الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
سنة الله في بني إسرائيل:
ولقد تحقق وعد الله وجرت سنته بشقيها على بني إسرائيل، فعندما حقق جيل من أجيالهم الشروط المؤهلة للدخول في المعية الإلهية كان العون والمدد والنصر منه سبحانه:{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} (الأعراف:137).
هذا التمكين الإلهي إنما حدث لبني إسرائيل عندما حققوا ما طلبه الله منهم، فهل حافظوا عليه؟! يخبرنا القرآن بأنهم بعد ذلك بدأوا بالانحراف والابتعاد التدريجي عن الحال الذي أَهلَّهم للدخول في دائرة المعية والتفضيل الإلهي، وبدأ الكِبر والظلم، بل والشرك يظهر بينهم
…
فأمهلهم الله عز وجل وتجاوز عنهم مرة ومرة لعلهم يعودون لسابق عهدهم، لكنهم تمادوا في غيهم، وأصروا على ظلمهم واستكبارهم فكان عقابهم الأليم من الله عز وجل:{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (آل عمران:112).
-
الكرامة على قدر الاستقامة:
إذن فالدخول في دائرة التأييد الإلهي يستلزم شروطًا، والاستمرار في الوجود فيها يتطلب الثبات على هذه الشروط، فكرامة العباد عند ربهم بمقدار استقامتهم وتقواهم، واستمرار الكرامة باستمرار الاستقامة.
ألم يقل سبحانه لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} (الرعد:37). إنه قانون سماوي {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (الكهف:49).
-
مع صفات جيل التغيير:
مما سبق يتبين لنا أنه لابد من وجود جيل تتحقق فيه الصفات التي تؤهله للدخول في دائرة المعية والنصر والتأييد الإلهي .. نعم، قد تتوفر هذه الصفات في أفراد هنا أو هناك، ولكن هذا وحده لا يكفي، بل لابد من وجود جيل مترابط يتنزل عليه النصر والتمكين.
أما صفات جيل التمكين فلقد تحدث عنها القرآن في العديد من آياته، فعلينا أن نبحث عنها ونتأملها ونستخرج منه ما تدل عليه من صفات ....
وإليك أخي القارئ بعضًا من هذه الآيات:
1 -
في هذه الآية نجد أن الله عز وجل قد وعد طائفة من عباده المؤمنين بالاستخلاف والتمكين وربط هذا الوعد بعبادته وعدم الشرك به، أي أن من صفات الجيل الموعود: العبادة، والإخلاص التام لله عز وجل.
2 -
هذه الآيات تتحدث عن بعض صفات حزب الله الذي يُكرمه سبحانه بالغلبة والنصر
…
هذه الصفات هي:
أولًا: حب الله.
ثانيًا: التواضع.
ثالثًا: الجهاد المتواصل.
رابعًا: العبادة.
خامسًا: الموالاة والتآخي.
3 -
قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (الأنفال:60).
تتناول هذه الآية صفة الجهاد بمفهومها الواسع من بذل الجهد في الإعداد المادي بكل صوره المتاحة، وفي حدود الاستطاعة.
4 -
قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ
…
رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ? وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} (إبراهيم:13 - 14).
هنا تركز الآيات على الخوف من الله عز وجل كصفة أساسية من صفات التمكين.
5 -
قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ? إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} (الأنبياء:105، 106).
من خلال هذه الآيات نجد أن العبادة والصلاح لابد وأن يكونا من صفات جيل التمكين.
6 -
قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} (الأعراف:137)، وقال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة:24).
في هذه الآيات نجد الصبر والثبات على الحق من أهم صفات الطائفة المنصورة: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} (هود:49).
7 -
قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ? وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} (هود:112، 113).
هنا نجد الوجه الإلهي للفئة المؤمنة بضرورة التحلي بصفة الوسطية والاعتدال، فالطغيان يمثل التشدد، والركون يمثل التفريط والترخص أما الاستقامة فهي بينهما، وبدونها يبتعد المؤمنون عن دائرة الولاية والنصرة الإلهية كما بينت الآيات.
ومما يؤكد هذا المعنى قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة:143).
8 -
وفي مقابل الآيات التي تتحدث عن صفات الجيل الموعود بالنصر والتمكين، نجد أن هناك آيات تتحدث عن أسباب الهزيمة والخروج من دائرة المعية والتأييد الإلهي، ويُفهم من هذه الآيات ضرورة التخلي عن هذه الصفات لمن يريد النصر والتمكين
…
فالتعلق بالدنيا من أخطر الأسباب التي تؤدي إلى الخروج من دائرة المعية والنُصرة الإلهية، ومن ثَّم فمن الضروري أن يكون الزهد في الدنيا وعدم التعلق بها من صفات الجيل الموعود.
- الصفات العشر:
فإذا ما أردنا أن نجمع الصفات التي دلت عليها الآيات السابقة لوجدناها:
1 -
الإخلاص لله عز وجل.
2 -
محبة الله.
3 -
الخوف من الله.
4 -
العبادة.
5 -
التواضع.
6 -
الزهد في الدنيا.
7 -
الجهاد في سبيل الله.
8 -
الصبر والثبات.
9 -
المولاة والتآخي.
تبقى صفة عاشرة لها أهمية كبيرة وينبغي أن تتوفر في جيل التغيير ألا وهي صفة الوسطية والاعتدال
…
هذه الصفة طالب الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم ومن معه بالتحقق بها وهم لا يزالون في مكة مطاردين ومضطهدين .. قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ? وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} (هود:112، 113).
فالطغيان يمثل التشدد، والركون يمثل التفريط والترخص، أما الاستقامة فهي بينهما، وبدونها يبتعد المؤمنون عن دائرة الولاية والنصرة الإلهية كما بينت الآيات.
- بين الفردية والجماعية:
الملاحظ في الصفات السابقة أن بعضًا منها يأخذ طابعًا فرديًا، بمعنى أنها تخص كل فرد على حدة وينبغي عليه أن يحققها في نفسه كالإخلاص لله وحبه والخوف منه، والبعض الآخر من الصفات يأخذ طابعًا جماعيًا بمعنى أنه لا يمكن تحقيقه إلا من خلال مجموع الأفراد بعضهم مع بعض كالإعداد والمؤاخاة، وهذا ما يؤكد عليه القرآن في خطابه الموجه للفئة المؤمنة، والذي نلحظ فيه أنه يخاطبهم بصيغة الجمع باعتبار أن العديد من الصفات الرئيسية لجيل التمكين لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تكاتف الأفراد مع بعضهم البعض، وانصهارهم في بوتقة واحدة .. تأمل معي قوله تعالى:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (الحج:41). وقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة:71).
- هل يمكن إضافة صفات أخرى؟!