الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب فِي الَّذين مَا عثرت على أشعارهم فاقتصرت على نخب من أخبارهم
الْمِائَة الأولى من الْهِجْرَة
دخل إفريقية من أُمَرَاء الصَّحَابَة رضي الله عنهم
171 -
عبد الله بن سعد بن أبي سرح
الْقرشِي العامري وَهُوَ افتتحها فِي خلَافَة عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه سنة سبع وَعشْرين
172 -
وَمُعَاوِيَة بن حديج السّكوني
وَقيل فِي نسبه غير ذَلِك غزا إفريقية ثَلَاث غزوات أولاها سنة أَربع وَثَلَاثِينَ قبل قتل عُثْمَان وَأعْطى عُثْمَان مَرْوَان الْخمس فِي تِلْكَ الْغَزْوَة وَلَا يعرفهَا كثيرمن النَّاس وَالثَّانيَِة سنة أَرْبَعِينَ وَالثَّالِثَة سنة خمسين كَذَا حكى أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الحكم فِي تَارِيخه عَن يزِيد بن أبي حبيب
وَحكى أَيْضا أَن مُعَاوِيَة هَذَا خرج بعد عبد الله بن سعد إِلَى الْمغرب سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمَعَهُ فِي جَيْشه عبد الْملك بن مَرْوَان وَجَمَاعَة من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار
فَافْتتحَ قصوراً وغنم غَنَائِم عَظِيمَة وَاتخذ قيرواناً فَلم يزل فِيهِ حَتَّى خرج إِلَى مصر
وَبعث فِي هَذِه الْغُزَاة عبد الْملك بن مَرْوَان إِلَى جلولا فافتتحها فِي خبر غَرِيب تقدم ذكره
وَغير ابْن عبد الحكم يَقُول إِن مُعَاوِيَة بن حديج غزا إفريقية سنة خمس وَأَرْبَعين وَأَن الْخمس الَّذِي أعطَاهُ عُثْمَان مَرْوَان هُوَ خمس مَا غنم ابْن أبي سرح وَكَانَ عَظِيما وهوأحد الْأَسْبَاب المنعيّة على عُثْمَان رضي الله عنه
173 -
وَعقبَة بن نَافِع الفِهري
أغزاه مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان سنة سِتّ وَأَرْبَعين فَخرج إِلَى إفريقية فِي عشرَة آلَاف من الْمُسلمين فاختط مَدِينَة القيروان وأسلف آثاراً كَرِيمَة وَكَانَ من خِيَار الْوُلَاة والأمراء مستجاب الدعْوَة ثمَّ صرف وأعيد ثَانِيَة فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ فَقتلته البربر وَمن مَعَه بمقربة من تهوذة فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وقبره هُنَاكَ يتبرك بِهِ إِلَى الْيَوْم
174 -
وَبسر بن أَرْطَاة بن أبي أَرْطَاة الْقرشِي العامري
غزا طرابلس مَعَ عَمْرو بن العَاصِي فَبَعثه إِلَى ودّان فافتتحها وَفرض على أَهلهَا ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ رَأْسا ثمَّ خرج مَعَ عقبَة بن نَافِع غازياً وافتتح قلعة من القيروان على ثَلَاثَة أَيَّام فَعرفت بقلعة بسر إِلَى الْيَوْم وَقد قيل إِن الَّذِي بعث بسراً إِلَى هَذِه القلعة هُوَ مُوسَى بن نصير وَالْأول أوضح وَأَصَح
وَمن أُمَرَاء التَّابِعين
175 -
أَبُو المُهَاجر دِينَار مولى الْأَنْصَار
قَالَ ابْن عبد الحكم عزل عقبَة يَعْنِي ابْن نَافِع فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ عَزله مسلمة بن مخلد الْأنْصَارِيّ من قبل مُعَاوِيَة يَعْنِي ابْن أبي سُفْيَان وَهُوَ أول من جمعت لَهُ مصر وَالْمغْرب وَولى أَبَا المُهَاجر دِينَارا
مولى الْأَنْصَار وأوصاه أَن يعْزل عقبَة أحسن الْعَزْل فخالفه فسجنه وأوقره حديداً حَتَّى أَتَاهُ كتاب الْخَلِيفَة بتخلية سَبيله وإشخاصه إِلَيْهِ فَخرج عقبَة حَتَّى أَتَى قصر المَاء فصلى ثمَّ دَعَا وَقَالَ اللَّهُمَّ لَا تمتني حَتَّى تمكّني من أبي المُهَاجر دِينَار بن أمّ دِينَار فَبلغ ذَلِك أَبَا المُهَاجر فَلم يزل خَائفًا مُنْذُ بلغته دَعوته
وَلما قدم عقبَة مصر ركب إِلَيْهِ مسلمة بن مخلّد فأقسم لَهُ بِاللَّه لقد خَالفه أَبُو المُهَاجر فِيمَا صنع وَلَقَد أوصيته بك خَاصَّة
ثمَّ قدم عقبَة على مُعَاوِيَة فَقَالَ لَهُ فتحت الْبِلَاد وبنيت الْمنَازل وَمَسْجِد الْجَمَاعَة ثمَّ أرْسلت عبد الْأَنْصَار فأساء عزلي فَاعْتَذر إِلَيْهِ مُعَاوِيَة وَقَالَ قد عرفت مَكَان مسلمة بن مخلّد من الإِمَام الْمَظْلُوم وتقديمه إِيَّاه وقيامه بدمه وبذل مهجته وَقد رددتك على عَمَلك
قَالَ وَيُقَال إِن الَّذِي قدم عَلَيْهِ عقبَة هُوَ يزِيد بن مُعَاوِيَة بعد موت أَبِيه فَرده والياً على إفريقية وَذَلِكَ أصح لِأَن مُعَاوِيَة توفّي سنة سِتِّينَ
فَخرج عقبَة سَرِيعا لحنقه على أبي المُهَاجر حَتَّى قدم إفريقية فأوثق أَبَا المُهَاجر وأساء عَزله
وَفِي تَارِيخ أبي إِسْحَاق الرَّقِيق أَن أَبَا المُهَاجر لما قدم إفريقية كره أَن ينزل الْموضع الَّذِي اختطه عقبَة بن نَافِع فَمضى حَتَّى خلّفه بميلين مِمَّا يَلِي طَرِيق تونس فَنزل واختط بهَا مَدِينَة أَرَادَ أَن يكون لَهُ ذكرهَا وَيفْسد عمل عقبَة وَأمر النَّاس أَن يخربوا القيروان ويعمروا مدينته
وَذكر ابْن عبد الحكم أَيْضا نَحْو هَذَا وَقَالَ كَانَ النَّاس يغزون إفريقية ثمَّ يقفلون مِنْهَا إِلَى الْفسْطَاط فَأول من أَقَامَ بهَا حِين غَزَاهَا أَبُو المُهَاجر مولى الْأَنْصَار أَقَامَ بهَا الشتَاء والصيف واتخذها منزلا
وَعَن غَيره أَن مُعَاوِيَة ترَاخى فِي صرف عقبَة بن نَافِع كَمَا وعده إِلَى عمله حَتَّى توفّي وَولى ابْنه يزِيد بن مُعَاوِيَة فَلَمَّا علم حَال عقبَة غضب وَقَالَ أدْركهَا قبل أَن تهْلك وتفسد فولاّه إفريقية وقطعها عَن مسلمة بن مخلّد وأقرّه على مصر وَذَلِكَ سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ فَرَحل عقبَة من الشَّام حَتَّى قدم إفريقية وأوثق أَبَا المُهَاجر فِي الْحَدِيد وَأمر بخراب مدينته ورد النَّاس إِلَى القيروان
وَكَانَ عقبَة فِي ولَايَته الأولى لم يُعجبهُ القيروان الَّذِي بناه مُعَاوِيَة بن حديج قبله فَركب وَالنَّاس مَعَه وَيُقَال إِنَّه كَانَ فِي ثَمَانِيَة عشر من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وسائرهم من التَّابِعين فَدَعَا الله وَأَصْحَابه يؤمّنون عَلَيْهِ وَقد أَتَى مَوضِع القيروان الْيَوْم وَكَانَ وَاديا كثير الشّجر تأوي إِلَيْهِ الوحوش وَالسِّبَاع والهوام فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته يَا أهل الْوَادي ارتحلوا فَإنَّا نازلون
نَادَى بذلك ثَلَاثَة أَيَّام وَقيل ثَلَاث مَرَّات فَلم يبْق من السبَاع شَيْء وَلَا الوحوش
وَلَا الْهَوَام إِلَّا خرج وَأمر النَّاس بالخطط وركز رمحه وَقَالَ هَذَا قيروانكم
وَلما قبض عقبَة على أبي المُهَاجر غزا إِلَى السوس وَهُوَ مَعَه فِي وثَاقه ثمَّ انْصَرف إِلَى إفريقية وَقد جال فِي بِلَاد البربر وقتلهم كَيفَ شَاءَ فَلَمَّا دنا من القيروان أَمر أَصْحَابه فافترقوا وَبَقِي فِي قلَّة فَأخذ على مَكَان يُقَال لَهُ تهودة فَعرض لَهُم كسيل فِي جمع كَبِير من الرّوم والبربر فَاقْتَتلُوا فَقتل عقبَة وَمن
مَعَه وَقتل أَبُو المُهَاجر فِي الْحَدِيد وَقيل إِن عقبَة لما غشيه البربر نزل فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وبلغه أَن أَبَا المُهَاجر تمثل بقول أبي محجن الثّقفي
(كفى حزنا أَن تقرع الْحِيَل بالقنا
…
وأترك مشدوداً عليّ وثاقيا)
(إِذا قُمْت عنّاني الْحَدِيد وأغلقت
…
مصَارِع من دوني تصمّ المناديا)
فَأمر بِإِطْلَاقِهِ وَقَالَ لَهُ الْحق بِالْمُسْلِمين فَقُمْ بأمورهم وَأَنا أغتنم الشَّهَادَة فَقَالَ لَهُ أَبُو المُهَاجر وَأَنا أغتنم مَا اغتنمت فَكسر كل وَاحِد مِنْهُمَا جفن نَفسه وَكسر الْمُسلمُونَ أغماد سيوفهم وَأمرهمْ عقبَة أَن ينزلُوا وَلَا يركبُوا فَقَاتلُوا قتالاً شَدِيدا حَتَّى قتلوا وَلم يفلت مِنْهُم أحد وَأسر مُحَمَّد بن أَوْس الْأنْصَارِيّ وَيزِيد بن خلف الْقَيْسِي وَنَفر مَعَهُمَا ففاداهم ابْن مصاد صَاحب قفصة وَبعث بهم لي زُهَيْر بن قيس
وَقَالَ ابْن عبد الحكم أَن ابْن الكاهنة الْبَرْبَرِي خرج على أثر عقبَة فِي توجهه إِلَى السّوس يغّور الْمِيَاه كلما رَحل عقبَة من منهل دَفنه ابْن الكاهنة
فَلَمَّا انْتهى عقبَة إِلَى الْبَحْر أقحم فرسه فِيهِ حَتَّى بلغ نَحره ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أشهدك أَلا مجَاز وَلَو وجدت مجَازًا لجزت وَانْصَرف رَاجعا والمياه قد غورّت فتعاونت عَلَيْهِ البربر فَلم يزل يُقَاتل وَأَبُو المُهَاجر مَعَه فِي الْحَدِيد فَلَمَّا استحر الْأَمر أَمر بِفَتْح الْحَدِيد عَنهُ فَأبى أَبُو المُهَاجر وَقَالَ ألْقى الله فِي حديدي فقتلا وَمن مَعَهُمَا
176 -
وَزُهَيْر بن قيس البلوي
كَانَ عقبَة بن نَافِع لما خرج إِلَى السّوس اسْتخْلف على القيروان عمر بن عَليّ الْقرشِي وَزُهَيْر بن قيس البلوي فخالفه رجل من الْعَجم فِي ثَلَاثِينَ ألفا إِلَى عمر وَزُهَيْر وهما فِي سِتَّة آلَاف فَهَزَمَهُ الله
وَلما قتل عقبَة زحف ابْن الكاهنة إِلَى القيروان يُرِيد عمر وَزُهَيْر فقاتلاه فَهزمَ ابْن الكاهنة وَأَصْحَابه ثمَّ خرجا إِلَى مصر بالجيش لِاجْتِمَاع مَلأ البربر وَأقَام ضعفاء أصحابهما وَمن كَانَ خرج مَعَهُمَا من موَالِي إفريقية بإطرابلس
وَيُقَال إِن عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان لما ولى مصر كتب إِلَى زُهَيْر بن قيس وَهُوَ يَوْمئِذٍ ببرقة يَأْمُرهُ يَغْزُو إفريقية فَخرج فِي جمع كثير فَلَمَّا دنا من قمّونية وَبهَا عَسْكَر كسيل عبأ زُهَيْر لقتاله فَقتل كسيل وَمن مَعَه وَانْصَرف زُهَيْر إِلَى برقة وَذَلِكَ سنة أَربع وَسِتِّينَ
وَيُقَال بل حسان بن النُّعْمَان كَانَ الَّذِي وجّه زُهَيْر بن قيس
وَذكر أَبُو إِسْحَاق الرَّقِيق أَن زهيراً هَذَا أَرَادَ الِانْصِرَاف إِلَى مصر بعد قتل عقبَة وَقد رعب هُوَ وَأَصْحَابه فَقيل لَهُ أهزيمة من الْمغرب إِلَى مصر فعزم على الْقِتَال وَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ يَا معشر الْمُسلمين إِن أصحابكم قد دخلُوا الْجنَّة إِن شَاءَ الله وَقد منّ الله عَلَيْهِم بِالشَّهَادَةِ وَهَذِه أَبْوَاب الْجنَّة مفتّحة فاسلكوا سَبِيل أصحابكم أَو يفتح الله لكم دون ذَلِك فخالفه أَبُو شُجَاع حَنش الصَّنْعَانِيّ ورحل وَاتبعهُ النَّاس فَلَمَّا رأى ذَلِك زُهَيْر نَهَضَ فِي إثره وَملك البربر القيروان.
وَأقَام زُهَيْر بنواحي برقة مرابطا فَوجه إِلَيْهِ عبد الْملك بن مَرْوَان بغزو البربر واستنقاذ القيروان وأمدّه فَالْتَقوا فَقتل كسيل وَدخل زُهَيْر القيروان ثمَّ زهد فِي الْملك وَكَانَ من رُؤَسَاء العابدين وَعَاد إِلَى برقة فصادف الرّوم قد أَغَارُوا عَلَيْهَا فَقَاتلهُمْ فاستشهد هُوَ وَأَصْحَابه
177 -
وَحسان بن النُّعْمَان الغساني
كَانَ بِمصْر لما قتل زُهَيْر بن قيس فَأمره عبد الْملك بغزو إفريقية فَخرج فِي أَرْبَعِينَ ألفا وَلم يدْخل أحد من الْأُمَرَاء قبله إفريقية بِمثل هَذَا الْجَيْش فضيق على قرطاجنّة إِلَى أَن تغلب عَلَيْهَا ودخلها عنْوَة فَهَدمهَا وغزا الكاهنة ملكة
البربر فهزمته ثمَّ عَاد إِلَى غزوها فَقَتلهَا ثمَّ بعث برأسها إِلَى عبد الْملك وعزله عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان وَأخذ كل مَا كَانَ مَعَه
وَذكر ابْن عبد الحكم أَن حسان رَجَعَ من مصر بعد قدومه على عبد الْملك شاكياً بأَخيه عبد الْعَزِيز لتقديمه على برقة غُلَامه تليداً وَخلف ثقله بِمصْر فَقدم على عبد الْملك وَهُوَ مَرِيض ثمَّ لم يلبث حسان أَن توفّي على إِثْر ذَلِك
178 -
ومُوسَى بن نصير
قدم الْمغرب أَمِيرا عَلَيْهِ فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَقَالَ اللَّيْث أمّر مُوسَى بن نصير على إفريقية سنة تسع وَسبعين وَكَانَ والياً من قبل عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان فَافْتتحَ عَامَّة الْمغرب وَبعث بغنائمه إِلَى عبد الْعَزِيز فأنهاها إِلَى عبد الْملك فسكن ذَلِك مِنْهُ بعض مَا كَانَ يجد على مُوسَى
ثمَّ توفّي عبد الْملك سنة سِتّ وَثَمَانِينَ واستخلف الْوَلِيد بن عبد الْملك فتواترت فتوح الْمغرب عَلَيْهِ من قبل مُوسَى فعظمت مَنْزِلَته عِنْده وَاشْتَدَّ عجبه بِهِ
ووجّه مُوسَى ابْنه مَرْوَان إِلَى طنجة مرابطاً على ساحلها فَانْصَرف وخلّف على جَيْشه طَارق بن زِيَاد وكانو ألفا وَسَبْعمائة فَكَانَ ذَلِك سَبَب فتح الأندلس دَخلهَا طَارق بمداخلة صَاحب طنجة من الرّوم وزحف يُرِيد قرطبة فتلقّته جنودها فَهَزَمَهُمْ وَبلغ ذَلِك لذريق ملك الرّوم فزحف إِلَيْهِ من طليطلة فَالْتَقوا على نهر لكّه من كورة شدونة يَوْم الْأَحَد لليلتين بَقِيَتَا من شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين واتصلت الْحَرْب بَينهم إِلَى يَوْم الْأَحَد لخمس خلون من شَوَّال بعده تَتِمَّة ثَمَانِيَة أَيَّام ثمَّ هزم الله الْمُشْركين فَقتل مِنْهُم خلق عَظِيم أَقَامَت عظامهم ملبّسة لتِلْك الأَرْض دهراً طَويلا
وخفي أثر لذريق فَلَا يدْرِي أَيْن صقع وَلَا مَا فعل إِلَّا أَن الْمُسلمين وجدوا فرسه الْأَشْهب الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وسرجه من ذهب مكلل بالياقوت والزبرجد وَقد ساخت قوائمه فِي حمأة وَقع فِيهَا وغرق العلج فَثَبت أحد خفيه فِي الطين فَأخذ وخفي الآخر وَغَابَ شخصه فَمَا وجد حيّاً وَلَا مَيتا
ثمَّ تَمَادى طَارق على افْتِتَاح الْبِلَاد وَدخل طليطلة وَكتب إِلَى مُوسَى بن نصير يُعلمهُ فَكتب إِلَيْهِ أَلا يُجَاوز قرطبة حَتَّى يقدم عَلَيْهِ ثمَّ خرج إِلَى الأندلس فِي رَجَب سنة ثَلَاث وَتِسْعين واستخلف على القيروان ابْنه عبد الله ابْن مُوسَى وَكَانَ أسنّ وَلَده فَفتح الله فتحا لَا كفاء لَهُ وَكتب إِلَى الْوَلِيد إِنَّهَا لَيست بالفتوح وَلكنه الْحَشْر
ثمَّ خرج بغنائمه واستخلف على الأندلس ابْنه عبد الْعَزِيز فَلَمَّا قدم إفريقية كتب إِلَيْهِ الْوَلِيد بِالْخرُوجِ إِلَيْهِ فَخرج واستخلف على إفريقية ابْنه عبد الله وَسَار بِتِلْكَ الْغَنَائِم والهدايا حَتَّى قدم مصر وَمرض الْوَلِيد فَكَانَ يكْتب إِلَى مُوسَى يستعجله وَيكْتب إِلَيْهِ سُلَيْمَان بن عبد الْملك بالمكث وَالْمقَام ليَمُوت الْوَلِيد وَيصير مَا مَعَ مُوسَى إِلَيْهِ فَقدم على الْوَلِيد وَهُوَ مَرِيض مَرضه الَّذِي مَاتَ مِنْهُ فنكبه سُلَيْمَان لأوّل ولَايَته وأغرمه مائَة ألف دِينَار وَأخذ مَا كَانَ لَهُ وأقامه للشمس وَقتل ابْنه عبد الْعَزِيز وَبعث بِرَأْسِهِ إِلَى سُلَيْمَان وَذَلِكَ فِي سنة سبع وَتِسْعين فَأرَاهُ أَبَاهُ وَقَالَ لَهُ أتعرف هَذَا قَالَ نعم أعلمهُ صوّاماً قوّاماً فَعَلَيهِ لعنة الله إِن كَانَ الَّذِي قَتله خيرا مِنْهُ
وَمكث أهل الأندلس بعد ذَلِك لَا يجمعهُمْ وَال وَكَانُوا أمّروا عِنْد قَتله أَيُّوب ابْن أُخْت مُوسَى بن نصير وعزم سُلَيْمَان على الْحَج فَأخْرج مُوسَى مَعَه على قتب فَتوفي فِي طَرِيقه سنة سبع وَتِسْعين
179 -
وَمُحَمّد بن يزِيد مولى قُرَيْش
ولاه سُلَيْمَان بن عبد الْملك إفريقية بمشورة رَجَاء بن حَيْوَة سنة سِتّ وَتِسْعين فَلم يزل عَلَيْهَا إِلَى أَن توفّي سُلَيْمَان فِي صفر سنة تسع وَتِسْعين
180 -
وَإِسْمَاعِيل بن عبيد الله بن أبي المُهَاجر مولى بني مَخْزُوم
ولاه عمر بن عبد الْعَزِيز إفريقية وَكَانَ حسن السِّيرَة من خير الْوُلَاة لم يبْق من البربر أحد إِلَّا أسلم على يَدَيْهِ وَأقَام والياً إِلَى أَن توفّي عمر بدير سمْعَان يَوْم الْجُمُعَة لعشر بَقينَ من رَجَب سنة إِحْدَى وَمِائَة
وَهَؤُلَاء كلهم أهل بلاغة وَبَيَان مَعَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ من جلالة شان
(خطباء حِين يَقُول قَائِلهمْ
…
بيض الْوُجُوه مصاقع لسن)
ولبسر بن أَرْطَاة مِنْهُم فِيمَا أَحسب شعر وَمَا أحسن قَول القَاضِي أَحْمد بن أبي دؤاد كل عَرَبِيّ يقدر على قَول الشّعْر حكى ذَلِك أَبُو بكر الصّوليّ فَلَعَلَّ لَهُم مِنْهُ مَا أعيا الْبَحْث عَنهُ