المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكتاب السادس في التعادل والتراجيح - الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع - جـ ٤

[أحمد بن إسماعيل الكوراني]

الفصل: ‌الكتاب السادس في التعادل والتراجيح

‌الكتاب السادس في التعادل والتراجيح

ص: 45

الكتاب السادس: في التعادل والتراجيح

قوله: "الكتاب السادس في التعادل، والتراجيح".

أقول: قد سبق منا أن الدليل على المطلوب إنما يستلزمه إذا سلمت مقدماته من القوادح، ولم يعارضه مثله، أو أقوى منه، فلذلك جرت العادة بوضع باب آخر بعد ذكر الأدلة لما يعرف به دفع المعارض (1).

ثم التعارض (2) إنما يتصور في الظنيات؛ لأن القطعيات لو تعارضت

(1) قدم جمهور الأصوليين كالموفق، والآمدي، وابن الحاجب، والغزالي، مبحث الاجتهاد قبل مباحث التعادل، والتراجيح لأنهما من عمل المجتهد فناسب تأخيرهما.

وقدم أكثر الأحناف، والرازي، والبيضاوي، والمصنف، وبعض الحنابلة مباحث التعادل، والتراجيح على مباحث الاحتهاد، لأن لهما صلة وثيقة بالأدلة التي سبق ذكرها، فناسب ذكرهما عقب الأدلة مباشرة.

راجع: اللمع: ص/ 70، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 503، 2/ 3/ 5، والمستصفى: 2/ 350، وروضة الناظر: ص/ 190، 280، والإحكام للآمدي: 3/ 204، 256، 392، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 289، 309، ومجموع الفتاوى 20/ 9، وتيسير التحرير: 3/ 161، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 196.

(2)

التعارض -لغة-: التمانع، ومنه تعارض البينات، لأن كل واحدة تعترض الأخرى، وتمنع نفوذها. =

ص: 47

ثبت مقتضاها، فيلزم جمع النقيضين (1).

وكذا لا تعارض بين ظني، وقطعي لسقوط الظن في مقابلة القطع (2)، فانحصر الترجيح في الظنيين.

= واصطلاحًا: تقابل دليلين على سبيل الممانعة، كما إذا كان أحد الدليلين يدل على الجواز، والدليل الآخر يدل على المنع، فدليل الجواز يمنع التحريم، ودليل التحريم يمنع الجواز، فكل منهما مقابل للآخر، ومعارض له، ومانع له، وجمهور علماء الأصول يستعملون التعادل في معنى التعارض؛ لأنه لا تعارض إلا بعد التعادل، فإذا تعارضت الأدلة، ولم يظهر -مبدئيًا- لأحد مزية على الآخر، فقد حصل التعادل بينهما، أي: التكافؤ، والتساوي. وذهب البعض إلى التفريق بينهما اعتمادًا على الناحية اللغوية.

راجع: معجم مقاييس اللغة: 4/ 247، 272، والمصباح المنير: 2/ 396، 402، والقاموس المحيط: 2/ 334، 4/ 14، والمستصفى: 2/ 395، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 505، وفواتح الرحموت: 2/ 189، وتيسير التحرير: 3/ 136، والمحلي وعليه حاشية البناني: 2/ 357، وإرشاد الفحول: ص/ 173، وأصول الفقه للخضري: ص/ 394، والوسيط: ص/ 612.

(1)

وهما لا يجتمعان، ولا يرتفعان معًا، وترجيح أحدهما على الآخر محال، لأن الترجيح فرع التعارض، ولا تعارض فيهما فلا ترجيح.

راجع: البرهان: 2/ 1143، والفقيه والمتفقه: 1/ 215، والمنخول: ص/ 427، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 420، وكشف الأسرار: 4/ 77، وفتح الغفار: 3/ 52، والمسودة: ص/ 448، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 197، والإحكام للآمدي: 3/ 258.

(2)

راجع: اللمع: ص/ 66، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 602، وشرح العضد: 2/ 310، وكشف الأسرار: 4/ 77، والمحلي على جمع الجوامع: 9/ 352، وإرشاد الفحول: ص/ 275.

ص: 48

والظنيان إما منقولان كالنصين، أو معقولان كقياسين، أو منقول، ومعقول كنص، وقياس.

قال المصنف: لا تعارض في الظنيات أيضًا في نفس الأمر على الصحيح، وإنما قيده بنفس الأمر لأن التعارض بالنظر إلى المجتهد واقع لا يمكن إنكاره (1).

وتحقيق المسألة: أن اليقين لما كان غير مجامع لاحتمال النقيض، فلا يمكن ترجيحه؛ لأنه فرع احتمال النقيض.

قال الغزالي: "لا ترجيح لعلم على علم، فإذا تعارض نصان قاطعان، فلا سبيل إلى الترجيح، بل إن كانا متواترين، فالمتأخر ناسخ إن علم التاريخ، وإلا لا بد وأن يكون أحدهما ناسخًا"(2).

(1) اتفق علماء الأصول على وقوع التعادل بين الظنيين في نفس المجتهد لكنهم اختلفوا في وقوعه بين الأمارتين، أي: الظنيين في الواقع، ونفس الأمر.

فذهب الجمهور إلى جواز التعادل بينهما، واختاره الإمام الرازي، والبزدوي، والآمدي، وابن الحاحب.

وذهب فريق إلى امتناع ذلك، وهذا ما صححه المصنف، واختاره وفصل العز بن عبد السلام فقال بوقوع التعادل بين أسباب الظنون لا في الظنون.

راجع: المستصفى: 2/ 393، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 506، والإحكام للآمدي: 3/ 259، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 310، وكشف الأسرار: 4/ 77، والمسودة: ص/ 448، والمحلي وعليه حاشية البناني: 2/ 359، ومناهج العقول: 3/ 181، وفواتح الرحموت: 2/ 189، وتيسير التحرير: 3/ 136، وهمع الهوامع: ص/ 406، وإرشاد الفحول: ص/ 275.

(2)

راجع: المستصفى: 2/ 393.

ص: 49

وقد علم من كلامه أن المنفي من القطعيات ليس التعارض مطلقًا، بل تعارض يمكن معه الترجيح، لأن النسخ لا يمكن بدون التعارض، فالتعارض المبحوث عنه هو ما يمكن الترجيح معه.

وأما في نفس الأمر بأن يرد من الشارع دليلان من غير نسخ (1)، يوجب أحدهما الوجوب، والآخر الحرمة، هذا غير جائز؛ لأنه يتناقض كلامه (2) وهو منزه عن ذلك.

فإذا تعادل النصان -عند الجمهور- ولا مرجح بوجه.

قيل: بالتخيير بينهما (3).

وقيل: بالتساقط، كما في البينتين، وهو المختار (4)، وإن لم يشر إليه المصنف.

أو الوقف فيهما (5).

والفرق بين الوقف، والتساقط أن في الوقف لم يجب الرجوع إلى الغير، بل ربما يظهر له مرجح بعد، وفي التساقط يجب العدول عنهما، والرجوع إلى الغير.

(1) آخر الورقة (117/ ب من ب).

(2)

آخر الورقة (125/ ب من أ).

(3)

وكذا قال بعض الحنفية، وبعض الشافعية.

(4)

وهو قول لبعض الفقهاء، ويرجع المجتهد إلى البراءة الأصلية.

(5)

قال الموفق: "وبه قال أكثر الحنفية، وأكثر الشافعية".

وأضاف الحنفية إلى أنه لا يكون إلا بعد التحري، والاجتهاد.

ص: 50

والرابع: إن وقع التعادل في الواجبات، فالتخيير إذ لا يمتنع التخيير في الواجبات كخصال الكفارة (1)، وفي غير الواجبات التساقط.

قال بعض الشارحين (2): "قول المصنف: وإن توهم التعادل، أحسن من قول غيره: وإن ظن. لأن الظن للطرف الراجح، ولا يوجد ذلك"(3).

وأقول: عبارة المصنف فاسدة، والصواب ما قاله غيره، لأن وهم التعادل لا يوجب توقف المجتهد (4)، لأن الوهم يكون في الطرف المرجوح، فلا ينافي ظن المجتهد الواجب اتباعه، بل إذا ظن الحكم من أمارة، -وإن

(1) التخيير في كفارة الإيمان ثابت بقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89].

راجع المسألة والاختلاف فيها، ومناقشتها: البرهان: 2/ 1183، والمستصفى: 2/ 393، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 417، وروضة الناظر: ص/ 200، وقواعد الأحكام 2/ 52، وكشف الأسرار: 4/ 76، والمسودة: ص/ 449، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 517، وفواتح الرحموت: 2/ 189، 193، 190، وتيسير التحرير: 3/ 137، والمحلي 2/ 359، وإرشاد الفحول: ص/ 275.

(2)

جاء في هامش (أ، ب): "الزركشي".

(3)

راجع: تشنيف المسامع: ق (133/ ب).

(4)

جاء في هامش (أ): "قلت: ما قاله الشارح وهم، فإن المراد بالتوهم في كلام المصنف الوقوع في الوهم، أى: الذهن لا الوهم المقابل للظن، فمن خلال كلامه في الظن، والراجح، والمرجوح فليحمل على الراجح وهو ظن التعادل، فيوافق التعبير بالظن فاعلمه" محمد الغزي.

ص: 51

كان وهم الصحة في الأمارة الأخرى- يجب عليه الفتوي، والعمل بما ظن صحته، وهذا مما لا يخالف فيه [أحد](1).

قوله: "وإن نقل عن مجتهد قولان".

أقول: إذا نقل قولان عن مجتهد، فإما أن يعلم تاخر أحدهما أو لا، فإن علم ذلك، فالمتأخر مذهبه، وإن لم يعلم التأخر، فإن أشعر أحدهما بالرجحان عنده كما إذا قال: أشبه القولين، أو أقيسهما فذاك مذهبه، وإن لم يوجد شيء من ذلك، فيدل على استواء الاحتمالين (2) عنده، وإنما يقع ذلك؛ لأنه ينظر في الأمارة، فيغلب على ظنه الحكم بمقتضاه، ثم يظفر بدليل آخر ينافي تلك الأمارة، فيكون عنده مرجحًا، فيقول بمقتضاه، ثم يبدو له ما يوجب تعادل الأمارتين فيكون القولان في رتبة واحدة.

قال بعض الشارحين (3): "قوله: في المسألة قولان يحتمل أن يريد احتمالين على سبيل التجويز لوجود أمارتين متساويتين ولا يريد بهما مذهبين لمجتهدين". وهذا سهو لأنا نقطع بأن الشافعي إذا قال: في المسألة قولان لم يرد قول غيره من المجتهدين، كيف، ولم تنقل أقوال الصحابة، وتنقل أقوال غيرهم؟ ! فهما قولان له لكنه توقف لما ذكرنا.

(1) سقط من (ب) والمثبت من (أ).

(2)

راجع: المحلي مع حاشية البناني: 2/ 359، وتشنيف المسامع: ق (133/ ب)، والغيث الهامع: ق (143/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 407.

(3)

هو الإمام الزركشي في تشنيف المسامع: ق (133/ ب).

ص: 52

وقد وقع للشافعي هذا النوع من التردد في ستة عشر، أو سبعة عشر موضعًا (1)، وذلك يدل على نباهة شأنه علمًا ودينًا.

أما علمًا: فلأنه قد أشبع النظر في الدلائل، والأمارات حتى أوجب عليه التوقف، ولو اغتر باول ما يبدو له، وصمم، ومضى على ذلك لم يقع له التوقف.

وأما دينًا: فلأنه لم يبال بإظهار التردد، والتوقف من قدح طاعن في ذلك، ونسبته إلى قصور النظر في استنباط الأحكام، وقد عابه بذلك بعض القاصرين جهلًا منهم بما ذكرنا.

ثم القولان المذكوران، وهما اللذان لا ترجيح فيهما لا صريحًا، ولا إشعارًا، فعن الشيخ أبي حامد ما خالف فيه أبا حنيفة أرجح؛ لأنه لم يخالفه إلا وقد اطلع على مأخذ أقوى من أخذه.

وقال القفال: الموافق أولى (2)؛ لأنه ما وافقه إلا لما ظهر له من قوة مأخذه.

قال المصنف: الأصح الترجيح بالنظر.

(1) قال الشيرازي: "ومنها أن يذكر في وقت واحد قولين، ولا يبين الصواب عنده من الخطأ، بل يقول: إن هذه المسألة تحتمل قولين، فهذا النوع ذكره القاضي أبو حامد المروروذي أنه ليس للشافعي مثل ذلك إلا بضعة عشر موضعًا، أو ستة عشر أو سبعة عشر. . . . " شرح اللمع: 2/ 1079، وانظر: الإبهاج: 3/ 202 - 203.

(2)

راجع: المجموع شرح المهذب: 1/ 68 - 69.

ص: 53

قال بعض الشارحين (1): ما قاله المصنف هو الأولى مما قاله النووي من الترجيح لموافقة أبي حنيفة؛ لأن الكثرة تفيد في النقل لا في الدليل، وقوة الاجتهاد بقوة دليله.

وإن شئت تحقيق المقام بما لا مزيد عليه، فاستمع لمقالتنا: اعلم أن هذا الموضع فيه شبه لا بد من التنبه لها:

الأولى: أن مخالفة أبي حنيفة إنما ذكرت مثالًا، وكذلك شأنه مع مالك، وأحمد.

الثانية: أنه قد توهم بعضهم أن موافقته لأبي حنيفة يقتضى السبق على المخالفة، وليس بلازم؛ لجواز أن تكون المخالفة سابقة ثم يطلع على دليل يوجب موافقته.

الثالثة: أن ما قاله النووي في الترجيح بالموافقة (2) ليس مقصورًا على قولي الشافعي إذا كانا متساويين، بل أعم من ذلك.

ألا ترى أنه قال: الجمع وإن كان أصح القولين عن الشافعي، فعدمه أولى لموافقة قول أبي حنيفة.

الرابعة: أن ما قاله هذا الشارح من الرد عليه بأنه ترجيح في المذهب بالكثرة كالرواية -وفرق بين الرواية، والاجتهاد، إذ الرواية مبناها النقل

(1) المراد الزركشي. راجع: تشنيف المسامع: ق (134/ أ).

(2)

وقد صحح النووي القول بالموافقة على غيره. راجع: المجموع: 1/ 69.

ص: 54

ومبنى الاجتهاد قوة الدليل - غير وارد عليه: لأن مراده أن دليلي المجتهدين متعاضدان في قوة الدلالة بخلاف حالة الانفراد، وهذا كلام في نهاية الحسن، وسيصرح المصنف بأن تعاضد الدليلين من المرجحات.

الخامسة: أن قول المصنف واختياره: الترجيح بالنظر، لا يكاد يصح، لأن الترجيح على ما في شروحه (1) -وهو ظاهر عبارته- إنما هو من الشافعي.

وكذا قوله: وإن وقف، أي: الشافعي، فالوقف، أي: نحن نتوقف، فلا نقول: برجحان شيء منهما، وهذا كلام غير منتظم، لأن وضع المسألة إنما هو في قولين نقلًا عنه من غير ترجيح، فاختلف فيها بأن الموافقة، أو المخالفة هل ترجح أو لا؟ فلا وجه لهذا الكلام.

لا يقال: لعله أراد أن ما رجحه الشافعي هو المرجح، ولا عبرة بالموافقة، والمخالفة.

لأنا نقول: وضع المسألة فيما لا ترجيح منه، وما كان فيه ترجيح قد تقدم أنه المرجح سواء كان ترجيحًا صريحًا، أو إشارة، هذا كله إذا كان للشافعي في المسألة بعينها قول، أو قولان. فإن لم يكن له فيها قول، فإن كان له في نظيرتها قول، والحق الأصحاب المسألة أبي ليس فيها قول بنظيرتها - فذلك يسمى قولًا مخرجًا للشافعي في الأصح.

(1) راجع: الإبهاج: 4/ 203، وتشنيف المسامع: ق (134/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 360.

ص: 55

وقيل: لا ينسب إليه هذا القول لاحتمال ثبوت فرق عنده بين المسألتين لم نقف عليه، والمذهب خلاف ما قاله هذا القائل. وإذا نسب إليه لا ينسب إليه مطلقًا لئلا يلتبس، فيظن أنه نص منه، بل بقيد أنه قوله المخرج (1).

وإذا تعارض نصه في صورتين متشابهتين، فاختار في أحديهما خلاف ما اختاره في الأخرى ينشأ اختلاف الطرق، فمن الأصحاب من يخرج في كل صورة قولًا له على نظيرتها، فيبقى في كل صورة قولان: منصوص، ومخرج.

ومنهم من يبدي فارقًا بين الصورتين، ويقرر كل نص على مقتضاه.

قال بعض الشارحين (2): "وهذا هو منشأ الخلاف في أن القول المخرج هل ينسب إليه؟ " وهذا سهو منه، لأن الخلاف في أن المخرج هل ينسب إليه؟ إنما هو عند القائل بالتخريج، ومن لم يقل بالتخريج لا قول عنده حتى يقال: ينسب أو لا ينسب.

فلا وجه لجعل مخالفته منشأ للخلاف في جواز النسبة، فتأمل.! قوله:"والترجيح".

(1) راجع هذه المسألة، والخلاف فيها وما صححه الإمام النووي المجموع: 1/ 43 - 44.

(2)

جاء في هامش (أ، ب): "الزركشي"، راجع: تشنيف المسامع: ق (134/ ب)، والغيث الهامع: ق (144/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 408.

ص: 56

أقول (1): الترجيح له طرق متكثرة شرع بعد تحرير المبحث بذكرها، فبدأ بتعريف الترجيح (2)، فقال: هو تقوية أحد الطريقين، أي: المتعارضين بما سيذكره مفصلًا.

ثم الجمهور على أن العمل بالراجح واجب معلومًا كان أو مظنونًا، وخالف القاضي أبو بكر، وأبو عبد اللَّه البصرى من المعتزلة (3)، إلا أن القاضي يقول: أنا أقول بالترجيح القطعي كتقديم النص على القياس، وأبو عبد اللَّه يقول: الترجيح الظني لا اعتبار به بل الواجب إما الوقف، أو التخيير، وكلاهما ملزم بالاجماع على أن الظن الغالب يقدم، وإن الظنون تتفاوت.

قوله: "ولا ترجيح".

أقول: قد تقدم أن التعارض القابل للترجيح لا يكون في القطعيات لعدم التفاوت في المعلوم، بل إن تعارض نصان، وعلم التأريخ فالمتأخر ناسخ.

(1) آخر الورقة (126/ ب من أ).

(2)

الترجيح -لغة-: جعل الشئ راجحًا، ويقال: مجازًا لاعتقاد المرجحان، وفي الاصطلاح اختلفت عبارات الأصوليين، والفقهاء في ذلك، وهى بمعنى ما عرفه الشارح تبعًا للمصنف.

راجع: المصباح المنير: 1/ 219، والتعريفات: ص/ 56، وأصول السرخسي: 2/ 249، والبرهان: 2/ 1142، والمنخول: ص/ 426، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 529، وشرح العضد: 2/ 309، وكشف الأسرار: 4/ 77، وفواتح الرحموت: 2/ 204، وفتح الغفار: 3/ 52، وإرشاد الفحول: ص/ 273.

(3)

راجع: الكافية في الجدل: ص/ 443، والعدة: 3/ 1019، والمستصفى: 2/ 394، والإحكام للآمدي: 3/ 257، والمسودة: ص/ 306، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 420، وتيسير التحرير: 2/ 153.

ص: 57

فقول المصنف: لعدم التعارض، يريد به التعارض القابل للترجيح، وإلا فالنسخ لا يمكن بدون التعارض، فإن نقل تأخر القطعي بطريق الآحاد يعمل به، ويجعل ذلك المتأخر ناسخًا للمتقدم، لأن الأصل دوام المتأخر من غير معارض هذا معنى كلامه.

وتعليله ليس بسديد، لأن المخالف يقول، لا نقبل نقل المتأخر آحادًا، لأنه يفضي إلى إسقاط المتواتر بالآحاد.

فالجواب: بأن الناسخ قطعي المتن، غايته أن التأخر ظني، وبذلك لم يصر النص ظنيًا مع إجماع الصحابة ومن بعدهم على الاكتفاء بنقل الآحاد في التأخر.

وأما ذاك التأخر مظنون دوامه ليس له دخل في الجواب ولا منعه أحد.

ثم الأصح عند الشافعي الترجيح بكثرة الأدلة (1): لأنك قد عرفت أن الأدلة المتعارضة أمارات تفيد الظن، ولا ريب أن الظن له مرات (2).

(1) وهو مذهب مالك، وأحمد، قال القرافي:"فالترجيح بكثرة الأدلة كالترجيح بالعدالة لا كالترجيح بالعدد" شرح تنقيح الفصول: ص/ 421، وخالف الحنفية في ذلك، فلا يرجح عندهم بكثرة الأدلة.

راجع: المحصول: 2/ ق/ 2/ 534، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 420، وكشف الأسرار: 4/ 78، 79، وفتح الغفار: 3/ 53، وفواتح الرحموت: 2/ 204، 210، 328، وتيسير التحرير: 3/ 154، 169، وتخريج الفروع على الأصول: ص/ 376، ومختصر الطوفي: ص/ 187، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 361، والوسيط: ص/ 625.

(2)

آخر الورقة (118/ ب من ب).

ص: 58

فما يفيده الدليلان أقوى مما يفيده دليل واحد.

وكذلك يرجح بكثرة الرواة (1) بعلة ما ذكرناه في الأدلة.

والاعتراض بالشهادة (2) ساقط، لأن الأصل في الشهادة أن لا تكون حجة لاحتمال الخطأ، والكذب، وإنما اعتبرت لضرورة دفع الخصومات،

(1) وهذا مذهب الجمهور، واختاره محمد بن الحسن من الحنفية. ومذهب أبي حنيفة، وأبي يوسف، وبعض المعتزلة عدم الترجيح بالكثرة في الرواية، والشهادة، والفتوى.

وقد ذكر عبيد اللَّه بن مسعود، والكمال بن الهمام، والنسفي، وابن نجيم، وابن عبد الشكور وغيرهم أن الحنفية ترجح بالكثرة في بعض المواضع كالترجيح بكثرة الأصول، ولا ترجح بالكثرة في مواضع أخرى كالأدلة.

ومعيار ذلك عندهم أن الكثرة إن أدت إلى حصول هيئة اجتماعية هي وصف واحد قوى الأثر حصلت بالكثرة، كما في حمل الأثقال، بخلاف كثرة جزئيات كما في المصارعة إذ المقام واحد فالكثير لا يغلب القليل هنا بل واحد قوي يغلب الآلاف من الضعاف، فكثرة الأصول من قبيل الأول؛ لأنها دليل قوة الوصف، فهي راجعة إلى القوة فتعتبر، وكثرة الأدلة من قبيل الثاني.

راجع: البرهان: 2/ 1162، 1184، والعدة: 3/ 1019، والمستصفى: 2/ 397، والمنخول: ص/ 430، والمسودة: ص/ 305، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 310، وكشف الأسرار: 4/ 79، وفتح الغفار: 3/ 53، وفواتح الرحموت: 2/ 210، وتيسير التحرير: 3/ 169، ومختصر الطوفي: ص/ 187، ومختصر البعلي: ص/ 169، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 197، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 361، وإرشاد الفحول: ص/ 276.

(2)

حيث قال الأحناف قد أجمعنا على أن الشهادة، والفتوى بكثرة العدد، فإن شهادة شاهدين، وشهادة أربعة فيما يثبت بشاهدين سواء وشهادة عشرة، وشهادة أربعة فيما يثبت بأربعة سواء. =

ص: 59

فلو رجحت بكثرة العدد، فكان لدى التعارض كل من كان عدد شهوده ناقصًا يستمهل القاضي في الإتيان بعدد آخر، فيطول القيل، والقال، ويعود على أصل الشهادة بالنقض، وهو عدم فصل الخصومات.

هذا واضح فيما إذا اختلف العددان كثرة، واستويا في سائر الصفات وأما إذا كانت الصفات المرجحة في العدد القليل أكثر منها في العدد الكثير، فللمحدثين هناك خلاف هل المرجح العدد، أم كثرة الصفات (1)؟

= فكذلك كثرة الرواة كالشهادة لا ترجح بالكثرة، ورد بأنه قياس مع الفارق لأن باب الشهادة مبني على التعبد، وتحديد نصاب الشهادة بالنص، مع تحديد مراتبها.

ومع ذلك فقد ذهب البعض إلى ترجيح الشهادة بكثرة العدد، وحكاه الرازي وغيره عن مالك، ولكن الذي في المدونة خلافه، وأنه لا يقول بذلك، ونصه:"ولا ينظر مالك إلى كثرة العدد إنما العدالة عنده أن يكون هؤلاء وهؤلاء عدولًا، وهم في العدالة عند الناس سواء، وإن بينة أحدهما اثنين، والآخر مئة، فكان هذان في العدالة، وهؤلاء المئة سواء فقد تكافأت البينات فهي للذي في يديه". المدونة: 5/ 188.

وراجع: البرهان: 2/ 1143، 1162، والمستصفى: 2/ 394، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 540، وروضة الناظر: ص/ 208، والعضد على ابن الحاجب: 2/ 310، وكشف الأسرار: 4/ 79، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 420، وتخريج الفروع على الأصول: ص/ 376، ومناهج العقول: 3/ 200، وتيسير التحرير: 3/ 153، ووسائل الإثبات: ص/ 107، 132.

(1)

وقدم ابن برهان الأوثق على الأكثر، واختاره الغزالي في المنخول، وذكر المجد بن تيمية بأنه قياس مذهب الحنابلة.

راجع: المنخول: ص/ 430، والمسودة: ص/ 305، والعدة: 3/ 1023، وإرشاد الفحول: ص/ 276.

ص: 60

وميل إمام الحرمين إلى اعتبار الصفات، ولذلك قال:"لو روى جمع حديثًا، وروى الصديق ما يعارضه كانت الصحابة لا تؤثر على رواية الصديق شيئًا"(1).

قوله: "وأن العمل بالمتعارضين".

أقول: يريد أن المصير إلى الترجيح إنما يكون إذا لم يمكن الجمع ولو بوجه (2).

ولو قدم هذا البحث على المسألة السابقة كان أولى كما لا يخفي، لأن الترجيح بالأدلة وكثرة الرواة إنما يكون إذا تعذر الجمع. مثال ما أمكن الجمع فيه قوله صلى الله عليه وسلم:"أيُّما إهاب دبغ فقد طهر". مع قوله: "لا تنتفعوا بالميتة بإهاب ولا عصب"(3). فيحمل هذا على قبل الدباغ جمعًا بين الدليلين لأنه أولى من إهمال أحدهما.

(1) راجع: البرهان: 2/ 1168.

(2)

اختلف علماء الفقه، والأصول في حكم التعارض إذا تعادلت النصوص فذهب الجمهور إلى الجمع بينهما أولًا، فإن لم يمكن، فالترجيح لأحدهما وإلا سقط الدليلان، وبحث العالم عن دليل آخر.

وذهب الحنفية إلى البدء بالترجيح أولًا بأحد طرق الترجيح فإن لم يمكن، فالجمع بينهما، وإلا تساقط الدليلان المتعارضان.

راجع: المستصفى: 2/ 395، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 506، 542، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 421، وكشف الأسرار: 4/ 76، وفواتح الرحموت: 2/ 189، وتيسير التحرير: 3/ 136، ومناهج العقول: 3/ 190، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 167، وإرشاد الفحول: ص/ 273.

(3)

رواه أبو داود، وابن ماجه عن عبد اللَّه بن عكيم قال: أتانا كتاب النبي صلى الله عليه وسلم: "أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" واللفظ لابن ماجه. =

ص: 61

وإذا أمكن الجمع، وتعارض الكتاب، والسنة.

قيل: يقدم الكتاب لحديث معاذ، فإنه قدم الكتاب فيه.

وقيل: السنة؛ لقوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]

والحق عدم الفرق، واختيار الجمع.

مثاله قوله صلى الله عليه وسلم: "هو البحر الطهور ماؤه الحل ميتته". مع قوله: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} إلى قوله: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: 145]، فإنه يدل على حرمة لحم الخنزير البحري، والحديث الأول يدل على حله، فيحمل الخنزير على البري، لتبادره لدى الإطلاق (1).

فإن تعذر الجمع، فإما أن يتاخر أحدهما عن الآخر، ويعلم التأريخ، فالمتأخر ناسخ، وإن لم يعلم التاريخ رجع إلى غيرهما لتعذر العمل، هذا إذا

= راجع: سنن أبي داود: 2/ 387، وسنن ابن ماجه: 2/ 379 - 380، وعون المعبود: 11/ 184 - 187، فقد تكلم على الحديث وذكر اختلاف العلماء في الجمع بينه، وبين غيره من الأحاديث.

ورواه الترمذي، وقال:"هذا حديث حسن. . . وليس العمل على هذا عند أكثر أهل العلم"، والحديث اضطربوا في إسناده، ولهذا تركه أحمد.

راجع: تحفة الأحوذي: 5/ 402.

(1)

راجع الخلاف في هذه المسألة: البرهان: 2/ 1185، والعدة: 3/ 1041، 1048، والمسودة: ص/ 311، ومجموع الفتاوى: 19/ 201، 202، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 362، وإرشاد الفحول: ص/ 273.

ص: 62

علم تأخر أحدهما (1)، فإن علم تقارنهما، والمفروض تعذر الجمع، فالترجيح، فإن لم يوجد شيء من طرق الترجيح فالتخيير (2)، وإن جهل التأريخ، ولم يعلم السبق، ولا التقارن، والحكمان قابلان للنسخ وجب الرجوع إلى غيرهما لاحتمال كل منهما أن يكون هو المنسوخ، وإن لم يمكن النسخ، فالتخيير كما في التقارن (3).

هذا وفي كلامه نظر من وجهين:

الأول: أن التقارن بين المتنافيين لا يتصور في كلام الشارع؛ لأنه تناقض لا يليق بمنصبه، بل دائمًا أحدهما متأخر إلا أنه ربما يجهل التأريخ.

الثاني: قوله: "إن تعذر الجمع في التقارن، والجهل بالتأريخ"، مما لا وجه له؛ لأنه قد تقدم من كلامه أن المصير إلى الترجيح إنما هو بعد تعذر الجمع، فيصير تقدير كلامه: إن تعذر الجمع، وتقارنا، فالتخيير إن تعذر الجمع.

فالصواب حذفه، هذا اٍ ذا لم يكن أحد النصين أعم من الآخر مطلقًا، أو من وجه، فإن كان كذلك، فقد سبق ذلك في باب التخصيص.

(1) راجع: المحصول: 2/ ق/ 2/ 545، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 421، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 362، وتشنيف المسامع: ق (135/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 411.

(2)

خالف الحنفية في هذا، وقالوا بوجوب التحري، والاجتهاد.

راجع: فواتح الرحموت: 2/ 193، وتيسير التحرير: 3/ 137، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 507، 517، 546، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 453.

(3)

راجع: المحصول: 2/ ق/ 2/ 547، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 362، والغيث الهامع: ق (145/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 411.

ص: 63

قوله: "مسألة يرجح بعلو الإسناد وفقه الراوي".

أقول: ترجيح الخبر يكون بوجوه:

الأول: حال الراوي، فيرجح بكثرة الرواة، وقد تقدم، وبعلو سنده: لقلة الواسطة، فيقل احتمال الخطأ (1) ولذلك ترى أهل الحديث يباهون به.

وبفقه الراوي: سواء كانت الرواية باللفظ، أو بالمعنى؛ لأن الفقاهة صفة توجب المزية:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9].

وكالفقاهة: اللغة، والنحو لأن العالم بهما يتحفظ مواقع الدليل فالاعتماد عليه أقوى.

وبورعه، وحسن ضبطه، وفطنته، وشدة تيقظه إذ كل من هذه الثلاثة يغلب جانب الصدق بلا شبهة (2).

(1) وهو مذهب الجمهور، واختاره محققو الأحناف كالكمال بن الهمام وابن عبد الشكور، ونظام الدين، وغرهم، وخالف فيه فريق آخر منهم.

راجع: أصول السرخسي: 2/ 251، وفواتح الرحموت: 2/ 207، وتيسير التحرير: 3/ 163، والتقييد والإيضاح: ص/ 215 - 222، والباعث الحثيث: ص/ 159 - 164.

(2)

راجع: البرهان: 2/ 1166، والمستصفى: 2/ 395، 396، والمنخول: ص/ 430، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 554، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 422، 423، والمسودة: ص/ 307، 308، وشرح العضد على المختصر: 2/ 310، ومختصر الطوفي: ص/ 188، ومختصر البعلي: ص/ 169، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 198، وإرشاد الفحول: ص/ 277.

ص: 64

وإن شئت تحقيق ذلك قابل رواية مالك، والشافعي بمن عاصرهما تجد بونا بعيدًا (1).

وإن كان الراوي المرجوح الذي ليس فيه تلك الصفات قد روى باللفظ، وصاحب تلك الصفات بالمعنى، وبيقظته، فيرجح على غيره وهي قريبة من الفطنة، وحسن الاعتقاد، فإنه يقوى جانب الصدق، وشهرة عدالته، ومن عرف عدالته بالاختبار قدم على من عدل بالتزكية إذ ليس الخبر كالعيان، وبكثرة المزكين؛ لأنه يصير كالمشهور بالعدالة.

وتقدم رواية معروف [النسب](2) على مجهوله (3).

وقيل: مشهوره يقدم على غيره إذ الشهرة فيه كالشهرة في العدالة، واختاره ابن الحاجب، والبيضاوي (4)، ولم يرضه المصنف. والحق: ما قاله المصنف: لأن النسب ليس من أوصاف تعتبر بالذات في الراوي.

(1) راجع: الباعث الحثيث: ص/ 22 - 24.

(2)

سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

(3)

راجع: ذكر ما تقدم: المحصول: 2/ ق/ 2/ 558 - 561، والإحكام للآمدي: 3/ 259 - 261، والمختصر مع شرح العضد: 2/ 310 - 311، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 423، ونهاية السول: 4/ 488، وتيسير التحرير: 3/ 165 - 166، ومختصر البعلي: ص/ 169 - 170، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 363، وإرشاد الفحول: ص/ 277.

(4)

راجع: المختصر لابن الحاجب: 2/ 310، ونهاية السول: 4/ 489.

ص: 65

وكونه معروف النسب كاف (1) في دفع رذالته. ويقدم من زكى صريحًا على من عرفت تزكيته بالحكم على وفق شهادته، وقدم البيضاوي العمل بالرواية على التعديل صريحًا (2)، ومن نقل لفظ المروي على من نقله في الجملة أعم من اللفظ، والمعنى لمزيد الاعتناء من الأول، ومن ذكر السبب على من لم يذكره لزيادة علمه بالواقعة (3)، ومن يروي من حفظه على الذي يروي عن كتابه لأنه عدل لا يكذب (4).

[وقوله](5) على النبي شيئًا ما قاله نسيانًا، بعيد، والكتاب يمكن الزيادة فيه بخط يشابهه، وكذا سقط ما يقال (6):"إذا كان الكتاب محفوظًا بخط ضابط هو أوثق من الحفظ"، وإنما سقط ذلك لأن حفظ الكتاب على وجه لا يطلع عليه إلا هو، وضبطه بخط لا يمكن أن يشابه قليل جدًا.

(1) آخر الورقة (127/ ب من أ).

(2)

راجع: نهاية السول: 4/ 486.

(3)

راجع: الإحكام لابن حزم: 1/ 170، والمستصفى: 2/ 396، 397، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 423، والمسودة: ص/ 306، ومختصر الطوفي: ص/ 188، والمدخل إلى مذهب أحمد ص/ 198، وإرشاد الفحول: ص/ 277.

(4)

راجع: المحصول: 2/ ق/ 2/ 560، والأحكام للآمدي: 3/ 260 - 261، وشرح العضد على المختصر 2/ 310 - 311، ومختصر البعلي: ص/ 169، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 362، وفواتح الرحموت: 2/ 207، وتيسير التحرير: 3/ 163، وهمع الهوامع: ص/ 413 - 414.

(5)

سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

(6)

جاء في هامش (أ، ب): "الزركشي". راجع: تشنيف المسامع: ق (136/ أ).

ص: 66

ويقدم بظهور طريق الرواية كالسماع على الإجازة، والسماع من غير حجاب على السماع حجابًا كما قدمت رواية القاسم (1) بن محمد على رواية الأسود (2) عن عائشة رضي الله عنها في أن زوج (3)

(1) هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، أبو محمد التابعي الجليل أحد فقهاء المدينة السبعة روى عن الصحابة، قال ابن سعد: كان ثقة عالمًا فقيهًا، إمامًا كثير الحديث، وقال عنه الإمام مالك: القاسم من فقهاء الأمة، وكان كثير الورع، والنسك، والمواظبة على الفقه والأدب، صموتًا لا يتكلم إلا قليلًا. روى له أصحاب الكتب الستة، مات بقديد بين مكة، والمدينة سنة (102 هـ) وقيل غير ذلك.

راجع: المعارف: ص/ 175، 588، وحلية الأولياء: 2/ 183، ومشاهير علماء الأمصار: ص/ 63، وطبقات الفقهاء للشيرازي: ص/ 59، ووفيات الأعيان: 2/ 224، وتذكرة الحفاظ: 1/ 96، والخلاصة: 2/ 346، ونكت الهميان: ص/ 230.

(2)

هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي أبو عمرو، وقيل: أبو عبد الرحمن فقيه مخضرم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم مسلمًا، ولم يره روى عن عمر، وابن مسعود، وعائشة، وأبي موسي، وغيرهم من كبار الصحابة كان عابدًا تقيًا، زاهدًا، وهو من فقهاء الكوفة، وأعيانهم، وروى له أصحاب الكتب الستة، وتوفى سنة (75 هـ).

راجع: الإصابة: 1/ 108، وأسد الغابة: 1/ 107، ومشاهير علماء الأمصار ص/ 100، وتذكرة الحفاظ: 1/ 50، وغاية النهاية: 1/ 171، وشذرات الذهب: 1/ 62.

(3)

زوج بريرة هو مغيث مولى أبي أحمد بن جحش، قال النووي: "والصحيح المشهور أن مغيثًا كان عبدًا حال عتق بريرة، ثبت ذلك في الصحيح عن عائشة، وقيل: كان حرًا، وجاء ذلك في رواية لمسلم.

وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدًا يقال له مغيث كأني انظر إليه يطوف خلفها يبكي، ودموعه تسيل على لحيته، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: =

ص: 67

بريرة كان عبدًا: لأن القاسم محرم لها بخلاف الأسود فلا يخاطبها كفاحًا (1).

وبكونه من أكابر الصحابة، رُوي أن مذهب علي رضي الله عنه كان تحليف الراوي سوى الصديق رضي الله عنهما.

والمراد بالكبر علو المنزلة علمًا، وفقهًا.

ولذلك يعد ابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم من أكابر الصحابة (2)

= "ألا تعجبون من حب مغيث بريرة، ومن بغض بريرة مغيثًا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو راجعتيه؟ قالت: يا رسول اللَّه تأمرني؟ قال: إنما أنا أشفع قالت: لا حاجة لي فيه".

راجع: الإصابة: 6/ 130، وأسد الغابة: 5/ 243، تهذيب الأسماء واللغات: 2/ 109، 304.

(1)

راجع روايتي القاسم بن محمد، والأسود بن يزيد عن عائشة: صحيح البخاري: 3/ 182، وصحيح مسلم: بشرح النووي: 10/ 144، 146، ومسند أحمد: 6/ 42، 46، 269، وسنن أبي داود: 1/ 517 - 518، وتحفة الأحوذي: 4/ 317، وسنن النسائي: 7/ 300، وسنن ابن ماجه: 1/ 639 - 640، وسنن الدارمي: 2/ 169، وسنن الدارقطني: 3/ 290، ولفظ الحديثين:

عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة "أن بريرة خيرها النبي صلى الله عليه وسلم، وكان زوجها عبدًا"، وفي رواية قالت:"كان زوجها عبدًا فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها، ولو كان حرًا لم يخيرها". وعن الأسود عن عائشة: "أن زوج بريرة كان حرًا حين اعتقت، وأنها خيرت فقالت: ما أحب أن أكون معه وأن لي كذا، وكذا". انظر المراجع التي سبق ذكرها قبل.

(2)

وقد قال بتقديم رواية الخلفاء الأربعة، وأكابر الصحابة جمهور العلماء منهم الحنفية خلافًا للإمامين أبي حنيفة، وأبي يوسف، وعند الحنابلة روايتان، والراجحة التقديم. =

ص: 68

ولذلك قدموا رواية عائشة في صحة صوم الجنب على رواية أبي هريرة (1).

وبكونه ذكرًا، فإنه مقدم على المرأة خلافًا للأستاذ (2) أبي إسحاق. والحق ما قاله الأستاذ (3)، لأن المعتبر في هذا الباب العدالة، والفقه، ولا ريب أن فقه عائشة يفوق كثيرًا من الصحابة.

وقيل: يختلف باختلاف الأحكام، ففي أحكام النساء تقدم النساء وفي أحكام الرجال يقدم الرجال، وبكونه حرًا لشرف الحر (4)،

= راجع: العدة: 3/ 1026، والمسودة: ص/ 307، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 561، والإحكام للآمدي: 3/ 260، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 423، ومختصر الطوفي: ص/ 188، ومختصر البعلي: ص/ 169، وشرح العضد: 2/ 311، وفواتح الرحموت: 2/ 207، وتيسر التحرير: 3/ 163.

(1)

روى البخاري، ومسلم أن أبا هريرة كان يقول:"من أدركه الفجر جنبًا فلا يصم"، وقالت عائشة، وأم سلمة:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنبًا من غير حلم ثم يصوم" فبلغ ذلك أبا هريرة فرحع عن فتواه، وقال: هما أعلم، ثم قال: سمعت ذلك من الفضل، ولم أسمع من النبي صلى الله عليه وسلم.

راجع: صحيح البخاري: 3/ 36 - 37، وصحيح مسلم: 3/ 137.

(2)

المراد به أبو إسحاق الإسفراييني إذ هو المقصود بالأستاذ عند الإطلاق.

(3)

وهو الذي رجحه الزركشي، والعراقي، والأشموني، وغيرهم.

راجع: تشنيف المسامع: ق (136/ أ)، والغيث الهامع:(146/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 413، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 364، وفواتح الرحموت: 2/ 208 - 209.

(4)

وهذا ضعيف كالأول انظر المراجع السابقة.

ص: 69

وبكونه متأخر الإسلام، فيقدم خبره على متقدم الإسلام (1)، وقيل: بالعكس (2).

مثال الأول: تقديم تشهد ابن عباس (3) على تشهد ابن مسعود (4).

(1) ورجح هذا الأكثر؛ لأنه يحفظ آخر الأمرين من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

(2)

ورجحه الصفي الهندي، وابن الحاجب، وغيرهما.

وذهب المجد بن تيمية إلى أنهما سواء، ونقله عن القاضي أبي يعلى، واختاره الطوفي لأن كلًا منهما اختص بصفة الأصالة في الإسلام، ورواية آخر الأمرين.

راجع: الإحكام للآمدي: 3/ 260، والمسودة: ص/ 311، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 310، والفقيه والمتفقه: 2/ 47، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 364، ومختصر الطوفي: ص/ 188، ومختصر البعلي: ص/ 169، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 198، وتيسير التحرير: 3/ 164، وإرشاد الفحول: ص/ 277.

(3)

روى مسلم، وغيره عن ابن عباس أنه قال:"كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد، كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يقول: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات للَّه السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدًا رسول اللَّه".

راجع: صحيح مسلم: 2/ 14.

(4)

روى البخاري، ومسلم وغيرهما عن عبد اللَّه بن مسعود قال:"كنا نقول في الصلاة خلف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم السلام على اللَّه، السلام على فلان"، فقال -لنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذات يوم-:"إن اللَّه هو السلام، فإذا قعد أحدكم في الصلاة، فليقل: التحيات للَّه، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته، السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين -فإذا قالها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض- أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدًا عبده، ورسوله، ثم يتخير من المسألة ما شاء".

راجع: صحيح البخاري: 1/ 200 - 201، وصحييح مسلم: 2/ 13 - 14.

ص: 70

ووجه العكس: أن المتقدم قد دامت صحبته إلى آخر الوقت.

والجواب: أن قول المتأخر نص لا يحتمل المتقدم بخلاف المتقدم إذ ربما سمعه سابقًا.

وتقدم رواية المتحمل بعد البلوغ لاعتنائه بالضبط، واحترازه من الكذب (1).

وبكونه غير مدلس، وهذا الكلام في تدليس لا يسقط الرواية (2) وبكونه منفردًا باسم على المشهور باسمين، فإنه ربما شاركه في أحدهما ضعيف (3)، وبكونه مباشرًا للواقعة، ولهذا قدم الشافعي رواية أبي رافع (4)

(1) وللخروج من الخلاف، فيكون الظن به أقوى.

راجع: الأحكام للآمدي: 3/ 261، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 562، وشرح العضد: 2/ 311، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 364، وفواتح الرحموت: 2/ 208، وتيسير التحرير: 3/ 164، ومختصر البعلي: ص/ 170.

(2)

يعني حيث قبلت روايته، وإلا فليس من باب الترجيح، وقد تقدم المقبول منه.

راجع: تشنيف المسامع: ق (136/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 364، والغيث الهامع: ق (146/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 413.

(3)

فيتطرق إليه الخلل بذلك. راجع: الإحكام للآمدي: 3/ 261، وهمع الهوامع: ص/ 413.

(4)

اسمه أسلم، وقيل: إبراهيم، وقيل غير ذلك، كان مولى للعباس بن عبد المطلب فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم، فأعتقه عليه الصلاة والسلام لما بشره بإسلام العباس، وأسلم أبو رافع قبل بدر، ولم يشهدها، ثم شهد أحدًا، والخندق، والمشاهد بعدها، وشهد فتح مصر، =

ص: 71

في نكاح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ميمونة، وهو حلال، وبنى بها وهو حلال (1).

وقال: كنت رسولًا بينهما.

وقد روى ابن عباس أنه تزوجها، وهو محرم (2).

= وزوجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مولاته سلمى فولدت له عبيد اللَّه، وروى عنه أولاده، وغيرهم وتوفي أبو رافع بالمدينة قبل قتل عثمان، وقيل: بعده في أول خلافة الإمام علي رضي الله عنهم جميعًا.

راجع: الإصابة 7/ 65، وأسد الغابة: 1/ 52، 93، 6/ 106، وتهذيب الأسماء واللغات: 2/ 230، ومشاهير علماء الأمصار: ص 29.

(1)

أخرجه مالك، وأحمد، والترمذي، وابن حبان والدارمي عن أبي رافع مرفوعًا، ورواه أحمد عن ميمونة.

راجع: مسند أحمد: 6/ 323، 393، والمنتقى شرح الموطأ: 2/ 238، وتحفة الأحوذي: 3/ 580، وسنن الدارمي: 2/ 38، وموارد الظمآن: ص/ 310، ونصب الراية: 3/ 172.

(2)

رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي، والشافعي، والطحاوي عن ابن عباس مرفوعًا.

راجع: صحيح البخاري: 3/ 18، وصحيح مسلم: بشرح النووي: 9/ 196، وجامع الترمذي مع تحفة الأحوذي: 3/ 581، وسنن النسائي: 5/ 191 - 192، وسنن ابن ماجه: 1/ 606، وسنن الدارمي: 2/ 37، وبدائع المنن: 2/ 19، وشرح معاني الآثار: 2/ 292.

ص: 72

وبكونه صاحب الواقعة كما روت ميمونة: تزوجني رسول اللَّه ونحن حلال (1)، فقدم على رواية ابن عباس (2)، وعن سعيد بن المسيب (3) أن ابن عباس وهم في تلك القضية (4).

(1) رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وأحمد، وابن ماجه، والدارمي عن ميمونة بنت الحارث أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال وبنى بها حلالًا.

راجع: صحيح مسلم: 9/ 196، 197، بشرح النووي ومسند أحمد: 6/ 332، وسنن أبي داود: 1/ 427، وتحفة الأحوذي: 3/ 583، وسنن ابن ماجه: 1/ 606، وسنن الدارمي: 2/ 38.

(2)

وقدم الأحناف رواية ابن عباس لأنه أضبط، وأتقن من أبي رافع، راجع: فواتح الرحموت: 2/ 201، تيسير التحرير: 3/ 145، 167.

(3)

هو سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي، أبو محمد القرشي المدني سيد التابعين الإمام الجليل فقيه الفقهاء، قال الإمام أحمد:"سيد التابعين سعيد بن المسيب"، وقال يحيى ابن سعيد:"كان أحفظ الناس لأحكام عمر، وأقضيته"، وقد جمع الحديث، والتفسير، والفقه، والورع، والعبادة، والزهد، وتوفي سنة 93 هـ، وقيل: 94 هـ.

راجع: طبقات الفقهاء للشيرازى: ص/ 57، ومشاهر علماء الأمصار: ص/ 63، وحلية الأولياء: 2/ 161، ووفيات الأعيان: 2/ 117، وطبقات الحفاظ: ص/ 25، والخلاصة: ص/ 143، وشذرات الذهب: 1/ 102.

(4)

مذهب الجمهور الترجيح بكون أحد الراويين صاحب القصة، وذكر البعض أن الجرجاني الحنفي خالف في ذلك الجمهور وعلل بأنه قد يكون غير الملابس أعرف بحال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

راجع: العدة: 3/ 1024، الإحكام لابن حزم: 1/ 170، والمستصفى: 2/ 396 - 397، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 556، والمسودة: ص/ 306، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 423، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 310، وفواتح الرحموت: 2/ 208، 209، وإرشاد الفحول: ص/ 277.

ص: 73

وبكونه يروي بلفظه، والآخر بمعناه (1).

وبكون الراوي الأصل لم يكذب الفرع، فإنه يقدم على رواية من كذبه شيخه (2)، وكون الحديث في الصحيحين، فإنه يقدم على ما ليس فيهما، لأن الأمة قد تلقتهما بالقبول (3).

قوله: "والقول".

أقول: هذا شروع في الترجيح نظرًا إلى المتن ويقع ذلك بأمور أيضًا:

(1) راجع: مختصر الطوفي: ص/ 188، والإحكام لابن حزم: 1/ 173، وتيسير التحرير: 3/ 166، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 365.

(2)

راجع: مختصر ابن الحاحب: 2/ 312، وإرشاد الفحول: ص/ 278، والوسيط ص/ 631.

(3)

راجع: المسودة: ص/ 310، ومجموع الفتاوي: 18/ 74، 20/ 320، ومقدمة ابن الصلاح: ص/ 14، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 199، وقد قال ابن الصلاح، والأستاذ أبو إسحاق الاسفراييني، وشيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية، إن ما فيهما مقطوع بصحته.

وخالف النووي في ذلك قائلًا: "ولا يلزم من اتفاق الأمة على العمل بهما إجماعهم على أن ما فيهما مقطوع بصحته"، وأيده الكمال بن الهمام، وابن عبد الشكور.

راجع: شرح صحيح مسلم: 1/ 20، وفواتح الرحموت: 2/ 209، وتيسير التحرير: 3/ 166، والمراجع التي سبقت.

ص: 74

فيقدم قوله صلى الله عليه وسلم على ما فعله (1): لأن دلالة القول أقوى من دلالة الفعل، ولاحتمال كون الفعل من خواصه.

ويقدم فعله على تقريره، لأن دلالة التقرير مختلف فيه، ولاحتمال عدم اطلاعه على حقيقة الحال (2).

وبفصاحته (3) إذ لا يصدر منه إلا الفصيح.

(1) وذهب ابن حزم الظاهري إلى أنهما سواء. وقيل: الفعل مقدم على القول.

راجع: الإحكام لابن حزم: 1/ 171، 432، والمعتمد: 1/ 359، والإحكام للآمدي: 3/ 264، وفواتح الرحموت: 2/ 202، وتيسير التحرير: 3/ 148، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 365، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 199، وإرشاد الفحول: ص/ 279.

(2)

راجع: تشنيف المسامع: ق (136/ ب)، والغيث الهامع: ق (146/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 415.

(3)

يعني يرجح متن فصيح على متن لم يستكمل شروط الفصاحة، والفصاحة -لغة-: الإبانة، والظهور.

واصطلاحًا: سلامة المفرد من تنافر الحروف، والغرابة، ومخالفة القياس، وفي المركب: سلامته من ضعف التأليف، وتنافر الكلمات، والتعقيد مع فصاحتها.

راجع: جواهر البلاغة: ص/ 2107، والتعريفات: ص/ 167، وانظر: المحصول: 2/ ق/ 2/ 572، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 424، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 266، ونهاية السول: 4/ 496 - 497.

ص: 75

لا يقال: فيجب أن يكون ما يروى بلفظ غير فصيح مردودًا، لأنا نقول: ربما رواه بلفظ نفسه، فيكون نقلًا بالمعنى.

وقيل: الأفصح يقدم على الفصيح (1)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان أفصح الناس، والحق عدم التقديم بذلك، لأن كونه أفصح الناس لا يستلزم المداومة على الأفصح؛ لأنه كان يخاطب العرب بقدر لغاتهم، وأفهامهم.

وبكونه يروي زيادة لا يرويه الآخر، كتقديم رواية التكبير في العيد سبعًا (2) على رواية الأربع (3).

(1) وأيد الشوكاني اختيار الأفصح على الفصيح.

راجع: إرشاد الفحول: ص/ 278.

(2)

روي عن عائشة، وعبد اللَّه بن عمر، وعبد اللَّه بن عمرو، وكثير بن عبد اللَّه عن أبيه عن جده، وعن غيرهم، فحديث عائشة رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر، والأضحى في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمسًا وفي إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف، وقال الترمذي:"حديث جد كثير حديث حسن، وهو أحسن شيء روى في هذا الباب".

راجع: سنن أبي داود: 1/ 262، وتحفة الأحوذي: 3/ 80 - 81، وسنن الدارقطني: 2/ 46 - 49، فقد ذكر الروايات كلها، وسنن ابن ماجه: 1/ 387 - 388.

(3)

لأثر مكحول أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى الأشعري، وحذيفة بن اليمان: كيف كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكبر في الأضحى، والفطر؟

فقال أبو موسى: "كان يكبر أربعًا، تكبيره على الجنائز، فقال: حذيفة: صدق".

راجع: سنن أبي داود: 1/ 263.

ص: 76

وبكونه لغة قريش، وبكونه لغة أهل الحجاز على لغة غيرهم (1). وبكونه رواية المدني على رواية الكى لتأخره، والمراد بالمدنيات ما وقعت بعد الهجرة سواء كانت بالمدينة أو بغيرها حتى ولو بمكة لحديث:"إن أموالكم وأعراضكم" وإن كان بالمسجد الحرام (2).

وبكونه مشعرًا بعلو شأنه، فإنه يقدم على غيره، لأن ظهور أمره، وعلو شأنه كان متأخرًا، فيظن تأخره بخلاف غير المشعر فإنه خال عن هذا الظن (3).

وبكونه مذكورًا، مع علته كقوله:"من بدل دينه فاقتلوه" مع قوله: "لا تقتلوا النساء، والصبيان".

فيحمل الثاني على الحربيات: لأن ذكر العلة يدل على الاهتمام. وبكون علته متقدمة في الذكر على المتأخرة؛ لأنه دال على ارتباط الحكم بها، هذا ما قاله الإمام في المحصول (4).

(1) راجع: المحلي على جمع الجوامع: 2/ 265 - 266، وتشنيف المسامع: ق (137/ أ)، والغيث الهامع: ق (146/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 415.

(2)

راجع: المحصول: 2/ ق/ 2/ 567 - 568، ونهاية السول: 4/ 494، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 366.

(3)

لكن الإمام ذكر التراجيح الراجعة إلى حال ورود الخبر ومنها ما ذكره الشارح تبعًا للمصنف ثم قال الإمام في نهاية ذكرها: "واعلم: أن هذه الوجوه -في الترجيحات- ضعيفة، وهي لا تفيد إلا خيالًا ضعيفًا في الرجحان" المحصول: 2/ ق/ 2/ 571.

(4)

راجع: المحصول: 2/ ق/ 2/ 575 - 576.

ص: 77

وعكسه النقشواني (1) بأن العلة إذا كانت متأخرة بعد ذكرها لا التفات للنفس إلى غيرها، بخلاف المتقدمة، فإنها إن لم تكن شديدة المناسبة ربما يتردد الذهن بعد الحكم (2).

وبكونه مشتملًا على التهديد نحو: "من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم"(3).

(1) لم أعثر له على ترجمة في كتب التراجم، وقد ذكره شمس الدين الأصفهاني في كتابه (الكاشف عن المحصول) والذي قمت بتحقيق القسم الأول منه في مرحلة الماجستير بأن له مولفًا سماه (التلخيص) اختصر به المحصول حيث قال:"وممن تكلم على هذا الكتاب -يعني المحصول: - الفاضل نجم الدين النخجواني من مولف له يسمى بالتلخيص" وهو الآن يحقق في الجامعة الإسلامية.

ولكن ابن العبري قال: "من حكماء هذا الزمان -يعني القرن السابع الهجري، - نجم الدين النخجواني كان ذا يد قوية في الفضائل، وعارضة عريضة في علوم الأوائل تفلسف ببلاده، وسار في الآفاف، وطوف، ودخل الروم، وولي المناصب الجار، ثم كره كدر الولاية، ونصبها، فارتحل إلى الشام، وأقام بحلب منقطعًا في دار اتخذها لسكناه لا يمشي إلى مخلوق ولكن يمشى إليه إلى أن مات. . . " مختصر الدول له: ص/ 272.

(2)

راجع: التلخيص للنخجواني ورقة: (132/ ب - 133/ أ).

(3)

روى أبو داود، وابن ماجه عن صلة بن زفر قال:"كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه، فأتى بشاة فتنحى بعض القوم فقال عمار: من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم".

راجع: سنن أبي داود: 1/ 545، وسنن ابن ماجه: 1/ 504 - 505، ومستدرك الحاكم: 1/ 424، ورواه البخاري تعليقًا في صحيحه: 3/ 33.

ص: 78

وبكونه مشتملًا على التأكيد نحو: "أيما امرأة نكحت بغير ولي فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل". فيقدم على حديث مسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها"، إذ المؤكد يدل على كونه مهتمًا به (1).

وبكونه عامًا مطلقًا على الوارد لسبب، فإن بعض العلماء ذهب إلى أن الوارد لسبب خاص به، وهذا فيما عدا صورة السبب، وأما في السبب، فلا، لأنا إن قلنا: إنه يختص به فظاهر، لأن الخاص مقدم على العام، وإن قلنا: بعمومه، وهو المختار لأن دلالته على ما ورد فيه أقوى، ولذلك لم يجز التخصيص بالنسبة إليه كما تقدم (2).

وبكونه عامًا شرطيًا كمن، وما، وأي، على النكرة المنفية لاشتماله على التعليل، مع العموم (3).

وقيل: بالعكس لقوة دلالة (4) المنفية على العموم.

(1) راجع: الإحكام للآمدي: 3/ 268، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 313 - 314، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 367، وإرشاد الفحول: ص/ 278.

(2)

راجع: البرهان: 2/ 1194، والعدة: 3/ 1035، والعضد على ابن الحاجب: 2/ 316، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 551، 572، ونهاية السول: 4/ 493، وفواتح الرحموت: 2/ 204، وتيسير التحرير: 3/ 159، وإرشاد الفحول: ص/ 278، وتشنيف المسامع: ق (137/ ب)، والغيث الهامع: ق (147/ أ).

(3)

راجع: المحلي على جمع الجوامع: 2/ 367، وفواتح الرحموت: 2/ 205، وهمع الهوامع: ص/ 416، والغيث الهامع: ق (147/ أ)، وإرشاد الفحول: ص 279.

(4)

آخر الورقة (119/ ب من ب).

ص: 79

والأول: مختار ابن الحاجب (1) أيضًا.

وسوى إمام الحرمين بينهما (2). وتقدم النكرة المنفية على باقي صيغ العموم مما يدل بالقرينة، كالجمع المحلَّى، والمضاف، لا بد من هذا القيد للاتفاق على أن لفظ "كل" مقدم عليها (3).

ويقدم الجمع المحلَّى على من، وما غير شرطيتين، ولا بد من هذا القيد، وإلا تناقض كلامه، وتقدم هذه المذكورة على اسم الجنس المعرف باللام والإضافة لاحتمال العهد (4).

وما لم يخص من العام يقدم على ما خص لقوته (5) واختار المصنف عكسه، وهو المختار، لأن المشهور أنه ما من عام إلا وخص منه البعض، وإذا خص تطمئن النفس إليه أكثر (6).

(1) راجع: مختصر ابن الحاجب: 2/ 314.

(2)

راجع: البرهان: 2/ 1200 - 1201.

(3)

راجع: المحلي على جمع الجوامع: 2/ 367، وتشنيف المسامع: ق (137/ ب)، وإرشاد الفحول: ص/ 279.

(4)

راجع: المختصر لابن الحاجب: 2/ 314، وتيسير التحرير: 3/ 158، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 367، وإرشاد الفحول: ص/ 279.

(5)

آخر الورقة (128/ ب من أ).

(6)

نقل الجويني ترجيح العام الذي لم يخصص على العام الذي خصص عن المحققين، وجزم به سليم الرازي، وهو قول جمهور العلماء، ورجح الهندي ترحيح العام الذي خصص العام الذي لم يخصص، واختاره المصنف.

راجع: العدة: 3/ 1035، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 575، والبرهان: 2/ 1198، وفواتح الرحموت: 2/ 204، وإرشاد الفحول: ص/ 278.

ص: 80

والأقل تخصيصًا أولى لأن كثرة التخصيص تضعفه (1).

وتقدم دلالة الاقتضاء على دلالة الإشارة، والإيماء، لأنها مقصودة للمتكلم دون الإشارة، ولتوقف صدق المتكلم، أو حجة الملفوظ به، فيه بخلاف الإيماء.

والإشارة، والإيماء يقدمان على المفهومين، أما على الموافقة، فلأن دلالة الإشارة، والإيماء في محل النطق والمنطوق مرجح، وأما على المخالفة، فلكونها مختلفًا فيها (2).

والموافقة تقدم على المخالفة، لكونها متفقًا عليها (3).

وقيل: بالعكس (4): لأن المخالفة تفيد تأسيسًا (5)، والموافقة تأكيدًا، والتأسيس مقدم.

(1) راجع: المحلي على جمع الجوامع: 2/ 367، وهمع الهوامع: ص/ 417.

(2)

راجع: العضد على ابن الحاجب 2/ 314، والإحكام للآمدي: 3/ 269، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 368، وفواتح الرحموت: 2/ 205.

(3)

في دلالتها على المسكوت، وإن اختلف في جهته هل هو بالمفهوم، أو بالقياس أو مجاز بالقرينة أو منقول عرفي؟

راجع: المحلي على جمع الجوامع: 2/ 368، تيسير التحرير: 3/ 156، وشرح الكوكب المنير: 4/ 671، وإرشاد الفحول: ص/ 279.

(4)

قال الآمدى: "وقد يمكن ترجيح مفهوم المخالفة عليه من وجهين:

الأول: أن فائدة مفهوم المخالفة التأسيس، وفائدة مفهوم الموافقة التأكيد، والتأسيس أصل، والتأكيد فرع، فكان مفهوم المخالفة أولى. . . . ". الإحكام: 3/ 268 - 269.

(5)

التأسيس: عبارة عن إفادة معنى آخر لم يكن حاصلًا قبله، فالتأسيس خير من التأكيد -الذي هو تكرار اللفظ الأول- لأن حمل الكلام على الإفادة خير من حمله على الإعادة. راجع: التعريفات: ص/ 50.

ص: 81

والحق: أن هذا كلام فاسد: لأن كلا المفهومين من قبيل التأسيس.

قوله: "والناقل عن الأصل".

أقول: هذا شروع في الترجيح باعتبار مدلول الخبر، فيقدم الخبر الناقل عن البراءة الأصلية على المقرر لها لاشتماله على الزيادة، وهو إثبات حكم لا يمكن إدراكه إلا بالشرع (1).

مثاله: حديث "من مس ذكره فليتوضأ" يقدم على حديث: "هل هو إلا بضعة منك"(2)؟

(1) وبهذا قال جمهور العلماء، وقال القاضي الباقلاني، وأبو بكر السمناني هما سواء، وذهب أبو إسحاق الشيرازي، وأبو الحسن بن القصار المالكي، والرازي والبيضاوي إلى ترجيح المقرر لا اعتضاده بدليل الأصل، وذهب البعض إلى التفصيل في المسألة.

راجع: التبصرة: ص/ 483، واللمع: ص/ 67، والبرهان: 2/ 1289، والعدة: 3/ 1033، والمنخول: ص/ 448، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 579، والمسودة: ص/ 314، 384، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 425، ومختصر الطوفي: ص/ 189، ومختصر البعلي: ص/ 171، ونهاية السول: 4/ 501، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 99، وإرشاد الفحول: ص/ 279.

(2)

هذا الحديث رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارقطني، وابن حبان، والبيهقي، والطحاوي عن طلق بن علي مرفوعًا، واختلف العلماء في سنده.

راجع: مسند أحمد: 4/ 22، 23، وسنن أبي داود: 1/ 41، وتحفة الأحوذي 1/ 274، وسنن النسائي: 1/ 101، وسنن ابن ماجه: 1/ 177، وسنن الدارقطني: 1/ 149، والسنن الكبرى للبيهقي: 1/ 134، وشرح معاني الآثار: 1/ 75، وموارد الظمآن: ص/ 77، ونصب الراية: 1/ 60، وتلخيص الحبير: 1/ 125، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ: ص/ 41، والفقيه والمتفقه: 2/ 47.

ص: 82

ويقدم المثبت على النافي (1) لزيادة العلم.

وقيل: النافي يقدم للبراءة الأصلية.

وقيل: سيان لرجحان كل من وجه.

وقيل: يقدم النافي إلا في العتاق، والطلاق، لأن الأصل عدمهما.

وقيل: مثبت العتاق، والطلاق يقدم.

وقيل: لا تعارض بين الفعلين ليحتاج إلى الترجيح، فيحمل على وقوع كل واحد في حالة (2).

ويقدم النهى على الأمر لأن دفع المفاسد يقدم على جلب المصالح (3)

(1) كدخوله صلى الله عليه وسلم البيت، قال بلال:"صلى فيه"، وقال أسامة، وابن عباس:"لم يصل"، فأخذ بقول بلال، وتسن الصلاة في البيت.

راجع: صحيح مسلم وعليه النووي: 9/ 86، وسنن أبي داود: 1/ 466 - 467، ومسند أحمد: 5/ 204، 207، وسنن الدارمي: 2/ 53، والسنن الكبرى للبيهقي: 2/ 320، 326، وموارد الظمآن: ص/ 252، وفتح الباري: 1/ 420، ونصب الراية: 2/ 320.

(2)

راجع الأقوال في المسألة، وأصحابها: البرهان: 2/ 1200، والمستصفى: 2/ 368، والمنخول: ص/ 434، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 583، والعضد على ابن الحاجب: 2/ 315، وفواتح الرحموت: 2/ 200، 206، وتيسير التحرير: 3/ 144، 161، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 368، وإرشاد الفحول: ص/ 279.

(3)

راجع: الإحكام للآمدي: 3/ 265 - 266، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 312، ومختصر البعلي: ص/ 170، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 368.

ص: 83

ويقدم الأمر على الإباحة لأن الأصل في كلام الشارع التكليف إما فعلًا، أو تركًا، والمباح لا تكليف فيه (1).

والخبر المشتمل على التكليف يقدم على الأمر، والنهي، لأن معنى الطلب فيه أبلغ كما علم في موضعه (2).

ويقدم خبر الحظر على خبر الإباحة احتياطًا (3).

وقيل: بالعكس لأن الأصل نفي الحرج (4).

(1) وذهب الآمدي، والصفى الهندي إلى ترجيح المبيح على الآمر لاتحاد مدلوله، ولعدم تعطيله، وإمكان تأويل الأمر.

راجع: الإحكام للآمدي: 3/ 265 - 266، وحاشية التفتازاني على ابن الحاجب: 2/ 312، وتشنيف المسامع: ق (138/ أ)، والغيث الهامع: ق (147/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 417.

(2)

راجع: الإحكام للآمدي: 3/ 266، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 368.

(3)

وهذا هو مذهب الأكثر، واختاره الكرخي، والرازي، والآمدي.

راجع: العدة: 3/ 1041، والكافية في الجدل: ص/ 442، والمنهاج في ترتيب الحجاج: ص/ 234، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 587، والإحكام للآمدي: 3/ 273، ومجموع الفتاوى 20/ 262، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 418، وفواتح الرحموت: 2/ 206، والأشباه والنظائر لابن نجيم: ص/ 106، والمسودة: ص/ 312.

(4)

حكى هذا القول ابن الحاجب، ونسبه في فواتح الرحموت: إلى محيي الدين ابن عربي.

راجع: العضد على ابن الحاجب: 2/ 315، وفواتح الرحموت: 2/ 206، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 396.

ص: 84

وقيل: سيان لترجيح كل واحد من وجه (1).

ويقدم ما يقتضى الوجوب على مقتضى الندب احتياطًا، وكذا تقدم الكراهة عليه لدفع اللوم (2)، ويقدم الندب على الإباحة لاشتماله على التكليف المورث للثواب.

وقيل: بالعكس لموافقته الإباحة الأصلية (3).

ويقدم الخبر النافي للحد على المثبت (4): لأن الحدود تدرأ بالشبهات، ولأن فيه يسرًا، وعدم الحرج.

(1) وعلى ذلك يسقطان، وهو قول عيسى بن أبان الحنفي، وأبي هاشم المعتزلي، وبعض الشافعية كالغزالي، والشيرازي، وبعض المالكية.

راجع: المستصفى: 2/ 398، والمنهاج للباجي: ص/ 234، والمسودة: ص/ 312، ومختصر البعلي: ص/ 170، ونزهة الخاطر: 2/ 463، وفواتح الرحموت: 2/ 206، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 369.

(2)

راجع: المسودة: ص/ 384، وتيسير التحرير: 3/ 159، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 369.

(3)

راجع: تشنيف المسامع: ق (138/ ب)، والغيث الهامع: ق (147/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 417.

(4)

واختاره الآمدي، والبيضاوي، وابن الحاجب، وغيرهم، وهو مذهب الجمهور.

راجع: اللمع: ص/ 67، والتبصرة: ص/ 485، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 590، والمسودة: ص/ 312، والإحكام للآمدي: 3/ 276، ونهاية السول: 4/ 506، وفواتح الرحموت: 2/ 206، وإرشاد الفحول: ص/ 279، 283.

ص: 85

وقيل: بالعكس: لأن المثبت له زيادة علم (1).

ويقدم ما يعقل معناه على غيره: لأنه أدعى إلى الانقياد وأفيد (2). ويقدم ما يدل على الوضعي على ما يدل على الحكم التكليفي، لأن الوضعي لا يتوقف على الفهم، والتمكن من الفعل.

وقيل: عكسه، لأن الأحكام التكليفية أكثر، ولأنها مناط الثواب والعقاب (3).

قوله: "والموافق دليلًا آخر".

أقول: هذا شروع في ترجيح الخبر بالأمور الخارجية فيقدم الخبر لموافقته دليلًا آخر (4).

(1) واختاره القاضي عبد الجبار، وأبو يعلى، والغزالي، وابن قدامة، وهناك مذهب ثالث بترجيح إثبات الحد.

راجع: العدة: 3/ 1044، والتبصرة: ص/ 485، والمستصفى: 2/ 398، والروضة: ص/ 210، والمسودة: ص/ 311، والعضد على ابن الحاجب: 2/ 315، وتيسير التحرير: 3/ 161.

(2)

راجع: الإحكام للآمدي: 3/ 275، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 316، والبرهان: 2/ 1195، وفواتح الرحموت: 2/ 206، وتيسير التحرير: 3/ 162.

(3)

وقيل: هما سواء.

راجع الخلاف: مختصر ابن الحاجب: 2/ 315، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 370، وإرشاد الفحول: ص/ 279، والوسيط: ص/ 637، وقد رجح الآمدي، والمصنف، والشوكاني تقديم الحكم الوضعي على الحكم التكليفي.

(4)

راجع: البرهان: 2/ 1178، وأصول السرخسي: 2/ 250، والمستصفى: 2/ 396، والمنخول: ص/ 431، وفتح الغفار: 3/ 52، والمسودة: ص/ 311، ومختصر البعلي: =

ص: 86

وليس هذا -مع قوله يقدم بكثرة الأدلة- تكرارًا (1)، لأن ذلك في الحكم، وهذا في نفس الخبر، وإنما قدم بالموافقة لاعتضاده به.

وكذا يقدم ما وافق مرسلًا، أو قول صحابي.

أو أهل المدينة، أو الأكثر لقوة الظن بهذه الأشياء، وإن لم يكن حجة (2).

وقيل: لا يقدم لعدم الحجية، وليس كذلك إذ ليس يلزم من عدم الاستقلال عدم التقوية.

وقيل: إن كان الصحابي الموافق له مزية يرجح به، وإلا فلا، كزيد (3)

= ص/ 171، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 199، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 316، وإرشاد الفحول: ص/ 279.

(1)

جاء في هامش (أ، ب): "رد على المحلي".

وراجع: المحلي على جمع الجوامع: 2/ 370.

(2)

راجع: المنخول: ص/ 431، والمستصفى: 2/ 396، والإحكام للآمدي: 3/ 277، والمسودة: ص/ 313، ومجموع الفتاوى: 19/ 269، والمختصر وشرح العضد عليه: 2/ 316، وفواتح الرحموت: 2/ 206، والمختصر للبعلي: ص/ 171، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 370، وإرشاد الفحول: ص/ 280، وتشنيف المسامع: ق (138/ ب - 139/ أ)، والغيث الهامع: ق (148/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 419.

(3)

هو الصحابى زيد بن ثابت بن الضحاك أبو سعيد الأنصاري النجاري المدني الفرضي كاتب الوحي، والمصحف، أسلم قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة، واستصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وشهد أحدًا، وقيل: لم يشهدها، وشهد الخندق وما بعدها مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، =

ص: 87

في الفرائض لقوله [صلى الله عليه وسلم](1): "أفرضكم زيد"(2)، وقيل: إن كان الموافق أحد الشيخين أبو بكر، وعمر، فإنه يقدم به مطلقًا.

وقيل: يقدم بأحدهما إذا لم يخالفه معاذ في الحلال والحرام، وزيد في الفرائض، وعلى في القضاء لقوله صلى الله عليه وسلم:"أفرضكم زيد، وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ، وأقضاكم علي".

= وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم يوم تبوك راية بني النجار، وقال: القرآن مقدم، كان أكثر أخذًا للقرآن، كتب الوحى للرسول صلى الله عليه وسلم، وكتب له المراسلات إلى الناس، ثم كتب لأبي بكر وعمر في خلافتهما، وهو أحد الثلاثة الذين جمعوا المصحف، وكان عمر، وعثمان يستخلفانه إذا حجا، وكان أعلم الصحابة بالفرائض، ومناقبه كثيرة جدًا، توفى بالمدينة سنة (54 هـ) وقيل غير ذلك.

راجع: الإصابة: 1/ 516، والاستيعاب: 1/ 551، وتهذيب الأسماء واللغات: 1/ 200، والخلاصة: ص/ 127، وتذكرة الحفاظ: 1/ 30.

(1)

سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(2)

روى الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه عن أنس بن مالك، وقتادة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين اللَّه عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم علي بن أبي طالب، وأقرؤهم لكتاب اللَّه أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، ألا وإن لكل أمة أمينًا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح"، قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث قتادة إلا من هذا الوجه.

راجع: مسند أحمد: 3/ 184، 281، وسنن ابن ماجه: 1/ 68، وتخفة الأحوذي: 10/ 293 - 294.

ص: 88

قال الشافعي: يرجح موافق زيد في الفرائض إن كان له قول فيها، فإن لم يوجد لزيد قول، فيرجح بقول معاذ إن كان له قول، فإن لم يوجد له قول، فالموافق لعلي (1).

قوله: "والإجماع على النص".

أقول: هذه المسائل في ترجيح الإجماع على النص، وترجيح بعض الإجماعات على بعض.

فيقدم الإجاع على الكتاب، والسنة لكونه قطعيًا (2)، ولأمنه من النسخ، والتأويل، والتخصيص.

وإذا تعارض إجماعان قدم الأسبق، فالأسبق، فيقدم إجماع الصحابة على التابعين، والتابعين على تابعيهم الأقرب إلى زمنه صلى الله عليه وسلم، فالأقرب.

(1) راجع: المحلي على جمع الجوامع: 2/ 370، وهمع الهوامع: ص/ 419، والغيث الهامع: ق (148/ أ).

(2)

معصومًا من الخطأ، للأدلة الدالة على ذلك، وقد تقدم ذكرها.

راجع: البرهان: 2/ 1169، والفقيه والمتفقه: 1/ 219، والمستصفى: 2/ 392، واللمع: ص/ 70، والإحكام للآمدي: 3/ 271، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 312، 314، ومجموع الفتاوى: 19/ 201، 267، 22/ 368، وفواتح الرحموت: 2/ 191، وتيسير التحرير: 3/ 161، ومختصر البعلي: ص/ 186، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 196، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 372.

ص: 89

ويقدم إجماع وافق فيه العوام على غيره، لأن بعضهم اعتبر موافقة العوام (1)، وإن لم يقبل به المصنف هناك، ولا مؤاخذة عليه، لأن العوام، وإن لم يعتبروا في أصل الإجماع، ولكن ليس كل شيء لا يعتبر أصالة لا يعتبر تبعًا كما قدمنا (2).

ويقدم الإجماع المنقرض عصره على غيره للاتفاق على حجيته بخلاف الثاني.

وكذا يقدم إجماع لم يسبق بخلاف على المسبوق به للخلاف فيه كما تقدم، وقيل: بالعكس، وقيل: هما سواء (3).

ويجب أن يحمل تعارض الإجماعين على ما إذا كانا ظنيين، وأما إذا كانا قطعيين، فقدم علم سابقًا أن لا تعارض بين القطعيات (4). قال بعضهم (5): من قال: بأنه لا تعارض بين الإجماعين، إذا كانا قطعيين، قوله ممنوع، فإن التعارض في نفس الأمر مستحيل سواء كانا ظنيين، أم قطعيين، وبحسب الظن ممكن في القطعي وغيره (6).

(1) جاء في هامش (أ، ب): "رد على الزركشي، والمحلي".

(2)

قد تقدم عند الكلام على الإجماع.

(3)

راجع: الإحكام للآمدي: 3/ 271، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 372، وتشنيف المسامع: ق (139/ أ)، والغيث الهامع: ق (148/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 420.

(4)

راجع: المحصول: 2/ ق/ 2/ 602 - 603.

(5)

جاء في هامش (أ، ب): "الزركشي".

(6)

راجع: تشنيف المسامع: ق (139/ أ).

ص: 90

وهذا كلام باطل، لأنا قد قدمنا أن التعارض المنفي بين القطعيات هو التعارض الذي يمكن معه الترجيح، وذلك يتصور في الظن؛ لأنه يقبل الزيادة.

وأما العلم اليقيني، فلا يتصور معه ذلك لعدم تفاوت مراتب العلم، به صرح الغزالي في المستصفى (1).

وقد قدمنا نحن تحقيق المسألة في قول المصنف: لا تعارض بين القطعي والظني.

وإذا تعارض متواتر أن أحدهما من الكتاب، والآخر من السنة، فلا ترجيح (2) لعدم إمكانه كما تقدم، بل أحدهما ناسخ قطعًا، وإلا لزم التناقض في كلام الشارع.

وقيل: يقدم الكتاب لأنه أشرف.

وقيل: السنة لقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وأما إذا اتفقا كالآيتين، أو السنتين، فهما سيّان بلا خلاف (3).

(1) راجع: المستصفى: 2/ 393.

(2)

وهذا ما صححه إمام الحرمين الجويني في البرهان: 2/ 1185.

وراجع الخلاف: المنخول: ص/ 466، والمستصفى: 2/ 392، ومختصر الطوفي: ص/ 186، وفواتح الرحموت: 2/ 191، والرد على من أخلد إلى الأرض: ص/ 162، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 196، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 373، وتيسير التحرير: 3/ 162.

(3)

راجع المصادر السابقة.

ص: 91

قوله: "ويرجح القياس".

أقول: هذا باب ترجيح الأقيسة بعضها على بعض فيقدم القياس بقوة دليل حكم أصله بأن يكون قطعيًا، وذلك الآخر ظنيًا (1). أو منطوقًا، ودليل الآخر مفهومًا.

ويقدم القياس بكونه (2) على سنن القياس. أي: يكون فرعه من جنسه.

مثاله: أرش ما دون الموضحة (3) ملحق بالوضحة، فتتحمله العاقلة، وهذا القياس أولى من قياس الحنفية ذلك على غرامات الأموال فلا تتحمله العاقلة.

(1) كقولهم في لعان الأخرس: إن ما صح من الناطق صح من الأخرس كاليمين، فإنه أرجح من قياسهم على شهادته، تعليلًا بأنه يفتقر إلى لفظ الشهادة، لأن اليمين تصح من الأخرس بالإجماع، والإجماع قطعي، وأما جواز شهادته ففيه خلاف بين الفقهاء، فالجمهور منعوها، والمالكية أجازوها.

راجع: المغني لابن قدامة: 9/ 190، ووسائل الإثبات: ص/ 130، وتشنيف المسامع: ق (139/ ب)، الغيث الهامع:(148/ ب).

(2)

آخر الورقة (129/ ب من أ).

(3)

الموضحة: من وضح يضح من باب وعد، وضوحًا: انكشف، وانجلى، واتضح كذلك، ويتعدى بالألف، فيقال: أوضحته، وأوضحت الشجة بالرأس: كشفت العظم وأظهرته، والموضحة هي إحدى جروح الرأس والوجه العشر، ولا قصاص في شيء من الشجاج إلا في الموضحة إن كانت عمدًا وفيها خمس من الإبل.

راجع: مختار الصحاح: ص/ 726، والمصباح المنير: 2/ 662، وشرح فتح القدير: 10/ 284 - 286، والمدونة 9/ 306، ومغني المحتاج: 4/ 26، والعدة شرح العمدة: ص/ 535 - 536.

ص: 92

وإنما قدم لأن الجنس بالجنس أشبه، وشبه الشيء منجذب إليه (1). وإنما احتاج المصنف إلى تفسيره؛ لأنه قد تقدم أن شرط القياس أن يكون أصله على سنن القياس، فنبه على أن معنى سنن القياس هنا غير الذي سبق.

قوله: "والقطع بالعلة".

أقول: ما ذكره كان ترجيحًا للقياس بالنظر إلى دليل حكم الأصل، وهذا بالنظر إلى علته، فيقدم ما كانت علته قطعية على ما كانت علته ظنية، وإذا كانت ظنية في القياسين فما كانت عليته أغلب على الظن يقدم.

وتقدم ما كان مسلكها أقوى على الأضعف كالإجماع والنص (2) على الآحاد، والظواهر.

(1) راجع: المنخول: ص/ 442، والمستصفى: 2/ 399، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 617، والإحكام للآمدي: 3/ 281، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 317، وتيسير التحرير: 4/ 90، ومختصر الطوفي: ص/ 189، ومختصر البعلي: ص/ 172، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 372، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 200، وإرشاد الفحول: ص/ 282، والوسيط: ص/ 640.

(2)

اختلف في تقدىم ما ثبتت علته بالإجماع على ما ثبتت بالنص فالبعض قدم الثابتة بالإجماع على الثابتة بالنص، وقال آخرون بالعكس، وسيأتي ذكر الشارح لذلك بعد قليل.

راجع: البرهان: 2/ 1285، والإحكام للآمدي: 3/ 283 - 284، ونهاية السول: 4/ 513، 514، 518، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 617 - 618، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 317، ومختصر الطوفي: ص/ 189، ومختصر البعلي: ص/ 171، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 375، تيسير التحرير: 4/ 87، وإرشاد الفحول: ص/ 282.

ص: 93

وتقدم ذات أصلين، أو أصول على ذات أصل واحد.

مثاله: تعليل الشافعي وجوب الضمان بيد المستام، فقال: علته أنه أخذه لحظ نفسه، وشهد له يد الغاضب ويد المستعير من الغاضب.

وقال أبو حنيفة: إنما يضمن، لأنه أخذه للتملك، ولا شاهد له في هذا.

وقيل: لا ترجح به (1)، وهذا القائل يمنع الترجيح بكثرة الأدلة كما سبق.

وقيل: إن كانت ذاتية تقدم لأنها إلزام بخلاف الحكمية.

وقيل: بالعكس، لأن الحكم بالحكم أشبه، كما إذا جعل العلة الحرمة، أو النجاسة، لأن رد الحكم إلى الحكم أولى، صرح به في المستصفى (2). وتقدم بكونها أقل أوصافًا لأنها أسلم.

وقيل: بالعكس (3)، لأن كثرة الأوصاف يوجب كثرة الشبه بالأصل. وتقدم بكونها تقتضي احتياطًا في الفرض، وإنما قيده بالفرض إذ

(1) راجع: المسودة: ص/ 379، 381، ومختصر الطوفي: ص/ 190، ومختصر البعلي: ص/ 172، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 373، وهمع الهوامع: ص/ 422، وفواتح الرحموت: 2/ 324، وتيسير التحرير: 4/ 87، وأصول السرخسي: 2/ 275.

(2)

راجع: المستصفى: 2/ 401، وتشنيف المسامع: ق (140/ أ)، والغيث الهامع: ق (149/ أ).

(3)

وقالت الحنفية: هما سواء. =

ص: 94

لا احتياط في الندب (1)، وتقدم بعمومها في الأصل، كما إذا علل الربا في البر بالطعم، فإنه يجري في قليله وكثيره بخلاف ما إذا علل بالكيل، فإنه يختص بما يكال.

وتقدم -بالاتفاق- على تعليل أصلها؛ لأن المتفق عليه أقوى وبكثرة الأصول الموافقة لها، لشهادة تلك الأصول لها بالصحة (2).

وتقدم بموافقة علة أخرى إن جوز التعليل بعلتين.

وقيل: لا تقدم، وإن جوزنا ذلك إذ لا اعتبار بكثرة الأدلة، وهذا فاسد لما تقدم (3).

وما ثبت عليته بالإجماع يقدم على غيره، فإن لم يوجد الإجماع، فالنص، سواء كان الإجماع والنص قطعيين، أو ظنيين، فإن الإجماع مقدم، فإن لم يوجد النص (4)، فالإيماء مقدم على سائر الطرق، فإن لم يوجد،

= راجع: التبصرة: ص/ 489، واللمع: ص/ 67، وأصول السرخسي: 2/ 265، والجدل لابن عقيل: ص/ 24، والمستصفى: 2/ 402، وكشف الأسرار: 4/ 102، 103، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 426، والبرهان: 2/ 1286، والمسودة: ص/ 378، 379، 381، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 374، وإرشاد الفحول: ص/ 281.

(1)

راجع: تشنيف المسامع: ق (140/ أ)، والغيث الهامع: ق (149/ أ).

(2)

راجع: الإحكام للآمدي: 3/ 286، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 426، وكشف الأسرار: 4/ 102، وفتح الغفار: 3/ 57، وفواتح الرحموت: 2/ 329.

(3)

راجع: المحلي وحاشية البناني عليه: 2/ 375، وهمع الهوامع: ص/ 422.

(4)

تقدم ذكر الخلاف في تقديم العلة الثابتة بالإجماع على الثابتة بالنص: ص/ 93.

ص: 95

فالسبر مقدم على المناسبة لإفادته ظن العلية، مع إلغاء المعارض بخلاف المناسبة إذ لم يلغ فيها المعارض (1).

فإن لم يوجد السير، فالمناسبة، لأن الشبه أعلاه أدنى من أدنى المناسب، فإن لم يوجد، فالشبه يقدم على الدوران (2).

وقيل: النص يقدم على الإجماع، لأنه أصله.

وقيل: الدوران يقدم على المناسبة، لأنه يفيد الاطراد، والانعكاس بخلاف المناسبة (3).

(1) ذكر العلامة شيخ الإِسلام الشوكاني قولًا آخر بترجيح العلة الثابتة بالمناسبة على العلة الثابتة بالسبر، ورجح هذا القول، ثم ذكر قولًا بالتفصيل بأن يقدم السبر المقطوع به، ثم المناسبة، ثم السبر المظنون. انظر: إرشاد الفحول: ص/ 282.

وراجع: المحصول: 2/ ق/ 2/ 610، والإحكام للآمدي: 3/ 284، والمختصر والعضد عليه: 2/ 317، وتيسير التحرير: 4/ 88، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 375.

(2)

راجع: البرهان: 2/ 1259، 1264، المحصول: 2/ ق/ 2/ 607، 611، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 427، وفواتح الرحموت: 2/ 325، وتيسير التحرير: 4/ 88 ومختصر الطوفي: ص/ 190، ومختصر البعلي: ص/ 172.

(3)

قال الشوكاني: "تقدم العلة الثابتة عليتها بالدوران على الثابتة عليتها بالسبر، وما بعده، وقيل: بالعكس" إرشاد الفحول: ص/ 282.

وراجع: ابن الحاجب والعضد عليه: 2/ 317، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 200 - 201، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 375.

ص: 96

ويقدم قياس المعنى على الدلالة لما تقدم من أن قياس المعنى مشتمل على العلة، وقياس الدلالة على لازمها (1).

ويقدم غير المركب على المركب، وإنما قال: إن قيل به، لأنه رجح في مباحث حكم الأصل أن مركب الأصل، والوصف لا يقبلان. وعكس الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، وإنما قال به ورجحه لقوته باتفاق الخصمين على حكم الأصل فيه (2).

ويقدم الوصف الحقيقي (3)، لقوته، وعدم توقفه على شيء، ثم إن لم يوجد، يقدم العرفي، لأنه متفق عليه، ثم إن لم يوجد، فالشرعي، لكونه مختلفًا فيه، وإن عبر هناك بالحكم الشرعي، لأنه لا تنافي بين كونه حكمًا شرعيًا، وبين كونه وصفًا لحكم آخر شرعي.

ويقدم الوصف الوجودي على العدمي، كتعليل ربوية السفرجل بالطعم، فإنه وجودي، لا بكونه غير موزون، أو غير مكيل.

والبسيط من العدمي مقدم على مركبه للخلاف فيه، ولا منافاة بين كون الوصف عدميًا، وكونه حقيقيًا، لأن المراد من العدمي هو العدم المضاف كما سبق.

(1) راجع: تشنيف المسامع: ق (140/ ب)، والغيث الهامع: ق (149/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 423.

(2)

راجع: المحلي على جمع الجوامع: 2/ 376، وتشنيف المسامع: ق (140/ ب)، والغيث الهامع: ق (149/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 423.

(3)

راجع: المحصول: 2/ ق/ 2/ 495، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 426، والعضد على ابن الحاجب: 2/ 317، وإرشاد الفحول: ص/ 281.

ص: 97

وتقدم الباعثة على مجرد الأمارة لاشتمالها على الحكمة، وعدم الاختلاف في قبولها (1).

وتقدم المطردة المنعكسة على التي لا تنعكس، لأن الأولى أقوى (2) وكذا تقدم المطردة فقط على المنعكسة فقط، لأن اعتبار الاطراد متفق عليه بخلاف الانعكاس.

وفي المتعدية، والقاصرة خلاف.

قيل: المتعدية تقدم، لأنها مجمع على قبولها (3).

وقيل: القاصرة تقدم، لأن الخطأ فيها أقل، وإليه ذهب الأستاذ (4).

وقيل: هما سواء، وهذا عند من لا يرى التعليل بعلتين، وأما من يرى ذلك، فالجمهور على تقديم المتعدية، وعندي أنه يجب القول بهذا، لأنه لم يخالف فيها أحد ممن يقول بالقياس، ولا مرجح أقوى من هذا.

(1) راجع: المحصول: 2/ ق/ 2/ 595، والإحكام للآمدي: 3/ 285 - 286، وشرح تنقيح الفصول: / 426، والمختصر، والعضد عليه: 2/ 317، وفواتح الرحموت: 2/ 325، وتيسير التحرير: 4/ 88، وإرشاد الفحول: ص/ 281.

(2)

راجع: أصول السرخسي: 2/ 261، والبرهان: 2/ 1260، والمستصفى: 2/ 402، والمنخول: ص/ 445، والمسودة: ص/ 378، 384، ومختصر الطوفي: ص/ 190، ومختصر البعلي: ص/ 172، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 201.

(3)

وهو قول القاضي أبي يعلى، وأبي الخطاب، وغيرهما.

(4)

بناء على أنها علة صحيحة، ورجحة الغزالي في المستصفى.

ص: 98

وإذا كانت إحدى العلتين كثيرة الفروع، والأخرى أقل نقل المصنف قولين، ولم يرجح، وهذا الخلاف مثل الخلاف في المتعدية، والقاصرة، فمن قدم المتعدية قدم كثيرة الفروع، ومن عكس هناك، فكذا هنا، لكن قول التساوي هنا ساقط (1).

قوله: "ويقدم الأعرف من الحدود".

أقول: لما فرغ من وجوه الترجيح في الأدلة ختم الباب بالترجيح في الحدود، قال: الحدود السمعية، أي: الشرعية، وإنما قيد بالسمعية احترازًا من العقلية (2) إذ ليست مقصودة هنا، بل المراد حدود الأحكام.

فالأعرف منها يقدم على الأخفى، لكونه أفضى إلى المقصود، وبالذاتي على العرضي، لأنه إما يفيد الكنه كما في الحد التام أو الاطلاع على الجزء الأخص كما في الحد الناقص، والعرضي خال عنهما (3).

(1) واختاره الفخر إسماعيل، والغزالي في المنخول، وغيرهما لتساويهما، فيما ينفردان به.

راجع: أصول السرخسي: 2/ 265، واللمع: ص/ 67، والبرهان: 2/ 1265، وشفاء الغليل: ص/ 537، والمستصفى: 2/ 403، 404، والمنخول: ص/ 445، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 426، وكشف الأسرار: 4/ 102، والمسودة: ص/ 378، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 625، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 317.

(2)

الحد العقلي: قول دال على ماهية الشيء. راجع: التعريفات: ص/ 83.

(3)

راجع: الإحكام للآمدي: 3/ 293، والعضد على ابن الحاجب: 2/ 319، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 379، وإرشاد الفحول: ص/ 284.

ص: 99

وما قيل (1): لأن الأول يفيد الكنه (2) قصور من قائله، لأن عبارة المصنف أعم من الحد التام.

وما دل عليه مطابقة يقدم على ما دل التزامًا، أو تضمنًا، وهذا مبني على جواز (3) استعمال الألفاظ الدالة بالالتزام في الحدود، وقد منعه الجمهور.

وكذا استعمال المشترك، والمجاز إلا إذا اشتهر المجاز بحيث لا يتبادر غيره (4).

ويقدم أعم التعريفين على الأخص، لكثرة الفائدة، باشتماله على الزيادة.

وقيل: يرجح الأخص، لأنه متفق عليه، لأن القائل بالأعم قائل بالأخص من غير عكس (5).

وما وافق من الحدين المعنى الشرعي، أو اللغوي يقدم على ما خالفهما، لأن المخالفة إنما تكون بالنقل عنهما، والأصل خلافه.

(1) حاء في هامش (أ، ب): "الزركشي، والمحلي".

(2)

راجع: تشنيف المسامع: ق (141/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 379.

(3)

آخر الورقة (120/ ب من ب).

(4)

راجع: تشنيف المسامع: ق (141/ أ)، والغيث الهامع: ق (150/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 379، وهمع الهوامع: ص/ 424.

(5)

راجع: الإحكام للآمدي: 3/ 293، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 319، وإرشاد الفحول: ص/ 284.

ص: 100

ويرجح أحدهما برجحان طريق اكتسابه بأن يكون طريق أحدهما قطعيًا والآخر ظنيًا، وإنما كان كذلك، لأن الحدود السمعية مأخوذة من النقل، وقد علمت أن طرق النقل قابلة للقوة والضعف.

قال: والمرجحات (1)، لا تنحصر، نبه بذلك عند ختم الباب لئلا يتوهم الحصر (2).

والعمدة في الترجيح غلبة الظن لموجب ما.

وقد تقدم في أثناء الأبحاث بعض، منها تقديم المجاز على المشترك، والمعنى الشرعي على العرفي، والعرفي على اللغوي، وتقديم بعض مسالك العلة على بعض، وغير ذلك (3).

* * *

(1) آخر الورقة (130/ ب من أ).

(2)

راجع: الإحكام للآمدي: 3/ 294، وشرح العضد: 2/ 319، وإرشاد الفحول: ص/ 284.

(3)

قال البعلي: "وتفاصيل الترجيح كثيرة، فالضابط فيه: أنه متى اقترن بأحد الطرفين أمر نقلي، أو اصطلاحي عام، أو خاص، أو قرينة عقلية، أو لفظية، أو حالية، أو أفاد ذلك زيادة ظن رجح به" مختصر البعلي: ص/ 172.

وراجع: مختصر الطوفي: ص/ 191، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 201، وإرشاد الفحول: ص/ 284.

ص: 101