المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشبهة الرابعة: دعوى تأثر الإسلام بالبيئة الوثنية - السيرة النبوية في دائرة المعارف البريطانية

[وليد بن بليهش العمرى]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌أولا: الموسوعة البريطانية: تاريخ وأرقام

- ‌مدخل

- ‌أ - السياسة التحريرية لموسوعة البريطانية

- ‌ب- مادة محمد في الموسوعة البريطانية:

- ‌ثانيا: منهج مونتقمري وات في دراسة السيرة النبوية

- ‌ثالثا: قراءة مادة "محمد: النبي ورسالته

- ‌مدخل

- ‌الشبهة الأولى: التشكيك في المصادر العربية

- ‌الشبهة الثانية: التشكيك في نزول الوحي

- ‌الشبهة الثالثة: التفسير المادي لوقائع السيرة

- ‌الشبهة الرابعة: دعوى تأثر الإسلام بالبيئة الوثنية

- ‌الشيهة الخامسة: دعوى خصوصية الإسلام للعرب

- ‌الشبهة السادسة: دعوى أن نبوغ الرسول السياسي وهمته العالية ساعدا على نشر دينه أكثر من كونه نبياً مؤيداً

- ‌الشبهة السابعة: التشكيك في طبيعة علاقة الرسول مع الأنصار

- ‌الشبهة الثامنة: دعوى اضطهاد الرسول لليهود الفاعلين في المجتمع المددني

- ‌الشبهة التاسعة: حمل غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم على وجه مادي بفعي صرف

- ‌الشبهة العاشرة: التشكيك في مقدار اضطهاد مشركي مكة للمسلمين

- ‌الخاتمة:

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌الشبهة الرابعة: دعوى تأثر الإسلام بالبيئة الوثنية

فيه من الدنايا ما فيه، إلا أن اختزال رسالة محمد صلى الله عليه وسلم في برنامج ضيق للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي لضمان حق المستضعفين في توزيع الثروة، والقفز إلى هذه النتيجة، تفسير تلفيقي للأمور يقوم على فرضية أن هذا الدين مختلق وأن الوحي أتى من داخل النبي وهو أمر رددنا عليه في الشبهة الثانية، وإثبات أن الوحي من عند الله سبحانه وتعالى هو إثبات أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يأت به من تلقاء نفسه.

إن أسباب إعلان الدين الجديد معروفة، فمنها: قوله تعالى: {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} يس: 6] ؛ وقول الحق سبحانه وتعالى:

{لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [السجدة: 3]، ويقول ابن كثير: "بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم في حين فترة من الرسل وطموس من السبل، وقد اشتدت الحاجة إليه، فقد كان العرب متمسكين بدين إبراهيم الخليل، فبدلوه وغيروه واستبدلوا بالتوحيد شركا وباليقين شكاً، وابتدعوا أشياء لم يأذن الله بها

فبعث الله محمداً بشرع عظيم شامل كامل في الهداية والبيان لكل ما يحتاج إليه الناس من أمر معاشهم ومعادهم" (1) .

(1) ابن كثير، السيرة النبوية، 1/478.

ص: 28

‌الشبهة الرابعة: دعوى تأثر الإسلام بالبيئة الوثنية

يتحدث وات عن بداية الإسلام بتوحيد غامض لم يتضح إلا فيما بعد، ويقول إن: "الأجزاء الأقدم في القرآن لا تحتوي على أي هجوم على الوثنية،

ص: 28

بل كانت تقول بوجود توحيد غامض (vague monotheism) عند أتباع محمد، ثم أخذ الإلحاح يشتد على وجود إله واحد مع اشتداد النقد لعبادة الأصنام" (1) ، ويدعي أن التوحيد: "لم يكن في الأصل واضح المعالم وبخاصة لم يُبت في أمر اعتبار الكائنات الأقل أهمية [الأصنام] لا تتفق معه تماماً (2) ، ويقول وات بتدرج تطور التوحيد.

واستقراء وات هنا ليس إلا إسقاطاً للنظرة الغربية فيما يتعلق بتطور الأديان على وقائع الدعوة المحمدية، وإيهاماً بأن الرسول لم يكن يدرك حقيقة أبعاد دعوته صلى الله عليه وسلم وما يدعو إليه.

وإذا كان القرآن لم يحاول مهاجمة الوثنية على حد زعمه فماذا عن سورة "الكافرون"، وماذا تعني الآيات:{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ، أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 4-5]{إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} [الأنبياء: 36] ، أليس فيها دليل على وقوع خلاف بين محمد صلى الله عليه وسلم والمشركين حول مفهوم التوحيد ووجوب عبادة الله وحده دون إشراك، ثم ماذا عن سورة الإخلاص، وما فيها من تكريس لهذا المفهوم ونفي مطلق للشرك؟

لقد كانت الفكرة الجوهرية للدعوة الإسلامية منذ البداية هي عقيدة

(1) مونتقمري وات، Muhammad at Mecca، ص 63.

(2)

مونتقمري وات، المرجع السابق، ص 104.

ص: 29

التوحيد وهي عقيدة لم تنشأ تدريجياً، فالرسول صلى الله عليه وسلم أصر في أوائل الرسالة على "لا إله إلا الله" وقريش تساومه (1) .

والتصديق بهذه النظرة المنحرفة يظهر في الموسوعة في مواضع منها:

واعتقد بعضهم أن الله "إله أعلى" يفوق الآلهة الأقل مكانة (2) .

ولم يلبث أن جمع حوله أصدقاء متعاطفين قبلوا دعواه بأنه نبي وصحبوه في العبادات والصلوات الجامعة. ونتجت هذه عن فعل سجود يلمسون فيه الأرض بجباههم اعترافاً بعظمة الرب - لا يزال هذا العمل عظيماً في العبادة الإسلامية (3) .

وتنعكس هذه النظرة المنحرفة أيضاً في تأكيد أهمية الكعبة؛ لكونها معلماً وثنياً مقدساً مما جعلها عظيمة في الإسلام:

ويُرجَّح أنهم أحياناً تعبدوا معاً في الكعبة وهي مكان عبادة لعبدة الأصنام من العرب (4) .

وتُؤكد سور القرآن المبكرة الموحاة إلى محمد خيرية وقوة الرب كما ترى في الطبيعة وفي رفاهية المكيين وتدعو هؤلاء إلى الامتنان إلى "رب الكعبة"،

(1) ابن كثير، السيرة النبوية، ص 124.

(2)

Some men regarded Allah as a “high god” who stood above lesser deities.

(3)

Soon he gathered some sympathetic friends who accepted his claim to be a prophet and joined him in common worship and prayers. These culminated in an act of prostration in which they touched the ground with their foreheads in acknowledgment of God's majesty—still a cardinal act in Islamic worship.

(4)

It is probable that they sometimes worshipped together in the Ka’bah، a sanctuary of the Arab pagans.

ص: 30

الذي عرف على أنه الرب (1) .

ويُقترح في بعض الأحيان أن السبب الرئيس وراء المعارضة هو خوف التجار من أن الدين الجديد لن يعترف بالكعبة مكاناً مقدساً، ولكن هذا الاقتراح بعيد عن الواقع. لقد كان هناك بالتأكيد هجوم على الأصنام ظهر في القرآن، وبدأ الإسلام يُنتقد لتمسكه بأنه "لا إله إلا الله"، ولكن لم يكن هناك هجومٌ على الكعبة، والأصنام المذكورة كان لها معابدها الرئيسة في أماكن أخرى (2) .

في صيف عام 621م أعلن اثنا عشر رجلاً من المدينة خلال زيارتهم لمكة من أجل الحج السنوي إلى الكعبة (التي كانت لم تزل معبداً وثنياً) إسلامهم سراً وعادوا للدعاية له في المدينة (3) .

والتاريخ يشهد أن الكعبة كانت معلماً توحيدياً رفع قواعدها إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، رَبَّنَا

(1) The earliest passages of the Qur’an revealed to Muhammad emphasize the goodness and power of God as seen in nature and in the prosperity of the Meccans and call on the latter to be grateful and to worship “the Lord of the Ka’bah،” who is thus identified with God.

(2)

It is sometimes suggested that the main reason for opposition was the merchants’ fear that the new religion would destroy the recognition of the Ka’bah as a sanctuary، but this is unlikely. Certainly attacks on idols appeared in the Qur'an، and Islam began to be characterized by the insistence that “there is no god but God” (Allah) ، but no attack was made on the Ka’bah، and the idols mentioned had their chief shrines elsewhere.

(3)

In the summer of ، men from Medina، visiting Mecca for the annual pilgrimage to the Ka’bah (still a pagan shrine) ، secretly professed themselves Muslims to Muhammad and went back to make propaganda for him at Medina.

ص: 31