المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَقد أمّننا هَذَا عَنْك قَالَ نعم فشكره ودعا لَهُ وأعجب - الحلة السيراء - جـ ٢

[ابن الأبار]

الفصل: وَقد أمّننا هَذَا عَنْك قَالَ نعم فشكره ودعا لَهُ وأعجب

وَقد أمّننا هَذَا عَنْك قَالَ نعم فشكره ودعا لَهُ وأعجب الشيعي مَا رأى من نبله وجزالة مَنْطِقه فَأمر بحفظه وَحفظ من كَانَ مَعَه وَلم يزل فِي صَحبه إِلَى أَن دخل مَعَه إفريقية

‌الْمِائَة الرَّابِعَة

215 -

الْمَنْصُور بن الْقَائِم بن الْمهْدي

هُوَ أَبُو الطَّاهِر إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن عبيد الله الشيعي فوض إِلَيْهِ أَبوهُ عَهده يَوْم الِاثْنَيْنِ لسبع خلون من رَمَضَان سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَهُوَ إِذْ ذَاك ابْن ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة فصلى بِالنَّاسِ فِي عيد الْفطر من هَذِه السّنة وخطب خطْبَة بليغة

ثمَّ توفّي الْقَائِم على إِثْر هَذَا يَوْم الْأَحَد لثلاث عشرَة خلون من شَوَّال فكتم الْمَنْصُور مَوته وابتدأ بِقِتَال أبي يزِيد مخلد بن كيداد اليفرني الإباضي صَاحب الْحمار وَقد استفحل أمره وأعضل شَره حَتَّى عجز عَن مقاومته الْقَائِم فتغلب على أَعمال إفريقية وحصره بالمهدية ثمَّ انْتقل إِلَى سوسة فهزمته بهَا أَوَائِل

ص: 387

جيوش الْمَنْصُور ثمَّ خرج بِنَفسِهِ فِي اتّباعه من المهدية يَوْم الْأَرْبَعَاء لسبع بَقينَ من شَوَّال وَهُوَ فِي قلَّة من عُبَيْدَة وخدمه حَتَّى انْتهى إِلَى سوسة فَنزل بظاهرها وبلغه أَن أهل القيروان لما قصدهم أَبُو يزِيد مفلولاً سبّوه وَمنعُوا أَصْحَابه دُخُول الْبَلَد وَقتلُوا جمَاعَة مِمَّن دخل مِنْهُم فَكتب إِلَيْهِم كتابا يؤمنهم وَلم يعد الْمَنْصُور من وجهته هَذِه حَتَّى أمكنه الله من أبي يزِيد بعد محاصرته بالقلعة الَّتِي لَجأ إِلَيْهَا وَكَانَ يَقُول فِي سَفَره كُله إِن أَنا لم آخذ أَبَا يزِيد وأسلخه فلست بِابْن فَاطِمَة وَلست لكم بِإِمَام

وأظلّ عيد الْأَضْحَى من سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَهُوَ مُحِيط بِأبي يزِيد فِي قلعته فَركب إِلَى الْمصلى فصلى بِالنَّاسِ ثمَّ خطب وعرّفهم فِي خطبَته بِمَوْت أَبِيه الْقَائِم وَنحر بَدَنَة بِيَدِهِ وَانْصَرف إِلَى مضربه وَانْصَرف النَّاس مسرورين بخلافته موقنين بيمن نقيبته وبركة دَعوته وَكتب أهل الْعَسْكَر إِلَى من وَرَاءَهُمْ بالقيروان والمهدية فشملهم السرُور

وَدخلت سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ فَفِي الْمحرم مِنْهَا ظفر الْمَنْصُور بِأبي يزِيد بعد مواقفات لَا يَفِي بهَا الْوَصْف وقيّد إِلَيْهِ مُثقلًا بالجراح فَأمر بِحمْلِهِ إِلَى المضرب وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ لمابه

وَلَيْلَة الْخَمِيس آخر الْمحرم هلك عَدو الله فسلخ وَحشِي جلده بالتبن حَتَّى ظَهرت صورته وَلما فرغ من فعله ذَلِك بِأبي يزِيد وَحَضَرت صَلَاة الظّهْر تقدم

ص: 388

إِلَيْهِ ثمَّ قَالُوا السَّلَام على أَمِير الْمُؤمنِينَ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته صَلَاة الظّهْر رَحِمك الله وَالنَّاس فِي غَفلَة فكبروا وتباشروا وَبعد صَلَاة الْعَصْر من ذَلِك الْيَوْم دخل عَلَيْهِ النَّاس وهنوه بِالْفَتْح فَبسط آمالهم وَوَعدهمْ الْغَنَائِم وَالْأَمْوَال فَأَثْنوا على شجاعته وسماحته دوكا ثمَّ ارتحل يَوْم السبت غرَّة صفر إِلَى المسيلة وَمِنْهَا توجه إِلَى تاهرت فَنزل عَلَيْهَا يَوْم الثُّلَاثَاء لست بَقينَ من صفر من هَذِه السّنة وَأقَام بهَا إِلَى يَوْم الِاثْنَيْنِ غرَّة شهر ربيع الأول وَقد هرب أَمَامه الثائرون ثمَّ كتب إِلَى أهل القيروان فأمّنهم وَوَعدهمْ خيرا وَكَانَ وُصُوله يَوْم الِاثْنَيْنِ غرَّة شهر ربيع الأول إِلَى قصره بالمنصورية وَقد بناه فتاه مدام أثْنَاء غيبته عِنْد صَلَاة الظّهْر من يَوْم الْخَمِيس لليلة بقيت من جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ

وَفِي الْيَوْم الثَّانِي من وُصُوله أَمر بِإِخْرَاج أبي يزِيد على جمل وَقد ألبس قَمِيصًا وَركب وَرَاءه من يمسِكهُ وَعَلِيهِ الطرطور وقردان على كَتفيهِ فطيف بِهِ سماطات القيروان ثَلَاثَة أَيَّام مُتَوَالِيَات ثمَّ أَمر بِحمْلِهِ إِلَى المهدية فطيف هُنَاكَ بِهِ إِلَى أَن مزقته الرِّيَاح

وَلم تطل مُدَّة الْمَنْصُور فَتوفي لَيْلَة الْجُمُعَة آخر شَوَّال سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وثلاثمائة وغسله جَعْفَر بن عَليّ الْحَاجِب الْمَعْرُوف بِابْن الأندلسي وَصلى عَلَيْهِ ابْنه ووليّ عَهده أَبُو تَمِيم معدّ بن إِسْمَاعِيل وَدفن لَيْلًا فِي قصره بالمنصورية وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ

ص: 389

سنة كَامِلَة ومولده برقّادة سنة إِحْدَى وثلاثمائة وَكَانَت ولَايَته سبع سِنِين وَثَمَانِية عشر يَوْمًا

وَفِي كتاب أبي الْحُسَيْن الروحي الإسكندري أَن الْمَنْصُور ولد سنة اثْنَتَيْنِ وثلاثمائة قَالَ وَولى فِي شَوَّال سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سنة وظفر بِأبي يزِيد فِي الْمحرم سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَتُوفِّي يَوْم الْجُمُعَة منسلخ شَوَّال سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وثلاثمائة فَكَانَت ولَايَته سبع سِنِين

وَفِي المقتبس لِابْنِ حيّان أَن النَّاصِر عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد قدم عَلَيْهِ أَيُّوب ابْن أبي يزِيد الْخَارِج على المشارقة آل عبيد الله الشيعي الدعيّ الناجم بِأَرْض إفريقية رَسُولا لوالده أبي يزِيد قفيّ بِهِ رسلًا قبله يسْأَل الْقُوَّة على حَرْب هَؤُلَاءِ الْمُلْحِدِينَ المغوين للْأمة وَذَلِكَ يَوْم السبت لست بَقينَ من ربيع الأول سنة خمس وَثَلَاثِينَ فَقعدَ لَهُ النَّاصِر قعُودا فخماً وأوصله إِلَى نَفسه وَأكْرم لقاءه وَسمع مِنْهُ وأجمل الرَّد عَلَيْهِ وَأمر بإنزاله فِي قصر الرصافة وقدّامه مَا يحتفل بِهِ لأمثاله فَأَقَامَ هُنَاكَ تَحت رعي وكرامة مَوْصُولَة إِلَى أَن ورد عَلَيْهِ مِنْهَا قوم من نَاحيَة إفريقية مَعَهم رَسُول لأبي يزِيد إِلَى وَلَده أَيُّوب يذكر كرّة أبي يزِيد على المسيلة من بِلَاد إِسْمَاعِيل الْمَنْصُور حفيد أبي عبيد الشيعي الْمَذْكُور وَأَنه يتأهب للنّهود نَحوه بالقيروان وَأَنَّهُمْ بَلغهُمْ أَن أَبَا الْقَاسِم مُحَمَّد الْقَائِم بن عبيد الله بعد أَن أوصى إِلَى ابْنه فِي الْإِمَارَة هلك فِي يَوْم الْأَحَد الثَّالِث عشر من شَوَّال من هَذِه السّنة يَعْنِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَولى مَكَانَهُ إِسْمَاعِيل ابْنه الملقب

ص: 390

بالمنصور غير أَنهم كتموا مَوته لما هم عَلَيْهِ من حَال الْحَرْب وَطلب أَبُو زيد إِلَى ابْنه أَن يستصحب مَعَه فرسَان المدد فاستبصر النَّاصِر فِي التَّوَقُّف عَن إمداد أبي يزِيد إِلَى أَن يرى مآل أمره وعلّل ابْنه أَيُّوب وَرُسُله بموعده

216 -

ابْنه الْمعز لدين الله أَبُو تَمِيم معد بن إِسْمَاعِيل ابْن مُحَمَّد بن عبيد الله

ولى بعد أَبِيه وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة وَقيل أَربع وَعشْرين مولده بالمهدية سنة تسع عشرَة وثلاثمائة وَأقَام من يَوْم وَفَاة أَبِيه وإفضاء الْأَمر إِلَيْهِ فِي تَدْبِير الْأُمُور إِلَى يَوْم الْأَحَد سَابِع ذِي الْحجَّة من سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَفِيه قعد للخاصة وَكثير من الْعَامَّة فَسَلمُوا عَلَيْهِ بالخلافة وتسمّى بالمعز لدين الله وَلم يظْهر على أَبِيه حزنا وَبعث إِلَى المهدية فِي عمومته وَأهل بَيته فَوَرَدُوا عَلَيْهِ وَبَايَعُوا لَهُ وحضروا مَعَه عيد الْأَضْحَى وَخرج فصلى بِالنَّاسِ وخطب وَنحر

وَكَانَ من أهل الْبَيَان والبلاغة والخطابة وَله مَعَ أبي الْقَاسِم مُحَمَّد بن هاني الأندلسي زعيم شعرائه وقاصر أمداحه على غلوّ فِيهَا عَلَيْهِ أنباء مَذْكُورَة وَهُوَ أحد مُلُوك بني عبيد الله العظماء

وساعده الْحَال فَملك مصر دون كَبِير مشقة وانتقل إِلَيْهَا من إفريقية فِي آخر دولته فِي شعْبَان سنة 362 وَلم تزل فِي يَده وأيدي بنيه مُتَّصِلَة

ص: 391

بإفريقية ومنقطعة مِنْهَا نيفاً على مِائَتي سنة وَآخرهمْ ملكا بهَا أَبُو مُحَمَّد عبد الله العاضد وَهُوَ ابْن يُوسُف بن عبد الْمجِيد بن مُحَمَّد ابْن عَم معدّ الْمُسْتَنْصر بِاللَّه بن عَليّ الطَّاهِر بن مَنْصُور الْحَاكِم ابْن نزار الْعَزِيز بن معد الْمعز هَذَا

وَلم يتقلد سلطانهم من أول قيام الْمهْدي عبيد الله إِلَى حِين انقراضه من أَبوهُ غير خَليفَة إِلَّا الْحَافِظ والعاضد وَكَانَت وَفَاته يَوْم السبت لِلنِّصْفِ من جُمَادَى الأولى سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة فِي آخر خلَافَة المستنجد بِاللَّه أبي المظفر يُوسُف بن المقتفي بن المستظهر بن الْمُقْتَدِي بن مُحَمَّد بن الْقَائِم بن الْقَادِر أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن إِسْحَاق بن المقتدر بن المعتضد بن الموفّق بن المتَوَكل ابْن المعتصم بن الرشيد بن الْمهْدي بن الْمَنْصُور بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله ابْن الْعَبَّاس رضي الله عنهم

وأغزى الْمعز جوهراً خادمه وكاتبه إِلَى الْمغرب فَفتح عَلَيْهِ ثمَّ أغزاه مصر فافتتحها فِي شعْبَان سنة ثَمَان وَخمسين وثلاثمائة بعد وَفَاة كافور الإحشيدي بِسنة أَو نَحْوهَا

وابتنى لَهُ الْقَاهِرَة فانتقل الْمعز إِلَيْهَا فِي آخر شَوَّال سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَوصل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة لست بَقينَ من شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَاسْتقر

ص: 392

بقصره بِالْقَاهِرَةِ يَوْم الثُّلَاثَاء السَّابِع رَمَضَان وَقيل الْخَامِس مِنْهُ

واستخلف على إفريقية أَبَا الْفتُوح يُوسُف بن زيري بن مُنَاد الصّنهاجي وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ بلقين فوليها بعده وَلَده طائعين للعبيديين ومنتزين عَلَيْهِم إِلَى أَن تغلب الرّوم على المهدية فِي إمرة آخر هَؤُلَاءِ الصّنهاجيين وَهُوَ الْحسن بن عَليّ بن يحيى بن تَمِيم بن الْمعز بن باديس بن الْمَنْصُور بن أبي الْفتُوح الْمَذْكُور وَذَلِكَ فِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة

ودام ملك الْمعز بعد استئثاره بِملك مصر إِلَى أَن توفّي بِالْقَاهِرَةِ يَوْم الْجُمُعَة لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة بقيت من شهر ربيع الأول سنة خمس وَسِتِّينَ وثلاثمائة فَكَانَت خِلَافَته ثَلَاثًا وَعشْرين سنة وَخَمْسَة أشهر وَعشرَة أَيَّام

وَفِي كتاب أبي إِسْحَاق الرَّقِيق أَن خِلَافَته كَانَت أَرْبعا وَعشْرين سنة وَأَن عمره عِنْد وَفَاته بلغ ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين سنة مولده سنة ثَمَان عشرَة وثلاثمائة

بلغت مُقَابلَته من الأَصْل المنتسخ مِنْهُ جهد الِاسْتِطَاعَة

نجز الْكتاب بِحَمْد الله وَحسن عونه وتوفيقه وَالْحَمْد لله حمد الشَّاكِرِينَ وَصلى الله على سيد الْأَوَّلين والآخرين مُحَمَّد وَآله وَسلم فِي الثَّالِث عشر من شعْبَان سنة تسعين وَتِسْعمِائَة على يَدي عبيد الله المقترف الْمُعْتَرف عليّ بن مُحَمَّد الكغّاد الأندلسي لطف الله بِهِ

ص: 393