الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: تمكن حب الله من القلب
(جيل محب لله عز وجل
فالآيات تتحدث عن الجيل والطائفة التي يحبها الله عز وجل ويرضى عنها ويكتب لها الغلبة على أعدائها ..
هذا الطائفة لها عدة صفات بينتها الآيات السابقة، وأول هذه الصفات هي حبهم لله عز وجل {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} .
فإن قلت: ولكن المسلمين جميعًا يحبون الله عز وجل، فما الداعي لوجود هذه الصفة؟!
نعم، هناك حب لله في القلوب، ولكن الحب الذي يريده - سبحانه - من الجيل الموعود حبٌ يهيمن على القلب، ويتمكن منه حتى يصير الله أحبّ إليه من كل شيء {وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} (البقرة:165).
هذا الحب الصادق له علامات يُعرف بها
…
منها:
1 -
طاعة المحبوب والعمل على مرضاته:
العبد المحب لله يسارع ويبادر إلى نيل رضاه .. انظر إلى موسى عليه السلام وهو يترك بني إسرائيل وراءه ذاهبًا للقاء ربه قائلًا: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} (طه:84).
ولا يزال المحب الصادق يحرص على إرضاء ربه، وإن بذل في سبيل ذلك كل ما يملك:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} (البقرة:207).
2 -
سرعة الإنابة:
من علامات الحب الصادق مسارعة العبد بالتوبة والاستغفار، والاعتذار، وسكب العبرات، واسترضاء مولاه إذا ما وقع في ذنب، أو قصَّر في أداء واجب لخوفه الدائم من غضب ربه عليه .. انظر إلى محمد صلى الله عليه وسلم وهو يناجي ربه ويسترضيه بعد ما حدث له في الطائف من تكذيب وإعراض، وخوفه من أن يكون سبب ذلك منه
…
يقول صلى الله عليه وسلم: (
…
إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي غير أن عافيتك هي أوسع لي
…
أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحلّ علىَّ غضبك، أو أن ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك
…
).
3 -
الشكر على عطاياه:
المحب الصادق في حبه يتلقى هدايا وعطايا ربه بفرح وسعادة وامتنان، وينسب إليه كل فضل وخير يأتيه، ونراه دائمًا ذاكرًا لأنعمه، حامدًا شاكرًا له عليها.
4 -
الصبر على البلايا والرضا بالقضاء:
فالمحب الصادق لله يتحمل إبتلاء ربه له ويرضى بقضائه، فهو يعلم أنه لا يريد به إلا الخير وأنه ما ابتلاه إلا ليطهره، ويقربه إليه:{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} (الرعد:22).
5 -
كثرة المناجاة:
من علامات الحب الصادق لله حب الخلوة به، وكثرة مناجاته والثناء عليه، والانطراح بين يديه .. ولما كانت المناجاة تخص المحبوب وحده، فإن المحب دائمًا ينتظر حتى تهدأ الأصوات، وتنام العيون، ويخلو المكان، حتى يهرع إلى ربه، ويأنس به، وما أجمل لحظات الأنس في رحاب الصلاة، وبالأخص في السجود .. لذلك كانت أفضل صلاة بعد المكتوبة قيام الليل حيث يتهيأ الجو للاتصال
…
في هذا الوقت ينزل ربنا إلى السماء الدنيا نزولًا يليق بجلاله وكماله ..
فكيف بمن يدعي حب الله أن يعرض عن لقاء حبيبه، أو يتركه وينام؟!!
أخذ الفضيل بن عياض بيد الحسين بن زياد وقال: يا حسين، ينزل الله تعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا، فيقول الرب:((كذب من ادعى محبتي، فإذا جَنَّه الليل نام عني .. أليس كل حبيب يحب خلوة حبيبه؟ ها أنذا مطلع على أحبائي إذا جَنَّهُم الليل، مثلتُ نفسي بين أعينهم فخاطبوني على المشاهدة، وكلموني على الحضور، غدًا أقرُّ عين أحبائي في جنتي)) (1).
6 -
حب الرسول صلى الله عليه وسلم لله: ومن علامات الحب الصادق: حب ما يحبه سبحانه، وأحب ما يحبه الله عز وجل .. رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والترجمة العملية لحب الله والرسول صلى الله عليه وسلم: طاعته صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من ربه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (آل عمران:31).
ولقد اشتد حب الله في قلوب الصحابة فذهب بعضهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبروه بذلك ويقولون له: يا رسول الله، والله إنا لنحب ربنا، فأنزل الله عز وجل قوله {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (2).
ويعلق الحافظ ابن كثير على هذه الآية فيقول: هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله ليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه حتى يتبع الشرع المحمدي، والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله، قال الحسن: زعم قوم أنهم يحبون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية (3).
7 -
ومن علامات الحب الصادق: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما:
فكل حب آخر من حب للزوجة أو الأولاد أو الآباء أو الأمهات
…
ينبغي أن يكون تابعًا لهذا الحب
…
لايزاحمه، ولا يعارضه، ويظهر هذا جليًا عند تعارض حب الله ورسوله ومقتضياتهما مع حب شيء آخر كما قال تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} (التوبة:24)(4).
8 -
ومن علامات الحب الصادق: الحب في الله والبغض في الله: فالمحب الصادق في دعواه يحب ما يحبه مولاه، ويبغض ما يبغضه.
(1) رهبان الليل لسيد العفاني 1/ 408.
(2)
الجامع لأحكام القرآن العظيم للقرطبي 4/ 40 دار الكتب العلمية.
(3)
تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير 1/ 314 مكتبة العبيكان.
(4)
يقول ابن القيم: لا عيب على الرجل في محبته لأهله، إلا إذا شغله ذلك عن محبة ما هو أنفع له، محبة الله ورسوله، بحيث تضعفها وتنقصها فهي مذمومة، وإن أعانت على محبة الله ورسوله وكانت من أسباب قواتها، فهي محمودة، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الشراب البارد الحلو ويحب الحلواء والعسل، وكان أحب الثياب إليه القميص، وكان يحب الدباء، فهذه المحبة لا تزاحم محبة الله، بل قد تجمع الهم والقلب على التفرغ لمحبة الله، فهذه محبة طبيعية تتبع فيه صاحبها وقصده بفعل ما يحبه، فإن نوى به القوة على أمر الله تعالى وطاعته كانت قربة، وإن فعل ذلك بحكم الطبع والميل والمجرد لم يُثب ولم يُعاقب، وإن فاته درجة من فعله متقربًا به إلى الله.
فالمحبة النافعة ثلاثة أنواع: محبة الله، والمحبة في الله، ومحبة ما يعين على طاعة الله واجتناب معاصيه.
والمحبة الضارة ثلاثة أنواع: المحبة مع الله، ومحبة ما يبغضه الله، ومحبة تقطع محبته عن محبة الله أو تنقصها، فهذه ستة أنواع، عليها مدار محاب الخلق ا. هـ انظر إغاثة اللهفان2/ 196 - 197 بتصرف يسير.
قال صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله والبغض في الله)(1).
فيُحب أي إنسان على قدر ما يحبه الله فيه من صفات. قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا في الله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذف في النار)(2).
معنى ذلك أن هذا العبد يحب المسلمين، ويكره الكافرين، ويحب المسلم الملتزم بأوامر الله أكثر من المقصر في جنبه، ويحب المؤمن القوي أكثر من المؤمن الضعيف، ويحب أهل المساجد المحافظين على الجمع والجماعات المتبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ممن لا يحافظون على ذلك.
ويحب أهل الجهاد السائرين في الطريق الصحيح لتمكين دين الله في الأرض أكثر من غيرهم ممن قعد عن الجهاد أو انحرف عن طريقه، ويحب في القاعدين التزامهم بالأوامر الأخرى أكثر من غيرهم من المسلمين الشاردين .. وهكذا.
9 -
ومن علامات الحب الصادق: حب القرآن:
من يحب الله حبًا صادقًا من البديهي أن يحب كلامه ويلتذ به، ويُكثر من قراءته، والاستماع إليه وفهم المراد به.
قال ابن مسعود – رضي الله عنه – لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن فمن أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله (3).
إن كنت تزعم حبي
…
لم هجرت كتابي
أما تأملت ما فيه
…
من لذيذ خطابي
10 -
كثرة ذكره: ومن علامات حب الله: كثرة ذكره.
فالمحب يُكثر من ذكر محبوبه، لذلك ترى لسانه دومًا رطبًا بذكر الله فهو لقلبه كالماء للسمك قال صلى الله عليه وسلم:(مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت)(4).
11 -
الدعوة إلى الله:
ومن علامات حب الله: دعوة الناس إلى الله، وتحبيبهم فيه ودلالتهم عليه، قال أبو الدرداء: لما أهبط الله آدم إلى الأرض قال له: يا آدم أحبني وحببني إلى خلقي
…
قال صلى الله عليه وسلم: (خيار أمتي من دعا إلى الله وحبب إليه عباده)(5).
12 -
ومنها الغضب لله:
والغيرة عليه إذا ما انتهكت محارمه، وعُطِّل شرعه، ونُحَّي كتابه.
13 -
ومنها حب الجهاد والشهادة في سبيل الله:
فالجهاد في سبيل الله هو بذل الجهد والطاقة من أجل رضا الله عز وجل، أما الشهادة فهي تعد بمثابة أكبر دليل على أن حبه سبحانه أحب للعبد من كل شئ.
- الصحابة وحبهم لله:
امتلأت قلوب الصحابة بحب الله، وظهرت آثار ذلك الحب في سلوكهم، وتجلت بوضوح عند تعارضها مع المحاب الأخرى.
ولقد تعارضت هذه المحبة مع محبة الآباء والأبناء والإخوان وذلك في معركة بدر فماذا حدث؟!
لقد قتل أبو عبيدة رضي الله عنه أباه المشرك حين لاقاه في المعركة، وهمَّ أبو بكر الصديق رضي الله عنه بقتل ابنه عبد الرحمن، أما مصعب بن عمير رضي الله عنه فقد قتل أخاه عبيد بن عمير، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل قريبًا له، و ....
(1) صحيح، رواه الطبراني عن ابن عباس، وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم (2539).
(2)
متفق عليه.
(3)
اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى لابن رجب.
(4)
رواه البخاري.
(5)
رواه ابن النجار عن أبي هريرة مرسلًا – انظر كنز العمال 44069.