الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعصمهم من الظلم إلا العجز، ولا أقول العوام بل العلماء، كانت أيدي الحنابلة مبسوطة في أيام ابن يونس، فكانوا يستطيلون بالبغي على أصحاب الشافعي في الفروع حتى ما يمكنوهم من الجهر بالبسملة والقنوت - وهي مسألة اجتهادية - فلما جاءت أيام النظام، ومات ابن يونس وزالت شوكة الحنابلة، استطال عليهم أصحاب الشافعي استطالة السلاطين الظلمة، فاستعدوا بالسجن، وآذوا العوام بالسعايات والفقهاء بالنبذ بالتجسيم، (قال):«فتدبرت أمر الفريقين، فإذا بهم لم تعمل فيهم آداب العلم، وهل هذه إلا أفعال الأجناد يصولون في دولتهم، ويلزمون المساجد في بطالتهم» . اهـ.
ولدينا من القصص في عجائب ما روى التاريخ من التعصب ما لا يسعنا إلا إمساك القلم عن نشره إبقاء على هذه البقية الباقية، وفي الإشارة ما يغني عن الكلم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وكل ذلك من التفرق الذي نهى عنه الدين لما يستتبعه من الإزراء التي تعمل في أساسه المتين، ويكفي ما جنت وتجني الأُمَّةُ من ويلاته إلى هذا الحين، حتى فشلت وذهب ريحها أمام أعدائها الكافرين، والمستعان بالله.
13 - دَرْءُ وَهْمٍ وَاشْتِبَاهٍ:
يقول بعضهم: إنَّ مُسْلِمًا روى عن ابن عباس أنه قال في
نَجْدَةَ الحَرُورِيِّ: «[وَاللهِ] لَوْلَا أَنْ أَرُدَّهُ عَنْ نَتْنٍ يَقَعُ فِيهِ مَا كَتَبْتُ إِلَيْهِ، وَلَا نُعْمَةَ عَيْنٍ» . قال النووي: «كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَكْرَهُهُ لِبِدْعَتِهِ وَهِيَ كَوْنُهُ مِنَ الخَوَارِجِ» .
والجواب: أنه لا يلزم من كراهة الفرد كراهة المجموع، وإلَاّ لما خَرَّجَ لثقاتهم وعلمائهم الشيخان وغيرُهما، وهل يؤخذ الجميع بجريرة الفرد؟ على أَنَّ نَجْدَةَ ليس من رجال الرواية عند المُحَدِّثِينَ، فقد ضَعَّفَهُ الذهبي في " ميزان الاعتدال " وقال عنه: ذكر في " الضعفاء " للجوزجاني، على أنَّ الحال وصل إليه في قومه أنْ يختلفوا عليه وينبزوه بالكفر كما تراه في كتاب " الفرق " للإمام أبي منصور البغدادي، و" الملل والنحل " للشهرستاني وغيرهما، فلا نعمة عين - كما قال ابن عباس - ولو كان يُكْرَهُ كل خارجي لبدعته لما أخرج لأثباتهم أئمةُ السُنَّةِ في الصحاح والمسانيد، ويكفي أن الإمام مالكًا رضي الله عنه عُدَّ مِمَّنْ يرى رأيهم، كما رواه الإمام المبرد في " كامله "(1). ومن عزا لك ما يأثره، وأراك مصدره، فقد أوقفك من المسالك على الصراط المستقيم.
ومن الغريب أن يستدل بعضهم على معاداة المُبَدَّعِينَ بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجر الثلاثة الذين خُلِّفُوا، ورفض تكليمهم حَتَّى تِيبَ عَلَيْهِمْ، مع أنه لا تناسب بين دليله والدعوى بوجه ما، لأن
(1) جـ 2.