الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمِائَة الثَّانِيَة
181 -
يزِيد بن أبي مُسلم
مولى الْحجَّاج وكاتبه وَقيل كَانَ أَخَاهُ من الرضَاعَة ولاه يزِيد بن عبد الْملك فِي سنة إِحْدَى وَمِائَة إفريقيّة فَقَدمهَا فِي سنة اثْنَتَيْنِ بعْدهَا وفيهَا كَانَ مَقْتَله على يَد حرسه
182 -
عبيد الله بن الحبحاب مولى عقبَة بن الحجّاج السّلوليّ القيسيّ
كَانَ والياً على مصر لهشام بن عبد الْملك فَكتب إِلَيْهِ يَأْمُرهُ بالمصير إِلَى إفريقية وَذَلِكَ فِي شهر ربيع الأول وَقيل فِي شهر ربيع الآخر سنة سِتّ عشرَة وَمِائَة فاستخلف ابْنه الْقَاسِم على مصر وَاسْتعْمل ابْنه إِسْمَاعِيل على السّوس وَاسْتعْمل أَيْضا على الأندلس عقبَة بن الْحجَّاج مَوْلَاهُ وعزل عبد الْملك بن قطن الفِهري
وَيُقَال كَانَ على الأندلس يَوْمئِذٍ عَنْبَسَة بن سحيم الْكَلْبِيّ فَهَلَك عقبَة بالأندلس فَرد عبيد الله عَلَيْهَا عبد الْملك بن قطن
وَذكر عبد الله بن وهب الْفَقِيه أَن عبيد الله بن الحبحاب كَانَت مصر من الْعَريش فِي عمله وإفريقية والأندلس وَمَا بَين ذَلِك
وقرأت فِي الْكتاب المعرب عَن أَخْبَار الْمغرب أَن عبيد الله كَانَ كَاتبا بليغاً حَافِظًا لأيام الْعَرَب ووقائعها وأخبارها ذَا بلاغة فِي لِسَانه وقلمه وَكَانَ يَقُول الشّعْر قَالَ مؤلّفه وَكنت سَمِعت لَهُ أبياتاً لم أحفظ مِنْهَا وَقت تأليفنا هَذَا الْكتاب شَيْئا فنثبته وَهُوَ الَّذِي بنى الْمَسْجِد الْجَامِع بتونس وَدَار الصِّنَاعَة بهَا
وروى عبد الله بن أبي حسان اليحصبيّ عَن أَبِيه وَكَانَ بليغاً فصيحاً قَالَ سَمِعت عبيد الله بن الحبحاب يَوْمًا يملّ رِسَالَة ويفكّ اسْما من دفتر الْعَطاء وَيَأْمُر بحاجات فِي نَاحيَة أُخْرَى وَيحكم فِي خلل ذَلِك بَين رجلَيْنِ متنازعين
وَقَالَ ابْن غَانِم القَاضِي كَانَ عبيد الله بن الحبحاب رجلا من قيس
ثمَّ من بني سلول مولى وَلَيْسَ بِالصَّرِيحِ فولى من إفريقية إِلَى الخضراء
وَكَانَ أوّله كَاتبا ثمَّ تناهت بِهِ الْحَال إِلَى أَن صَار إِلَى الْمنزلَة الَّتِي كَانَ بهَا فَتحدث ذَات يَوْم بالقيروان فَقَالَ إِنَّمَا كنت كويتباً ثمَّ صرت كَاتبا ثمَّ صرت أَمِيرا ثمَّ أَنا الْيَوْم أَمِير كَبِير وَالْحَمْد لله
وقفل عبيد الله إِلَى هِشَام فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَعشْرين بعد انقضاض البربر عَلَيْهِ وقتلهم عَامله بطنجة عمر بن عبد الله الْمرَادِي وَانْصَرف إِلَى الْمشرق فيذكر أَنه تولى الْخراج وَكتب فِيهِ لمروان بن مُحَمَّد بن مَرْوَان آخر مُلُوك بني أُميَّة بِدِمَشْق وَقتل عبيد الله يَوْم قتل ابْن هُبَيْرَة بواسط وَقيل بل عَاشَ خاملاً فِي أَيَّام العباسية
183 -
مَنْصُور بن عبد الله ابْن يزِيد الْحِمْيَرِي
ذكره أَبُو عَليّ الْحُسَيْن بن أبي سعيد عبد الرَّحْمَن بن عبيد القيرواني الْمَعْرُوف بالوكيل فِي الْكتاب الْمَعْرُوف بالمعرب عَن أَخْبَار الْمغرب من تأليفه فِي طبقَة أولى السُّلْطَان تالياً لِعبيد الله بن الحبحاب وَهُوَ جد مُحَمَّد الْمهْدي بن أبي
جَعْفَر الْمَنْصُور وشقيقه جَعْفَر لِأُمِّهِمَا وَهِي أم مُوسَى بنت مَنْصُور هَذَا
وَكَانَ شريفاً فِي قومه مَعْرُوف الْمَكَان فيهم مَذْكُورا بالبلاغة وَالشعر وكرم الْأَخْلَاق وانْتهى وَلَده من الشّرف بعده إِلَى غَايَة لم يَكُونُوا يؤملونها لقرابتهم من الْمهْدي
وَتزَوج أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور أمّ مُوسَى هَذِه وَهُوَ إِذْ ذَاك سوقة فِي آخر ولَايَة هِشَام بن عبد الْملك لما نزلت الحميمة من أَرض البلقاء بعد وَفَاة زَوجهَا ثمَّ بَين عبيد الله من ولد الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب
وَقيل بل تزَوجهَا بإفريقية وَهُوَ رَحل بهَا وَكَانَ يطوف الْبلدَانِ فِي زمن بني أُميَّة وَأهل إفريقية يذكرُونَ أَنه طلب مرّة فاستخفى فِي قصر صهره مَنْصُور الْحِمْيَرِي عِنْد قصر بشير بطرِيق سوسة وَكَانَ الْمَنْصُور شرطا لَهَا أَن لَا يتَزَوَّج عَلَيْهَا
وَلَا يتسرّى وكتبت عَلَيْهِ بذلك كتابا فعذب بهَا عشر سِنِين فِي سُلْطَانه ثمَّ أَتَتْهُ وفاتها فأهديت إِلَيْهِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة مائَة بكر
وَكَانَت دَار مَنْصُور بالموضع الَّذِي بِهِ دور بني قافذ بالقيروان
وَحَفْص صَاحب الْخراج مولى بني مَنْصُور وَإِلَيْهِ ينْسب قصر خفص
وَلحق يزِيد بن مَنْصُور بأخته أمّ مُوسَى فَلَمَّا ولى المهديّ ولاه خُرَاسَان وجلّت حَاله حَتَّى صَار الشُّعَرَاء يمدحون من كَانَ من ولد الْمهْدي بولاء مَنْصُور لَهُم وَمن ذَلِك قَول أبي نواس فِي الْعَبَّاس بن جَعْفَر بن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور
(فجدّاك هَذَا خير قحطان وَاحِدًا
…
وَهَذَا إِذا مَا عدّ خير نزار)
وَيَعْنِي بالقحطاني منصوراً الْحِمْيَرِي وبالنّزاري أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور وَقَوله فِي الْأمين
(وَمَا مثل منصوريك مَنْصُور هَاشم
…
وَمَنْصُور قحطان إِذا عدّ مفخر)
(فَمن ذَا الَّذِي يَرْمِي بسهميك فِي الورى
…
وَعبد منَاف والداك وحمير)
وَقَالَ سلم بن عَمْرو الْبَصْرِيّ فِي الْمهْدي
(أكْرم بقرم أَمِين الله وَالِده
…
وأمّه أمّ مُوسَى بنت مَنْصُور)
وَسلم هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف بالخاسر وَقيل لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ بَاعَ مُصحفا وَاشْترى بِثمنِهِ شعر امْرِئ الْقَيْس وَقيل شعر الأعشي وَقيل بل ورث من أَبِيه مُصحفا فَبَاعَهُ وَاشْترى بِثمنِهِ طنبوراً فَسمى الخاسر
وَأَبُو مُحَمَّد يحيى بن الْمُبَارك النَّحْوِيّ صَاحب أبي عَمْرو بن الْعَلَاء أحد الْقُرَّاء إِنَّمَا قيل لَهُ اليزيدي لِأَنَّهُ كَانَ يُؤَدب ولد يزِيد بن مَنْصُور فنسب إِلَيْهِ وَكَانَ بعد ذَلِك يُؤَدب الْمَأْمُون
184 -
عبد الرَّحْمَن بن حبيب بن أبي عُبَيْدَة ابْن عقبَة بن نَافِع الفِهري
انحاز إِلَى الأندلس مَعَ بلج بن بشر بن عِيَاض الْقشيرِي وَمن كَانَ مَعَه من وُجُوه أهل الشَّام فِي الْمحرم سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَة بعد قتل البربر كُلْثُوم ابْن عِيَاض أَمِير إفريقية عمّ بلج وحبِيب بن أبي عُبَيْدَة وَالِد عبد الرَّحْمَن وَهَؤُلَاء الْجند هم المعروفون بالطالعة البلجية بالأندلس فَلم يزل عبد الرَّحْمَن بهَا يحاول التغلب عَلَيْهَا إِلَى أَن دخل أَبُو الخطّار الحسام بن ضرار الْكَلْبِيّ والياً من قبل حَنْظَلَة بن صَفْوَان الْكَلْبِيّ أَمِير إفريقية فِي رَجَب سنة خمس وَعشْرين فخافه عبد الرَّحْمَن وَخرج مستتراً فَركب الْبَحْر إِلَى تونس وَأقَام بهَا إِلَى أَن قتل الْوَلِيد بن يزِيد بن عبد الْملك يَوْم الْخَمِيس لثلاث بَقينَ من جُمَادَى الْأَخِيرَة سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة فَدَعَا النَّاس فَأَجَابُوهُ وَجمع لقِتَال حَنْظَلَة بن صَفْوَان وإخراجه من إفريقية فتم لَهُ ذَلِك وَانْفَرَدَ بإمارتها فِي قصَّة طَوِيلَة عشرَة أَعْوَام
وأشهارا وَكَانَ مَعَ بأسه وبسالته خَطِيبًا مفوهاً وَهُوَ أحد سَادَات الْعَرَب ورؤسائها بالمغرب
185 -
مُحَمَّد بن عَمْرو الْقرشِي الْعَبدَرِي ابْن حميد الغافقي
ثار بالأربس فِي إِمَارَة عبد الرَّحْمَن بن حبيب بإفريقية وَلم يكن بِدُونِ
أَخِيه سُلَيْمَان الْمُتَقَدّم الذّكر شجاعة وبلاغة وبياناً
وثار مَعَ مُحَمَّد هَذَا رجل من البربر يُقَال لَهُ ثَابت فَخرج عبد الرَّحْمَن بن حبيب لحربهما فانهزما بَين يَدَيْهِ وَسَار مُحَمَّد إِلَى طنجة ثمَّ ظفر بِهِ فسجنه وأخاه سُلَيْمَان وعزم على قَتلهمَا فعوجل عبد الرَّحْمَن قبل ذَلِك وَقَتله أَخُوهُ إلْيَاس بن حبيب فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَأطلقهُمَا من معتقلهما ثمَّ قتل إلْيَاس فِي رَجَب سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ
186 -
عَامر بن عَمْرو الْقرشِي العبدريّ
هُوَ عَامر بن عَمْرو بن وهب بن مُصعب بن أبي عَزِيز بن عُمَيْر بن عبد منَاف بن عبد الدَّار بن قصيّ ابْن أخي مُصعب بن عُمَيْر صَاحب لِوَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم بدر وَأحد وَهُوَ الَّذِي تنْسب إِلَيْهِ بقرطبة مَقْبرَة عَامر لصق سور الْمَدِينَة الغربي وبابها الْمُعَطل إِلَى أَن ملكهَا الرّوم فِي هَذِه الْمدَّة الْقَرِيبَة
وَكَانَ أحد رجالات قُرَيْش بل مُضر بالأندلس شرفاً ونجدة وأدباً وَكَانَ يَلِي الْمَغَازِي والصوائف قبل يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن الفهريّ وَمَعَهُ فحسده
وَعمل فِي إِزَالَته فَلَمَّا بدا ذَلِك لعامر راسل أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور يخْطب إِلَيْهِ ولَايَة الأندلس ويسأله أَن يُرْسل إِلَيْهِ بسجلّ مِنْهُ يقوم بِهِ
وَأظْهر التعصب لليمانية والإكبار لما سفك من دِمَائِهِمْ بشقندة فِي أول ولَايَة يُوسُف
ثمَّ فرّ عَن قرطبة وَصَارَ بِنَاحِيَة سرقسطة حَيْثُ الصّميل بن حَاتِم يَبْغِي الْفساد عَلَيْهِ وهنالك رجل من بني زهرَة يُسمى الْحباب فكاتبه عَامر ومتّ إِلَيْهِ بالمضرية وَدعَاهُ إِلَى الْقيام على الصّميل فِي الْيمن بسجلّ أبي جَعْفَر فَاسْتَجَاب لَهُ
وَاجْتمعَ لَهما جمع من الْيمن وَرِجَال من البربر وَغَيرهم كثير فَأَقْبَلُوا حَتَّى حصروا الصّميل بسرقسطة فِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة ثمَّ ملكهَا عَامر وَصَاحبه الزهريّ فِي قصَص طَوِيلَة
وغزاهما يُوسُف الفِهري فِي عقب ذِي الْقعدَة سنة سبع وَثَلَاثِينَ فخاف أهل سرقسطة معرّة الْجَيْش وعضّ الْحصار فأسلموا عَامِرًا وَابْنه وهباً والزهريّ فقيّدهم يُوسُف ثمَّ قَتلهمْ فِي طَرِيقه بوادي الرّمل على خمسين ميلًا من طليطلة وَذَلِكَ فِي صدر سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ
فَمَا انْقَضى ذَلِك من فعله وَلَا دخل رواقه حَتَّى أَتَاهُ رَسُول يرْكض من وَلَده عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف من قرطبة يطوي البيد فَأعلمهُ أَن فَتى من قُرَيْش من ولد هِشَام بن عبد الْملك يُقَال لَهُ عبد الرَّحْمَن بن
مُعَاوِيَة قد عبر الْبَحْر إِلَى الأندلس فَنزل بساحل دمشق يَعْنِي بِنَاحِيَة إلبيرة وَاجْتمعَ إِلَيْهِ موَالِي بني أُميَّة وشيعهم وتشوّف النَّاس إِلَيْهِ فانتشر الْخَبَر فِي الْعَسْكَر لوقته وشمت النَّاس بِيُوسُف فسارعوا إِلَى الرّفض من عسكره وقوّضوا إِلَى كورهم وَأَقْبل إِلَى طليطلة فِي غلمانه وَقيس قوم الصّميل
وَيُقَال إِن كَاتبه خَالِد بن زيد قَالَ لَهُ بِمحضر الصّميل وزيره وَقد فرغ من مؤاكلتهما ذَات يَوْم وَهُوَ بِبَعْض مَنَازِله فِي طَرِيقه هَنِيئًا لَك أَيهَا الْأَمِير اكتمال سعدك
قد قتل الله لَك كاشحك ابْن شهَاب وَفُلَانًا وَفُلَانًا يعد الْأَشْرَاف من الْعَرَب المقتولين فِي غزوهم الرّوم ووفقك لقتل أنغلهم ضميراً هَذَا العبدريّ يَعْنِي عَامِرًا وَابْنه فَمن ذَا يعارضك بعدهمْ هِيَ وَالله لَك ولولدك إِلَى الدّجّال
ثمَّ خرج الصّميل إِلَى قُبَّته واستلقى يُوسُف على فرَاشه وَذَلِكَ وَقت الْعَصْر فَمَا راعهم إِلَّا بريد يرْكض تشوّف إِلَيْهِ أهل الْعَسْكَر وَقَالُوا رَسُول من قرطبة وتطلعوا إِلَى علم خَبره فَإِذا كتاب أمّ ولد يُوسُف مَعَ غُلَام خَاص لَهَا على بغلتها الْمَشْهُورَة بهَا تذكر أَن فَتى من أَبنَاء هِشَام بن عبد الْملك يُقَال لَهُ عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة عبر الْبَحْر وَنزل بِسَاحَة إلبيرة على أبي عُثْمَان مَوْلَاهُم بقرية طرّش فشاء الله أَن يكون وَارِث سُلْطَانه وَنَازع ملكه
187 -
يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن الفِهري أَبُو مُحَمَّد
قَالَ ابْن حيّان زعم أَبُو بكر بن القوطيّة أَنه يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن بن حبيب بن أبي عُبَيْدَة بن عقبَة بن نَافِع الفِهري قَالَ وَمَا وجدت هِدَايَة إِلَى أَن يُوسُف هَذَا الْوَالِي بالأندلس ولد لَهُ يَعْنِي عبد الرَّحْمَن الْمُتَقَدّم الذّكر فِي هَذَا الْبَاب وَلَا وجدت منتماه فِي جذم قومه فَالله أعلم بِشَأْنِهِ هَكَذَا فِي المقتبس
وَقد قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي كتاب جمهرة الْأَنْسَاب من تأليفه وَكَثِيرًا مَا يقلده عقبَة بن نَافِع الفِهري ولد أَبَا عُبَيْدَة فولد أَبُو عُبَيْدَة حبيباً قَاتل عبد الْعَزِيز بن مُوسَى بن نصير وَعبد الرَّحْمَن ونافعاً فولد حبيب عبد الرَّحْمَن ولى إفريقية وإلياس وَعبد الْوَارِث وَلَهُم بإفريقية عقب كثير وَولد عبد الرَّحْمَن بن أبي عُبَيْدَة يُوسُف ولى الأندلس وَله بهَا عقب وبالأندلس من فهر عدد عَظِيم
وَعَن الواقديّ أَن أهل الأندلس اجْتَمعُوا على يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن من أجل أَنه قرشي رَضِي بِهِ الحيّان يَعْنِي المضرية واليمانية بعد ثوابة بن
سَلمَة فَرفعُوا الْحَرْب ومالوا إِلَى الدعة فدانت لَهُ الأندلس تسع سِنِين وَتِسْعَة شهور وَكَانَ آخر الْأُمَرَاء بالأندلس وَعنهُ انْتقل سلطانها إِلَى الْخُلَفَاء من بني مَرْوَان أورد ذَلِك ابْن حيّان
وَحكى أَن اجْتِمَاع النَّاس على الْبيعَة ليوسف كَانَ فِي شهر ربيع الآخر سنة تسع وَعشْرين وَمِائَة وَفِي مثل هَذَا الشَّهْر من سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ حل بمرفأ حصن المنكّب عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة فَالتقى هُوَ ويوسف يَوْم الْأَضْحَى فَانْهَزَمَ يُوسُف وَقتل كثير من أَصْحَابه وَغلب عبد الرَّحْمَن يَوْمئِذٍ على الْملك
وَيُقَال إِنَّه تفاءك يَوْم عَرَفَة بِمَا يتَّفق لَهُ فِي غده من صِحَة المشاكلة وَقَالَ يَوْم عيد وَيَوْم جُمُعَة وأموي مَعَ فهري أَبْشِرُوا فَإِنِّي أَرْجُو أَنَّهَا أُخْت وقْعَة مرج راهط فصدّق الله ظن عبد الرَّحْمَن بيومه ذَلِك
وَقيل إِن الْعَلَاء بن جَابر الْعقيلِيّ مَشى إِلَى الصّميل بن حَاتِم وَقد التقى الْجَمْعَانِ فَقَالَ لَهُ أَبَا جوشن اتَّقِ الله فوَاللَّه مَا أشبّه هَذَا الْيَوْم إِلَّا بِيَوْم المرج وإنّ عَار ذَلِك لباق علينا إِلَى الْيَوْم وَإِن الْأُمُور ليهتدي إِلَيْهَا بالأشباه والأمثال أموي وفهريّ وَقيس واليمن ووزير الفهريّ فِي ذَلِك الْيَوْم قيسيّ
وَهُوَ زفر بن الْحَرْث ووزير هَذَا الْيَوْم أَنْت وَأَنت قيسي وَيَوْم عيد فِي يَوْم جُمُعَة أَيْضا وَيَوْم المرج يَوْم عيد فِي يَوْم جُمُعَة الْأَمر وَالله علينا مَا أَشك فِيهِ فَأبى عَلَيْهِ
وَمن شعر زفر بن الْحَرْث فِي يَوْم مرج راهط وَقتل فِيهِ ابناه
(لعمري لقد أبقت وقيعة راهط
…
بِمَرْوَان صدعاً بَيْننَا متنائيا)
(فَلم ترمني زلَّة قبل هَذِه
…
فراري وتركي صاحبيّ ورائيا)
(أيذهب يَوْم صَالح أَن أُسَامَة
…
بِصَالح أيامي وَحسن بلائيا)
(أتترك كلب لم تنلها رماحنا
…
وَتذهب قَتْلَى راهط هِيَ ماهيا)
(فَلَا صلح حَتَّى تدعس الْخَيل بالقنا
…
وتثأر من نسوان كلب نسائيا)
واضطرب يُوسُف الفِهري بعد هَذِه الْوَقْعَة عَلَيْهِ بالمصارة فجال فِي الْبِلَاد ثمَّ نكث بِعَبْد الرَّحْمَن بعد قبُوله أَمَانه وَخرج عَلَيْهِ منازعاً فظفر بِهِ وَقَتله
واستوسق لعبد الرَّحْمَن ملك الأندلس فَلم يبْق لَهُ مُخَالف من أَهلهَا فطال أمده وتوارث سُلْطَانه عقبه وَعَن الرَّازِيّ أَن يُوسُف تمثل عِنْد دُخُوله عَسْكَر عبد الرَّحْمَن بِبَيْت حرقة بنت النُّعْمَان
(بَينا نسوس النَّاس وَالْأَمر أمرنَا
…
إِذا نَحن فيهم سوقة نتنصّف)
وَكَانَ معدوداً فِي فصحاء الْأُمَرَاء وَابْنه أَبُو الْأسود كَذَلِك
وَكَانَ مقتل يُوسُف فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألْحق بِهِ ابْنه عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف وَكَانَ مَحْبُوسًا بقرطبة
188 -
ابْنه مُحَمَّد بن يُوسُف أَبُو الْأسود
هرب عِنْد مقتل أَبِيه يُوسُف هُوَ وَأَخُوهُ خضر إِلَى أَن جىء بهما فحبسا مُدَّة
وَادّعى أَبُو الْأسود هَذَا الْعمي حِيلَة وَهُوَ مبصر فَزعم أَن المَاء نزل بِعَيْنيهِ
وَأحسن التعّمل لذَلِك حَتَّى جَازَت حيلته واشتبهت حركاته بحركات العميان وَوَقع الإشفاق عَلَيْهِ والرثاية لَهُ وهوّن من حَبسه حَتَّى كَانَ يقْعد عَنهُ الموكّل بِهِ اختباراً لهدايته إِذا خرج لوضوئه وَقَضَاء حَاجته فَيبقى حائراً يُنَادي من يَقُود الْأَعْمَى إِلَى محبسه فَيرد وَكَانَ أهل الْحَبْس يَوْمئِذٍ ينزلون إِلَى النَّهر الْأَعْظَم قربهم للطهور وَالْوُضُوء على سرداب اتّخذ لَهُم تَحت الأَرْض إِذْ كَانَ مَكَانَهُ يَوْمئِذٍ لصق الْقصر على الهبط والرقباء عَلَيْهِم
وَقد أهمل ارتقاب أبي الْأسود هَذَا عِنْدَمَا وجد السَّبِيل للأمان مِنْهُ من أجل عماه فتحيل هُنَالك فِي التَّدْبِير مَعَ موَالٍ لَهُ كَانُوا بقرطبة مَعَه وانتهز فرْصَة أجَاز فِيهَا الْوَادي سبحاً إِلَى خيل لَهُ قد أعدت بشاطئه مَعَ ثِقَات أَصْحَابه فَركب وفر ركضاً فنجا وَلحق بطليطلة ودعا إِلَى نَفسه واستمال النَّاس بموضعه وَسَار فِي عَسْكَر جحفل حَتَّى حل بأحواز جيّان فَخرج إِلَيْهِ عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة فِي جيوشه فلاقاه مرّة بعد مرّة يهزمه فِي كل مِنْهَا وَيقتل لَهُ الْجمع الْكَبِير وَكَانَت بَينهمَا بقسطلونة على مخاضة الْفَتْح حَرْب شَدِيدَة مكر عبد الرَّحْمَن فِيهَا
بِأبي الْأسود فراسل صَاحب ميمنته وواطأه على جر الْهَزِيمَة من جِهَته فَفعل
وَانْهَزَمَ أَبُو الْأسود وَقتل عَامَّة رِجَاله فَلم تقم لَهُ بعد قَائِمَة
وَذكر أَنه تمثل يَوْم قسطلونة
(وموقف مثل حد السَّيْف قُمْت بِهِ
…
أحمى الذمار وترميني بِهِ الحدق)
وَعَن الرَّازِيّ أَن هَذِه الوقيعة بمخاضة الْفَتْح كَانَت يَوْم الْأَرْبَعَاء غرَّة شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَة بعد مواقفة قبل ذَلِك أَيَّامًا كَثِيرَة قَالَ وَقتل لأبي الْأسود فِيهَا أَرْبَعَة آلَاف من أَصْحَابه سوى من تردى فِي النَّهر وَوَقع فِي المهاوي وَتلف فِي الشعاب
وَبلغ فِي هزيمته إِلَى قسطلونة على وَادي الْأَحْمَر وَمضى على وَجهه إِلَى نَاحيَة الغرب فَبلغ مَدِينَة قورية وَتَمَادَى فِي شروده وخلافه إِلَى أَن هلك فِي سنة سبعين وَمِائَة
وَقيل إِن عبد الرَّحْمَن غزاه فِي سنة سبعين فَلَمَّا أحس بِهِ فرّ عَن قورية وَانْقطع وَحده وانحاز إِلَى غِيَاض أشبة ثمَّ صَار إِلَى ركَانَة من طليطلة فَمَاتَ هُنَالك
وَقَامَ بعده أَخُوهُ قَاسم بن يُوسُف فغزاه عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة فَلَمَّا دنا مِنْهُ خرج إِلَيْهِ بِلَا أَمَان فتقبّله وأمّنه وَنَقله إِلَى قرطبة وَأحسن إِلَيْهِ وَكَانَ آخر الْمُخَالفين عَلَيْهِ
189 -
الْحصين بن الدّجن بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَمْرو ابْن يحيى بن عَامر من ملك بن خويلد بن سمْعَان ابْن خفاجة بن عَمْرو بن عبيد الْعقيلِيّ
كَانَ مِمَّن اسْتَجَابَ لداعية عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة الدَّاخِل إِلَى الأندلس وَمَال إِلَى أنصاره من القحطانية واليمانية للَّذي كَانَ بَينه وَبَين الصّميل بن حَاتِم الْكلابِي من المنافسة الْمَعْلُومَة على الرِّئَاسَة
وَهُوَ مِمَّن أَشَارَ على يُوسُف بن
عبد الرَّحْمَن الفِهري باستبقاء عَامر الْعَبدَرِي وَابْنه وهب والحباب الزّهري بعد قَبضه عَلَيْهِم فَكف عَن قَتلهمْ حِينَئِذٍ وَشد صفادهم
وأغزى طَائِفَة من عسكره إِلَى البشكنس فِي ضعف وَقلة لم يكره عطبهم وَبعث على خيلهم الْحصين هَذَا فَهَزَمَهُمْ الرّوم وَقتلُوا أَمِيرهمْ سُلَيْمَان ابْن شهَاب وَنَجَا الْحصين وَحضر يَوْم المصارة مَعَ عبد الرَّحْمَن فَكَانَ فِيمَا روى على خيله لصِحَّة علمه بالعداوة الَّتِي كَانَت بَينه وَبَين الصّميل ابْن عَمه
وَكَانَ الْحصين فَارس أهل الشَّام بَأْسا ونجدة وَكَانَ شَاعِرًا
فَلَمَّا استوسق الْأَمر لعبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة عرف لَهُ صَالح بلائه فاختصه وولاه الشرطة
وقرأت اسْمه فِي شُهُود الْأمان الَّذِي عقده عبد الرَّحْمَن ليوسف الفِهري عِنْد اصطلاحهما بإلبيرة وَذَلِكَ فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء لليلتين خلتا من شهر ربيع الآخر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة
190 -
الْمخَارِق بن غفار الطَّائِي
لما وَجه أَبُو الْعَبَّاس السفاح عَمه عبد الله بن عَليّ إِلَى محاربة مَرْوَان بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالجعدي سنة ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة ودنا مِنْهُ بالزاب عبره الْمخَارِق
ابْن غفار الطَّائِي هَذَا وَكَانَ من جند عبد الله وَثَبت فِي أَصْحَابه فَأسر وَلم يعرف أَنه الْمخَارِق فَكَانَ مَحْبُوسًا فِي عَسْكَر مَرْوَان إِلَى أَن انهزم وَاسْتولى عبد الله على عسكره وتخلص الْمخَارِق وَكَانَ مِمَّن سعى قبل ذَلِك مَعَ أبي مُسلم
وَلما وَجه أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور مُحَمَّد بن الْأَشْعَث الْخُزَاعِيّ وَهُوَ عَامله على مصر إِلَى إفريقية وجهز الجيوش إِلَيْهِ عهد إِلَيْهِم إِن حدث بِابْن الْأَشْعَث حدث فالأمير الْأَغْلَب بن سَالم فَإِن حدث بِهِ حدث فالأمير الْمخَارِق بن غفار فَإِن حدث بِهِ حدث فالأمير الْمُحَارب بن هِلَال الدَّارمِيّ فَهَلَك الْمُحَارب فِي الطَّرِيق قبل أَن يصلوا إِلَى إفريقية وَولى الْمخَارِق من قبل ابْن الْأَشْعَث طرابلس فِي مقدمه عَلَيْهَا من مصر ثمَّ استدعاه فولاه ظبنة وَعند قيام الْحسن بن حَرْب الْكِنْدِيّ على الْأَغْلَب فِي ولَايَته وإقباله إِلَى القيروان فِي عدَّة عَظِيمَة جمع الْأَغْلَب أهل بَيته وخاصة أَصْحَابه وَتكلم بِكَلَام أعلمهم فِيهِ أَنه يلاقي الْحسن
وَحده إِن لم يعنه أحد وَلَو كَانَ فِي ذَلِك إِتْلَاف نَفسه ثمَّ أنشأ أبياتاً قَالَهَا
(سيّان موت بالقنا وبالسّقم
…
وَالْقَتْل فِي الهيجاء أدنى للكرم)
(موتِي غَدا تَحت لِوَائِي وَالْعلم
…
)
ثمَّ دَعَا الْمخَارِق بن غفار فَقَالَ لَهُ إِن فِي أهل بَيْتِي من هُوَ أولى بِمَا دعوتك لَهُ مِنْك وأقعد باستخلافي إِيَّاه غير أَنِّي كرهت أَن يَقُول قَائِل انْفَرد بهَا فِي أهل بَيته وَأَن تميل بكم العصبية ثمَّ وصاه بِالطَّاعَةِ وحذره عَاقِبَة الْخلاف فَأَجَابَهُ الْمخَارِق بِكَلَام فِيهِ بلاغة وَبَيَان معترفا لَهُ بِحقِّهِ وَقَامَ بِالْأَمر بعده وَهُوَ الَّذِي صلب الْحسن بن حَرْب بالقيروان وَقد تقدم ذكر ذَلِك
ثمَّ قدم يزِيد ببن حَاتِم والياً على إفريقية من قبل أبي جَعْفَر الْمَنْصُور فَكَانَت لَهُ فِي أَيَّامهَا أَخْبَار وَحكى الْكتاب المعرب عَن الْمغرب أَن الْمخَارِق ركب يَوْمًا فِي بعض الحروب الإفريقية على فرس أُنْثَى وَبِيَدِهِ الْقَنَاة فبرز بَين الصفين وَهُوَ يَقُول متمثلاً
(رائعة تحمل شَيخا رائعاً
…
مجرباً قد شهد الوقائعا)
قَالَ وَكَانَ شرِيف الْقدر عَظِيم الْحَال لَا يقايس إِلَّا بِابْن الْأَشْعَث والأغلب بن سَالم وأمثالهما وَأَخُوهُ السّندي بن غفار وَابْنه المهنّا بن الْمخَارِق لاحقان بِهِ
191 -
روح بن حَاتِم بن قبيصَة بن الْمُهلب ابْن أبي صفرَة الْأَزْدِيّ العكي أَبُو خلف
حجب أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور أول أَيَّامه وَقبل التَّعَلُّق بِهِ نظر إِلَيْهِ رجل وَاقِف فِي الشَّمْس عِنْد بَاب الْمَنْصُور فَقَالَ لَهُ لقد طَال وقوفك فِي الشَّمْس فَقَالَ ليطول قعودي فِي الظل
وَولى الْكُوفَة وَالْبَصْرَة للمهدي وَولى أَيْضا السّند وطبرستان وفلسطين ثمَّ ولى إفريقية وَالْمغْرب لهارون الرشيد وَذَلِكَ لما بلغه موت أَخِيه يزِيد بن حَاتِم فَعَزاهُ الرشيد وَقَالَ أعرف أَن لَهُ صنائع بالمغرب وَلَا آمن عَلَيْهِم مَتى ولّيت غَيْرك وَلَكِن اخْرُج من فورك إِلَى إفريقية وحطّ صنائعه فَخرج من فوره وشيّعه الرشيد وودعه وَانْصَرف ثمَّ لحقه وَصَاح بِهِ يَا وَيْح لَا ترجع وَلَا تنزل أَنْت مُسَافر وَأَنا مُقيم ثمَّ سايره وَقَالَ عَلَيْك بالزاب املأه خيلاً ورجلاً
وَكَانَ لروح رأى وحزم وشجاعة وجود وصرامة وَهُوَ أسنّ من أَخِيه يزِيد وأنبه مِنْهُ ذكرا بالمشرق وَمن عَجِيب الْأَخْبَار وطريف الْآثَار أَن الْمَنْصُور وجّه يزِيد بن حَاتِم إِلَى إفريقية وروحاً أَخَاهُ إِلَى السّند فَقيل لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لقد باعدت بَين قبريهما فَقضى أَن مَاتَا جَمِيعًا بالقيروان ودفنا بِبَاب سلم وَعَلَيْهِمَا سَارِيَة مَكْتُوب فِيهَا اسماهما
ولروح يَقُول أَبُو دلامة وَقد قَالَ لَهُ لَو خرجت مَعنا فِي خُرُوجه لقِتَال الْخَوَارِج
(إِنِّي أعوذ بِروح أَن يقدّمني
…
إِلَى الْقِتَال فتخزي بِي بَنو أَسد)
(إِن الدّنوّ إِلَى الْأَعْدَاء نعلمهُ
…
مِمَّا يفرق بَين الرّوح والجسد)
(إِن المهلّب حبّ الْمَوْت أورثكم
…
وَلم أرث جلدا للْمَوْت من أحد)
وَأما أنباؤه فِي الْجُود فكثيرة مِنْهَا أَنه كَانَ يَوْمًا جَالِسا فِي منظرة مَعَ جَارِيَته طلّة وَكَانَت بارعة الْجمال إِذْ طلع خَادِم لَهُ بقادوس مَمْلُوء وردا فِي غير أَوَانه فَاسْتَحْسَنَهُ وَأمر بِأَن يمْلَأ دَرَاهِم لمهديه فَقَالَت الْجَارِيَة مَا أنصفته قَالَ وَكَيف وَقد ملأته بَدَلا من ورده دَرَاهِم قَالَت فَإِن ورده أَحْمَر وأبيض فاخلط لَهُ الصِّلَة فَأمر بِدَنَانِير فمزجت مَعَ الدَّرَاهِم
وَمِنْهَا ويستدل بِهِ على بلاغته ورسائله اللاحقة بنمط الكتّاب أَنه وجّه فِي ولَايَته إفريقية إِلَى كَاتبه بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم وَكتب مَعهَا قد بعثت إِلَيْك بِثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم لَا أقلّلها تكثّراً وَلَا أكثّرها تمنّناً وَلَا أستثيبك عَلَيْهَا ثَنَاء وَلَا أقطع لَك بهَا رَجَاء وَالسَّلَام
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَؤُلَاءِ المهالبة أخلد الْعَرَب شرفاً والأمداح فِي مقاصدهم قصد إِذا كَانَت سَرفًا
ويحكى أَنه مَاتَ لروح هَذَا ولد فَأقبل الحيّ يعزونه فألفوه رخيّ البال ضَاحِك السن فتوقفوا عَن تعزيته وَعرف ذَلِك فَأَنْشَأَ يَقُول
(وَإِنَّا لقوم مَا تفيض دموعنا
…
على هَالك منا وَإِن قَصم الظهرا)
وَهَذَا الْبَيْت فِي شعر لأبي الهيدام عَامر بن عمَارَة بن خريم المرّي يرثي بِهِ أَخَاهُ وَكَانَ قد قَتله عَامل سجستان للرشيد فَجمع أَبُو الهيدام جمعا عَظِيما لطلب ثأر أَخِيه وَقَالَ فِي ذَلِك
(سأبكيك بالبيض الرّقاق وبالقنا
…
فإنّ بهَا مَا أدْرك الطَّالِب الوترا)
(وَلست كمن يبكي أَخَاهُ بعبرة
…
يعصّرها من جفن مقلته عصرا)
(ولكنني أشفي فُؤَادِي بغارة
…
ألهّب فِي قطري جوانبها الجمرا)
(وَإِنَّا أنَاس مَا تفيض دموعنا
…
على هَالك منا وَإِن قَصم الظهرا)
192 -
ابْن أَخِيه دَاوُود بن يزِيد بن حَاتِم
اسْتَخْلَفَهُ أَبوهُ يزِيد على إفريقية فِي مَرضه الَّذِي توفّي مِنْهُ فِي شهر رَمَضَان سنة سبعين وَمِائَة فَجعل على شرطته خَالِد بن بشير وَبعث أَخَاهُ المهلّب بن يزِيد والياً على الزاب وَقد كَانَ قبل ذَلِك عَلَيْهَا من قبل أَبِيه حِين عزل الْمخَارِق ابْن غفار الطَّائِي عَنْهَا
وَأقَام دَاوُود والياً تِسْعَة أشهر وَنصف شهر إِلَى أَن قدم عمّه روح بن حَاتِم أَمِيرا على الْمغرب من قبل هَارُون الرشيد وقفل دَاوُود فولاه الرشيد مصر سنة أَربع وَسبعين وَمَات بالسند وَهُوَ أَمِير عَلَيْهَا وَكَانَ جواداً ممدوحاً معدوداً فِي أدباء الْأُمَرَاء وَله يَقُول مُسلم بن الْوَلِيد
(الله أطفأ نَار الْحَرْب إِذْ سعرت
…
شرقاً بموقدها فِي الغرب دَاوُود)
(ماضي الْعَزِيمَة لَا تَخْلُو بديهته
…
رأى المهلّب أَو رأى الأيازيد)
193 -
نصر بن حبيب المهلبي
كَانَ على شرطة ابْن عَمه يزِيد بن حَاتِم فِي ولَايَته كلهَا بِمصْر وإفريقية وَكَانَ مَحْمُود السِّيرَة محبباً إِلَى النَّاس ذَا أدب وَمَعْرِفَة فَلَمَّا ولى روح بن حَاتِم بعد أَخِيه يزِيد وَقد أسنّ وَكبر حَتَّى كَانَ إِذا جلس للنَّاس كثيرا مَا يغلبه النّوم من الضعْف كتب أَبُو العنبر الْقَائِد وَصَاحب الْبَرِيد إِلَى هاون الرشيد بِضعْف روح وَكبره وسألا مِنْهُ ولَايَة نصر هَذَا فِي السّر ووصفاه بِحسن السِّيرَة وبأنّ لَهُ سنّاً وَمَعْرِفَة فَكتب الرشيد عَهده وَبعث بِهِ سرا
وَتُوفِّي روح على إِثْر هَذَا فَاجْتمع النَّاس ليبايعوا قبيصَة ابْنه وَقد فرش لَهُ فِي الْجَامِع وَكَانَ أَخُوهُ الْفضل بن روح غَائِبا بالزاب وعاملاً عَلَيْهَا فَركب أَبُو العنبر وَصَاحب الْبَرِيد بِعَهْد الرشيد إِلَى نصر بن حبيب فأوصلاه إِلَيْهِ وسلّما عَلَيْهِ بالإمرة وركبا بِهِ إِلَى الْمَسْجِد فِي من مَعَهُمَا حَتَّى أَتَيَا قبيصَة وَهُوَ جَالس على الْفرش فأقاماه وأقعدا نصرا وأعلما النَّاس بإمرته وَقَرَأَ كتاب الرشيد عَلَيْهِم فَسَمِعُوا وأطاعوا وَذَلِكَ يَوْم الْأَحَد لإحدى عشرَة لَيْلَة بقيت من شهر رَمَضَان سنة أَربع وَسبعين وَمِائَة إِلَى أَن صرف بِالْفَضْلِ بن روح بن حَاتِم لعشر بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَة فَكَانَت ولَايَته سنتَيْن وَثَلَاثَة أشهر لم يعدل أحد كَانَ قبله عدله فِيهَا
ورسالته الَّتِي كتب إِلَى الْعمَّال بهَا لما ولى مَذْكُورَة فِي الْكتاب المعرب عَن أَخْبَار الْمغرب وَهِي دَالَّة على مَكَانَهُ من البلاغة وَالْبَيَان
194 -
عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة الْمَعْرُوف بالبلنسي
قَامَ بِالْأَمر لِأَخِيهِ هِشَام بن عبد الرَّحْمَن إِذْ كَانَ غَائِبا عِنْد وَفَاة أَبِيهِمَا بماردة إِلَى أَن ورد قرطبة فبادر لمبايعته وَتَسْلِيم الْقصر إِلَيْهِ وَخرج إِلَى دَاره وَذَلِكَ فِي غرَّة جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَسبعين وَمِائَة ثمَّ استوحش مِنْهُ فهرب إِلَى أخيهما سُلَيْمَان كَبِير أَوْلَاد عبد الرَّحْمَن الْمَوْلُود لَهُ بِالشَّام وَكَانَ منازعاً لهشام وَأقَام مَعَه بطليطلة وَبعد ذَلِك ورد قرطبة محكّماً فِي نَفسه بِلَا عهد وَلَا أَمَان فَقبله هِشَام وَطلب الْخُرُوج إِلَى العدوة فأسعفه واتّبعه فِي ذَلِك سُلَيْمَان فاستراح مِنْهُمَا هِشَام إِلَى أَن توفّي سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة
وَولى ابْنه الحكم بن هِشَام الْمَعْرُوف بالربض فوصل عبد الله من العدوة وَنزل بكورة بلنسيّة وَقدم بعده سُلَيْمَان من طنجة فنازعا الحكم وحارباه فَقتل سُلَيْمَان فِي خبر طَوِيل وَرغب عبد الله فِي الْمقَام ببلنسيّة على أَن يُؤَدِّي الطَّاعَة وَلَا يطَأ لَهُ بساطاً فتم ذَلِك
وَأقَام إِلَى أَن توفّي الحكم وَولى عبد الرَّحْمَن ابْنه فأخّر بيعَته والتوى بهَا وَكتب إِلَيْهِ يعتل عَلَيْهِ ويعدد حُقُوقه عِنْده وَعند أَبِيه وجده ويسأله أَن يضم كورة تدمير إِلَيْهِ ويتجافى لَهُ عَن خرجها وَتقدم على تفئة ذَلِك من بلنسية إِلَيْهَا فاحتلها وكشف وَجهه بالمعصية واستنفر إِلَيْهَا من حواليه فَثَابَ إِلَيْهِ مِنْهُم خلق كثير عسكروا مَعَه بِبَاب تدمير وَكَانَ توافيهم إِلَيْهِ فِي يَوْم خَمِيس أَرَادوا الْخُرُوج فِيهِ نَحْو قرطبة فَأَتَاهُم وَقَالَ بل نصلي على بركَة الله
غَدا صَلَاة الْجُمُعَة ونفصل يَوْم السبت بعده فَتَوَلّى الْخطْبَة بِالنَّاسِ يَوْم الْجُمُعَة فأبلغ فِي تذكيرهم وتخريفهم وَكَانَ خَطِيبًا مصقعاً فَلَمَّا شَارف مقطع خطبَته قَالَ معاشر النَّاس رحمكم الله أمّنوا على مَا أَدْعُو الله بِهِ واسألوه مَا أَنا سائله من الْخيرَة فِيمَا أؤمله وَرفع يَده نَحْو السَّمَاء فَقَالَ اللَّهُمَّ إِن كنت أحقّ بِهَذَا الْأَمر الَّذِي قُمْت فِيهِ من عبد الرَّحْمَن بن هِشَام حفيد أخي فانصرني عَلَيْهِ وَافْتَحْ لي فِيهِ وَإِن كَانَ هُوَ أحقّ مني وَأَنا صنو جده فانصره عليّ فأمّن النَّاس جَمِيعًا عالية أَصْوَاتهم فَلم يكد يستوعب كَلَامه حَتَّى ضَربته الرّيح الْبَارِدَة فَسقط إِلَى الأَرْض مفلوجاً وَاحْتمل إِلَى مَكَان مضطربه فأكمل النَّاس صلَاتهم بِغَيْرِهِ
وَمكث عبد الله مسكتاً أَيَّامًا ثمَّ إِن الله أطلق لِسَانه وَمنعه سَائِر جوارحه فَقَالَ لأتباعه إِن الله تَعَالَى قد أجَاب الدعْوَة وَفصل الْخطاب وحماني الإمرة وَلَا مرد لحكمه فامضوا لسبيلكم فَتفرق جمعه وَصَرفه أَهله إِلَى وَطنه ببلنسيّة فكاتب عبد الرَّحْمَن بِخَبَر علته ويأسه من نَفسه وعهد إِلَيْهِ بِالنّظرِ لأَهله وَولده فأنفذ عَهده وَلم يعرض لَهُ إِلَى أَن مَاتَ سنة ثَمَان وَمِائَتَيْنِ
وَقد كَانَ ابْنه عبيد الله بن عبد الله لحق بالحكم بن هِشَام وَكَانَ من ذَوي مشورته وكبار قواده وأغنى يَوْم الهيج أعظم غناء ثمَّ قاد الصوائف لعبد الرَّحْمَن بن الحكم فَكَانَ يعرف بِصَاحِب الصوائف وَهُوَ أحد رجالات بني أُميَّة
195 -
فطيس بن سُلَيْمَان بن عبد الْملك بن زيّان أَبُو سُلَيْمَان الْكَاتِب
باني بَيت الوزراء بني فطيس دخل الأندلس فِي أَيَّام الْأَمِير عبد الرَّحْمَن ابْن مُعَاوِيَة فضمه إِلَى ابْنه هِشَام وَكتب لَهُ حَتَّى إِذا ولى الْخلَافَة ولاه السُّوق وكورة قبرة والوزارة
وأمضاه الحكم بن هِشَام على ذَلِك بعد وَفَاة أَبِيه هِشَام واستكتبه أَيْضا وَكَانَ لَهُ فِي الهيج مقَام مَحْمُود
قَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ رَأَيْت اسْم فطيس فِي ديوَان الْأَمِير الحكم أول اسْم أَبُو سُلَيْمَان فطيس خَمْسمِائَة دِينَار
قَالَ وَتُوفِّي فِي أخريات أَيَّامه
وفطيس هَذَا خَاتِمَة الَّذين أبقيت فِي هَذِه الْمِائَة على مَا شرطت وَلم أذكر فِيهَا إِلَّا من كَانَ بالشعر مَذْكُورا أوعلى فن من فنون الْأَدَب مَقْصُورا وَكَذَلِكَ فِيمَا بعد