الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت قال: ما أنا إلاّ واحد من المسلمين" (1).فهذا عليّ نفسه مصرّح بأن أبا بكر أفضل النّاس، وأفاد بعد ما ذكرنا تفضيل أبي بكر وحده على الكلّ، وفي بعض ترتيب الثّلاثة، ولما أجمعوا على تقديم عليّ بعدهم دلَّ على إنّه كان أفضل من بحضرته وكان منهم الزّبير وطلحة فثبت أنّه كان أفضل الخلق بعد الثلاثة.
هذا واعتقاد أهل السّنّة تزكية جميع الصّحابة والثناء عليهم، كما أثنى اللَّه سبحانه وتعالى عليهم إذ قال:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ً} (2)." (3).
فمنهج أهل الحق من المسلمين احترام الصحابة، وتوقيرهم، والترضي عنهم أجمعين، ونترك ما شجر بينهم، فهم خير البشر بعد النبيين.
المبحث الثاني: جهود الصحابة في تدوين السنة:
لم يدخر الصحابة الكرام جهداً في تحمل أمانة الدين وتبليغه، فطوفوا المشارق والمغارب لنشره وتبليغه للناس، باذلين الغالي والنفيس في ذلك، ومن يقرأ التاريخ بإنصاف لا يملك إلا أن يقف لهم بكل احترام وتبجيل، ولا يتنكر لهم إلا جاحد أو حاقد.
ولهم الفضل بعد فضل الله ثم فضل رسوله صلى الله عليه وسلم في إخراجنا من براثن الشرك والوثنية وإدخالنا في هذا الدين العظيم.
ومثلما كان لهم الفضل في الفتوحات الاسلامية، كان لهم الفضل في حفظ السنة النبوية ونشرها بين الناس، ويمكن إيجاز دورهم الكبير في حمل السنة وتبليغها بما يلي:
1 - حفظ الروايات، وأعني به حفظ الصدر وحفظ الكتاب
، إذ تميز كثير من الصحابة بحفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في صدورهم، حتى تفرّغ لها بعضهم -كأصحاب الصفة- فكان جلّ حياته تتبع الروايات وحفظها، وكان من أحفظهم الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:": " ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب " (4).
(1) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (3468).
(2)
سورة آل عمران/ 110.
(3)
ابن الهمام، المسايرة 166 - 168.
(4)
أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (113)، ومسلم، المسند الصحيح 4/ 2298 (3004)، وغيرهما.
وكان بعض الصحابة يتنابون على حضور مجالس النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأخرج الشيخان من حديث عمر صلى الله عليه وسلم أنه قال:"كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره وإذا نزل فعل مثل ذلك ..... "الحديث (1).وهذا يدل على حرصهم على حفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما عن كتابة الحديث وحفظه في الصدور والسطور، فقد كتب بعض الصحابة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد كان لبعض كبار الصحابة صحف دونوا فيها بعض الأحاديث، وما هذا إلاّ من حرصهم عليه، وهو جهد كبير في حماية الحديث من الضياع أو النسيان، إذ كتب أسيد بن حضير الأنصاري رضي الله عنه بعض الأحاديث النبوية، وقضاء أبي بكر وعمر وعثمان، وأرسله إلى مروان بن الحكم (2).
وكتب جابر بن سمرة رضي الله عنه بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث بها إلى عامر بن سعد بن أبي وقاص بناءً على طلبه ذلك منه (3).
وكتب زيد بن أرقم صلى الله عليه وسلم بعض الأحاديث النبوية وأرسل بها إلى أنس بن مالك رضي الله عنه (4).
وكتب زيد بن ثابت في أمر الجَدِّ إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك بناء على طلب عمر نفسه (5).
وجمع سمرة بن جندب ما عنده من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث به إلى ابنه سليمان، وقد أثنى الإمام محمد بن سيرين على هذه الرسالة فقال:"في رسالة سمرة إلى ابنه علمٌ كثير"(6).
ومن ذلك أيضاً حثهم على كتابة الحديث وتقييده، فروى عن عمر بن الخطاب وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، أنهما كانا يقولان:"قيدوا العلم بالكتاب"(7).
وجاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "من يشتري مني علماً بدرهم"(8).
(1) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (89)،ومسلم، المسند الصحيح 2/ 1111 (1479)، وغيرهما.
(2)
ينظر: أحمد، المسند 4/ 226.
(3)
أخرجه أحمد، المسند 5/ 89، ومسلم، المسند الصحيح 3/ 1453 (1822).
(4)
ينظر: أحمد، المسند 4/ 370 - 374، وابن حجر، تهذيب التهذيب 3/ 394.
(5)
الدارقطني، السنن 4/ 93 - 94.
(6)
ابن حجر، تهذيب التهذيب 4/ 236 - 237، وينظر: أبو داود، السنن (456).
(7)
ابن نقطة، تقييد العلم ص: 92،وابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله1/ 72.
(8)
أبو خيثمة، العلم 1/ 38.