الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهجر جماعة من الصحابة جماعة «وماتوا متهاجرين رضي الله عنهم أجمعين .. وقد هجر ابن عمر رضي الله عنهما ابناً له إلى أن مات» (1).
وقد جمع بعض أهل العلم
أسماء من كان يزجر بالهجر من الصحابة والتابعين
فمن بعدهم فذكر منهم:
عائشة وحفصة وحفص بن أبي وقاص وعمار بن ياسر وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن المسيب وطاووساً ووهب بن منبه والحسن البصري وابن سيرين وسفيان الثوري وغيرهم.
أخرج مسلم في صحيحه أن قريباً لعبد الله بن معقل خذف فنهاه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، وقال:«إنها لا تصيد صيداً ولا تنكئ عدواً، ولكنها تكسر السن وتفقأ العين»
(1) غذاء الألباب ج1 ص221.
قال: فعاد. فقال: أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ثم عدت تخذف ما أكملك أبداً.
قال النووي في شرح مسلم:
وقال الخطابي في معالم السنن في حديث كعب بن مالك «ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة» قال: فيه من العلم أن تحريم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث إنما هو فيما يكن بينهما من قبل عتب وموجدة، أو لتقصير يقع في حقوق العشرة ونحوها، دون ما كان من ذلك في حق الدين
فإن هجرة أهل الأهواء والبدعة دائمة على مر الأوقات والأزمان، ما لم يظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق. انتهى».
قال ابن عبد البر رحمه الله: «وأجمعوا على جواز الهجران فوق ثلاث لمن خاف من مكالمته ما يدخل منه على نفسه مضرة في دينه أو دنياه فقد رخص له في مجانبته وبعده» انتهى (1).
رأى ابن مسعود رضي الله عنه رجلاً يضحك في جنازة فقال: «تضحك في جنازة والله لا أكلمك أبداً» (2).
قال الإمام شمس الدين ابن مفلح: «يسن هجر من هجر بالمعاصي الفعلية والقولية والاعتقادية وقيل:
(1) الزجر بالهجر ص22.
(2)
الزجر بالهجر ص25 وغذاء الألباب ج1 ص228.
يجب إن ارتدع به وإلا كان مستحباً. وقيل: يجب هجره مطلقاً. وقيل: ترك السلام على من هجر بالمعاصي حتى يتوب منها فرض كفاية» (1).
قال القاضي أبو حسن في التمام: «لا تختلف الرواية في وجوب هجر أهل البدع وفساق الملة، وظاهر إطلاقه لا فرق بين المجاهر وغيره في المبتدع والفاسق، فينبغي لك إن كنت متبعاً سنن من سلف أن كل من جاهر بمعاصي الله لا تعاضده ولا تساعده ولا تقاعده ولا تسلم عليه بل اهجره» .
قال ابن عبد القوي في منظومة الآداب: ج1 ص220.
وهجران من أبدى المعاصي سنة
…
وقد قيل إن يردعه أوجب وأكِّد
(1) الزجر بالهجر ص28.
وقيل على الإطلاق ما دام معلناً
…
ولاقِهْ بوجهٍ مُكفهِرٍّ مُزَبَّدِ
قال ابن عقيل في الفنون: الصحابة رضي الله عنهم آثروا فراق أنفسهم لأجل مخالفتها للخالق سبحانه وتعالى فهذا يقول: زنيت فطهرني ونحن لا نسخو أن نقاطع أحداً فيه لمكان المخالفة (1).
قال شيخ الإسلام: المستتر بالمنكر ينكر عليه ويستر عليه فإن لم ينته فعل ما ينكف به إذا كان أنفع به في الدين، وأن المظهر للمنكر يجب الإنكار عليه علانية ولا تبقى له غيبة، ويجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك، وينبغي لأهل الخير أن يهجروه ميتاً إذا كان فيه كف لأمثاله فيتركوا تشييع جنازته» انتهى (2).
(1) غذاء الألباب ج1 ص223.
(2)
غذاء الألباب ج1 ص224.
وقد ذكر العلماء أن الستر المندوب إليه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من ستر مسلماً ستره الله عز وجل يوم القيامة» أن المراد بذلك الستر على ذوي الهيئات.
قال محمد بن أبي الحارث: «سألت أبا عبد الله (يعني أحمد بن حنبل) عن الرجل يسمع المنكر في دار بعض جيرانه. قال يأمره فإن لم يقبل يجمع عليه الجيران ويهول عليه» (1).
قال السفاريني: «كان لأنس بن مالك رضي الله عنه امرأة في خُلُقها سوء فكان يهجرها السنة والأشهر فتتعلق بثوبه فتقول: أنشدك بالله يا ابن مالك أنشدك بالله با ابن مالك فما يكلمها» (2).
(1) غذاء الألباب ج1 ص227.
(2)
غذاء الألباب ج1 ص228.
وعن الحسن أنه قيل له: «إن ابنك أكل طعاماً حتى كاد يقتله. قال: لو مات ما صليت عليه» (1).
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل له جار رافضي يُسلم عليه؟ قال: «لا وإذا سلم عليه لا يرد عليه» (2).
وذكر السفاريني في شرح منظومة الآداب أنه لا يتأتى هجر المبتدع مع تسليم الهاجر عليه. قال: بل عليه أن يصرم كلامه، ويترك سلامه، فلا يبدأه بالسلام وإن بدأه المبتدع لا يرد عليه ولا احتشام، فإن اتباع السنة أولى. وامتثال الشريعة أحق وأعلى، فإن سلم عليه لم يكن له هاجراً. ولا عن مودته وصحبته نافراً.
(1) غذاء الألباب ج1 ص228.
(2)
غذاء الألباب ج1 ص231.
قال الإمام أحمد: إذا سلم الرجل على المبتدع فهو يحبه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلكم على ما إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم» (1).
قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله في قصيدة له:
ألسنا إذا ما جاءنا متضمخ
…
بأوضار أهل الشرك من كل ظالم
نهش إليهم بالتحية والثنا
…
ونهرع في إكرامهم بالولائم
وقد بري المعصوم من كل مسلم
…
يقيم بدار الكفر غير مصارم
ولا مظهر للدين بين ذوي الردى
…
فهل كان منا هجر أهل الجرائم
(1) غذاء الألباب ج1 ص232.
ولكنما العقل المعيشي عندنا
…
مسالمة العاصين من كل آثم
فيا محنة الإسلام من كل جاهل
…
ويا قلة الأنصار من كل عالم
قال شيخ الإسلام في الفتاوى المصرية: «من أظهر المنكر وجب الإنكار عليه، وأن يهجر ويذم على ذلك فهذا معنى قولهم: "مَن ألقى جلبات الحياء فلا غيبة له" بخلاف من كان مستتراً بذنبه مستخفياً فإن هذا يستر عليه لكن ينصح سراً، يهجره من عرف حاله حتى يتوب، ويذكر أمره على وجه النصيحة» انتهى.
قال ابن المبارك: «إياك أن تجلس مع صاحب بدعة قال الحارث: أكلت عند صاحب بدعة أكلة فبلغ ذلك ابن المبارك فقال: لا كلمتك ثلاثين يوماً» . وروى محمد بن وضاح بإسناده عن إبراهيم أنه قال: لا تجالسوا أصحاب البدع ولا تكلموهم فإني أخاف أن ترتد قلوبكم.
وروى أيضاً بإسناده عن سفيان الثوري أنه قال: «من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث إما أن يكون فتنة لغيره، وإما أن يقع في قلبه شيء فيزل به فيدخله الله النار، وإما أن يقول: والله ما أبالي ما تكلموه، وإني واثق بنفسي فمن أمِن الله على دينه طرفة عين سلبه إياه» .
وعن الأوزاعي قال: «كان أسلافكم تشتد عليهم ألسنتهم وتشمئز منهم قلوبهم ويحذرون الناس بدعتهم» .
وقال الفضيل: من جلس مع صاحب بدعة لم يؤت الحكمة. عن محمد بن سهل البخاري قال: كنا عند الفريابي فجعل يذكر أهل البدع فقال له رجل: لو حدثتنا كان أعجب إلينا فغضب، وقال: كلامي في أهل البدع أحب إلي من عبادة ستين سنة.
رُفع إلى عمر بن عبد العزيز أقوام يشربون الخمر فأمر بجلدهم الحد فقيل: إن فيهم صائماً فقال:
ابدأوا بالصائم فاجلدوه، ألم يسمع قوله تعالى:{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} وقوله تعالى: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} . فنهى سبحانه عن القعود مع الظالمين فكيف بمعاشرتهم، أم كيف بمخادنتهم. ذكره شيخ الإسلام في مجموعة الفتاوى ج32 ص254. وقال الإمام أحمد رحمه الله في كتاب الزهد: في وصية عيسى بن مريم عليه السلام: يا معشر الحواريين تحببوا إلى الله عز وجل ببغض أهل المعاصي، وتقربوا إليه بالمقت لهم والتمسوا رضاه بسخطهم. قالوا يا نبي الله فمن نجالس؟ قال: جالسوا من يزيد في أعمالكم منطقه ومن تذكركم بالله رؤيته، ويزهدكم في دنياكم عمله.
قال شيخ الإسلام: «وهكذا السنة في مقارنة
الظالمين والزناة وأهل البدع والفجور وسائر المعاصي لا ينبغي لأحد أن يقارنهم، ولا يخالطهم إلا على وجه يسلم به من عذاب الله عز وجل، وأقل ذلك أن يكون منكراً لظلمهم ماقتاً لهم شانئاً ما هم فيه بحسب الإمكان كما في الحديث "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان». ج15 ص324.
عبد الكريم بن صالح الحميد
1412 هجرية