المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الضابط الثاني: عرض الرواية على القرآن الكريم - الدراية في بيان ضوابط نقد الرواية عند الصحابة

[عبد القادر المحمدي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌المبحث الأول: مفهوم الصحبة، ودور الصحابة في كتابة السنة النبوية وحفظها

- ‌المطلب الأول: من هو الصّحابيّ

- ‌أولاً: الصّحابيّ لغة:

- ‌ثانياً: الصّحابيّ في اصطلاح المحدثين:

- ‌المطلب الثاني: طرق ثبوت الصحبة

- ‌أولاً: التّواتر

- ‌ثانياً: الشّهرة أو الاستفاضة

- ‌ثالثاً: أن يروى عن آحاد الصّحابة أنّه صحابي

- ‌رابعاً: أنْ يخبر أحد التّابعين بأنّه صحابي

- ‌خامساً: أن يخبر هو عن نفسه بأنّه صحابيٌّ

- ‌المطلب الثالث: فضلهم ومنزلتهم في الكتاب والسنة:

- ‌المطلب الرابع: مراتب الصحابة، وعقيدة أهل السّنّة في تفضيل الصّحابة

- ‌المبحث الثاني: جهود الصحابة في تدوين السنة:

- ‌1 - حفظ الروايات، وأعني به حفظ الصدر وحفظ الكتاب

- ‌2 - تدوينهم الحديث في صحف:

- ‌3 - دقتهم وتحريهم وأمانتهم:

- ‌4 - احتياط الصحابة والتابعين في رواية الحديث:

- ‌المبحث الثالث: ضوابط نقد الرواية عند الصحابة الكرام:

- ‌الضابط الأول: عرض الرواية على النبي صلى الله عليه وسلم حال حياته:

- ‌الضابط الثاني: عرض الرواية على القرآن الكريم

- ‌الضابط الثالث: عرض الرواية على المحفوظ من السنة النبوية (بعد وفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌الضابط الرابع: عرض الرواية على كبار الصحابة

- ‌الضابط الخامس: عرض الرواية على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الضابط السادس: التحري من صاحب القصة التي جاء في الرواية

الفصل: ‌الضابط الثاني: عرض الرواية على القرآن الكريم

إلَاّ الله وأنَّ محمداً رسول الله، صدقاً من قلبه، إلَاّ حرمه الله على النار". قال يا رسول الله: أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: "إذا يتكلوا " وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً" (1).

قال الحافظ:"فكأن قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ أخاف أنْ يتكلوا كان بعد قصة أبي هريرة فكان النهي للمصلحة لا للتحريم فلذلك أخبر به معاذ لعموم الآية بالتبليغ والله أعلم"(2).

وهنا يتضح أنّ خشية التكاسل والاتكال إنما كانت متوقعة من ضعاف الإيمان أو المؤلفة قلوبهم، والدليل أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خصّ بها بعض أصحابه كأبي هريرة، ومعاذ.

قال المهلب:" فيه أنه يجب أن يُخَصَّ بالعلم قوم لما فيهم من الضبط وصحة الفهم، ولا يبذل المعنى اللطيف لمن لا يستأهله من الطلبة ومن يخاف عليه الترخص والاتكال لقصير فهمه، كما فعل صلى الله عليه وسلم "(3).

‌الضابط الثاني: عرض الرواية على القرآن الكريم

.

وهذا الضابط في الأصل استعمله الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم،إذ لو كان النبي صلى الله عليه وسلم حيّاً لردوا اختلافهم إليه.

ومن أمثلة هذا الضابط، وأمثلته كثيرة: ما أخرجه أحمد في مسنده عن قتادة عن أبى حسان الأعرج انّ رجلين دخلا على عائشة فقالا: إنّ أبا هريرة يحدث أنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار". قال: فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض، فقالت: والذي أنزل القرآن على أبي القاسم ما هكذا كان يقول، ولكن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:"كان أهل الجاهلية يقولون الطيرة في المرأة والدار والدابة". ثم قرأت عائشة: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} (4) إلى آخر الآية" (5).

وقد وقع اختلاف واضح بين أهل العلم في هذا الحديث بين مقّرٍ ونافٍ له، والحديث لم ينفرد به أبو هريرة، بل رواه ابن عمر رضي الله عنه (6) وغيره، وليس الموضع موضع دراسته، وأنقل هنا كلام الإمام القرطبي في توجيه

(1) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (128) و (129)،من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(2)

ابن حجر، فتح الباري 1/ 228.

(3)

ابن بطال، شرح صحيح البخاري 1/ 207.

(4)

سورة الحديد /22.

(5)

أخرجه أحمد، المسند 6/ 246.

(6)

أخرجه البخاري، الجامع الصحيح (5438) وغيره.

ص: 17

الحديث، إذ قال:"ولا يظن بمن قال هذا القول: أن الذي رخص فيه من الطيرة بهذه الأشياء الثلاثة هو على نحو ما كانت الجاهلية تعتقد فيها، وتفعل عندها، فإنَّها كانت لا تقدم على ما تطيرت به، ولا تفعله بوجه بناء على أن الطيرة تضر قطعًا، فإنَّ هذا ظن خطأ، وإنما يعني بذلك: أن هذه الثلاثة أكثر ما يتشاءم الناس بها لملازمتهم إياها، فمن وقع في نفسه شيء من ذلك فقد أباح الشرع له أن يتركه، ويستبدل به غيره مما تطيب به نفسه، ويسكن له خاطره، ولم يُلزمه الشرع أن يقيم في موضع يكرهه، أو مع امرأة يكرهها، بل قد فسح له في ترك ذلك كله، لكن مع اعتقاد أن الله تعالى هو الفعَّال لما يريد، وليس لشيء من هذه الأشياء أثر في الوجود"(1).

ومنه ما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي إسحاق، قال: كنت مع الأسود بن يزيد جالساً في المسجد الأعظم، ومعنا الشعبي، فحدث الشعبي بحديث فاطمة بنت قيس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يجعل لها سكنى ولا نفقة، ثم أخذ الأسود كفاً من حصى فحصبه به، فقال: ويلك تحدث بمثل هذا، قال عمر:"لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت، لها السكنى والنفقة، قال الله عز وجل: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} (2) "(3).

فعمر رضي الله عنه عرض خبر فاطمة بنت قيس على القرآن الكريم، فرآه يخالفه، فالقرآن نصّ على السكنى للمطلقة، وفاطمة روت حادثة لها مع النبي صلى الله عليه وسلم معارضة لهذا، فعمر رضي الله عنه ردّ حديثها معللاً ذلك بانها واحدة لعلها نسيت أو اخطأت في نقلها أو فهمها للحديث، وللعلماء في الحديث أقوال فلتنظر في محلها.

ومنه ما أخرجه الطبراني من حديث طارق بن شهاب قال: سألت عبد الله عن امرأة أرادت أن تجعل من حجها عمرة فقال:" ألم تسمع الله يقول: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} (4) ما أرى هؤلاء إلا أشهر الحج "(5).

والحقيقة أنّ هذا المنهج (عرض الرواية على القرآن الكريم) قد علّمه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، فمنه ما أخرجه تمام الرازي في فوائده بسنده عن أم مبشر، قالت: كنت في بيت حفصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا

(1) القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص شرح مسلم 18/ 104.

(2)

سورة الطلاق/1.

(3)

أخرجه مسلم، المسند الجامع 2/ 1118 (1480).

(4)

سورة البقرة/197.

(5)

الطبراني، المعجم الكبير9/ 342 (9703).

ص: 18