الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ.
فطر الله الإنسان على محبته وطلبه وإرادته، وأنزل الشرائع على رسله لتكميل ما في الفطرة من هذه المحبة والطلب والإرادة.
فما دامت الفطرة سليمة فلا بد أن تعمل عملها بأن نتعلق بمُتعلقها، كما يعمل السمع والبصر عملهما ما داما على سلامة الخلقة بتعلقهما بالمسموع والمبصَر.
وإنه لمن عظيم عناية الله ولطفه بهذا المخلوق أن فطره على محبته؛ لأنه ليس في المخلوقات بأسرها ما يسد فاقته وفقره الذاتي حتى ولا نعيم الجنة المخلوق فمهما يحصل له من ذلك فحاجته إلى ربه أجل من أن يبلغها الوصف أو يحيط بها الخيال.
وهذا والله غاية التكريم ونهاية التشريف، أن يكون متعلق روح الإنسان إلهه الحق سبحانه وتعالى .. فتأمل كيف لم يجعل لك إلهك غاية سواه ولا محبوباً دونه.
والحاجة والفاقة والفقر الذي في المخلوق لخالقه ليس فقط لأنه خلقه وهو الذي يرزقه، بل وهو القيوم بشأنه كله، وتأمل هذا الأثر «لو لم أخلق جنة ولا ناراً ألم أكن أهلاً أن أعبد» (1).
قال ابن القيم رحمه الله:
«فأخبر سبحانه أنه إنما فطر عباده على الحنيفية المتضمنة لكمال حبه والخضوع له، والذل له وكمال طاعته وحده دون غيره، وهذا من الحق الذي خلقت له وبه قامت السماوات والأرض وما بينهما، وعليه قام
(1) ذكره ابن القيم في مفتاح دار السعادة ج2 ص87.
العالم ولأجله خلقت الجنة والنار، ولأجله أرسل رسله وأنزل كتبه، ولأجله أهلك القرون التي خرجت عنه وآثرت غيره». فكونه سبحانه أهلاً لأن يُعبد ويُحب ويُحمد ويُثني عليه أمر ثابت له لذاته، فلا يكون إلا كذلك، كما أنه الغني القادر الحي القيوم السميع البصير، فهو سبحانه الإله الحق المبين .. والإله هو الذي يستحق أن يؤله محبة وتعظيماً وخشيةً وخضوعاً وتذللاً وعبادة، فهو الإله الحق ولو لم يخلق خلقه، وهو الإله الحق ولو لم يعبدوه، فهو المعبود حقًّا الإله حقًّا المحمود حقًّا، ولو قدر أن خلقه لم يعبدوه ولم يحمدوه ولم يألهوه، فهو الله الذي لا إله إلا هو قبل أن يخلقهم وبعد أن خلقهم، وبعد أن يفنيهم لم يَستحدث بخلقه لهم لا بأمره إياهم استحقاق الإلهية والحمد، بل الإلهية وحمده ومجده وغناه أوصاف ذاتية له، يستحيل مفارقتها له، كحياته ووجوده وقدرته وعلمه وسائر صفات كماله .. فأولياؤه وخاصته وحزبه لما شهدت
عقولهم وفطرهم أنه أهل أن يعبد وإن لم يرسل إليهم رسولاً، ولم ينزل عليه كتاباً، ولو لم يخلق جنة ولا ناراً، علموا أنه لا شيء في العقول والفطر أحسن من عبادته ولا أقبح من الإعراض عنه. وجاءت الرسل، وأنزلت الكتب لتقرير ما استودع سبحانه في الفطر والعقول من ذلك وتكميله وتفصيله وزيادته حسناً إلى حسنه.
فاتفقت شريعته وفطرته وتطابقاً وتوافقاً، وظهر أنهما من مشكاة واحدة، فعبدوه وأحبوه ومجَّدوه وحمدوه بداعي الفطرة وداعي الشرع وداعي العقل، فاجتمعت لهم الدواعي، ونادتهم من كل جهة، ودعتهم إلى وليهم وإلههم وفاطرهم، فأقبلوا إليه بقلوب سليمة، لم يعارض خبره عندها شبهة توجب ريباً وشكًّا، ولا أمره شهوة توجب رغبتها عنه وإيثارها سواه، فأجابوا دواعي المحبة والطاعة إذ نادت بهم حي على الفلاح. وبذلوا أنفسهم في مرضاة مولاهم
الحق بذل أخي السماح. وحملوا عند الوصول إليه مسراهم، وإنما يحمد القوم السرى عند الصباح. فدينهم دين الحب وهو الدين الذي لا إكراه فيه. وسيرهم سير المحبين وهو الذي لا وقفة تعتريه.
إني أدين بدين الحب ويحكموا
…
فذاك ديني ولا إكراه في الدين
ومن يكن دينه كرهاً فليس له
…
إلا العناء وإلا السير في الطين
وما استوى سير عبد في محبته
…
وسير خال من الأشواق في دين
فقل لغير أخي الأشواق ويحك قد
…
غبنت حظك لا تغتر بالدون
نجائب الحب تعلو بالمحب إلى
…
أعلى المراتب فوق السلاطين
وأطيب العيش في الدارين قد رغبت
…
عنه التجار فباعت بيع مغبون