المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موقف السبكي من مسألة تعليق الطلاق: - الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق - المقدمة

[ابن تيمية]

الفصل: ‌موقف السبكي من مسألة تعليق الطلاق:

ثم ظهر لي من حاله ما يَقتضي أنه ليس ممن يُعتمد عليه في نقلٍ يَنفرد به؛ لمسارعته إلى النقل بفهمه، كما في هذه المسألة ــ وهي مسألة قول الواقف: وقفتُ على أولادي، ثم أولاد أولادي ــ، ولا في بحثٍ يُنشئه؛ لِخَلْطِهِ المقصود بغيره، وخروجه عن الحدِّ جدًّا، وهو كان مكثرًا من الحفظ، ولم يتهذَّب بشيخ، ولم يَرْتَض من العلوم؛ بل يأخذها بذهنه، مع جسارته، واتساع خياله، وشَغَبٍ كثيرٍ!

ثم بلغني من حاله ما يَقتضي الإعراضَ عن النظر في كلامِهِ جملةً، وكان الناس في حياته ابتلوا بالكلام معه للردِّ عليه، وحُبِسَ بإجماعِ المسلمين وولاة الأمور على ذلك! ثم مات)

(1)

.

وفي المقابل؛ فقد تكلم ابن تيمية في السبكي بكلام شديد من نحو تجهيله واتهامه بتحريف الكلم عن مواضعه

ونحو ذلك؛ كما سيأتي في كتابنا هذا.

ولست في مقام المحاكمة بين ابن تيمية والسبكي، فقد (مضى ــ ابن تيمية ــ لسبيله راجيًا من الله أجرًا أو أجرين، وهو ومنازعوه يوم القيامة عند ربهم يختصمون)

(2)

.

‌موقف السبكي من مسألة تعليق الطلاق:

كانت الفتوى السائدة المنتشرة هي القول بوقوع الطلاق المعلَّق مطلقًا، سواء قصد منه القائل حثًّا أو منعًا أو لم يقصد، وسواء أكان كارهًا وقوعه

(1)

انظر تعليق ابن عبد الهادي على هذا الكلام مما نقله صاحب كتاب الفواكه العديدة (1/ 486 - 490)، وجلاء العينين للآلوسي، وكتاب (ابن تيمية رَدُّ مفتريات ومناقشة شبهات) للدكتور خالد العبد القادر، وما ذكره المؤرخون والعلماء يردُّ هذا الكلام الذي ذكره السبكي ــ عفا الله عنه ــ.

(2)

إعلام الموقعين (3/ 363).

ص: 18

وغير مريدٍ له أم لا، حتى أفتى ابن تيمية رحمه الله في مسألة تعليق الطلاق عِدَّةَ فتاوى انتشرت في الآفاق واطلع عليها أهل العلم في زمانه، فرَّق فيها بين من يقصد الحث أو المنع وهو كارهٌ وقوعَ الطلاق وبين من يَقصد وقوع الطلاق عند الشرط، وكانت هذه الفتاوى سببًا في امتحانه ومنعه من الإفتاء في هذه المسألة، وانتهت هذه المحنة بسجنه بضعة أشهر

(1)

.

وقد تصدَّى للردِّ عليه اثنان من كبار الفقهاء في زمانه هما: ابنُ الزَّملكاني وتقي الدين السبكي، وكان للسبكي اليد الطولى في محاربة هذا القول والقائلين به، ابتداءً بابن تيمية إلى تلاميذه المتأثرين برأيه في هذه المسألة خصوصًا

(2)

.

وكان دافع السبكي رحمه الله في هذا الحماس (خوفًا على محفوظ الأنساب، ومحظوظ الأحسابِ؛ لِمَا كانت تؤدي إليه هذه العظيمة، وتَستولي عليه هذه المصيبة العميمة)

(3)

، وهذا الظنُّ بمثله في كبير علمه وديانته

(4)

.

وقد كتب في الرد على ابن تيمية في هذه المسألة ستة ردود

(5)

، هي كالتالي:

(1)

انظر: العقود الدرية (ص 393 فما بعدها).

(2)

قال النعمان الآلوسي في جلاء العينين (ص 31): (إن أكثر المنتقدين من المعاصرين وأشدهم في الوقوع فيه: الإمام السبكي).

(3)

كما ذكر ذلك ابن فضل الله العمري في مسالك الأبصار (5/ 744).

(4)

انظر: المعجم المختص (ص 166)، أعيان العصر (3/ 417)، مرآة الجنان (4/ 225)، البداية والنهاية (18/ 410)، بغية الوعاة (2/ 176).

(5)

وربما تعقَّبه بأكثر من ذلك، لكن هذا ما وقفتُ عليه.

ص: 19

الردُّ الأول: وهو ردٌّ مختصر أسماه (رافع الشقاق في مسألة الطلاق).

الردُّ الثاني: وهو ردٌّ موسَّعٌ أسماه (التحقيق في مسألة التعليق)، وقد ذكر هذا الردّ والذي قبله التاج السبكي في كتابه طبقات الشافعية الكبرى (10/ 308).

ويظهر أنَّ (رافع الشقاق) ألَّفه التقي أولًا، ثم بسط الاعتراض على ابن تيمية في كتابه (التحقيق)؛ كما أشار إلى ذلك ابن تيمية في ردِّه هذا بقوله (ص 593):(ولكن ــ والله أعلم ــ كان قد اعترض أولًا اعتراضًا مختصرًا ذكر فيه هذا الكلام، ثم بسط الاعتراض بما تقدم ذكره له أولًا؛ فلهذا تكرر هذا منه)، وقال في (ص 709):(ولما لم يكن الكلام فيه ــ أي: في الفتوى المعترض عليها ــ مستوفًى ظَنَّ هذا المعترض وأمثاله أَنَّ هذا هو غاية ما في المسألة من النقل والبحث، فَطَمِعَ مثل هؤلاء في رَدِّ ذلك، وإِنْ كانوا مع قلته لم يردوه بحق، فلمَّا انتشر الكلام فيها وظهر لهم بعد هذا من النقل والدليل ما لم يكن في هذا الجواب = تكعكع مَنْ كان يتحدى بما عنده من العلم والبيان، وكتموا ما كانوا كتبوه في حكم هذه الأيمان، وبلغني أَنَّ المعترض لَمَّا رأى بعض ما ذُكِرَ ــ غَيْرَ الجواب المختصر ــ بَسَطَ هذا الاعتراض هذا البسط؛ ولهذا وقع فيه ما وقع من التكرار، وأنه لما رأى ما هو أبلغ من ذلك استعفى عن معاودة الاعتراض).

الردُّ الثالث: وهو كتابةٌ مختصرةٌ جدًّا، ليست كحال الردود، انتخبها السبكي من كتابه (التحقيق)، وجعلها في مقاصد خمسة

(1)

.

(1)

نشرت مصورتها ضمن مخطوطات الأزهر على الشبكة المعلوماتية.

ص: 20

وهذه الردود الثلاثة السابقة على فتوى واحدة لابن تيمية

(1)

.

الردُّ الرابع: (الدُّرَّةُ المضيَّة في الرد على ابن تيمية).

الردُّ الخامس: مؤاخذات تقي الدين السبكي على رسالة ابن تيمية (الاجتماع والافتراق في مسائل الأيمان والطلاق)، انتهى من تأليفها بكرة نهار الأربعاء عشري شهر رمضان سنة ثماني عشرة وسبعمائة.

الردُّ السادس: النظر المحقق في الحلف بالطلاق المعلَّق

(2)

، وهذه الرسالة ليست ردًّا على فتوى معيَّنة، كتبها ليلة الأربعاء التاسع والعشرين من محرم سنة خمسٍ وعشرين وسبعمائة.

وهذه الردود تُبيِّن حجم المسألة التي وقعَ فيها النزاع، ومدى الجهد الذي بَذَلَه السبكي في تتبع فتاوى ابن تيمية والردِّ عليها؛ فقد (جَرَّدَ سيفه، وأَرْهَفَ ذُبَابَيهِ، وردَّ القِرْنَ وهو ألدُّ خَصيم، وشدَّ عليه وهو يَشُدُّ على غيرِ هَزيم، وقابَلَهُ وهو الشمس التي تُعْشِي الأبصار، وقاتلَهُ ــ وكم جَهِدَ ــ ما يَثْبُتُ البطلُ لعليٍّ وفي يَدِهِ ذو الفَقار)

(3)

.

وكان السبكي يحتفي بردِّه على ابن تيمية في مسألة تعليق الطلاق، فقد أَنشدَ لنفسهِ أبياتًا ذكر فيها ردَّ ابن تيمية على ابنِ المطهِّر الرافضي وما عابه

(1)

هي المنشورة في مجموع الفتاوى (33/ 187).

(2)

سيأتي وصف هذه الكتب، والإشارة إلى ما طبع منها وما لم يطبع.

(3)

كذا وصف ابن فضل الله العمري ردود السبكي على ابن تيمية في مسألة الطلاق والمنع من شدِّ الرحل (5/ 745).

ص: 21

عليه، ثم قال عن ابن تيمية

(1)

:

لو كانَ حيًّا يَرَى قولي ويفهمُهُ

رددتُ ما قال أَقْفُو إِثْرَ سَبْسَبِهِ

كما رددتُ عليه في الطلاقِ وفي

تَرْكِ الزيارةِ ردًّا غيرَ مشتبِهِ

وبعدَه لا أرى للردِّ فائدةً

هذا وجوهرُهُ مما أَضِنُّ بِه

وأهمُّ ردوده وأقواها وأطولها هو ردُّه المسمى بِـ (التحقيق)، فقد صار عمدةً يُحيل عليه في بعض كتبه الأخرى، كما فعل في مؤاخذاته على رسالة (الاجتماع والافتراق) لابن تيمية

(2)

، وانتخب منه وريقات كما تقدم في الرد الثالث.

وقال التاج السبكي عن ردِّ والده المسمَّى (التحقيق)

(3)

: (وقد أطال الشيخ الإمام الوالد الكلام على هذا، وحَرَّرَ مخالفته للإجماع في كتابه الرد على ابن تيمية في مسألة الطلاق كتاب (التحقيق) الذي هو مِنْ أَجَلِّ تصانيفِ الشيخِ الإمامِ)، كما أثنى على ردِّه هذا خصوصًا غير واحدٍ ــ كما تقدم ــ منهم منازعه ابن تيمية

(4)

.

وقد دوَّن السبكي في ردِّه هذا بعض العبارات التي لا تخلو من اتهام

(1)

انظر: طبقات الشافعية الكبرى (10/ 176 - 177). وقد تعقَّب قصيدة السبكي هذه كلٌّ من: يوسف بن محمد السُّرَّمُرِّي الحنبلي، ومحمد بن جمال الدين الشافعي؛ وستأتي الإشارة إليهما في (ص 56 - 57).

(2)

فتاوى السبكي (2/ 272). وقد أشار له في الدُّرَّة المضية (ص 15، 41) دون تصريح باسم كتابه.

(3)

طبقات الشافعية الكبرى (2/ 65).

(4)

انظر (ص 7 - 8) من هذه المقدمة.

ص: 22

ودخولٍ في النيات من مثل ما قاله بعد نَقْلِهِ فتاوى لابن عبد السلام تُخالف ما نَسَبَهُ إليه ابن تيمية: (

فمن كان هذا كلامَهُ؛ كيف ينقلُ عنه أنه كان يُفتي بعدم وقوع الطلاق؟! ولا يَحلُّ لمسلمٍ ــ فضلًا عن فقيهٍ [

يُنَصِّبُ]

(1)

نفسه منصب الإمامة أَنْ يَعتمد في دين الله ــ تعالى ــ على مثل هذه التُّرهات الباطلة، ولا أنْ يَكتفي في نقلِ الأحكام الشرعية

(2)

بكلِّ ما بلغه، فكفى بالمرء إثمًا أن يُحدِّث بكل ما سمع

(3)

؛ ولهذا يقال: لا يكونُ إمامًا مَنْ حَدَّثَ بكلِّ ما سمع، وليس ابن تيمية ممن يَخفى عليه مثل هذا، ولكنه لَمَّا رَأَى أمرًا شُغِفَ بِنُصْرَتِهِ والإكثار مما يَستند إليه من حقٍّ وباطلٍ؛ لِيَنْفُقَ ذلك عند الضَّعَفَةِ وَمَنْ لا تمييز له؛ حتى يقع في أنفسهم أنَّ هذه المسألة من مسائل الخلاف

)

(4)

.

وهذا يُشير إلى الحماس الشديد الذي بلغ بالسبكي في إنكار هذا القول على ابن تيمية، وقد بيَّنَه هو في رسالته التي أرسلها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ــ إنْ صحَّت عنه ــ حيث قال فيها: (

ثم عاد إلى الشام ــ أي: ابن تيمية ــ، ثم بلغنا كلامه في الطلاق، وأنَّ مَنْ علَّق الطلاق على قصد اليمين ثم حنث لا يقع عليه طلاق، ورددت عليه في ذلك

لكن الطلاق والزيارة أنا شديد

(1)

هكذا قرأتها.

(2)

كررها الناسخ.

(3)

أخرج أبو داود في سننه (4994) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «كفى بالمرء إثمًا أنْ يُحدِّث بكلِّ ما سمع» وقال: ولم يذكر حفصٌ أبا هريرة. ثم قال: ولم يسنده إلا هذا الشيخ يعني علي بن حفص المدائني. وقد أخرج مسلم في مقدمة صحيحه (برقم 5) عن حفص بن عاصم مرفوعًا «كفى بالمرء كذبًا أَنْ يُحدِّثَ بكلِّ ما سمع» ثم ساق إسناده من طريق علي بن حفص بذكر أبي هريرة مرفوعًا. وصححه ابن حبان (برقم 30).

(4)

التحقيق في مسألة التعليق (11 / أ)، وانظر:(26 / أ).

ص: 23

الإنكار لقول ابن تيمية فيهما ظاهرًا وباطنًا)

(1)

.

وقد آل الأمر بالسبكي إلى استصدار مرسومٍ سُلطاني (بأنَّ كُلَّ مَنْ كان مِن أصحاب ابن تيمية لا يُولَّى حكمًا، ولا سائر الوظائف الدينية، وعُزِلَ بسبب ذلك جماعةٌ في الشام كانوا يَنتحلونه من الحُكْم ومن المدارس التي كانت بأيديهم)

(2)

.

وكان السبكي يتألم ويتأذى من القاضي ابن بُخَيخ الحنبلي ــ أحد تلاميذ ابن تيمية ــ حيث كان يقول برأي شيخِهِ في المسائل التي انفرد بها، ويحكم بها، فلا يُنفِّذ السبكي ــ وهو قاضي القضاة آنذاك ــ ما حَكَمَ به ولا ما رآه!

(3)

.

ومثله ما حدث بينه وبين ابن القيم، فقد كان ابن القيم (متصديًا للإفتاء بمسألة الطلاق التي اختارها الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وجرت له بسببها فصولٌ يطول بسطها مع قاضي القضاة تقي الدين السبكي وغيره)

(4)

، حتى

(1)

انظرها وتعليق الآلوسي عليها في غاية الأماني (1/ 337).

(2)

من مجموع بخطِّ تقي الدين السبكي (الورقة 91). نقله الباحث الفاضل أبو الفضل القونوي في مقدمة تحقيقه كتاب الذهبي بيان زغل العلم (ص 40).

(3)

أعيان العصر للصفدي (3/ 630).

وقد كتب هذا السبكي في مجموعٍ بخطِّ يده (الورقة 91) حيث قال: (

ومنه ما اشتهر عند الخاصِّ والعامِّ من انتحاله أقوالَ ابن تيمية في كلِّ شيء، ووقوفِهِ عندها، وتمسُّكِهِ بها، وحكمه بها، سواء أكانت مذهبًا أم لا، هذا في الأحكام الفرعية، دَعْ ذكر الاعتقادات التي يَتَّبِعُهُ فيها، وما يقال نسأل الله العافية والسلامة). نقله الباحث الفاضل أبو الفضل القونوي في مقدمة تحقيقه كتاب الذهبي بيان زغل العلم (ص 64).

(4)

ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية (18/ 524).

ص: 24

أصلح بينهما الأمير سيف الدين بن فضل

(1)

.

وقد حصل لابن كثير رحمه الله امتحان وإيذاء بسبب إفتائه برأي ابن تيمية في مسألة الطلاق، ولم يتبيَّن لي ممن كان هذا الإيذاء والامتحان، وإنْ كان يغلب على الظنِّ أنَّ السبكي طرفٌ في الموضوع، فهو قاضي القضاة في زمانه، وله حوادث مع غير ابن كثير

(2)

.

وهذا من جانب السبكي يُعتبر موقفًا متصلِّبًا في مقابل غيره من العلماء ممن لم يوافق ابن تيمية على ما ذهب إليه إلا أنهم اعتذروا لابن تيمية، واعتبروا أنَّ المسألة لا تَحتمل هذه المفاصلة الشديدة؛ وهذا شيءٌ مما سطرته أقلامهم

(3)

:

قال الذهبي في ذيل تاريخ الإسلام (ص 270 من الجامع): (وإنْ أنتَ عذرت الأئمة في معضلاتهم، ولا تَعذر ابن تيمية في مفرداته؛ فقد أقررت على نفسك بالهوى وعدم الإنصاف!

لا يُؤتى من سوء فهم، بل له الذكاء المفرط، ولا مِنْ قِلَّةِ علم، فإنه بحرٌ زخَّار، بصير بالكتاب والسنة، عديم النظير في ذلك، ولا هو بمتلاعب بالدين، فلو كان كذلك، لكان أسرع شيءٍ إلى مداهنةِ خصومه، وموافقتهم، ومنافقتهم.

(1)

البداية والنهاية (18/ 517).

(2)

طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (3/ 86)، ونقله ابن العماد في شذرات الذهب (6/ 230).

(3)

النصوص المنقولة كثيرة، اخترت منها بعض أقوال مَنْ لا يُوافق الشيخ على فتواه هذه، مع الإنصاف والعدل.

ص: 25

ولا هو يَتفرَّد بمسائل بالتشهي، ولا يُفتي بما اتفق، بل مسائله المفردة يَحتجُّ لها بالقرآن أو بالحديث أو بالقياس، ويبرهنها ويُناظر عليها، ويَنقل فيها الخلاف، ويطيل البحث؛ أُسْوَةَ مَنْ تقدَّمَهُ من الأئمة؛ فإنْ كان أخطأ فيها؛ فله أجر المجتهد من العلماء، وإنْ كان قد أصاب فله أجران).

وقال شيخ الإسلام صالح بن عمر البُلقيني الشافعي في تقريظه للرد الوافر (ص 276): (نعم؛ قد نُسب الشيخ تقي الدين ابن تيمية لأشياء أَنكرها عليه معاصروه، وانتصب للردِّ عليه الشيخ تقي الدين السبكي في مسألتي الزيارة والطلاق

وكلُّ أحدٍ يؤخذ من قولهِ ويترك، إلا صاحب هذا القبر ــ يعني: النبي صلى الله عليه وسلم ــ، والسعيد من عُدَّت غَلَطَاتُهُ، وانحصرت سَقَطَاتُهُ. ثم إنَّ الظنَّ بالشيخ تقي الدين أنه لم يَصدر منه ذلك تهورًا وعدوانًا ــ حاشا لله ــ، بل لعله لرأي رآه، وأقام عليه برهانًا).

وقال الشيخ زين الدين عبد الرحمن التَفَهْنِي الحنفي في تقريظه للردِّ الوافر (ص 282): (وإنما قام عليه بعض العلماء في مسألتي: الزيارة والطلاق، وقضيته وقضية مَنْ قامَ عليه مشهورة، والمسألتان المذكورتان ليستا من أصول الأديان، وإنما هما من فروع الشريعة التي أجمع العلماء على أنَّ المخطئ فيها مجتهد يُثاب، لا يكفر ولا يفسق. والشيخ كان يتكلم في المسألتين بطريق الاجتهاد، وقد ناظره مَنْ أنكر عليه فيهما مناظرة مشهورة، بأدلةٍ يَحتاج مَنْ عارضه فيها إلى التأويل، وهذا ليس بعيب؛ فإنَّ المجتهد تارة يُخطئ وتارة يُصيب، وهو مثاب على اجتهاده وإنْ كان مخطئًا).

ص: 26