وقال أصبغ في ثمانية أبي زيد: فالقول قول الزوج إن كان مما يصدقه النساء، وإن ادعى ما لا يشبه كالجلود والخشب، وادعت المرأة ما يشبه مما يتزوج به النساء فالقول قولها إذا كانت قيمة ذلك مثل ما يتزوج به فأقل، وإن كان لا يشبه قول واحد منهما تحالفا وتفاسخا وكان لها صداق المثل، وإذا قلنا بالتحالف ورد المرأة إلى صداق المثل، فهل يثبت النكاح وهو المعروف في المذهب ورواه ابن وهب عن مالك، أو يفسخ وهو الذي في الجلاب؟

وَإِنْ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَتَ قَبْلَ الْبِنَاءِ فِيهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وإِنِ ادَّعَى تَفْوِيضاً

(فِيهِمَا) أي: في القدر والصفة، وكان القول قوله مع يمينه، أو قول ورثته لأنه غارم، وقاعدة الشرع ترجيح قوله.

قوله: (وإِنِ ادَّعَى تَفْوِيضاً) أي: القول قول الزوج مع يمينه ولو ادعى تفويضاً، وهكذا قال في المدونة وله الميراث.

ص: 248

اللخمي: ومحمل قول مالك على أن العادة عندهم على التسمية والتفويض، ولو كانت عادتهم التسمية خاصة لم يصدق الزوج.

وَإِذَا تَنَازَعَ أَبُو الْبِكْرِ، والزَّوْجُ تَحَالَفَا ولا كَلامَ لَهَا

إنما لم يكن لها لأن تقدير الصداق للأب لا لها، ابن حبيب: وإنما حلف الأب لأنه كوكيل مفوض.

وقوله: (ولا كَلامَ لَهَا)؛ أي سواء خالفت الأب أم لا.

وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةَ عَلَى صَدَاقَيْنِ فِي عَقْدَيْنِ لَزِمَا

يعني: لو ادعى قدراً أو جنساً أو صفة وادعت خلافه، وأقام كل منهما البينة على دعواه، وعينت كل بينة زماناً غير الذي عينته للأخرى لزم الصداقان، وحمل على أنه طلقها ثم عقد عقداً آخر، ووقع بعد الكلام المتقدم في نسخة ابن راشد ما نصه: وقدر تخليل طلاق بينهما، ثم هل يقدر قبل المسيس ويكون على المرأة أن تبين وقوعه بعد الدخول، أو على الرجل على العكس؟ فيه خلاف. انتهى.

نص النسخة ونحوها في الجواهر: ولم ير هذين القولين معزوين، صاحب الجواهر وابن راشد: ومنشأهما: هل يستقر بالعقد النصف فيكون على المرأة البينة لدعواه ما يسقط الواجب عليه؟

وَلَوْ كَانَ أَبَوَاهَا مِلْكاً لَهُ فَقَالَ: أَصْدَقْتُكِ أُمَّكِ، فَقَالَتْ: بَلْ أَبِى، تَحَالَفَا وعُتِقَتِ الأُمُّ بِإِقْرَارِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ وعُتِقَا جَمِيعاً ..

هذه المسألة لسحنون في كتاب ابنه قال: إن تزوج امرأة فادعى أنه تزوجها على أمها وهي عالمة بها، وقالت المرأة: بل على أبي وهو مالك لأبويها، وحفظت البينة العقد ولم تحفظ على أبيها عقد، قال سحنون: الشهادة ساقطة فإن لم يدخل تحالفا وفسخ النكاح،

ص: 249

ويلزمه عتق الأم لأنه أقر أنها حرة، وكذلك إذا نكلا، وإن كان قد دخل بها أيضاً حلف وعتقت الأم عليه ويكون بإقراره.

ابن يونس: قال بعض أصحابنا وهذا خلاف ما تقدم لابن حبيب، إذا اختلفا في نوع الصداق بعد البناء أنهما يتحالفان ويكون لها صداق المثل.

وقوله: (تَحَالَفَا وعُتِقَتِ الأُمُّ) يريد وإن نكل حلفت وعتقا معا ويكون ولاؤهما لها، قاله المتيطي، والظاهر أن المصنف إنما تكلم على المسألة إذا تنازعا قبل الدخول لقوله:(تَحَالَفَا) فما قلناه أتم.

وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ مُعَجَّلِ الصَّدَاقِ أَوْ مَا يُعَجَّلُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وبَعْدَ الدُّخُولِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وفِي الْمُؤَجَّلِ: قَوْلُهَا، وقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: إِنْ كَانَ الْعُرْفُ أَلا يَتَأَخَّرَ الْمُعَجَّلُ عَنِ الدُّخُولِ، وإِلا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: إِنْ كَانَ فِي كِتَابِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وإِلا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ

يعني: إذا اختلفا في قبض معجل الصداق أو المؤجل الذي حل، فقال الزوج: قد دفعته، وقالت هي: لم أقبضه، ففي المدونة إن كان النزاع قبل البناء فالقول قول المرأة، وإن كان بعده فالقول قوله، والمشهور افتقار من جعل القول قوله إلى يمين، اللخمي وعياض: وقال ابن الماجشون: إن كان قريباً حلف وإن طال فلا يمين عليه، وجعل في المدونة ورثة كل واحد من الزوجين يتنزل منزلة موروثه [337/ أ] سواء ماتا معاً أو أحدهما، قال في المدونة: وإن قال لورثة الزوج في المدخول بها: قد دفعه، أو قالوا: لا علم لنا فلا شيء عليهم، فإن ادعى ورثتها عليهم العلم حلفوا أنهم لا يعلمون أن الزوج لم يدفع ولا يمين على غائب ومن يعلم أنه لا علم عنده، وقال القاضي إسماعيل وغيره من شيوخنا: إنما قال مالك أن القول قول الرجل بعد البناء بالمدينة لأن عادتهم جرت بدفعه قبل البناء، وأما في سائر الأمصار فالقول قولها، وإلى هذا أشار بقوله:

ص: 250

(وقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ .. إلخ)، وقال عبد الوهاب تبعاً للأبهري: إنما قاله مالك حيث لم يكن المعجل مكتوباً في كتاب، وإن كان في كتاب فالقول قولها، وهذان قولان إنما قصد قائلهما تقييد قول مالك، وينبغي أن يحمل قولهما على التقييد، ولا يؤخذ ذلك من كلام المصنف بل ظاهره حمل قولهما على الخلاف، ولابن وهب إن طالبته بالحال أو ما حل بإثر البناء فلا براءة للزوج منه إلا بالبينة، وإن طالبته بذلك بعد طول لم يقبل قولها، عياض: وما قاله مالك إنما هو إذا ادعى دفعه قبل الدخول، وأما إذا ادعى دفعه بعد الدخول فلا يصدق فيه كسائر الديون، واستقرأ من قوله:(أن القول قوله مع دفع المعجل) ما حل بعد الدخول أن للمرأة منع نفسها حتى تقبضه، وهو نص لعبد المالك عن محمد، وفي المنتخبة خلافه، وكذلك ذكر فضل عن يحيى بن يحيى، وإن أخذت بالصداق رهناً ثم سلمته، فالقول قول الزوج مع يمينه أنه دفع ويبرأ وسواء دخل أو لم يدخل، واختلف إذا دخل وبقي الرهن بيدها، فقال سحنون: القول قول الزوج مع يمينه، وقال يحيى في المنتخبة: القول قولها مع يمينها واختاره اللخمي وغيره.

فرع: إذا قال الموثق في الكتاب: النقد من الصداق كذا فهو مقتض لبقائه في ذمة الزوج، واختلف إذا قال: نقدها كذا، فقال سحنون: ذلك براءة للزوج من النقد، وقال محمد: لا يبرئه ذلك حتى ينص على الدفع.

وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ حُرَّيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ مُسْلِمَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ ولا بَيِّنَةَ قُضِيَ لِلْمَرْأَةِ بِمَا يُعْرَفُ لِلنِّسَاءِ: كَالطَّسْتِ، والْمَنَارَةِ، والثِّيَابِ والْحِجَالِ والْفُرُشِ، والْبُسُطِ والْحُلِيِّ، والرَّجُلِ بِمَا يُعْرَفُ لِلرِّجَالِ، وبِمَا يُعْرَفُ لَهُمَا، لأَنَّهُ بَيَّنَهُ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا

يعني: إذا اختلف الزوجان قبل الطلاق وبعده في متاع البيع سواء كانا حرين أو عبدين، أو أحدهما حر والآخر عبد، أو مسلمين أو مختلفين بأن كل الزوج مسلماً والمرأة

ص: 251

كتابية، فإن قامت للمرأة بينة بما يعرف للنساء قضي لها به من غير يمين، وكذلك هو وإن لم تقم لأحدهما بينة، وإليه أشار بقوله:(ولا بَيِّنَةَ) فإنه يقضي للمرأة بما يعرف للنساء، وللرجل بما يعرف للرجال خاصة، ويقضي له أيضاً بما يعرف للرجال والنساءلأن البيت للرجل وهذا هو المشهور، وروي عن ابن القاسم مثله إلا فيما يعرف لهما فإنه قال أنه يكون بينهما بعد أيمانهما، وإليه أشار المصنف بقوله:(عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا) لأن الضمير (أَنَّهُ) عائد على ما يصلح لهما، ونقل عن ابن وهب والمغيرة مثله، ولابن وهب أيضاً: يفسخ بينهما ما اختلفا فيه بعد أيمانهما كان من متاع النساء فقط، أو الرجالفقط، أو من متاعهما، وقال ابن مسلمة: القول قول الرجل وإن كان ما ادعاه من متاع النساء فقط، ووجه المشهور العرف، وإذا فرعنا عليه فهل بيمين وهو قول ابن حبيب؟

ابن عبد السلام: وهو مذهب المدونة عندهم.

المتيطي: وهو قول المشيخة السبعة ولا يحتاج إليها وهو قول سحنون، هكذا حكى اللخمي وابن يونس والمتيطي وابن بشير وغيرهم، ورأى صاحب البيان أنه لا يختلف في توجه اليمين إذا ادعت المرأة شيئاً من متاع النساء وكذبها الرجل أو بالعكس، وإنما الخلاف في توجه اليمين إذا تنازع ورثة الزوجين أو ورثة أحدهما مع الآخر دون تحقيق الدعوى في أيمان التهم وهذه هي التي تشهد لها أصول المذهب، والطريقة الأولى أسعد بنقل المتقدمين.

ومثل المصنف ما يعرف للمرأة بالطست والمنارة والحجال والفرش والبسط والحلي ونحوه في المدونة، والطست: إناء مبسوط القاع معطوف الأطراف يعمل في الغالب من النحاس، يعد في الغالب لغسل اليدين، والمنارة: الشيء الذي يوضع عليه السراج، والقباب: جمع قبة، والحجال: قال بعض الفقهاء: هي الستور، قال الجوهري: الحجلة بالتحريك واحدة حجال العروس وهي بيت تزين بالثياب والأسرة والستور.

ص: 252

أصبغ وأبو عمران وغيرهما: وهذا محمول على العرب بمصر في أن المرأة تأتي بها وإن طال الأمر، فالرجل هو يخلفها.

ابن راشد: وعندنا أنها معروفة للرجال، قال في المدونة: ويقضي للمرأة بجميع الحلي إلا السيف والمنطقة والخاتم فإنه للرجل، وللرجل جميع الرقيق ذكراناً وإناثاً، وأما أصناف الماشية وما في المرابط من خيل أو بغال فلمن حاز ذلك قبل وإن لم يكن حوز فالمركوب كله للرجل.

وقوله: الخاتم؛ ابن يونس: أي الفضة [337/ ب] يعني: وأما الذهب فهو للمرأة.

خليل: وجرت العادة عندنا أن صياغة خاتم الرجل لا تشابه صياغة خاتم المرأة فيرجع إلى ذلك، وأما الرقيق فما قاله في المدونة ظاهر في الذكور، وأما الإناث فقد يكن للنساء وقد يكن للرجال فيأتي في ذلك القول الذي ذكره المصنف آخراً، مالك في المدونة: وإن اختلفا في الدار قضي بها للرجل.

قال صاحب البيان: العرف عندنا في ذوات الأقدار أن المرأة تخرج بالدار فإذا اختلفا يجب أن يقضي لها بها، قال: وكذلك حفظت عن شيخنا ابن رزق، وإذا اختلفا في الغزل فإن عرفت البينة أن الكتان له أو أقرت له به، كانا شريكين فيه هو بقيمة الكتان وهي بقيمة الغزل، أو إن لم تعرف البينة ذلك ولا أقرت به فالغزل لها، وإن تولت المرأة نسج شقة فادعى الزوج أنها له فقال مالك: على المرأة البينة أن الغزل لها، وقال ابن القاسم: هيلها وعليه البينة أن الغزل له، فإن أقام البينة كانت الشقة بينهما، هذا بقدر قيمة الغزل وهذه بقدر قيمة النسج بعد أن تحلف: ما نسجتها له.

فرع: وإذا طلقها وعليها ثياب وطلبته بالكسوة، وقال لها: ما عليك فهو لي، وقالت: بل هو لي، أو عارية عندي.

ص: 253

ابن راشد: فللأندلسيين في ذلك ثلاثة أقوال: قال ابن الفخار: القول قول الزوج كما لو تنازعا في رقيق البيت، وقال ابن دحون: القول قول المرأة إذ ليست الكسوة شيئاً موضوعاً في البيت.

وقال المشاور: إن كانت من كسوة البذلة فالقول قوله مع يمينه وإلا فقولها مع يمينها، فإذا حلفت كساها، ولو اشترى لزوجته ثياباً فلبستها في غير الذلة ثم فارقها وادعى أنها عارية وأنكرته، فقال الداودي: إن كان مثله يشتري ذلك لزوجته على وجه العارية فالقول قوله مع يمينه، وإلا فقولها، وسواء كان لباسه أو لا، قليلاً كان أو كثيراً، قريباً أو بعيداً، وقال غيره: القول قوله مطلقاً انتهى كلام ابن راشد.

وَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى شِرَاءِ مَا لا يُقْضَى لَهُ بِهِ حَلَفَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ وَقُضِيَ لَهُ بِهِ

يعني: إذا أقام الرجل بينة على أنه اشترى ما يصلح للمرأة ولا يصلح له كالحلي أو العكس كالسيف، ونص في المدونة على الرجل يحلف أنه اشتراه لنفسه وسكت فيها عن يمين المرأة فتأول ذلك جماعة على أنه إنما سكت اكتفاءً بذكر اليمين في الرجل لعدم الفارق بينهما، وعلى هذا اقتصر المصنف، وتأول بعضهم ذلك على ألا تحتاج إلى اليمين بخلافه، قال: لأن الرجال هم القوامون على النساء دون العكس، قال في تهذيب الطالب: ومنع بعض مشايخنا هذا التأويل وأنكره، وقال لسحنون: إنما تقبل البينة إذا أقامها على أنه إنما اشتراه لنفسه، وأما على مطلق الشراء فلا؛ لأنه يمكن أن يكون اشتراؤه للزوجة.

ص: 254