الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورتشارد بي وتيودور نودلكه وبروكلمان، ويصل به التأثر ببعضهم إلى القول:"إن مخالفة قولد زيهر ليست بالأمر السهل"(1) .
وبما أن الموسوعة البريطانية استكتبت وات ليشارك فيها بمادة "محمد: النبي ورسالته"، فليس من الغريب أن يؤثر منهجه فيما كتب في المادة وأن تعكس كثيرا من آرائه، وهذا ما سنحاول الوقوف عليه في المحور الآتي.
(1) مونتقمري وات،Muhammad at Mecca، ص 82.
ثالثا: قراءة مادة "محمد: النبي ورسالته
"
مدخل
…
ثالثا: قراءة مادة "محمد: النبي ورسالته":
كتبت المادة تحت العنوان التالي Muhammad: the Prophet and his message أي " محمد: النبي ورسالته"، ومن يعرف تاريخ تهجئة اسم نبينا الكريم عبر تاريخ الاستشراق يرى أن هذه التهجئة تسامت عن التحيز البائن الذي اتصفت به كتابات المستشرقين في الشطر الأول الطويل من تاريخ الاستشراق، فإنها حرِّفت عمداً في العصور الأوروبية الوسطى إلى Mohound التي كان من بين معانيها الشيطان وأمير الظلام (2) ، وكتبت تارة Mohomet وتارة Mahomet كما في كتاب فولتير الموغل في الإجحاف Mahomet أو "محمد" الذي نشر عام 1742، وفي الترجمة الفرنسية الأولى للقرآن الكريم التي أخذت عنها الترجمة الإنجليزية الأولى، وهي تهجئة تحاكي النطق التركي للكلمة – وإن كانت محرفة عنها –، ولا غرو فأوروبا كانت تعدّ الخطر العثماني الزاحف وخطر الإسلام أو المحمدية Mahometanism
(2) مونتقمري وات، المرجع السابق، ص xi.
كما أطلقوا هذا اللفظ على الدين احتقاراً (1) ، وهذا التحامل يظهر جلياً على غلاف أول ترجمة فرنسية-إنجليزية لمعاني القرآن الكريم، حيث كتب إن هذه الترجمة أعدت "لإرضاء كل من عنده الرغبة في معرفة زيف الأتراك"، بل وإنه حتى الطبعة الحادية عشرة من الموسوعة البريطانية التي تعد طبعة كلاسيكية، وأكثر طبعات الموسوعة شهرة كتب فيها اسم نبينا الكريم وفق التهجئة Mahomet وكيلت فيها الأكاذيب كيلاً. ومن يعرف هذا التاريخ يرى بأن تهجئة اسم نبينا الكريم في هذه المادة سليمة تتسامى عن تلك الأكاذيب واضحة التعسف والخطأ.
ولكن هذه هي مزية الدراسات الاستشراقية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وتحديداً عام 1840م، عندما ألقى رجل الدين الإنجليزي توماس كارلآيل سلسلة محاضرات بعنوان "عندما يكون البطل نبيا:"محمد والإسلام"؛ إذ شكلت نقطة تحول في الفكر الاستشراقي حيث كشف فيها كثيراً من الحقائق التي تتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام.
والحقيقة هي أن النصف الثاني من القرن التاسع عشر شهد نظرة جديدة إلى الإسلام ونبيه، ذلك أن عصر التنوير الأوروبي كان من جوانب عديدة متحرراً من النزعة اللاهوتية المعادية للإسلام، التي شجعتها الكنيسة في أوروبا، إلا أن النظرة الجديدة لم تأت خالية من التحيز والتحريف والتشويه المعهود، حيث أصبح المستشرقون يميلون إلى "صدق الرسول" ولكن قالوا بأن
(1) يناقش الدكتور جان جبور تطور نظرة الغرب للمسلمين من أعمال بارزة كشفت عن مختلف المراحل التاريخية التي مرت بها هذه النظرة عبر تاريخ لقاء الحضارتين في كتابه: النظرة إلى الآخر في الخطاب الغربي.
الوحي الذي تلقاه كان من حديث النفس ومن الحيل النفسية التي خدع بها نفسه ليجابه محيطه الاجتماعي الذي ساءه جداً (1) .
ويرى الدكتور عبد العظيم الديب واقع الاستشراق الحديث ليس فيه موضوعية ولا منهجية ولا استقامة "وإنما كان هذا التغير أو التطور في الأساليب ضرورة أملتها الظروف وواقع الحال، وكان لابد من تغيير الأساليب لتتلاءم وتتواءم مع المواطن الأوروبي المسيحي نفسه – المخاطب أصلاً بالدراسات الاستشراقية – فحيثما كان العصر عصر أمية وجهالة وهمجية كان يكفيهم أن يكتبوا لهم سباً وشتماً في الإسلام ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وفي المسلمين، حتى يقبحوه ويشوهوه في أعينهم وينفروهم منه. وأما مع التطور والاستنارة ومعرفة هؤلاء الأوروبيين بالمسلمين والإسلام، نتيجة للاحتكاك في القتال والتجارة والانتقال فكان لابد من أن يغير هؤلاء أساليبهم، حتى تنطلي على عقول الأجيال الجديدة، وكان تغيير الأساليب يتلاءم ويتواءم مع درجة معرفة هؤلاء عن الإسلام والمسلمين"(2) .
وإذا ما جمعنا الأفكار والآراء المعروضة في مادة محمد في الموسوعة البريطانية وربطنا بين أجزائها فإننا نخرج بتصور عام عن القضايا الرئيسة التي تركز عليها، والشبه والطعونات التي تسوقها. وقد اجتهدت في استخلاص هذه القضايا الكلية وأدرجت تحت كل واحدة منها ما يتصل بها مما ورد في المادة، وأود أن أؤكد هنا الأمور التالية:
(1) محمد مهر علي، and the Orientalists Sirat al-Nabî صلى الله عليه وسلم، ص viii.
(2)
عبد العظيم الديب، مرجع سابق، ص 346.
أولا: أهمية رجوع القارئ إلى المادة وقراءتها؛ ليكوِّن انطباعاً عاماً عمَّا كتب في المادة، إذ إن الأمثلة المستشهد بها مأخوذة من ذلك السياق.
ثانياً: أني ركزت في مناقشتي هنا على القضايا والطعونات الأساسية التي تعد أفكاراً مركزية في الفكر الاستشراقي المعاصر والتي تكشف تعسفهم في التفسير والاستنتاج والخروج بالنتائج قبل تحليل الحقائق.
ثالثاً: أن بعض الآراء المطروحة في المادة أهم من بعضها الآخر والتركيز عليها يكون أكبر في المادة، ولكن يظهر جلياً ترابط هذه الآراء وقيامها على القاعدة نفسها وسيرها في اتجاه واحد، أي أن نتائجها تعزز الفكرة نفسها التي يخرج بها قارئ المادة عن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ولا يناقض بعضها بعضاً.
رابعاً: إذا كانت آراء مونتقمري وات والشبه التي يثيرها - وهو الكاتب الأساس لمادة "محمد: النبي ورسالته" التي أتناولها تحليلاً في هذا البحث -ذات علاقة توضيحية بما ورد في الموسوعة وتفيد في فهم الشبه المذكورة- أذكر آراءه وفقا لما تقتضيه هذه الحاجة؛ لأن ما يظهر في الموسوعة لا يعدو كونه رأس جبل الجليد الكامن تحت الماء، إذ إن الشبه التي تعرضها الموسوعة تناقش بشكل أوسع في كتابات وات، ونحتاج في مواضع إلى تنبيه القارئ لهذا الخطر.
خامساً: إظهاراً للحق وجَلْواً للبس أقوم بالرد على هذه الشبه كلٍّ على حدة؛ متسلحاً في ذلك بردود عدد من الباحثين المسلمين (1) الذين درسوا هذه
(1) ومن الكتابات التي ناقشت آراء مونتقمري وات خاصة وغيره من المستشرقين:
1-
محمد مهر علي، Sirat al-Nabi صلى الله عليه وسلم and the Orientalists.
2-
عبد الله محمد النعيم، الاستشراق في السيرة النبوية.
3-
عبد الرحمن أحمد سالم، "قراءة نقدية في كتابات مونتقمري وات في السيرة النبوية".
4-
جعفر شيخ إدريس، "منهج مونتقمري واط في دراسة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم".
5-
عماد الدين خليل، "المستشرقون والسيرة النبوية: بحث مقارن في منهج المستشرق البريطاني المعاصر مونتقمري وات".