الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة في بعض مسائل التصوف (الزهد والورع)
الخاتمة
قوله: "خاتمة".
أقول: جعل خاتمة (1) كتابه بعض مسائل التصوف (2).
(1) أنهى المصنف مؤلفه بالتكلم عن علم التصوف، والسلوك ليكون الدعاء إلى تطهير القلب خاتمة كتابه.
وقد ذكر الزركشي، والعراقي، والأشموني: أن المصنف تابع في هذه الخاتمة صاحب الشامل الصغير، ومنه استمد المصنف، وزاد عليه.
وقد تقدم معنى التصوف، وأصل اشتقاقه فيما سبق.
راجع: تشنيف المسامع: ق (187/ أ)، والغيث الهامع: ق (177/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 480.
(2)
قد صنف في التصوف، والزهد، والسلوك كتب كثيرة، وذكر شيخ الإسلام أن من المؤلفين من جعل الأصل ما روي عن متأخري الزهاد، وأعرض عن طريق الصحابة، والتابعين، كما فعل أبو القاسم القشيري في رسالته، وأبو بكر محمد بن إسحاق الكلاباذي، وابن خميس الموصلي في مناقب الأبرار، وأبو عبد الرحمن السلمي في تأريخ الصوفية، ومنهم من ألف في ذكر المتقدمين، والمتأخرين كما فعل أبو نعيم الأصبهاني في الحلية، وابن الجوزى في صفة الصفوة، وأبو القاسم التميمي في سير السلف، كما صنف أبو الرحمن السلمي -أيضًا- سير الصالحين من السلف، وسير الصالحين من الخلف، ذكر فيه أخبار أهل الزهد، والأحوال من بعد القرون الثلاثة من عند إبراهيم بن أدهم، والفضيل ابن عياض، وأبى سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، ومن بعدهم.
راجع: مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 10/ 367 - 369.
وصدر بمسألة أول الواجبات -وإن لم تكن من التصوف (1) - إيماء إلى أنها الركن الأعظم في الطريق الموصل إلى اللَّه تعالى. فنقول: قد اختلف في أول ما يجب على المكلف.
(1) كان للزهاد عدة أسماء منها الصوفية، والفقراء، والجوعية، والفقرية، والفكرية، والمغاربة، وقد تنازع الناس في التصوف، والصوفية إلى أقوال: ذهب فريق من أئمة الفقه، وبعض المتكلمين إلى ذم الصوفية والتصوف، وقالوا: إنهم مبتدعون خارجون عن السنة.
وذهب فريق آخر إلى الغلو فيهم مدعيًا أنهم أفضل الخلق بعد الأنبياء، وقد ذكر شيخ الإسلام أن كلا الفريقين على خطأ بين إفراط وتفريط، والصواب: أن الصوفية مجتهدون في طاعة اللَّه تعالى كغيرهم، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد، فيخطئ، وفيهم من يذنب فيتوب، أو لا يتوب، ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه عاص لربه علمًا بأنه قد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع، والزندقة، وهم ليسوا منهم في شيء، وقد أنكر عليهم أهل التحقيق من الصوفية كسيد الطائفة الجنيد بن محمد رحمه اللَّه تعالى، ثم صارت الصوفية بعد ذلك ثلاثة أصناف:
صوفية الحقائق: وهم أهل الطبقة الأولى من الزهد، والاتباع للكتاب، والسنة.
وصوفية الأرزاق: وهم الذين وقفت عليهم الوقوف، ولكنهم يتصفون بالعدالة الشرعية بحيث يؤدون الفرائض، ويجتنبون المحارم، ويتأدبون بآداب أهل الطريق الشرعية لا البدعية، ولا يتمسكون بفضول الدنيا.
وصوفية الرسم: وهم المقتصرون على النسبة، فهمهم في اللباس، والآداب الوضعية.
راجع: مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 10/ 368، 11/ 17 - 20، وشرح جوهرة التوحيد: ص/ 210 - 213.
قال الشيخ: هو معرفة اللَّه تعالى لكونها أصل المعارف. وقال الأستاذ: هو النظر في معرفته تعالى.
وقال القاضي، والإمام: هو القصد إلى النظر، هكذا في شرح المقاصد (1) وزاد المصنف مذهبًا آخر، ونسبه إلى القاضي، وهو أول النظر، ونسب القصد إلى ابن فورك، وإمام الحرمين.
والحق: ما في شرح المقاصد (2)، إذ لا معنى لوجوب أول أجزاء النظر بدون النظر لعدم استقلاله.
(1) اختُلِف في أول واجب على المكلف على أقوال كثيرة منها ما ذكرها الشارح وبعضهم أوصلها إلى بضعة عشر قولًا، وأرجح المذاهب وأولاها هو أن أول الواجبات على المكلف العلم باللَّه، ودينه، ورسوله لقوله تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] وقوله: {وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [إبراهيم: 52].
وهذا قول الأشعري، وعامة أهل الحديث، وسلكوا في هذا طريق السلف، ونهوا عن ملابسة الكلام، لأنه مخترع، ومحدث بعد انصرام زمن الصحابة، والتابعين، وأنكروا قول أهل الكلام: إن أول الواجبات النظر، لأن الفقهاء اتفقوا على أن الكافر لو قال: أمهلوني لأنظر، وأبحث لا يمهل، ولا ينظر، ولكن يقال له: أسلم في الحال، وإلا فأنت معروض على السيف.
راجع: الخلاف في هذه المسألة: المحصل للرازي: ص/ 65، والمواقف للإيجي: ص/ 32 - 33، والإرشاد للجويني: ص/ 29، وشرح المقاصد: 1/ 271 - 273، وتشنيف المسامع: ق (187/ أ - ب)، والغيث الهامع: ق (177/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 430، وهمع الهوامع: ص/ 480، وشرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار: ص/ 39، 70.
(2)
راجع: شرح المقاصد: 1/ 272.
ثم وجه التوفيق بين المذاهب المذكورة: أنه إن أريد أول الواجبات المقصودة، فلا شك أنه معرفة اللَّه، وإن أريد أعم من المقصود بالذات، فهو القصد (1).
ولما كان النظر مستلزمًا للقصد ألغى بعضهم (2) ذكر القصد.
وما قيل (3): من أنه علم منه أن الطريق إلى معرفته هو النظر لا غير ليس بشيء إذ لا حصر في كلامه.
قوله: "وذو النفس الأبية".
أقول: روى البيهقي -في شعب الإيمان- عن سهل بن سعد (4) الساعدي أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إن اللَّه يحب معالي الأمور ويكره سفسافها"(5).
(1) ذكر الرازي، والإيجي أن الخلاف لفظي، كما قال الشارح، وذكر الزركشي أن الخلاف معنوي.
راجع: المحصل للرازي: ص/ 65، والمواقف للإيجي: ص/ 32، وتشنيف المسامع: ق (187/ ب) والغيث الهامع: ق (177/ ب).
(2)
جاء في هامش (أ)"الزركشي".
راجع: تشنيف المسامع: ق (187/ ب).
(3)
راجع: تشنيف المسامع: ق (187/ ب).
(4)
هو سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة الأنصاري الساعدي من مشاهير الصحابة، كان اسمه حزنًا فغيره النبي صلى الله عليه وسلم إلى سهل، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة سنة إحدى وتسعين، وقيل قبل ذلك.
راجع: الإصابة: 2/ 88، والاستيعاب: 2/ 95.
(5)
ورواه الطبراني أيضًا في الكبير، والأوسط بنحو الحديث المذكور قال الهيثمي: وفيه خالد بن إلياس ضعفه أحمد، وابن معين، والبخاري، والنسائي، وبقية رجاله ثقات، =
والسفساف -لغة-: الشيء الحقير الدني (1)، وهذا الكلام منه صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم، فإنه ينطبق على جميع جزئيات أسباب السعادة، والشقاوة.
ومراد المصنف من إيراده في علم التصوف أن أهل التصوف هم الذين غير ملتفتين إلى الدنيا الدنية (2)، بل نظره مقصود إلى النعيم الباقي، بل إلى مولى النعم الذي هو أرفع المطالب الذي يستحقر دونه كل مطلوب.
= لكنه قال: رجال المعجم الكبير ثقات، ورواه ابن عدي، والقضاعي، وله ألفاظ مختلفة.
راجع: الجامع لشعب الإيمان، والمعجم الكبير: 3/ 131 برقم 2894، والمعجم الأوسط: 3/ 449 برقم 2964، والكامل لابن عدي: 1/ 114، ومسند الشهاب: 2/ 150، ومجمع الزوائد: 8/ 188، والمراد من الحديث أن صاحب النفس الأبية يرفعها بالمجاهدة عن الأمور الدنية من الأفعال القبيحة، والأخلاق المذمومة كالكبر، والعجب، والغضب، والحقد، والحسد، وسوء الخلق، وقلة الاحتمال، ويجنح بها إلى معالي الأمور من الأفعال الحسنة، والأخلاق المحمودة كالتواضع، والصبر، وسلامة الباطن، والزهد، وحسن الخلق، وكثرة الاحتمال فهو عالي الهمة.
راجع: المحلي على جمع الجوامع: 2/ 430 - 431، وهمع الهوامع: ص/ 481.
(1)
وهو ضد المعالي، والمكارم، وأصله ما يطير من غبار الدقيق إذا نخل، والتراب إذا أثير.
راجع: النهاية لابن الأثير: 2/ 373 - 374.
(2)
يعني أن أهل الزهد من السلف الصالح انصرفوا عن الدنيا التي تغوي الإنسان، وتلهيه عن ربه، لا أنهم يتركون الدنيا التي تعينهم على طاعة اللَّه، وتقواه، وتعفهم عن مسألة الناس، كما فعله بعض المتأخرين من أدعياء الزهد، والتصوف، وعاشوا عالة على غيرهم بدعوى التوكل على اللَّه تعالى، وهي دعوى يكذبها الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة.
راجع: مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 10/ 641 - 642، وسيأتي مزيد تفصيل لهذه المسألة في آخر البحث هذا إن شاء اللَّه تعالى، وذلك عند كلامه على التوكل، والتفويض، ومباشرة الأسباب.
قوله: "ومن عرف ربه".
أقول: العارف بربه هو الذي يرى الكائنات مستندة إليه تعالى بلا واسطة، وليس لأحد صنع سواه تعالى، وأيقن أنه الغني المطلق، وبيده النفع، والضر، وله الكمال المطلق. فإذا عرف الرب تعالى على الوجه المذكور لزم منه أمور منها: ما يرجع إليه، ومنها: ما يرجع إليه تعالى.
أما ما يرجع إليه هو تصور التبعيد، والتقريب (1)، فإنه قد جزم بأنه يفعل ما يشاء ليس لأحد صنع، وإذا تصور ذلك لزم منه الخوف، والرجاء، وقدم الخوف على الرجاء، لأن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح.
وإذا اتصف بهما لزم من ذلك الامتثال لأوامره، والاجتناب عن معاصيه، إذ من ادعى معرفته تعالى وهو منهمك في مخالفته، فقد كذب في دعواه لأنه لو تصور عظمته، واقتداره، وأنواع عقابه لم تتحرك منه شعرة إلى نحو المخالفة (2).
(1) أي من عرف ربه تصور تبعيده منه بإضلاله، وتقريبه إليه بهدايته، فخاف عقابه، ورجا ثوابه كما ذكر الشارح.
(2)
قال الإمام الشافعي رحمه الله:
"تعصي الإله وأنت تظهر حبه
…
هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقًا لأطعته
…
إن المحب لمن يحب مطيع
في كل يوم يبتديك بنعمة
…
منه وأنت لشكر ذاك مضيع"
راجع: ديوانه: ص/ 58.
وإذا تحلى بلباس التقوى، وجانب أسباب الغواية والهوى، فقد كمل ما هو راجع إليه، واستعدت النفس لقبول الفيض (1) من الجناب الأعلى الذي فيضه عام لا يتخلف عند قابلية المحل، مَنًّا وفضلًا.
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يا معاذ بن جبل قال: لبيك يا رسول اللَّه، قال (2): هل تدري ما حق اللَّه على العباد؟ قال: اللَّه ورسوله أعلم، قال: حق اللَّه على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا. ثم قال: وهل تدري ما حق العباد على اللَّه، إن فعلوا ذلك؟ قال: اللَّه ورسوله أعلم، قال: أن لا يعذبهم، ويدخلهم الجنة"(3) ولفظ الحق من طرف العباد، ذكر مشاكلة، أو حق عليه تعالى لموجب وعده، لأنه لا يخلف الميعاد.
فهذا الحديث دليل واضح على أن العبد إذا أتى بالعبادات واجتنب المعاصى من الذين قال اللَّه في حقهم: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54](4) وإذا أحبه كان عند العبد بمنزلة سمعه الذي به يسمع، وبصره الذي به
(1) الفيض: هو عبارة عن التجلي الحسي الذاتي الموجب لوجود الأشياء، واستعداداتها في الحضرة العلمية، ثم العينية.
راجع: التعريفات: ص/ 169 وهو مصطلح تداوله الصوفية، آخذًا من الأثر، والحديث الذي سيأتي بعد قليل، وفيه:"كنت سمعه الذي يسمع به إلى آخره".
(2)
آخر الورقة (134/ ب من ب).
(3)
راجع: صحيح البخاري: 8/ 130، 140، وصحيح مسلم: 1/ 43.
(4)
يبصر، ويده التي بها يبطش، واتخذه اللَّه وليًا إن سأله أعطاه، وإن استعاذ به أعاذه (1).
واعلم أن هذا الحديث الذي أورده المصنف من الصحيح المتفق على صحته، ومن الأحاديث التي اختلف فيها الخلف والسلف (2)، ونحن نذكر
(1) روى البخاري، وأحمد، وغيرهما عن أبي هريرة، وعائشة رضي الله عنهما فعند البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه قال: من عادى لي وليًا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت، وأنا أكره مساءته" وعند أحمد عن عائشة: "من أذل لي وليًا فقد استحل محاربتي. . .".
راجع: صحيح البخاري: 8/ 131، ومسند أحمد: 6/ 256.
(2)
قد استشكل ظاهر هذا الحديث إذ كيف يكون الباري جل علا سمع العبد، وبصره ويده إلخ؟
فأجاب العلماء على ذلك بوجوه كثيرة، ليردوا على الاتحادية الذين زعموا أن الحديث على ظاهره، وحقيقته، وأن الحق عين العبد محتجين بمجئ جبريل في صورة دحية، وهو روحاني خلع صورته، وظهر بمظهر البشر، فاللَّه أقدر على أن يظهر في صورة الوجود الكلي، أو بعضه، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا، وملخص الوجوه التي حمل أهل الحق ظاهر الحديث عليه هي كالآتي:
أحدها: المراد منه التمثيل والمعنى يؤثر طاعتي، ويحب خدمتي كما يحب هذه الجوارح.
ثانيها: أن المعنى كليته مشغولة بذاتي، فلا يسمع إلا ما يرضيني، ولا يرى إلا ما أمرته به إلخ.
ثالثها: المعنى أجعل له مقاصده كأنه ينالها بسمعه، وبصره. =
بعض معانيه الموافقة لقانون الشرع فنقول: كونه تعالى نفس السمع، والبصر حقيقة محال بأول الفطرة، فلا يراد من الكلام قطعًا.
فالمعنى: أنه إذا بلغ العبد إلى كمال المعرفة، وارتاض بالطاعات، وكف عن غيره تعالى، فكل شيء يراه أو يسمعه، لا يرى فيه ولا يسمع إلا من جهة الحق، وأنه من آثار الصانع (1) وآية من آياته.
= رابعها: كنت له في النصرة كسمعه، وبصره، ويده، ورجله في المعاونة على عدوه.
خامسها: أنه على حذف مضاف، أي: كنت حافظًا سمعه، فلا يسمع إلا ما يحل إلخ.
سادسها: أن معنى سمعه مسموعه، لأن المصدر قد جاء بمعنى المفعول مثل فلان أملي، أي: مأمولي، والمعنى أنه لا يسمع إلا ذكري، ولا يلتذ إلا بتلاوة كتابي، ولا يأنس إلا بمناجاتي، ولا ينظر إلا في عجائب ملكوتي، ولا يمد يده إلا فيما فيه رضاي؛ ورجله كذلك.
سابعها: المراد منه سرعة إجابة الدعاء. والنجح في الطلب، لأن مساعي الإنسان كلها إنما تكون لهذه الجوارح المذكورة.
وقيل: هذه أمثال والمعنى توفيق اللَّه تعالى لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء فلا يتصرف فيها إلا بما يرضيه تعالى.
قلت: ولا منافرة بين هذه الأقوال بل يجمعها معنى واحد، وهو أن يحب العبد ما يحبه اللَّه، ويبغض ما يبغضه اللَّه، ويرضى بما يرضى اللَّه، ويغضب لما يغضب اللَّه، ويأمر بما يأمر اللَّه به، وينهى عما ينهى اللَّه عنه، ويوالي من يواليه اللَّه، ويعادي من يعاديه اللَّه، ويحب للَّه، ويبغض للَّه، ويمنع للَّه بحيث يكون موافقًا لربه تعالى، فهذا المعنى هو حقيقة الإيمان، وكماله.
راجع: فتح الباري: 14/ 129 - 130، وشرح القسطلاني: 9/ 289، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام: 2/ 340 وما بعدها، والأحاديث القدسية: ص/ 81 - 84.
(1)
آخر الورقة (154/ ب من أ).
ففى كل شيء له آية
…
تدل على أنه (1) واحد
وهو إشارة إلى مقام الفناء (2) الذي هو أعلى مقامات الواصلين فإنه يصير السالك في ذلك المقام فانيًا عن نفسه، وفانيًا عن فنائه لا يتصور إلا
(1) هذا البيت لأبي العتاهية من عدة أبيات بدايتها:
ألا إننا كلنا بائد
…
وأي بني آدم خالد
وبدؤهم كان من ربهم
…
وكل إلى ربه عائد
فيا عجبًا كيف يعصى الإله
…
أم كيف يجحده الجاحد؟
وللَّه في كل تحريكة
…
وفي كل تسكينة شاهد
وفي كل شيء له آية
…
تدل على أنه الواحد
راجع: ديوانه: ص/ 62.
(2)
الفناء ثلاثة أنواع:
النوع الأول: فناء الكاملين من الأنبياء، والصالحين من الأولياء، وهو فناء القلب عن إرادة ما سوى اللَّه بحيث لا يحب إلا اللَّه، ولا يعبد إلا إياه ولا يتوكل إلا عليه، ولا يطلب غيره، فهذا حق وصحيح، وهو محض التوحيد، والإخلاص، وهذا هو القلب السليم الذي قال فيه اللَّه عز وجل:{إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 89] وهذا المعنى إن سمي فناء، أو لم يسمَّ هو أول الإسلام وآخره، وباطن الدين، وظاهره، وهذا هو الفناء المحمود.
النوع الثاني: فناء القاصدين من الأولياء، والصالحين وهو فناء القلب عن شهود ما سوى اللَّه، وهذا يحصل لكثير من السالكين، فالأول فناء عن الإرادة، وهذا فناء عن الشاهدة، وذاك فناء عن عبادة الغير، والتوكل عليه، وهذا فناء عن العلم بالغير، والنظر إليه، فهذا الفناء فيه نقص؛ لأن شهود الحقائق على ما هي عليه، وهو شهود الرب مدبرًا لعباده، أمرًا بشرائعه أكمل من شهود وجوده، أو صفة من صفاته أو اسم من =
ثنينية، لا على معنى الحلول (1)، والاتحاد (2) كما عليه بعض الضالين، بل بمعنى الغفلة عن غيره تعالى، والمواظبة على طاعته وشغل السر به.
= أسمائه، وعامة ما يوجد في كتب أصحاء الصوفية من هذا النوع الثاني، وأكابر الأولياء كأبي بكر، وعمر، والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار لم يقعوا في هذا الفناء فضلًا عمن فوتهم من الأنبياء، وإنما وقع شيء من هذا بعد الصحابة.
الثالث: فناء الملحدين المنافقين المشبهين، وهو الفناء في الموجود بمعني أنه يرى أن اللَّه هو الوجود، وأنه لا وجود لسواه لا به، ولا بغيره وهو قول الاتحادية، والزنادقة من المتأخرين الذين يجعلون الحقيقة أنه عين الموجودات، وحقيقة الكائنات تعالى اللَّه عما يقولون.
راجع: مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 10/ 218 - 223، 337 - 343، ومدارج السالكين بين منازل إياك نعبد، وإياك نستعين: 3/ 368 - 387.
(1)
الحلول: عبارة عن اتحاد الجسمين بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر كحلول ماء الورد في الورد، فيسمى الساري حالًا، والمسري فيه محلًا.
وهو نوعان: حلول مقيد قال به البعض، وحلول مطلق قال به الجهمية، وكلاهما باطل.
راجع: مجموع الفتارى: 10/ 59، والتعريفات: ص/ 92.
(2)
الاتحاد: هو تصيير الذاتين واحدة، ولا يكون إلا في العدد من الاثنين فصاعدًا، وهو ثلاث أنواع:
الاتحاد المطلق: الذي هو قول أهل وحدة الوجود الذين يزعمون أن وجود المخلوق هو عين وجود الخالق، وهذا تعطل للصانع وجحود له.
الاتحاد المقيد: وهذا ممتنع على اللَّه تعالى أيضًا، لأن الخالق، والمخلوق إذا اتحدا، فإن كانا بعد الاتحاد اثنين كما كان قبل الاتحاد، فهذا تعدد وليس باتحاد، وإن كانا استحالا إلى شيء ثالث، كما يتحد الماء، واللبن، والنار، والحديد، ونحو ذلك مما يثبته النصارى بقولهم في الاتحاد، لزم من ذلك أن يكون الخالق قد استحال، وتبدلت حقيقته كسائر ما يتحد مع غيره، فإنه لا بد أن يستحيل تعالى اللَّه عن ذلك. =
وناهيك في هذا الباب حديث النسوة، مع يوسف، وعدم الإحساس بقطع اليد (1) لاستغراقهن بمطالعة جماله، وفنائهن عن الوجود، وإذا كان هذا حال الناقصات عقلًا مع بشر، فالمهيمون بحضرة القدس المستغرقون في أنوار جلاله وجماله أولى، وأحرى بالفناء عما سواه.
اللهم اجعلنا من الواصلين إلى ذلك الأثر لا الواقفين على سماع الخبر، وأغرقنا في بحار التجلي، ولا تجعلنا من العاكفين على ساحل التمني.
قوله: "ودنيء الهمة لا يبالي".
أقول: من ركن إلى الدنيا بشراشره، وقصر نظره على الحطام، وصار في عداد الأنعام لا يبالي بالأمور، ولا يفرق بين الضار والنافع، فهو الذي أشير إليه في قوله تعالى:{أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179].
= الثالث الاتحاد الوصفي أو النوعي: وهو أن يحب العبد ما يحبه اللَّه، ويبغض ما يبغضه اللَّه، ويرضى بما يرضى اللَّه، ويحب للَّه، ويعطي ويمنع للَّه، فهذا المعنى من الاتحاد حق، وهو حقيقة الإيمان، وكماله كما تقدم.
راجع: مجموع الفتاوى: 2/ 338 - 340.
(1)
يعني بذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: 31].
وقال المصنف: ذاك الذي جهله فوق جهل الجاهلين (1)، لأنه أضل من الأنعام، ولا يتصور جهل فوق هذا.
أو قل: من ترك عيش الآخرة، ونعيمها الدائم، وركن إلى الدنيا الفانية، واطمأن بها هو الذي جهله لا يكتنه كنهه، ولا يقادر قدره، وقد ورد أن الآخرة لو كانت من الخزف الباقي، والدنيا من الذهب الفاني، فكان الواجب على من له مسكة (2) من العقل اختيار الباقي (3)، فكيف
(1) أخذًا من بيت قاله عمرو بن كلثوم في معلقته التي يذكر فيها أيام بني تغلب ويفتخر بهم، والتي مطلعها:
ألا هبي بصحنك فاصبحينا
…
ولا تبقي خمور الأندرينا
إلى قوله:
ألا لا يجهلن أحد علينا
…
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
راجع: شرح المعلقات السبع: ص/ 94، 102.
(2)
المسكة على وزن غرفة، وهو من الطعام، والشراب ما يمسك الرمق، ويقال: ليس لأمره سكة، أي: أصل يعول عليه، وليس له، مسكة، أي: عقل، وليس به مسكة، أي: قوة.
راجع: المصباح المنير: 2/ 573، ومختار الصحاح: ص/ 624 - 625.
(3)
هذا من كلام الفضيل رحمه اللَّه تعالى وليس أثرًا كما قد توهمه العبارة.
راجع الإحياء: 3/ 207، والأحاديث الواردة في ذم الدنيا التي تلهي العبد عن ربه كثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم:"الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر اللَّه وما ولاه، وعالم، أو متعلم"، وقوله:"لو كانت الدنيا تعدل عند اللَّه جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء".
راجع: سنن الترمذي مع التحفة: 6/ 611، وما بعدها.
والدنيا مزبلة، والآخرة أعلى منزلة؟ ونتيجة ذلك الجهل الدخول في ربقة المارقين من الدين النافرين عنه.
وإذا دخل في زمرتهم، وعدادهم، فالآيات الواردة في قبح حالهم الناعية عليهم بكل سوء في العقبي لا تعد، ولا تحصى، ولا على أحد من الناس تخفى (1).
قوله: "فدونك صلاحًا".
أقول: لما بين أن سلوك طريق الحق ماذا أمده، وغايته من القرب من حضرة رب العالمين، والعدول عنه كيف يدخل في ربقة الضالين الخاسرين حث على تعاطى أسباب تلك السعادة، وحذر عن التلبس بما يورث تلك الشقاوة، فعليك بصالح [العمل](2)، وإياك وما يورث الندامة، والخجل، وقد راعى في ترتيب الأمور المذكورة في العبارة ترتبها حسب نفس الأمر، مع طباق (3) كل صفة، مع مقابلتها، فإن الصلاح هو الاستقامة على الوجه
(1) راجع: تشنيف المسامع: ق (189/ ب) والغيث الهامع: ق (178/ ب) والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 431، وهمع الهوامع: ص/ 481.
(2)
ما بين المعكوفتين سقط من (أ) وأثبت بهامشها.
(3)
الطباق: الجمع بين الشيء، وضده في الكلام، وهو نوعان:
طباق الإيجاب: وهو ما لا يختلف فيه الضدان إيجابًا، وسلبًا كما ذكر المصنف وكقوله تعالى:{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} [الكهف: 18].
وطباق السلب: وهو ما اختلف فيه الضدان إيجابًا، وسلبًا كقوله:{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ} [النساء: 108].
راجع: البلاغة الواضحة: ص/ 280 - 281، والإيضاح للقزويني: 2/ 477.
المشروع المأمور، فهو أول منازل السائرين إلى اللَّه تعالى، ومقابله الفساد الذي هو سلوك طريق الغواية، فإذا لم يكن السائر السالك على الجادة القويمة ماذا ينفعه سرى الليالي، وظمأ الهواجر في الفيافي. ثم يترتب على الصلاح الفوز بالرضا، وعلى الفساد خسارة الصفقة وخيبة الرجاء.
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
…
إن السفينة لا تمشي على اليبس (1)
وإذا فاز بالرضا قرب من مهمة البعد، إلى ساحة الحضور.
وإن مسه نار السخط، فصار في سلك المطرودين عن باب الرحمة الواسعة، وهلك في مفازة الوحشة، والأقطار الشاسعة.
ثم يدخل ذلك في ديوان السعادة، ويتمتع بالنعيم، ويسقط هذا في الدرك الأسفل، ويتجرع الحميم في الجحيم، فتنبه أيها النائم عن سنة الغفلة، والغرور، لعلك تحظى بجوار اللَّه في دار السرور، وتنجو من لهب البعاد، ونار الثبور.
قوله: "وإذا خطر لك أمر".
أقول: سالك طريق الآخرة كالتجار المسافرين لنيل الربح، والنجاة من الفقر، وكما أن تاجر الدنيا لا بد له من طريق آمن ليسلم رأس ماله، ويفوز بما يرجوه من أنواع الربح، وإلا يذهب رأس ماله على يد قطاع الطريق، ويهلك هو إما بسبب الحرامي، أو بنار الحسرات على فوت رأس ماله، وسوء حاله.
(1) البيت للإمام الشافعي رحمه اللَّه تعالى. راجع: ديوانه: ص/ 51.
كذلك سالك طريق الآخرة الشيطان له عدو مبين، ولم يزل بالمرصد، ليحتال كيف يصطاد، وعنده فنون، وأنواع من الحبائل ينصبها في الغدوات، والأصائل.
فعلى السالك -بعد تيقظه، وإرادة سلوك سبيل الآخرة- أخذ العدة لقهر ذلك العدو اللعين الذي لا يفارق المرصد، والكمين، وليس النجاة منه إلا بالتمسك بعروة الشريعة الغراء، فإنها المحجة (1) البيضاء لم ينكب قط سالكها، ولا انتهب يومًا سابلها.
فإذا وقع للسالك شبهة في سلوكه يحاذي بها تلك المحجة، فإن اتصلت بها، فهي من شعبها، وفروعها، فيجزم بسلامة السالك، ونجاته من المهالك، وإن لم تدخل في تلك الفروع فليجانبها، فإنها عين الضلالة وأحبولة من حبائل الشيطان. ثم كما يفسد متاع التاجر بالغفلة عنه، وعدم الكشف عن حاله هل وصل إليه آثار الشمس، أو الماء، أو سائر آفات الأقمشة، ربما وصل إلى المقصد، وهو في غاية النشاط، والسرور
(1) المحجة -بالفتح-: جادة الطريق، مفعلة من الحج، وهو القصد، والميم زائدة، وجمعها المحاج بتشديد الجيم، ومنه قول علي رضي الله عنه:"ظهرت معالم الجور، وتركت محاج السنن".
والبيضاء: الواضحة التي لا لبس فيها، ولا خفاء، ومنه حديث أبي الدرداء.
قال: خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ونحن نذكر الفقر، ونتخوفه، فقال:"آلفقر تخافون، والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صبًا حتى لا يُزيغ قلبَ أحدكم إزاغة إلَّا هِيَه، وايم اللَّه لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها، ونهارها سواء".
راجع: النهاية لابن الأثير: 1/ 172 - 173، 4/ 301، والمصباح المنير: 1/ 68 - 69، 121، وسنن ابن ماجه: 1/ 5 - 6.
ولما فتح متاعه وجده قد أفسده الحر، أو الماء مثلًا، فذاك أقوى ما يتصوره من الخسارة، وأنهى ما يكون في الحسرات، والندامة، فكذلك السالك يجب عليه أن يعرض كل ما يأتي به من الأعمال على محل الإخلاص (1)، ولا يشوبه بالعجب، والرياء، ولا يشينه بالحسد، والأخلاق المذمومة شرعًا.
وإن وقع في قلبك شيء من الأمور المنهية من غير قصد إلى ذلك فلا عليك منه إذ ذلك لا ينقص من عملك شيئًا، لأن اللَّه قد تجاوز عنه.
قوله: "واحتياج استغفارنا".
(1) لقبول الأعمال، والطاعات المتعبد بها أصلان، أو شرطان:
الأصل الأول: أن لا يعبد إلا اللَّه، وهو المراد بالإخلاص لقوله تعالى:{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112] وقوله: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] فقوله: {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} وقوله: {أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} [البقرة: 112] فهو إخلاص الدين للَّه وحده.
الثاني: أن لا يعبد اللَّه إلا بما شرع، وهو المراد باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:"اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا" وقال الفضيل بن عياض -في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]- قال: "أخلصه، وأصوبه، قالوا: يا أبا علي ما أخلصه، وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصًا، ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا، ولم يكن خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا صوابًا والخالص أن يكون للَّه، والصواب أن يكون على السنة".
راجع: مجموع الفتاوى: 10/ 172 - 174، وتيسير العزيز الحميد: ص/ 525، وتفسير ابن كثير: 4/ 397، وتفسير الشوكاني: 5/ 258 - 259.
أقول: لما ذكر أن العمل لا يعتد به إلا إذا كان موزونًا بالشرع، منقحًا عن شوائب الرياء، والعجب، وكانت هذه المنزلة عالية لا يقدر على الوفاء بها كل قاصر، بل ذلك شأن الخلص الموفقين.
فقال: إنما ذكرت لك ذلك لتسعى في تحصيله بالمواظبة على الطاعات ومخالفة النفس، والسالك في أول السير لا بد له من تلك الخطرات، فلا يترك -من خوف ذلك- أصل العمل المأمور به، لأن ما لا يدرك كله لا يترك بعضه.
وقد اشتهر أن الرياء قنطرة الإخلاص، وأيد ما قصده بقول من هو إمام مشهور في هذا الشأن الشيخ القدوة شهاب الدين عمر (1) السهروردي (2) تغمده اللَّه برضوانه إذ قوله:
(1) وقيل: اسمه يحيى بن حبش بن أميرك، وكنيته أبو حفص، وقيل: أبو الفتح حكيم، متكلم، فقيه، أصولي، أديب، شاعر، ناثر، مناظر ولد في سهرورد، ونشأ بالمراغة، وعاش بأصفهان، ثم ببغداد، ثم بحلب، ونسب إليه انحلال العقيدة، وتزهد زهد مزدك، فأفتى العلماء بإباحة دمه فألقي في سجن حلب وتوفي فيه سنة (587 هـ) وقد دفع الاختلاف في اسمه، وكنيته البعض إلى ترجمته مرتين على اعتبار أنهما شخصان كما فعله صاحب معجم المؤلفين، وله مؤلفات منها: التنقيحات في أصول الفقه، وحكمه الإشراق، وغير ذلك.
راجع: مرآة الجنان: 3/ 434، ووفيات الأعيان: 6/ 268، والعبر: 4/ 290، وعيون الأنباء: ص/ 641 - 646، والنجوم الزاهرة: 6/ 114، ولسان الميزان: 3/ 156، وشذرات الذهب: 4/ 290، والذيل على كشف الظنون: 3/ 330، وهدية العارفين: 2/ 521، ومعجم المؤلفين: 7/ 310، 13/ 190 - 199.
(2)
سهرورد: بضم أوله، وسكون ثانيه، وفتح الراء، والواو، وسكون الراء ودال مهملة بلدة قريبة من زنجان بالجبال نسب إليها كثير من العلماء.
راجع: معجم الأدباء: 13/ 189 ومعجم البلدان: 3/ 289.
اعمل وإن (1) خفت العجب مستغفرًا مجمل ما فصله هذا في العمل الذي وزن بميزان الشرع، وكان موافقًا لقانونه. وأما الذي لا يوافقه -فبعد العراض على الميزان، ووجدانه زيفًا- إياك أن تواقعه، الحذر كل الحذر، فإن قصدت إليه، ووطنت النفس عليه، فهي معصية، فاستغفر عنها، فإن من هيأ أسباب شرب الخمر اليوم ليسكر في غد، ووطن النفس عليه، واغتالته المنية، فهو آثم، ولا بد من بسط الكلام هنا، لأنه مزلة الأقدام.
فنقول: ما يقع في النفوس له خمس مراتب:
الأولى: هواء حس النفس، وهي الواردات التي لا قدرة للعبد على دفعها، فلا مؤاخذة عليها (2) كما لا ثواب عليها إذ مناط الثواب، والعقاب الأفعال الاختيارية.
الثانية: خواطر النفس، وهو أن يجريها باختياره، ويتردد هل أفعل، أم لا أفعل؟ وهذا -أيضًا- لا يصلح مناطًا للثواب، والعقاب، لأنه لم يحكم بشيء، والتصورات الخالية عن الحكم لا يتعلق بها ثواب ولا عقاب لخلوها عن الأحكام، فحيث لا حكم لا ثواب، ولا عقاب.
(1) آخر الورقة (155/ ب من أ).
(2)
لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
ولحديث أبي هريرة عند أحمد، وغيره:"إن اللَّه تجاوز لأمتي عن كل شيء حدثت به أنفسها" وفي رواية: "عما حدثت به أنفسها".
راجع: مسند الإمام أحمد: 2/ 393، 425، 474، 481، 491.
الثالثة: حديث النفس، وهي رتبة أعلى (1) من الأولى، والثانية، ولكن لا قصد إلى الفعل أيضًا إلا أنه أكد الخاطر بأن حدثته نفسه أنه يحب أن يفعله، ولكن لم يهم، ولم يقصد إلى ترجيح الفعل.
[الرابعة: الهمّ وهو ترجيح قصد الفعل] وهذه المرتبة تفارق فيها الحسنة السيئة، فإن كان الأمر الذي قصده خيرًا كتب له حسنة، وإن كان معصية لم يكتب عليه ما لم [يعمل أو](2) يتكلم، وإن ترك السيئة بعد القصد كتبت له حسنة (3).
والمرتبة الخامسة: قوة القصد، والعزم، واطمئنان النفس إليه والركون التام، فذلك مؤاخذ به عند المحققين (4) للإجماع على المؤاخذة
(1) آخر الورقة (135/ ب من ب).
(2)
سقط من (أ) وأثبت بهامشها.
(3)
لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك، وتعالى قال:"إن اللَّه كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها اللَّه عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها اللَّه عنده عشر حسنات إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة وإن هم بسيئة، فلم يعملها كتبها اللَّه عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها اللَّه سيئة واحدة".
راجع: صحيح البخاري: 8/ 128، وصحيح مسلم: 1/ 82.
(4)
قلت: وشارحنا منهم رحمهم اللَّه تعالى جميعًا، وبهذا التقسيم للإرادة يكون الشارح قد جمع بين النصوص التي وردت بالتفريق بين الهام، والعامل، والتي لم تفرق بينهما، أو بين إرادة، وإرادة، علمًا بأن الإرادة -كما ذكر- تختلف، وتتفاوت قوة، وضعفًا فالأحاديث، أو النصوص التي فرقت بين المريد، والفاعل إنما هي فيما دون الإرادة الجازمة: حيث لم يقع الفعل المراد، مع وجود القدرة التامة، فهنا ليست =
بأفعال القلوب، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول اللَّه هذا القاتل، فما بال المقتول؟
قال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه" (1) جعل علة استحقاق النار الحرص على قتل صاحبه.
= الإرادة جازمة جزمًا تامًا، وعلى هذه يحمل حديث "ومن هم بسيئة ولم يعملها" الحديث تقدم. فهذا في رجل يمكنه الفعل، ولهذا قال:"فعملها""فلم يعملها" ومن أمكنه الفعل فلم يفعل لم تكن إرادة جازمة فإن الإرادة الجازمة، مع القدرة، مستلزمة للفعل.
وأما النصوص إلى وردت بالمؤاخذة بأفعال القلوب، وإن لم يباشر أصحابها فعل العمل، أو ارتكابه كمن دعى إلى هدى، أو ضلالة، أو سن سنة حسنة أو سيئة، وكما في الحديث الذي ذكره الشارح في اقتتال المسلمين، وغيره فتحمل هذه النصوص، وغيرها على الإرادة الجازمة، وهي التي يجب الفعل معها إذا كانت القدرة حاصلة، أو هي إلى فعل معها الإنسان ما يقدر عليه كان في الشرع بمنزلة الفاعل التام له ثواب الفاعل التام، وعقاب الفاعل التام الذي فعل جميع الفعل المراد حتى يثاب، ويعاقب على ما هو خارج عن محل قدرته.
وقد حقق هذه المسألة بأدلتها، وتقسيماتها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
راجع: مجموع الفتاوى: 10/ 720 وما بعدها. وتشنيف المسامع: ق (190/ ب - 191/ أ) والغيث الهامع: ق (179/ ب) والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 432، وهمع الهوامع: ص/ 482 - 483، وصحيح مسلم: 8/ 61، في حديث:"من سن سنة حسنة، أو سيئة، ومن دعا إلى هدى، أو ضلالة" إلخ.
(1)
راجع: صحيح البخاري: 1/ 16، 9/ 5، 64، وصحيح مسلم: 8/ 169، وسنن أبي داود: 2/ 418، وسنن ابن ماجه: 2/ 470.
قوله: "فإن لم تطعك الأمارة".
أقول: لما أمر السالك بالاستغفار عن الخاطر القبيح -وقد تقرر أن النفس أمارة بالسوء مائلة إلى الشهوات- فقال: الأمر كذلك إلا أنها أعدى عدوك، فجاهدها -كما تجاهد عدوك الساعى في إزالة حياتك الفانية- بالطريق الأولى: لأنها تزيل حياتك الأبدية، فإن أعانك اللَّه، فغلبت، فذاك التوفيق، والمرام، وإن غلبت هي، فبادر إلى التوبة، فإنها نعم المعونة، والحصن الحصين لا نعمة -بعد الإسلام- أجل منها: لأنها تجب ما قبلها على ما نطق به الحديث الصحيح (1).
فإن عجزت عن دفع شر الأمّارة، وقَلَّت حيلتك ذكِّرْها بهاذم اللذات، ومفرق الجماعات واتل عليها:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] فإنه لا عنان أكبح من ذلك، ولا دواء أنجع منه، ولذلك قال المؤيد
(1) الأحاديث الواردة في التوبة، وغفران الذنوب كثيرة لا تحصى منها: حديث عمرو بن العاص عند أحمد في قصة إسلام عمرو، وخالد بن الوليد رضي الله عنهما وفيه: فقدمنا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقدم خالد، فبايع، وأسلم، ثم دنوت، فقلت: يا رسول اللَّه إني أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، ولم أذكر: وما تأخر، قال: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يا عمرو بايع، فإن الإسلام يجب ما كان قبله، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها" وعند ابن ماجه قوله صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له".
راجع: مسند أحمد: 4/ 199، 204، 205، وسنن ابن ماجه: 2/ 562 وما بعدها وانظر: صحيح مسلم: 8/ 91 وما بعدها، وتحفة الأحوذي: 9/ 517 وما بعدها والترغيب والترهيب: 4/ 88 - 116.
بالحكمة صلى الله عليه وسلم: "أكثروا ذكر هاذم اللذات فإنه ما ذكره أحد في ضيق إلا وسع، ولا في سعة إلا وضيقها"(1).
هذا إذا كان عدم إقلاع النفس عن المعصية استلذاذًا، وكسلًا. وأما إذا كان يأسًا، وقنوطًا استعظامًا من الذنب، فهذا مقت من اللَّه، وضم ذنب إلى آخر، فتدارك إقلاعها عنه بأن تتلو عليها الآيات الدالة على سعة رحمته تعالى مثل قوله:{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] وقوله: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].
والحديث الذي رواه مسلم: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب اللَّه بكم، ولجاء بقوم آخرين، فيذنبون، فيستغفرون، فيغفر لهم"(2).
(1) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أكثروا ذكر هاذم اللذات"، يعني الموت لقطعه لذات الدنيا، قال الترمذي: هذا حديث غريب حسن، وأخرجه النسائي، وابن ماجه وأخرجه -أيضًا- الطبراني في الأوسط بإسناد حسن، كما أخرجه ابن حبان في صحيحه وزاد "فإنه ما ذكره أحد في ضيق إلا وسعه" إلخ ما ذكره الشارح وفي الباب أيضًا عن أبي سعيد، ورواه الطبراني أيضًا عن ابن عمر مرفوعًا وفي الباب أيضًا عن أنس رواه البزار، والبيهقي، بإسناد حسن قاله المنذري، وغيره.
راجع: تحفة الأحوذي: 6/ 594، وسنن النسائي: 4/ 4، وسنن ابن ماجه: 2/ 565، والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: 4/ 281، والترغيب والترهيب: 4/ 235 - 236.
(2)
رواه مسلم عن أبي هريرة بهذا اللفظ ورواه عن أبي أيوب الأنصاري أيضًا بلفظ آخر كما رواه الترمذي أيضًا عن أبي أيوب رضي الله عنه.
راجع: صحيح مسلم: 9408، وتحفة الأحوذي: 9/ 523.
قوله: "وهي الندم".
أقول: لما ذكر التوبة (1) أراد شرح حقيقتها.
(1) التوبة، والتوب كدومة، ودوم قال تعالى:{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غافر: 3] وهي لغة: الإقلاع عن الذنب، والرجوع، يقال: تاب، وناب، أو أتاب إذا رجع.
أما في الاصطلاح، فقد عرفت بتعريفات متقاربة منها ما ذكرد الشارح فيما يأتي وهي ترجع كلها إلى معنى واحد يجمعها القول بأنها الرجوع عن الأفعال المذمومة إلى الأفعال المحمودة.
والتوبة واجبة سمعًا عند أهل الحق لقوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 3] ولقوله: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31] ولقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8] ولقوله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس توبوا إلى اللَّه واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مئة مرة" وفي رواية: "واللَّه إني لأستغفر اللَّه، وأتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة".
وعند المعتزلة هي واجبة عقلًا لما فيها من دفع الضرر. ووجوبها على الفور عند عامة العلماء لما في تأخيرها من الإصرار المحرم، ولأن الإنسان لا يدري متى يأتيه أجله، فلو أخرها ربما جاءه أجله بغتة قبل أن يتوب، فيموت، وهو مرتكب للذنب مستمر عليه.
وهي ثابتة، ومقبولة قطعًا لقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25] إلا أن المعتزلة قالت: يجب قبولها على اللَّه تعالى عقلًا، وقال أهل السنة والجماعة: لا يجب على اللَّه تعالى عقلًا، وقال أهل السنة والجماعة: لا يجب على اللَّه شيء البتة، وقد تقدم بيان هذا وأن الحق فيما قاله أهل الحق من أتباع السلف الصالح، فهو يقبلها كرمًا، وفضلًا.
راجع: صحيح البخاري: 8/ 83، وصحيح مسلم: 8/ 73، ومسند أحمد: 4/ 211، 260، 261، 410، 5/ 411، بالنسبة للأحاديث إلى وردت في الحث على التوبة، والأمر بها وانظر تعريفها، وما قيل فيها: مختار الصحاح: ص/ 80، والمصباح المنير: 1/ 87، والإرشاد للجويني: ص/ 337، والمعالم في أصول الدين: ص/ 136، وشرح المقاصد: =
والمشهور: أن أركان التوبة ثلاثة: الإقلاع عن الذنب في الحال، والندم على الماضي من المعاصي، والعزم على عدم العود في الاستقبال.
قال المصنف: "هي الندم" ثم قال: ولا يحصل إلا بالإقلاع في الحال، والعزم على عدم العود، وكأنه أشار إلى أن الركن الأعظم منها هو الندم (1)، فإنه يستلزم -عرفًا- الإقلاع في الحال، وعدم العود في الاستقبال، ولذلك عرفها -بالندم- كثير من المشايخ (2) وأما تدارك ما يمكن تداركه، فليس من أركان التوبة، بل من شروطه عند بعض.
قال الإمام -في الشامل-: إن لم يرد التائب المظلمة، فقد صحت توبته، ورد المظلمة حق آخر وجب عليه (3)، لكن ذكر الإمام الغزالي أن الذنب إن كان بينه وبين اللَّه تعالى فالتوبة تمحوها إن شاء اللَّه، وإن كان بينه وبين العباد، وأمكن الاستحلال منه، فلا بد منه إما بالأداء، أو بالاستحلال، وإلا فيستغفر لصاحب الحق، ويسقط هذا الشرط (4).
= 5/ 162، والأربعين للغزالي: ص/ 143، والمواقف للإيجي: ص/ 380 - 382، وشرح النووي على مسلم: 17/ 59 - 60، والتعريفات: ص 701، وإحياء علوم الدين: 3/ 4 وما بعدها ومجموع الفتاوى: 11/ 663.
(1)
لقوله صلى الله عليه وسلم: "الندم توبة" رواه ابن ماجه في سننه: 2/ 563.
(2)
كإمام الحرمين، والفخر الرازي، والعضد، والتفتازاني، والغزالي، وغيرهم انظر المراجع السابقة لكل منهم.
(3)
وهو ما قاله في الإرشاد أيضًا: ص/ 340.
(4)
راجع: إحياء علوم الدين للغزالي: 3/ 16.
وإذا تاب عن ذنب وعاد إليه، ثم تاب ثانيًا توبته صحيحة، ولو عاد إلى الذنب في يوم مئة مرة (1)، وكذا تصح التوبة عن بعض الذنوب، مع الإصرار على بعض (2) آخر، وعن الصغائر والكبائر
(1) وهذا مذهب أهل الحق من السلف، والخلف لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه عز وجل قال:"أذنب عبد ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد، فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد، فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت، فقد غفرت لك" قال عبد الأعلى: لا أدري أقال في الثالثة، أو الرابعة: اعمل ما شئت؟ ! وذهبت المعتزلة إلى اشتراط ثلاثة أمور في التوبة: رد المظالم، وأن لا يعاود ذلك الذنب، وأن يستدم الندم، وهي عند الجمهور غير واجبة فيها هذه الشروط إذ رد المظالم عندهم واجب برأسه لا مدخل له في الندم على ذنب آخر، ولأن عدم المعاودة أصلًا، فلأن الشخص قد يندم على الأمر زمانًا، ثم يبدو له، واللَّه مقلب القلوب، وأما استدامته للندم: فلأن الشارع أقام الحكمي مقام ما هو حاصل بالفعل كما في الإيمان ولما في التكليف فيها من الحرج المنفي عن الدين.
راجع: صحيح مسلم: 8/ 99، والإرشاد للجويني: ص/ 341 - 342، والمواقف: ص/ 381، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام: 11/ 699 - 701.
(2)
وهذا هو مذهب أهل الحق من السلف، والخلف، وذلك للإجماع على صحة إسلام من أصر على بعض معاصيه، ولأن حقيقتها الرجوع، والندم والعزم، وقد وجدت.
وقال أبو هاشم من المعتزلة لا تصح، ولا تقبل إلا بالتوبة من جميع الذنوب، إذ الندم إنما هو لقبحها، وهو شامل لكل المعاصي، ورد عليه بأن الشامل للكل هو القبح لا قبحها.
راجع: الإرشاد للجويني: ص/ 340، والمعالم للرازي: ص/ 137، والمواقف للإيجي: ص/ 181، وشرح المقاصد: 5/ 169.
إجماعًا (1)، والصغائر، وإن كفرت باجتناب الكبائر (2) إلا أن المذنب ربما لا يعيش إلى وجود المكفر.
قوله: "وإذا شككت".
أقول: ما وزن بالشرع، فإن كان مأمورًا به، أو منهيًا عنه، فقد تقدم حكمه.
وإن كان مشكوكًا فيه بأن تكون له شائبة من كل واحد، فإن نظر إلى الفتوى، فالأصل الحل، وإن نظر إلى التقوى، فالواجب الاجتناب احتياطًا، وحذرًا من الوقوع في الحرام.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"(3). فطين الشارع، وثياب ملابس النجاسة الأصل فيهما عدم النجاسة، والتقوى تقتضي الاجتناب.
(1) مذهب أهل الحق تجب التوبة من الصغائر، كما تجب من الكبائر، وقال أبو هاشم: لا تجب التوبة على من عرف أنه لا عقاب فيها وإن كانت صغيرة محرمة، لأن التوبة -عنده- إنما تجب من العقاب وهو محجوج بإجماع المسلمين على التوبة من الصغائر والكبائر، لأن النصوص لم تفرق بين صغيرة، وكبيرة، بل هي عامة في كل ذنب.
راجع: تشنيف المسامع: ق (192/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 434، والغيث الهامع ق:(180/ ب) وهمع الهوامع: ص/ 483 - 484.
(2)
لقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31]. ولقوله: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم: 32].
(3)
الحديث رواه أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن حبان، والحاكم والبيهقي عن الحسن ابن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا =
وما حكاه عن الجويني: من أن المتوضئ إذا شك في الغسلات هل هي الرابعة، أو الثالثة؟ يترك الغسلة.
ومدركه: أن ترك السنة أهون من ارتكاب البدعة.
ومدرك الجمهور: أن ذلك إذا تحققت البدعة، وهنا لم تتحقق، ولهذا لو شك أصلى ثلاثًا، أم أربعًا؟ فإنه يأتي بركعة أخرى (1)، وما وقع في بعض الشروح (2) يأتي بركعتين (3) سهو ظاهر.
قوله: "وكل واقع بقدرة اللَّه".
أقول: قد تقدم أن الأمور كائنة بإرادة اللَّه، وقدرته، والعبد له الكسب ليس له الإيجاد، بل هو شأن الرب تعالى، وتقدس والخلاف هنا، مع الجبرية (4)، والقدرية.
= يريبك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة" قال الترمذي: هذا حديث صحيح. وللحديث قصة ذكرها الإمام أحمد أن الحسن أخذ تمرة من تمر الصدقة فألقاها في فمه، فانتزعها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بلعابها، فألقاها بالتمر، ثم قال: إنا لا نأكل الصدقة، وذكر الحديث السابق، كما رواه أحمد أيضًا عن أنس بدون ذكر القصة.
راجع: مسند الإمام أحمد: 1/ 200، 3/ 12، 153، وتحفة الأحوذي: 7/ 221 - 222، والمستدرك: 2/ 13، 4/ 99، والسنن الكبرى: 5/ 335.
(1)
راجع: تشنيف المسامع: ق (193/ أ) والغيث الهامع: ق (181/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 435، وهمع الهوامع: ص/ 484.
(2)
جاء في هامش (أ): "الزركشي".
(3)
قال الزركشي: "ولهذا لو شك أصلى ثلاثًا أم أربعًا، فإنه يأتي بركعتين، مع احتمال الوقوع في الزيادة" تشنيف المسامع: ق (193/ أ).
(4)
الجبرية: من الجبر، وهو إسناد فعل العبد إلى اللَّه وأنه مجبور على أفعاله الاختيارية كما ذكر الشارح، وقد تقدم ذلك.
أما الجبرية، فإنهم جعلوا العبد مجبورًا محضًا لا تأثير لقدرته (1) لا كسبًا (2)، ولا إيجادًا، وهذا باطل بأول الفكر إذ لا نشك في أن حركة المرتعش تباين حركة المختار، ويدرك ذلك الصبيان، والبله. والقدرية على أن أفعال العباد الاختيارية (3) واقعة بقدرتهم، وإرادتهم إيجادًا لا صنع للرب فيها غير الإقدار، والتمكين.
(1) القدرة: هي القوة على الشيء، وهي مرادفة للاستطاعة، والفرق بين القوة، والقدرة: أن القوة تضاف إلى العاقل، وغير العاقل فتكون طبيعية، وعقلية كما في قولنا: قوة التيار، وقوة الجسم، وقوة الخيال، على حين أن القدرة لا تضاف إلا إلى الكائنات العاقلة كما في قولنا: قدرة المربي، وقدرة الحاكم، وقدرة الإدارة.
واصطلاحًا: هي الصفة التي يتمكن الحي من الفعل وتركه بالإرادة، فهي صفة الإرادة، أو هي صفة تؤثر وفق الإرادة.
راجع: التعريفات: ص/ 173، والمواقف: ص/ 150، وشرح المقاصد: 2/ 347.
(2)
الطوائف كلها متفقة على الكسب، ولكنهم اختلفوا في حقيقته فزعمت القدرية: أنه إحداث العبد لفعله بقدرته، ومشيئته استقلالًا، وليس للرب صنع فيه، ولا هو خالق فعله، ولا مكونه، ولا مريدًا له.
وقالت: الجبرية: الكسب اقتران الفعل بالقدرة الحادثة من غير أن يكون لها فيه أمر.
والقول الحق: أن معنى الكسب هو أن العباد فاعلين حقيقة لأفعالهم فهم من هذه الحيثية صاروا مكتسبين لها، وهي أي أفعالهم مخلوقة للرب فالفعل غير المفعول، فالعبد فعله حقيقة، واللَّه خالقه، وخالق ما فعل به من القدرة، والإرادة، وخالق فاعليته.
راجع: شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل: ص/ 267 - 269.
(3)
آخر الورقة (156/ ب من أ).
ومذهب أهل الحق التوسط بين الإفراط، والتفريط، وهو أن الإيجاد من اللَّه، والكسب من العبد، وعليه يعاقب، ويثاب، والمسألة مذكورة في المطولات على وجه أبسط من هذا (1).
قوله: "ومن ثم الصحيح أن القدرة لا تصلح للضدين".
لما تقرر أن الكل بقدرته تعالى إيجادًا، وأن قدرة العبد إنما تتعلق بالفعل كسبًا، فهي لا توجد إلا عند المباشرة، لأنها عرض لا تبقى زمانين، وهذا معنى قول الأشعري: إن الاستطاعة مع الفعل، وإذا كان القدرة حادثة، مع الفعل، فقد صح أنها لا تصلح إلا لأحد الضدين (2).
(1) تقدم ذكر الخلاف فيها، مع الإحالة إلى مراجعها: ص/ 196 وانظر: تشنيف المسامع: ق (193/ ب - 194/ ب) والغيث الهامع: ق (181/ ب) والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 435، وهمع الهوامع: ص/ 485.
(2)
ذهب الأشعري، ومن تبعه إلى أن القدرة على الفعل لا تصلح للضدين لاستحالة اجتماعهما، فاستطاعة الإيمان توفيق، واستطاعة الكفر خذلان، ولا تصلح إحداهما لما تصلح له الأخرى.
واتفقت المعتزلة على أن القدرة الواحدة تتعلق بالمتماثلات، لكن على مرور الأوقات إذ يمتنع وقوع مثلين في محل واحد، بقدرة واحدة في وقت واحد، واختلفوا في تعلقها بالضدين، فجوز أكثرهم ذلك على سبيل البدل.
وأبو هاشم منهم فصل، وتردد بين القدرة القائمة بالقلب، والقدرة القائمة بالجوارح، ولو أردت ذكر تردده لطال المقام في ذلك.
وذكر الفخر الرازي أنه إن كان المراد من ذلك المزاج المعتدل، وتلك السلامة الحاصلة من الأعضاء، فهي صالحة للفعل، والترك، والعلم به ضروري، وإن كان المراد منه أن =
وقد سبق أن الاستطاعة تطلق على سلامة الآلات.
والأسباب -أيضًا- عند الأشعري، وإنما قال: الصحيح، لأن مذهب بعض أهل السنة (1) أن القدرة صالحة للضدين على سبيل البدل (2)، ولكن لا يستقيم على أصل الشيخ أن الاستطاعة، مع الفعل.
= القدرة ما لم تنضم إليها الداعية الجازمة المرجحة، فإنها لا تصير مصدرًا لذلك الأثر، وأن عند حصول المجموع لا تصلح للضدين، فهذا حق، وهذا إشارة منه إلى الجمع بين الأقول.
قلت: وأصل الخلاف في هذه المسألة هو هل الاستطاعة مع الفعل، أو قبله؟
فمن قال بالأول -وهو الصحيح- منع صلاحية القدرة للضدين، ومن قال بالثاني جوز ذلك.
راجع: المعالم للرازي: ص/ 90، والمحصل له: ص/ 153، والمواقف للإيجي: ص/ 153 - 154، وشرح المقاصد: 2/ 357 - 360، وتشنيف المسامع: ق (194/ ب)، والغيث الهامع: ق (182/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 435، وهمع الهوامع: ص/ 485.
(1)
وهذا القول للقلانسي من الشافعية، وحكى عن أبي حنيفة، وابن شريح، ومعنى هذا أنها إذا اقترنت بالإيمان صلحت له دون الكفر، وإن اقترنت بالكفر صلحت له دون الإيمان.
راجع: تشنيف المسامع: ق (194/ ب)، والغيث الهامع: ق (182/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 485.
(2)
البدل -لغة-: العوض، وبدل الشيء غيره، والخلف منه، والأصل في التبديل تغيير الشيء عن حاله، والأصل في الإبدال جعل الشيء مكان شيء آخر، واصطلاحًا -عند الفلاسفة، وهو المراد هنا- الشيء الذي تجعله مكان غيره، أو تأخذه عوضًا عنه. وعند النحاة: تابع مقصود بما نسب إلى المتبوع دونه.
راجع: مختار الصحاح: ص/ 44، والمصباح المنير: 1/ 39، والتعريفات: ص/ 43، وقطر الندى: ص/ 308.
والعجز (1): مقابل القدرة اتفاقًا.
وإنما الخلاف في أن التقابل بينهما من أي قبيل؟ فالمتكلمون: على أن التقابل بينهما بالتضاد، فكل منهما صفة وجودية.
والفلاسفة: على أن التقابل بينهما بالعدم، والملكة. وتوقف الإمام (2)، ولا يخفى أن تفريع المصنف عدم صلاحية القدرة للضدين على كون الكل بقدرته تعالى غير واضح لما علمت أن هذا فرع كون الاستطاعة، مع الفعل.
قوله: "ورجح قوم التوكل".
(1) العجز -لغة-: من عجز عن الشيء عجزًا من باب ضرب إذا ضعف عنه، وأعجزه الشيء: فاته، وعجزه تعجيزًا: ثبطه، أو نسبه إلى العجز.
واصطلاحًا: هو عرض ثابت مضاد للقدرة عند الجمهور، وذكر الفخر في المحصل بأن العجز عند بعض الأصحاب صفة وجودية، وهو ضعيف، وذكر في "المعالم" بأن العجز عبارة عن عدم القدرة ممن شأنه أن يقدر على الفعل.
وعرفه أبو هاشم من المعتزلة: بأنه عدم ملكة لقدرة وهو ما سبق عن الفخر.
راجع: مختار الصحاح: ص/ 414، والمصباح المنير: 2/ 393، والمحصل للرازي: ص/ 154، والمعالم له: ص/ 90.
(2)
المراد به الإمام فخر الدين الرازي فقد توقف في المحصل، حيث ذكر القول السابق ثم قال بعده:"وهو ضعيف لعدم الدليل، والذي يقال ليس جعل العجز عبارة عن عدم القدرة أولى من العكس ضعيف، لأنا نساعد على أن كليهما محتمل، وأنه لولا الدليل لبقي ذلك الاحتمال" المحصل: ص/ 154، بينما اختار في المعالم تعريف الفلاسفة للعجز كما تقدم ذكره.
راجع: تشنيف المسامع: ق (195/ أ)، والغيث الهامع: ق (182/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 485.
أقول: قد اختلف في أن التوكل (1)، والتفويض أفضل، أم مباشرة أسباب الرزق بالتجارة، وسائر الصنائع؟
فذهب إلى كل مذهب منها ذاهبون، وفصل آخرون بأن هذا مختلف باختلاف الناس (2).
(1) التوكل -لغة-: إظهار العجز، والاعتماد على الغير، والاسم منه التكلان.
واصطلاحًا: الاعتماد على اللَّه تعالى وقطع النظر عن الأسباب، مع التمكن منها أو هو الثقة بما عند اللَّه، واليأس عما في أيدى الناس.
راجع: مختار الصحاح: ص/ 734، والمصباح المنير: 2/ 670، والتعريفات: ص/ 70، وشرح الجوهرة: ص/ 192.
(2)
اختلف العلماء في التوكل، والاكتساب أيهما أفضل؟ فرجح قوم الاكتساب: وهو مباشرة الأسباب بالاختيار كالبيع، والشراء لأجل الربح، وتعاطى الدواء من أجل الصحة، ونحو ذلك لما سيأتي من الأدلة التي ذكرها الشارح، ولما فيه من كف النفس عن التطلع لما في أيدي الناس، ومنعها من الخضوع لهم، والتذلل بين أيديهم، مع حيازة منصب التوسعة على عباد اللَّه، ومواساة المحتاجين، وصلة الأرحام ورجح آخرون التوكل للنصوص الواردة في ذلك كقوله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] وغيرها من الآيات الكثيرة، ولقوله عليه الصلاة والسلام:"لو أنكم توكلون على اللَّه حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا، وتروح بطانًا" رواه أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، وغيرهم.
راجع: المسند: 1/ 30، 52، وتحفة الأحوذي: 8/ 7، وسنن ابن ماجه: 2/ 540 - 541، والمستدرك: 4/ 318. ولأنه حاله عليه الصلاة والسلام، وحال أهل الصفة، وفي الحديث الثابت في صفة الذين يدخلون الجنة بغير حساب {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2] وهو من رواية أبي هريرة، وعمران بن حصين، وسهل بن سعد =
فإن كان السالك ممن لا يرى تعسر أسباب الرزق شاقًا عليه، ولا يمنعه ذلك من القيام بطاعته على الوجه الأبلغ، فالتجرد للعبادة أفضل، وإن كان يرى ذلك شاغلًا لسره بحيث يكون جسده في العبادة، ونفسه سائرة في الآفاق، وملتفتة إلى اللذات جامحة، فالأفضل في حقه تعاطي الأسباب، وبه يجمع بين الأحاديث الواردة في باب التوكل، والحث على طلب الحلال.
وفي صحيح البخاري: "أن داود عليه السلام كان يأكل من كسب يده"(1) والتوكل لا يضاد الكسب، فإن الكاسب -أيضًا- متوكل على اللَّه في حصول المطلوب غايته: أنه يباشر المقدمات.
= وفيه: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب قالوا: ومن هم يا رسول اللَّه؟ قال: هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون. ." إلخ رواه مسلم: 1/ 136 - 137، وغيره ولأنه ينشأ عن مجاهدة النفس، والأجر على قدر المشقة، ولما فيه من ترك ما يشغل عن اللَّه تعالى، والوثوق بما عنده، مع حيازة مقام السلامة من فتنة المال، والمحاسبة عليه، وذهب آخرون إلى التفصيل، وأن ذلك يختلف من شخص لآخر مستدلين بالحديث السابق فيمن يدخلون الجنة بغير حساب، وهذا ما اختاره المصنف وغيره من شراح كلامه، وغيرهم، وخالفه الشارح كما سيأتي.
راجع: الإحياء للغزالي: 4/ 243 وما بعدها، وكتاب الأربعين له: ص/ 180، وتشنيف المسامع: ق (195/ أ)، والغيث الهامع: ق (182/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 436، وهمع الهوامع: ص/ 485 - 486، وشرح الجوهرة: ص/ 192.
(1)
عن المقدام رضي الله عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي اللَّه داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أن داود عليه السلام كان لا يأكل إلا من عمل يده". راجع: صحيح البخاري: 3/ 70 - 71.
ونقل عن شيخ الطائفة الجنيد (1): "ليس التوكل ترك الكسب إنما التوكل سكون القلب إلى الموعود من اللَّه".
وقال بعضهم: اكسب ظاهرًا، وتوكل باطنًا.
وأصل هذا ما روي: أن رجلًا قال: أرسل ناقتي يا رسول اللَّه، وأتوكل؟ قال:"لا اعقلها وتوكل"(2).
(1) هو الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي الخزاز، أبو القاسم، شيخ الطائفة الصوفية من العلماء بالدين، مولده ومنشأه، ووفاته ببغداد، أصل أبيه من نهاوند، وكان يعرف بالقواريري نسبة لعمل القوارير، وعرف الجنيد بالخزاز، لأنه كان يعمل الخز، قال أحد معاصريه: ما رأت عيناي مثله، الكنبة يحضرون مجلسه لألفاظه، والشعراء لفصاحته، والمتكلمون لمعانيه، وهو أول من تكلم في علم التوحيد ببغداد، وقال ابن الأثير في وصفه: إمام الدنيا في زمانه. وضبط مذهبه بقواعد الكتاب، والسنة، ولذا كان إمام هدى كما قال ابن تيمية، ومن كلامه: طريقنا مضبوط بالكتاب، والسنة، من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، ولم يتفقه لا يقتدى به. توفي سنة (297 هـ؛ وقيل: 298 هـ).
راجع: حلية الأولياء: 10/ 255، وصفة الصفوة: 2/ 235، وتأريخ بغداد: 7/ 241، والكامل لابن الأثير: 8/ 62، وطبقات الشعراني: 1/ 72.
(2)
رواه الترمذي من حديث المغيرة بن قرة السدوسي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رجل: يا رسول اللَّه أعقلها، وأتوكل، أو أطلقها، وأتوكل؟ قال:"اعقلها، وتوكل". قال عمرو بن علي: قال يحيى: "وهذا عندي حديث منكر" قال أبو عيسى: "وهذا حديث غريب من حديث أنس لا نعرفه إلا من هذا الوجه" وقد روي عن عمرو بن أمية الضمري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور. واستنكره الإمام يحيى بن سعيد القطان لأجل المغيرة بن قرة لأنه لا يعرف حاله، وقال غيره: كان كاتب يزيد بن المهلب، وفتح معه جرجان في أيام سليمان بن عبد الملك.
راجع: تحفة الأحوذي: 7/ 220 - 221، وميزان الاعتدال: 4/ 165، والتقريب: 2/ 270.
وكان سيد الرسل، وهادي السبل قدوة المتوكلين ظاهر بين درعين (1) يوم أحد (2).
وقد تحرر من هذا أن المختار غير ما أشار إليه المصنف من أنه يختلف باختلاف الناس: لأن الاكتساب إذا لم ينافِ التوكل، فالأفضل -في حق الكل- مباشرة الأسباب، مع التوكل على اللَّه (3).
(1) عن السائب بن يزيد عن رجل قد سماه: "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ظاهر يوم أحد بين درعين" رواه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد وأخرجه الترمذي عن الزبير بن العوام بلفظ:"كان على النبي صلى الله عليه وسلم درعان يوم أحد" قال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق"، ومحمد بن إسحاق إمام المغازي صدوق يدلس ورمى بالتشيع، والقدر كما قال الحافظ.
راجع: مسند أحمد: 3/ 449، وسنن أبي داود: 2/ 30، وتحفة الأحوذي: 5/ 340 - 341، وسنن ابن ماجه: 2/ 186.
(2)
أحد: بضم أوله، وثانيه معًا: اسم جبل ظاهر المدينة، وهر جبل أحمر في شمالي المدينة، قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم:"هذا جبل يحبنا، ونحبه" وكانت عنده الغزوة المشهورة.
راجع: مراصد الإصلاع: 1/ 36، ومعحم ما استعجم: 1/ 117، وانظر الحديث في فضله صحيح البخاري: 5/ 231 - 232.
(3)
وهذا ما رجحه بعض المحققين، والشارح منهم لأن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر اللَّه سبحانه وتعالى المقدورات بها، وجرت سنته في خلقه بذلك، فإن اللَّه أمر بتعاطي الأسباب، مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب - عليه إيمان به، علمًا بأن الأعمال التي يعملها العبد ثلاثة أقسام، ولتحرير محل الخلاف أذكرها ثم أبين القسم الذي جرى فيه الخلاف الذي سبق ذكره آنفًا.
القسم الأول: الطاعات التي أمر اللَّه عباده بها، وجعلها سببًا للنجاة من النار، ودخول الجنة، هذا لا بد من فعله، مع التوكل على اللَّه فيه، والاستعانة به عليه. =
وكيف يوازي الجلوس -في المساجد، وانتظار ما يأتي به أحد إليه من البر، والصدقات التي هي أوساخ الناس- الإنفاق في سبيل اللَّه، وإطعام الجائع، وستر العورة، وفك الرقاب قال تعالى -في مقام الذم على التكاسل عن سلوك طريق السعادة-:{فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 13 - 16].
ويتفرع -على ما قلنا- ما عرفه المصنف على مذهب التفصيل من أن إرادة التجريد (1) مع داعية الأسباب شهوة
= والثاني: ما أجرى اللَّه العادة به في الدنيا، وأمر عباده بتعاطيه كالأكل عند الجوع والشرب عند العطش، والاستظلال من الحر، ونحو ذلك، فهذا أيضًا واجب على المرء تعاطى أسبابه، ومن قصر فيه حتى تضرر بتركه، مع القدرة على استعماله، فهو مفرط يستحق العقوبة، لكن اللَّه قد يقوي بعض عباده من ذلك على ما لا يقوى عليه غيره، فإذا عمل بمقتضى قوته التي اختص بها عن غيره، فلا حرج عليه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يواصل في صيامه، وينهى عن ذلك أصحابه معللًا ذلك بقوله:"إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى".
والثالث: ما أجرى اللَّه العادة به في الدنيا في الأعم الأغلب، وقد يخرق العادة في ذلك لمن يشاء من عباده، وذلك كالدواء لمن أصابه المرض، هل الأفضل له التداوي، أو تركه لمن حقق التوكل على اللَّه، وهذا هو محل الخلاف الذي سبق ذكره قبل قليل، وعليه يحمل اختيار المصنف المذكور في الشرح.
راجع: كتاب الأربعين للغزالي: ص/ 186، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام: 10/ 20، وجامع العلوم والحكم لابن رجب: ص/ 380، وتشنيف المسامع: ق (195/ ب).
(1)
آخر الورقة (136/ ب من ب).
خفية، لأنه إذا كان بالظاهر متجردًا في الخلوة للعبادة، وقلبه في الأسواق، وأنواع المعاش، فتجريده غير معتد به، فذلك شهوة خفية، لأنها باطنة لا يطلع عليها غيره تعالى، وكذلك سلوك الأسباب الموصلة إلى أنواع البر، والصدقات، ومع ذلك يطلب الإنسان ترك ذلك، والانقطاع إلى نوافل الطاعات انحطاط عن الذروة إلى الحضيض يرشد إلى هذا الحديث المتفق عليه:"اليد العليا خير من اليد السفلى"(1)، وفي بعض الروايات الصحيحة أن العليا هي المنفقة.
ثم قل -لي-: أعثمان بن عفان أفضل إذ جهز (2) جيش العسرة (3)،
(1) عن عبد اللَّه بن عمر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال -وهو على المنبر، وهو يذكر الصدقة، والتعفف عن المسألة-:"اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة، والسفلى السائلة" هذا لفظ مسلم.
راجع: صحيح مسلم: 3/ 94، وصحيح البخاري: 2/ 145، وتحفة الأحوذي: 7/ 7 - 8.
(2)
جهز المسافر: هيأ له جهازه، وجهاز السفر -بالفتح- أهبته، وما يحتاج إليه في قطع المسافة، وبالفتح قرأ السبعة في قوله تعالى:{وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} [يوسف: 59]، {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} [يوسف: 59، 70].
راجع: مختار الصحاح: ص/ 115، والمصباح المنير: 1/ 113، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من جهز جيش العسرة، فله الجنة" فجهزه عثمان رضي الله عنه بثلاث مئة بعير بأحلاسها، وأقتابها، وألف دينار.
راجع: صحيح البخاري: 5/ 17، وتحفة الأحوذي: 10/ 191 - 193.
(3)
العسرة هي غزوة تبوك: لأنهم خرجوا إليها في شدة من الأمر، وسنة مجدبة وحر شديد، وعسر من الزاد، والماء، قال قتادة: "خرجوا إلى الشام عام تبوك في لهبان الحر =
أم أبو هريرة، وأصحاب الصفة (1).
ومن ينظر بنور التوفيق علم الأشياء على ما هي عليه.
واعلم أن هذا الذي ذكرناه إنما هو أفضل، فيمن أعطى قوة الجمع بينهما، ومن كان ضعيفًا لا يقدر على الجمع -فإذ دخل في تحصيل الأسباب فاته القيام بالعبادات، وإن اشتغل بها، وترك الأسباب، وله نفس قانعة، مطمئنة، وقد التذ بالغذاء الروحاني في الخلوة، وشرب من صفو ذكر اللَّه ما أرواه عن شرب مكدرات الدنيا- فذلك من الواجب عليه لزوم الخلوة، وعدم مخالطة الأسباب.
= على ما يعلم اللَّه من الجهد، أصابهم فيها جهد شديد، حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كان يشقان التمرة بينهما، وكان النفر يتداولون التمرة بينهم، يمصها هذا ثم يشرب عليها، ثم يمصها هذا، ثم يشرب عليها، فتاب اللَّه عليهم، وأقفلهم من غزوتهم" قال تعالى:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117].
راجع: صحيح البخاري: 6/ 2 - 3، وتفسير ابن كثير: 2/ 397، وفتح القدير للشوكاني: 2/ 413 - 414.
(1)
الصفة: هي التي ينسب إليها أهل الصفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانت في مؤخر المسجد النبوي الشريف، وعلى شماله كان يأوي إليها من فقراء المسلمين من ليس له أهل، ولا مكان يأوي إليه، وعامة أهل الصفة إنما كانوا من فقراء المهاجرين لأن الأنصار كانوا في ديارهم.
راجع: مجموع الفتاوى: 11/ 38، 57.
فشأن الشطان، مع هذا أن يوسوس له، ويقول: أنت قاعد تنتظر من أين يأتيك لقمة تسد بها جوعتك، أين أنت من كسب الحلال الذي كان شأن الأنبياء، والصديقين؟
أما لك أسوة بأبي بكر الصديق (1)، وعمر بن الخطاب، وأشراف الصحابة؟ لو خرجت، وتسببت في تحصيل حلال، وتناولت بعضه، وتصدقت ببعضه كان خيرًا لك من عبادة سنين، وقصده إفساد وقته، وإبطال ما هو عليه.
وبضد ذلك، مع من يقوم بفرائضه، وبعض سببه، وينفق على عياله، ويحتمل المشاق، والتعب، ويكف نفسه عن مذلة السؤال، وهو ماش على طريقة وسطى، فيأتيه، ويقول: ما هذا التعب الذي أنت فيه؟ ألم تصدق قول اللَّه، وقول رسول اللَّه -في كم آية، وكم حديث- أنه ضمن لعباده الرزق؟ وقد جف القلم بما قدر لك لا يزيد، ولا ينقص، فيا أيها المسكين لم لا تنقطع إلى ذكر اللَّه تعالى وعبادته؟ وقد بقى لك من العمر أيام تتلافى فيها ما أسلفت من السيئات.
وقصده بهذا الوسواس إيقاع ذلك الماشي -على الاستقامة- في أودية الأفكار.
(1) عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما استخلف أبو بكر الصديق قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مرنة أهلي، وشغلت بأمر المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، ويحترف للمسلمين فيه".
راجع: صحيح البخاري: 3/ 71.
وإذا انقطع، ودخل الخلوة جاء من طريق آخر، وقال -له-: خربت بيتك بيدك، وربما كان لك بقية من العمر، وإلى متي يكون حالك هكذا، في الفقر؟ ولا يجوز لك الرجوع إلى ما كنت فيه، فإنه عار عليك تصير ضحكة للناس يقولون: لم يقدر على متاعب الرياضة، فلم يزل يضيع عليه وقته، ويكدر عليه حاله لا من هؤلاء، ولا من هؤلاء (1).
فالموفق من نظر في أحواله، وافتقدها ساعة، فساعة لئلا يفسد عليه وقته بعد إيقانه بأن مراد اللَّه لا يتخلف، وأنه وإن علم ذلك كله لا يصونه عن مكائده إلا عنايته - تعالى.
ونحن نسأل اللَّه تعالى الإعانة، والتوفيق في الأمور كلها، ونعوذ به من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا إنه ولي الإعانة، والتوفيق.
هذا آخر ما قصدنا شرحه من كتاب جمع الجوامع، وقد وفق اللَّه الكريمة بمنة ختمه يوم الخميس الثاني من رجب الفرد سنة إحدى وستين وثمان مئة تجاه باب الجنة في المسجد الأقصى. ونسأل اللَّه تعالى أن يجعل خاتمتنا جنته بمحمد، وآله، وصحبه (2)، والحمد للَّه رب العالمين [وحسبنا اللَّه، ونعم الوكيل](3).
(1) آخر الورقة (157/ ب من أ).
(2)
تقدم ذكر الخلاف في التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم، وبيان ما هو الأولى أما بالنسبة للتوسل بغيره صلى الله عليه وسلم فالمحققون على منعه. راجع: ص/ 344 من هذا الكتاب الهامش.
(3)
ما بين المعكوفتين زيادة من (ب).
[علقه -لنفسه، ولمن شاء اللَّه من بعده من نسخة مؤلفه، الشيخ شهاب الدين أحمد بن إسماعيل الكوراني عفا اللَّه عنه، وعن والديه، وعن مشائخه- أقل عباد اللَّه، وأحوجهم إلى عفو ربه، أحمد بن محمد بن عمر (1) الشافعي الشهير والده بجكم غفر اللَّه له، ولوالديه، ولمشائخه، وأحبته، وجميع المسلمين، في مدة، متفرقة آخرها نهار الأحد يوم العشرين من شوال سنة (893 هـ) أحسن اللَّه خاتمتها، وصلى اللَّه، وسلم على سيدنا محمد، وآله، وصحبه أجمعين، والحمد للَّه رب العالمين](2).
* * *
(1) لم أعثر له على ترجمة، في الكتب التي اطلعت عليها.
(2)
ما بين المعكوفتين زيادة من (أ).