الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التقليد
قوله: "مسألة التقليد أخذ المذهب".
أقول: لما فرغ من الاجتهاد شرع في مقابله وهو التقليد (1)، وعرفه: بأنه أخذ المذهب من غير معرفة دليله (2)، فالأخذ جنس، والمذهب فصل
(1) التقليد -لغة-: وضع الشيء في العنق مع الإحاطة به، ويسمى ذلك قلادة والجمع قلائد، قال اللَّه تعالى:{وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} [المائدة: 97]، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الخيل-:"لا تقلدوها الأوتار" رواه أبو داود في سننه: 2/ 23، ويستعمل التقليد في تفويض الأمر إلى الشخص كأن الأمر مجعول في عنقه كالقلادة ومنه قول لقيط الإيادي:
"وقلدوا أمركم للَّه دَرُّكُمُوا
…
رحبَ الذراع بأمر الحرب مضطلعا"
راجع: معجم مقاييس اللغة: 5/ 19، وأساس البلاغة: ص/ 785، ومختار الصحاح: ص/ 548، والمصباح المنير: 2/ 512، ولسان العرب: 4/ 367، والقاموس المحيط: 1/ 329.
(2)
عبر الغزالي، والآمدي، وابن الحاجب بقولهم:"بلا حجة، أو بغير حجة"، وهذا يقتضي أن أخذ القول ممن قوله حجة لا يسمى تقليدًا، ومثل الآمدي، وابن الحاجب له بأخذ العامي بقول مثله، وأخذ المجتهد بقول مثله في حكم شرعي.
راجع تعريفه اصطلاحًا: اللمع: ص/ 70، والحدود للباجي: ص/ 64، والبرهان: 2/ 1357، والإحكام لابن حزم: 1/ 37، والفقيه والمتفقه: 2/ 66، والمستصفى: 2/ 387، والمنخول: ص/ 472، وروضة الناظر: ص/ 343، والإحكام للآمدي: =
يخرج الأخذ بغير المذهب من الأقوال، والأفعال، والمذهب يعم القول والفعل.
وقوله: "من غير معرفة دليله" فصل آخر يخرج المجتهد.
قال ابن الحاجب: "الرجوع إلى الرسول، وإلى الإجماع، والعامي إلى المفتي، والقاضي إلى البينة ليس بتقليد لقيام الحجة"(1) أي: كل واحد منها دليل شرعي في حق الأخذ به.
قال المصنف -في شرحه-: "قد تسمى هذه الصور تقليدًا لا سيما رجوع العامي إلى قول المفتي"(2).
ولذلك غير تعريف ابن الحاجب من غير حجة إلى قوله: "من غير معرفة دليله" فالأخذ بها عنده مقلد.
= 3/ 245، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 305، والمجموع للنووي: 1/ 89، والمسودة: ص/ 553، وفواتح الرحموت: 2/ 400، وتيسير التحرير: 4/ 241، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 193، وإرشاد الفحول: ص/ 265، وأصول مذهب أحمد: ص/ 673.
(1)
راجع: المختصر له: 2/ 305.
(2)
رفع الحاجب: (2/ ق/ 304/ أ) وقد سمى إمام الحرمين هذه الصور تقليدًا في الورقات لكنه قال في البرهان لا يسمى تقليدًا، قال الآمدي:"وإن سمي ذلك تقليدًا بعرف الاستعمال، فلا مشاحة في اللفظ" وقال ابن الحاجب: "ولا مشاحة في التسمية".
راجع: الورقات: ص/ 250، والبرهان: 2/ 1357، 1358، والإحكام لا بن حزم: 1/ 37، 2/ 835، والإحكام للآمدي: 3/ 245، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 305، ومجموع الفتاوى: 20/ 17، ومختصر الطوفي: ص/ 183، وصفة الفتوى: ص/ 51، 54.
ثم الحق: أن من لم يبلغ رتبه الاجتهاد ليس له إلا التقليد (1).
وقيل: لا يجوز له التقليد إلا بعد الوقوف على مأخذ المجتهد وظهور حجته عنده (2).
ومنع الأستاذ التقليد في القواطع، وسيأتي الكلام عليه في بحث العقائد.
وقيل: لا يقلد العالم، وإن لم يكن مجتهدًا؛ لأن له صلاحية أخذ الحكم من الدليل، وهذا كلام مردود لقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
(1) وهذا هو مذهب جماهير علماء الأصول، وغيرهم.
راجع: اللمع: ص/ 71 - 72، والبرهان: 2/ 1333، والمعتمد: 2/ 360 والفقيه والمتفقه: 2/ 68، وجامع بيان العلم وفضله: 2/ 133، والمستصفى: 2/ 390، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 112، والإحكام للآمدي: 3/ 245 - 246، والقواعد للعز بن عبد السلام: 2/ 158، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 307، وروضة الطالبين: 11/ 109، والمجموع: 1/ 69، والفروع: 6/ 428، والمسودة: ص/ 464، 472، 555. وعرف البشام فيمن ولي فتوى دمشق الشام: ص/ 13، وفواتح الرحموت: 2/ 403، وتيسير التحرير: 4/ 248، ومختصر الطوفي: ص/ 185.
(2)
وهذا هو مذهب ابن حزم الظاهري وغيره واختاره الشوكاني بل قال: إن المنع مطلقًا هو مذهب الجمهور، وقد ذكر الأدلة المؤيدة لذلك في مؤلفة "القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد".
راجع: الإحكام لابن حزم: 2/ 793 - 838، وما بعدها، القول المفيد للشوكاني: ص/ 3، وما بعدها، وإرشاد الفحول: ص/ 267، ومجموع الفتاوى: 20/ 15، 203، 208، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 193، وشرح الورقات: ص/ 241، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 431.
وأما من بلغ رتبة الاجتهاد لا يجوز له التقليد -وعليه الجمهور- مطلقًا، سواء كان ذلك في واقعة ظن الحكم فيها، أو كان بصفات الاجتهاد بحيث لو توجه إليه لقدر على الاستنباط لأنه الأصل، ولا يجوز العدول عنه ما أمكن (1).
وقيل: إذا لم يظن الحكم في الحال يجوز له العدول، وإليه ذهب الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه (2)، وسفيان الثوري (3).
(1) تقدم الكلام على مذهب الجمهور عند الكلام على نقض الاجتهاد بالاجتهاد، وما هي الحالات التي ينقض فيها.
(2)
هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي أبو يعقوب المروزي المشهور بابن راهويه كان أحد أئمة الإِسلام، حفظًا، وفقهًا وورعًا، وحديثًا، حفظ سبعين ألف حديث، جالس الإمام أحمد وروى عنه، وناظر الإمام الشافعي ثم صار من أتباعه، وجمع كتبه من مؤلفاته "المسند" المشهور، "التفسير" وتوفي بنيسابور سنة (238 هـ).
راجع: الفهرست: ص/ 286، وطبقات الفقهاء للشيرازي: ص/ 94، وحلية الأولياء: 9/ 234، ووفيات الأعيان: 1/ 179، وطبقات الحنابلة: 1/ 109، وتذكرة الحفاظ: 2/ 433، وطبقات السبكي الكبرى: 2/ 83، والمنهج الأحمد: 1/ 108، والخلاصة: ص/ 27، وطبقات الحفاظ: ص/ 188، وشذرات الذهب: 2/ 179.
(3)
هو سفيان بن سعيد بن مسروق أبو عبد اللَّه الثوري الكوفي أمير المؤمنين في الحديث أجمع الناس على دينه، وورعه، وزهده، وعلمه، يعتبر أحد الأئمة المجتهدين، عين على قضاء الكوفة فامتنع، واختفى، كان من الحفاظ المتقنين، والفقهاء في الدين ممن لزم الحديث، والفقه، وواظب على الورع والعبادة حتى صار علمًا يرجع إليه في الأمصار، مات بالبصرة سنة (161 هـ). =
وقيل: يجوز للقاضي لاحتياجه إلى فصل الخصومات دون غيره.
وقيل: يجوز تقليد الأعلم دون المساوي وإليه ذهب الإمام محمد بن الحسن.
وقيل: يجوز فيما يفوت لو اشتغل بالاجتهاد دون غيره، وهذا مختار ابن سريج.
وقيل: فيما يخصه دون ما يفتي به غيره (1).
= راجع: طبقات الفقهاء للشيرازي: ص/ 84، ومشاهير علماء الأمصار: ص/ 169، وتاريخ بغداد: 9/ 151، حلية الأولياء: 6/ 356، وصفة الصفوة: 3/ 147، والتاج المكلل: ص/ 50، وطبقات المفسرين: 1/ 186، وتذكرة الحفاظ: 1/ 203، والخلاصة: ص/ 145، وشذرات الذهب: 1/ 250.
(1)
ذكر في هذه المسألة ثمانية أقوال بين مجيز ومانع، ومفصل، وقد ذكر إمام الحرمين، وشيخ الإِسلام ابن تيمية، وغيرهما أن الصحيح جوازه حيث عجز عن الاجتهاد، إما لعدم ظهور دليل له، وإما لضيق الوقت عن الاجتهاد، أو لتكافؤ الأدلة، فبالعجز يسقط عنه وجوب ما عجز عنه، وحينئذ ينتقل إلى بدله، وهو التقليد كما لو عجز عن الطهارة بالماء يرجع إلى التيمم.
راجع: البرهان: 2/ 1339، ومجموع الفتاوى: 20/ 204، والمعتمد: 2/ 366، والرسالة: ص/ 115، واللمع: ص/ 71، والفقيه والمتفقه: 2/ 69، والقواعد للعز بن عبد السلام: 2/ 160، والمستصفى: 2/ 384، والمنخول: ص/ 477، والمسودة: ص/ 468، وكشف الأسرار: 4/ 14، وروضة الطالبين: 11/ 100 وفواتح الرحموت: 2/ 393، والمحرر: 2/ 205، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 189، وفتح الغفار: 3/ 37، وشرح الورقات: ص/ 246، وإرشاد الفحول: ص/ 264.
قوله: "مسألة إذا تكررت الواقعة".
أقول: إذا تكررت الواقعة للمجتهد، فلا يخلو الحال، إما أن يكون تجدد عنده ما يوجب الرجوع، أو لا، وعلى التقديرين إما ذاكرًا للدليل الأول، أو لا، فإن تجدد ولم يكن ذاكرًا للدليل وجب عليه تجديد النظر فيها قطعًا، وإن كان ذاكرًا للدليل، فلا حاجة إلى استئناف الاجتهاد، وإن لم يتجدد له ما يوجب الرجوع، فإن لم يكن ذاكرًا للدليل الأول وجب عليه النظر، إذ عند عدم تذكر الدليل لا ثقة بظنه، بخلاف ما إذا كان ذاكرًا، فلا حاجة إلى النظر والاجتهاد، لأنه سابقًا قد بذل وسعه في تحصيل ذلك الدليل، وهو حاضر عنده، فلا وجه لإعادة النظر (1).
قوله: "مسألة تقليد المفضول".
(1) هذا التفصيل الذي ذكره الشارح تبعًا للمصنف هو مذهب أبي الحسين البصري، والفخر الرازي، والآمدي، والنووي، وغيرهم. وجزم آخرون بلزوم تكرير النظر وحكى عن الأكثر، وذهب فريق ثالث إلى عدم تجديد النظر وصححه ابن الحاجب وغيره.
راجع: المعتمد: 2/ 359، واللمع: ص/ 72، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 95، والإحكام للآمدي: 3/ 253، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 442، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 307، وصفة الفتوى: ص/ 37، والمجموع: 1/ 78، ونهاية السول: 4/ 606، وفواتح الرحموت: 2/ 394، وتيسير التحرير: 4/ 231، وغاية الوصول: ص/ 150، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 394، والمسودة: ص/ 467، 522، 542.
أقول: إذا تعدد المجتهدون، واختلفوا في الفضل هل يجوز تقليد الأفضل، والمفضول، أم يتعين الأفضل؟ اختار القاضي أبو بكر، وابن الحاجب أن الأفضل لا يتعين (1) وعن الإمام أحمد، وابن سريج أنه يتعين (2)، ويجب البحث عنه، كما يلزم المجتهد البحث عن أحوال الدلائل (3).
قال الغزالي -في المستصفى-: "المختار جواز تقليد المفضول إذا لم يعتقد أن الأفضل غيره، فمن اعتقد أن الشافعي أفضل، والصواب على قوله أغلب، فليس له تقليد الغير بالتشهي"(4). واختاره المصنف (5).
(1) وهذا هو مذهب أكثر العلماء.
راجع: البرهان: 2/ 1342، والمستصفى: 2/ 390، والمنخول: ص/ 479، والقواعد للعز بن عبد السلام: 2/ 159، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 432، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 309، وفتح الغفار: 3/ 37، وفواتح الرحموت: 2/ 404، وتيسر التحرير: 4/ 251، والرد على من أخلد إلى الأرض: ص/ 154، 156، والمسودة: ص/ 462، 464، وغاية الوصول: ص/ 151، وإرشاد الفحول: ص/ 371.
(2)
راجع: مختصر الطوفي: ص/ 185، ومختصر البعلي: ص/ 167، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 194، ونزهة الخاطر: 2/ 454.
(3)
ولذا قال ابن بدران: "والأظهر وجوب متابعة الأفضل".
(4)
راجع: المستصفى: 2/ 390 - 391.
وانظر: تشنيف المسامع: ق (146/ 1)، والغيث الهامع: ق (155/ أ - ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 395، وهمع الهوامع: ص/ 436 - 437، ونهاية السول: 4/ 613.
(5)
راجع: المجموع: 1/ 90، وروضة الطالبين: 11/ 104، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 113، واللمع: ص/ 72، والمسودة: ص/ 464، 537.
والدليل على جواز تقليد المفضول إجماع الصحابة، فإنهم كانوا يفتون مع تفاوت مراتبهم، ولم ينكر أحد على أحد وشاع ذلك.
وإذا جاز تقليد المفضول، أو جعلنا مناط الأفضلية اعتقاد المقلد، فلا وجه للبحث عن الأفضل.
وعلى مختار المصنف لو اعتقد عامي مفضولًا أفضل من الغير لا يجوز له تقليد غيره، وإن كان أفضل في نفس الأمر (1).
وأما إذا استويا علمًا، وترجح أحدهما بزيادة الورع، أو بالعكس، فالمرجح جانب العلم، لأنه العمدة في باب الاجتهاد، ولذلك لم تشترط العدالة في المجتهد.
وقيل: بل الورع، لأن قوله أثبت من قول غيره (2).
وهذا الكلام على تقدير وجوب تقليد الأفضل، وأما على المختار، فلا يرجح اللهم إلا أن يحمل على الأولوية.
(1) راجع: صفة الفتوى: ص/ 69، 82، والمسودة: ص/ 462، 463، 464، 471، وفواتح الرحموت: 2/ 404، وتيسير التحرير: 4/ 251، وتشنيف المسامع: ق (146/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 437، وإعلام الموقعين: 4/ 261، والمعتمد: 2/ 365.
(2)
راجع: البرهان: 2/ 1344، والمنخول: ص/ 483، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 113، وروضة الطالبين: 11/ 104، 112.
وإذا وجب على المقلد اتباع مجتهد يكفيه أي مجتهد كان حيًا أو ميتًا (1).
ونقل عن الشافعي أن المذاهب لا تموت بموت أربابها، وهذا كلام في غاية القوة، لأن المعتبر في المجتهد هو العلم الذي خص به، وبعلمه يقتدى لا بشخصه إذ هو فرد من أفراد الناس.
والمصنف نقل عن الإمام عدم جواز تقليد الميت، وهذا كلام في غاية (2) الإشكال، إذ الإمام شافعي المذهب، فكيف يكون شافعيًا، ولا يجوز تقليد الميت (3)؟
(1) ذكر فى هذه المسألة أربعة مذاهب تناولها الشارح أثناء كلامه الجواز في تقليد الميت وبه قال الجمهور، والمنع مطلقًا، وهو وجه في المذهب الشافعي، والحنبلي، والمنع إن وجد مجتهدًا حيًا، والجواز إن لم يجد، والتفضيل إن كان الحاكي عن الميت مجتهدًا في مذهب الميت جاز وإلا فلا.
راجع: البرهان: 2/ 1352، والإحكام لابن حزم: 2/ 838، والمنخول: ص/ 480، المحصول: 2/ ق/ 3/ 97 - 98، وأعلام الموقعين: 4/ 215، 260، والمجموع: 1/ 90، ونهاية السول: 4/ 583، والمسودة: ص/ 466، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 396، وفواتح الرحموت: 2/ 407، وتيسير التحرير: 4/ 250، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 191، والروضة للنووي: 11/ 99.
(2)
من هنا سقط من نسخة (ب) ما يقارب أربع صفحات وهذا من عمل الناسخ مع أن الأوراق متتالية في الترقيم.
(3)
قلت: لا تلازم، فالانتماء إلى مذهب معين لا يلزم منه عدم مخالفة المذهب، فكم من عالم خالف مذهب إمامه لدليل ظهر له، وكتب الفروع شاهدة على ذلك.
والحق: أن الإمام ذكر في المحصول في أول المقالة ما نسبه إليه المصنف، ثم في آخر الفصل ذكر الإجماع على جوازه في زمننا لانقطاع المجتهدين، وكأن المصنف لم يقف على آخر كلامه (1)، فجزم بأنه يمنع مطلقًا، وليس كذلك بل يفصل إن وجد الحي، فلا يجوز، وإن لم يوجد جاز إجماعًا.
وأغرب من كلام المصنف كلام بعض شراحه (2) حيث يقول:
(1) قال الإمام في صدر المسألة: "فإن حكى عن ميت لم يجز الأخذ بقوله لأنه لا قول للميت بدليل أن الإجماع لا ينعقد مع خلافه حيًا، وينعقد بعد موته. وهذا يدل على أنه لم يبق له قول بعد موته. . . " ثم افترض اعتراضًا في آخر المسألة قائلًا: "ولقائل أن يقول: إذا كان الراوي عدلًا ثقة متمكنًا من فهم كلام المجتهد الذي مات، ثم روى للعامي قوله، حصل للعامي ظن صدقه. . . " وأيضًا فقد انعقد الإجماع في زماننا هذا على جواز العمل بهذا النوع من الفتوى؛ لأنه ليس في هذا الزمان مجتهد، والإجماع حجة. المحصول: 2/ ق/ 3/ 97 - 98.
قلت: نقل المصنف عن الإمام صحيح كما ترى إذ ذلك مذهبه الصريح في المسألة، وما ذكره في آخرها بناء على قول القائل، وليس على أنه مختاره فيها إلا أنه لم يعقب على ذلك وسكت عنه، ففهم الشارح أن ما قاله آخرًا وسكت عنه هو مختاره في المسألة.
وممن قال بعدم جواز تقليد الميت أبو الحسين البصري، وقال الغزالي:"وقد قال الفقهاء: يقلده وإن مات، لأن مذهبه لم يرتفع بموته، وأجمع علماء الأصول على أنه لا يفعل ذلك" وأيد هذا القول الشوكاني.
راجع: المعتمد: 2/ 360، والمنخول: ص/ 480، وإرشاد الفحول: ص/ 269.
(2)
جاء في هامش (أ): "الزركشي".
"ومن تأمل كلام الإمام في المحصول علم أن الإمام يمنع التقليد مطلقًا، ومن فهم عنه خلاف ذلك، وعزاه إليه فقد غلط"(1).
وقد نقلنا لك كلام الإمام في المحصول آنفًا.
وقال -في موضع آخر من المحصول-: "مسألة الرجل الذي تنزل به الواقعة إن كان عاميًا صرفًا جاز له الاستفتاء، وكذا إن كان عالمًا لم يبلغ درجة الاجتهاد"(2).
وقال في موضع آخر: "يجوز للعامى أن يقلد في فروع الشريعة خلافًا للمعتزلة"(3).
وإنما غلط الشارح المذكور من كلام الإمام في المحصول حيث قال: "لا يجوز التقليد (4) في أصول الدين لا للمجتهد، ولا للعامي"(5). وهذا كلام حق لا مرية فيه، وسنحققه في موضعه على أحسن وجه، وأوضحه.
وقيل: يجوز تقليد الميت إن نقل عنه عارف بمذهبه، المطلع على أصول إمامه، المميز بين ما استمر عليه، وما لم يستمر عليه.
(1) راجع: تشنيف المسامع: ق (146/ أ).
(2)
راجع: المحصول: 2/ ق/ 3/ 114.
(3)
راجع: المحصول: 2/ ق/ 3/ 101.
(4)
آخر الورقة (134/ ب من أ).
(5)
راجع: المحصول: 2/ ق/ 3/ 125.
قوله: "ويجوز استفتاء من عُرِف".
أقول: من عُرِف بالعلم، والعدالة، واشتهر أمره بحيث بلغ حد التواتر لا كلام في جواز الاستفتاء منه (1).
وأما ما ظن به ذلك بأن رآه المستفتى معظمًا بين الناس، منتصبًا للفتوى، والناس يستفتونه جاز الاستفتاء منه اتفاقًا إن لم يكن قاضيًا (2).
وكذا إن كان قاضيًا على الأصح (3).
وقيل: لا يفتي القاضي في المعاملات اكتفاء بقضائه فيها، وعن القاضي شريح (4): أنا أقضي ولا أفتي.
(1) راجع: البرهان: 2/ 1333، والإحكام لابن حزم: 2/ 689، والفقيه والمتفقه: 2/ 177، والمستصفى: 2/ 390، المحصول: 2/ ق/ 3/ 112، والمجموع: 1/ 69، وروضة الطالبين: 11/ 109، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 307، ومجموع الفتاوى: 20/ 208، وفواتح الرحموت: 2/ 403، والإحكام للآمدي: 3/ 252.
(2)
راجع: البرهان: 2/ 1341، والمجموع: 1/ 89، وفتح الغفار: 3/ 37، وتيسير التحرير: 4/ 248، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 397، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 194، وإرشاد الفحول: ص/ 271.
(3)
راجع: روضة الطالبين: 11/ 109، والمجموع: 1/ 70، والمسودة: ص/ 555، وأعلام الموقعين: 4/ 220 - 221، وصفة الفتوى: ص/ 29، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 397.
(4)
هو شريح بن الحارث بن قيس الكندي الكوفي المخضرم التابعي أبو أمية، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يلقه على القول المشهور، روى عن عمر، وابن مسعود، وعلي، وغيرهم من الصحابة، ولاه عمر قضاء الكوفة، وأقره على ذلك من جاء بعده، فبقي على قضائها =
وأما المجهول علمًا، أو عدالة، فالمختار عدم جواز تقليده (1)، لأن ظاهر حاله لا دلالة على العلم والعدالة، والأصل عدمهما.
وأما إذا كان ظاهر العدالة، فالأصح الاكتفاء بذلك، والأصح في المجهول الذي أريد الاستفتاء منه وجوب البحث عن حاله. وقيل: يكفي الاستفاضة بين الناس، وهو الراجح في الروضة (2)، والقوي دليلًا إذ الظن كاف في هذا، فكيف بالاستفاضة (3)؟
= ستين سنة، وقيل: خمسًا وسبعين سنة. قال النووي: "واتفقوا على توثيق شريح، ودينه، وفضله، والاحتحاج برواياته، وذكائه، وأنه أعلمهم بالقضاء".
وتوفي سنة (78 هـ) وقيل: غير ذلك. بلغ من العمر فوق المئة سنة.
راجع: صفة الصفوة: 3/ 38، وأخبار القضاة لوكيع: 2/ 189، وتهذيب الأسماء واللغات: 1/ 243، ووفيات الأعيان: 2/ 167، وشذرات الذهب: 1/ 85.
(1)
راجع: الأنوار: 2/ 398، والفروع: 6/ 425، وروضة الطالبين: 11/ 108، والمجموع للنووي: 1/ 69، 70، وصفة الفتوى: ص/ 6، 11، 24، وأعلام الموقعين: 4/ 220، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 195.
(2)
راجع: روضة الطالبين: 11/ 103، والمجموع: 1/ 70، والمسودة: ص/ 555، وأعلام الموقعين: 4/ 220، ومختصر الطوفي: ص/ 185، ومختصر البعلي: ص/ 167، وأصول مذهب أحمد: ص/ 704.
(3)
قال الشيخ تقي الدين: "ولا يجوز له استفتاء من اعتزى إلى العلم وإن انتصب في منصب التدريس، أو غيره، ويجوز استفتاء من تواتر بين الناس، أو استفاض فيهم كونه أهلًا للفتوى" المسودة: ص/ 464. وانظر: البرهان: 2/ 1341، والإحكام للآمدي: 3/ 252.
وإذا قلنا: يجب البحث، يكفيه خبر الواحد (1) بعلمه، وعدالته (2)، وقيل: لا بد من الاثنين (3).
وللعامي أن يسأل المفتى عن مأخذه لزيادة الطمأنينة، لكن على وجه الاسترشاد لا على وجه العناد (4)، وإذا كان السؤال على وجه الاسترشاد يجب (5) على المفتى بيانه له إن لم يكن خفيًا يقصر فهمه عنه، ويعتذر إليه في الخفي بأن مدركه خفي.
قوله: "مسألة يجوز للقادر".
أقول: من لم يبلغ درجة المجتهد المطلق له مراتب:
أحدها: أن يبلغ درجة الاجتهاد المقيد، وهو الذي يعد من أصحاب الوجوه، فالأصح جواز الإفتاء له.
(1) راجع: اللمع: ص/ 72، والمنخول: ص/ 478، والمسودة: ص/ 464، وروضة الطالبين: 11/ 104، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 194، وإرشاد الفحول: ص/ 271.
(2)
قال النووي: "وهذا محمول على من عنده معرفة يميز بها الملتبس من غيره، ولا يعتمد في ذلك خبر آحاد العامة لكثرة ما يتطرق إليهم من التلبيس في ذلك" الروضة: 11/ 104. وراجع: المجموع: 1/ 90.
(3)
وهو منقول عن الباقلاني، واختاره إمام الحرمين قائلًا:"ولا بد أن يخبره عدلان بأنه مجتهد" البرهان: 2/ 1341.
(4)
راجع: تشنيف المسامع: ق (146/ ب)، والغيث الهامع: ق (156/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 397، همع الهوامع: ص/ 439، وأعلام الموقعين: 4/ 161، 259.
(5)
جاء في هامش (أ): "المعتمد أنه يندب كما قرره شيخنا في لب الأصول".
قال المصنف -في شرح المختصر-: "والذي أظنه قيام الإجماع على إفتائه"(1).
وقيل: لا يجوز لعدم وصف الاجتهاد فيه.
وثالث الأقوال: الجواز عند عدم مجتهد آخر (2).
الثانية: من لم يبلغ رتبة أصحاب الوجوه، ولكنه فقيه النفس، حافظ للمذهب، قادر على تقريره، غير أنه لم يبلغ في الاستنباط تلك الرتبة، فله الافتاء أيضًا.
ورابع الأقوال: يجوز له الإفتاء، وإن لم يكن قادرًا على التفريع، والترجيح، لأنه ناقل مذهب إمامه.
قال المصنف في شرح المختصر-: "الثالثة من لم يبلغ هذا المقدار، ولكنه يحفظ واضحات المسائل، ومشكلاتها غير أنه عنده ضعف في تقرير الأدلة، فعليه الإمساك فيما يغمض فهمه مما لا نقل عنده فيه، وليس هذا هو الذي حكيا فيه الخلاف، لأنه لا اطلاع له على المآخذ، وكل هؤلاء غير العوام.
(1) راجع: رفع الحاجب: (2/ ق/ 310/ أ).
(2)
راجع: الإحكام للآمدي: 3/ 254 - 255، والمسودة: ص/ 547، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 185، وهمع الهوامع: ص/ 439، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 385، وصفة الفتوى: ص/ 17، وتشنيف المسامع: ق (146/ ب)، والغيث الهامع: ق (156/ أ).
أما العامي إذا عرف حكم مسألة بدليلها، فليس له الفتيا بها وقيل: يجوز.
وقيل: إن كان نقليًا جاز.
وقيل: إن كان دليلها من الكتاب، والسنة جاز، وإلا فلا (1).
وأما العامي الذي عرف حكم مسألة من المجتهد، ولم يدر دليلها، فليس له أن يفتى، ورجوع العامي إليه إذا لم يلق سواه أولى من الارتباك في الحيرة، وكل هذا فيمن لم ينقل عن غيره، فإذا نقل العامي أن فلانًا أفتاني بكذا لم يمنع، من هذا القدر" (2).
وإنما نقلنا كلامه لاشتماله على فوائد قد خلا المتن عنها، ولم تكن في شروحه.
قوله: "ويجوز خلو الزمان".
أقول: اختلف في جواز خلو الزمان عن المجتهد (3)، والحق جوازه.
(1) راجع أصناف المجتهدين في المذهب وحالاتهم: المجموع للنووي: 1/ 71، وروضة الطالبين: 11/ 101، والأنوار: 2/ 395، والمسودة: ص/ 547، ورسائل ابن عابدين: 1/ 11، وصفة الفتوى: ص/ 17، 20، والمحلي على جمع الجوامع: 385، ومناهج العقول: 3/ 245، وأعلام الموقعين: 4/ 215، 270، والرد على من أخلد إلى الأرض: ص/ 113، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 184، والوسيط: ص/ 522.
(2)
راجع: رفع الحاجب: (2/ ق/ 310/ أ - ب).
(3)
في هذه المسألة اختلف العلماء إلى مذاهب: ذهب الجمهور إلى جواز ذلك، واختاره الغزالي، والقفال، والآمدي، وابن الحاجب، وغيرهم. =
لنا على الجواز: أنه ممكن ولم يدل دليل على امتناعه، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"إن اللَّه لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه، ولكن يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْق عالمًا اتخذ الناس رؤساء جهالًا فسئلوا، فافتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"(1).
قيل: معارض بقوله: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق".
= وذهب آخرون إلى أن الاجتهاد فرض في كل عصر، وعليه فلا يجوز خلو الزمان عن المجتهد، وهذا قول الحنابلة، وبعض الشافعية كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، وغيره، ورجحه الشهرستاني والشوكاني، وقد صححه السيوطي، وألف فيه كتابًا، وذكر اتفاق العلماء من جميع المذاهب عليه، ونقل أدلتهم في مختلف العصور، وذهب ابن دقيق العيد إلى جواز ذلك عند أشراط الساعة فقط.
راجع: الإحكام للآمدي: 3/ 253، والملل والنحل: 1/ 205، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 435، والمسودة: ص/ 472، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام: 20/ 204، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 307، وفتح الغفار: 3/ 37، وفواتح الرحموت: 2/ 399، وتيسير التحرير: 4/ 240، ومختصر البعلي: ص/ 167، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 191، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 398، وإرشاد الفحول: ص/ 253، والرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض للسيوطي: ص/ 67، 97 وما بعدها، وأصول مذهب أحمد: ص/ 638، والوسيط: ص/ 513.
(1)
رواه البخاري، وأحمد، ومسلم واللفظ المذكور له، ورواه الترمذي، وابن ماجه عن عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنهما.
راجع: صحيح البخاري: 9/ 123، وصحيح مسلم: 8/ 60، ومسند أحمد: 2/ 203، ومجمع الزوائد: 1/ 201، ومشكاة المصابيح: 1/ 72، والجامع الصغير: 1/ 74.
الجواب: ليس نصًا في المجتهدين، بل قيل هم أهل الحديث، أو المجاهدون (1)، ولئن سلمنا لم يدل على عدم الجواز، بل على عدم الوقوع (2).
ولو سلم فدليلنا أظهر، وقد تقدم أنه يقدم بالظهور، ولو سلم غايته التعارض، فيرجع إلى الأصل. وهو عدم المانع من الجواز.
وقال ابن دقيق العيد (3)"يجوز في آخر الزمان عند تعطل الشرائع وتزلزل قواعد الدين"، وهذا ليس بشيء إذ الكلام في حال رواج الشريعة، والأحكام.
(1) قال النووي: "وأما هذه الطائفة، فقال البخاري: هم أهل العلم. وقال أحمد بن حنبل: إن لم يكونوا أهل الحديث، فلا أدري من هم! قال القاضي عياض: إنما أراد أحمد أهل السنة، والجماعة، ومن يعتقد مذهب أهل الحديث.
قلت -والكلام للنووي-: ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد، وآمرون بالمعروف، وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونوا متفرقين في أقطار الأرض" شرح مسلم له: 13/ 66 - 67.
(2)
وهو اختيار المصنف. راجع: المحلي على جمع الجوامع: 2/ 398، تشنيف المسامع: ق (147/ أ)، والغيث الهامع: ق (156/ أ- ب)، وهمع الهوامع: ص/ 439 - 440.
(3)
هو محمد بن علي بن وهب تقي الدين القشيري أبو الفتح المنفلوطي المصري، المالكي، ثم الشافعي، اشتهر بالتقوى، فلقب بتقي الدين، كان عالمًا زاهدًا، ورعًا، عارفًا بالمذهبين الشافعي، والمالكي، متقنًا لأصول الدين، وأصول الفقه، والنحو، واللغة، له مؤلفات نافعة منها: الإلمام، وشرح له الإمام، ومقدمة في أصول الفقه، وشرح العمدة، والاقتراح في علوم الحديث، والأربعين التساعية، ولي قضاء الديار المصرية، وتوفي سنة (702 هـ). =
وأقول: لو ادعى الإنسان وقوع الخلو عن المجتهد يجب أن لا يخالفه أحد، لأن مثل إمام الحرمين، والغزالي لم يُعدّ من أصحاب الوجوه فضلًا عن رتبة الاجتهاد، ومن بعدهما لا يلحق غبارهما إلا أن ابن دقيق العيد كان يزعم الاجتهاد لنفسه، فأظهر كلامًا مخيلًا لا حاصل له.
قوله: "إذا عمل العامي بقول مجتهد".
أقول: العامي إذا عمل بقول مجتهد في حادثة، فليس له الرجوع عنه إجماعًا (1).
وإنما الكلام فيما إذا أفتى، ولم يعمل.
فقيل: يلزم العمل، لأن قول المفتي في حقه كالدليل في حق المجتهد.
وقيل: يلزم إذا شرع فيه، لأن الشروع ملزم.
= راجع: مرآة الجنان: 4/ 236، وطبقات الأسنوي: 2/ 227، وطبقات السبكي: 9/ 207، وفوات الوفيات: 3/ 442، ودول الإسلام: 2/ 158، والوافي: 4/ 193، وتذكرة الحفاظ: 4/ 1481، والديباج المذهب: ص/ 324، والدرر الكامنة: 4/ 210، والطالع السعيد: ص/ 217، والكواكب السيارة: ص/ 271.
(1)
نقل الإجماع الآمدي، وابن الحاجب، والهندي، وغيرهم وقيل: يجوز له الرجوع. قال الشيخ زكريا الأنصاري: "يجوز له الرجوع فيها".
راجع: الإحكام للآمدي: 3/ 256، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 309، والتمهيد للأسنوي: ص/ 527، وفتح الغفار: 3/ 37، وفواتح الرحموت: 2/ 405، وتيسير التحرير: 4/ 253، وغاية الوصول: ص/ 152، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 399، وإرشاد الفحول: ص/ 272.
وقيل: يلزمه إن التزم.
وقيل: يلزمه إذا وقع في نفسه صحته.
وقيل: إن لم يوجد مفت آخر يلزمه، وإلا فلا (1).
والحق هذا، واختار النووي رحمه الله (2)، هذا الذي ذكرنا في اتحاد الحادثة.
أما إذا اختلفت الحادثة الأصح عند المصنف الجواز وإليه ذهب ابن الحاجب (3).
وقيل: لا يجوز مطلقًا.
وقيل: يجوز في عصر الصحابة، والتابعين، وأما بعد تقرير المذاهب فلا يجوز، وإليه ميل إمام الحرمين (4).
ومن لم يبلغ رتبة الاجتهاد، فهل عليه التزام مذهب مجتهد معين؟ .
(1) راجع: المسودة: ص/ 524، وصفة الفتوى: ص/ 81، وأعلام الموقعين: 4/ 264، ومختصر البعلي: ص/ 168، وتشنيف المسامع: ق (147/ أ) وهمع الهوامع: ص/ 440.
(2)
راجع: روضة الطالبين: 11/ 117 - 118، والمجموع: 1/ 93.
(3)
راجع: مختصر ابن الحاجب: 2/ 309.
(4)
راجع: البرهان: 2/ 1353، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 399 وتشنيف المسامع: ق (147/ أ)، والغيث الهامع: ق (156/ ب - 157/ أ) وهمع الهوامع: ص/ 440.
اختار المصنف وجوبه عليه (1)، وقيل: لا يجب (2).
وإذا قلنا: بوجوبه.
فهل يختار أي مجتهد كان، أم يجب تقليد الأفضل في اعتقاده؟
قال: يجب عليه تقليد الأفضل (3)، أو المساوي بناء على ما اختاره سابقًا من وجوب اعتقاد الأفضلية، أو التساوي، ولكن الأولى أن يسعى
(1) وهو اختيار الكيا الهراس قال النووي: "هذا كلام الأصحاب والذى يقتضيه الدليل أنه لا يلزم التمذهب، بل يستفتي من شاء أو من اتفق له لكن من غير تلقط للرخص، واختاره ابن برهان".
بل يرى كثير من العلماء أن المقلد لا يجوز له أن يحكم مخلاف رأي إمامه ولو كان معتقدًا ترجيح ذلك.
راجع: البرهان: 2/ 1353، وروضة الطالبين: 11/ 117، والمجموع: 1/ 90 - 91، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 432، والمسودة: ص/ 465، وأعلام الموقعين: 4/ 261 - 263، وصفة الفتوى: ص/ 71، ومختصر البعلي: ص/ 168، وغاية الوصول: ص/ 152، وتيسير التحرير: 4/ 253، وشرح منتهى الإرادات: 4/ 262، والقواعد للعز بن عبد السلام: 2/ 159، وإرشاد الفحول: ص/ 272.
(2)
ورجح هذا الإمام النووي لأن الدليل يشهد له كما سبق عنه، قال العلامة ابن القيم:"وهذا هو الصواب المقطوع به". وقد أطال القول في الرد على من خالف هذا المذهب الإمام ابن حزم الظاهري. مما لا مزيد عليه، وهو اختيار ابن برهان، وغيره.
راجع: الإحكام لابن حزم: 2/ 793، 844، 861، وروضة الطالبين: 11/ 117، والقواعد للعز بن عبد السلام: 2/ 159، وأعلام الموقعين: 4/ 261، والإحكام للآمدي: 3/ 249 - 250، وإرشاد الفحول: ص/ 272.
(3)
قال الغزالي: "لا يجوز تقليد غيره". =
في الأرجح ليظهر وجه الاختيار (1)، وليس هذا مخالف لما تقدم من عدم وجوب البحث، لأن الأولوية لا تستلزم الوجوب.
ثم إذا التزم مذهبًا هل له الخروج عنه أقوال:
أحدها: لا يجوز، لأنه بعد التزامه صار كالدليل بالنظر إلى المجتهد.
والثاني: يجوز، واختاره الرافعي (2).
= وقال النووي -معقبًا على قول الغزالي السابق-: "وهو وإن كان ظاهرًا ففيه نظر لما ذكرنا من سؤال آحاد الصحابة رضي الله عنهم مع وجود أفاضلهم الذين فضلهم متواتر، وقد يمنع هذا، وعلى الجملة المختار ما ذكره الغزالي.
فعلى هذا يلزمه تقليد أورع العالمين، وأعلم الورعين، فإن تعارضا قدم الأعلم على الأصح" روضة الطالبين: 11/ 104، والمجموع: 1/ 90.
راجع: المستصفى: 2/ 390، واللمع: ص/ 72، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 309، والمحصول: 2/ ق/ 3/ 113، والمسودة: ص/ 464، 537، ونزهة الخاطر: 2/ 454.
(1)
راجع: المحلي على جمع الجوامع: 2/ 400، وتشنيف المسامع: ق (147/ أ - ب)، والغيث الهامع: ق (157/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 440.
(2)
هو عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم القزويني الرافعي أبو القاسم كان متضلعًا بعلوم الشريعة، تفسيرًا، وحديثًا، وفقهًا، وأصولًا، وكان ورعًا تقيًا، زاهدًا، طاهر الذيل، مراقبًا للَّه، اعتُبر هو والنووي، من محققي المذهب الشافعي، ومحرريه في القرن السابع الهجري، له مصنفات كثيرة منها: الشرح الكبير - فتح العزيز في شرح الوجيز، الشرح الصغير، والمحرر، وشرح مسند الشافعي، والأمالي الشارحة على مفردات الفاتحة، والإيجاز في أخبار الحجاز، وتوفي سنة (623 هـ).
راجع: الوفيات: 2/ 7، وتهذيب الأسماء واللغات: 2/ 264، وطبقات السبكي: 8/ 281، وطبقات المفسرين: 1/ 335، وشذرات الذهب: 5/ 108.
الثالث: التفصيل بين ما عمل به، وما لم يعمل.
فإن عمل لا يجوز له تقليد غيره، وإلا فلا منع منه (1).
وحيث جوزنا له الخروج، فشرطه أن لا يتتبع الرخص، بأن يختار من كل مذهب ما هو الأهون عليه.
قال النووي: "والذي يقتضيه الدليل أن له أن يستفتى من شاء، لكن بشرط أن (2) لا تلقط الرخص"(3) وقال به أبو إسحاق المروزي، أي: جوز تتبع الرخص.
وقيل: لم يصح عنه هذا، بل الذي صح عنه: من فعل ذلك يفسق، وهذا يدل على أنه كبيرة عنده، فكيف يمكن القول منه بالجواز؟ وهذا الذي يظن بمثل ذلك الحبر الإمام.
* * *
(1) راجع: روضة الطالبين: 11/ 108، والقواعد للعز بن عبد السلام: 2/ 158، والإحكام للآمدي: 3/ 256، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 432، ومختصر ابن الحاحب: 2/ 209، وفتح الغفار: 3/ 37، وتيسير التحرير: 4/ 253، وفواتح الرحموت: 2/ 406، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 400، وارشاد الفحول: ص/ 272.
(2)
آخر الورقة (135/ ب من أ).
(3)
روضة الطالبين: 11/ 17، وراجع: المستصفى: 2/ 391، والمسودة: ص/ 218، وأعلام الموقعين: 4/ 222، والموافقات: 4/ 93، 96، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 400، وتيسير التحرير: 4/ 254، وفواتح الرحموت: 2/ 406، ومختصر البعلي: ص/ 168، وإرشاد الفحول: ص/ 272، والوسيط: ص/ 583.