المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكتاب السابع في الاجتهاد، والتقليد - الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع - جـ ٤

[أحمد بن إسماعيل الكوراني]

الفصل: ‌الكتاب السابع في الاجتهاد، والتقليد

‌الكتاب السابع في الاجتهاد، والتقليد

ص: 103

الكتاب السابع في الاجتهاد

قوله: "الكتاب السابع في الاجتهاد".

أقول: هذا آخر الأبواب، ولا يخفى وجه تأخيره عن سائر المباحث.

والاجتهاد -لغة-: من الجهد، وهو الطاقة، وبذل الوسع (1).

واصطلاحًا: ما ذكر وهو استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل الظن بحكم شرعي (2).

ومعنى الاستفراغ: بذل الطاقة بحيث لا يمكن المزيد، فهو بمنزلة الجنس.

(1) راجع: معجم مقاييس اللغة: 1/ 487، وأساس البلاغة: ص/ 144، والمصباح المنير: 1/ 112، والقاموس المحيط: 1/ 286.

(2)

راجع تعريف الاجتهاد عند الأصوليين مع اختلاف العبارات فيه: الإحكام لابن حزم 1/ 41، 2/ 1155، والحدود للباجي: ص/ 64، والمستصفى: 2/ 350، 354، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 7، 39، والإحكام للآمدي: 3/ 204، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 429، وكشف الأسرار: 4/ 14، والمعتمد: 2/ 357، ومجموع الفتاوى: 20/ 202، وفتح الغفار: 3/ 34، وفواتح الرحموت: 2/ 362، ومختصر الطوفي: ص/ 173، ومختصر البعلي: ص/ 163، وأصول مذهب أحمد: ص/ 625، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 179، وإرشاد الفحول: ص/ 250.

ص: 105

وقولنا: الفقيه احتراز عن استفراغ غير الفقيه (1).

وقولنا: لتحصيل الظن يخرج القطعيات إذ لا اجتهاد فيها.

وقولنا: الحكم الشرعي يخرج ما ليس بحكم شرعي كبذل الوسع [لطلب](2) غيره من الأحكام.

والمصنف وإن لم يصرح بالحكم الشرعي لكنه أراده، وإنما اكتفى عن ذكره بلفظ الفقيه، لأن الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية، لا يقال: الفقيه قد بذل الوسع في استخراج الأحكام اللغوية مثلًا فلا يدل ذكره على الحكم الشرعي، لأنا نقول: أراد الفقيه من حيث إنه فقيه، واستخراجه لسائر الأحكام ليس من تلك الحيثية.

قوله: "والمجتهد الفقيه".

أقول: يريد أنه قد علم من التعريف ركنا الاجتهاد، وهما المجتهد، والمجتهد فيه، وهما الفقيه، والحكم الشرعي، فأخذ في بيان شروط الفقيه، فقال: هو البالغ، أي: الواصل حد التكليف.

(1) المراد بالفقيه -عند الأصوليين- المجتهد هنا، وأما إطلاقه على من يحفظ الفروع الفقهية، فهو اصطلاح عند غيرهم.

راجع: صفة الفتوى: ص/ 14، ومناهج العقول: 3/ 233، وفواتح الرحموت: 2/ 362، وتيسير التحرير: 4/ 179، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 382، وأصول مذهب أحمد: ص/ 626، وإرشاد الفحول: ص/ 250.

(2)

سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

ص: 106

العاقل: وفسره، بأنه ذو ملكة، وهي الهيئة الراسخة، كما سبق في تعريف الفقه يدرك بتلك المعلوم ما من شأنه أن يعلم وإلا فالعلم بالمعلوم محال، فالعقل على هذا هو تلك الملكة.

وقيل: هو نفس العلم، وقد نقل عن الشيخ الأشعري.

وقيل: هو الضروري منه.

وقيل: نور في بدن الإنسان مثله مثل الشمس في ملكوت الأرض. والحق: أنه مغاير للعلم، وهو قوة يدرك بها المغيبات، كما يدرك بالبصر المشاهدات، وإطلاقه على العلم تسامح، أو أريد به مصدر عقل يعقل عقلًا (1)، فإنه بمعنى العلم، والإدراك، وليس الكلام فيه، بل الكلام في تلك القوة المودعة التي لا تنفك عن الإنسان نومًا، ولا يقظة.

وشرطه: أن يكون فقيه النفس (2)، أي: شديد التيقظ، والفطنة، فإن الاستنباط بدونه بعيد جدًا، إذ لا رتبة بعد النبوة وراء هذه الرتبة.

(1) راجع الخلاف في تعريف العقل: محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين: ص/ 150، ومعالم أصول الدين: ص/ 22 - 23، والمواقف للإيجي: ص/ 145 - 146، وتشنيف المسامع: ق (141/ ب)، والغيث الهامع: ق (150/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 425 - 426، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 382.

(2)

راجع شروط المجتهد: الرسالة للشافعي: ص/ 509، والمستصفى: 2/ 350، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 30، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 437، وكشف الأسرار: 4/ 15، وحاشية السعد على ابن الحاجب: 2/ 290، وفتح الغفار: 3/ 34، والموافقات: 4/ 67، =

ص: 107

وإن كان منكرًا للقياس، فإنه لا يسلب ذلك عنه اسم الفقه هذا ما اختاره بعض الفقهاء.

والحق: ما اختاره القاضي أبو بكر، وإمام الحرمين (1) أنهم لا يعدون فقهاء، لأنهم منكرون ركنًا من أركان الشريعة.

وفرق بعضهم بين القياس الجلي، والخفي، وقال: منكر الجلي منه لا يسمى فقيهًا بخلاف الخفي.

ويكون عارفًا بالدليل العقلي، معناه -على ما ذكره الغزالي والإمام (2) - هو أن يعلم البراءة الأصلية، وأنَّا مكلفون به إلى أن [يرد](3) ناقل عن تلك البراءة من نص، أو إجماع، أو غيرهما.

ويكون متوسطًا في اللغة، لأن أدلة الشرع من الكتاب، والسنة عربيان، فلا يمكن الاستدلال بهما إلا بعد معرفة اللغة، وعلم العربية من النحو، والصرف لأن إفادة المعنى بدونهما مستحيل

= وصفة الفتوى: ص/ 16، وفواتح الرحموت: 2/ 363، وتيسير التحرير: 4/ 180، ومختصر الطوفي: ص/ 173، ومختصر البعلي: ص/ 163، والرد على من أخلد إلى الأرض: ص/ 113، والمقنع 4/ 247، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 180، وإرشاد الفحول: ص/ 250، والوسيط: ص/ 486.

(1)

راجع: البرهان: 2/ 1330، وما بعدها. والمعتمد: 2/ 357 - 358.

(2)

راجع: المستصفى: 2/ 351، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 34.

(3)

في (أ، ب): "ورد".

ص: 108

وأما معرفة الأصول -يريد به أصول الفقه- وهو عندي ليس بشرط إذ الشافعي كان مجتهدًا، ولم يكن هناك هذا العلم مدونًا.

ولو أدرج البلاغة في العربية كان أولى، مع أنها ليست شرطًا في المجتهد أيضًا، لأن جمهور المجتهدين كانوا متبحرين في الاجتهاد، مع أنه لم يكن هناك هذا مدونًا، بل كونه ذا طبع مستقيم كاف.

وشرطه: أن يكون عارفًا من الكتاب، والسنة بما يتعلق بالأحكام، وليس يلزمه حفظ المتون (1).

قيل: الآيات المحتاج إليها خمس مئة.

وكذلك يعرف من السنة ما يتعلق بالأحكام.

قال والد المصنف: "ليس المجتهد من له الدرجة الوسطى، بل من له ملكة في العلوم المذكورة، ويكون محيطًا بمعظم قواعد الشرع بحيث يحصل له قوة يدرك بها مقاصد الشارع"(2).

وهذا مأخوذ من كلام الإمام الغزالي.

(1) يعني أنه لا يشترط في المجتهد حفظ ما يتعلق بالأحكام من الكتاب والسنة حيث أمكنه استحضار ذلك عند إرادة الاحتجاج به.

راجع: المحصول: 2/ ق/ 3/ 33، والإحكام للآمدي: 3/ 205، وكشف الأسرار: 4/ 15، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 180، وإرشاد الفحول: ص/ 250.

(2)

راجع: تشنيف المسامع: ق (141/ ب)، والغيث الهامع: ق (151/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 383، وهمع الهوامع: ص/ 426.

ص: 109

قال -في المستصفى-: "أحد الشرطين في المجتهد أن يكون محيطًا بمدارك الشرع متمكنًا من استثارة الظن بالنظر فيها، وتقديم ما يجب تقديمه"(1).

فإن قوله: متمكنًا معناه ذو ملكة له قوة الأخذ، والرد والقبول.

ومن شروط الاجتهاد كونه خبيرًا بمواقع الإجماع، لكن ليس لكونه مجتهدًا، بل لكون اجتهاده سالمًا، إذ الاجتهاد الواقع على خلاف الإجماع السابق ونقله عن والده، وليس له ذلك خاصة، بل هو ظاهر كلام الإمام، والغزالي (2).

قال الإمام في المحصول: "ينبغي أن يكون عالمًا بمواقع الإجماع، حتى لا يفتي بخلافه"(3).

والإفتاء: هو إيقاع الاجتهاد الذي قاله والده.

ومن شروط الإيقاع على الوجه الصحيح معرفة الناسخ والمنسوخ لئلا يفتي بالمنسوخ (4).

وكذا أسباب النزول، لأنه يفيد قوة في فهم المراد، ويبعث على النظر في الأحكام.

(1) راجع: المستصفى: 2/ 350.

(2)

راجع: المستصفى: 2/ 351.

(3)

راجع: المحصول: 2/ ق/ 3/ 34. وانظر: مختصر الطوفي: ص/ 174، ونزهة الخاطر: 2/ 405، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 384، وإرشاد الفحول: ص/ 251.

(4)

راجع: المستصفى: 2/ 352، وتيسير التحرير: 4/ 182.

ص: 110

وكذا العلم بشرط المتواتر، والآحاد، وامتياز الصحيح من الضعيف، ومعرفة الرواة ليعلم المقبول من المردود (1)، ويعول في ذلك على قول أئمة الحديث كالإمام أحمد، والبخاري، ومسلم، والدارقطني (2)، وأبي داود لأن في زمننا يتعذر الوقوف على حالهم إلا بالواسطة، والمذكورون أولى من يقلد.

قوله: "ولا يشترط علم الكلام".

أقول: يريد ليس من شرط المجتهد في نفسه، ولا في إيقاع الاجتهاد معرفة علم الكلام، وهذا مأخوذ من كلام الغزالي (3)، وهو مبني على جواز

(1) راجع: المحصول: 2/ ق/ 3/ 33، 35، وكشف الأسرار: 4/ 15، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 437، 438، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 180 - 181، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 384، ومختصر الطوفي: ص/ 174.

(2)

وهو علي بن عمر بن أحمد بن مهدي أبو الحسين البغدادي الدارقطني الإمام الحافظ الكبير شيخ الإِسلام حافظ الزمان إليه النهاية في معرفة الحديث، وعلومه، وكان يدعى فيه أمير المؤمنين، وكان إمامًا في القراءات والنحو، انتهى إليه علم الأثر، والمعرفة بالعلل، وأسماء الرجال مع الصدق والثقة، وحسن الاعتقاد، وله مصنفات كثيرة منها: السنن، والعلل والأفراد، والمختلف والمؤتلف، والمعرفة بمذاهب الفقهاء، والمعرفة بالأدب والشعر، وتوفي سنة (385 هـ)، وقيل غير ذلك.

راجع: تأريخ بغداد: 12/ 34، وفيات الأعيان: 1/ 459، وطبقات القراء: 1/ 558، وطبقات السبكي الكبرى: 3/ 462، وتذكرة الحفاظ: 3/ 991، وطبقات الحفاظ: ص/ 393.

(3)

قال الغزالي: "فأما الكلام، وتفاريع الفقه، فلا حاجة إليهما. . . نعم إنما يحصل منصب الاجتهاد في زماننا بممارسته، فهو طريق تحصيل الدربة في هذا الزمان، ولم يكن الطريق في زمن الصحابة ذلك" المستصفى: 2/ 353. =

ص: 111

التقليد في العقائد، وليس هذا بصحيح. وكذا لا يشترط معرفة الفروع الفقهية.

وقيل: يشترط، والمراد بها المسائل الفرعية التي استخرجها غيره، فلا دور كما توهم (1).

وفائدة الاشتراط (2) زيادة البصيرة، والإحاطة بما أجمع عليه.

وكذا المذكورة، والحرية، لأن الحكم على النساء بنقصان العقل (3) باعتبار الغالب.

وأما الحرية فلأن ملاك الأمر هو العلم، وربما يخص اللَّه عبدًا مملوكًا بفطنة وقَّادَة يجمع مع خدمة السيد العلوم التي بها يحصل الاجتهاد. ولا

= وراجع: الإحكام للآمدي: 3/ 205، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 36، وصفة الفتوى: ص/ 16، والمجموع للنووي: 1/ 71، وكشف الأسرار: 4/ 16، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 182، وإرشاد الفحول: ص/ 252.

(1)

جاء في هامش (أ، ب): "الزركشي".

راجع: تشنيف المسامع: ق (142/ ب) حيث قال: "فلو شرط فيه لزم الدور".

(2)

والذي شرطه هو الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني قال الزركشي: "ولعله أراد ممارسته وإليه مال الغزالي" ثم ذكر كلامه المذكور سابقًا.

راجع: تشنيف المسامع: ق (142/ ب)، والغيث الهامع: ق (151/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 384، 385، وهمع الهوامع: ص/ 427 - 428.

(3)

يشير إلى حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلنا: بلى قال: فذلك من نقصان عقلها".

راجع: صحيح البخاري: 3/ 214، وسنن ابن ماجه: 2/ 483.

ص: 112

تَرِد الشهادة، والقضاء، لأن أمرهما مبني على الاحتياط، وكذا لا تشترط العدالة فيما يرجع إلى الاجتهاد.

قال الغزالي: العدالة شرط للاعتماد عليه لا للاجتهاد (1).

ويجب البحث عن المعارض، فينظر في العام هل له مخصص، أم لا؟ وفي المطلق هل له مقيد، أم لا؟ وفي النص هل له ناسخ؟

وإذا وجد (2) في كلام الشارع لفظًا صريحًا للاستنباط ينظر هل معه قرينة صارفة، أم لا؟

ويكفي البحث إلى أن يغلب على ظنه وجودها، أو عدمها (3)، وينبغي أن يكون هذا على الوجه الأولى، والأليق، وإلا قد سبق أن الاستدلال بالعام قبل البحث عن المخصص هو المختار عندنا.

ثم لفظ المجتهد يطلق على معنيين آخرين.

(1) راجع: المستصفى: 2/ 350، وهذه الشروط الآنفة الذكر في حق المجتهد المطلق الذي يفتي في جميع أبواب الشرع بما يؤديه إليه اجتهاده، لأنه سيأتي ذكر إطلاق آخر على المجتهد بعد قليل، والمجتهد المطلق مفقود الآن كذا قاله العلماء.

راجع: تشنيف المسامع: ق (142/ ب)، والغيث الهامع: ق (152/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 428.

(2)

آخر الورقة (131/ ب من أ).

(3)

راجع: تشنيف المسامع: ق (142/ ب)، والغيث الهامع: ق (143/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 385، وهمع الهوامع: ص/ 428.

ص: 113

أحدهما: المجتهد في المذهب، وهو من التزم مذهب مجتهد، وحذق فيه، وأتقن أصول ذلك الإمام، ونصوصه، وأحاط إحاطة تامة بمجتهداته، فإذا وجد نص إمامه يمشي عليه، فإن لم يجد خرَّج على تلك الأصول.

ودُونَ هذا المجتهد في الفتيا، وهو المتبحر في مذهب إمامه بحيث يقدر على ترجيح أحد قولي إمامه، ولكن لا يقدر على التخريج (1).

قوله: "والصحيح جواز تجزؤ الاجتهاد".

أقول: قد اختلف في تجزؤ الاجتهاد.

وهو أن ينال شخص رتبة الاجتهاد في باب من الأبواب، كالفرائض مثلًا، ومسألة واحدة من المسائل، بأن يحصل من العلوم المحتاج إليها في ذلك الباب، أو في تلك المسألة (2).

(1) المجتهد في المذهب له أربع حالات منها ما ذكره الشارح هنا وسيأتي في: ص/ 152 - 153، من هذا الكتاب ذكر حالات أخرى مع الإحالة إلى المراجع.

(2)

وهو مذهب الجمهور، واختاره الغزالي، وابن دقيق العيد، والآمدي، وابن الحاجب، والكمال بن الهمام، وبه قالت المعتزلة، وقيل: لا يتجزأ، وهو منقول عن الإمام أبي حنيفة، واختاره الشوكاني، وقيل: يتجزأ في باب لا في مسألة، وقيل: في الفرائض لا في غيرها.

راجع الخلاف في هذه المسألة: المعتمد: 2/ 359، والمستصفى: 2/ 353، والإحكام للآمدي: 3/ 205، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 37، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 438، وكشف الأسرار: 4/ 17، وفتح الغفار: 3/ 37، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 29، والموافقات 4/ 68، ومجموع الفتاوى: 20/ 204، 212، ومختصر البعلي: =

ص: 114

اختار المصنف جوازه لصدق حد المجتهد عليه في ذلك القدر. وليس من لوازم الاجتهاد الإحاطة بجميع المآخذ، ولا هو مأخوذ في تعريفه (1).

والاستدلال بأن مالكًا سئل في أربعين مسألة، فقال -في ست وثلاثين-: لا أدري، ليس بتام، لأن المراد بالعلم بتلك المآخذ هو الملكة التي يمكنه -بعد التوجه، وارتفاع الموانع- تحصيل المقصود بها.

ولا نسلم أن مالكًا لم يكن بتلك المثابة، بل أعلى كعبًا من ذلك.

قيل: إن لم يكن محيطًا بالمآخذ، فكل ما قدر جهله به يمكن أن يكون متعلقًا بتلك المسألة، فكيف يحكم بدونه؟ .

الجواب: أن ذلك لا يقدح في غلبة ظنه بأن كل ما يتعلق بالمسألة حاصل عنده (2).

قوله: "وجواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم".

= ص/ 164، ومختصر الطوفي: ص/ 174، وفواتح الرحموت: 2/ 364، وصفة الفتوى: ص/ 24، وتيسير التحرير: 4/ 182، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 183، وإرشاد الفحول: ص/ 254.

(1)

يعني أنه يكفي معرفة المجتهد جميع مآخذ المسألة الواحدة من الكتاب والسنة ليجتهد بها لا أن يعلم جميع مآخذ الأحكام في غير المسألة المجتهد فيها.

راجع: العضد على ابن الحاجب: 2/ 290، وفواتح الرحموت: 2/ 364، وتيسير التحرير: 4/ 183.

(2)

راجع: الإحكام للآمدي: 3/ 205 - 206، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 290.

ص: 115

أقول: اختلف في جواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم ووقوعه، قيل: لا يجوز مطلقًا، وقيل: يجوز في الآراء، والحروب (1)، المختار الوقوع مطلقًا (2).

(1) اختلف في جواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم فيما لا نص فيه على مذاهب:

أحدها: وبه قال الأكثرون، وهو الصحيح جوازه، وحكي عن الشافعي، وأحمد، ومالك، وأبي يوسف، والقاضي عبد الجبار وأبي الحسين البصري، واختاره الغزالي، والرازي، والآمدي والبيضاوي، وابن الحاجب، والمصنف وهو مذهب الحنفية. بشرط أن يكون الاجتهاد بعد انتظار الوحي، واليأس من نزوله.

الثاني: وبه قال أبو علي الجبائي، وأبو هاشم الجبائي، وابن حزم وغيرهم، فمن منع القياس أصلًا منع الاجتهاد على الرسول صلى الله عليه وسلم عقلًا، وشرعًا، وقال به بعض الأشعرية.

الثالث: يجوز في الآراء والحروب دون غيرها، وقد حكى الإجماع على جواز اجتهاده في الأمور الدنيوية سليم الرازي، وابن حزم، وغيرهما.

راجع: الإحكام لابن حزم: 2/ 699، 803، والبرهان: 2/ 1356، وأصول السرخسي: 2/ 91، والمعتمد: 2/ 210، واللمع: ص/ 76، والتبصرة: ص/ 521، والمستصفى: 2/ 355، 356، والمنخول: ص/ 468، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 9، 18 - 19، والإحكام للآمدي: 3/ 206، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 436، والمسودة: ص/ 506 - 508، ومختصر البعلي: ص/ 164، ومختصر الطوفي: ص/ 175، وفواتح الرحموت: 2/ 366، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 291، وإرشاد الفحول: ص/ 256.

(2)

وعلى القول بجوازه ففي وقوعه مذاهب:

الأول: الوقوع، وهو ظاهر كلام الرازي ومن تبعه، واختاره الآمدي، وابن الحاجب.

الثاني: عدم الوقوع وقال به أكثر المتكلمين، وبعض الشافعية.

الثالث: القول بالوقف لتعارض الأدلة، ونسبه الرازي إلى المحققين.

الرابع: الجواز، والوقوع في الآراء، والحروب، والمنع في غيرهما جمعًا بين الأدلة. =

ص: 116

لنا: قوله عليه الصلاة والسلام: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي"(1).

وقوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43]، {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: 67]، عوتب على الإذن للمنافقين بعد استئذانهم (2).

وأخذ الفداء من الأسرى يوم بدر (3)، ولا يعاتب إلا على ما لم يكن بوحي.

= راجع: التبصرة: ص/ 521، والمستصفى: 2/ 355، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 9، 14، والإحكام للآمدي: 3/ 206، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 291، والمسودة: ص/ 506، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 387، وتيسير التحرير: 4/ 185، وإرشاد الفحول: ص/ 256.

(1)

الحديث رواه البخاري، ومسلم والشافعي عن جابر مرفوعًا ورواه أبو داود عن عائشة مرفوعًا، ورواه أحمد عن ابن عباس مرفوعًا.

راجع: صحيح البخاري: 2/ 167 - 168، وصحيح مسلم: 4/ 37 - 38، ومسند أحمد: 1/ 259، وشرح النووي على مسلم: 8/ 155، وسنن أبي داود: 1/ 414، وبدائع المنن: 1/ 301، وتلخيص الحبير: 2/ 231.

(2)

قال مجاهد: نزلت هذه الآية في أناس قالوا: استأذنوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإن أذن لكم فاقعدوا، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا. ولهذا قال تعالى:{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} [التوبة: 43]، وكان ذلك في غزوة تبوك.

راجع: تفسير ابن كثير: 2/ 361، وفتح القدير: 2/ 365 - 367.

(3)

روى مسلم، وأحمد، وأبو داود، والترمذي عن ابن عباس، وأنس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استشار في أسرى بدر، فأشار أبو بكر بالفداء، وعمر بالقتل، فجاء عمر من الغد، =

ص: 117

قالوا: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4] صريح في نفي الاجتهاد.

قلنا: [إذا](1) أذن له في الاجتهاد، فهو بالوحي.

قالوا: لو أجاز له الاجتهاد لجاز مخالفته، لأن المجتهد فيه في معرض الظنون، وما لا قطع فيه يجوز مخالفته.

الجواب: المنع من جواز المخالفة مطلقًا، كما إذا انعقد الإجماع على المجتهد فيه، فإنه لا يجوز مخالفته، فكذا اجتهاده من باب الأولى.

قالوا: لو جاز له الاجتهاد لما توقف في حادثة.

الجواب: جواز الاجتهاد له مشروط بعدم النص.

قالوا: يقدر على اليقين، فلا يجوز له العمل بالظن.

الجواب: منع قدرته على اليقين في الحال، وبعده لا اجتهاد، مع أن العمل بالظن جائز، مع القدرة على اليقين، لجواز التحري في الأواني، وإن كان على جانب (2) البحر.

= وهما يبكيان، وقال صلى الله عليه وسلم:"أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذ الفداء" أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

راجع: صحيح مسلم وعليه شرح النووي: 12/ 86 - 87، ومسند أحمد: 3/ 219، وسنن أبي داود: 2/ 56، وتحفة الأحوذي: 5/ 372.

(1)

في (أ): "إذ" والمثبت من (ب).

(2)

هذا الخلاف السابق بالنسبة في فتواه صلى الله عليه وسلم، أما الأقضية فيجوز له الاجتهاد فيها بالإجماع.

راجع: المحصول: 2/ ق/ 3/ 22، ونهاية السول: 4/ 533، وهمع الهوامع: ص/ 429.

ص: 118

وإذا وقع منه الاجتهاد.

فالصواب: أنه لا يخطئ في الاجتهاد (1)، لأنه معصوم مؤيد من عند اللَّه، ما نطق به وحي، فكيف يكون خطأ؟

ويرد الإشكال على ما استدلوا به من قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} [التوبة: 43]، وقوله:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: 67]، لأن العتاب لا يكون إلا على [مخالفة ما يجب اللهم](2)(3)، إلا أن يقال (4): ما وقع عليه العتاب أمور تتعلق به، لا دخل للتشريع فيها، والكلام فيه، فيجمع بين الكلامين.

(1) واختاره الحليمي، والرازي، والبيضاوي، والمصنف، وبه قالت الشيعة، وغيرهم، وقيل: يقع منه، ولكن لا يقر عليه، واختاره الآمدي، ونقله عن أكثر أصحاب الشافعي، والحنابلة، وأصحاب الحديث، ورجحه ابن الحاجب.

راجع: اللمع: ص/ 76، وأصول السرخسي: 2/ 91، 95، والتبصرة: ص/ 524، والإحكام لابن حزم: 2/ 705، والمستصفى: 2/ 355، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 22، والإحكام للآمدي: 3/ 241، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 303، والمسودة: ص 509، وفواتح الرحموت: 2/ 373، وتيسير التحرير: 4/ 190، ومناهج العقول: 3/ 236، ومختصر البعلي: ص/ 164، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 387، ونهاية السول: 4/ 537.

(2)

ما بين المعكوفتين سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(3)

آخر الورقة (121/ ب من ب) وجاء في نهايتها على الهامش: (بلغ مقابلة على أصله).

(4)

جاء في بداية الورقة (122/ أمن ب) على الهامش: (الرابع عشر) يعني الجزء بتجزئة الناسخ.

ص: 119

قوله: "وأن الاجتهاد جائز".

أقول: قد اختلف في جواز الاجتهاد في زمنه صلى الله عليه وسلم.

قيل: لا يجوز لإمكان الاطلاع على الحكم منه (1).

وقيل: جائز بإذنه، قيل: صريحًا، وقيل: ولو سكوتًا عن المنع بعد (2) العلم به.

وقيل: جائز للبعيد عنه للضرورة، ودفع الحرج (3).

وقيل: للولاة خاصة لكثرة مباشرتهم الأحكام، فاحتياجهم (4) أوفر، ثم القائلون بالجواز، منهم منع الوقوع مطلقًا.

وقيل: لم يقع من الحاضر، وقيل: بالوقف.

(1) وهو قول أبي علي الجبائي، وأبي هاشم، وبعض الشافعية، وأبي الخطاب من الحنابلة.

راجع: المعتمد: 2/ 212 - 213، والبرهان: 2/ 1356، واللمع: ص/ 75، والتبصرة: ص/ 519، والمستصفى: 2/ 354، والمسودة: ص/ 511، ومختصر البعلي: ص/ 164.

(2)

راجع: المحصول: 2/ ق/ 3/ 26، 27، ومختصر الطوفي: ص/ 175، وفواتح الرحموت: 2/ 374، وإرشاد الفحول: ص/ 256.

(3)

وأيده الغزالي في المنخول، والجويني.

راجع: البرهان: 2/ 1356، والمنخول: ص/ 468، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 387، وتيسير التحرير: 4/ 193.

(4)

راجع: تشنيف المسامع: ق (143/ أ)، والغيث الهامع: ق (152/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 429، والإحكام للآمدي: 3/ 213.

ص: 120

والحق: جوازه، ووقوعه (1).

لنا - على الوقوع قضية سعد بن معاذ (2) في بني قريظة (3) حين حكم، فقال:"حكمت بأن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم".

(1) وهذا مذهب الجمهور من العلماء، واختاره الرازي، وأتباعه، وغيرهم.

راجع: الإحكام لابن حزم: 2/ 698، والتبصرة: ص/ 519، واللمع: ص/ 75، والمستصفى: 2/ 354، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 27، 25، والبرهان: 2/ 1355، والإحكام للآمدي: 3/ 213 - 214، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 436، والمسودة: ص/ 511، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 292، ومناهج العقول: 3/ 239، وفواتح الرحموت: 2/ 374، وتيسير التحرير: 4/ 193، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 186، وإرشاد الفحول: ص/ 256.

(2)

هو سعد بن معاذ بن النعمان الأنصاري الأشهلي الصحابي سيد الأوس أسلم على يد مصعب بن عمير قبل الهجرة، وأسلم معه جميع بني عبد الأشهل، وشهد بدرًا واحدًا، والخندق، وقريظة، ونزلوا على حكمه فيهم، وتوفي شهيدًا من جرح أصابه في وقعة الخندق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ"، ومناقبه كثيرة، ومشهورة، ومنها كلامه وتأييده للنبي صلى الله عليه وسلم قبل معركة بدر.

راجع: الإصابة 2/ 37 - 38، وأسد الغابة: 2/ 373، وتهذيب الأسماء واللغات: 1/ 215، والخلاصة: 1/ 371.

(3)

قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة وفيها يهود بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة ومن تبعهم، فعاهدوه على أن يكونوا يدًا واحدة على من سواهم ممن أراد المدينة بسوء إلى آخر العهد الذي ارتضاه الطرفان ولكن يهود، كما هي عادتهم نقضوا العهد، فبدأ بنو قينقاع في سوقهم حيث أساؤوا إلى امرأة مسلمة، فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم طلب عبد اللَّه بن أبي ابن سلول أن يهبهم له، فأعطاهم له، ثم في سنة أربع هجرية نقضت =

ص: 121

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لقد حكمت بحكم الملك"(1).

وقضية أبي بكر في غزوة حنين (2) حين قتل أبو

= بنو النضير العهد حيث ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم يستعينهم في دية قتلى بني عامر فهموا بالغدر به، فأخبره اللَّه بذلك، فأمر بجلائهم من المدينة، ثم في سنة خمس هجرية كانت غزوة الأحزاب - الخندق، فانضمت بنو قريظة إليهم لمحاربة المسلمين فنقضوا العهد، فنزل بهم ما حكم به سعد رضي الله عنه.

راجع: السيرة لابن هشام: 2/ 47، 190، 233، والروض الأنف: 6/ 208، 232، 236، 282، وفقه السيرة: ص/ 196، وصحيح البخاري: 5/ 112، وصحيح مسلم: 5/ 159 - 160.

(1)

رواه البخاري، وغيره من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد، فأتى على حمار، فلما دنا من المسجد قال للأنصار:"قوموا إلى سيدكم، أو خيركم"، فقال:"هؤلاء نزلوا على حكمك"، فقال: تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، قال:"قضيت بحكم اللَّه"، وربما قال:"بحكم الملك". راجع: صحيح البخاري: 5/ 143.

(2)

حنين: واد بين مكة والطائف، ويعرف اليوم بوادي جدعان وهو على بعد ثمانية وثلاثين كيلو مترًا للسيارة، أو ثلاثة وعشرين ميلًا ويبعد عن ذي المجاز السوق المشهورة بنحو خمسة أميال، وكانت هذه المعركة بعد فتح مكة سنة ثمان هجرية اجتمعت هوازن وثقيف لحرب المسلمين، فخرج إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه وحصل من المسلمين تراجع في بداية المعركة، ولكن الرسول الكريم والقائد العظيم زحف نحو أعدائه قائلًا:"أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب".

وأمر العباس أن ينادي المهاحرين والأنصار فالتفوا حوله، فزحفوا وتم النصر، وهزم الأعداء، وقد ذكر القرآن هذه الغزوة بقوله: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ =

ص: 122

قتادة (1) مشركًا، وأخذ سلبه غيره، فلما طلبه أبو قتادة، فقال القرشي: سلبه عندي، فأرضه عني يا رسول اللَّه، فقال أبو بكر: لا ها اللَّه، إذ لا يعمد على أسد من أسد اللَّه يقاتل عن اللَّه ورسوله، فيعطيك سلبه (2). والدال على الوقوع [دال](3) على الجواز.

= مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 25 - 26].

راجع: معجم ما استعجم: 2/ 471 - 472، ومراصد الاطلاع: 1/ 432، والسيرة لابن هشام: 2/ 397، وأشعة الأنوار: 1/ 106، وصحيح البخاري: 5/ 194، وصحيح مسلم: 5/ 166.

(1)

هو فارس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبو قتادة اختلف في اسمه فقيل: الحارث بن ربعي بن بلدمة، وقيل: النعمان بن ربعي، وقيل: النعمان بن عمرو بن بلدمة، وقيل غير ذلك، أبو أسيد الأنصاري، الساعدي مشهور بكنيته شهد بدرًا، وأحدًا وما بعدها، وكان معه راية بني ساعدة يوم الفتح، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وروى عنه أولاده، وبعض الصحابة، وأخرج أحاديثه البخاري، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وأضر في آخر عمره، مات بالمدينة سنة (54 هجرية)، وقيل غير ذلك، وهو آخر البدريين موتًا.

راجع: الإصابة: 4/ 158 - 159، وأسد الغابة: 5/ 23، والمعارف: ص/ 272، ونكت الهميان: ص/ 233، والخلاصة: 3/ 4، وغاية المرام: ص/ 65 - 66.

(2)

هذا من حديث طويل رواه البخاري، وغيره عن أبي قتادة وفيه بعد قول أبي بكر ذلك. . . فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"صدق فأعطه، فأعطانيه. . .".

راجع: صحيح البخاري: 5/ 196، وصحيح مسلم: 5/ 147 - 148.

(3)

سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

ص: 123

قوله: "مسألة المصيب في العقليات واحد".

أقول: قد اختلف في أن كل مجتهد مصيب أم لا.

والحق: أن الأمر مختلف في العقليات، والشرعيات ففي العقليات واحد، وهو من صادف الواقع، ومن لم يصادف مخطئ آثم، وإن بالغ في تدقيق النظر وبذل المجهود.

وذلك العقل مثل: حدوث العالم، وبعثة الرسل.

وأما نافي الإِسلام كله، أو بعضه مخطئ آثم كافر (1).

قال الجاحظ، والعنبري (2) لا يأثم المجتهد، أي: مطلقًا كافرًا كان أو مسلمًا (3).

(1) وما ذكره الشارح هو مذهب أئمة الإِسلام، وعلمائه.

راجع: المعتمد: 2/ 396، واللمع: ص/ 73، والتبصرة: ص/ 496، والبرهان: 2/ 1316، والملل والنحل: 1/ 201، والمستصفى: 2/ 354، والإحكام للآمدي: 3/ 215، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 438 - 439، والمسودة: ص/ 495، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 293، وفواتح الرحموت: 2/ 376، وتيسير التحرير: 4/ 195، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 186، وإرشاد الفحول: ص/ 259.

(2)

عبيد اللَّه بن الحسن بن الحصين العنبري من تميم قاض من الفقهاء العلماء بالحديث من أهل البصرة، قال ابن حبان: من ساداتها فقهًا، وعلمًا، ولي قضاءها سنة (157 هـ) وعزل سنة (166 هـ) وتوفي فيها سنة (168 هـ).

راجع: تهذيب التهذيب: 7/ 7، والميزان للذهبي: 3/ 5، والأعلام للزركلي: 4/ 346.

(3)

ومذهب الجاحظ، والعنبري باطل لأنه مخالف للإجماع على خلافه. =

ص: 124

وقيل: بل إن كان مسلمًا، وهذا هو الظاهر، ونقل عن العنبري أن كل مجتهد في العقليات مصيب (1).

فإن قلت: يكفي أن يقول: نافي الإِسلام كافر، فإنه إذا كان كافرًا يكون مخطئًا آثمًا.

قلت: إنما ذكر الخطأ ردًا على العنبري بقوله: "كل مجتهد مصيب وإن كان كافرًا".

وذكر الإثم ردًا على الجاحظ في قوله: "وإن كان كافرًا لا يأثم".

لنا -على المختار-: الإجماع قبل ظهور المعاندين على قتل الكفار، وقتالهم، وأنهم من أهل النار من غير تفرقة بين المجتهد، والمقلد منهم.

قالوا: تكليفهم بنقيض اجتهادهم تكليف بما لا يطاق، وهو غير واقع اتفاقًا.

قلنا: مثله ليس تكليفًا بالمحال الذي اتفقوا على عدم وقوعه، إذ هو ما لا يتصور وقوعه عادة كالطيران، وحمل الجبل، وما كلفوا به هم هو الإِسلام، وهو أمر ممكن في ذاته، بل معتاد معروف وقوعه.

= راجع: اللمع: ص/ 73، والمنخول: ص/ 451، والمستصفى: 2/ 354، 357، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 42، والملل والنحل: 1/ 203، وكشف الأسرار: 4/ 17، وفتح الغفار: 3/ 31، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 439، وفواتح الرحموت: 2/ 376.

(1)

راجع: المعتمد: 2/ 398، ومختصر البعلي: ص/ 164، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 293، والإحكام للآمدي: 3/ 215 - 216، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 388، وإرشاد الفحول: ص/ 359.

ص: 125

وقوله: "أما المسألة التي لا قاطع فيها".

أقول: ما تقدم كان متعلقًا بالاجتهاد في القطعيات العقليات أما الفروع الفقهية، فقال الشيخ الأشعري، والقاضي أبو بكر، وأبو يوسف، ومحمد من أصحاب (1) أبي حنيفة، وابن سريج منا: كل مجتهد، فيها مصيب.

قال ابن الحاجب: والقول بهذا مروي عن الأئمة الأربعة (2).

ثم قال الأولان الشيخ، والقاضي: حكم اللَّه فيها تابع لظن المجتهد، فما ظنه، فهو حكم اللَّه في حقه، وحق مقلديه، والباقون على أن في كل واقعة شيئًا لو حكم اللَّه لم يحكم إلا به، وهؤلاء يقولون: المجتهد مصيب في اجتهاده مخطئ في الحكم، وربما قالوا: مخطئ انتهاء لا ابتداء، وتعلم أن هذا كلام ركيك مضطرب لا حاصل له.

والحق -عند الجمهور-: أن حكم اللَّه واحد (3)، وكل مجتهد مأمور بطلبه فإن صادفه، فله أجران، وإلا فله أجر واحد، وعلى قول

(1) آخر الورقة (132/ ب من أ).

(2)

قال ابن الحاجب: "ونقل عن الأئمة الأربعة التخطئة والتصويب" المختصر وعليه العضد: 2/ 294.

(3)

هذه المسألة تعرف: بتصويب المجتهد. وقد ذكر العلماء الأقوال فيها في كتبهم مع أدلة كل قول، ومناقشتها، وبيان الراجع منها. =

ص: 126

الجمهور لا دليل على الحكم المذكور، بل هو مثل الكنز من صادفه، فهو له.

والصحيح أن عليه أمارة، وأن المجتهد مكلف بإصابة الحكم لإمكان الإصابة بواسطة تلك الأمارة.

وإذا أخطأ لم يأثم للحديث المذكور (1).

وقيل: يأثم، لأنه أخطأ الإصابة المأمور بها (2) وهذا قول باطل معارض للحديث، بل انعقد الإجماع على خلافه. هذا حكم الفرع الذي لا قاطع فيه.

= راجع الخلاف فيها: الرسالة: ص/ 489، والإحكام لابن حزم: 2/ 648، والبرهان: 2/ 1319، والمعتمد: 2/ 370، واللمع: ص/ 73، والتبصرة: ص/ 496، والمنخول: ص/ 453، والمستصفى: 2/ 357، 363، والمحصول: 2/ 47، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 438، ومجموع الفتاوى: 19/ 204، 20/ 19، والمسودة: ص/ 497، والإحكام للآمدي: 3/ 219، ومختصر البعلي: ص/ 165، ومختصر الطوفي: ص/ 176، وكشف الأسرار: 4/ 16، 18، 25، وفتح الغفار: 3/ 35، وفواتح الرحموت: 2/ 380، وتيسير التحرير: 4/ 202، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 186.

(1)

يعني قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وأن أخطأ فله أجر". رواه البخاري، ومسلم، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم.

راجع: صحيح البخاري: 9/ 132 - 133، وصحيح مسلم: 5/ 131 وبذل المجهود: 15/ 254، وعارضة الأحوذي: 6/ 67.

(2)

لأن المصيب واحد، والحق في جهة واحدة، والمخطئ آثم مطقًا سواء بذل جهده في الاجتهاد أم لا. وهو قول بشر المريسي، وابن علية، وأبي بكر بن الأصم، وبعض المتكلمين.

وقالت الظاهرية: إن المصيب واحد، ولا إثم على المخطئ المعذور الذي بذل جهده. =

ص: 127

أما إذا كان فيه قاطع كالنص، والإجماع، فإما أن يقصر المجتهد في طلبه، أو لا.

فإن قصر كان آثمًا، وإن لم يقصر، فالصحيح أنه لا يأثم ولكنه مخطئ.

والمصيب فيها واحد اتفاقًا (1)، وهو الذي أصاب ما هو حكم اللَّه في نفس الأمر.

لنا -على المختار- وهو أن المصيب واحد لا بعينه -لا دليل على كون كل واحد مصيبًا، والأصل عدمه، فيجب تركه، ويلزم منه تصويب واحد غير معين، وإلا لزم تخطئة الكل وهو باطل إجماعًا.

= وقال عبيد اللَّه بن الحسن العنبري، والجاحظ: لا يأثم مطلقًا، كما تقدم عنهما في كلام الشارح، وقيل: إن العنبري رجع عن هذا الرأي.

راجع: الإحكام لابن حزم: 2/ 647، 658، 1159، والبرهان: 2/ 1316 - 1320، والمعتمد: 2/ 272، واللمع: ص/ 73، والتبصرة: ص/ 496، والمستصفى: 2/ 354، 360، والمنخول: ص/ 454، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 41، 46، 50، والاعتصام: 1/ 167، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 438، ومجموع الفتاوى: 19/ 124، 203، 206، والإحكام للآمدي: 3/ 318، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 294، والمسودة: ص/ 495، 497، 503، والفقيه والمتفقه: 2/ 60، ومختصر الطوفي: ص/ 177، 178، 184، وكشف الأسرار: 4/ 17، وفواتح الرحموت: 2/ 377، وتيسير التحرير: 4/ 197، وإرشاد الفحول: ص/ 259.

(1)

راجع: المستصفى: 2/ 354، 375، ومجموع الفتاوى: 19/ 205، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 294، ومختصر الطوفي: ص/ 176 - 177، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 186، وإرشاد الفحول: ص/ 260، والوسيط: ص/ 536.

ص: 128

ولنا -أيضًا- لو كان كل مجتهد مصيبًا لزم الجمع بين النقيضين، لأن المجتهد إذا غلب على ظنه الإباحة في المسألة مثلًا، فلو حصل القطع بأنّه حكم اللَّه في حقه لزم القطع بالمظنون، لأن القطع بذلك الحكم المظنون مستمر مع ذلك الظن، والفرض استمرار ظنه إذ لو زال ظنه وجب عليه الرجوع إلى ما [تعين](1) إليه ظنه، وإذا استمر القطع، مع ذلك الظن لزم أن يكون المظنون معلومًا مقطوعًا، وهذا خلف.

لا يقال: هذا مشترك الإلزام، لأنه يرد على القائلين: بأن المصيب واحد.

بيان ذلك: أن الإجماع منعقد على وجوب اتباع الظن وما [دل](2) عليه الإجماع قطعي، فيكون المظنون مقطوعًا به.

لأنا نقول: الظن، والقطع لم يتواردا على محل واحد، بل القطع متعلق بوجوب العمل، والظن بالحكم، فأين هذا من ذاك؟ !

قالوا: لو كان المصيب واحدًا - وأنتم تقولون: إن المخطئ يجب عليه العمل بموجب ظنه، فنقول: إما أن يجب عليه، مع بقاء الحكم الذي في نفس الأمر في حقه، أو مع زواله، وكلاهما باطل.

أما الأول: فلاستلزامه ثبوت الحكمين في حقه، ولا شك أنهما نقيضان، فيلزم الجمع بين النقيضين، وهو محال.

(1) في (ب): "الغير".

(2)

سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

ص: 129

وأما الثاني: فلأنه يلزم منه أن يكون العمل بالخطأ واجبًا، وبالصواب محرمًا، وهو محال أيضًا.

الجواب: اختيارنا القسم الثاني، وهو زوال الحكم الأول.

قولك: محال ممنوع ألا ترى أنه إذا كان في المسألة نص، أو إجماع، ولم يطلع عليه المجتهد يجب عليه مخالفته، مع أنه خطأ مخالف للواقع، فما نحن فيه أولى، وأجدر، إذ لا قاطع.

قالوا: قال صلى الله عليه وسلم: "بأيهم اقتديتم اهتديتم"(1)، فيدل على أن كلًا من الصحابة مصيب فيما ذهب إليه، وإلا لم يكن الاقتداء به اهتداء.

(1) أول الحديث: "أصحابي كالنجوم. . . الحديث" رواه عبد بن حميد في مسنده من طريق حمزة النصيبي عن نافع عن ابن عمر وحمزة ضعيف جدًا.

ورواه الدارقطني في غرائب مالك من طريق جميل بن زيد عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر، وجميل لا يعرف، ولا أصل له في حديث مالك ولا من فوقه. قاله الحافظ.

ورواه ابن عبد البر من طريق الحارث بن غصين عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم. . وقال: هذا إسناد لا تقوم به حجة لأن الحارث مجهول.

ورواه البزار من حديث أنس، قال الحافظ: إسناده واه، ورواه أبو ذر الهروي في السنة من طريق مندل عن جويبر عن الضحاك به منقطعًا، وجويبر شديد الضعف.

ورواه ابن عدي، والبيهقي، وابن عساكر من طريق نعيم بن حماد عن عبد الرحيم بن زيد العمي عن أبيه عن ابن المسيب عن عمر مرفوعًا بلفظ آخر ورواه القضاعي في مسند الشهاب من حديث أبي هريرة، وفيه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي كذاب.

وبالجملة فالحديث لا يصح كما قال ابن الجوزي في العلل، وقال الذهبي في الميزان باطل، وقال ابن حزم هذا خبر مكذوب. =

ص: 130

قلنا: هدى لأنه بذل وسعه في طلب الحق، وأتى بما وجب عليه، فلا ينافي وقوع الخطأ في رأيه؛ لأنه غير معصوم اتفاقًا.

قوله: "مسألة لا ينقض الحكم".

أقول: ذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز نقض حكم الحاكم في المسائل الاجتهادية، وهي الأحكام الشرعية التي أدلتها ظنية (1).

لا من الحاكم بها، ولا من الغير إذ لو جاز نقضه جاز نقض النقض وهلم جرًا، فتفوت فائدة نصب الحاكم لفصل الخصومات، إلا إذا خالف نصًا قاطعًا، أو إجماعًا، أو ظاهرًا جليًا (2)، وإن كان ذلك الظاهر الجلي

= راجع: الكامل في ضعفاء الرجال: 3/ 1057، وجامع بيان العلم وفضله: 2/ 111، وتلخيص الحبير: 4/ 190 - 191، وميزان الاعتدال: 2/ 605، وفيض القدير: 4/ 76، والابتهاج: ص/ 205 - 207.

(1)

هو معنى قول الفقهاء في الفروع: "لا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد". قال حجة الإِسلام الغزالي: "هذه مسائل فقهية أعني نقض الحاكم في هذه الصور وليست من الأصول في شيء" المستصفى: 2/ 384.

(2)

وخالف الجمهورَ أبو بكر الأصم قائلًا بنقض الاجتهاد بالاجتهاد.

راجع: أدب القضاء لابن أبي الدم: ص/ 164، وروضة الطالبين: 11/ 150، وتأسيس النظر: ص/ 154، والمغني لابن قدامة: 9/ 56، والفروق للقرافي: 2/ 103، والمحرر لمجد الدين: 2/ 210، والإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام: ص/ 20 والأشباه والنظائر لابن نجيم: ص/ 85، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 50، 91، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 439، وفتح الغفار: 3/ 37، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 391، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 190، وإرشاد الفحول: ص/ 263.

ص: 131

قياسًا (1) ينقض اتفاقًا؛ لأنه مخالف للدليل الشرعي. وكذا ينقض إذا أدى اجتهاده إلى حكم، وخالفه تقليدًا لغيره: لأنه مخالف للإجماع على وجوب العمل بموجب ظنه (2).

وكذا ينقض فيما إذا حكم مقلد بخلاف نص مقلده، ولم يقلد غيره، بل حكم استقلالًا: لأنه مخالف للإجماع على أن المقلد لا يستقل بالقول (3).

(1) صرح الغزالي، والآمدي، والقرافي، والمصنف، وغيرهم بنقض الحكم بمخالفته القياس الجلي، وذهب البعض إلى أنه لا ينقض الحكم بمخالفة قياس ولو جليًا.

راجع: المستصفى: 2/ 382، والإحكام للآمدي: 3/ 232، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 432، 442، والفروع لابن مفلح: 6/ 456، وغاية الوصول: ص/ 149، وتشنيف المسامع: ق (144/ أ)، والغيث الهامع: ق (153/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 391، وهمع الهوامع: ص/ 432، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 190.

(2)

راجع: المعتمد: 2/ 366، والمستصفى: 2/ 384، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 115، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 443، والملل والنحل: 1/ 205، وفتح الغفار: 3/ 37، وفواتح الرحموت: 2/ 392، وتيسير التحرير: 4/ 227، ومختصر الطوفي: ص/ 180، ومختصر البعلي: ص/ 167، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 189، 191، وإرشاد الفحول: ص/ 264.

(3)

وهذا ما نقله الإمام النووي عن ابن الصلاح حيث قال: "قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: وإن كان المفتي إنما يفتي على مذهب إمام معين فرجع لكونه تيقن مخالفة نص إمامه وجب نقضه".

راجع: روضة الطالبين: 11/ 107، والمجموع: 1/ 16، وانظر: المحلي على جمع الجوامع: 2/ 391، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 191، ومجموع الفتاوى: 20/ 220، وأعلام الموقعين: 4/ 299، والمسودة: ص/ 538.

ص: 132

وأما إذا قلد غير إمامه، فينبني على جواز مخالفة المقلد إمامه، فمن جوزه لا ينقض، ومن لم يجوز ينقض، هذا على وفق ما قرره ابن الحاجب (1)، والمصنف قيد بما لا يجوز تقليد غير إمامه فيه، وسيأتي تفصيل ذلك.

ولو تزوج المجتهد بغير ولي اجتهادًا منه، ثم لاح له دليل عدم الجواز، فالأصح أنها تحرم عليه لبطلان اجتهاده (2).

وقيل: إذا لم يحكم به حاكم، فإنه لا يجوز نقض حكمه، وينبغي أن يكون هذا هو الصواب إذ لا موجب لنقض (3) حكمه، وكذلك الحكم في العامي إذا تغير اجتهاد إمامه (4).

(1) راجع: مختصر ابن الحاجب: 2/ 300، ومختصر البعلي: ص/ 166، وفواتح الرحموت: 2/ 395، وتيسير التحرير: 4/ 234، والوسيط: ص/ 555.

(2)

واختاره الغزالي، وابن الحاجب وغيرهما.

راجع: المستصفى: 2/ 382، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 300، وتيسير التحرير: 4/ 234، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 391.

(3)

وهو قول الأكثر، واختاره أبو يعلى، وابن قدامة، والآمدي، والبيضاوي، والهندي، والطوفي، وغيرهم.

راجع: المحصول: 2/ ق/ 3/ 91، وروضة الناظر: ص/ 342، والمغني: 9/ 57، والإحكام للآمدي: 3/ 232، ومختصر الطوفي: ص/ 182، وصفة الفتوى: ص/ 30، ونهاية السول: 4/ 573 - 574، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 441، وروضة الطالبين: 11/ 106، والفروع: 3/ 103، وأدب القضاء لابن أبي الدم: 3/ 173، وفواتح الرحموت: 2/ 396، والفروع لابن مفلح: 6/ 491، وتيسير التحرير: 4/ 235، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 191.

(4)

واختاره أبو الخطاب، وابن قدامة، والطوفي، وغيرهم، وفي قول تحرم عليه كحكمه لنفسه، واختاره الغزالي، والرازي والآمدي، والقرافي، والكمال بن الهمام، وغيرهم =

ص: 133

ويجب على المفتي إذا تغير اجتهاده في المسألة التي أفتى بها أن يُعلِم المستفتي بذلك ليكف عن العمل بها.

وإن عمل هو، أو المستفتي بمسألة لم ينقض ذلك المعمول، لأن الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد، وهذا إذا كان القول الثاني في محل الاجتهاد (1).

وأما إذا كان نصًا قاطعًا، ينقض الأول قطعًا.

وكذا لا يضمن المتلف بافتائه إذا تغير اجتهاده.

وهذا -أيضًا- مفروض فيما لا قاطع فيه، وأما إذا تغير لقاطع يضمن لتقصيره (2).

= راجع: المستصفى: 2/ 382، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 91، والإحكام للآمدي: 3/ 232، وروضة الناظر: ص/ 342، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 441، والمجموع: 1/ 75، وتيسير التحرير: 4/ 236، وفواتح الرحموت: 2/ 396، والمسودة: ص/ 472، 543، ومختصر الطوفي: ص/ 182، وغاية الوصول: ص/ 150، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 191، وقد ذكر العلامة ابن القيم بحثًا مفصلًا عن تغير الفتوى بتغير الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، وهو نفيس في موضوعه.

راجع: أعلام الموقعين: 4/ 157 - 265، ذكر ذلك تحت عنوان فوائد تتعلق بالفتوى.

(1)

راجع: روضة الطالبين: 11/ 107، والمجموع: 1/ 75، وصفة الفتوى: ص/ 30، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 95، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 442، وغاية الوصول: ص/ 150، والمحلي على جميع الجوامع: 2/ 391.

(2)

راجع: الأنوار: 2/ 396، وصفة الفتوى: ص/ 31. والمجموع: 1/ 76، وروضة الطالبين: 11/ 107، وغاية الوصول: ص/ 150.

ص: 134

قوله: "مسألة يجوز".

أقول: هل يجوز أن يقال -لنبي أو عالم-:

احكم بما شئت، فإنك مصيب أم لا؟

وهذه المسألة تعرف بمسألة التفويض (1).

الجمهور على جوازه، وعدم الوقوع، أما الجواز، فلأنه ليس محالًا لذاته قطعًا، ولا لغيره أيضًا إذ الأصل عدم المانع.

قيل: جهل العبد بالمصلحة مانع إذ ربما اختار ما يكون المصلحة في خلافه.

قلنا: الكلام في الجواز لا في الوقوع، وجواز انتفاء المصلحة هو مذهب أهل السنة، ولئن سلمنا استلزام المصلحة لا نسلم جهله بها، لأنه

(1) وتبحث في علم الكلام كصفة من صفات اللَّه تعالى المتصلة بالتشريع وبالقدر توفيقًا، وتسديدًا، فذهب فريق من العلماء إلى جواز التفويض للنبي صلى الله عليه وسلم أو المجتهد، ومنعه أكثر القدرية، والمعتزلة، وصححه الرازي أبو بكر الحنفي، وتوقف فيه الشافعي، واختاره الرازي، وفصل آخرون فجوزوه للنبي صلى الله عليه وسلم دون العالم، وهو أحد قولي الجبائي، واختاره ابن السمعاني.

راجع: المعتمد: 2/ 329، واللمع: ص/ 76، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 185، والإحكام للآمدي: 3/ 236، والمسودة: ص/ 510، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 301، 302، ومناهج العقول: ص/ 3/ 175، ونهاية السول: 4/ 421، وفواتح الرحموت: 2/ 297، وتيسير التحرير: 4/ 236، وغاية الوصول: ص/ 150، وإرشاد الفحول: ص/ 264، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 391.

ص: 135

عند الأمر يلهم ما فيه المصلحة، فتكون المصلحة لازمة لما يختاره، ونقل عن الشافعي التردد، وقيل: في الجواز (1)، وقيل: في الوقوع.

وقيل: يجوز للنبي دون العالم؛ لأن رتبته تقصر عن (2) ذلك.

وأما عدم الوقوع، فلأنه لم يدل عليه دليل.

قالوا: قوله: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك"(3) دليل واضح على أنه مفوض إليه.

والجواب: أنه لا يدل على المقصود بل ربما قاله وحيًا.

قالوا: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ} [آل عمران: 93]. وتحريمه (4) لا يتصور إلا بتفويض التحريم إليه.

(1) واختار الرازي توقف الشافعي في الجواز لا في الوقوع، وقال الأكثر: إن توقف الشافعي في الوقوع لا في الجواز، فقد جزم به.

راجع: المحصول: 2/ ق/ 3/ 185، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 391، ونهاية السول: 4/ 421، وهمع الهوامع: ص/ 434.

(2)

راجع: المعتمد: 2/ 329، وإرشاد الفحول: ص/ 264.

(3)

رواه أحمد، ومسلم، وغيرهما عن أبي هريرة، وغيره.

راجع: صحيح مسلم: 1/ 151 - 152، ومسند أحمد: 1/ 214، 2/ 442، وسنن البيهقي: 1/ 35 - 37، والمستدرك: 1/ 146.

(4)

آخر الورقة (133/ ب من أ).

ص: 136

الجواب: لا نسلم أنه لا يتصور التحريم إلا بالتفويض، بل ربما كان بدليل ظني اجتهادًا.

قالوا: لما أمر الناس بالحج سأله الأقرع بن حابس (1)، أكل عام؟

فقال: "لو قلت لوجب"(2).

(1) هو الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع من أشراف تميم وساداتهم شهد هو وعيينة بن حصن فتح مكة، وحنينًا والطائف مع النبي صلى الله عليه وسلم وهما من المؤلفة قلوبهم، وقد قدم الأقرع على النبي صلى الله عليه وسلم مع وفد بني تميم، وهم الذين نادوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته فنزل فيهم قوله سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4] وتوفي الأقرع رضي الله عنه في معركة اليرموك شهيدًا في عشرة من بنيه.

راجع: الإصابة: 1/ 58، والاستيعاب: 1/ 96.

(2)

الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناس قد فرض اللَّه عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول اللَّه؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم. . ." الحديث رواه مسلم، وأحمد، والنسائي عن أبي هريرة، ولم يذكر فيه الأقرع ورواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، والدارمي، عن ابن عباس مرفوعًا، مع بيان أن السائل الأقرع بن حابس، وروى معناه الترمذي، وابن ماجه عن علي مرفوعًا، وكذا روى ابن ماجه مثله عن أنس مرفوعًا.

راجع: صحيح مسلم: 4/ 102، وشرح النووي عليه: 9/ 100، ومسند أحمد: 1/ 255، 291، 2/ 508، وسنن أبي داود: 1/ 400، وتحفة الأحوذي: 8/ 420، وسنن النسائي: 5/ 110 - 111، وسنن ابن ماجه: 2/ 207 - 208، وسنن الدارمي: 2/ 29، والمستدرك: 1/ 444.

ص: 137

فقد دل على أن الأمر كان إليه في ذلك.

الجواب: أنه لا توجد قضية تصلح دليلًا للوقوع نصًا فيه، بل كلها ظواهر لا يمكن (1) إثبات قاعدة علمية بها. وفي تعليق الأمر باختيار المأمور خلاف.

قيل: لا يجوز لما بين طلب الفعل، والتخيير من المنافاة.

وقيل: يجوز ويكون التخيير دليلًا على عدم الجزم في الطلب، والظاهر هذا إذ لا مانع عقلًا، ولا نقلًا (2)، بل في الحديث ما يدل على وقوعه حيث قال:"صلوا قبل المغرب". ثم قال: "لمن شاء"(3).

* * *

(1) آخر الورقة (122/ ب من ب).

(2)

راجع: تشنيف المسامع: ق (145/ أ)، والغيث الهامع: ق (154/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 392، وهمع الهوامع: ص/ 434.

(3)

رواه الإمام أحمد عن عبد اللَّه بن مغفل، ورواه البخاري عن عبد اللَّه المزني.

راجع: صحيح البخاري: 2/ 71، ومسند أحمد: 5/ 55.

ص: 138