المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ أصل العبادة هو المحبة

فإن ترد علمه فاقرأه ويحك في

آيات طه وفي آيات ياسين

انتهى (1).

إذا تبين هذا وأن‌

‌ أصل العبادة هو المحبة

، وأن محبوب أولياء الله لا يشبه غيره ولا يماثله، بل ولا يدانيه ولا يقاربه، مهما كان ذلك الغير، علم أن الحب فيه لا يشابهه غيره ولا يماثله كذلك البغض فيه .. وهذا لابد فيه من معرفة بالله خاصة تثمر الشعور به حيث أن المحبة تابعة للشعور بالمحبوب.

وليس الكلام في هذا وإنما في فروعه التي تتفرع منه مثل المحبة في الله، فما دامت الفطرة سليمة قد كملت بالشرعة المستقيمة، فلابد من وجود الحب في الله فيها لا يتصور خلوها منه .. لكن الفساد يعرض للفطرة

(1) مفتاح دار السعادة ج2 ص87.

ص: 10

فيحرفها عما جُبِلَت عليه، فتحب وتبغض على مقتضى الهوى الذي انحرفتا معه ومالت.

والحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .. وإنما صار ذلك أوثق عرى الإيمان لأنه من أصح علامات وجوده في القلب، وبقدر قوته وضعفه تكون قوة الحب في الله والبغض فيه.

قَالَ أَبُو زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: «مَا تَحَابَّ رَجُلَانِ فِي اللَّهِ عز وجل إِلَّا كَانَ أَفْضَلُهُمَا أَشَدَّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ» (1).

وإنما صار الأشد محبة هو الأفضل؛ لأنه أفضل في الإيمان الذي تفرعت منه هذه المحبة .. وقد قيل في المحبة في الله أنه لا يزيدها البر ولا ينقصها الجفاء. هذه حقيقتها فتأمل.

(1) الزهد للإمام أحمد ص379.

ص: 11

وهذا مما يدل على صدقها وسلامتها من الشوائب .. ولقد كثر في وقتنا المدَّعون للمحبة في الله.

والناس لا يعطون بدعواهم فحتى لا تخدع وتغتر انظر في حبهم في الله، فإن كان كالثمرة والنتيجة للبغض فيه فنعم، وإلا فهو دعوى لا يغتر بها بصير بدينه لكنها تروج على العميان؛ لأنه لا ولاء إلا ببراء .. وتأمل كلمة التوحيد فالنفي فيها قبل الإثبات وهو متضمن للبغض والمعاداة .. فإياك أن تصدق من ادعى المحبة في الله وهو لا يبغض فيه، فملة إبراهيم لا تقوم على ساق واحدة ولا تنظر بعين واحدة.

وإذا أردت أن تعرف حقيقة ذلك فانظر في الأصل وهو أن الأمر بالمعاصي والكفر هو الشيطان، والإنسان العاصي أطاع أمره فصار فيه من موالاته بحسبه، فإن كان كافراً فموالاته للشيطان كاملة، وإن كان عاصياً فبقدر معصيته تكون موالاته له.

ص: 12

والله عز وجل أمرنا باتخاذ الشيطان عدوًّا بعد أن أخبرنا بعداوته لنا فقال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} فلابد من بغضه في القلب ومعاداته عبودية لله، ويتبع ذلك بغض كل ما يأمر به وهو لا يأمر إلا بما يستحق أن يبغض حتى ولو لم يأمر به لأنه في نفسه بغيض. كذلك فقد أخبرنا ربنا بعداوته له. والعاصي أطاع الشيطان في أمره فيبغض لأجل هذا النصيب الذي أطاعه فيه.

كذلك فإنه لابد من المعرفة بحقيقة المحبة، وأنها موافقة الحبيب. ومعلوم أنه حتى في المحبة الباطلة بين الناس لابد من ذلك يعني الموافقة، ولذلك فإن الإنسان إذا رأى من يدعي محبته يوالي عدوه عرف أن محبته كاذبة، هذا يعرفه كل أحد.

قال ابن القيم رحمه الله:

أتحب أعداء الحبيب وتدّعي

حبًّا له ما ذاك في الإمكان

ص: 13

فتأمل ما تجده في نفسك من النفرة والبغض لمن عادى صاحبك وأبغضه «والله ورسوله أحق أن يرضوه» . والرب سبحانه تعالى، كما أنه يحب من أطاعه فهو يبغض من عصاه، فلماذا نعطل هذا الجانب والموافق فيه إذا أقررنا بالجانب الأول والموافقة فيه؟. أو نقول: إن الرب يحب ولا يبغض أو نقول: يبغض ولكن لا نوافقه في بغضه. فقد علمنا أن هذا ايصلح حتى مع الخلق كما تقدم.

ويكفي في هذا كله قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية. فالآية تشمل الكفار والعصاة فيما دون الكفر لكن للكفار أعظم المعاداة والبغض وللعصاة نصيبهم بقدر محاداتهم لله ولرسوله.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: «من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك. ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن

ص: 14