المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقدمة الطبعة الخامسة - الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون وتكملة الجامع

[محمد عزير شمس - علي العمران]

الفصل: ‌مقدمة الطبعة الخامسة

‌مقدمة الطبعة الخامسة

حمدًا لله، وصلاة وسلامًا على رسوله ومن والاه.

وبعد، فهذه طبعة جديدة لهذا الكتاب الذي مضى على تأليفه نحو عشرين عامًا، وهي جديدة بكل ما في هذه الكلمة من معنى ..

جديدةٌ من حيث محتواها إذ أضيف إليها (تكملة الجامع) التي طبعت مفردة قبل عدة سنوات، فكان من المناسب جدًّا أن يدمجا في كتاب واحد بعد أن افترقا سنين، مع إضافة ترجمتين جديدتين للفيروزابادي واللكنوي.

وجديدة من حيث مقابلة مخطوطات بعض الكتب، كالدرة اليتيمية للذهبي على نسخة الظاهرية، ورسالة ابن مري على نسخة القدس وغيرها.

وجديدة من حيث تصحيح ما ندّ في الطبعات السابقة، من خطأ أو تصحيف، أو إضافة تعليق متمم أو شارح أو نحو ذلك.

واقتضى كل ذلك تعديلات وإصلاحات وإضافات متعددة في مقدمات الكتاب وتعليقاته وإحالاته وفهارسه، ودمج مقدمتي الجامع والتكملة في مكان واحد.

والحمد لله رب العالمين.

وكتب

د. علي بن محمد العمران

24 رجب 1439 هـ

ص: 7

تقديم

فضيلة الشيخ العَلَّامة

بكر بن عبد الله أبو زيد

رئيس مجمع الفقه الإسلامي، وعضو هيئة كبار العلماء

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فهذه بقية خير مما ترك الأولون على امتداد نحو سبعة قرون من عام 661 حتى عام 1300، حَوَتْ خمسًا وسبعين صحيفة مشرقة من صحائف الأبرار، مدونة في خمسة وسبعين كتابًا من كتب السير والتاريخ والأخبار، أوعبت أكثر من سبع مئة صفحة، كتبها خمسة وخمسون عالمًا من علماء الإسلام

(1)

من شتى الأقطار، عربًا وعجمًا، شامًا وعراقًا، ومصرًا وحجازًا ويمنًا، مشرقًا ومغربًا، على اختلاف مذاهبهم الإسلامية، وتنوع مشاربهم العَقَدِية، كُلٌّ حسب وُسْعه، ومبلغ علمه، وجادَّته في تأليف كتابه، جميعها في سيرة شيخ الإسلام، الإمام الحجة، المجدد للمحجة، وارث علم النبوة، الناصر للسنة، القامع للبدعة، المجتهد المطلق، الشهير بشيخ الإسلام، وبابن تيمية، وبهما، وبإمام الدنيا في زمانه، أحد أذكياء العالم وأفراده في الحفظ والعلم والعمل، المُحَلَّى قبل بلوغه الثلاثين من عمره بما يبلغ الصفحات بجميل الأوصاف في علمه وعمله واجتهاده، وتجديده وجهاده، وإيمانه وصبره،

(1)

هذه الأعداد التي ذكرها الشيخ رحمه الله حسب الطبعة الأولى، ثم زادت فيما بعد لتبلغ ثمانيًا وثمانين ترجمة لأربعة وستين عالمًا.

ص: 9

وتألهه، وزهده، وورعه، وشجاعته، وكرمه، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، والتعظيم لحرمات الله، الملقب بتقي الدين، والمكنى بأبي العباس، أحمد ابن الشيخ الإمام المفتي شهاب الدِّين أبي المحاسن عبد الحليم، ابن الشيخ الإمام شيخ الإسلام مجد الدِّين أبي البركات عبد السلام بن أبي محمد عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن تيمية بن الخضر بن علي بن عبد الله، النُّمَيْري نسبًا، الحَرَّاني مولدًا، ثم الدمشقي منشأً ومدفنًا، الحنبلي مذهبًا، ثم المجتهد، المشتهر بابن تيمية المجدد. المولود في يوم الاثنين 10/ 3/ 661 المتوفى في ليلة الاثنين 20/ 11/ 728 عن سبعة وستين عامًا وثمانية أشهر وعشرة أيام ــ رحمة الله تعالى عليه ــ.

تتابع تدوينُ هذه الصحف المباركة من يوم ولادته إلى يوم وفاته على النحو الآتي حسب وَفَيَاتهم:

1 -

فرسالة تلميذه ابن شيخ الحزَّامين الحنبلي المتوفى سنة 711 ــ رحمه الله تعالى ــ وصية لأتباع الشيخ بالثبات على نصرة السنة، وأن في نصرة الشيخ والذب عنه إحياء للسنة، مع أن تلميذه هذا أسن منه.

وقد استهلها بالوصية بالتقوى، وأن يكون للعبد ساعة من ليل أو نهار يخلو فيها بربه، ففيها من جلاء أصداء القلوب ما الله به عليم، وأن حفظ هذه الساعة غير ساعات الصلوات المكتوبة لأن وقتها قد يهجم على العبد وقلبه، فيجذب عن الإقبال على الله، لكن هذه الساعة إذا هجم عليها العبد، عرف مدى آثارها على ساعات صلواته.

ثم لفت إلى لقاء النبي صلى الله عليه وسلم في سنته والعمل بها، وما يحصل بذلك من آثارِ رحمةِ الله على القلب من الخشية والصدق.

وأنه يجب الاعتدال بين أمور ثلاثة: المصالح الدنيوية، والفضائل

ص: 10

العلمية، والتوجهات القلبية.

ثم أفاض ــ رحمه الله تعالى ــ في شكر ما أنعم الله به من ظهور شيخ الإسلام أمام صفوف المُحْدِثين في الدين: فقهاء، وصوفية، وجهمية، وحلولية، ومظالم الأمراء والأجناد، والمبتدعة في العبادات

ويوصيهم بالصبر، فإن البلاء قَدْ عَمَّ الأرض، وأتباع الشيخ المجدد مثل الشامة البيضاء في الجلد الأسود. ولن يعرف قدر هذا الرجل إلا من عرف حقيقة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. ووالله ثم والله إنه لا يوجد في عصره من تُستجلى السنن النبوية المحمَّدية من أقواله وأفعاله إلا هذا الرجل، وما هو بالمعصوم.

ثم ذَكَر الموقف الدفاعي عن شيخ الإسلام ــ رحمه الله تعالى ــ مُتَّكِئًا على من كتب كراسة في عَدِّ مثالب الشيخ مدلسًا لها بذكر شيء من الفضائل؛ ليظهر إنصافه، فيوقع في قلوب الطلاب الوحشة من الشيخ وعلمه، وذكر ــ رحمه الله تعالى ــ أن هذا لا يحصل إلا من تغير عقل أو فهم أو صدق أو تقدم سِن، وَشَرَحَ هذا بما يتعين الوقوف عليه، وهذه من اللفتات النفيسة.

ومن اللفتات النفيسة ــ أيضًا ــ ما ذكره من أنه ما من شخص في نفسه شيء على آخر إلا ويجد عليه بعض الأشياء، لكن عند المحاققة نجدها جزئيات تُغْمَر في بحر علمه وعمله وفضله، والعصمة لأنبياء الله ورسله، والكمال لله وحده.

وبالجملة فهذه الرسالة أنشأها تلميذه الواسطي، ولا أراها في الدفاع عن شيخ الإسلام والوصية به وبتلامذه وكتبه، والحذر من مكايد خصومه إلا واسطةَ العقد من هذا «الجامع» ؛ لما فيها من نفاذ البصيرة، وحسن الدفاع، ومراغمة المخالف بالحجة، فرحمه الله رحمة واسعة، آمين.

ص: 11

2 -

وما كتبه تلميذه الغياني الحنبلي ــ رحمه الله تعالى ــ تضمن مواقف جهادية كثيرة لشيخ الإسلام ــ رحمه الله تعالى ــ تفرد بها في تكسير الأحجار، ومعالم الوثنية التي يتعلق بها العوام، وإزالة كثير من البدع والضلالات، وهي في دمشق: العمود المُخَلَّق بالباب الصغير، وفي مسجد الكف، وصخرة مسجد النارنج، وصنم عند مسجد النارنج، وعمود آخر مُخَلَّق، وما يسمى قدم النبي صلى الله عليه وسلم وإطعام العدس من سماط الخليل، وكان ساعده الأيمن في ذلك أخوه شرف الدِّين ــ رحمه الله تعالى ــ.

وفي مصر: بيانه عن مشهد الحسين، وكشف حال بني عُبيد وأنهم باطنية، ثم مناظرته مع ثلاثة من رهبان الصعيد وهو في قاعة الترسيم، وحضور الشيخ الدِّباهي من الشام إلى مصر ليصلح بين الشيخ والمنبجي.

3 -

ورسالة تلميذه ابن مُرِّي الحنبلي ــ رحمه الله تعالى ــ على نحو رسالة ابن شيخ الحزامين، لكنها تميزت بالوصية بعلم الشيخ وكتبه وحفظه في تلاميذه البارزين، وأن يُجْمَع كلامه بعضُه إلى بعض مهما تكرر مع المقابلة وتكثير نُسَخِها. ويوصي بتلميذه أبي عبد الله بن رُشَيِّق؛ لأنه خزانة ذخائر كتب ابن تيمية، وهو قليل ذات اليد، فليساعدوه حتى يتفرغ لجمعها ونسخها، لكن ابن رشيق توفي سنة 749 ــ رحمه الله تعالى ــ والدَّين في ذمته، وهو في ذمة من فرَّط في مساعدته وسَدِّ خَلَّته ــ سامح الله الجميع ــ.

وأوصى برد الشيخ على عقائد الفلاسفة، وبَيَّن نُسَخَه، وأن يراجع في كتبه كذلك المزي وابن القيم وشرف الدين، وقال: «ووالله ــ إن شاء الله ــ ليقيمن الله لنصر هذا الكلام ونشره وتدوينه وتفهُّمه واستخراج مقاصده واستحسان عجائبه وغرائبه، رجالًا هم إلى الآن في أصلاب آبائهم

» اهـ.

ص: 12

وقد تحقق ذلك ــ بحمد الله ــ فَبَرَّ قَسَمُ ابن مُرِّي، فجمعت كتب شيخ الإسلام، واشتغل بها وبتحقيقها العلماء، كما جمعت مسائل الإمام أحمد مع نهيه عن الكتابة عنه. ونظائر ذلك كثيرة وهو من تأييد الله لهذا الدين، وعباده الصادقين.

4 -

وعصريه النويري الشافعي في: «نهاية الأرب» ساق سبب سجن شيخ الإسلام بمصر عن مشاهدة وعيان، ثم اعتقالاته في دمشق وأسبابها مفصلة.

5 -

وكلمة تلميذه في القاهرة ابن سيد الناس المالكي في أجوبته، فيها أن أبا الحجاج المزي حمله على رؤية ابن تيمية، فلما رآه صار فوق وصفه، وأخذ في وصف حظه من العلوم بعبارة فائقة، وبيان مواقف الناس منه، وتأليبِ خصومِهِ السلطةَ عليه، وظهوره عليهم.

6 -

وترجمه عصريه الجزري الشافعي، ترجمة متوسطة تميزت بما حصل له ولبعض تلاميذه من سجن ومحن بسبب الفتوى في شد الرحال.

7 -

وترجمه تلميذه البرزالي الشافعي، وتميزت بما حصل لشيخ الإسلام من المواقف الجهادية للتتر وغيرهم، وما حصل له من خصومه من جدل ومحاضر وسجن وإيذاء وأسباب ذلك.

8 -

وترجمه عصريه الدواداري، بنحو ما لدى النويري، والجزري، والبرزالي.

9 -

رسالة عصريه ابن حامد الشافعي إلى أبي عبد الله بن رُشَيِّق، يعبر فيها عن انبهاره بكتب إمام الدنيا، ومباحثه في الرد على الفرق، وأنه لما حج عام 728 عزم السفر إلى دمشق، لكن بلغته وفاته فعدل إلى داره الكوفة،

ص: 13

وطلب في رسالته فهرست مصنفات الشيخ وما تيسر منها.

10 -

وعصريه عبد الباقي اليماني الشافعي، حلَّاه بما خصه الله به من المزايا علمًا وعملًا، وأن ابن حزم اتفق له ما اتفق للشيخ حذو القذة بالقذة.

11 -

سيرته لتلميذه ابن عبد الهادي الحنبلي ــ من آل قدامة ــ أوْفَى التراجم مادة، وقد رجع فيها إلى زميله الذهبي.

12 -

تلميذه الذهبي الشافعي، ترجمه في تسعة كتب، عمدتها ترجمته في:«ذيل تاريخ الإسلام» وقد تميزت بالدفاع عنه.

13 -

تلميذه ابن رُشَيِّق المغربي المالكي، أفرد رسالة في تسمية ما وقع له من مؤلفات شيخه. وقد أفاد هذا «الجامع» في مقدمته توثيق نسبتها إليه، وغلط من نسبها مطبوعة لابن القيم، بما تتابع المعاصرون عليه، منهم كاتب هذا التقديم.

14 -

تلميذه ابن فضل الله العُمَري الشافعي لا الحنبلي، فاقت بطولها، والدفاع عنه، وساقها بأسلوب مسجوع على طريقة الترسُّل المليح، مع إضافة معلومات دقيقة.

15 -

تلميذه ابن الوردي الشافعي، تميزت بطولها، والدفاع عن شيخه، وإضافات مهمة.

16 -

تلميذه الوادي آشي المالكي، ترجمه في برنامجه ببضعة سطور، جمع فيها بين الثناء عليه، وتابع خصومَه بأنه كان يتبع شاذ الفتوى.

17 -

تلميذه ابن القيم الحنبلي، نظم في النونية أمهات كتبه، وذكر مزاياها.

ص: 14

18 -

تلميذه بالقاهرة مغلطاي الحنفي، استجازه فأجازه، وذكرها، وقال: لشيوع علمه استغنى عن التعريف بحاله.

19 -

تلميذه الصفدي الشافعي، ترجمه في كتابين له، وتميزت بأمور أربعة: طولها، والدفاع عنه، وإضافة معلومات جديدة حكاها عن رصيفه الإمام شمس الدِّين ابن القيم، وعجيب أن هذه التراجم مع كثرتها لم يكثر ذِكْر ابن القيم فيها مع مزيد اختصاصه بشيخه. وكان سياق الصفدي بأسلوب السجع والترسل.

20 -

تلميذه ابن شاكر الكُتْبي الشافعي، ترجمه في كتابين:«فوات الوفيات» و «عيون التواريخ» ، اعتمد في الأول على «الوافي بالوفيات» للصفدي، والثاني مختصرًا.

21 -

عصريه اليافعي اليماني الشافعي، ترجمة مختصرة. وله فيها متابعة لخصوم شيخ الإسلام في النيل منه.

22 -

عصريه الفيومي الشافعي صاحب: «المصباح المنير» ترجمه مختصرًا.

23 -

تلميذه ابن كثير الشافعي. ذكره في أحداث اثنتين وثلاثين سنة في تاريخه من ولادته سنة 661 إلى وفاته سنة 728 وهي مشبعة بالوقائع وما جَرَيات حياته، ومن قرأ خبر وفاته جهش بالبكاء ــ رحم الله الجميع ــ.

24 -

عصريه الملك الرسولي الشافعي، ترجمه مختصرًا، أثنى فيها على علومه ومناقبه وصفاته ووصف جنازته.

25 -

تلميذ تلامذته وعصريه شيخ والده ابن حبيب الشافعي، ترجمه في

ص: 15

كتابين محليًا له بجميل النعوت، والإشادة بشتى العلوم. وهما ترجمتان مختصرتان، منسوخة إحداهما من الأخرى.

26 -

عصريه ابن بطوطة المالكي تعرض لذكره في رحلته بما انْتُقِدَ عليه، وشُكَّ في نسبته إليه.

27 -

تلميذ تلامذته ابن رجب الحنبلي. ترجمه ترجمة مطولة مُشْبَعة، نافس فيها ابن عبد الهادي.

28 -

ترجمه المؤرخ الخزرجي الشافعي اليماني مختصرًا، فيها الثناء على الشيخ وعلومه، وهي قريبة من ترجمة الملك الرسولي، وكأن إحداهما منقولة عن الأخرى.

29 -

تلميذ تلامذته التقي الفاسي المالكي. ترجمة موجزة.

30 -

تلميذ تلامذته ابن ناصر الدِّين الشافعي. ترجمة حسنة تميزت بالذب عنه.

31 -

تلميذ تلامذته وناصر مذهبه المقريزي الشافعي. له ترجمة مطولة، مشبعة بالوقائع والأحداث في «المقفى الكبير» ، ومختصرة في «الخطط» ، و «السلوك» .

32 -

وترجمه ابن نصر الله الحنبلي في مختصره لذيل ابن رجب بنصها عن ابن رجب، وفقًا لشرطه في مقدمته في بعض التراجم.

33 -

تلميذ تلامذته الحافظ ابن حجر الشافعي. ترجمه مطولًا في «الدرر» . وفي تقريظه للرد الوافر مختصرًا متميزًا بالدفاع عنه؛ وما يمس شيخ الإسلام هو فيه ناقل وليس بقائل.

ص: 16

34 -

تلميذ تلامذته العيني الحنفي. ترجمه مختصرًا في «عقد الجمان» .

وفي تقريظه للرد الوافر دفاعًا عنه.

35 -

تلميذ تلامذته البلقيني الشافعي، في تقريظه للرد الوافر مختصرًا دفاعًا عنه.

36 -

وترجمه ابن تغري بردي الحنفي في ثلاثة من كتبه تراجم مختصرة.

37 -

وترجمه ابن مفلح الحنبلي. ترجمة حسنة.

38 -

ترجمه الحَرَضي اليماني الشافعي مختصرًا، تابع فيها اليافعي اليماني، إلا أنه رد عليه بنقل كلام أحد علماء اليمن المنصفين.

39 -

والتونسي المالكي في سطرين، على الجادة في كتابه.

40 -

والسيوطي الشافعي في بضعة سطور، على الجادة في كتابه.

41 -

وترجمه ابن سباط، بذكر خبر وفاته ــ رحمه الله تعالى ــ وهو درزي.

42 -

والنعيمي الشافعي في ثلاث صفحات.

43 -

والعليمي الحنبلي ترجمة مطولة في «المنهج الأحمد» ، ومختصرة في «الدر المنضد» . على نحو ابن رجب.

44 -

والداودي الشافعي ترجمة مختصرة.

45 -

وبا مخرمة الشافعي اليماني، مختصرة، منقولة من اليافعي اليماني.

46 -

والعدوي الشافعي ترجمة مختصرة.

ص: 17

47 -

وابن العماد الحنبلي ترجمة مطولة.

48 -

والمكناسي المالكي بسطور الوادي آشي.

49 -

والغزي الشافعي بثلاثة سطور.

50 -

والدهلوي الحنفي المُحَدِّث برسالة مفردة باسم «مناقب ابن تيمية» وهي في إعلان موالاته لسلامة معتقده.

51 -

وياسين الموصلي الشافعي، ترجمة مختصرة.

52 -

والشوكاني المُحَدِّث. ترجمه ترجمةً مطولةً متميزةً بذكر مناقبه والدفاع عنه.

53 -

والكشميري المحدِّث، ترجمة حافلة مطوَّلة.

54 -

وصِدِّيق المحدِّث ترجمه في كتابين «أبجد العلوم» ، و «التاج المكلَّل» مطولًا فيهما، مشبعًا ترجمته بالدفاع عنه.

55 -

الآلوسي الحنفي ترجمه ترجمةً مطولةً متميزة بالدفاع عنه.

وهذه التراجم لدى الشوكاني، والكشميري، وصِدِّيْق، والآلوسي، حافلة بنقول مختارة من الذهبي، وابن عبد الهادي، وغيرهما، وليس فيها ما يضاف لسوابقها مع طولها.

من هذا العرض يتبين الآتي:

1 -

أن شيخ الإسلام ابن تيمية ــ رحمه الله تعالى ــ ترجم له سبعة عشر عالمًا من تلامذته وأصحابه، وهذه ميزةٌ قَلَّ أن تكون لِعَالم آخر، وهي أوثق المصادر في مواد التراجم، وتنافس الترجمة الذاتية في الاعتبار والتوثيق.

ص: 18

2 -

وترجم له عشرة من معاصريه الذين فات عليهم اللقاء به.

3 -

ومترجم في طبقات المفسرين، والمحدثين، وفقهاء الحنابلة باعتبار منزلته من هذه العلوم.

4 -

وفي كتب التراجم العامة، ترجم له علماء المذاهب الأربعة: أربعة من الحنفية، وسبعة من المالكية، وثمانية وعشرون من الشافعية، وأحد عشر من الحنابلة.

5 -

ومنهم من ترجمه في أكثر من كتاب، فالصفدي، وابن شاكر الكتبي، وابن حبيب، وابن حجر، والعليمي، وصِدِّيق كلُّ واحد منهم ترجمه في كتابين له. والمقريزي وابن تغري بردي كل واحد منهما ترجمه في ثلاثة كتب له، والذهبي ترجمه في تسعة كتب له.

6 -

وهذه التراجم منها التراجم الموعبة المطولة المشبعة بالمعلومات وهي ثلاث وعشرون ترجمة جلها لتلاميذه، وأوفاها على الإطلاق ترجمة تلميذه ابن عبد الهادي، ولم ينافسه إلا ابن رجب ــ رحم الله الجميع ــ وابن كثير في تاريخه، وهذه الثلاث هي عيون تراجمه.

7 -

ومنهم من حفلت ترجمته بنواحي متعددة، ومنهم من تميزت ترجمته له بذكر الوقائع والأحداث كما لدى الأئمة: ابن كثير، والنويري، والبرزالي، والمقريزي ــ رحمهم الله تعالى ــ.

8 -

ومنهم من كانت ترجمته في ناحية بعينها، مثل ابن رُشَيِّق في تسمية مؤلفاته، والغياني في جهاده في تكسير الأحجار وغيرها من الظواهر الوثنية.

ص: 19

9 -

ومنها ما كان سياق مؤلِّفها لها على طريقة السجع والترسل، وذلك في جواب ابن سيد الناس في ترجمته، وابن فضل الله، والصفدي، لكن لابن فضل الله فضل بيان، وانقياد ألفاظ، وكذا في كتابي ابن حبيب مع إيجازهما.

10 -

ومنها تراجم مختصرة، بل بعضها برقيات في سطور معدودة، حسب طريقة المؤلف في كتابه.

11 -

وجميع هذه التراجم تفيد سيرة عطرة زكية، وفي بضع تراجم شابها ــ مع اختصارها ــ رَشْح من ضرائر الباطل، والبلاء المتناسل لدى خصومه، الذين عز عليهم الإذعان للدليل، فراغ عليهم ضربًا باليمين. مثل كلمة قيدها تلميذه الآفاقي الوادي آشي من أنه ركب شاذ الفتوى، وتابعه على هذا الشقاء عصريه اليافعي، ثم المكناسي بلا عزو، وهذا قول رَثٌّ، سرعان ما تساقط في ساحة قائله، وأصبح ما حكم بشذوذه بالأمس، هو المعتمد فتوى وقضاء اليوم، مثل: الطلاق الثلاث بلفظ واحد، والحلف به، وأن المشروع هو زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا شدّ الرحال إليه، وهكذا والله أعلم.

ومن هذه السيرة الجامعة الحافلة في هذا «الجامع» تستفاد الأمور الآتية:

الأمر الأول: الوقوف على المعلومات الجامدة، التي تساق لأي مُتَرْجَم، وإن تفاوت المترجِمون فيها، كُلٌّ حسب ما وهبه الله له. ومما يحسن ذكره هنا:

1 -

أن سياق نسبه ثمانية آباء كما تقدم من سياق تلميذه ابن عبد الهادي دون غيره.

2 -

نسبته «النميري» من إفادات تلميذ تلامذته ابن ناصر الدين، وتابعه عليها العدوي في:«الزيارات» .

ص: 20

3 -

و «تيمية» لقب لجده محمد، وهو الخامس من آبائه، وفي تعليلها قولان مشهوران.

4 -

و «الحراني» نسبة إلى بلدة مشهورة في الجزيرة بين الشام والعراق، وليست هي التي بقرب دمشق ولا التي في تركيا، ولا التي بقرب حلب.

5 -

ونَعْتُهُ ــ رحمه الله تعالى ــ: كان أبيض البشرة، أسود الرأس واللحية قليل شيب اللحية، شعر رأسه إلى شحمة أذنيه، ربعة من الرجال، بعيد ما بين المنكبين، أبيض العينين، جَهْوَرِيَّ الصوت فصيحًا سريع القراءة، تعتريه حدة ثم يقهرها بحلم وصفح، كأن عينيه لسانان ناطقان، إدا أخذ يتكلم ازدحمت العبارة في فمه.

6 -

لم يرث العلم عن كَلالَةٍ، وإنما نشأ في بيت علم منهم أبوه وجده المجد.

7 -

والدته: الشيخة الصالحة ست النِّعم بنت عبد الرحمن بن علي بن عبدوس الحرانية المتوفاة بدمشق سنة 716. وقد ولد لها تسعة ذكور، ولم ترزق بنتًا قط، منهم ثلاثة أشقاء شيخ الإسلام وهو أكبرهم، وزين الدِّين عبد الرحمن، وشرف الدِّين عبد الله، ومن إخوته لأمه بدر الدِّين قاسم بن محمد بن خالد المتوفى بدمشق سنة 717.

8 -

تفرع آل تيمية إلى دوحتين: آل عبد الله، وآل محمد، وشيخ الإسلام من آل عبد الله، وقد أحصيت مُشَجَّرَهم في:«المدخل المفصل: 1/ 532 - 536» وبينت وجود آل تيمية إلى أواخر القرن الثالث عشر الهجري.

9 -

تجمع التراجم أن الشيخ هاجر مع والده وأهل بيته من حران إلى دمشق أثناء سنة 667 والشيخ في السابعة من عمره، وذلك بسبب جور التتار.

ص: 21

10 -

نشأ ــ رحمه الله تعالى ــ في تصوُّن تام وعفاف وتألُّه واقتصاد في المأكل والملبس، بَرًّا بوالديه تقيًّا ورعًا عابدًا ناسكًا صوامًا قوامًا.

11 -

أخذ عن أكثر من مائتي شيخ، كلهم دماشقة، وجُلُّهم حنابلة، وكان أول سماعه من ابن عبد الدايم بدمشق، وهو في السابعة من عمره، ومجموع من سمي منهم في هذا «الجامع» ستة وثلاثون شيخًا.

12 -

أوائل في حياته تدل على النبوغ المبكر:

- تعلم الخط والحساب في الكُتَّاب.

- حفظ القرآن وهو في الصِّغر.

- أتقن العلوم من التفسير والحديث والفقه والأصول والعربية والتاريخ والجبر والمقابلة والمنطق والهيئة وعلم أهل الكتابين والملل الأخرى، وعلم أهل البدع، وغيرها وهو ابن بضع عشرة سنة، حتى إنه حذق العربية في أيام، وفهم كتاب سيبويه في أيام، وفي الحديث سَمِع المسند مرات وما ضبطت عليه لحنة متفق عليها، وكان إقباله على التفسير إقبالًا كليًّا منقطع النظير.

- ناظر واستدل وهو دون البلوغ.

- أفتى في سن السابعة عشرة من عمره أي سنة 677.

- دَرَّس في الحادية والعشرين من عمره أي سنة 681 بعد موت أبيه في المدرسة السكرية، وتولى مشيختها يوم الاثنين 2/ 1/ 683.

- بدأ درس التفسير بالجامع الأموي في 10/ 2/ 691 أي وهو ابن ثلاثين سنة، واستمر سنين متطاولة.

ص: 22

- حَجَّ مرة واحدة سنة 692 أي وعمره 31 سنة، وبعد عودته من الحجِّ آلت إليه الإمامة في العلم والدين.

- نشر العلم في: دمشق، ومصر، والقاهرة، والإسكندرية، وفي سجونها، وفي الثغر.

- دَرَّس بالمدرسة الحنبلية في يوم الأربعاء 17/ 8/ 695.

- أول رحلاته إلى مصر في القاهرة والإسكندرية مرتان سنة 700، ثم عاد إلى دمشق، ثم رجع إلى مصر سنة 704، وكانت إقامته بها نحو سبع سنين وسبع جمع أي إلى سنة 712 متنقلًا في جلها بين سجون القاهرة والإسكندرية.

- بدأ في التأليف وهو ابن سبع عشرة سنة.

وهكذا من البدايات المبكرة الدالة على نبوغه، وتأهله للاجتهاد والتجديد والإمامة في العلم والدين.

الأمر الثاني: الوقوف على مواطن القوة في ترجمته:

في الحديث الذي أخرجه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن» .

ومن نظر في ترجمة شيخ الإسلام ــ رحمه الله تعالى ــ وجد أن الله سبحانه قد منحه أسباب القوة التي تبنى عليها قبة النصر وهي: الثبات، واللهج بذكر الله تعالى، وطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والاتفاق مع أنصار الإسلام والسنة، والصبر، وقد قال الله تعالى: {(44) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ

ص: 23

فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 45 - 46].

ومن مظاهر القوة في شيخ الإسلام ــ رحمه الله تعالى ــ:

- ما رزقه الله من قوة البدن واعتداله، وقوة الأداء في صوته، فقد كان جَهْوَريًّا، يستولي على قلوب سامعيه.

- قوة الحفظ فقد بَهَرَ الفضلاء بذلك، وقلما حفظ شيئًا فنسيه، وقد كان يحفظ «المحلى» لابن حزم ويستظهره، وكان أول محفوظاته من الحديث:«الجمع بين الصحيحين» للحميدي، وقل من يحفظ ما يحفظه من الحديث معزوًا، مع شدة استحضاره له وقت الدليل.

- قوته في فرط ذكائه، وسيلان ذهنه، وسرعة إدراكه؛ ولهذا قيل عنه:«كأن عَيْنيه لسانان ناطقان» .

- تواريخ لها مدلولاتها على قوته ونبوغه المبكر:

- ناظر وهو دون البلوغ، وكان يحضر المدارس والمحافل في صغره فيتكلم ويناظر ويفحم الكبار ويأتي بما يتحير منه أعيان البلد في العلم، ولا يعرف أنه ناظر أحدًا فانقطع معه.

- أفتى في سن السابعة عشرة من عمره، أي سنة 677، وكان الشرف أحمد بن نعمة المقدسي الحنبلي المتوفى سنة 694 هو الذي أذن له بالفتيا وكان يفتخر بذلك.

- بدأ التأليف وهو في سن السابعة عشرة من عمره أي سنة 677.

ص: 24

- دَرَّس وهو في الحادية والعشرين من عمره، أي سنة 681.

- وكان أول دروسه بعد وفاة أبيه في مدرسة الحديث السكرية، وتولى مشيختها في يوم الاثنين 2/ 1/ 683.

- بدأ درس التفسير في 10/ 2/ 691 أي وعمره ثلاثون سنة، واستمر مدة سنين متطاولة وقد انعقدت له الإمامة في التفسير وعلوم القرآن الكريم، وقد أقبل عليه إقبالًا كليًّا حتى حاز فيه قصب السبق؛ ويقال: إنه وضع تفسيرًا مطولًا أتى فيه بالغريب العجيب.

- قوته في الطلب والتلقي والأخذ عن الشيوخ، حتى دار في دمشق على أكثر من مائتي شيخ.

- قوته في البحث والقراءة والمطالعة، فلا تكاد نفسه تشبع من العلم، ولا تروى من المطالعة، ولا تمل من الاشتغال، ولا تكل من البحث.

- قوته في ضبط النفس والسيطرة عليها من ملاذ الدنيا، فلا لذة له إلا في نشر العلم وتدوينه والعمل به.

ولهذه القوة مظاهر:

- رفضه للأعطيات.

- قناعته بما له من المعلوم الذي يسدُّ حاجته على يد أخيه الشرف وهو القائم بشؤونه ومصالحه.

- ما تزوج ولا تسرَّى قط لا رغبة عن هذه السنة، لكنه مثقل الظهر بهموم العلم والدعوة والجهاد.

ص: 25

- قوته في مواقفه الجهادية، والمغازي الإسلامية، وكسر شوكة الملاحدة والباطنية، كما في وقعة شقحب، والكسروان، وموقفه مع غازان، حتى وصفت شجاعته بأنها «خالدية» .

- قوته في حياته الجادة التي لا تعرف الهزل، فضلًا عن سافل الأخلاق من الغيبة والنميمة، فقد كان ــ رحمه الله تعالى ــ في غاية التنزه من الغيبة والنميمة، وما عرفت عثرة له في شيء من ذلك، وكانت مجالسه عامرة بالخير لا يجرؤ المغتابون على غشيانها.

- قوته في مواقفه مع الولاة، في النصح والأمر والنهي.

- قوته في تعبده، وتألهه، ومداومة الذكر، والأوراد، لا يشغله عن هذا شاغل ولا يصرفه صارف.

فأين من يظهر القوة في الحق وإذا حضرت العبادات تثاقلت أعضاؤه، وأصيب بالخمول، على حد ما ذكره الإمام الشافعي ــ رحمه الله تعالى ــ من العجائب التي شهدها وعد منها: أنه رأى مغنِّيًا بالمدينة يعلم الجواري الغناء وعمره 90 سنة وهو قائم، فإذا حضر وقت الصلاة، صلى وهو جالس ــ نعوذ بالله من الحرمان ــ. كما في «طبقات السبكي»:(2/ 99).

- قوته في تفجير دلالات النصوص، وشق الأنهار منها، واستخراج كنوزها، وهذه وحدها تعطي طالب العلم دفعة إلى إدامة النظر في كتبه وقراءتها مرة بعد أخرى.

- قوته في التأليف: بدأ ــ رحمه الله تعالى ــ التأليف وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان من أفراد الدهر في كثرة تآليفه، فلا يُعْلم في الإسلام من صنَّف نحو

ص: 26

ما صنف ولا قريبًا منه، وقد قدرت مؤلفاته بخمسمائة مجلد، وبأربعة آلاف كراس أو أكثر، وقد بلغ ما يكتبه في اليوم والليلة أربع كراريس وكان يكتب مؤلفاته من حفظه، وكان ذا قلم سريع الكتابة إذا رقم، يكاد يسابق البرق إذا لمع، لكن كان خطه في غاية التعليق والإغلاق. وكانت مؤلفاته في غاية الإبداع وقوة الحجاج وحسن التصنيف والترتيب، غير مشوبة بِكَدَرٍ، بل خالصة من الشَّبه والشُّبه، وكثير منها مسودة لم يبيض، وله في غير مسألة مصنف مفردٌ أو أكثر.

ومن مؤلفاته ما ألفه في قَعْدة، مثل:«الحموية» ألفها بين الظهرين سنة 698 وعمرة ثمان وثلاثون سنة، وألَّف لأهل الآفاق عدة كتب، تَلْبيةً لطلبهم، منها: لأهل واسط: العقيدة الواسطية، والحموية لأهل حماة، والمراكشية لأهل مراكش، والتدمرية لأهل تدمر، وهكذا.

وألَّف بعض كتبه وهو في السجن، منها: في السجن بمصر: الرد على البكري، والرد على الإخنائي، وألَّف منهاج السنة النبوية وهو في مصر، وألَّف ما لا يحصى في السجن بالقلعة بدمشق.

وقد جرت له بسبب بعض مؤلفاته وفتاويه محن من السجن، والنيل من العرض بغير حق، كما جرى له بسبب الحموية، والواسطية، وبسبب فتواه في الطلاق بالثلاث، وبالحلف بالطلاق، وفتوى الزيارة وشد الرحال، وغيرها.

هذا مع ما حصل له في بعض سجناته من منع الدواة والقلم، وإخراج ما عنده من الكتب والورق.

الأمر الثالث: مواطن الضعف في سيرته حسب ميول الناظرين:

ص: 27

- ضعفه في نظر عشاق المناصب والولايات، فقد عرضت عليه مناصب علمية فأباها، وقال: يقوم بها غيري، أما نشر العلم وتصحيح الاعتقاد، ورد الناس إلى الله ورسوله فالناس أحوج ما يكونون إليه.

فآلت ميزة خلَّدت ذكره في العالمين، وغاب أصحاب الولايات بأبهتهم بما لهم وما عليهم ــ مَنَّ الله على الجميع بعفوه ومغفرته ــ.

- ضعفه في نظر طلاب المادة، فقد عُرِضَت عليه المرتبات، والأعطيات، فأباها؛ لأنه ــ رحمه الله تعالى ــ يعلم أنه إذا أخذت اليد، ضعفت مقاومة الباطل، واهتز موقف الناصح. فليعتبر من يقول:«أنا لها» .

- ما تزوج ــ رحمه الله تعالى ــ ولا تسرى، وهذه لذة لا يفوِّتها عامة أهل الدنيا؛ ولهذا لم يعرف أنه يتحدث عنده في هذه الملاذ ونحوها؛ كما قال بعض السلف:«جنبوا مجالسكم ذكر البطون والفروج» وهذا خلق رفيع وشرف في النفس.

الأمر الرابع: السَّبْق العلمي:

وهذا من أبرز المزايا في حياة شيخ الإسلام العلمية والعملية، فكان له سبق التجديد في تحقيق التوحيد بعد طول غياب، وحماية جنابه، وحماية حماه بدقائق أصبحت نورًا يقتدي به المصلحون.

وقابله الخصوم: بافتراآت على الشيخ من خلال دعاوي كاذبة، مثل: دعوى بغض النبي صلى الله عليه وسلم وأين الإثبات! ؟ ودعوى أنه يمنع زيارة القبور وإنما منع البدعية لا الشرعية. ودعوى أنه يمنع من زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما منع شدَّ الرِّحال إليه. ودعوى أنه يوالي النصارى، وأنَّى يكون ذلك وله «الجواب الصحيح لمن بدَّل دينَ المسيح» ؟ !

ص: 28

وسَبق التجديد في الفقهيات وهي لا تحصى كثرة، وقابلها الخصوم بأنه خرق الإجماع، وقد نافح عنه العلامة برهان الدِّين إبراهيم بن تلميذ شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية في رسالة محررة نافعة باسم:«اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية» .

وسَبْق التجديد في علوم المنطق والفلسفة، هدم من خلال ردوده عليهم عددًا من نظرياتهم وقواعدهم.

الأمر الخامس: استجلاء العِبَر والدروس:

يمكن استجلاء الآتي:

1 -

ما نال شيخ الإسلام ــ رحمه الله تعالى ــ منزلة الإمامة في العلم والدين إلا من آثار التقوى واليقين والصبر في ذات الله على المكاره؛ ولهذا قال: «بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين» .

2 -

من أعظم أسباب الفوز والنصر، الزهد في المناصب والولايات، والكف عن زخرفها، وكما كان شيخ الإسلام كذلك، فقد كان أئمة الإسلام على هذه الجادة منهم الإمام أحمد بن حنبل ــ رحمه الله تعالى ــ ولهذا قيل في ترجمته:«أتته الدنيا فأباها، والولايات فقلاها» .

فمسكين من يتطلع إليها ويقول: أنا لها، ومغبون ــ والله ــ من دفع ثمنها مُقدّمًا بالتنازل عن شيء من دينه، والملاينة على حساب علمه ويقينه، وكُلُّ امرئ حسيب نفسه.

3 -

البذاذة من الإيمان، والاقتصاد في أمور المعاش من وظائف أهل الإسلام، وهكذا كان شيخ الإسلام ــ رحمه الله تعالى ــ مجتنبًا الترفه في المعاش، وتطلب الملاذ، فما أحلاه من أدب.

ص: 29

4 -

إنها «العصامية لا العظامية» .

إن الفتى من يقول: ها أنذا

ليس الفتى من يقول: كان أبي

فسحقًا لعشاق: «الطبقية» الذين يتغنون بأمجاد أسلافهم وقد تسفلوا، ويستعلون على الناس بأهليهم وأذوائهم، وقد تقذروا، أما من جمع بين الحسنيين، وفاز بالفضيلتين، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

وهكذا كان شيخ الإسلام ــ رحمه الله تعالى ــ فلم يركن إلى الدنيا، وأخذ يتغنى بآبائه فيقول: والدي مفتي الحنابلة، وجدي المجد شيخ الإسلام

بل سلك جادة العلم والإيمان حتى صار زينة لأهل الإسلام.

5 -

لا تكاد نفسه تشبع من العلم، ولا تروى من المطالعة، ولا تمل من الاشتغال به، ولا تكل من البحث فيه، وقل أن يدخل في علم إلا ويفتح له فيه؛ ولهذا قال الذهبي:«ما رأيته إلا ببطن كتاب» .

وفي غير هذا «الجامع» قال السخاوي في: «الجواهر والدرر: 1/ 117» بسنده عن الشمس ابن الديري قال: سمعت علاء الدِّين البسطامي ببيت المقدس يقول: وقد سأله هل رأيت الشيخ تقي الدِّين ابن تيمية، فقال: نعم، قلت: فكيف كانت صفته، فقال: هل رأيت قبة الصخرة، قلت: نعم، قال: كان كقبة الصخرة مُلِيء كُتبًا ولها لسان يَنْطِق» انتهى.

هذا مع انصراف عن أمور الدنيا انصرافًا كليًّا؛ إذ ليس له من المعلوم إلا اليسير، وقد تكفل أخوه شرف الدِّين بشؤونه.

وهذا يفيد الدرس الآتي: وهو عدم اجتماع الضدين فكما أن:

حُبُّ الكتابِ وحبُّ ألحان الغنا

في قلب عبد ليس يجتمعان

ص: 30

فحب العلم وإشغال القلب والبدن بالمال وجمعه وتنميته، والمكاثرة فيه لا يجتمعان، فكلما منحت هذا من جهدك ووقتك ضاع من ذاك، فَلْنَبْكِ على حالنا؟

6 -

ولما سافر ــ رحمه الله تعالى ــ إلى مصر سنة 700 نزل عندَ عمِّ تلميذه ابن فضل الله العمري، وكان سفره للحض على الجهاد، فَرُتِّبَ له مرتب، وأعطيات، فلم يقبل منها شيئًا.

فهل يعتبر من ابتلوا بالتسول على مستوى رفيع، ويتنمر على معارفه وإخوانه، والرفعاء منهم يعلمون أنه في الظاهر: مطاع متبوع، وهو في الباطن عبد تابع ذليل مطيع.

على أن الأرض لا تخلو من المتأسِّين بالصالحين، الذين تجردوا من هذه الحظوظ.

7 -

دروس وعبر مما ناله ــ رحمه الله تعالى ــ من الأذايا في ذات الله تعالى:

إن عالمًا يفتح الله عليه بميراث علم النبوة، وينظر في واقع الحياة فيرى من ظلمات الإعراض عن الوحي والتنزيل ما الله به عليم: حلولية، اتحادية، طرقية بدعية، جهمية، معتزلة، أشاعرة، مقلدة متعصبة، وكل يرى أن ما هو عليه هو الحق، ثم يأتي حامل الضياء، فيكاسر هؤلاء وهؤلاء، لا شك سيكون له خصوم وخصوم مما أدى إلى سجنه تارة، والترسيم عليه تارة، ومناظرته تارة، وإذايته بالمحن الأخرى تارة أخرى، وإغراء السفهاء، وتسليط الدهماء، وهكذا من صنوف الأذى، ومن كل ذلك قد نال شيخ الإسلام ــ رحمه الله تعالى ــ.

ص: 31

ومن نظر في سِيَر المصلحين وما أُلِّف من كتب مفردةٍ في إذايتهم مثل كتاب «المحن» لأبي العرب وغيره لم ير عالمًا لحقه من صنوف الأذايا من سجن وغيره مثل شيخ الإسلام ــ رحمه الله تعالى ــ.

وحسبي هنا أن أستقرئ من هذا «الجامع» وقائع سجنه والترسيم عليه:

لما بلغ ــ رحمه الله تعالى ــ الثانية والثلاثين من عمره وبعد عودته من حجته، بدأ تعرضه ــ رحمه الله تعالى ــ لأخبئة السجون، وبلايا الاعتقال، والترسيم عليه:«الإقامة الجبرية» . خلال أربعة وثلاثين عامًا، ابتداء من عام 693 إلى يوم وفاته في سجن القلعة بدمشق يوم الاثنين 20/ 11/ 728 وكان سجنه سبع مرات: أربعٌ بمصر بالقاهرة وبالإسكندرية، وثلاث مرات بدمشق، وجميعها نحو خمس سنين وجميعها كذلك باستعداء السلطة عليه من خصومه الذين نابذ ما هم عليه في الاعتقاد والسلوك والتمذهب عسى أن يفتر عنهم، وأن يقصر لسانه وقلمه عَمَّا هم عليه، لكنه لا يرجع.

وهذا بيان سَجَناته وأسبابها وآثارها:

السَّجْنَة الأولى: في دمشق عام 693 لمدة قليلة، بسبب واقعة عساف النصراني، الذي شهد عليه جماعة أنه سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ الخبر شيخ الاسلام ــ رحمه الله تعالى ــ اجتمع هو والشيخ زين الدِّين الفارقي شيخ دار الحديث، فدخلا على نائب السلطان بدمشق، عز الدِّين أيبك الحموي فطلب النائب إحضاره، فحضر عساف ومعه مجيره «أمير آل علي» فضربهما الناس بالحجارة؛ لهذا طلب النائب الشيخين: ابن تيمية والفارقي، فضربهما بين يديه، وَرَسَّمَ عليهما بالعذراوية ثم استدعاهما النائب وأرضاهما، وادعى النصراني الإسلام، ثم قتل في طريقه إلى الحجاز، قتله ابن أخيه.

ص: 32

وعلى إثر هذه الواقعة ألَّف شيخ الإسلام: «الصارم المسلول على شاتم الرسول» فانظر إلى آثار رحمة الله. ويستفاد من هذا أن المحتسب إذا نصح بأمر، فلم يقبل منه، وناله في سبيله بعض الأذى فليحتمل ذلك بنفس رضية، ولن يخلو قيامه بالحق من أثر بإحسان.

السجنة الثانية: في القاهرة لمدة عام وستة شهور من يوم الجمعة 26/ رمضان سنة 705 سُجن في برج أيامًا، ثم نقل إلى الجُبِّ بقلعة الجبل ليلة العيد 1/ 10/ 705 ومعه أخواه الشرف عبد الله والزين عبد الرحمن، واستمر إلى يوم الجمعة 23/ 3/ 707. وكان خادمه وتلميذه إبراهيم الغياني من المرافقين له في سفره هذا إلى مصر.

وسببها: ما ذكره ابن كثير في حوادث سنة 705 في المجلس الثالث فلينظر بطوله من هذا الجامع (ص 534 - 535).

وهي بسبب مسألة العرش ومسألة الكلام ومسألة النزول، وفيها من المواقف البطولية، والصدق في ذات الله ما يملأ النفس بالإيمان والمجد في العمل.

وكان مما جرى فيها أن أخاه الشرف، ابتهل، ودعا الله عليهم في حال خروجهم، فمنعه الشيخ وقال له: بل قل: «اللهم هب لهم نورًا يهتدون به إلى الحق» .

فلِلَّه ما أعظمه من أدب جم، وما أعظمه من خلق رفيع، وهضم للنفس، وبحث عن الحق. وإن هذه ــ وايم الله ــ فائدة تساوي رحلة، وأين هذه من حالنا إذا نيل من الواحد شيء غضب وسخط، وجلب أنواع الدعاء على عدوه، فاللهم اجعل لنا ولمن آذانا فيك نورًا نهتدي به إلى الحق.

ص: 33

السَّجْنَة الثالثة: بمصر لمدة أيام قليلة ابتداء من 3/ 10/ 707 بسبب استعداء السلطة عليه من المتصوفة بالقاهرة؛ لمنعه الاستغاثة والتوسل بالمخلوقين، وكلامه في ابن عربي، فعقد له مجلس فاختلف الحضور بين براءته، وإدانته، وكان في طرف الإدانة القاضي البدر ابن جماعة.

عندئذ خُيِّر بين أمور ثلاثة: العودة إلى دمشق، أو البقاء بالإسكندرية بشروط، أو الحبس فاختار الحبس، فألح عليه جماعة من رفاقه ليسير معهم إلى دمشق ويقبل الشروط فوافقهم فركب خيل البريد ليلة 18/ 10/ 707.

وبسببها ألف كتابه في الاستغاثة المعروف باسم: الرد على البكري.

السَّجْنَة الرابعة: بمصر في قاعة الترسيم من آخر شهر شوال سنة 707 إلى أول سنة 708 أي لمدة تزيد عن شهرين.

ذلك أنه لما اختار بعد السجنة الثالثة السفر إلى دمشق بشروط، رَدُّوْه من مثاني الطريق يوم ليلة سفره 18/ 10/ 707 بمشورة نصر المنبجي الحلولي، الذي يحتل مكانة عند الوالي، فَعُرِض الشيخ على قضاة المالكية، فاختلفوا، فلما رأى الشيخ ذلك قال:«أنا أمضي إلى الحبس وأتبع ما تقتضيه المصلحة» فعكف عليه الناس زيارةً وتعلمًا واستفتاءً.

وفيه حصلت له قصة مع رهبان النصارى الثلاثة، وقد ساقها تلميذه الغياني مع وقائع أخرى في نحو عشر صفحات فلتنظر في هذا الجامع (ص 156 - 163).

السَّجْنَة الخامسة: الترسيم عليه بالإسكندرية في 1/ 3/ 709 إلى 8/ 10/ 709 دون مرافق معه تحت نظر الولاية. وهذه مكيدة أخرى من نصر

ص: 34

المنبجي، والجاشنكير، يتربصان من يغتاله، وفي هذه الحال جاء عنده بعد أيام شمس الدِّين بن سعد الدِّين الحراني، وأخبره أنهم يسفرونه إلى الإسكندرية وجاءت المشايخ التدامرة وأخبروه بذلك، وقالوا له: كل هذا يعملونه حتى توافقهم، وهم عاملون على قتلك، أو نفيك، أو حبسك، فقال لهم: أنا إن قتلت كانت لي شهادة، وإن نفوني كانت لي هجرة، ولو نفوني إلى قبرص دعوت أهلها إلى الله وأجابوني، وإن حبسوني كان لي معبدًا، وأنا مثل الغنمة كيفما تقلبت، تقلبت على صوف، فيئسوا منه وانصرفوا.

وما هي إلا شهور ويتولى الملك الناصر محمد بن قلاوون سنة 709 فأفرج عن الشيخ واستدعاه للقاهرة، وقتل الجاشنكير شَرَّ قِتْلة، وَحَمَلَ نصرًا المنبجي ومات في زاويته. وأراد الناصر أن ينتقم من القضاة والفقهاء الذين كانوا يوالون الجاشنكير، فاستفتى شيخ الإسلام ابن تيمية، ففهم الشيخ مقصوده، فشرع في مدحهم والثناء عليهم، وأنهم لو ماتوا لم تجد مثلهم في دولتك، أما أنا فهم في حل من جهتي.

وكان القاضي ابن مخلوف المالكي يقول بعد ذلك:

«ما رأينا أتقى من ابن تيمية، لم نُبْق ممكنًا في السعي فيه، ولما قدر علينا عفا عنا» . عندئذٍ نزل الشيخ القاهرة، وسكن بالقرب من مشهد الحسين، والخلق على اختلاف طبقاتهم يترددون عليه وهو يقول:«أنا أحللت كل من آذاني» ، «ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه» .

وحصل له من الإجلال والتعظيم ما يطول وصفه، وبَسَطَه ابن كثير في سنوات 709 - إلى سنة 712.

ص: 35

واستمر إلى أن قدم دمشق صحبة السلطان لملاقاة التتر في 8/ 10/ 712 أي بعد غيبة في مصر دامت نحو سبع سنين، سُجِن ورُسِمَ عليه خلالها أربع مرات، استغرقت نحو سنتين ونصف، وكان أخواه معه حتى عاد إلى دمشق.

وحصل خلال إقامته هذه بمصر خير كثير، ونشر للعلم عظيم، وفيها كانت جملة كبيرة من مؤلفاته منها:«منهاج السنة النبوية» و «الإيمان» و «الاستقامة» و «تلبيس الجهمية» و «الفتاوى المصرية» وغيرها مما ذكره ابن رجب في ترجمته.

السَّجْنَة السادسة: بدمشق لمدة خمسة أشهر وثمانيةٍ وعشرين يومًا، من يوم الخميس 7/ 12/ 720 إلى يوم الاثنين 10/ 1/ 721 بسبب مسألة الحلف بالطلاق، وأنتجت هذه مجموعة كبيرة من الكتب والفتاوى والردود الحافلة، منها:«الرد الكبير على من اعترض عليه في مسألة الحلف بالطلاق» .

السَّجْنَة السابعة: بدمشق لمدة عامين وثلاثة أشهر وأربعة عشر يومًا، ابتداء من يوم الاثنين 6/ 8/ 726 إلى ليلة وفاته ــ رحمه الله تعالى ــ ليلة الاثنين 20/ 11/ 728 بسبب مسألة الزيارة، وأنتجت تأليف كتابه:«الرد على الإخنائي» .

وفيها حصل له من الفتوح الربانية بالعلم، والعبادة، ما يبهر العقول، وصدر منه من الكتب والرسائل والفتاوى العجب العجاب، مع أنه في آخر وقته مُنِعَ القلم والدواة والكتب والرقاق.

ص: 36

وهذه السياقات تفيد أن طريق الإصلاح شاق وطويل، ومحفوف بالمخاطر، والأذايا، والمكاره، ولكن ليس معنى هذا أن يشحن امرؤ نفسه بالمُشَاقَّة، وليس له رصيد من علم، ولا حصانة من إخلاص ولا لسان صدق في الأمة، ثم يقول: لي قدوة بشيخ الإسلام ابن تيمية ــ رحمه الله تعالى ــ! ! فإن هذا من التعرض للبلاء بما لا يطاق، وله من المردودات السالبة على مسيرة الدعوة ما لا يخفى، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

8 -

من حياة هذا الإمام التجديدية، ودعوته الإصلاحية، تعرف معنى التجديد، وأنه قفو الأثر، وإحياء السنن، والتوجه مع الدليل، وإصلاح ما رثَّ من حال الأمة بالعودة بها إلى الكتاب والسنة، ولهذا صارت دعوته، ومؤلفاته منارًا لأهل الإسلام، ومن هنا تعرف زيوف الدعوات التجديدية المعاصرة من بعض من شابهم لوثة في الفكر والاعتقاد. الدعوة إلى التجديد في الفقه، والتجديد في الأصول، والتجديد في موازين قبول السنة، وهكذا من دعوات تهدم الدين، وتضر بالمسلمين. والله المستعان.

وبعد هذا العرض الذي لم أجد بُدًّا من سياقه؛ لشدة تأثري بسيرة هذا الإمام من خلال قراءة هذا: «الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية ــ رحمه الله تعالى ــ» أقول: هذه وجهة مباركة في التأليف، ونمط لطيف من التصنيف، باستخراج سيرة العالم المشهور في خدمة العلم والدين من كتب السير العامة؛ مطبوعها، ومخطوطها، وجمعها، وترتيبها الترتيب الزمني بين دفتين في كتاب واحد؛ لتكون أمام الراغب في صعيد واحد، فتوفر جهدًا ووقتًا، وتفيد علمًا، ويستمتع المسلمون بأخبار أئمتهم، وعبير سيرهم، ويستطيع المتأمل من العلماء إضافة كل معلومة إلى مثلها، والموازنة بينها، ويستكمل

ص: 37

فائت ترجمةٍ من أخرى، ويستجلي العِبَر منها، والدروس والعِظات من وقائعها، وخطط الحياة من سطورها.

وهذا فرع جديد من فروع التأليف في: «علم الرجال» لا أعلمه في كتب المتقدمين، فإن من نظر في كتب أنواع العلوم، مثل:«أبجد العلوم» وأصوله، لم ير الإشارة إلى هذه الوجهة من التأليف، وهي لدى بعض أهل عصرنا كما ذكره الجامعان ــ أثابهما الله ــ في مقدمة هذا «الجامع» ، في حق بعض الأعلام، لكن ليست على سبيل الاستقصاء والتتبع للمطبوع والمخطوط، فحصل في جمعها فوت كثير.

ولعل هذا النموذج الفائق بين يديك: «الجامع

» هو الأول من نوعه في التأليف على هذه الجادة:

من لي بمثل سَيْرك المُدَلَّلِ

تمشي رُوَيدًا وتجي في الأول

وكم كنت أتمنى ذلك، حتى وفق الله الشيخين الفاضلين الشيخ محمد عُزَير شمس، والشيخ علي بن محمد العِمْران، فقاما بجمع هذا الكتاب، وقد حالفهما التوفيق في اختيار شخصية هذا الجامع:«شيخ الإسلام ابن تيمية» ، وفي جودة الاستقطاب للتراجم التبعية، وفي حسن الطبع والإخراج، ومقدمته الحافلة، فشكر الله مسعاهما، وأثابهما على هذه الدلالة الموفقة على الخير، والدال على الخير كفاعله.

هذا وإن سيرة هذا الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية ــ رحمه الله تعالى ــ تستفاد من خمسة مصادر هي:

المصدر الأول: كتب التراجم والسير العامة، وقد كفانا هذا «الجامع» مؤنتها.

ص: 38

المصدر الثاني: الكتب المفردة في ترجمته، وهي خمسة عشر كتابًا خلال القرون المذكورة، كما في مقدمة هذا «الجامع». وكما كانت ترجمته لتلميذه ابن عبد الهادي في كتابه:«مختصر طبقات علماء الحديث» هي أوْفى التراجم، فإن كتابه المفرد: «العقود الدرية

» ترجع إليه الكتب المفردة الأخرى، وأرى إعادة تحقيق وطبع: «العقود الدرية

» ويضم إليه ما زاد عليه من كتب التراجم المفردة المذكورة تحشية في محلها المناسب من هذا الكتاب، حتى يغني عنها.

المصدر الثالث: التقاط ترجمته الذاتية من خلال مؤلفاته، وقد انتدب لهذا العمل بعض أفاضل طلبة العلم، وهو في دور الترتيب بعد الاستقراء والجمع.

المصدر الرابع: تتبع ترجمته من كتب تلاميذه أمثال ابن القيم، وابن عبد الهادي، وابن مفلح، والصفدي، وابن الوردي، وغيرهم.

المصدر الخامس: تتبع ترجمته من خلال تراجم أنصاره وخصومه من تاريخ ولادته سنة 661 إلى تاريخ وفاته سنة 728 بل إلى نهاية القرن الثامن.

وهذان المصدران الرابع والخامس بحاجة إلى من ينشط لاستخراجهما.

وبعد تكامل هذه المصادر الخمسة، أرى أن يحتسب لها من شاء الله من العلماء، فيصوغ من مجموعها سيرة واحدة موثقة متسلسلة المعلومات، مستوعبة لجميع ما في هذه المصادر باسم:«السيرة الجامعة لشيخ الإسلام ابن تيمية» -رحمه الله تعالى ــ وما ذلك على الله بعزيز.

ص: 39

وختامًا فإن هذا: «الجامع» من الأعلاق النفيسة، التي تهذب النفوس، وتروِّي شجرةَ الإيمان فيها، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كتبه

بكر بن عبد الله أبو زيد

3/ 3/ 1420

ص: 40